السبت، 30 مايو 2020

ترامب يهدّد بـ «الرصاص» وبـ «الكلاب الأكثر شراسة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

... من ترهيب متظاهري مينيسوتا بـ«الرصاص» إلى تهديد المحتجين أمام البيت الأبيض بـ»الكلاب الأكثر شراسة»، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب، بدأ يفتش عن «كبش فداء» لسياسته «المتذبذبة»، وبدأ في استخدام «منطق القوة» ولو كلامياً، في وقت تردد أن كبار الخبراء العاملين في إدارته أبلغوه أن وضعه الانتخابي سيئ، وأن عليه القيام بإجراءات بشكل سريع أو الخسارة، وهو ما يبدو أنه دفع ترامب للقيام بما يقوم به، على عجل، وبكثير من الارتباك، وتالياً الأخطاء.
المشكلة الأكبر التي تواجه ترامب حالياً، تهب عليه من مدينة مينيابوليس، (ولاية مينيسوتا الشمالية)، إثر وفاة الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد (46 عاماً)، اختناقاً، بعدما طرحه شرطي أبيض يدعى ديريك شوفين أرضاً، وثبّته بوضع ركبته على رقبته للاشتباه بأنه كان يريد ترويج عملة ورقية مزورة بقيمة 20 دولاراً.
حينها، قام مارة بالتقاط فيديوهات صورت الحادثة بالتفصيل، وأظهرت فلويد يردد «لا أستطيع أن أتنفس»، و«أمي». وانتشر الفيديو كالنار في الهشيم، ما دفع السلطات إلى فرض حظر تجول الجمعة في مينيابوليس بعد ثلاث ليال من الاحتجاجات وأعمال النهب.
وقال حاكم ولاية مينيسوتا تيم فالز للصحافيين في وقت مبكر أمس، إن مسؤولين تعرضوا لإطلاق نار. وأضاف: «هذا لا علاقة له بموت جورج، ولا بعدم المساواة التي هي أمر حقيقي. هذه فوضى». 
وتُذكّر قضية فلويد، بموت إيريك غارنر، الرجل الأسود الذي توفي اختناقاً خلال توقيفه في نيويورك في العام 2014 على أيدي شرطيين بيض. وكان قال هو أيضاً حينذاك «لم أعد قادراً على التنفس»، وهي جملة أصبحت شعاراً تردّده حركة «حياة السود تهمّ». 
وشهدت مينيسوتا أيضاً، موت سائق سيارة أسود، فيلاندو كاستيلي، خلال عملية تدقيق عادية في الهويات أمام صديقته وابنته.
ووجهت السلطات الى شوفين تهمة القتل من الدرجة الثالثة، أي القتل غير العمد، إضافة الى تهمة الإهمال الذي تسبب بالموت. 
وقال مايك فريمان، ممثل الادعاء لمقاطعة هينبين، إن التحقيق مستمر مع شوفين الذي قد يحكم عليه بالسجن 25 عاماً في حالة إدانته. 
وأضاف ممثل الادعاء أنه يتوقع توجيه اتهامات للضباط الثلاثة الآخرين، الذين شاركوا في الواقعة.
لكن توجيه الاتهام فشل في تهدئة مجتمع السود بعد أن أعادت حادثة مقتل فلويد نكء جرح العنصرية وانعدام المساواة من جديد، لتمتد أعمال الشغب من نيويورك الى لوس أنجليس، في إحدى أسوأ الليالي التي تشهد أعمال عنف منذ سنوات.
كما تظاهر مئات الأشخاص مساء الجمعة خارج البيت الأبيض، تعبيراً عن غضبهم، مطالبين بـ«العدالة لجورج فلويد»، وملوّحين بشعارات بينها «توقّفوا عن قتلِنا» و«حياة السود مهمّة». 
وأمس، أشاد ترامب بطريقة تعامل جهاز الخدمة السرية مع المتظاهرين، قائلاً إنه لو تسللوا إلى مقر الرئاسة لواجهوا «الكلاب الأكثر شراسة».
وذكر في سلسلة تغريدات: «كنت في الداخل وتابعت كل خطوة، ولم يكن بوسعي أن أشعر بنفسي في أمان أكبر»، مشيراً إلى أن عناصر الأمن سمحوا للمحتجين بالصراح والهتاف قدر ما شاؤوا، لكن كلما تصرف أي من المتظاهرين بطريقة جريئة جرى التعامل معه على وجه السرعة.
وتابع أن حشد المتظاهرين «كان كبيراً ومنظماً بشكل مهني، غير أنه لم يستطع أي منهم الاقتراب من سياج البيت الأبيض. «لو تمكنوا من ذلك، لكانت سترحب بهم هناك الكلاب الأكثر شراسة والأسلحة الأكثر رعباً، وكان هؤلاء الناس سيصابون بجروح بليغة على الأقل، وكان كثير من عناصر الخدمة السرية في الانتظار مستعدين للتصرف».
وفي تغريدة أخرى، شن ترامب هجوماً حاداً على عمدة واشنطن الديموقراطية موريل باوزر، قائلاً إنها تبحث دائما عن الأموال والمساعدة لكنها لم تسمح لشرطة المدينة بالتدخل بدعوى أن «هذه لسيت مهمتهم».
وكان ترامب وصف في تغريدة غداة مقتل لويد، الحادثة بأنها «دنيئة ومفجعة». 
وأعلن أنّه تحدّث إلى عائلة الضحية، قائلاً «أتفهّم الألم، وعائلة جورج لها الحقّ في العدالة». 
لكن بعدما قام متظاهرون بإحراق مراكز شرطة في مينيابولس، بثّ الرئيس، تغريدة ثانية، هددهم فيها بـ«الرصاص»، في حال مواصلتهم أعمال التكسير، الأمر الذي حمل وسائل الإعلام الى تداول عنوان «ترامب يهدد المتظاهرين بـ(مينيسوتا) بالرصاص». 
من جانبه، قام «تويتر» بتصنيف التغريدة على أنها تتنافى ومبادئ الموقع، والتي تعارض التحريض على العنف، فتأجج بذلك صراع كان بدأ قبل أيام بين الرئيس وموقع التواصل الاجتماعي، ودفع ترامب لاصدار مرسوم اشتراعي لتحميل المواقع مسؤولية ما ينشره الناس عبرها.
وانخرط الرئيس في حملة مناوشات عبر التصريحات مع عضو جمهوري سابق في الكونغرس، وأحد أبرز مقدمي البرامج التلفزيونية الصباحية على شبكة «أم أس ان بي سي» المحسوبة على الديموقراطيين يدعى جو سكوربرو، وهو من نيويورك مثل ترامب وبين الرجلين علاقة قديمة. 
وسكوربرو، من أبرز معارضي ترامب وممن يشنون عليه هجمات متواصلة، وهو ما حمل الرئيس على بث تغريدة اتهم فيها سكوربرو بالضلوع في موت امرأة كانت تعمل في صفوف فريقه في الكونغرس. 
وبسبب الاتهام من دون أي سند قانوني، قام «تويتر» بإضافة إشارة الى تغريدة ترامب اعتبرت أن المعلومات غير صحيحة، وأرفقت روابط الى مواقع تشرح ملابسات موت المرأة، التي أشارت المحاكم في الماضي الى موتها بسبب أزمة صحية فيما كان سكوربرو في ولاية ثانية. 
أدت إشارة «تويتر» إلى استشاطة غضب الرئيس الجمهوري، فقام بإصدار مرسوم اشتراعي يساوي بين مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإعلام التقليدي، أي أن القيمين على مواقع التواصل صاروا، مثل محرري وناشري الإعلام، يتحملون مسؤولية ما يبثونه عبر مواقعهم. 
على أن مرسوم ترامب يعني أن على «تويتر» حذف تغريدات ترامب، وعدم الاكتفاء بإضافة إشارة تنوه باحتمال عدم صحتها. بذلك، يكون الرئيس قام بعكس ما يريد، إذ هو كان يسعى الى استخدام سلطته لمنع مواقع التواصل من التعرض لأي من تغريداته، لكن مرسومه يجبر المواقع على تشديد القيود على هذه التغريدات.
ثم أن غضب الرئيس الأميركي وتشريعه، الذي يشبه الرقابة، لا يتوافق مع مزاج قاعدته الانتخابية بين الجمهوريين، الذين يقدسون «التعديل الأول» من الدستور، الذي يصون حرية الرأي بالمطلق.
هكذا، في وقت بدا ترامب وكأنه يرغب في اطلاق النار على المتظاهرين، استبق تصريحه بمرسوم يمنح شركات مواقع التواصل صلاحية فرض الرقابة على ما يتم بثه عبر مواقعها. 
وقبل أن تكتمل بهلوانيات ترامب التي تساهم في تقليص شعبيته وفرصه للفوز بولاية ثانية، كرر الرئيس الأميركي، اتهاماته لسلفه أوباما بالقيام بخطوات غير قانونية لمراقبة حملته الانتخابية قبل خروج أوباما من الحكم مطلع العام 2017، وهي اتهامات يصفها ترامب بـ»أوباما غيت»، نسبة الى فضيحة «ووترغيت» التي أطاحت بالرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون في العام 1974. 
ويعتقد الخبراء أن ترامب يبحث بشكل متواصل عن «كبش فداء» يسلّط عليه غضب مؤيديه، ويستخدمه لتشتيت الانتباه عن المشاكل الأكبر التي قد يتم تحميل مسؤوليتها إليه، مثل كيفية تعاطيه مع مقتل فلويد أو في كيفية تشريعه مرسوماً، عكس مصالحه وعكس مزاج قاعدته.
على أن مشكلة هجوم ترامب على أوباما تكمن في أن الأخير يتمتع بشعبية أكبر من الرئيس الجمهوري بكثير، حتى بين بعض الجمهوريين. 
وفي هذا السياق، أورد موقع «فايف ثيرتي آيت» المتخصص بشؤون الاستطلاعات الانتخابية، أن «في استطلاعات الرأي الأربعة الأحدث التي نظرنا إليها، قال ما بين 45 و 58 في المئة من المستقلين إن لديهم وجهة نظر مؤيدة لأوباما، في حين قال 29 إلى 39 في المئة فقط من المستقلين إنهم يؤيدون ترامب». 
وتابع الموقع أن في «معظم هذه الاستطلاعات، يتمتع أوباما بجاذبية أكبر من ترامب، ففي استطلاع (هارفارد/‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏هاريس)، على سبيل المثال، أعلن 27 في المئة من الجمهوريين إن لديهم رأيا مؤيداً لأوباما، مقارنة بـ14 في المئة من الديموقراطيين الذين لديهم رأي مؤيد لترامب».

الخميس، 28 مايو 2020

روسيا تكثف مساعيها لتسوية في سورية لمواجهة... خطر اندلاع «انتفاضة جياع»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يرى مسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن إعلان مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون عقد لقاءات للجنة الدستورية السورية في جنيف، في أول فرصة يسمح فيها انحسار فيروس كورونا المستجد، بالسفر واللقاءات، يشي بادراك روسيا أن الانتصار الذي تعتقد أنها حققته في سورية صار في خطر، وأن نظام الرئيس بشار الأسد صار ضعيفاً جداً وغير قادر على تفادي اندلاع مجاعة كان حذّر منها برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة. 
ويعتقد المسؤولون أن مع اقتراب روسيا من استعادة سيادة الأسد على معظم الأراضي السورية، برز ما أهو أخطر لبقاء النظام من المعارضة المسلحة: الفقر المدقع والمجاعة. ويعتبرون أن أولى بوادر اندلاع انتفاضة جياع بين السوريين بدأت تظهر في الجنوب.
وتتألف اللجنة الدستورية من 150 عضواً، ثلثهم من النظام، وثلثهم من المعارضة، والثلث الأخير من ممثلي المجتمع المدني عينتهم الأمم المتحدة. 
إلا أن الباحث في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» تشارلز ثيبو، يرى أن روسيا وتركيا تسيطران على الثلث الذي يفترض أنه يمثل المجتمع المدني، وأن موسكو تسعى لاستغلال مفاوضات هذه اللجنة للتظاهر وكأن السوريين توصلوا الى حل، وهو ما يؤدي الى رفع العقوبات عن سورية والإفراج عن أموال المساعدات الغربية لإعادة الإعمار، وهو ما يفتح لأصدقاء الرئيس فلاديمير بوتين وشركاتهم أبواباً لعقود كثيرة وأرباح.
أما في حال استمرار العقوبات على سورية، ومع دخول سلسلة جديدة منها حيز التنفيذ، يوم الاثنين، في إطار «قانون قيصر» الذي وافق عليه الكونغرس ووقعه الرئيس دونالد ترامب، فان آمال الروس المعلقة على العقود في سورية لن تخيب فحسب، بل ان تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السورية الذي ينذر بانفجار اجتماعي قد يطيح بالأسد ونظامه، فيخسر الروس كل شيء. 
«لسنوات»، كتب ثيبو على موقع معهده، «حاول مبعوثو الأمم المتحدة التوصل الى تسوية سياسية بين الأطراف السورية، لكنهم وجدوا أنفسهم مشلولي الحركة من قبل موسكو، التي كانت تحمي النظام من عواقب رفضه التفاوض مع المعارضة». 
لكن الروس أبدوا اهتماماً بموضوع الإصلاح الدستوري، «فصار العمل من أجل وضع دستور (سوري) جديد محور نقاش بين الولايات المتحدة وروسيا، في مارس 2015» 
بعد شهرين، قدمت موسكو المسودة الأولى التي رفضتها - بشكل قاطع - كل فصائل المعارضة، وقدمت مسودة ثانية في يناير 2017، مع رفض مماثل من المعارضة. 
مع ذلك، يقول ثيبو، اقترح الروس، في مايو 2017، «مؤتمر مصالحة وطنية في سوتشي، ثم ساعدوا النظام على اختيار الفصائل السورية التي ستتم دعوتها لمناقشة دستور جديد، وبحلول نهاية ذاك العام، ظهر الإصلاح الدستوري باعتباره أحد المكونات الأساسية لمذكرة دا نانغ، التي أصدرها بوتين وترامب»، خلال لقائهما في المدينة الفيتنامية آواخر العام 2017. 
وقتذاك، كما اليوم حسب الباحث الأميركي، «بدت موسكو وكأنها تنظر إلى الإصلاح الدستوري كإطار مرن لبدء عملية ديبلوماسية دولية، وكتم صوت المنتقدين الغربيين، مع الحفاظ على نهجها السياسي، والحد من نطاق أي تغيير في سورية، رغم أن قرار مجلس الأمن 2254 دعا إلى عملية سياسية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية هي حكومة انتقالية، وانتخابات حرة ونزيهة، ودستور جديد». 
لكن موسكو قامت بتخفيف النقاش تدريجياً حتى صار ينحصر بموضوع الدستور وحده.
إلا أن الوقت ليس في مصلحة روسيا، ففي الثامن من مايو الجاري، حذّر ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، مجموعة من الأميركيين في «مجلس الأطلسي» من إمكانية اندلاع مجاعات قاسية في عدد من الدول، منها سورية. 
وفي ندوة عبر الإنترنت، دعا المسؤول الأممي، واشنطن الى زيادة مساهمتها في دعم عمل وكالته. وقال إنه «في عام 2019، ساهمت الولايات المتحدة بـ 3.4 مليار دولار للبرنامج، أي نحو 40 في المئة من إجمالي تمويله، أما هذا العام، فبلغت المساهمات حتى الآن 1.62 مليار دولار، تصدرتها 415 مليون دولار من الولايات المتحدة، و265.2 مليون من ألمانيا، و148.8 مليون من السويد».
وفي تقريره الأخير عن عملياته في سورية، أعلن برنامج الغذاء العالمي، أن «أسعار المواد الغذائية واصلت ارتفاعها بنسبة 16 في المئة من مارس إلى أبريل. كما ارتفع سعر سلة الغذاء الوطنية لبرنامج الأغذية العالمي بنسبة 111 في المئة، مقارنة بما كان عليه قبل عام، ليصل إلى أعلى المستويات المسجلة منذ بداية الأزمة».
ومع ارتفاع أسعار الغذاء في سورية وانخفاض في احتياطات النقد المتوافرة لبرنامج الغذاء، قام المسؤولون الأمميون بتخفيف عدد السعرات الحرارية اليومية التي يقدمونها للمحتاجين السوريين، وحذر البرنامج من أن المضي في الانخفاض قد يؤدي الى انتشار المجاعة.
«يحتاج برنامج الغذاء العالمي إلى 283 مليون دولار لمواصلة العمليات حتى أكتوبر 2020»، بحسب ما ورد في التقرير الأممي. «وبسبب قيود التمويل، ولتقنين الموارد المتاحة، اضطر البرنامج إلى تخفيض السعرات الحرارية لسلة الغذاء في شمال غربي سورية، بشكل طفيف، ابتداء من أبريل». 
وأضاف التقرير أنه «من دون تمويل إضافي، يمكن توقع المزيد من التخفيضات في السعرات الحرارية في الأشهر المقبلة».
وتابع أن «الاقتصاد السوري في تدهور، مع انخفاض في قيمة العملة الوطنية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية بوتيرة متسارعة، وهذه أزمة تتفاقم مع آثار جائحة كوفيد - 19، بما في ذلك الإقبال السريع على الشراء للتموين استباقا لتدابير الحكومة مثل القيود على الحركة».
وسبق لبرنامج الغذاء العالمي، أن أورد، في تقريره السنوي، أن 7.9 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة قدرها 22 في المئة في عام واحد فقط، وأن«الأزمة الاقتصادية الحادة أدت إلى مستويات من انعدام الأمن الغذائي... وهو ما اضطر بعض الأسر الى تخفيض وجباتها اليومية من ثلاث وجبات إلى وجبتين، وهناك زيادة في عدد الأشخاص الذين يشترون المواد الغذائية عن طريق الاستدانة، فيما تبيع العائلات الأصول والماشية لتوفير المزيد من الإيرادات».

الأربعاء، 27 مايو 2020

ارتياح أميركي لارتطام الاقتصاد بـ «القعر»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تنفّس المسؤولون الأميركيون الصعداء، بعدما أجمع الخبراء على أن الاقتصاد «ارتطم بالقعر»، وهي العبارة التي تعني أن لا هبوط ممكنا بعد ذلك، وأن الاتجاه الوحيد المتاح هو العودة إلى الصعود والنمو. وأظهرت سلسلة من التقارير الاقتصادية ارتفاعاً في مبيعات تذاكر السفر، وحجوزات الفنادق، وفي عدد الشاحنات التي تحمل البضائع في عموم البلاد. 
كما لاحظ الاقتصاديون عودة المستهلكين إلى الإنفاق، ما من شأنه إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، وتالياً عودة معظم بقية الأعمال إلى سابق عهدها. 
وبدا أن المسؤولين والخبراء الأميركيين صاروا يشعرون بأن «أسوأ ما في كورونا قد مر»، وأن الأمر الوحيد الذي يخيفهم هو إمكانية عودة فيروس كورونا المستجد في موجة ثانية تجبر بعض الولايات على العودة إلى الحجر الصحي، كلياً أو جزئياً.
ورغم الاعتقاد السائد بأن «كورونا» يبدو في طريقه الى الانحسار الى غير رجعة، ما زال بعض العلماء يحذّرون من إمكانية التراخي في التعامل مع الوباء، وهو ما قد يسمح بتجدده وعودته في موجة ثانية. 
ولا تبدو المعركة الأميركية مع الفيروس في نهايتها بعد، اذ تتوقع النماذج الحسابية أن يرتفع عدد الوفيات في الصيف بواقع 70 إلى 100 ألف حالة. 
ونهاية الصيف عند الأميركيين هي «عيد العمل»، الذي يصادف هذا العام في السابع من سبتمبر. 
وتعدى عدد الوفيات في الولايات المتحدة، حايلاً، عتبة المئة ألف، رغم الانخفاض الكبير في حالات الوفيات اليومية، من 2200 في أيام ذروة الوباء الى أقل من 600 يومياً على مدى الأيام الماضية. 
كما تقدمت دولة أخرى، للمرة الأولى منذ أسابيع، على أميركا في عدد الوفيات اليومية، اذ سجّلت البرازيل أكثر من 800 حالة وفاة قبل حلول منتصف الأسبوع، فيما حلّت أميركا الثانية عالمياً بتسجيلها 503 وفيات.
ويأمل آشيش جاه، رئيس معهد الصحة العالمية في جامعة جونز هوبكنز المرموقة، أن تكون الأرقام المتوقعة للوفيات في الصيف «غير صحيحة». ويقول إن هناك بعض الأمل في أن تكون حالات الوفيات أقلّ من ذلك، اذ سيدفع فصل الصيف الناس الى قضاء وقت أطول في الخارج، فيما المعروف أن الفيروس ينتقل في الأماكن المغلقة بسهولة أكبر.
«لكن الوجه الآخر للإفادة الموسمية من الصيف هو ما سيكون بالتأكيد سقوطاً، وشتاء صعباً جداً» بسبب عودة الناس الى الاختلاط في الأماكن المغلقة، «وهو ما يمكنه أن يؤدي إلى موجة من الحالات قد تكون أكبر من الموجة التي مررنا بها للتو، وعلينا أن نستعد لذلك، اذ لا يمكننا أن نتفاجأ في المرة المقبلة كما تفاجأنا هذه المرة»، يتابع جاه، في مقابلة مع إذاعة «ان بي آر» شبه الرسمية.
ويضيف، «لا يمكن حبس الناس في بيوتهم حتى نهاية هذا الوباء بالكامل، وأفهم أن الناس بحاجة للخروج، وتمضية الوقت في الخارج أمر جيد، ولكن علينا الحفاظ على قدر معين من التباعد الاجتماعي». 
ويتابع الخبير الأميركي: «أعتقد أن ارتداء القناع مهم حقاً، والأداة الأخرى الوحيدة التي نمتلكها في صندوق أدواتنا هي زيادة نسبة الفحوصات للكشف عن المصابين، بالتزامن مع برنامج تتبع وعزل». 
ويضرب جاه، وخبراء الصحة العامة الأميركيون، المثال بدول يعتقدون أنها أبلت بلاء حسنا في مكافحة انتشار الوباء، وفي صدارتها تأتي كل من كوريا الجنوبية وألمانيا، والتي نجحت في فرض برنامج فحوص كشف مكثف، بالتزامن مع التتبع والعزل. 
والى أن تعود الموجة الثانية، في حال عادت، والى أن يتوصل العلماء لاكتشاف علاج أو لقاح، يبدو أن غالبية الأميركيين عقدت العزم على «التعايش مع كورونا»، وهو ما بدا جليا في عطلة نهاية الأسبوع الطويلة، بسبب «عيد الشهداء» الذي صادف يوم الاثنين، وصادف كذلك مع ارتفاع في درجات الحرارة وتحسن في الطقس، ما دفع عشرات الآلاف إلى التنقل في سياراتهم قاصدين المنتزهات أو الشواطئ، وبدا بعض الطرق السريعة مكتظة وكأنها في «ساعات الذروة» التي تسبق ساعات العمل أو تليها عادة.
لكن الازدحام هذه المرة لم يرق في حجمه إلى أي من السنوات الماضية، إذ سجل رقماً قياسياً في معدله المنخفض، حتى أن منظمة «تريبل آي»، التي تصدر تقارير دورية عن حركة السير، أعلنت أنها لن تصدر أي تقارير هذا العام بسبب الوباء والانخفاض التاريخي في عدد المركبات على طرقات البلاد.
وفيما تبدو الولايات المتحدة في طريقها إلى التحسن والعودة إلى طبيعتها، يكاد يجمع الاقتصاديون أن أميركا لن تعود إلى ما كانت عليه تماماً قبل 3 نوفمبر، أي موعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي يأمل فيها الرئيس دونالد ترامب بفوزه بولاية ثانية.
ومع إمكانية عودة الاقتصاد إلى عافيته، وإنما ببطء، ومع استطلاعات رأي تجمع على أن الديموقراطيين قد يفوزون في الانتخابات المقبلة بموجة عارمة تشبه انتصارهم الكاسح في انتخابات 2018، بدا الإحباط على ترامب، خصوصا في تغريداته، التي خصصها لإقناع مؤيديه أن الانتخابات ستكون مزيفة، وهو ما أثار رعب كثيرين، من الحزبين، من مغبة أن يرفض الرئيس الجمهوري ترك البيت الأبيض في حال خسارته، ما من شأنه أن يؤدي الى أزمة دستورية لا سابق لها في تاريخ الجمهورية الأميركية.
وفي محاولة لدفع الاقتصاد للنمو بوتيرة أسرع، واصل ترامب حضه الولايات على تخفيف القيود، بل رفعها تماماً. كما حض الأميركيين على العودة إلى ما كانوا عليه قبل الوباء والحجر. 
وفي محاولته لتأكيد أن الحياة عادت إلى طبيعتها، استغل الرئيس فرصة نهاية الأسبوع و«عيد الشهداء» ليمارس رياضة الغولف المفضلة لديه، وهو ما انقض عليه الديموقراطيون فوراً، وراحوا يبثّون دعايات متلفزة أظهرت صورا لآلاف الأميركيين المصابين بوباء «كوفيد - 19» يعانون في المستشفيات، تخللتها صور ترامب وهو يلعب الغولف في محاولة لإظهار وكأنه لا يكترث لمصير الأميركيين.

الثلاثاء، 26 مايو 2020

رسالة إلى الإسرائيلي يوسي كلاين هاليفي

حسين عبدالحسين

عزيزي يوسي، تحية وبعد، 

وقعت على كتابك المعنون "رسائل إلى جاري الفلسطيني"، ولم أضعه جانبا إلى أن قرأته كاملا. ثم طالعت صفحتك على موقع فيسبوك، ورأيت أن عربا كثيرين راسلوك، بعضهم بادلك الود والسعي للسلام، وبعضهم الآخر حذّر من الطيبة التي تظهرها قائلا إنها أسلوب صهيوني مخادع معروف يهدف لاختراق دنيا العرب استخباراتيا، من ناحية، ومن أجل التطبيع، من ناحية ثانية، وكأن التطبيع من ضروب الكفر بالدين.

اسمح لي أولا أن أتقدم لك بالتهنئة على أسلوبك الكتابي الشيّق، الذي يعكس صدقا وسعيا لكلمة سواء، وهو ما لمسته في عبارات تتجاوز في جرأتها ما سبق أن قرأته من اليمين الإسرائيلي، مثل في قولك "إننا نُقر كإسرائيليين بأننا قد تجاهلنا (الفلسطينيين) لسنوات طويلة، وعاملناهم وكأننا لا نراهم"، وفي حديثك عن "مظاهر الظلم التي رافقت وجود الاحتلال"، وفي اعتبارك أن مسؤولية الوصول إلى طريق مسدود للسلام "لا تقع على عاتق الجانب الفلسطيني وحده، فالجانب الإسرائيلي يتحمل جزءا كبيرا من هذه المسؤولية أيضا"، بما في ذلك مواصلة "بناء المستوطنات في الوقت الذي كانت تجري فيه مباحثات أوسلو"، ولم يسبق أن قرأت نصا فلسطينيا يتحمل أي جزء من مسؤولية الشقاء الفلسطيني، إذ من وجهة النظر العربية، إسرائيل هي المشكلة ـ أولها، وأوسطها، وآخرها. أما العرب، فمظلومون دائما، وهو ما يمنع عنهم الملامة.

اسمح لي ثانيا أن أخبرك أني لست فلسطينيا، بل عراقيا لبنانيا. ومع أني أرى أن السلام مع إسرائيل شأن الفلسطينيين وحدهم، لا يمكنني إلا أن أدلي بدلوي حول صراع اختارني ولم أختره.

في أولى سني نشأتي، لم أكن أسمع بفلسطين. في بغداد، كنا نشتم في مدارسنا الخميني الدجّال. في بعلبك، كنا نرى العالم يتآمر على المسلمين الشيعة بإخفائه موسى الصدر. رئيس مصر الراحل جمال عبدالناصر كان سنيا، وكان له تمثالا في بعلبك، على مقربة من مخيم الجليل لللاجئين الفلسطينيين. تم تفجير التمثال. كان البعلبكيون يرددون أن الفلسطينيين باعوا أراضيهم، وأن العرب (السنة) حاربوا ببنادق فاسدة في 1948.

لم تكن فلسطين قضية شيعية إلى أن صارت إيران إسلامية، وصرنا نقرأ تصريحات الخميني على الجدران، مثل "لو أدلى كل منكم بدلو ماء على إسرائيل لأغرقتها المياه". وفي صباح ما، كنت في طريقي إلى الصف عندما سمعت هدير المقاتلات الإسرائيلية، ثم رحت أشاهدها، برعب، تدكّ مخيم الجليل القريب من مدرستي، ومعه موقع شرطة (سيّار الدرك). ثم تحولت الغارات الإسرائيلية على بعلبك عادة أسبوعية، غالبا أيام الأربعاء، وكانت تستهدف ثكنة الشيخ عبدالله وفندق الخوّام، حيث كانت مقرّات "الحرس الثوري الإيراني"، و"إذاعة صوت المستضعفين" في النبي شيت.

هكذا، وجدت نفسي وسط حرب لم أخترها. وفي سني الشباب والجامعة، صار عدائي لإسرائيل مفروغا منه. أصلا شتم إسرائيل يصبح أحيانا النافذة الوحيدة للتعبير عن الرأي في الدول العربية التي يصعب فيها التعبير عن أي رأي آخر. ثم تغيرت.

شكّلت قمة بيروت العربية 2002 منعطفا في تفكيري. كنت أحد الصحفيين المعتمدين، ورأيت كيف تكون فلسطين مطية للسياسيين العرب والفلسطينيين. ذاك العام، قدم عاهل السعودية الراحل عبدالله (وكان ما يزال وليا للعهد) مبادرته للسلام المعروفة، أي قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة والقدس الشرقية مقابل سلام عربي شامل مع إسرائيل. بدت لي المبادرة معقولة. 

لكن في فندق فينيسيا الذي كانت تنعقد فيه جلسات القمة، بان لي النفاق، إذ فيما كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يستعد للتوجه للقمة عبر الأقمار الاصطناعية، من المقاطعة في رام الله حيث كان محاصرا، أوعز الرئيس السوري بشار الأسد إلى نظيره اللبناني إميل لحود، رئيس الجلسة، بعدم السماح ببث كلمة عرفات. يمضي الأسد كل أيامه وهو يصرخ من أجل فلسطين، ثم عندما يهمّ الفلسطينيون لقول كلمتهم، يمنعهم الأسد. انسحب الوفد الفلسطيني، ولحقه رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري لاسترضائه وإعادته إلى الجلسة.

وفي كتابة نص المبادرة، أصرّ الأسد على إضافة فقرة تشترط عودة اللاجئين الفلسطينيين، لا إلى الدولة الفلسطينية، بل إلى إسرائيل نفسها. حتى الوفد الفلسطيني لم يطلب ذلك، لكن الأسد ونائب الرئيس العراقي عزّة الدوري أحرجا الفلسطينيين. لم تكن مبادرة السلام عن فلسطين، بل كانت وسيلة لزعماء عرب، كالأسد ولحود والدوري، لابتزاز الزعماء الآخرين.

في اليوم التالي، اصطحبت صحفيين أميركيين أرادوا لقاء لاجئين فلسطينيين في مخيم عين الحلوة، وهو أكثر بقعة تغرق في البؤس رأيتها في حياتي. بعد استعراضهم سندات ملكية ومفاتيح كبيرة على الطراز القديم، وبعد صراخ بعض الشعارات ثم إطفاء الكاميرات، جاءني فلسطيني متقدم في العمر. قلت له "ما القصة عمي؟". فأجابني "يا ابني، بنتي في ألمانيا، ربما يمكن لأصدقائك الأجانب مساعدتي في الانتقال للعيش معها". فاجأني الحاج الذي كان يصرخ للعودة للجليل ولكنه كان يسعى فعليا لحياة كريمة، حتى لو في ألمانيا. هنا تذكرت كتاب بنيامين نتانياهو (الذي لا تستهويني سياساته) "مكان تحت الشمس"، الذي لفت فيه إلى الخطاب المزدوج الذي كانت تمارسه السلطة الفلسطينية. بالإنكليزية تقول سلام وبالعربية تقول "عالقدس رايحين شهداء بالملايين". ومثل ذلك كان يفعل سياسيون إسرائيليون كثر.

مشكلة السلام يا يوسي ليست في فتح حوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل في الوصول إلى سلام مع النفس أولا، عند الفلسطينيين كما الإسرائيليين.

عزيزي يوسي. الكلام عن السلام طويل ومعقد، ولكني مثلك، أتمنى حصوله. من العرب غيري من دعاة السلام ومني، إليك يا يوسي وإلى طالبي السلام الإسرائيليين، كامل الاحترام

تقول الحكمة اليونانية "اعرف نفسك"، وهي حكمة تنطبق على طرفي السلام المفقود، إذ على الإسرائيليين أن يحسموا علانية شكل السلام النهائي الذي يتصورونه، بعدل، لا وفق موازين القوى، وكذلك على الفلسطينيين أن يحسموا هدفهم، وأن يظهروا قدرة أكبر على حكم أنفسهم حتى تصبح نعمهم نعم ولاءهم لا، بدلا من أن يوافق عرفات على سلام فيما تمضي "حماس" في تفجير حافلات الركاب الإسرائيلية.

بعد سنوات كثيرة من قمة بيروت، كنت أشارك في "مفاوضات صف ثاني" في سويسرا. سألت أفرام سنيه عن إعلان إسرائيل بناء مستوطنات جديدة في وسط جولة مفاوضات مع الفلسطينيين، أجابني أن السبب سياسي داخلي. بدا لي أن المفاوضين الإسرائيليين يعتقدون أن إعلان بناء مستوطنات يخفف من النقمة شعبية ضد أي تنازلات قد يقدمونها للفلسطينيين.

المشكلة يا يوسي هي أنه عندما يتكلم أي من الطرفين عن السلام، فهما قلّما يتوجهان إلى بعضيهما البعض، بل يتوجه كل منهما إلى الداخل لديه، وهو ما يجعل السلام أداة سياسية، لا هدفا استراتيجيا.

عزيزي يوسي. الكلام عن السلام طويل ومعقد، ولكني مثلك، أتمنى حصوله. من العرب غيري من دعاة السلام ومني، إليك يا يوسي وإلى طالبي السلام الإسرائيليين، كامل الاحترام.

الخميس، 21 مايو 2020

«الموجة الزرقاء» تهدّد فرص فوز ترامب بولاية ثانية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أظهرت أحدث استطلاعات الرأي، تقدماً شاسعاً وغير اعتيادي للحزب الديموقراطي ومرشحيه، بمن فيهم مرشح الرئاسة الأميركية جو بايدن، على الحزب الجمهوري ومرشحه دونالد ترامب، الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية. 
تقدم الديموقراطيين دفع المراقبين الى وصفه بـ «الموجة الزرقاء» (الأزرق لون الديموقراطيين والأحمر لون الجمهوريين). 
وقال المراقبون إن نسبة الفارق بين الديموقراطيين والجمهوريين تشبه الفارق الذي سبق انتخابات 2018 الفرعية، والتي شهدت «موجة زرقاء» انتزعت مجلس النواب من أيدي الجمهوريين لمصلحة الديموقراطيين.
وفي ندوة عقدها موقع 538 المتخصص بالإحصاءات، خصوصا الانتخابية منها، قالت سارة فروستنسن، خبيرة الشؤون السياسية، إنه «قبل ستة أشهر تقريباً من يوم الانتخابات»، المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، «يبدو أن الأجواء الانتخابية هي لصالح الديموقراطيين مرة أخرى». 
وأضافت: «تأملوا تفوق الديموقراطيين على الجمهوريين في إحصاءات الكونغرس العامة، بواقع ثماني نقاط مئوية، وهو أقل بنقطة واحدة فقط عن تقدمهم عشية انتخابات 2018، كما أن نائب الرئيس السابق جو بايدن يتقدم كذلك بنحو ست نقاط مئوية على ترامب على الصعيد الوطني، وهذا التقدم يبدو أكبر في بعض الولايات، خصوصا المتأرجحة».
مع ذلك، تتابع فروستنسن في ندوة عبر الإنترنت، «يمكن أن تتغير الأجواء الانتخابية، اذ نحن وجدنا، على سبيل المثال، أنه في الأشهر الستة الأخيرة قبل أي انتخابات في الماضي، انخفض الفارق بمعدل أربع نقاط، وهو ما يعني أنه حتى لو تقلص الفارق، سيبقى الجمهوريون متأخرين، وستبقى فرص حدوث (موجة زرقاء) مرتفعة».
يقول ناثانيال راكيش، الخبير في الانتخابات، إن«علامات قدوم الموجة الزرقاء تبدأ باستطلاعات الرأي... حيث يبدو أن الديموقراطيين يتمتعون بمستوى قوي، تقريباً مستوى 2018 نفسه». 
ويضيف: «أعلم أن هذا عرضة للتغيير على مدار الدورة الانتخابية، ولكنه تفوق يبدو ثابتاً حقاً، بالإضافة إلى تقدم استطلاعات بايدن، فضلاً عن استطلاعات الرأي التي تظهر تقدما مفاجئاً للديموقراطيين في انتخابات مجلس الشيوخ». 
ويسيطر الجمهوريون على الغالبية في مجلس الشيوخ بـ 52 من مقاعده المئة.
يتابع راكيش: «هناك بالتأكيد وقت لتتغير الأمور، ولكني أعتقد أنه لا يمكنك الشعور بالرضا عن هذه الأرقام إذا كنت جمهوريا». 
ويقول: «حتى لو تغيرت الأجواء الانتخابية وأرقام استطلاعات الرأي، لست متأكداً أنها ستتغير لصالح الجمهوريين، وما يعزز فرضية حدوث موجة زرقاء، هو أننا دخلنا في أزمة اقتصادية، فيما الرئيس الحاكم، ومعه حزبه، يندر أن يبليان بلاء حسنا في الأوقات التي يكون فيها الاقتصاد في وضع سيئ، فمعدل البطالة يبلغ حالياً 14.7 في المئة، وأعتقد أن معظم الخبراء يتوقعون أن يزداد الأمر سوءاً».
أما جيفري سكيلي، وهو خبير في إحصاءات الانتخابات، فيؤكد ما سبقه إليه زميلاه، ويقول إن «أرقام الرضى عن كيفية تعامل الرئيس مع أزمة فيروس كورونا هو الآن تقريباً مثل أرقام شعبيته الإجمالية، أي 43.5 في المئة ينظرون بإيجابية لكيفية تعامله مع الفيروس، فيما يؤيد 43.7 في المئة، الرئيس على أدائه الوظيفي الشامل، وهذه معدلات تدعم النظرية القائلة إن الأرقام حالياً ليست في مصلحته أو مصلحة الجمهوريين». 
أمام المأزق الانتخابي الذي تؤشر إليه كل إحصاءات الرأي، اعتمد ترامب أساليبه السياسية المفضلة، التي يعزو إليها الفضل في فوزه بولايته الرئاسية الأولى قبل أربع سنوات، تتصدرها تغريداته التي يطلق فيها إشاعات ومعلومات مضللة حول خصومه. 
هذه المرة، عمل ترامب على جبهتين: الأولى عبر وزارة العدل، حاول عبرها إقناع الأميركيين بأن سلفه باراك أوباما كان يستخدم أجهزة الدولة، خصوصا الوكالات الاستخباراتية، لا للتجسس على ترامب وحملته الانتخابية فحسب، بل لإجراء تحقيقات لا أسس لها بهدف إيقاع قادة حملة ترامب في حبال العدالة، وأن هذا ما فعله أوباما وأعضاء إدارته الذين قاموا بالإيقاع ظلماً بالرجل الذي عينه ترامب في ما بعد مستشاره للأمن القومي، مايكل فلين، ليقوم الرئيس بالتخلي عنه بعد أسابيع قليلة بعدما تبين أن فلين قام بإجراء اتصالات سرية مع سفير روسيا في واشنطن، حتى قبل تسلم إدارة ترامب الحكم. 
وبعدما أسقطت وزارة العدل، الادعاء بحق فلين، مضى ترامب في محاولة تسويق شعار «أوباما غيت» للإيحاء بأن ما قام به أوباما يرقى ليكون فضيحة، وأن المطلوب اجراء تحقيقات مع الرئيس السابق قد تؤدي ربما الى سجنه. 
هكذا، راح مؤيدو ترامب يتداولون هاشتاغ «اقفل عليه الزنزانة»، في استعادة للهتاف الذي كانوا يطلقونه ضد مرشحة الديموقراطيين في الدورة الماضية هيلاري كلينتون.
ولما لم ينجح ترامب ومؤيدوه في تحويل «أوباما غيت» الى قصة متداولة على صعيد البلاد، عاد الرئيس ليوجّه سهام هجومه ضد منافسه بايدن. 
وكان ترامب حاول توظيف قيام موظفة سابقة في الكونغرس باتهام بايدن بالتحرش بها في العام 1993، لكن القصة انهارت بعدما ظهرت كتابات للسيدة تعبّر فيها عن حبها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقت حاول الجمهوريون إقناع ترامب أنه من بين كل الفضائح التي يمكن له ان يثيرها ضد بايدن، لا يبدو أن فضائح التحرش الجنسي ستكون في مصلحة ترامب، المشهور بفضائح من هذا النوع.
آخر حلول ترامب قضت بحمله مجلس الشيوخ على شن حملة ضد خصمه الرئاسي. هكذا، صوتت لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية في مجلس الشيوخ على تفويض أمر لاستدعاء نجل بايدن، هانتر، كجزء من تحقيق يقوده الجمهوريون ضد ما يزعمون انه تورط هانتر في عملية استغلال نفوذ في أوكرانيا أثناء عمل والده جو نائباً للرئيس. 
وعبّر الديموقراطيون، من جهتهم، عن اعتراضات قوية، واتهموا الجمهوريين بالعمل على خط التضليل الروسي نفسه، وباستخدام موارد مجلس الشيوخ بشكل غير صحيح لتعزيز فرص إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية.

الأربعاء، 20 مايو 2020

أميركا تستأنف الحياة «شبه الطبيعية» الثلاثاء

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تستعد الولايات الأميركية الخمسين لتخفيف معظم القيود التي تفرضها على سكانها مع حلول يوم الثلاثاء المقبل، الذي يلي اثنين «عيد الشهداء»، حيث ستدخل حيز التنفيذ حزمة من الإجراءات التي ترفع حظر التجول المفروض على 315 مليوناً من السكان بسبب فيروس كورونا المستجد، وتسمح بعودة معظم معالم الحياة والاقتصاد الى سابق عهدها، وان بكثافة أقل ومع إجراءات تباعد اجتماعي أكثر، بينما ستبقى المباريات الرياضية مغلقة أمام الجماهير، وكذلك دور السينما، والعروض الموسيقية والمسرحية، والنوادي الليلية.
ومع تخفيف قيود الحظر، سيتم السماح للأميركيين بحرية التجول والتنزه في الحدائق العامة والسفر، مع مراعاة قوانين الحماية الشخصية ضد انتقال الفيروسات والأوبئة. وستقوم المطارات بفحص حرارة المسافرين، وحرمان من تظهر عليهم علامات الإصابات بحمى، من السفر. وستعمل المدارس على تقديم خطط لاستئناف الصفوف، وإنما على مدار اليوم والأسبوع لتخفيف عدد الطلبة في كل صف بواقع النصف، ومثلها ستفعل بعض المكاتب التي تتطلب حضور الموظفين، ولكنها ستقوم بتوزيع دوام الحضور مناصفة على عامليها.
ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أن العودة التدريجية الى «الوضع الطبيعي الجديد» يمكنها أن تساهم في اعادة الاقتصاد الى العمل بنسبة 90 في المئة. 
ويعوّل الاقتصاديون على الطلب الذي تراكم أثناء فترة الحجر، ويقولون إن عدداً كبيراً من الناس أجّلوا عمليات جراحية غير ضرورية، مثل في الظهر أو الركبة، وإن عدداً من الناس أجّلوا حفلات قرانهم أو شراءهم بيوتا أو سيارات أو لوازم لبيوتهم، وأن الاستهلاك في فترة الحجر مضى من دون صيانة، ما يعني أن الناس ستكون بحاجة الى ماكينات جديدة وقطع غيار وغيرها.
«الوضع الطبيعي الجديد» هو الذي اعتبرت مجلة «ايكونوميست» البريطانية انه سيشهد «اقتصاد التسعين في المئة». وكتبت أن شعور العيش في ظل هذا الاقتصاد سيكون مختلفاً عن كل ما سبقه، إذ من غير المألوف الجلوس في مطاعم نصف فارغة. 
وتبنى عدد من الخبراء الأميركيين اسم «اقتصاد التسعين في المئة»، مع أن الديموقراطيين منهم شككوا بالعودة الى هذه النسبة، فيما اعتبر الجمهوريون أن الاقتصاد سينمو بقوة غير مسبوقة للتعويض عن ما فاته في أيام الحجر.
وجاءت أولى العلامات الإيجابية التي عززت الشعور بأنه يمكن للبلاد تخفيف قيودها مع إعلان حاكم ولاية نيويورك اندرو كومو انخفاض معدلات الإصابات الجديدة والوفيات الى ما كانت عليه يوم 26 مارس، وهو اليوم الذي يعتبره كومو يوم بدء انتشار الوباء في الولاية.
وكانت معدلات الوفيات في نيويورك تعدت الـ800 يومياً في ذروة انتشار الوباء، كما بلغ عدد الوفيات يومياً في الولايات المتحدة 2200 في أيام الذروة، قبل ان ينخفض الى ما دون 1200، الأسبوع الماضي.
وقامت غالبية حكام الولايات بتفويض المجالس المحلية للمقاطعات، البالغ عددها 3143 في عموم البلاد، باتخاذ قرار رفع القيود، اذ تتفاوت نسب الإصابات بين هذه المقاطعات بحسب الكثافة السكانية فيها، التي كلّما كانت مرتفعة، كلما ارتفعت فيها نسب الإصابات والوفيات. 
ويعزو المراقبون بدء تخفيف قيود الحجر الصحي الى عدد من العوامل، أبرزها أن عدد الحالات الوافدة الى المستشفيات تشهد تراجعاً، وهو ما يعني أن النظام الصحي للولايات المتحدة قادر على تحمل زيادة في عدد الإصابات المتوقعة مع تخفيف القيود، من دون أن يتعرض النظام للانهيار، كما كان الاعتقاد سائداً قبل إعلان الحجر. 
ثاني العوامل هو الإرهاق النفسي الذي أصاب الأميركيين جراء بقائهم في منازلهم، وصعوبة إقناعهم بتمديد مهلة الحجر. 
ثالثاً، يعاني عدد كبير من العاملين، خصوصاً في القطاعات الصناعية والسياحية، من توقف أعمالهم وتباطؤ دورة الاقتصاد، وهو ما يجبرهم على الذهاب الى العمل، حتى لو عرّضهم ذلك لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا.
وفيما تستعد الولايات لتخفيف قيودها، واصل بعض الخبراء التحذير من التراخي بسرعة في التعامل مع الوباء، وحذروا من امكانية عودته الى الانتشار في موجة قد تكون أقسى من سابقتها في حال عدم الالتزام بشروط السلامة والتباعد الاجتماعي. 
وتجاوز عدد الاصابات في الولايات المتحدة المليون و572 ألفاً، مع نحو 94 ألف حالة وفاة، واكثر من 362 ألف متعافٍ.
ويعقد الخبراء الأمل على أن يتمتع المتعافون بفترة من المناعة ضد الإصابة بالفيروس مجدداً، وهو ما يساهم في تقليص سرعة الانتشار ومساحته. ويضرب الخبراء مثالاً بأماكن العمل الأميركية التي تحولت الى بؤر تفشي الوباء، مثل معامل اللحم أو بعض مخازن شركة «أمازون»، فالعاملون فيها تعرضوا لموجة كورونا، أدت الى وفاة عدد قليل جداً منهم، فيما تعافى الآخرون، ما يعني أنه يمكن عودة العاملين الى العمل من دون الخوف من إمكانية الإصابة بالفيروس مجدداً.
والمتعافون، هم بارقة الأمل الوحيدة التي يشير إليها الخبراء، قبل التوصل لاكتشاف وإنتاج اللقاح. لذا، دأبت غالبية حكومات الولايات على تنظيم حملات كشف عن «كورونا» بفحص المضادات الحيوية، وهو يكشف المصابين ممن لم تظهر عليهم أعراض المرض بتاتاً، ويوسّع دائرة الأميركيين ممن قد يتمتعون بمناعة ضد الوباء. 
وفي هذا السياق، بدأ «مركز مكافحة الأمراض»، وهو وكالة فيديرالية، بتجربة ستستمر على مدى 18 - 24 شهراً بمشاركة 25 ألف شخص، وتتركز على دراسة المناعة التي قد تنجم عن الإصابة والتعافي. كما يمكن للدراسة أن تساعد المركز في تحديد المناطق الأكثر عرضة أن تتحول الى بؤرة لتفشي الفساد مستقبلاً، وتالياً استباق التعامل معها للحد من الانتشار ونتائجه.
ومع أن عدداً من الخبراء الأميركيين كان اعتبر أن الحجر الصحي الذي سينتهي معظم مفاعيله الأسبوع المقبل قد لا يكون الأخير، إلا أن الإجماع بينهم اليوم هو أن غالبية الولايات لن تعود الى فرض الحجر على صعيد ولاية، بل الأرجح على صعيد كل مقاطعة بمقاطعتها.

الثلاثاء، 19 مايو 2020

كلام أميركي عن «خريف الثورة الإيرانية» وخامنئي قد يرحب بوصول ظريف إلى الرئاسة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم يعد الحديث عن ضعف إيران سراً في العاصمة الأميركية، فالتعثر الاقتصادي دفع الجمهورية الإسلامية إلى طلب قرض بقيمة خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، الذي دأبت طهران على وصفه بأنه أداة للغرب والاستكبار والإمبريالية. 
ومثل إيران، تراجع «حزب الله» اللبناني عن معارضته للصندوق تحت ضغط الانهيار الاقتصادي في لبنان، ووافق على طلب بيروت مساعدة من الصندوق. 
وبين إيران ولبنان، سأم الروس من سورية، التي لا يبدو أنها ستعود عليهم بالفائدة المالية التي تصوروها، بل أن حكومة الرئيس بشار الأسد لن تفي موسكو تكاليف تدخلها العسكري. لهذا السبب، رأى الخبراء الأميركيون أن إيران تراجعت في العراق، ووافقت على وصول مصطفى الكاظمي، وهو ليس من المحسوبين عليها، إلى منصب رئيس حكومة.
وفي هذا السياق، كان لافتاً المقال الذي نشرته مجلة «نيويوركر»، المحسوبة على الديموقراطيين، بقلم ديكستر فيلكنز، بعنوان «خريف الثورة الإيرانية». 
وفيلكنز يزور إيران بانتظام، ما يشي بنوع من الرضى عنه، وهو الذي كان أطلق شهرة قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني بين الأميركيين، من غير الخبراء والمتابعين، يوم نشر مقالة مطولة عن الجنرال الإيراني في العام 2013 بعنوان «قائد الظلّ». 
وفي «نيويوركر»، تكتب أيضاً روبن رايت، وهي أيضا ممن يزورون إيران بانتظام ومن المدافعين عن الانفتاح على النظام من دون شروط.
وروى فيلكنز مطولاً سيرة المرشد الأعلى علي خامنئي، وقال إن رئاسته إيران على مدى عقد الثمانينات أعطته «سلطة مطلقة تقريباً»، بما في ذلك «السيطرة على كل فرع من فروع الحكومة، وقيادة القوات المسلحة، والإشراف على القضاء، حيث أثبت أنه ذكي وحيوي، وقام بخلق هيكل مواز لكل مؤسسة». 
وبحلول ذلك الوقت، كان لخامنئي وزوجته السيدة منصورة أربعة أبناء وابنتان، «فنقل الأسرة إلى منزل في وسط طهران، في نهاية شارع فلسطين، ثم أغلق الشارع. وفي ما بعد، نما المجمّع ليحتوي على نحو 50 مبنى، لكن خامنئي قدم نفسه على أنه زاهد، ودأب على ارتداء الملابس وتناول الطعام ببساطة». 
ونقل فيلكنز عن مقابلة مع السيدة منصورة في مجلة للنساء، قالت فيها «ليس لدينا زخارف بالمعنى المعتاد... منذ سنوات، حررنا أنفسنا من هذه الأشياء». 
ونقل فيلكنز عن الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مهدي خلجي، أن «خامنئي يدير النظام برمته، لذا فإن الجميع مخلصون له، وهو شديد النشاط، ويعرف كل قائد صغير، وحتى أسماء أولادهم، وهكذا أصبح الحرس الثوري الأساس الرئيسي لقوة خامنئي، الذي بدوره جعلها المؤسسة الأمنية الرائدة في البلاد».
ونقل فيلكنز عن مصادر في واشنطن اعتقادها بأن النظام الإيراني قد يستأنف المفاوضات مع واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل. 
وفي واشنطن نظريتان حول مستقبل العلاقة مع إيران: إذا خسر الرئيس دونالد ترامب، يمكن إحياء الصفقة النووية، يقول البعض. أما البعض الآخر، فيرى انه إذا فاز ترامب، فلن يكون أمام خامنئي خيار سوى التفاوض. 
ثم ينقل فيلكنز عن المسؤولين الإيرانيين رفضهم كلا السيناريوهين، وقولهم إن خامنئي لن يعقد صفقة مرة أخرى. «لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة للحفاظ على كلمتها»، ينقل فيلكنز عن محمد مرندي، الأستاذ في جامعة طهران.
كما أجرى فيلكنز مقابلة مع فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، قالت فيها إنه يجب أن تستمر الاحتجاجات حتى يدرك النظام أنه «لا يمكن التغاضي عن عملية احتيال بهذا الحجم». 
وأكدت أن إيران معزولة، وأن الخلل وصل إلى طريق مسدود. وتابعت: «فقد النظام كل الدعم الشعبي، ومع ذلك فهو غير قادر على التغيير، والنتيجة أن الشعب الإيراني فقد الأمل... نحن بلا أمل الآن».
وعرّج فيلكنز على موضوع الإصلاحيين، وكتب أنه على «مر السنين، دفع الإصلاحيون داخل الحكومة وخارجها إلى تعزيز سيادة القانون، والسماح للصحافة بقدر أكبر من الحرية، والحد من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن». 
وكتب: «مراراً وتكراراً، عطّل النظام القائم أي جهد جاد في الإصلاح، وجاءت إحدى أبرز اللحظات في عام 1997، عندما بدأ الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في تنفيذ برنامجه، فواجه مقاومة فورية من داخل النظام، وفي وقت مبكر من ولايته، اهتزت البلاد بسبب قتل نحو 80 فناناً ومثقفاً منشقاً». 
يوافق الكس فاتانكا، وهو باحث في معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية، قول فيلكنز إن الحركة الإصلاحية في إيران «فشلت، وأن كل ما تبقى هو الحرس الثوري واقتصاد منهار». 
ويقول فاتانكا، لـ«الراي»، إنه «يبدو أن الإصلاح والقادة المعتدلين لم يعودوا معنيين بتقديم نتائج فعلية للناخبين، ولا يبدو أن للاصلاحيين أهمية تذكر». 
ويضيف: «لطالما انتشرت إشاعات في طهران مفادها بأن الإصلاحيين سيطلبون من وزير الخارجية محمد جواد ظريف الترشح للرئاسة في العام 2021، إذ ليس لدى الإصلاحيين شخصيات ليطرحونها في الانتخابات الرئاسية المقبلة».
ويتابع الخبير الإيراني الأميركي، «لأن حركة الإصلاح فشلت مراراً في الوفاء بوعودها السياسية التي وعد بها كل من خاتمي و(الرئيس حسن) روحاني، فإن الأمل الوحيد الذي تبقى الآن هو خلق بعض الإثارة حول شخصية معروفة».
ويضيف: «من المؤكد أن ظريف هو شخصية عامة معروفة، ويعتبر أقرب إلى المعسكر الإصلاحي. لكنه أيضاً جندي مخلص لخامنئي، ولن يختلف كرئيس عن روحاني أو خاتمي في احترام رغبات المرشد الأعلى، وهذا بالضبط سبب احتمال أن تصبح رئاسة ظريف ممكنة لأنها لا تشكل تهديداً لخامنئي». 
ويعتقد فاتانكا أن خامنئي قد يرحب «بترشيح ظريف ورئاسته لإلهاء الجمهور عن حقيقة أنه هو المسؤول الفعلي، بغض النظر عن من هو الرئيس، وهو ما يعني أنه إذا وافق مجلس صيانة الدستور على ترشح ظريف، فيصبح من غير المحتمل أن يقاطع الإصلاحيون انتخابات 2021، وقد تكون هذه التمثيلية السياسية كافية لجعل قادة الإصلاح المفترضين يشعرون بأهمية، رغم أنهم فقدوا مؤيديهم منذ فترة طويلة».

لماذا لم يعلن الفلسطينيون دولتهم عام 1948؟

حسين عبدالحسين

مرّت الأسبوع الماضي الذكرى 72 لإعلان دولة إسرائيل، وهي نفس المناسبة التي يسمّيها الفلسطينيون "النكبة". الرواية بين الجانبين متنازع على كل تفاصيلها. يقول الإسرائيليون إنها أرض ممالكهم المتعاقبة، التي اندثرت آخرها في 136 ميلادية، فيما ينفي الفلسطينيون أي وجود لممالك إسرائيل، ويقولون إنها حتى لو وجدت، لا يعطي وجودها الحق للإسرائيليين بإقامة دولتهم بسبب الانقطاع الزمني الذي غاب خلاله الإسرائيليون عن الأرض. ويضيف الفلسطينيون أنهم كانوا يسكنون ويمتلكون مساحات واسعة من الأرض التي قامت عليها دولة إسرائيل، وأن هذا يعني أن الحق للفلسطينيين في إقامة دولتهم بدلا من الإسرائيليين.

والولايات العثمانية ورثتها قوّتان أوروبيتان، هي بريطانيا وفرنسا، وكانتا تتصارعان فيما بينهما على النفوذ، وأعادتا رسم حدود الولايات وفقا لعاملين: الأول كان تحالف بريطانيا مع الغالبية السنية المسلمة التي كان وجهاؤها قادة في زمن العثمانيين، وهو ما دفع الفرنسيين لتشكيل تحالف مناوئ من الأقليات من المسيحيين والشيعة والعلويين والدروز. 

هكذا أقامت فرنسا خمس دول في المشرق، وحرصت على توزيع الغالبية السنية عليها حتى تتحول أقلية في معظمها، فصار لبنان دولة الغالبية المسيحية والشيعية في وجه أقلية سنية، وشكّل العلويون والإسماعيليون والمسيحيون والكرد غالبية بسيطة في دولة اللاذقية، ومثلهم كان الدروز في جبل العرب. أما الدولتان ذات الغالبية السنية تحت الانتداب الفرنسي، أي دمشق وحلب، فكانتا معزولتين بلا منافذ بحرية ولا حظوظ اقتصادية.

العامل الثاني في رسم دول المشرق العربي والعراق كان خطوط النفط. سعت بريطانيا لتأمين منطقة انتداب متواصلة لتمرير أنابيب نفط إيران والبصرة إلى سواحل المتوسط، واعتقدت فرنسا أنه يمكنها تمرير نفط كركوك إلى اللاذقية أو طرابلس. 

وفي الحالات التي لم ترتبط بعاملي التحالفات المذهبية أو النفط، لم تكترث بريطانيا أو فرنسا كثيرا لحق تقرير المصير. هكذا، انتزعت تركيا بالقوة لواء إسكندرون ذات الغالبية العربية، الذي أسماه العرب اللواء السليب وهو بمساحة الضفة الغربية، وتباكوا عليه لعقود، قبل أن يتنازل عنه رئيس سوريا الراحل حافظ الأسد لتركيا بالتزامن مع تسليم الأسد أنقرة زعيم الانفصاليين الكرد عبدالله أوجلان. ولم يكترث البريطانيون ولا الفرنسيون لحق الكرد في تقريرهم مصيرهم.

في فلسطين، رسمت بريطانيا دولة لا سابق تاريخي لها، فإسرائيل التاريخية قامت في حوض الأردن على ضفتيه، وبالكاد لامست المتوسط، ولم تتعد جنوب القدس بكثير. ربما أرادت لندن مراعاة حليفها الهاشمي بإعطائه ضفة من الأردن حسب حدود سنجق حوران العثماني، وإلا كان الأردن ليكون قطعة صحراء قاحلة. لكن بريطانيا لم تراع الترسيم العثماني لولاية عكّا، والتي غالبا ما أفلتت منها غزة لمصلحة المصريين، ولم تكن القدس فيها.

رفضت بعض شعوب المشرق والعراق تقرير مصيرها حسبما رسمه الأوروبيون. الشيعة أشعلوا ثورة الفرات الأوسط في العراق، والدروز أشعلوا ثورة في سوريا، والعلويون تخلّوا عن دولتهم بعد فترة، واندمجت أربعة دول لتنتج سوريا عاصمتها دمشق، وبقي شيعة البقاع اللبناني يرفضون لبنانيتهم ويوقعون عرائض للانضمام لحكومة دمشق حتى الستينيات. حتى المسيحيون في لبنان انقسموا بين مؤيدي لبنان الكبير، الفرنسي، والمطالبين بلبنان الصغير، أي المتصرفية العثمانية.

كيف تصرفت غالبية المسلمين، ومعهم المسيحيين، ممن وجدوا أنفسهم في فلسطين الانتداب؟ إقطاعيون منهم باعوا أراضيهم للوكالة الصهيونية وانتقلوا للعيش في لبنان. جزء آخر طالب بالانضمام لدولة عربية كان الأمير فيصل أقام حكومة باسمها لفترة وجيزة في دمشق وتحولت إلى "حلم عربي". قسم من الفلسطينيين انضم للتيار العثماني الذي أراد احياء الخلافة الاسلامية، وهو القسم الذي قاده مثقفون من أمثال اللبناني رشيد رضا، أستاذ حسن البنا المصري مؤسس "الإخوان المسلمين"، والسوري عزالدين القسام، الذي حرّض على ثورة مسلحة ضد البريطانيين في حيفا وكان مقتله شرارة ما عرف بثورة 1936.

لم تطالب غالبية المسلمين والمسيحيين بإقامة دولة فلسطين المستقلة مع زوال الانتداب، بل هم أرادوا الانضمام إلى دولة عربية أو إسلامية، فيما أعلنت الأقلية اليهودية ـ ومعها الدروز والبدو ـ أن فلسطين الانتداب هي دولتهم، وأسموها إسرائيل، فاندلع صراع وصل إلى الأمم المتحدة، ورضيت الأقلية بقيادة يهودية بقسمها، ولم ترض الغالبية بقيادة المسلمين بقسمها، فذهبت الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى الأردن، فيما أصبح قطاع غزة جزءً من مصر.

على مدى 19 عاما حتى العام 1967، لم يُقِم الفلسطينيون دولة فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع عاصمة في القدس الشرقية، ولم يمانعوا غياب سيادتهم وعيشهم تحت حكم الأردنيين أو المصريين، وشاركت تيارات فلسطينية كبيرة، بل قادت، القومية العربية وحلم إقامة دولة عربية من المحيط إلى الخليج، لكنه حلم تحطم مع هزيمة جمال عبدالناصر أمام إسرائيل، أي "النكسة"، في 1967.

وللتعويض عن خسارته، رعى عبدالناصر إقامة ميليشيات فلسطينية شنت حرب عصابات ضد إسرائيل. تلك كانت نقطة بداية الهوية الفلسطينية المبنية على فلسطين الانتداب ـ الدولة الانتدابية الهجينة التي عاشت 28 عاما بدون سيادة ـ قبل أن يصبح جزء منها إسرائيل، وتذهب الأجزاء الأخرى إلى الأردن ومصر.

لم يَسُد الفلسطينيون على فلسطين يوما، وهم حتى لو كانوا غالبية سكانية، وحتى لو كانوا يملكون غالبية العقارات، لا يعني ذلك تلقائيا سيادتهم، بل أن صاحب السيادة هو من أعلنها وفاز باعتراف عالمي بها، حتى لو كان أقلية، مثلما انتزعت تركيا السيادة على اللواء السليب ذات الغالبية العربية ونالت اعترافا بذلك، ومثلما حصل العرب على السيادة على مناطق الكرد وغيرها.

والسيادة أو عدمها عملية متواصلة تحتاج إلى موافقة حكام الأرض واعتراف المجتمع الدولي، وهو ما حاول الكتلان في إسبانيا، والإسكتلنديون في بريطانيا، والكرد في العراق القيام به، وفشلوا، على الرغم من ملكيتهم للأرض التي يعيشون عليها، إذ ذاك ارتضوا حكما ذاتيا كحل وسط.

إن حق تقرير المصير والسيادة عملية معقدة، فيها شيء من التاريخ، وشيء من الصدف، والكثير من القانون الدولي. أما التباكي على النكبة والنكسة، وشعارات "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" و"ما ضاع حق وراءه مطالب"، فمرواحة في الماضي وتجاهل للمستقبل.

الاثنين، 18 مايو 2020

«طبّاخ بوتين» يسعى إلى استبدال الأسد طمعاً بأموال إعادة إعمار سورية!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

وصل الصراع بين الرئيس السوري بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، أروقة القرار في العاصمة الأميركية، حيث يعكف المعنيون على تدارس التطورات التي تعصف بالأسرة الحاكمة في الجمهورية السورية. 
وكانت الأوضاع بين الأسد ومخلوف بدأت تتفاقم منذ العام 2016 على إثر وفاة أنيسة مخلوف الأسد، والدة بشّار وعمّة رامي، التي يبدو أنها كانت تحمي ابن اخيها من دسائس القصر والمؤامرات التي تحاك فيه.
وبعد وفاة سيدة سورية الأولى السابقة، قام الأسد بحلّ «ميليشيا البستان» التي كان يمولها مخلوف، فضلاً عن حلّ «الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمانة العامة»، التابع لمخلوف كذلك، وإعلانه «حزب غير شرعي»، ثم التحول لانتزاع أسهم رامي مخلوف في شركة «سيرياتل».
بقي مخلوف صامتاً على التحرش ضده على مدى أربعة أعوام، قبل أن يخرج عن صمته للمرة الأولى في 24 أبريل الماضي، مع افتتاحه صفحة باسمه على مواقع التواصل الاجتماعي. بعد ذلك بستة أيام، نشر فيديو تحدث فيه بـ«لهجة دمشقية»، واقتبس آيات من القرآن الكريم، و«كأنه كان يتوجه إلى مجموعة النافذين السنة من تجار وعاملين في نظام الأسد»، بحسب دراسة صدرت عن مركز«غلوبال بوليسي» الأميركي. 
واعتبرت الدراسة أن الأسد تجاهل فيديو رامي، بل إن هيئة الاتصالات أصدرت إنذاراً لإجبار مخلوف على تسديد متأخرات مترتبة عليه مع حلول الخامس من مايو الجاري، وهو ما أثار حنقه، فأصدر فيديو ثانياً في 3 مايو، توجه فيه مباشرة إلى الأسد، وطالبه بالتدخل، ثم اقترح صرف تلك الأموال على الفقراء، قبل أن يعلن أن الأجهزة الأمنية بدأت تعتقل كوادر الشركة، وكشف تفاصيل مفاوضات يجريها مع السلطات للإفراج عن الموظفين، ووضع شخصية أخرى في رئاسة مجلس الشركة.
وشدد مخلوف في الفيديو، على أنه لن يتنازل أو يتخلى عن شركته، محملاً المسؤولية لأشخاص في النظام، حيث لا يوجد أي إجراءات رسمية أو نظامية تتبع ضده، وأن هذا الأسلوب يؤدي إلى ترهيب الموظفين في الشركة حالياً.
ووصفت الدراسة، مخلوف بأنه «خاطب الأسد من موقع الند لا موقع المرؤوس، إذ يرى نفسه شريكاً في النظام الحالي، تماما كما اعتبر والده (محمد) نفسه من مؤسسي نظام (الرئيس الراحل) حافظ الأسد». وأضافت أنه على إثر فيديو مخلوف الثاني، «توجهت وحدات من الحرس الجمهوري إلى فيلا مخلوف في ريف دمشق، وأمرت بتفكيك محيطه الأمني، وإزالة الحواجز التي أحاطت به»، وكل ذلك «تم في وضح النهار للسماح للمارة والجيران بأن يشاهدوا ما يجري، اذ إن الأسد كان يشير، ليس فقط إلى أن مخلوف قد سقط من الحظوة، ولكن أيضاً الى أنه لم يعد مفيداً للنظام». 
وتابعت الدراسة: «على عكس ما قالته مواقع المعارضة، لم يتم اعتقال مخلوف أبداً، ولم يتم استجوابه».
في ذلك المساء، وبحسب الدراسة، «خرج مخلوف برسالته الرابعة... هذه المرة كتابة، مناشداً الله أن ينقذه، وناسخاً صلاته من كتاب بعنوان - البلد الآمن والدرع المحصن - بقلم الشيخ تقي الدين كفان، من جبل عامل في جنوب لبنان (في القرن السادس عشر)، وهو كتاب يحتوي على قائمة طويلة من الصلوات التي يرددها الشيعة والعلويون من أجل حمايتهم من الخوف والظلم والمرض»، أي أن مخلوف تخلى عن محاولته حشد السنّة وراح يتوجه إلى العلويين من أبناء مذهبه.
لكن هل يدعم العلويون مخلوف كبديل عن الأسد؟ وهل توافق موسكو على استبدال بشاّر بابن خاله؟ هذه الأسئلة تحيّر الأميركيين، إذ إن رحيل الأسد، حتى لو بقي نظامه ومنه مخلوف، يفتح باب تدفق الأموال الدولية لإعادة إعمار سورية، وهو الخيار الذي يبدو أن تياراً نافذاً داخل موسكو بدأ يتمسك به، ويقوده يفغيني بريغوزين، والمعروف بـ«طبّاخ بوتين»، وهو أحد أقرب المقربين إلى الرئيس فلاديمير بوتين.
والملياردير بريغوزين، يملك سلسلة مطاعم ومصالح مالية، ويموّل غالبية المرتزقة الروس المقاتلين في سورية دفاعاً عن نظام الأسد، تحت اسم «مجموعة واغنر». أما الدافع الرئيسي خلف حماسة «الطبّاخ»، فهو طمعه بالحصول على عقود، لكن الأسد مفلس، ولن تتدفق الأموال على سورية من دون رحيله، وهو ما دفع بريغوزين إلى السعي لاستبدال الأسد بأي شخصية من نظامه للتوصل إلى تسوية تسمح بتدفق الأموال الغربية التي يمكن للطبّاخ الإفادة منها.
هكذا، قامت «جمعية حماية القيم الوطنية» الروسية بنشر نتائج استفتاء في منتصف أبريل، جاء فيه أن 32 في المئة من السوريين فقط يدعمون الأسد، وأن الغالبية تؤيد استبداله بـ«سياسيين جدد أقوياء». الجمعية يتزعمها بريغوزين، و«السياسيون الأقوياء»، هم من يمكنهم تلبية طموحات الروس مالياً، ومخلوف في طليعة من يرى بريغوزين وأمثاله فيهم بديلاً محتملاً. 
«استبدال الأسد أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لروسيا»، بحسب النائبة الإسرائيلية السابقة كسنيا سفطلوفا، وهي من أصل روسي وتعمل في مراكز الأبحاث اليوم. 
وفي مقالة أعاد نشرها مركز الأبحاث «انستيتيوت أوف مودرن رشا» التابع للمعارضة الروسية ومقرّه نيويورك، كتبت سفطلوفا أنه سبق أن «تم النظر في خيار استبدال الأسد ورفضه الكرملين منذ فترة طويلة، إذ يمكن لأي صانع قرار داخل النظام السوري أن يصبح غير ذي صلة بين عشية وضحاها». 
وتابعت أن «نائب الرئيس السابق فاروق الشرع مثال على سياسة الطعن في الظهر، السورية، إذ في 2012، وبعد وقت قصير من اقتراح تركيا له (وربما روسيا أيضاً) كبديل محتمل للأسد، تم تهميشه، وسرت إشاعات عن وضعه قيد الإقامة الجبرية». 
واعتبرت الخبيرة أنه «لن يتمكن أي شخص غريب عن النظام من السيطرة على قوات الأمن، أو أن يتمتع بدعم إيران للحصول على الأسلحة والنفط والمقاتلين، أو الحصول على دعم الوجود الروسي الكامل في سورية».
وختمت سفطلوفا أن «من المرجح أن يبقى الأسد مسؤولاً عن سورية في السنوات المقبلة، وأن يتمتع بدعم الإيرانيين (الذين يحبون الفوضى) والروس، على الرغم من استياء موسكو، ولا توجد دلائل على أن استراتيجية بوتين لتعزيز وتوطيد موطئ قدم روسيا في الشرق الأوسط قد تغيرت، ولا يزال رجله بشار الأسد الشخصية المركزية في هذه اللعبة».

السبت، 16 مايو 2020

دراسة أميركية: إسرائيل ستشن حرباً مدمّرة حال حصول «حزب الله» على صواريخ دقيقة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

افادت دراسة أميركية صادرة عن «مجلس الأطلسي»، بأن اسرائيل صنّفت امكانية حصول «حزب الله» على صواريخ إيرانية دقيقة، في مصافي ثاني أكبر خطر يتهددها، بعد البرنامج النووي الايراني، وأن حكومتها مستعدة للانخراط في حرب لمنع حصول الحزب على مثل هكذا صواريخ. 
الدراسة أعدّها الباحث في المجلس نيكولاس بلانفورد، وهو بريطاني يقيم في بيروت منذ عقود، بمشاركة الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عساف أوريون، الذي سبق أن ترأس وحدة «التخطيط الاستراتيجي»، وقاد الوفد العسكري في لقاءاته الشهرية مع الجيش اللبناني، برعاية قوة حفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل). 
وأشارت الدراسة الى تصريحات مسؤولين إسرائيليين جاء فيها أن الدولة العبرية «لن تسمح باقامة مشروع حزب الله للصواريخ الدقيقة على الأراضي اللبنانية»، ورفعت «المشروع» إلى أولوية أمنية وطنية عليا، «في المرتبة الثانية بعد البرنامج النووي الإيراني»، بالإضافة إلى أن المسؤولين «اتخذوا قراراً بوقف مشروع الصواريخ الدقيقة (في لبنان)، حتى لو أدى ذلك لاندلاع حرب». 
وأضافت أنه منذ حرب العام 2006، «يبدو أن حزب الله وإسرائيل يقتربان أكثر نحو الحرب من أي وقت في العقد الماضي»، وأنه «منذ 2006، نما حزب الله من حيث الحجم والقدرات والهيكل والخبرة، واليوم تصل قوته العاملة إلى نحو 30 ألف مقاتل، مع احتياطي يمكن أن يصل الى 10 - 20 ألف مقاتل اضافي». 
وتابعت الدراسة، أن تل أبيب تقدّر أن ترسانة الحزب تحوي ما بين 130 - 150 ألف صاروخ أرض - أرض، أي أكبر بعشر مرات من مخزونه في 2006، وتحمل بعض هذه الصواريخ 500 كيلوغرام من الرؤوس الحربية، ويعتقد أنها دقيقة إلى حدود 10 أمتار من أهدافها. 
من ناحيته، قال بلانفورد لـ»الراي»، إن «الصراع العسكري سيكون فتاكاً، وسيحاول كل جانب إلحاق أكبر عدد من الضحايا بالجانب الآخر، وسيتم التنافس على الموازاة بين قوة حزب الله النارية، التي تستهدف الشعب الإسرائيلي والبنية التحتية الوطنية وجهود الجيش لحمايتهم من خلال الإجراءات الهجومية والدفاعية». 
وأضاف أنه «نظراً لتزايد حجم حزب الله وترسانته منذ 2006، يمكن للمرء أن يفترض بسهولة أن الأضرار التي ستلحق بلبنان في الحرب المقبلة ستكون أسوأ عشر مرات على الأقل مما كانت عليه في 2006». 
وأشار بلانفورد إلى المثل الذي يقول «لا يمكنك دخول النهر نفسه مرتين، والحرب المقبلة لن تكون إعادة تحميل 2006». 
وتابع الباحث البريطاني، أنه «يمكن لحزب الله من حيث حجمه وموارده وقوته العسكرية أن يتسبب لإسرائيل بأنف مدمى، لكنه لن يتمكن من وقف غزوها للمناطق الشيعية، وهي ساحة المعركة التي اختارها الحزب. ولن يتمكن من وقف الدمار الشامل الذي سيلحق بلبنان بالضربة المضادة الإسرائيلية».
على الجانب الإسرائيلي، يمكن للمرء أن يتوقع ضرراً غير مسبوق للجبهة الداخلية، يتابع الخبير البريطاني، كما يمكن ان يتكبد الاسرائيليون خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فضلاً عن أزمة سياسية يمكن التنبؤ بها بعد كل صدمة وطنية من هذا النوع. 
أما على الجانب اللبناني، فيتوقع بلانفورد أن تكون تكلفة الحرب التي سيدفعها لبنان والحزب وأنصاره باهظة، وقد يخاطر الحزب بفقدان معظم المكاسب «المادية والاجتماعية والسياسية التي حققها منذ 1982». 
وسيساهم في تعميق مشكلة «حزب الله»، أن النتيجة القاتمة لأي حرب «ستكون أكثر حدة بسبب النطاق المحدود للقضايا الخلافية الفعلية بين لبنان وإسرائيل»، وأن اللبنانيين، بمن فيهم مؤيدو الحزب، سيرون أن سبب خسارتهم هي «طاعة حزب الله المسلحة لإيران ضد إسرائيل، فالخلافات الإقليمية، وقضايا المياه بين البلدين لا تكاد تذكر، في وقت يتضاءل الشتات الفلسطيني في لبنان بسبب وجود 10 أضعاف من اللاجئين السوريين»، يقول بلانفورد. 
ويرد في الدراسة، أن إسرائيل تنظر «إلى لبنان فقط كمنصة لتهديد إيراني لأمنها القومي»، وأنه يمكن لها أن «تظهر بعض المرونة لحل معظم القضايا العالقة الأخرى، لكن من الواضح أن تهديد إسرائيل هو مصلحة إيرانية، ما يعني أن استخدام سيف إيران له ثمن على حامله، ما يخاطر بالتدمير الكامل للبنان نتيجة لذلك».
وتشير الدراسة الى أن الحزب اللبناني يتصرف تجاه القضية الفلسطينية بشكل «ملكي أكثر من الملك». حتى حركة «حماس»، تفيد الدراسة، «ليست أقل حماسة للقضية الفلسطينية من حزب الله، لكن إسرائيل والحركة تتفقان على أن الصراع بينهما لا يحول دون التواصل، بما في ذلك التوصل لترتيبات سياسية جزئية وتدريجية، حتى لو كانت غير مباشرة». 
وفي شأن النقاش في الأمم المتحدة حول تجديد ولاية «يونيفيل» في أغسطس المقبل، ترى الدراسة أن لا حاجة لبقاء 10 آلاف عسكري دولي ما لم يتم تعديل مهمة القوة لتصبح قادرة على اجراء تفتيش في أي بقعة في المساحة التي تمتد بين ثلاثة وخمسة كيلومترات عن الحدود الاسرائيلية داخل لبنان، بما في ذلك قيام «يونيفيل» بالتفتيش في مواقع تعود ملكيتها لمواطنين. 
أما اذا لم يتم تعديل مهمة القوة، فالأفضل تخفيض عديدها الى ما كانت عليه قبل 2006، أي ألفي جندي، والاكتفاء بدورها كقناة تواصل بين اللبنانيين والاسرائيليين، وفق ما تضيف الدراسة. 
وكان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس قال في وقت سابق، إن «العديد من الجماعات في لبنان تمتلك أسلحة خارج سيطرة الحكومة»، وأن «حزب الله هو أكثر الميليشيات المدججة بالسلاح». 
وأضاف أنه يواصل حض الحكومة والجيش في لبنان على «اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى من الحصول على الأسلحة وبناء القدرات شبه العسكرية خارج سلطة الدولة». 
ودعا الدول القريبة من«حزب الله» إلى تشجيعه على أن يتحول الى حزب سياسي مدني فقط، ونزع سلاحه.

الأربعاء، 13 مايو 2020

الكاظمي... في مصلحة العراق وعلى حساب إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انخرط كل المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية، من مسؤولين حاليين وسابقين وخبراء وعاملين في مراكز الأبحاث، في محاولة تفسير المعاني السياسية لوصول مصطفى الكاظمي الى سدة رئاسة الحكومة في العراق. 
المجموعة الأولى، اعتبرت أن قيام الولايات المتحدة بتصفية قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في بغداد مطلع هذا العام، انعكس على مجريات الأحداث في العراق، وأدى إلى ضعف إيراني واضح انعكس تراجعاً سياسياً. 
ويشير ايلاي لايك في موقع «بلومبيرغ»، الى أن «كتائب حزب الله»، الميليشيا العراقية الموالية لإيران، كانت هددت بالعنف مراراً في حال تم اختيار الكاظمي رئيساً للحكومة، «لكن مجلس النواب العراقي تجاهلها». 
ويوضح لايك: «يدعو برنامج الكاظمي صراحة إلى إصلاح وزارة الداخلية، التي قامت بالتنسيق مع الميليشيات المدعومة من إيران باستخدام العنف لتفريق الاحتجاجات السلمية الأخيرة ضد النفوذ الإيراني». 
ويضيف: «سيكون وزير الداخلية الجديد الجنرال عثمان الغانمي، وهو ضابط مدرب في الولايات المتحدة ويشغل حاليا منصب رئيس أركان الجيش، مسؤولاً عن وزارة يخترقها قادة الميليشيات الذين أظهروا ولاءهم لسليماني وإيران أكثر من العراق». 
لكن لدى الغانمي ولدى العراق، يتابع لايك، «فرصة لإعادة ترتيب الأوضاع في الوزارة وإصلاحها، وهو هدف أميركي قديم».
وأشار مسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب الى حادثة تظهر جدية الكاظمي في التعامل ضد هذه الميليشيات بحزم، وقالوا إنه اثناء تظاهرات في البصرة، قام أفراد في الميليشيات الموالية لإيران بإطلاق النار من أحد المباني، ما أدى الى مقتل متظاهر وغضب شعبي عارم. إلا ان الكاظمي أمر بإرسال وحدات نظامية فداهمت المبنى، وقبضت على المتهمين بإطلاق النار وقتل المتظاهر، وتم تقديمهم الى العدالة.
تفكيك الميليشيات الإيرانية في العراق ونزع سلاحها، يبدو أحد أهداف الكاظمي، وهو هدف يتمتع بتأييد كامل من لاعبين أساسيين: الولايات المتحدة، والمرجعية الشيعية في النجف. 
وأبلغ مسؤولون أميركيون «الراي»، أن إحدى ركائز البيان الوزاري للكاظمي هو إقرار قانون الأحزاب، وهو قانون يفرض الولاء الوطني لكل حزب، وهو ما يتناقض والأدبيات المؤسّسة والدعاية المرافقة لمعظم الميليشيات العراقية الشيعية التي تعلن الولاء للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. 
وانعكس الضعف الإيراني على الأداء الإعلامي في تغطية الأحداث المرافقة لتبوؤ الكاظمي منصب رئيس حكومة، إذ في اليوم التالي، أفاق العراقيون على صور عملاقة لسليماني ونائب قائد «الحشد الشعبي» السابق أبو مهدي المهندس، ممزقة في بغداد. 
لكن هيئة «الحشد»، أوضحت أن الصورة المتداولة تعود إلى السادس من مايو الجاري، وبررت الحادثة بأن رياحاً عاتية هبّت على بغداد حينها، وأدت الى تمزيق الصور، وأكدت أن «الحشد» يستعد لنصب صور جديدة بدلاً منها. 
لكن الشعور الشعبي المعادي لإيران، ولصور مسؤوليها في شوارع العراق، صار يبدو جلياً. وسبق لمتظاهرين غاضبين أن احرقوا قنصليات إيرانية في الجنوب، كما احرقوا صوراً لمسؤولين إيرانيين في العراق. 
المجموعة الثانية من المسؤولين السابقين والخبراء الأميركيين توافق الأولى بأن إيران تراجعت كثيراً في العراق، ولكنها تخالفها الرأي بأن السبب هو ضعف طهران على الأرض. 
وتعزو المجموعة الثانية سبب التراجع إلى عدد من العوامل، أبرزها أن إيران بحاجة إلى الإبقاء على منفذ لها الى النظام المالي العالمي وحبل خلاص اقتصادي، خصوصاً مع الانهيار الاقتصادي في الدول الأخرى التي تسيطر عليها، مثل لبنان وسورية.
وأثناء الاتصال الذي أجراه ترامب والكاظمي لتهنئته على منصبه، منح الرئيس الأميركي، العراق فترة سماح مدتها أربعة أشهر ليواصل استيراد الطاقة، وخصوصا الكهرباء، من إيران، وهو ما يعني أن واشنطن وافقت على قيام بغداد بتسديد ديونها المترتبة لطهران، والتي تبلغ نحو مليارين ونصف المليار دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لحكومة ايران، التي تعيش في ما يشبه اليأس الاقتصادي، والتي تسعى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بمبلغ ضئيل مقداره خمسة مليارات دولار.
ويقول السفير الأميركي السابق لدى سورية والباحث في معهد الشرق الأوسط روبرت فورد، إن إحدى «أولويات واشنطن هي منع العراق من المساعدة في تمويل اقتصاد إيران الضعيف، خصوصاً بعدما أصبحت وارداته من الغاز والكهرباء الإيرانية مصدر إزعاج للإدارة». 
ويوضح فورد، الذي سبق أن عمل قائماً للأعمال في العراق، أن الكاظمي تلقى تجديداً لمدة أربعة أشهر لاستيراد الطاقة من إيران، خصوصاً في حرارة الصيف الشديدة، حيث يرتفع الطلب على الكهرباء، وهو ما من شأنه أن يثير عدم الرضا العام عن أي نقص ممكن، ويحول الغضب الشعبي الى مخاطر سياسية كبيرة في بغداد. 
ويضيف: «واقعياً، يحتاج العراق إلى سنوات عدة لبناء البنية التحتية لإنهاء اعتماده على واردات الطاقة الإيرانية، وسيتعين على الكاظمي إقناع واشنطن بمنحه المزيد من الوقت، وإقناع إيران أيضاً بعدم استفزاز الأميركيين للإبقاء على الترتيب الحالي الذي يفيد بغداد وطهران معا». 
ويختم فورد بأن «من شأن إعادة تنظيم حكومة الكاظمي العقود مع الشركات الأميركية المهتمة بمشاريع البنية التحتية العراقية أن يساعد في تهدئة فريق ترامب». 
الاجماع في واشنطن يفيد بأن وصول الكاظمي لرئاسة الحكومة هو في مصلحة الولايات المتحدة والدولة العراقية، وضد مصلحة إيران وميليشياتها. أما لماذا تراجعت طهران، لضعف أم لمصلحة آنية، فموضوع قابل للنقاش، وما زال محتدماً في دوائر القرار الأميركي.

الثلاثاء، 12 مايو 2020

ترامب المذعور من «كورونا» يطُلُّ صحافياً للدفاع عن أدائه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

للمرة الأولى منذ بدء انتشار فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة والعالم، بدا دونالد ترامب مذعوراً من إمكانية إصابته بالوباء، فأطلّ في مؤتمر صحافي مفاجئ للدفاع عن أداء إدارته في تأمين فحوص كشف لأكبر عدد ممكن من الأميركيين، لكنها المرة الأولى التي أجبر فيها الرئيس الأميركي كل موظفي البيت الأبيض، والصحافيين الحاضرين، على ارتداء كمامات... لكنه أنهى مؤتمره الصحافي في شكل مفاجئ، بعد اندلاع جدل بينه وبين مراسلة أميركية من أصول آسيوية.
كما كان لافتاً أنه للمرة الأولى، كان في المؤتمر الصحافي منصتان رئاسيتان بعيدتان عن بعضهما البعض، وقف على الأولى ترامب وحده، وتشارك الثانية مساعد وزير الصحة بريت غيرواور ومدير صناديق الرعاية الصحية براد سميث.
ورغم انخفاض درجة الحرارة والريح القوية، رفض ترامب عقد اللقاء في غرفة بريدي للصحافة، وأصرّ على إجرائه في حديقة الورود خارج مكتب الرئيس البيضاوي، اذ ان الجلوس في الهواء الطلق يخفّف من مخاطر انتقال الفيروس بين الأشخاص. 
وفي رد على سؤال لأحد الصحافيين، قال ترامب: «نعم، أنا طلبت من كل من يعمل في البيت الأبيض أن يرتدي كمامة».
وتأتي الإجراءات الاحترازية المشدّدة على عكس دعوات البيت الأبيض للأميركيين بالتخلي عن حذرهم وإعادة عجلة اقتصادهم الى الدوران. كما تأتي الإجراءات وسط عاصفة من الأنباء كشفت عن إصابة عدد كبير ممن يعملون عن كثب مع ترامب وعائلته، منهم طبّاخه، والناطقة الإعلامية باسم نائب الرئيس مايك بنس، والمساعد الشخصي لابنة الرئيس ومستشارته إيفانكا ترامب، فضلاً عن 11 عضواً من فريق «الأمن السري»، المولج تأمين الحماية الشخصية للرئيس.
وكان مقرّبون من ترامب نقلوا عنه رفضه ارتداء كمامة، لأنه يعتقد أنها تجعله «يبدو سخيفاً». لكن هذا لا يعني أن الرئيس لا يخاف من الفيروس، إذ هو اتخذ إجراءات احترازية تكاد تؤدي لانعزاله عن أقرب المقربين إليه.
وألمح ترامب الى وجود بنس حالياً في الحجر الصحي بعد ثبوت إصابة الناطقة الإعلامية باسمه كايتي ميلر، من دون أن يؤكد ذلك بشكل صريح. 
وقال للصحافيين: «خلال فترة الحجر الصحي هذه، سوف نتحدث على الأرجح. لم أره منذ ذلك الحين (...) بإمكاننا التحدث عبر الهاتف».
ولفت الى أن «نتيجة فحصه جاءت سلبية، لذا وجب علينا إدراك ذلك، إلا أنه يحتك بالكثير من الناس».
وفي المؤتمر الصحافي، أعلن ترامب عن زيادة تؤدي لإجراء 300 ألف فحص كورونا يومياً، في الأسابيع القليلة المقبلة. وقال: «أعلن اليوم اننا سنرسل 11 مليار دولار للولايات وحكامها للضمان أن أميركا تجري أكثر فحوص من أي دولة في العالم». 
ويبدو أن ترامب شعر بضرورة إطلاله علنياً للدفاع عن أدائه في موضوع الفحوص، بعدما تراكمت شكاوى الأميركيين من الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، ضد ما يعتبره الأميركيون تأخر بلادهم في عدد الفحوص، مقارنة ببقية دول العالم. 
وأعاد الرئيس الأميركي توجيه سهام نقده الى الصين، وقال إن «الوباء ضرب قطاعات واسعة، وما كان يجب ان يحصل ذلك بل كان يجب ان يتم وقفه في مصدره». وتابع: «قمنا بإنقاذ حياة مئات الآلاف، ومع ألمانيا نحن نتصدر دول العالم في نسبة الشفاء». 
وفي محاولة لإنقاذ تراجع شعبيته مع اقتراب موعد الانتخابات المقرّرة في نوفمبر المقبل ومحاولته الفوز بولاية ثانية، أكد الرئيس الأميركي: «سوف نهزم هذا الفيروس، وسنصل الى الفصل الثالث (اقتصادياً)، وسنقوم بعمل جيد. وفي الفصل الرابع، سنعمل أفضل بكثير، ومطلع العام المقبل سيكون الأداء الاقتصادي غير مسبوق، فالطلب في السوق متكدس، وأنا أشعر بذلك، وقد شعرت بأشياء كثيرة في حياتي». 
وفي إشارة الى أن الاقتصاد الأميركي لن ينهض بعد «كورونا» في حال لم يفز بولاية ثانية، قال ترامب إن الاقتصاد سينهض، «إلا إذا جاء أحدهم (من الديموقراطيين الى الرئاسة) وقام برفع الضرائب بواقع مرتين أو ثلاثة أو أربعة، ولكن عدا عن ذلك، أتوقع نمواً اقتصادياً كبيراً».
وتظهر استطلاعات الرأي تقدم المرشح الديموقراطي جو بايدن على ترامب، على صعيد البلاد عموماً، وكذلك على صعيد كل من الولايات المتأرجحة، وهو ما يبدو أنه أمر يقلق ترامب، وان يكن الوقت لا يزال مبكراً للجزم حول هوية الرئيس المقبل.
ومضى ترامب بترداد الدعاية التي دأب يرددها عن نفسه، وعن أداء الاقتصاد برئاسته، وقال: «لدينا أفضل اقتصاد في العالم، وكان لدينا أفضل نسبة عمل وأدنى نسبة بطالة وأعلى سوق مالية حققت 142 يوماً متواصلاً من الأرقام القياسية، وقمنا ببناء جيشنا، وعلى حدودنا الجنوبية، نكمل بناء الحائط... الآن، لا تسمعونهم يتحدثون عن الهجرة غير الشرعية لأن عدد الوافدين في أدنى حالاته، وهم لا يتحدثون لأننا نجحنا في خفض أعداد هؤلاء المهاجرين، ومع حلول العام المقبل، سنكون قد بنينا 500 ميل (800 كيلومتر) من الحائط على الحدود». 
وحاول ترامب وعد الأميركيين بجولة جديدة من الدعم المالي الحكومي، قائلاً: «أريد أن أرى جولة جديدة من المرتبات الحكومية لكل الأميركيين والمساعدات». 
وفي محاولة لكسب المزيد من التأييد الشعبي، حاول ترامب تفادي مهاجمة الديموقراطيين، «بلدنا يتعلم والأرقام تنخفض بشكل كبير. اعتقد أن حكام الولايات من الحزبين، الديموقراطي والجمهوري، يقومون بعمل جيد». 
لكن الرئيس الأميركي أنهى مؤتمره بشكل مفاجئ (وكالات)، إثر جدال مع مراسلة أميركية من أصول آسيوية.
وسألت ويجيا جيانغ، مراسلة شبكة «سي بي أس»، ترامب عن سبب إصراره بشكل مستمر على القول بأن الولايات المتحدة تقوم بعمل أفضل أكثر من أي بلد آخر عندما يتعلّق الأمر بإجراء فحوص «كورونا».
وتابعت سؤالها «ما أهمية هذا الأمر؟ ولماذا هو بالنسبة اليك منافسة عالمية في حين أن هناك أميركيين يخسرون حياتهم كل يوم، ونحن لا نزال نرى يومياً المزيد من الإصابات؟».
وأجابها ترامب «الناس يخسرون حياتهم في كل مكان في العالم». ثم تابع بنبرة غاضبة «ربما يجب أن توجهي هذا السؤال الى الصين. لا تسأليني أنا، بل اسألي الصين هذا السؤال، وعندها ستحصلين على إجابة غير عادية للغاية».
لكن وبينما كان ترامب يعطي الإذن لمراسلة أخرى لتسأل، عادت ويجيا التي تعرّف عن نفسها بأنها من وست فرجينيا ومولودة في الصين لتوجه استفساراً آخر الى ترامب «سيدي، لماذا توجّه إليّ هذا الكلام بشكل خاص»، في إشارة الى كونها من أصول آسيوية.
فردّ عليها ترامب «أنا لا أقول لك هذا الكلام بشكل خاص، بل أقوله لكل شخص قد يسأل سؤالاً مشيناً مثل هذا».
ثم أعطى ترامب الإذن لمراسلة أخرى لتسأل في حين استمرت ويجيا بطلب إجابة عن تساؤلها، قبل ان ينتقل الرئيس الى مراسلة ثالثة فوجئت بإنهائه مؤتمره الصحافي بشكل مفاجئ ومغادرته بينما كانت تهم بطرح سؤالها. 
وكان التضامن سريعاً مع ويجيا على الإنترنت حيث تصدّر الهاشتاغ الخاص بها «ادعموا ويجيا جيانغ» موقع «تويتر». 
وغرّد الناشط والممثل الأميركي من أصل آسيوي جورج تاكي، قائلاً «أنا أقف الى جانب ويجيا جيانغ ضد نوبات غضب ترامب العنصرية».
أما مراسة «سي ان ان» آبريل ريان، التي تعرّضت سابقاً لنوبات غضب ترامب فكتبت مخاطبة ويجيا: «أهلا بك في النادي. هذا مثير للغثيان. إنها عاداته».
ومع إعلانها 830 وفاةً، الاثنين، تكون الولايات المتحدة، البلد الأكثر تضرراً في العالم من الفيروس، وفق الأرقام المطلقة، سجّلت حصيلة وفيات يومية دون 900 لليوم الثاني على التوالي، بحسب تعداد جامعة جونز هوبكنز. لكن لا يزال من المبكر معرفة ما إذا كانت هذه الوتيرة الانحدارية ستستمر. 
وتجاوز عدد الوفيات في الولايات المتحدة، الـ 82 ألفاً، من نحو مليون و400 ألف إصابة، تعافى منهم ما يزيد على 262 ألفاً.

"الممانعة" في ركاكة حججها

حسين عبدالحسين

أكثر ما نجح فيه "محور الممانعة"، أي إيران والميليشيات التابعة لها في المنطقة، هو تحويل أي حوار عن السلام مع إسرائيل إلى خيانة موصوفة. حتى التلفّظ بكلمة إسرائيل صار بمثابة الكفر بالدين. الأغرب أن أهل "الممانعة" لا يرون أن معاداتهم للسلام مشكلة. في الحضارات البشرية المتعاقبة، لطالما كان السلام هدفا ساميا. أما في عقل "الممانعة"، فصارت الحرب ـ ومعها الموت ـ هي الخيار المحمود، وصار السلام مع إسرائيل والحياة الآمنة رجس من عمل الشيطان.

وإلى معاداة السلام، قلبت "الممانعة" ـ المنبثقة عن سطحية الإسلام السياسي ـ مفاهيم الحوار، حتى صارت المحاجّة مع الممانعين عبثية تغرق في منطق دائري يناقض نفسه. يقول الممانعون إن سبب وجود ميليشيات "المقاومة"، مثل "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزة، هو حماية اللبنانيين والغزاويين. ثم عندما تقول للممانعين إنه إن كان هدف "المقاومة" حماية اللبنانيين، مثلا، فقد تسبب "النصر الإلهي" المزعوم بمقتل 1200 لبنانيا، وتدمير تطلّب مليارات الدولارات لإعادة الإعمار. 

إسرائيل واجهت خسائر كذلك، لكنها كانت أصغر بما لا يقاس، إذ بالكاد بلغت الخسائر البشرية الإسرائيلية مئة، ولم تعان بنية إسرائيل التحتية من خسائر تذكر.

يتابع الممانعون أن "حزب الله" لم يتسبب بالموت والدمار في لبنان، بل هذه مسؤولية إسرائيل، تعيد تذكيرهم أن هدفهم المعلن هو ردع إسرائيل، يردّون أن إسرائيل لم تحقق هدفها باجتثاث "المقاومة". هكذا، مات اللبنانيون وبقيت "المقاومة"، ما يعني أن لبنان هو الذي حمى "حزب الله"، مثلما حمى الغزاويون ومستشفياتهم ومدارسهم صواريخ "حماس"، فيما المتعارف عليه هو أن دور "المقاومة" هو حماية الناس، لا العكس.

ثم تقول للممانعين إن "حزب الله" و"حماس" فشلا في منع الموت والدمار، وتسببا بانهيار اقتصاد لبنان وغزة بسبب وجود الميليشيات التي أدت إلى عزلهما عن المجتمع والاقتصاد الدوليين، وأن تكلفة بقاء الميليشيات أفقرت اللبنانيين والغزاويين، يردّون أنه لولا "حزب الله" و"حماس" لمات اللبنانيون والغزاويون. تردّ أن اللبنانيين والغزاويين ماتوا فعليا، إما في الحروب الإقليمية أو من الفقر والعوز، يرّدون بتقديم تقارير إسرائيلية تشيد بقدرات "حزب الله" و"حماس" العسكرية. 

تقول لهم إن تقارير إسرائيلية أخرى تشير لاستعداد إسرائيل لسلام فوري كامل مع لبنان وغزة، يرّدون أن كل من يصدّق إسرائيل هو عميل لها. يعني يصدقون إسرائيل فيما يناسبهم، ويكذّبونها فيما لا يناسبهم، ثم يرددون المقولة التي يبرع بها الإسلام السياسي عموما، أنهم أصحاب حق، وأن كل الآخرين على باطل.

وقصة أن العرب أصحاب حق مؤكد لا ريب فيه، وأن الإسرائيليين يزوّرون التاريخ، وأن العالم يتآمر على العرب والمسلمين، كلها قصص قد يخالها صحيحة من يعيش في كنف الدعاية العربية والإيرانية عن التاريخ الإسلامي والصراع الفلسطيني مع إسرائيل.

التاريخ الإسلامي بحاجة إلى إعادة نظر بأكمله، إذ أن اعتبار أن العرب كانوا قبل الإسلام برابرة يعيشون في جاهلية مشكلة. والتاريخ الإسلامي كتبه الخليفة العباسي المأمون، الذي يشتهر بالتزوير بنقشه اسمه كباني مسجد قبة الصخرة، بدلا من الباني الفعلي خليفة الله الأموي عبد الملك بن مروان.

إن كان العرب جادين في البحث عن تاريخهم في فلسطين، عليهم التنقيب في صحراء النقب جنوب إسرائيل، حيث الموقع الأثري عبدات، نسبة إلى الملك الإله النبطي عبيدة. وعبدات هذه تقع في منتصف الطريق الذي يربط بترا، عاصمة النبط، بمرفئهم في غزة، الذي كان قائما تحت حي الرمال الراقي في القطاع اليوم، على مقربة من ميناء الصيادين. وكانت الصدف كشفت أعمدة رومانية، ما يشي أن لغزة تاريخ مجيد، عربي قبل الإسلام، لم نعمل كفاية على اكتشافه.

مرفأ غزة هو الذي كانت تصله سفن روما، فتفرغ حمولتها فيه، وتحمل منه بخّور اليمن لاستخدام المعابد، وتحمل منه حرير الصين، وتحمل منه بهارات الهند. وفي عبدات أكفان من الحرير الصيني، مثل في تدمر السورية. هكذا كان النبط: تجّار أثرياء يتسلمون البخور اليمني في ديدان والحجر، قرب يثرب، ويتسلمون حرير الصين وبهارات الهند من بابل عبر عرعر ودومة الجندل وتيماء، ويحملونها عبر وادي سرحان شمالا إما إلى بصرى أو بترا، فغزة.

في محيط عبدات، كشف الخبراء عددا من مزارع الكرمة ومصانع النبيذ النبطية التي تعود إلى القرون السبعة الأولى للميلاد، وفي مرفأ الإسكندرية، عثروا على جرّات عربية نبطية كانت تحمل النبيذ الفلسطيني من غزة إلى مصر برّا (تيارات مياه المتوسط تجري عكس عقارب الساعة، ما يجعل السفر في البرّ من غزة إلى الإسكندرية أسرع من البحر، والعكس صحيح). 

لم تنهر الحضارة النبطية إلا بعد سلسة زلازل قاسية كان آخرها سنة 750 ميلادية، ما أفقدها خزانات المياه والقنوات الصخرية، وحرم النبط قدرة البقاء في مناطق كان التصحر يزحف إليها.

مع تراجع طريق بترا ـ غزة التجاري، راحت القوافل تتجه شمالا إلى عمّان، ثم تستدير غربا لتقطع نهر الأردن إلى القدس ومنها إلى ساحل المتوسط. هكذا صعدت إيلياء الرومانية (القدس) في أهميتها، وراح التجّار العرب ينقلون قواعدهم من الجنوب إلى الشمال، حتى صارت دمشق عاصمتهم، إلى أن انهارت حضارة النبط في 750، فصعدت بدلا منها بغداد، وراح حكام بغداد من التجار البرامكة، وهم من قندهار الأفغانية، يعيدون كتابة التاريخ العربي بشكل أطاح بالأمويين، وزاد من تأثير خراسان وأساطيرها في تاريخ العرب، على حساب الغرب والمسيحية البيزنطية.

قبل سنجق القدس العثماني في 1804 وفلسطين الانتداب في 1920، يندر أن كانت غزة تابعة للقدس، بل أن غزّة كانت أكبر من القدس في 1838، ما يعني أن إصرار حماس على تحرير القدس كعاصمة حتى تتبع لها هو من إرث الانتداب، لا التاريخ العربي.

لم تكن غزة تعجّ بصور الأموات، ولا الأعلام خضراء، ولم تعش شقاء كاليوم، بل في تاريخها، كانت غزة النبطية العربية ابنة بترا ومدائن صالح وعبدات، وكانت من درر المتوسط. كانت غزّة تصدّر البخّور والبهارات والنبيذ، وتستورد الذهب الروماني والقمح المصري والصناعات القرطاجية.

لا حجج "الممانعة" عن ضرورة مواصلة الحرب والموت مقنعة، ولا تاريخ فلسطين كدولة مكتملة المعالم أو السيادة صحيحا، ولا القدس كعاصمة فلسطين عبر التاريخ صحيحا، بل كلّها دعاية وسياسة تطيل شقاء العرب وتقضي على مستقبلهم.

الخميس، 7 مايو 2020

مدللي لـ «الراي»: بذلنا كل جهدنا للحفاظ على دعم دولي للبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أبدت المندوبة الدائمة للبنان لدى الأمم المتحدة السفيرة آمال مدللي، استغرابها للحملة التي شنتها عليها وسائل الإعلام اللبنانية، في وقت تواصل البعثة بقيادتها تسجيل نجاحات ديبلوماسية لمصلحة لبنان، كان آخرها هذا الأسبوع، على إثر اجتماع مغلق عقده مجلس الأمن للتباحث الدوري في القرار 1701.
وأشارت مدللي إلى أن التباحث في قرار مجلس الأمن كان مقرراً في مارس الماضي، وتم تأجيله إلى مايو الجاري، لأسباب الحجر الصحي الذي يفرضه فيروس كورونا المستجد على مدينة نيويورك.
وتقتصر المشاركة في المشاورات على أعضاء مجلس الأمن، إلا أن البعثة اللبنانية، عبر علاقاتها وصداقاتها، اطلعت على فحوى البيان الذي كان مزمعاً الموافقة عليه.
وتقول مدللي: «بذلنا كل جهدنا للحفاظ على دعم الأمم المتحدة للبنان، بما في ذلك الإبقاء على الفقرة التي تتطرق إلى حديث مجلس الأمن عن ضرورة دعم لبنان في الأوقات الاقتصادية العصيبة التي يمرّ بها».
وتضيف: «اعترض أحد الأعضاء غير الدائمين على فقرة الدعم الاقتصادي للبنان وحكومته، وقمت بالاتصال بموفده الذي تجمعني به صداقة، وأقنعته أن هذا الأسلوب في البيانات حول لبنان معتمد منذ فترة طويلة في مجلس الأمن، ولا حاجة لتعديله اليوم».
ولفتت مدللي إلى سعيها لدى «أصدقاء لبنان» في مجلس الأمن للإصرار على تضمين البينات الاختراقات الإسرائيلية المتواصلة للمجال الجوي اللبناني، وهو فعلاً ما حصل.
وتشرح السفيرة اللبنانية أن التجديد لقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام المنتشرة في جنوب لبنان عملية منفصلة عن النقاش الذي جرى في مجلس الأمن هذا الأسبوع، وأن مناقشة التجديد السنوي لـ«يونيفيل» يجري في أغسطس من كل عام. «العام الماضي، اعترضت الولايات المتحدة على عمل يونيفيل، وطالبت بتخفيض عديد القوة، البالغ عشرة آلاف جندي، وطالبت بتفعيل دورها وتعديل مهمتها لتقوم بدور أكبر في مراقبة الحدود اللبنانية - الجنوبية»، تقول مدللي.
وتضيف: «قلت إن هذا مطلب متضارب، كيف يطالبون بتخفيض العديد وتفعيل المهام، الأفضل الحفاظ على العديد وعلى انتشار القوة بمهمتها الحالية، التي تقوم بدور إيجابي، خصوصاً في عملية خفض التصعيد في الأوقات التي يرتفع فيها التوتر على الحدود».
وتستغرب مدللي سبب الحملة الإعلامية ضدها، وتقول: «في أغسطس الماضي، نجحنا في إعادة التجديد لولاية يونيفيل لمدة عام مع الحفاظ على مهمتها نفسها من دون أي تعديل». وفي أغسطس، تضيف «سمعنا تهليلاً وترحيباً في بيروت للجهود الجبارة التي قامت بها بعثتنا، وهي الجهود نفسها التي سنقوم بها هذا العام، وكل عام، بما فيه مصلحة وطننا».
ولا تتوقع مدللي أن تنجح الأصوات المطالبة بحلّ «يونيفيل» أو تقليص عديدها أو تخفيض موازنتها السنوية، وتؤكد:«لبنان لديه أصدقاء كثر في المجتمع الدولي، وفي مجلس الأمن، وحتى الآن، لا يأتي الاعتراض ضد يونيفيل إلا من أوساط محدودة».
وتشدد على أن «المجتمع الدولي يدرك أهمية يونيفيل كقوة حفظ سلام وتثبيت أمن، وهذا في صميم دور مجلس الأمن».
ورداً على سؤال لـ«الراي» حول قدرة إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تبدو غالباً سعيدة بتخفيض التبرعات الأميركية للوكالات الدولية مثل «أونروا» ومنظمة الصحة العالمية، على تخفيض موازنة «يونيفيل» للعام المقبل، تقول مدللي: «من دون شك، لواشنطن قدرة على ذلك، لكن لا يبدو أن للإدارة الأميركية رغبة في إنهاء برنامج يونيفيل».
وعن الإشاعات المغرضة التي اتهمتها بمخالفات مالية، توضح مدللي أنها أرسلت إلى وزارة الخارجية كتاباً رسمياً لمباشرة التحقيقات في المخالفات المذكورة، مؤكدة أن كل تواقيعها جاءت بتنسيق رسمي مع وزارة الخارجية، وكل قراراتها جاءت على إثر مداولات بحضور الديبلوماسيين في البعثة، الذين يمكنهم أن يؤكدوا أقوالها بمثابة شهود.
وتأسف مدللي للتراشق الإعلامي والإشاعات، وتقول إنها هي أول من يسعى لتحقيقات كاملة، «فمواضيع من هذا النوع ليست للتراشق الإعلامي، بل تتعلق بسمعة الناس وكراماتهم».

فتحات «حزب الله» الحدودية لإقناع العالم بإبقاء «يونيفيل»!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تعتقد أوساط إدارة الرئيس دونالد ترامب بأن «حزب الله» اللبناني يستميت لإبقاء قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام «يونيفيل»، وذلك طمعاً بالموازنة السنوية للقوة، والتي تبلغ 474 مليون دولار، في وقت تعاني قوات السلام حول العالم من ضائقة مالية وخفض في موازناتها.

وفي سياق رسائله لإقناع المجتمع الدولي بضرورة الإبقاء على القوة الدولية، التي يبلغ عديدها 10 آلاف جندي، في جنوب لبنان، قام «حزب الله» بفتح أكثر من كوة في السور الإسرائيلي على الحدود مع لبنان.

وبدلاً من أن يرى المسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الفتحات «تهديد أمني»، وأن الأفضل لواشنطن إبقاء دعمها لـ«يونيفيل»، أشار المسؤولون إلى الفتحات للدلالة على أن لا حاجة للقوة التي لا تتمتع بأي فاعلية والتي لا يمكنها وقف أي خروقات قد يقوم بها الحزب ضد إسرائيل، وأن على واشنطن العمل على خيار من اثنين: إما تعديل مهمة القوة وجعلها قادرة على تطبيق القرار 1701، الذي ينص على ضرورة انسحاب الحزب إلى شمال نهر الليطاني، أو تقليص حجمها الى أقصى حد ممكن، وتحويلها الى مكتب ارتباط بين إسرائيل ولبنان يقتصر دوره على التنسيق بين الجانبين في الأوقات التي تشهد توتراً عبر الحدود لتخفيض التوتر وتفادي اندلاع مواجهات مسلحة بين الجانبين.

يقول ديفيد داود، وهو خبير في مركز أبحاث «متحدون ضد ايران نووية»: «أفهم النقد الإسرائيلي العام وغيره ليونيفيل، فهذه القوة فشلت بشكل واضح في مهمتها بعد حرب عام 2006».

ويضيف: «ما لا أفهمه هو منطق الدعوة إلى حلها أو تخفيض قوتها، فالأمر يعتمد على ما نعنيه بالفاعلية... هل تستطيع يونيفيل نزع سلاح حزب الله؟ لا، لكن يونيفيل يمكنها أن تكون عائقاً، مهما كان ثانوياً، للحزب اللبناني».

ويتابع الخبير الأميركي: «أعتقد أنه يجب توسيع تفويض يونيفيل ليشمل الحدود اللبنانية - السورية لخلق عائق إضافي لأنشطة حزب الله عبر الحدود مع سورية».

ويشير داود، في تصريحات لـ«الراي»، إلى الدور الذي تلعبه يونيفيل في حل النزاعات بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، «أعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي يجب أن يكونوا على دراية تامة بقصور يونيفيل في تنفيذ تفويضها، ولا يجب أن يعتمد أي طرف، على الأقل إسرائيل، على يونيفيل للقيام بمهمة كبح حزب الله بالكامل، فأهمية حفظ السلام هي أمر لا يعجب حزب الله ولكن لا يوقفه، ومع ذلك أعتقد أن هذه وظيفة مهمة».

وعن إمكانية تخفيض عديد القوة، يقول داود: «أعتقد أنه إذا خفضت القوة إلى مستويات ما قبل عام 2006، يمكنك أيضا حلّها بالكامل، ربما باستثناء الاجتماعات الثلاثية التي تديرها بين الطرفين». الحقيقة، يقول الخبير الأميركي، هي أن «أي مراقب صادق للبنان كان يجب أن يعرف أن قرار مجلس الأمن الرقم 1701 غير قابل للتنفيذ، وأن يونيفيل لم تتمكن من تنفيذ تفويضها الموسع بشكل فعال، على الأقل ليس فيما الظروف على الأرض كما هي الآن، ومع الدعم الشعبي الذي يتمتع به حزب الله في الجنوب».

الخطوات الأكثر فاعلية «تتطلب شروطاً مسبقة ضرورية، وبدأنا للتو نرى القوى الأوروبية تواجه الواقع وتعمل على تجريم حزب الله بكامله، وعندما تكون هذه الأدوات في مكانها، يساهم المجتمع الدولي في تهيئة الظروف اللازمة للطلب الى يونيفيل للحد من نشاطات حزب الله»، بحسب الخبير.

خبير أميركي آخر من المراقبين عن كثب للحدود اللبنانية مع إسرائيل، هو الديبلوماسي السابق والباحث في «مجلس الأطلسي» فرد هوف، يعتقد أن «يونيفيل قامت بعمل جيد لنزع فتيل التوتر في جولاته الأخيرة، اذ بعد 42 عاماً، صارت تعرف ما المطلوب القيام به».

ويقول هوف، الذي يحمل خط ترسيم الحدود البحرية المقترح بين لبنان وإسرائيل اسمه «خط هوف»، إن «من المؤسف أن خدمات يونيفيل لا تزال مطلوبة بعد أكثر من أربعة عقود على انتشارها الذي يفترض أنه موقت» وهذا أحد «أبرز الدلائل على الفرص العديدة للتوصل الى تسوية والتي يتم تفويتها بشكل روتيني، عقدًا بعد عقد».

ويختم الديبلوماسي السابق، على صفحته على موقع مجلس الأطلسي: «عندما كانت الآمال كبيرة في عام 2012 في أن يتم قبول اقتراح تسوية أميركي لخط الفصل البحري بين لبنان وإسرائيل في البحر الأبيض المتوسط ويتم تنفيذه، كان هناك أيضاً أمل في أن الوساطة الأميركية قد تنجح في حل النزاعات المتصلة بالخط الأزرق لعام 2000، لكن للأسف، أدى عدم الاستقرار السياسي اللبناني إلى إعاقة اتفاقية بحرية كانت ستضخ، لو تم تنفيذها، عائدات الغاز الطبيعي إلى لبنان المتعطش للنقد اليوم».

الأربعاء، 6 مايو 2020

ترامب يسعى لمحو الحجر من ذاكرة الأميركيين واستبداله بذكريات حول إعادة تنشيط الاقتصاد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أفادت إدارة الرئيس دونالد ترامب، من الشعور العام الذي انتابه التعب من الإغلاق المفروض لوقف انتشار وباء كورونا المستجد، كما أفادت من قيام عدد كبير من حكومات الولايات الأميركية، وكذلك حكومات العالم بما فيها الأكثر رزانة واتزاناً، مثل كندا، بالبدء بتخفيف قيود الحجر الصحي المفروض منذ أربعة أسابيع، فسارع البيت الأبيض لإعلان نيته حلّ الخلية، في مهلة أقصاها شهر.
ومع حلّ «خلية أزمة كورونا»، يخرج من دائرة الضوء الدكتور انتوني فاوتشي والدكتورة ديبرا بيركس، وهما من أكثر المحذرين من مغبة أن يؤدي انفتاح سريع لموجة ثانية من الوباء قد تكون أقسى من السابقة. 
وسبق لترامب أن أعلن تشكيل الخلية لإعادة دفع عجلة الاقتصاد الى الدوران... وتضم ابنته ايفانكا وزوجها جارد كوشنر، إلى جانب مسؤولي الخزانة والاقتصاد. وكان لافتاً غياب نائب الرئيس مايك بنس، الذي سبق أن ترأس خلية أزمة مواجهة «كورونا». 
ويبدو أن الرئيس الأميركي يسعى لمحو الفيروس والحجر الصحي الذي رافقه، من ذاكرة الأميركيين، واستبدالهما بذكريات حول إعادة تنشيط الاقتصاد، خصوصاً قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، والتي يسعى فيها للفوز بولاية رئاسية ثانية.
وفي حال تخلصت الإدارة من خلية مكافحة كورونا خلال شهر، يكون البيت الأبيض خالف توصياته نفسها التي أصدرها قبل أسبوعين، وحدد فيها مراحل تخفيف الحظر، التي كان من المفترض أن تتطلب أسابيع، وأن تنتهي أواخر أغسطس، لا أوائل يونيو. 
وأثناء تفقده أحد معامل تصنيع الكمامات، بدا ترامب مستخفاً بـ«فداحة كورونا» وعدد وفياته والتي فاقت الـ 72 ألفاً من بين مليون و240 ألف إصابة، والتي يتوقع أن تبلغ 135 ألف حالة وفاة. وقال: «أنا لا أقول إن أي شيء مثالي». 
وأضاف: «هل سيتأثر بعض الناس (سلباً بتخفيف القيود)؟ نعم... هل سيتأثر بعض الناس بشدة؟ نعم، لكن علينا أن نفتح بلادنا».
وأكد الرئيس الأميركي، في مقابلة مع شبكة «اي بي سي»، أنه لا يستطيع النوم في الليل، بسبب أرق تسببه له وفيات الأميركيين بالفيروس.
وتابع، في إشارة إلى الأميركيين الذين فقدوا مقرّبين «أحبكم جميعاً». ووعد بالقضاء على «كوفيد - 19»، وقال: «لدينا عدو، ويجب أن نهزمه».
ووصف الرئيس الأميركي، توقعات نظام النمذجة والتحليل الخاص بالفيروس الذي تستخدمه جامعة جونز هوبكنز وجامعة واشنطن للتنبؤ بالوفيات بـ «الخاطئة»، وفق ما أورد تلفزيون «أي بي سي».
ووسط الاندفاعة في اتجاه تخفيف قيود الحجر الصحي، طغى على النقاش الأميركي الحديث عن أهمية التوصل الى «مناعة القطيع»، والتي تتشكل بعد اصابة وشفاء غالبية السكان، ما يجعل إمكانية إصابتهم مرة ثانية - وقيامهم بنقل الفيروس الى آخرين ممن لم يصابوا - عملية متعذرة، إذ ذاك يكون الفيروس قد تلاشى، رغم أن منظمة الصحة العالمية، أكدت أن لا دلائل كافية تشير الى أن مَنْ تعافوا باتوا يتمتعون بالمناعة. 
في سياق متصل، أصدرت جامعة مينيسوتا دراسة توقعت فيها أن يتطلب القضاء على «وباء كورونا» مدة تراوح بين 18 و24 شهراً، وجاء فيها أن «المناعة الجماعية ممكنة فقط بعد إصابة نحو 70 في المئة من السكان، وأن أرقام الاصابات الحالية لا تزال متدنية، وهو ما يتطلب قرابة عامين لإكمال الانتشار وإصابة ثلثي الناس». 
وتابعت أن «اللقاح يبدو أنه يحتاج الى مدة مشابهة»، وهو ما يعني أن على حكومات الولايات وحكومات العالم بناء سياساتها على أساس أن الفيروس باقٍ لمدة عامين من اليوم، مع ما يعني ذلك من احتمال فرض حجر صحي وتخفيفه بين كل موجة وأخرى.
وأوضحت الدراسة أنها بحثت في تاريخ الأوبئة التي أصابت البشرية منذ العام 1700، وتوصلت إلى استنتاج مفاده بأن كل الاوبئة المشابهة «لم تتلاش قبل مهلة عامين»، خصوصاً «الانفلونزا الاسبانية»، الذي بدأ في الولايات المتحدة في العام 1918 وتلاشى في 1920. 
وأشارت الدراسة الى المشاكل الرئيسية التي ترافق المرض، وتابعت أنه «بسبب فترة حضانة أطول، وانتشار أكثر من دون أعراض، يبدو أن كوفيد - 19 ينتشر بسهولة أكبر من الإنفلونزا، وهو ما يعني أن المزيد من الناس سيحتاجون إلى الإصابة بالعدوى حتى يصبحوا محصنين منها قبل أن انتهاء الوباء». 
وأضافت: «بناء على أحدث أوبئة الإنفلونزا، من المرجح أن يستمر هذا التفشي من 18 إلى 24 شهراً... ومن غير المرجح أن يتم إيقافه حتى يصبح 60 الى 70 في المئة من السكان محصنين». 
في فترة انتشاره، تشير الدراسة، «قد تأتي الحالات في موجات ذات ارتفاعات مختلفة (مع موجات عالية تشير إلى تأثير كبير) وعلى فترات مختلفة، وهنا نقدم ثلاث توصيات:الأولى تطلب من الولايات والأقاليم والسلطات الصحية القبلية التخطيط لسيناريو الحالة الأسوأ، بما في ذلك عدم توفر اللقاحات أو مناعة القطيع». 
التوصية الثانية «تطلب من الوكالات الحكومية ومنظمات تقديم الرعاية الصحية وضع استراتيجيات لضمان الحماية الكافية للعاملين في مجال الرعاية الصحية عندما ترتفع حالات الإصابة بالمرض».
أما الثالثة، فتدعو «المسؤولين الحكوميين إلى وضع خطط ملموسة، بما في ذلك المحفزات المالية المطلوبة لإعادة تدابير الحجر للتعامل مع ذروة موجة المرض عند حدوثها».
وتختم الدراسة أنه يجب «أن تتضمن رسائل المسؤولين الحكوميين إلى الناس مفهوم أن هذا الوباء لن ينتهي قريباً، وهو ما يفرض الاستعداد لاحتمال ظهور المرض بشكل دوري على مدى العامين المقبلين».

Since December 2008