الأحد، 30 سبتمبر 2018

في الوقت الذي تستعد فيه محكمة الأمم المتحدة لإصدار حكمها بشأن جريمة قتل رفيق الحريري، فإن خيارات حزب الله محدودة

حسين عبدالحسين

واقترب المشهد أخيرًا من نهايته، حيث تستعد أخيرًا المحكمة الدولية المنعقدة بلبنان لإصدار حكمها، وقد شُكلت تلك المحكمة بصفة أساسية في عام 2009 للتحقيق مع مرتكبي هجمات العام 2005 في بيروت، وهي الهجمات التي أودت بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، ورغم أن المحاكمة لم تبدأ فعليًا منذ العام 2014، إلا أن المحكمة، وفي غضون أسبوعين فقط، ستصدر حكمها بشأن إدانة المتهمين الأربعة وهم سالم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي وحسن حسن عنيسي وأسعد حسن صبرة. وكالعادة في جرائم القتل وغيرها من الأفعال المشينة، تجد بصمات حزب الله في جميع أركان القضية. غير أن “حزب الله” كما يلقب، قد وصف المحكمة فجأة بأنها “عديمة الجدوى”، وتوعد في الوقت نفسه المحكمة بشن حرب أهلية إذا أشارت تلك المحكمة “عديمة الجدوى” إلى تورط حزب الله. وفي هذا إشارة إلى حالة اليأس التي أصابت المكاتب المركزية التابعة لحزب الله.

وعلى عكس الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ترى بشكل قاطع أن حزب الله جماعة إرهابية، يرى الأوربيون أنها ميليشيا ذات “جناح سياسي”، وهناك روابط بين العواصم الأوروبية وحزب الله. ورغم ذلك، إذا وجدت المحكمة أن حزب الله متورط في اغتيال الحريري ولم يتخذ اللبنانيون رد الفعل المناسب، فسيضطر الأوروبيون حينئذ إلى قطع صلتهم بتلك الجماعة، وهو ما يزيد من عزلة حزب الله والدولة الراعية له وهي “إيران”، رغم أن كليهما يناشدون أصدقائهم الدوليين بشدة لمساعدتهما في مواجهة العقوبات الأمريكية التي فُرضت مجددًا.

قد يعتقد الشخص العاقل أن السبيل أمام حزب الله للخروج من هذا المأزق هو إبرام تسوية مع المحكمة والمجتمع الدولي، وبمقتضى تلك التسوية يسلم حزب الله عناصر الميليشيات المتهمة مقابل تبرئته، والهدف من هذا العرض هو امتصاص سخط الحزب في شكل وضع سياسة واقعية. غير أن تلك السياسة الواقعية بعيدة المنال بالنسبة للمتطرفين الإسلاميين في لبنان. وعلى أي حال من الأحوال، لا تًصاغ تلك القرارات في بيروت. وتحرص طهران على محو أي شيء سيجعل من حزب الله في نهاية الأمر وبشكل صريح شبكة إجرامية (ويدرك العالم فعليًا ولو بصورة ضمنية أنها شبكة إجرامية). ورغم كل ما سبق ذكره، أنشأت إيران حزب الله لغرض صريح وهو تنفيذ المهام القذرة داخل الدول المجاورة لها، ولهذا لا بد من تجاهل هذا السبب، والذي يأخذنا إلى نهايته المنطقية وهو أنه على حزب الله محو كل من يعارضه.

الخميس، 27 سبتمبر 2018

«البنتاغون»: الكويت جاهزة... وفي أمان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

فيما أكدت رئاسة الأركان العامة للجيش أن قيام القوات الأميركية بسحب بعض البطاريات المضادة للطائرات والصواريخ «باتريوت» من الكويت ودول أخرى هو «إجراء داخلي روتيني يخضع لتقدير القوات الأميركية وبالتنسيق مع الجيش الكويتي»، كشفت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية أن هذه الخطوة تأتي في سياق «تحديث منظومة الدفاع الأميركية بالاشتراك مع الحلفاء عبر تفويض بعض المهام إليهم».
وأوضحت رئاسة الأركان، في بيان، ان ما سيتم سحبه مخصص لتأمين الحماية للقوات الأميركية، مؤكدة أن منظومة «باتريوت» الكويتية، وبشكل مستقل، تؤمن الحماية والتغطية الكاملة للحدود الجغرافية للكويت.
وتقاطع ما أعلنته رئاسة الأركان مع ما كشفته مصادر (البنتاغون) لـ«الراي»، تعليقاً على ما أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» بشأن نية واشنطن سحب «باتريوت» من الكويت والأردن والبحرين.
وقالت المصادر: إن «ما لم تورده الصحيفة هو أن الجيش الأميركي يعمل منذ فترة على تحديث وصيانة أنظمة (باتريوت) التي تعمل بإمرة الجيش الكويتي».
وأوضحت أن «إدارة الرئيس دونالد ترامب عازمة على تطوير القدرات الذاتية الدفاعية للدول الحليفة ونقل بعض المهام إليها، مع الإبقاء على الشراكة الأميركية مع هذه القوات»، مشددة على أن «سحب الولايات المتحدة أنظمة باتريوت من الشرق الأوسط لا يعني انسحاباً أميركياً أو تراجعاً عن التعهدات بالدفاع عن الحلفاء، بل يعني تحديث منظومة الدفاع الأميركية بالاشتراك مع الحلفاء، عبر تفويض بعض المهام التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة إليهم».
وإذ ألقت الضوء على زيادة عديد القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الاوسط منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، بما في ذلك عديد القوات الخاصة في سورية والعراق، وقوات «التدخل السريع» المتواجدة في الكويت، جزمت المصادر بأن «الولايات المتحدة لا يمكن أن تجازف بأمن الحلفاء، أو تترك قواتها المنتشرة في الدول الحليفة، مثل الكويت والبحرين والاردن، عرضة لتهديدات من أي نوع، صاروخية أو جوية أو غيرهما». 
وقالت: «الكويت والدول الحليفة في الشرق الاوسط، وقواتنا التي تستضيفها هذه الدول، في أمان، وجاهزة للتعامل مع أي مخاطر، وتسليم قيادة (باتريوت) إلى الكويتيين أو سحب (باتريوت) من الأردن هو موضوع عسكري بحت»، مشيرة إلى أن «اعتبار أن سحب (باتريوت) هو جزء من استدارة نحو مواجهة روسيا والصين هو استنتاج خاطئ قامت به صحيفة (وول ستريت جورنال) من تلقاء نفسها».

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

واشنطن: خطة دعائية تزويد موسكو النظام السوري بمنظومة «إس 300»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حيّر إعلان روسيا نيتها تزويد النظام السوري بمنظمة «إس 300»، الدفاعية الجوية، المسؤولين الاميركيين، الذين اعتبر بعضهم ان هذه الخطوة بمثابة «خطوة دعائية» يرمي من ورائها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حفظ ماء وجهه، بعد مقتل 14 جنديا روسيا في حادثة اطلاق الدفاعات السورية النار على طائرتهم، فيما كانت هذه الدفاعات تحاول التصدي لمقاتلات اسرائيلية كانت تغير على شمال سورية الغربي. 
ويقول المسؤولون الاميركيون ان «إس 300» متأخرة تقنياً عن نظيرتها «إس 400»، وان التقنيات العسكرية تجعلها غير قادرة على التصدي للمقاتلات الاسرائيلية، المصنوعة في أميركا. ويرون انه لو أرادت روسيا فعليا اسقاط مقاتلة اسرائيلية، يمكنها ارسال مقاتلاتها إلى الاجواء للاشتباك مع الاسرائيليين، وربما إسقاطهم، ولا يحتاج الامر الى نشر منظومة صاروخية من النوعية المتخلفة نسبيا. وسبق لبوتين ان أعلن مرارا قيام قواته باغلاق الاجواء السورية. وفي مطلع هذا العام، أعلن نشر «إس 400» الاكثر تطورا في سورية. ولم تثن أي من اعلانات بوتين المقاتلات الاسرائيلية عن استهداف مواقع يعتقد الاسرائيليون انها تابعة للحرس الثوري ومقاتلي الميليشيات الموالية لإيران والمنتشرة في سورية. 
ويقول المسؤولون انه يمكن للاسرائيليين اختراق المنظومة الروسية، وحتى تدميرها. 
وسبق لسلاح الجو الاسرائيلي ان اجرى تدريبات عديدة، في اليونان ودول اخرى، تهدف لاختراق «إس 300»، بعدما كانت موسكو اعلنت نيتها بيع هذه المنظومة إلى طهران. 
على ان الخطورة لا تكمن في اي تهديد تقني عسكري روسي لسطوة المقاتلات الاسرائيلية في الاجواء السورية، بل ان اي ضربة اسرائيلية ضد اهداف سورية من شأنها ان تشعل حربا سياسية، وربما عسكرية، بين تل ابيب وموسكو. 
ويشرح المسؤولون، ان الدول التي تقوم مقاتلاتها بطلعات في الاجواء السورية، مثل الولايات المتحدة وروسيا واسرائيل وتركيا، تتشارك في بروتوكول يقضي بقيام سلاح الجو الذي يقوم بتنفيذ ضربة جوية باعلام الدول الاخرى تفاديا لامكانية تواجد جنودها في المنطقة التي تتعرض للقصف، وتفاديا لاي حوادث بين هذه الدول. 
وعن الحادثة الاخيرة التي أدت الى مقتل 14 جنديا روسيا، يقول المسؤولون ان «البروتوكول العسكري المشترك يقضي بابلاغ الدولة المهاجمة الدول الاخرى، وفي الوقت الذي ضربت فيه الدفاعات الجوية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد الطائرة الروسية، كانت المقاتلات الاسرائيلية قد غادرت وليس لديها ما تبلغه للروس او لنا او للاتراك». 
ويبدو ان بوتين أدرك في الايام الاولى ان الحادثة سببها عدم كفاءة قوات الأسد، وهو ما دفعه للتصريح بان هذا النوع من الحوادث يحدث في كل الجيوش، التي يموت فيها جنود بنيران صديقة. لكنه تراجع عن موقفه، وبدأ بالتصعيد، الذي بلغت ذروته مع اعلان موسكو نشرها «اس 300» في سورية لثني الاسرائيليين عن القيام بأي ضربات جوية ضد مواقع داخل سورية. 
ويختم المسؤولون بأن «الاسرائيليين سيواصلون دفاعهم عن نفسهم بقيام مقاتلاتهم بضرب اهداف ايرانية داخل سورية يعجز بوتين عن ضبطها، وستواصل ابلاغ الاطراف المعنيين، ومنهم الروس، بأوقات عملياتها». اما اذا قام الروس فعليا بالتعرض لمقاتلة اسرائيلية، «فسنكون جميعا امام مشكلة من نوع مختلف». 
من ناحيته، قال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، إنّ «أيّ أسلحة إضافية هدفها دعم (الرئيس بشار) الأسد في هذا الوقت لن تؤدّي إلاّ إلى إبقائه في موقع يهدّد فيه المنطقة بأسرها، والتهديد هو تدفّق لاجئين من المنطقة وهو أيضاً قتله شعبه».
وأضاف: «أي شيء من هذا القبيل يضع الأسد في موقع يمكنه فيه، بشكل أساسيّ، أن يضع مزيداً من العراقيل أمام تسوية هذا النزاع وإنهائه».
واعتبر مستشار الأمن القومي جون بولتون، قرار موسكو «تصعيداً خطيراً»، معرباً عن أمله في أن تعيد الحكومة الروسية النظر في المسألة.

'يوم كيبور' وعاشوراء

حسين عبدالحسين

صادف هذا العام رأس السنة اليهودية قبل يوم واحد من رأس السنة الهجرية، وتاليا صادف "يوم كيبور" في اليوم السابق لعاشوراء.

و"يوم كيبور" هو من أقدس المناسبات اليهودية. يعرفه العرب ـ على الأقل منذ حرب 1973 ـ باسم "يوم الغفران"، وهي ترجمة تنقصها الدقة، ربما بسبب نقلها عن اللغات الأجنبية. "كيبور" هي اللفظ العبري لكلمة كفّارة العربية. والكفارة ليست الكفر، بل التوبة، بمعنى التكفير عن الذنوب. وفي العربية، كلمة كَفَرَ تعني غَطى، وفي كتاب المسلمين، من يكفر هو من يغطي الحقائق ويتمسك بالباطل. والكلمة تتطابق لغويا ولفظيا مع كلمة "كوفر"(cover) الإنكليزية، والتي تعني غطاء.

في "يوم كيبور"، يطلب اليهود المغفرة من الخالق والمخلوق، ويمتنعون عن العمل، ويصومون اليوم الذي يصلون فيه، استثنائيا، خمس مرات، بدلا من المرات الثلاث المعتادة، ويمتنعون عن العلاقات الجنسية، ويتطهرون بالماء، ويقوم كبير الكهنة بالتضحية بثور وماعز، ويرش القليل من دماء الأضحية في الجزء المعروف بقدس الأقداس داخل دار العبادة.

أوجه التشابه بين هذه الطقوس اليهودية ونظيرتها الإسلامية لا تفاجئ المسلمين، الذين يعتقدون أن الاديان، خصوصا المعروفة بالإبراهيمية، أساسها الرسالة نفسها، وأن اليهود والمسيحيين حرفوا أجزاء من الرسالة الإلهية، فاختلفت العقيدة والطقوس في نواح، وتشابهت في نواح كثيرة أخرى.


ومن التشابه أن "يوم كيبور" يقع في العاشر من السنة اليهودية الجديدة، وهو ما يتشابه ويوم عاشوراء الواقع في العاشر من السنة الإسلامية الجديدة. وفي عاشوراء، يقيم المسلمون الشيعة مراسم ذكرى مقتل إمامهم الثالث، الحسين بن علي، في العام 680 ميلادية، حسب التقليد.

واللافت أن بعض طقوس عاشوراء، مثل الاتشاح بالسواد واللطم والتطبير (أي ضرب النفس بشكل يؤدي إلى إسالة دماء)، مثيرة للجدل بين رجال الدين الشيعة أنفسهم، وهي طقوس لا دلائل تاريخية أنها تعود إلى زمن سحيق، بل الأرجح أنها تشكلت بعد مئات السنوات على مقتل الإمام، ودخلت على المذهب مع دخول فرق متعددة في الشيعة، خصوصا مع سعي صفويي إيران إلى بناء تحالف ديني مناوئ لإسطنبول ومذاهبها. ولا تزال أسماء بعض الفرق داخل الشيعة متداولة، مثل تسميات الجعفري والاثني عشري والإمامي والمتوالي.

ومن الفرق التي دخلت في وقت ما من تشكل الشيعة هي التوّابون، وهؤلاء يفترض أنهم جنوب عراقيين سعوا للثأر من الأمويين السوريين لدماء الحسين، لكنهم منوا بهزيمة. من طقوس التوابين اللطم والبكاء للتعبير عن الأسى، لا لمقتل الإمام فحسب، بل للتقاعس عن نصرته والقتال في صفه. ويتداول التقليد الشيعي قصة مفادها أنهم تسمّوا بالتوابين تيمنا بآية قرآنية. أما المفارقة فتكمن في أن التوابين في الآية المذكورة هم من اليهود، وورد فيها "وإذا قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم" (البقرة، 54).

هذا لا يعني أن الشيعة فرقة يهودية، حسب ما يحلو للبعض تسميتها؛ فالعالم العراقي الراحل علي الوردي أظهر ببراعة، لا تاريخية عبدالله بن سبأ، اليهودي اليمني، الذي يُفترض أنه شكل المذهب الشيعي لإحداث الفرقة في صفوف المسلمين.

معنى التماهي بين "يوم كيبور" اليهودي وعاشوراء الشيعية هو أن أصل المناسبة الشيعية، في الغالب، الندامة، وهو ما يجعلها ذكرى للتفكّر والتكفير عن الذنوب، لا الانتقام وإسالة المزيد من الدماء.

أما اسم عاشوراء، ويكتب أصلا عشوراء، فالأرجح أن أصله عشورات، على طراز صفات وهنات التي انقلبت إلى صفاء وهناء. وعشورات هو اسم إحدى أشهر الآلهة السامية، وهو يرد بصيغ متعددة، منها عشيرة وعشتروت وعشتار، ومن عشتار تم اشتقاق اسم عيد الموت والقيامة عند المسيحيين، والمعروف بالإنكليزية بعيد "إيستر" (Easter).

أما الرابط بين عاشوراء والإلهة عشتار فالغالب أن المناسبة الشيعية هي في الأصل، جزئيا، عيد موت وقيامة، ويوم عاشوراء، الذي يسميه الشيعة يوم المصرع، الأرجح أنه كان يوم القيامة من المصرع لواحد من الآلهة المتعددة التي تعود إلى الحياة، أو تستفيق من سباتها، مع عودة الربيع، مثل أدونيس وملك قرية (ملكارت) لدى الكنعانيين، ودموزي ومسلم تاي المتماهي مع نرجال في حضارة ما بين النهرين. وفي الرواية الفارسية، يوم المصرع فيه مصرع تنين، وهي إحدى أقدم روايات العراقيين التي يقتل فيها مردوك، إله الشمس، الإلهة تيامات، وحش البحار والظلمات.

اقرأ للكاتب أيضا: لبنان السيادة والنفايات

هي مناسبات يرثها اليهود والمسلمون من عهد سحيق. بعضها يتشابه، وبعضها الآخر يتباين. يوم الكفّارة وطلب التوبة من الخالق والمخلوق هو من الطقوس الإيجابية لدى اليهود. أما عند الشيعة، فتحولت مناسبة حزن وندم وغفران إلى حقد وثأر وانتقام، وفي أحدث تجلياتها أطل زعيم "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله ليهدد إسرائيل بصواريخ "دقيقة".

والسؤال هنا: لما الصواريخ؟ ألا يمكن الحزن سويا، وتكفير الذنوب سويا، وطلب المغفرة سويا؟

الاثنين، 24 سبتمبر 2018

«معركة لوبيات» إيرانية - إسرائيلية على هامش اجتماعات الأمم المتحدة

حسين عبدالحسين

عكس جدول اللقاءات الجانبية المقرر ان يعقدها الرئيس دونالد ترامب في نيويورك، على هامش اعمال الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة، اولويات سياسته الخارجية. 
اللقاءات الستة توزعت على ثلاثة محاور: لقاءان مع حليفي أميركا الاوروبيين، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيسة حكومة بريطانيا تيريزا ماي لتأكيد العلاقة المميزة مع اوروبا. ولقاءان مع رئيس حكومة اليابان شينزو آبي ورئيس كوريا الجنوبية مون جا ان لبحث التسوية مع كوريا الشمالية، ولقاءان مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لبحث شؤون الشرق الاوسط. 
وعلى هامش أعمال الجمعية العامة أيضا، شن كل من لوبي اسرائيل ولوبي إيران، حملة اعلامية وسياسية شرسة، في محاولة من كل منهما لتقديم وجهة نظره. 
وجهة النظر الاسرائيلية بدت واضحة في اداء الديبلوماسية الأميركية في اللقاء الأممي السنوي... 
هذا العام، وبتعليمات من مستشار الأمن القومي جون بولتون، وهو أحد ابرز اصدقاء اسرائيل، اقتصرت المواقف الأميركية تجاه الشرق الاوسط على نقاط معدودة، ابرزها مواصلة بناء تحالف دولي لاطباق الحصار الاقتصادي الاميركي على طهران. الاداء الاميركي في هذا الموضوع واضح وبسيط، ومبني على نظرية «اما معنا واما ضدنا»، اي ان إدارة ترامب لا تقبل اي استثناءات للدول المحسوبة في عداد الحلفاء والاصدقاء في حال تعامل هذه الدول مع ايران ومساعدتها لاختراق العقوبات. 
وتتضمن مواجهة ايران، التي تصممها الولايات المتحدة وتحشد التأييد لها في نيويورك، محاصرة كل المحاولات الايرانية لتمويل او تسليح الميليشيات الموالية لها في عموم الشرق الاوسط، خصوصا في لبنان وسورية واليمن. 
النقطة الثانية في السياسة الخارجية الأميركية تقضي بتجويع وكالات الأمم المتحدة التي تعمل خلافا لمصالح الولايات المتحدة. في هذا السياق كان اعلان واشنطن انسحابها من المجلس العالمي لحقوق الانسان، ووقفها تمويلها لعدد من الوكالات، مثل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي تعتقد الادارة الحالية ان بقاءها لا يساعد في تحسين اوضاع اللاجئين، بل يقتصر على الحفاظ على سجل مركزي للاستناد اليه في«حق العودة»، وهو المطلب الذي يتمسك فيه الفلسطينيون للتوصل الى أي تسوية ممكنة مع الاسرائيليين ويرفضه الاسرائيليون بشكل شبه كامل. 
وتقول المصادر الأميركية ان أميركا لن تحيل الاموال التي كانت تقدمها إلى«الأونروا»الى مشاريع اخرى في الموازنة الأميركية، بل ان الاموال نفسها سيقدمها الديبلوماسيون على شكل مساعدات سخية الى الدول التي تتعهد باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم مع حقوق كاملة. 
ما عدا محاصرة ايران وميليشياتها وتفتيت البنية التحتية لوكالات الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية، تقتصر سياسات أميركا الاخرى حول العالم على«ادارة الأزمات»او«الحفاظ على موازين القوى القائم». 
اللوبي الايراني، بدوره، شن حملة واسعة، تصدرتها عريضة وقعتها 53 شخصية أميركية، تمثل كل مؤيدي طهران في الولايات المتحدة، من وزراء سابقين وديبلوماسيين وضباط عسكريين. وكان ابرز الموقعين وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت، ووكيل وزارة الخارجية السابق نيكولاس بيرنز، والسفير السابق ريان كروكر. 
واعتبرت العريضة ان سياسة الادارة الحالية تجاه إيران، هي عبارة عن تصعيد متواصل سيؤدي الى مواجهة مسلحة شاملة، من دون امكانية التراجع عن هذه المواجهة. 
كذلك، استغل اللوبي الايراني الفرصة الاعلامية التي وفّرها الهجوم على عرض عسكري للحرس الثوري، جنوب البلاد، فأطل مؤيدو طهران على وسائل الاعلام الأميركية المختلفة لادانة انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية مع ايران، واعادته العقوبات. كذلك وسع مؤيدو ايران دائرة هجومهم لتشمل عواصم عربية اتهموها بتدبير الهجوم على العرض العسكري في الأحواز.

السبت، 22 سبتمبر 2018

برنامج أبعاد | لبنان أمام المحكمة الدولية

اي حكم دولي ضد حزب الله لن يؤدي لعقوبات اميركية وانما الى قطع كامل لعلاقات الاوروبيين مع الحزب اللبناني. 
مساهمتي عبر برنامج أبعاد | لبنان أمام المحكمة الدولية - تلفزيون الغد

الجمعة، 21 سبتمبر 2018

واشنطن تنتظر قراراً أوروبياً بقطع العلاقات بالكامل مع «حزب الله»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تتابع الولايات المتحدة باهتمام مجريات جلسات المحكمة الدولية المخصصة للبنان المنعقدة في لاهاي، في وقت يستبعد المسؤولون الاميركيون ان تقوم واشنطن بأي رد فعل في حال صدور حكم يثبت تورط اعضاء من «حزب الله» في اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في فبراير العام 2005. 
ويردد المسؤولون انه «في ما يعني واشنطن، فان (حزب الله) برمته تنظيم ارهابي، والعقوبات الأميركية مفروضة عليه وعلى الدولة الراعية له (ايران) منذ زمن». ويعربون عن ترحيبهم بأي «قرار عن المحكمة يسمح بأن تأخذ العدالة مجراها ويثبت ان زمن الافلات من العقوبة ولى». 
على ان التغيير الذي سيتسبب به اي قرار صادر عن المحكمة الدولية يؤكد تورط اعضاء في «حزب الله»، يبدو انه سيكون في العواصم الاوروبية. 
ومنذ نهاية تسعينات القرن الماضي، يسود التباين في المواقف تجاه الحزب، بين واشنطن وأقرب العواصم الاوروبية الحليفة لها، وفي طليعتها باريس ولندن وبرلين، التي تعتبر ان «حزب الله» ينقسم الى جناحين، واحد سياسي والآخر عسكري... اوروبا ترفض اي اتصال او علاقة مع الحزب، ولكنها تحافظ على اتصالاتها وعلاقاتها بما تسميه «الجناح السياسي». أما اميركا، فهي لا ترى إلا «حزب الله» واحد. 
ولطالما ردد المسؤولون الاميركيون ان حلفاءهم الاوروبيين يرون في «حزب الله» ما لا يراه الحزب في نفسه، اي ان الحزب اللبناني لم يدّع يوما انه ينقسم الى جناحين، او ان بين اعضائه عسكر وسياسيين، بل ان كل من فيه ينخرطون في عمليات عسكرية وأمنية. 
هكذا، في حال صدور قرار عن المحكمة الدولية يثبت التهمة على (الحزب)، تتوقع واشنطن ان تكون ردود الفعل في اوروبا... «سيقطع الاوروبيون علاقاتهم مع (حزب الله) بالكامل، وسيساهموا في تكريس العزلة الدولية المفروضة عليه وعلى ايران»، تقول المصادر الأميركية. 
وقيام اوروبا بقطع علاقتها مع «حزب الله»، يعني حكما التزامها العقوبات الأميركية المفروضة على الحزب وقادته والاعضاء العاملين فيه، في وقت الحزب اللبناني، ومعه ايران، هما في أمسّ الحاجة الى اصدقاء دوليين لمواجهة عودة العقوبات الأميركية على طهران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية. 
ويتابع المسؤولون ان تلويح مسؤولي «حزب الله» بأعمال عنف في حال صدور قرار يثبت تورطهم بعملية الاغتيال لن يثني الاوروبيين عن قطع علاقاتهم بالكامل مع الحزب. 
ويختم الاميركيون بالقول ان «الاوروبيين سبق ان اقترحوا، عبر وسطاء لبنانيين، ان يعلن الحزب منفذي عملية الاغتيال بمثابة عناصر غير منضبطة وان يسلمهم للعدالة، وهكذا يحافظ الاوروبيون على علاقتهم به، الا ان الحزب رفض العرض، وهو ما يعني ان حكم المحكمة سيشكل نهاية علاقة امتدت لعقود بين الحزب اللبناني واهم العواصم الاوروبية».

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2018

رسالة إلى صديقي اليهودي العراقي

حسين عبدالحسين

عزيزي إدوين، تحية وأشواق؛

مر زمن على لقائنا الأخير، يوم تحدثنا عن العراق، وتاريخه، والرحيل عنه. الأسبوع الفائت، شاهدت وثائقيا عرضه التلفزيون الألماني حول يهود العراق، وتظهر أنت في زيارة للمنزل الذي نشأت فيه في بغداد، ثم وأنت تشتري منزلا في كردستان، وتصر أنك لن تربي أولادك على أنهم من شمال لندن، حيث تقيم، بل إنك ستقول لهم إنهم من العراق، الذي يحتضن رفات أجدادهم منذ ألفي سنة وأكثر. شاهدتك تزور الكنيس في بغداد. تجلس فيه، وتدمع عيناك.

لكني أقول لك، صديقي إدوين: لا تخل أن العراق وباقي دول العرب ضاقت باليهود وحدهم وأخرجتهم من ربوعها. أنا لست يهوديا، ولكني مثلك، جذوري عراقية ضاربة في الكاظمية والكرخ، ورفات أجدادي في النجف. أنا مثلك أيضا، خرجت وعائلتي من العراق فرارا. رفض والدي القتال في حرب دموية أشعلها غرور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وأكملها اعتقاد روح الله الخميني أنه ظلّ الله على الأرض.

لا تخل أن العراق وباقي دول العرب ضاقت باليهود وحدهم وأخرجتهم من ربوعها

أثناء إقامتنا في المنفى، منع صدام السفر من وإلى العراق. توفيت جدتي. لم نحضر دفنها. توفي جدي. لم نحضر دفنه. تزاوج أقاربنا، وأنجبوا، ونحن لا نسمع أخبارهم. كانت الرسائل من وإلى العراق مراقبة وصعبة، وكذلك الاتصالات الهاتفية. ابتكر أقاربي كل أنواع الأكاذيب للتستر على هوية صاحب بيتنا، أي أبي، فصدام وعد بمصادرة أملاك المتخلفين عن الخدمة العسكرية والمهاجرين، ومصادرة المنازل التي استهواها ولده الأرعن عدي.

في لبنان، بلد أجدادي لأمي الذي كبرت فيه، بقيت غريبا، فالعرب، وأولهم اللبنانيون، لا يكنّون بالأم. قضينا سنواتنا الأولى نعاني من رهاب استخبارات حافظ الأسد السوري، عدو صدام. ثم تصالح صدام والأسد، وعادت سفارة العراق إلى بيروت، فصرنا نعيش في رهاب استخبارات صدام.

اقرأ للكاتب أيضا: لبنان السيادة والنفايات

عشية إعادة انتخاب صدام بنسبة مئة في المئة، قبل الحرب التي أطاحت به بقليل، خابرني سفير العراق في بيروت. أخبرني أني سأزحف في اليوم التالي إلى السفارة للمشاركة في "يوم الزحف الكبير". رحت. وقفت. قال لنا عناصر الاستخبارات الذين يتظاهرون أنهم ديبلوماسيون: "الإخوان ممن يرغبون بالاقتراع سرا، أكو هنا ستارة". لم يجرؤ أي منا، من عراقيي لبنان، الاقتراب من الستارة. كلنا كتبنا نعم لصدام، وأريناها بعضنا للآخر، وتظاهرنا بفرح غامر. ثم قام أحدنا، وصرخ أنه دفاعا عن منجزات ثورتنا المجيدة، يعلن فتح باب التطوع للعودة إلى العراق والقتال. كتبت اسمي كالآخرين، وتواعدت معهم على فداء صدام بأرواحنا ودمائنا.

خرج اللبنانيون وبعض العرب إلى الشوارع يعارضون الحرب الأميركية للإطاحة بصدام. بعضهم كان من أصحاب المصالح المباشرة ممن يتقاضون كوبونات النفط من صدام، وبعضهم من معادي الغرب والإمبريالية ومشعوذي فلسطين والقضية. يوم لفّ الجنود الأميركيون رأس تمثال صدام في ساحة الفردوس بالعلم الأميركي وأسقطوه مع عراقيين، نشرت أول مقالة لي في "نيويورك تايمز"، وعنونتها: "أول يوم حرية لي".

لم يمض أسبوعان حتى وصلت بغداد لأول مرة في ربع قرن. تواعدت وأصدقاء لي، أشوريين أميركيين، وأميركيين وبريطانيين مغامرين، على اللقاء في المنصور. دخلت بيتنا. شممت رائحته. خرجت إلى الحديقة. رأيت ذكرياتي تركض على غير هدى، مثلما يركض الأطفال. وقفنا في العراق الجديد. حوّلنا المنزل إلى مقر مجلة صدرت بالإنكليزية، وكان اسمها "بغداد بوليتن".

الغرب لم يكن بلادنا، إدوين العزيز، ولكنه صار. صار بلادنا، وبلاد أولادنا. هناك ولدنا، وهنا نموت

مر عام كامل، شهد مقتل أحد المحررين. أغلقنا المجلة، ورحنا، كباقي الشعوب، نشاهد انهيار حضارة بأكملها. حضارة يبدو أنه لم يكن يبطئ قضاءها على نفسها إلا طغيان صدام. تعلمنا أن صدام لم يكن استثناء في العراق، ولا هو كان صنيعة الماسونية والصهيونية وباقي أركان المؤامرات الخيالية. صدام هو العراق، وصدام هو نتاج البلد وثقافته. رحل صدام، فرحل رعبه معه، واستأنف العراقيون رحلة اقتتالهم المستمرة منذ انهيار الأسرة النيو بابلية واختفاء الملك نبونيد في الحجاز في منتصف القرن السادس قبل الميلاد. أما المفارقة، فهي أن صاحب نبوءة انهيار حضارة ما بين النهرين هو النبي دانيال، الذي كان من أمثالك، عزيزي إدوين، من يهود العراق.

لا يغرنك، عزيزي إدوين، تاريخ العراق، فكثير منه صنعه أرباب الدعاية، وإلا، ما معنى أن تغرق حضارة متقدمة كالتي كان يديرها الخليفة هارون الرشيد في حرب أهلية بين ولديه الأمين والمأمون في اليوم التالي لوفاته، هذا إن صدقنا روايات هذا التاريخ.


البلاد ليست أرضا. البلاد هي من يعيشون على الأرض، وكيف يعيشون. أنت وأنا، لم تتسع لنا أرض أجدادنا. أما في الغرب البارد الأناني المادي، رحابة صدر لم نعشها من قبل. هنا، في الغرب، تتساوى حقوقنا مع الحكام وأنصاف الآلهة. هنا رائحة الورد تختلف، وكذلك ألوانه. هنا طعم الفاكهة يختلف. هنا المآكل بطعم لم نعتده. هنا أنغام الموسيقى لا تطربنا، ولا أكتاف نشبك معها لنتراقص جماعيا.

هنا، في الغرب، الحب أقل، والحرية أكثر، ونحن أبناء الشرق الأوسط البائس، نعرف أن لا حب ولا من يحبون بلا حرية. الغرب لم يكن بلادنا، إدوين العزيز، ولكنه صار. صار بلادنا، وبلاد أولادنا. هناك ولدنا، وهنا نموت.

والسلام!

الأحد، 16 سبتمبر 2018

السياسات المعقدة في لبنان تؤجل تشكيل الوزارة الجديدة

حسين عبدالحسين

قدم رئيس الوزراء اللبناني المعين، سعد الحريري، إلى رئيس الدولة “ميشال عون” “التشكيلة الوزارية” وقد تم فيها تخصيص المقاعد الوزارية بما يعكس حجم الكتل البرلمانية. ورغم ذلك، رفض الرئيس “عون” تلك التشكيلة، وعوضًا عن ذلك، أعلن عن نيته في “إرسال خطاب” إلى البرلمان اللبناني ليطلب منه التصويت على عزل رفيق الحريري، فإذا ما صوت البرلمان بعزل الحريري، فسيشكل هذا الأمر سابقة دستورية، غير أن ما يبدو وكأنه خلاف على عدة مقاعد وزارية هو في حقيقة الأمر انعكاس لجهود الرئيس “عون” ومن خلفه “حزب الله” لتغيير الدستور اللبناني تغييرًا جذريًا لصيغته المعدلة في اتفاق الطائف في العام 1990 والعودة بالدستور إلى تلك الأيام التي يسيطر فيها الرئيس، بدلاً من مجلس الوزراء، على مقاليد السلطة التنفيذية.

وقال مكرم رباح، المحاضر في التاريخ بالجامعة الأمريكية في بيروت، إن “عون” وحزب الله لم يوافقا مطلقًا على تعديلات اتفاق الطائف، والذي ينقل صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء ويجعل من المجلس هيئة تنفيذية جامعة”. أضاف مكرم قائلاً، “من المفارقات أن الرئيس “عون” عندما أدى اليمين الدستورية لشغل منصبه في العام 2016، فإنه أقسم على حماية الدستور الذي يسعى لتقويضه والعودة به إلى ما قبل اتفاقية الطائف”.

والحقيقة أنه كلما كان “عون” أقوى، كانت لبنان أضعف، لأن “عون” يستمد قوته من مساندة حزب الله له، ومن هنا فإن “عون” يستمد قوته بتكلفة باهظة: وهو ما يقوض سيادة اللبنانيين بالطريقة التي تتوافق مع حزب الله.”

ورغم أن إعادة التفاوض بشأن الدستور بالطريقة التي تلغي اتفاق الطائف هو الهدف الأسمى لكلٍ من الرئيس اللبناني “عون” و”حزب الله”، فتبقى الخطوة التالية محل خلاف بين الحليفين، حيث يرغب الرئيس اللبناني “عون” في إعادة الدستور إلى صيغته التي عليها قبل العام 1990، بينما يعتقد حزب الله أن أي تغيير قد يؤدي إلى الاعتراف بالحقائق الديمغرافية المعاصرة ويلزم معه تقسيم الدولة إلى ثلاث طوائف وهي المسيحية والشيعة والسنة – بدلاً من التقسيم الحالي بين المسيحيين وجميع المسلمين.

الخميس، 13 سبتمبر 2018

«MESA»... يُحجّم الخلافات الخليجية

واشنطن - من حسين عبدالحسين,غانم السليماني

تبذل واشنطن جهوداً حثيثة لإنجاز كل التفاصيل المرتبطة بـ«تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» الجديد (Middle East strategic alliance)، الذي يتداول اختصاراً بـ«ميزا (MESA)»، تمهيداً للإعلان عنه في الأسابيع القليلة المقبلة.
وفي هذا السياق، تأتي جولة الوفد الأميركي برئاسة مبعوث الرئيس دونالد ترامب الجنرال أنتوني زيني إلى الخليج، والتي شملت الكويت أول من أمس حيث التقى وزيري الخارجية الشيخ صباح الخالد والداخلية الشيخ خالد الجراح وبحث معهما آخر التطورات المتعلقة بالتحالف، وسبقَتْها زيارات إلى أبوظبي والدوحة والمنامة، وستليها زيارات إلى عواصم عربية أخرى.
وأوضحت مصادر أميركية لـ«الراي» أن الإعلان عن «MESA» سيبدّد الأزمة الخليجية القائمة بين الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وقطر، لأن الخلافات السياسية «ستتراجع وسيتم تنحيتها جانباً»، لصالح تعزيز التعاون العسكري والأمني بمواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة والتنظيمات المتطرّفة.
ووفقاً للمصادر، فإن التحالف الجديد هو تحالف عسكري - أمني، مكوّن من الولايات المتحدة والكويت والسعودية والإمارات وقطر وعُمان والبحرين ومصر والاردن، وسيغطّي عمله مناطق الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك المعابر المائية الثلاثة التي تربط هذه الكتل المائية، وهي مضيقا هرمز وباب المندب، وقناة السويس، وستكون مهمة التحالف مراقبة الملاحة في هذه المناطق ومكافحة عمليات نقل الأسلحة غير الشرعية، التي تتعارض مع قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القرار 2231 الذي يكرس الاتفاقية النووية مع إيران. 
شمالاً، سيعمل التحالف على مراقبة خطوط الإمداد العسكرية التي يستخدمها الإيرانيون بمحاذاة الحدود الأردنية (قاعدة التنف العسكرية الاميركية على الحدود العراقية - السورية - الاردنية)، كما سيدعم القوات المحلية التي تساهم في مراقبة أي شحنات أسلحة من إيران إلى الميليشيات الموالية لها في سورية ولبنان، على أن يتم فتح أجواء الدول المشاركة للتحليق العسكري لطيران التحالف الحربي. 
ومن الأفكار المتداولة، إعداد قوة برية يمكن الاستعانة بها، مثلاً في سورية، للانتشار إلى جانب القوات الاميركية في المناطق السورية شرق الفرات كجزء من مهمة مكافحة الارهاب وضمان عدم عودة تنظيم «داعش»، وكذلك للمساعدة في إعادة الحكومة اليمنية الشرعية إلى مناطق يمنية بعد تحريرها من الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
وفي هذا الإطار، لفتت المصادر إلى أن «القوة البرية تلقى قبولاً أقل بين القادة العسكريين لبعض الدول المشاركة، خصوصاً مصر، إذ تعلّل هذه الدول تحفظها بأنه يمكن مراقبة الممرات المائية والأجواء وشحنات الأسلحة، لكن نشر قوة برية على أراضي دول أخرى يحتاج إلى قرارات من مجلس الأمن لأن الأمر يتعلق بالسيادة». 
وأوضحت المصادر الأميركية أن «مناقشة هذه الأفكار وصلت مراحل متقدمة، وإذا تأكدت وزارة الدفاع (البنتاغون) من أنه تم الاتفاق على كل التفاصيل، فستتم الدعوة للقاء في واشنطن، في موعد تأمل إدارة ترامب ألا يتعدى منتصف الشهر المقبل، للإعلان عن قيام التحالف رسمياً بحضور ومشاركة عسكرية من الدول الأعضاء، في الغالب على مستوى رؤساء أركان وربما وزراء دفاع وداخلية. وفي حال انعقد لقاء من هذا النوع في واشنطن، فإن المشاركة الأميركية ستتضمن قادة المنطقة الوسطى، والمنطقة الأفريقية، والمنطقة الأوروبية، فضلا عن رئيس الأركان».
وأضافت أن البيان التأسيسي سيتضمن إشارة إلى «تعاون استخباراتي داخل التحالف لمكافحة الإرهاب على أنواعه، سواء في الشق المرتبط بإيران أو في الشق المرتبط بالتنظيمات المتطرفة»، كما سيتضمن بنداً عن المساهمات المالية للدول المشاركة لتمويل العمليات العسكرية للتحالف. 
و«يعتقد ترامب أن على الدول الأعضاء، باستثناء أميركا، التكفل بكل تكاليف وعمليات التحالف» الجديد، وفقاً للمصادر.

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

لبنان السيادة والنفايات

للاستماع للمقالة صوتيا

حسين عبد الحسين

بثت وسائل إعلام لبنانية مشاهد أظهرت مجرى نهر في ضاحية بيروت الجنوبية وقد تحول إلى نهر من النفايات. قبل ذلك، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورا لمحمية وادي الحجير الطبيعية، جنوب لبنان، تظهرها وقد تحولت إلى واد من النفايات. في الوادي، تقوم جهات مسؤولة بحرق هذه النفايات، من حين إلى آخر، فتوسع بذلك الرقعة التي تطالها السموم المميتة.

ولطالما رفع مسؤولو "حزب الله" اللبناني ومناصروه اسم "وادي الحجير" كعنوان الانتصار الإلهي المزعوم على إسرائيل في حرب تموز/يوليو 2006، وأطلقوا عليه اسم "مقبرة الميركافا"، نسبة إلى الكمائن التي نصبها مقاتلو هذا الحزب لدبابات ميركافا الإسرائيلية.

صار عون رئيسا وراح يردد نفس التصاريح البائدة والمديح المتملق الذي كان يردده سلفه، رجل الأسد و"حزب الله"، إميل لحود

على أن المفارقة تكمن في أن تكون "مقبرة الميركافا" هي نفسها "مقبرة اللبنانيين" بنفاياتها وبثها سموما حارقة، وهو ما يلخص حال "محور الممانعة" المزعوم، الممتد من طهران، إلى دمشق، فبيروت.

الخلاصة الكبرى من سياسات الممانعة وحروبها اللامتناهية هو الارتباط الوثيق بين القوة الحربية والبؤس المعيشي، أي أنه كلما ازدادت القوة، ازداد البؤس. بكلام آخر، يمكن ملاحظة أنه في حياة العرب والفرس ممن يعيشون في "نعمة الممانعة" و"الانتصارات الإلهية" و"الكرامة الوطنية"، كلما ازداد عدد الصواريخ تدهور مستوى معيشة "الممانعين".


وبالطريقة نفسها ترتبط قوة رئيس لبنان بضعف لبنان ومسيحييه. فميشال عون أقنع المسيحيين أنه بعد عقد أو أكثر من الإحباط الذي عاشوه بسبب اضطهاد حكم عائلة الأسد للبنان وحليفها "حزب الله" للأحزاب السياسية المسيحية، انتصر المسيحيون بوصول عون إلى الرئاسة.

لكن وصول عون للرئاسة لم يكن بقوته، بل كان بسبب تنازله الكامل والشامل عن كل العنتريات التي تبجح بها طيلة حياته السياسية، فعون تسلق إلى دائرة الأضواء على ظهر تأييده لشعارات الرئيس المنتخب الراحل بشير الجميل، الذي خاض معارك حربية دموية لمنع سيطرة الأسد والميليشيات المتحالفة معه على لبنان، والذي رفض وجود ميليشيات مسلحة تقوض سيادة الدولة اللبنانية. أما عون، فابتكر "شعوذات" لتبرير تنازلاته، من قبيل أن مشكلة "حزب الله" دولية وأكبر من لبنان وحكومته ورئيسه، لذا، صار عون رئيسا، وراح يردد نفس التصاريح البائدة والمديح المتملق الذي كان يردده سلفه، رجل الأسد و"حزب الله"، إميل لحود، الرئيس اللبناني الذي ثار ضد حكمه العونيون مرارا، يوم كانوا يتمسكون بـ"السيادة والحرية والاستقلال".

على أن السيادة المفقودة في زمن لحود صارت تبدو أفضل بما لا يقاس من السيادة المفقودة في زمن عون. صحيح أن لحود أطلق أيادي ولديه في استغلال السلطة للإثراء، إلا أن وضع لبنان المعيشي كان مقبولا في عهد لحود، وكانت الدولة تجمع النفايات وتتخلص منها. في زمن لحود، كان لبنان بلا سيادة وبلا نفايات. في زمن عون، صار لبنان بلا سيادة وغارقا بالنفايات.

رفض عون صيغة الحريري الحكومية لأنه يريد سلطة أكثر ونفوذا أكبر، ولأنه يريد ضمان توريث الرئاسة إلى صهره

قبل أسبوع أو أكثر، قدم رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري "صيغة" لتشكيل حكومته الجديدة، والصيغة عبارة عن توزيع عدد مقاعد الحكومة المقبلة على الكتل البرلمانية. رفض عون الصيغة ليستمر غرق لبنان في شلله الحكومي.

لم يرفض عون "الصيغة الحكومية" على خلفية الاعتقالات التعسفية التي صارت تطال كل اللبنانيين بسبب ما ينشرونه على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم يرفض عون الصيغة بسبب النفايات التي تشرف على إزالتها اليوم شركة من الفاسدين اللبنانيين والأتراك. ولم يرفض عون الصيغة بسبب تفشي الفساد والإثراء غير المشروع الذي يكاد يمارسه كل سياسي في الدولة و"حزب الله" بدون استثناء.

اقرأ للكاتب أيضا: السلطان مفلس

رفض عون الصيغة لأنه يريد أكثر من 10 وزراء، ولأنه يريد سلطة أكثر ونفوذا أكبر، ولأنه يريد ضمان توريث الرئاسة إلى صهره. ربما هي أسوار القصور التي يسكنها عون وصهره وأقاربه التي تحجب عنهم رؤية النفايات التي يغرق بها لبنان، والبطالة التي يعاني منها المسيحيون، والتي رفعت من الهجرة في صفوفهم إلى معدلات غير مسبوقة.

يوم يمل مسؤولو لبنان، يستقلون يخوتهم وطائراتهم الخاصة، ويستجمون في صقلية وموناكو وغيرها من أفخر مصايف العالم، حيث يتمتعون بأموالهم المكدسة في بنوك سويسرا وجزر الكايمن وغيرها. أما العامة من اللبنانيين، فلا يتسنى لهم غير البقاء في البلاد ومشاهدة القمامة والنفايات المحيطة بمساكنهم، كما التي يشاهدونها عبر الإعلام.

هل تشهد الكويت إعلان «الناتو العربي»؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مرة جديدة، أثبتت الكويت كفاءتها وقدرتها على لمّ الشمل بين الأشقاء، بنجاحها في كسر حاجز الأزمة الخليجية، من خلال الاجتماع الإيجابي لرؤساء الأركان في دول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد الاثنين الماضي، فيما تستضيف اليوم، اجتماعاً على قدر كبير من الأهمية، يجمع رؤساء الأركان الخليجيين مع نظيريهم المصري والأردني وقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف فوتيل، لبحث تعزيز وتفعيل آلية العمل العسكري المشترك.
وكشفت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» لـ«الراي»، أمس، أن الاجتماع «يهدف إلى تكريس التعاون العسكري بين القيادات العسكرية في هذه الدول، بما في ذلك الاتفاق على خطط لمواجهة أي ظروف طارئة أو ناشئة أو أي حروب اقليمية ممكن أن تندلع». 
وأشارت إلى أنه «قد يتم تعيين ضباط مهمتهم متابعة هذه الخطط العسكرية المشتركة وتحديثها بشكل دوري، وهو ما يشكل نواة قيادة عسكرية مشتركة يمكنها أن تتعامل مع أي تطورات عسكرية في المستقبل». 
وإذ أكدت أن «التنسيق وصل مراحل متقدمة، وهو يقتصر على القيادات العسكرية، بغض النظر عن التباينات السياسية بين حكومات هذه الدول»، علّقت المصادر العسكرية الأميركية على احتمال أن يكون اجتماع الكويت تمهيداً لإعلان «الناتو العربي» الذي تسعى واشنطن لتشكيله، بالقول: «لا يهمّ إنْ اطلقنا عليه اسم (ناتو عربي) أو غير ذلك، فالتسميات هي مهمة السياسيين. أما العسكر، فمهمتهم الاستعداد لأي طارئ للدفاع عن أوطانهم».
وأفاد بيان صادر عن رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي أن الاجتماع «يسعى إلى تعزيز وتفعيل آلية العمل المشترك بين الدول المجتمعة، استكمالاً للخطوات التي تمت مناقشتها في اجتماعات سابقة»، مشيراً إلى أنه «سيتم بحث محاور عدة منها ما يتعلق بالشؤون الأمنية والإقليمية بالمنطقة، ومحاربة الإرهاب والتطرف، وغيرها من المواضيع ذات الصلة، التي تهدف إلى تعزيز الجهود المشتركة في مواجهة مختلف التحديات».

سياسة أميركا الجديدة في سورية... طرد إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أبلغت الولايات المتحدة، الحلفاء والاصدقاء في الشرق الاوسط نيتها العودة الى المنطقة لحماية مصالحها ومواجهة ايران وروسيا. وجاء الاعلان الاميركي في جولة قام بها، الاسبوع الماضي، كل من المبعوث الخاص الى سورية السفير جيمس جيفري ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى جول رايبرن، وشملت كل من اسرائيل والاردن وتركيا، فيما كان كل من مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو على اتصال بنظرائهما، في روسيا وفي دول اوروبية حليفة، لاطلاعهم على الموقف الاميركي الجديد.
وبموجب الموقف الجديد، تخلى الرئيس دونالد ترامب عن آخر السنة كموعد نهائي لسحب 2200 جندي اميركي ينتشرون في المناطق السورية شرق الفرات، وقررت واشنطن تمديد بقاء قواتها في سورية الى أجل غير مسمى، مع تحديد هدفين لبقاء القوات: تأكيد عدم عودة تنظيم «داعش» الى الاراضي التي تم طرده منها، والعمل على اخراج المقاتلين الموالين لإيران من سورية.
وفي مناطق شرق الفرات، باشرت الولايات المتحدة العمل على محورين: الأول، أعدت بموجبه وزارة الدفاع (البنتاغون) خطط تدخل عسكرية سريعة لتعزيز فوري لعديد قواتها في حال تعرض هؤلاء لهجوم واسع قد تشنه قوات روسية أو إيرانية للسيطرة على هذه المناطق. في المحور الثاني، باشرت الديبلوماسية الأميركية جمع التبرعات من الحلفاء لإعادة اعمار هذه المناطق، والعمل على اقامة حكومة ديموقراطية متعددة تدير شؤونها الى ان يتم التوصل الى تسوية سياسية شاملة في دمشق. 
وكانت المملكة العربية السعودية أعلنت، الشهر الماضي، نيتها التبرع بمبلغ 100 مليون دولار تجاه مجهود اعادة الاعمار في مناطق شرق الفرات. وتعمل الديبلوماسية الأميركية على جمع المزيد من الاموال المطلوبة في هذا السياق. في الوقت نفسه، ابلغت واشنطن موسكو ان سورية لن تحصل على اي مساعدات لاعادة الاعمار من دون التوصل الى تسوية تؤدي لنقل السلطة من الرئيس بشار الأسد واناطتها بحكومة وحدة وطنية تمثل النظام ومعارضيه. 
الهدف الثاني لبقاء القوات الأميركية شرق الفرات أكثر تعقيدا، ويتداخل مع معارضة اسرائيلية للوجود العسكري الإيراني في سورية، وهي معارضة دفعت الاسرائيليين الى الانخراط في الحرب السورية، وان بشكل غير معلن، لاجبار إيران على الانسحاب. 
وكانت اكبر المواجهات الاسرائيلية الايرانية فوق الارض السورية جرت في مايو الماضي، بعدما أطلق المقاتلون الموالون لايران 20 صاروخا من طراز «غراد» و«فجر 5» ضد مواقع اسرائيلية في هضبة الجولان، فردت اسرائيل بغارات شاركت فيها 28 مقاتلة أطلقت 70 صاروخا على منشآت للحرس الثوري الايراني في الكسوة ومطار دمشق الدولي، وفقا لبيانات وزارة الدفاع الروسية، كما نقلها الكاتب البريطاني الاسرائيلي جوناثان سباير، فضلا عن غارات اخرى واغتيالات اسرائيلية داخل سورية. 
«لقد انفقت ايران نحو 30 مليار دولار في سورية على مدى السنوات السبع الماضية»، يقول سباير، مضيفا ان طهران «مولّت اقامة وحدات تابعة لها داخل القوى الامنية السورية، بما في ذلك قوات الدفاع الوطني، وهو ما يعني ان الغارات والاغتيالات لن تثني الايرانيين عن مضيهم في تنفيذ القرار الاستراتيجي وتخليهم عن استثماراتهم في سورية».
هنا يصبح مفهوما مشاركة الولايات المتحدة في المجهود الهادف لاخراج ايران من سورية، وهي السياسة المستجدة التي اشارت اليها صحيفة «واشنطن بوست» بشكل تسبب باحراج للادارة الأميركية التي تخشى ان يحاسبها الكونغرس على توسيع مهمة القوات في سورية بشكل يتعدى «مكافحة الارهاب» ليشمل «طرد ايران».
وفي الكونغرس عدد لا بأس به من المشرعين، خصوصا من الديموقراطيين، ممن يؤيدون ايران ويتعاطفون مع الأسد، من امثال السناتور عن ولاية فيرجينيا والمرشح الديموقراطي السابق الى منصب نائب رئيس هيلاري كلينتون، تيم كاين، الذي لايزال يمنع المصادقة على تعيين دايفد شنكر في منصبه مساعدا لوزير الخارجية بحجة انتظار كاين الحصول على تفسيرات من الادارة حول اسباب واهداف الضربة الأميركية ضد الأسد، في وقت سابق من هذا العام، على اثر هجوم كيماوي في دوما اتهمت واشنطن والعواصم الغربية قوات الأسد بارتكابه.

الاثنين، 10 سبتمبر 2018

لا توجه أميركياً لوقف المساعدات للجيش اللبناني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في وقت برهنت ادارة الرئيس دونالد ترامب، عن انها مستعدة لهز موازين القوى وكسر التقاليد، بوقفها التمويل الاميركي لعدد من الوكالات الدولية المعنية بتسيير شؤون اللاجئين الفلسطينيين، مثل «الأونروا»، وعلى الرغم من السعي الحثيث لعدد من القوى السياسية في العاصمة الأميركية لوقف المساعدة السنوية للجيش اللبناني، والبالغة 100 مليون دولار سنويا، لا يبدو ان واشنطن تنوي وقف هذه المساعدة. 
وكانت التقارير المؤكدة التي تداولتها الاوساط الأميركية، عن قيام طائرات مدنية إيرانية بنقل شحنات اسلحة من إيران الى مطار بيروت، عبر الاجواء التركية، اثارت حفيظة المطالبين بوقف المساعدة العسكرية الى لبنان. 
وفي هذا السياق، كتب الباحث اللبناني الاميركي في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» طوني بدران مقالة في مجلة «تابلت»، اعتبر فيها ان السياسة الأميركية تجاه الجيش اللبناني بلغت مراحل من السوريالية، وان هذا الجيش يعمل بإمرة تنظيم تصنفه واشنطن ارهابيا، هو «حزب الله»، وان لا فائدة من تبديد ملايين الدولارات على قوة عسكرية لا تتوافق مع رؤية اميركية شاملة تجاه لبنان. 
وانتقد بدران المجموعة التي تعتبر ان مساعدات اميركا للجيش تساهم في بنائه وتقويته في وجه «حزب الله». وقال ان هذه المجموعة تضم السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيث ريتشاردز، وعددا من العاملين في مراكز الابحاث في العاصمة الأميركية. وختم بالقول انه بغض النظر عن قدرات الجيش اللبناني، لن يقوم هذا باعتراض شحنات الاسلحة الايرانية الى «حزب الله» لأن حكومة لبنان لن تطلب منه ذلك ابدا. 
على ان الخلاف سياسيا في وجهات نظر واشنطن وبيروت لا يبدو انه ينعكس على العلاقات العسكرية بين البلدين، الخاضعة لـ «الهيئة العسكرية المشتركة» بين وزارتي دفاع البلدين، والتي تم تشكيلها في 6 اكتوبر 2008. 
هذه الهيئة تجعل من العلاقة العسكرية الأميركية - اللبنانية مسألة تقنية مستقلة عن أي خلافات سياسية بين البلدين. 
وفي سياق العلاقة العسكرية، استضاف مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي روبرت كريم، وهو ايضا ينحدر من جذور لبنانية، قائد الجيش اللبناني جوزف عون في اواخر يونيو، ضمن اللقاء الدوري لـ«الهيئة العسكرية المشتركة». 
ورغم ان كريم هو من المحسوبين على المجموعة المعارضة للمساعدة العسكرية للجيش اللبناني، اذ سبق له ان عمل في مكتب نائب الرئيس الجمهوري السابق ديك تشيني وفي عداد فريق الزعيم السابق للغالبية الجمهورية في الكونغرس اريك كانتور، الا انه يبدو ان سياسة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تغلب على توجهات المعينين فيها سياسيا، كما في حالة كريم.
لكن ما سبب تمسك وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بجيش يقول أكثر من مسؤول أميركي إنه متحالف مع «حزب الله»؟ تقول مصادر أميركية إن في الجيش اللبناني من يتمتعون بتدريب عال، وهؤلاء يتصرفون باستقلالية ويتبعون قائدهم... هؤلاء لن يتدخلوا في الشؤون السياسية الداخلية، لكنهم يسهرون على تأمين مصالح الولايات المتحدة العسكرية في لبنان، واهمها حماية البعثة الديبلوماسية الأميركية، في منطقة عوكر، والسماح للطيران العسكري الاميركي بعبور الاجواء اللبنانية ان اقتضت الحاجة، او حتى استخدام قاعدة حالات العسكرية في الشمال، بين الحين والآخر. كما يحصل الأميركيون على بعض المعلومات الاستخباراتية من اللبنانيين عن مجموعات إرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» وغيرهما.
نموذج التعاون العسكري بين اميركا ولبنان يشبه نظيره بين اميركا ومصر، مع الفارق الكبير في حجم المساعدة والعلاقة بين البلدين، ففي مصر، حددت اميركا مصالحها بثلاثة هي: أمن حدود اسرائيل، وحرية الملاحة في قناة السويس، وحرية التحليق العسكري الاميركي في الاجواء المصرية. كل ما عدا ذلك، اي العلاقة السياسية بين واشنطن والقاهرة، لا ترتبط بالعلاقة العسكرية بين جيشيهما ولا تؤثر الواحدة في الاخرى. وكما في مصر، كذلك في لبنان، تنفصل العلاقة السياسية عن العسكرية، وهو ما يعني انه بغض النظر عن موقف ترامب وادارته من لبنان وحكومته و«حزب الله»، ستستمر العلاقة العسكرية بين جيشي البلدين. 
ختاما، تشير المصادر الأميركية الى ان مبلغ 100 مليون دولار سنوياً، لا حساب له في «البنتاغون» التي تبلغ موازنتها السنوية 714 مليار دولار، ما يعني ان وزارة الدفاع ترى فائدة كبيرة في علاقتها مع الجيش اللبناني، بتكلفة صغيرة نسبيا، وهو ما يعني استمرار هذه العلاقة، بغض النظر عمن يسكن البيت الابيض.

الجمعة، 7 سبتمبر 2018

ترامب طَلَبَ ضرب إيران في سورية... لا اغتيال الأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين


شكّكت أوساط مقرّبة من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بما نشره بوب وودوارد، الصحافي المخضرم في «واشنطن بوست» ومكتشف فضيحة «ووتر غيت» التي أطاحت الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون في السبعينات، بشأن طلب الرئيس دونالد ترامب من وزير دفاعه جيمس ماتيس اقتحام سورية واغتيال الرئيس بشار الأسد، رداً على المجزرة الكيماوية التي وقعت في خان شيخون في أبريل 2017.
وقالت الأوساط إن مقتطفات كتاب وودوارد، التي لاقت أصداء واسعة وتناقلتها وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، تُناقض نفسها، فهي تارة تعتبر أن ترامب ليس مهتماً بشؤون الأمن القومي، وأنه لا يرى جدوى للإنفاق العسكري الأميركي حول العالم، وطوراً يكتب وودوارد أن ترامب أراد اغتيال الأسد بعدما ثارت ثائرة الرئيس الأميركي على إثر المجزرة الكيماوية.
لكن ما نقله وودوارد صحيح جزئياً، لناحية أن ترامب أمر بضربة أكبر ضد الأسد، هذا العام، وأن ماتيس ساهم بتقليصها.
وتقول المصادر الأميركية إنه على إثر الهجوم الكيماوي على ضاحية دوما في أبريل 2018، الذي اتهمت واشنطن والمجتمع الدولي نظام الأسد بشنّه، نجح مستشار الأمن القومي جون بولتون بإقناع ترامب بأن ردة فعل على طراز الضربة المحدودة التي وجهتها أميركا للأسد في 2017 ستكون مثار سخرية للعالم. وأقنع بولتون ترامب بأنه يمكن للولايات المتحدة أن توسع ضربة العام 2018 لتشمل أعداء أميركا الآخرين، وفي طليعتهم مقاتلو الميليشيات الموالية لإيران في سورية، وهو ما من شأنه أن يكون بمثابة عقاب للأسد وحلفائه.
ويبدو أن ترامب اقتنع بكلام بولتون، فطلب من ماتيس توسيع الضربة العسكرية في ربيع 2018 لتشمل القوات الإيرانية والموالية لإيران في سورية، لكن ماتيس رأى في الأمر تصعيداً غير مبرر، وردّ بالقول إنه في حال ضربت أميركا أهدافاً إيرانية في سورية، فإنها ستحتاج الى تعزيز عديد قواتها في المناطق السورية شرق الفرات، الى أضعاف عددهم الحالي، الذي يبلغ ألفي جندي. كما اعتبر ماتيس أن من شأن مواجهة إيران أن يؤثر على سير العمليات ضد تنظيم «داعش» في العراق، وأن يُعرّض القوات الاميركية في العراق لمخاطر هجمات إيرانية.
وأدى التباين في وجهات النظر الى أخذ ورد - وتالياً لتأخير في الضربة الأميركية حيّر المراقبين في حينه - بين بولتون وماتيس، لكن ترامب حسم الأمر في مصلحة وزير الدفاع، معتبراً أن الجنرالات (أي ماتيس) يفهمون أكثر في أمور الحرب من السياسيين (أي بولتون).
هذه المؤشرات، حسب الأوساط المقربة من وزارة الدفاع الأميركية، تشير إلى أن المجزرتين الكيماويتين يبدو أنهما اختلطتا على وودوارد، وأن لا ترامب أمر باجتياح سورية واغتيال الأسد العام الماضي، ولا ماتيس قال عن الرئيس إن مستوى ذكائه هو بمستوى ولد في الصف الخامس أو السادس.

الأربعاء، 5 سبتمبر 2018

الأمير لترامب: الثقة المتبادلة بيننا... ستبقى

حسين عبدالحسين

فيما شدد سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد على الثقة المتبادلة التي تجمع الكويت والولايات المتحدة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب، أكد الأخير أن لديه علاقة شخصية رائعة مع صاحب السمو.
وعقد سمو الأمير لقاء قمة في البيت الأبيض، أمس، مع ترامب، جرى خلاله استعراض العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين وسبل تعزيزها، إضافة إلى أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية. وتلت المحادثات الرسمية بينهما، محادثات موسعة ضمت الوفد الرسمي المرافق لسمو الأمير وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية.
وتناولت المحادثات «استعراض العلاقات التاريخية الراسخة التي تجمع دولة الكويت والولايات المتحدة الأميركية الصديقة وسبل تطويرها، وتنمية أطر التعاون الثنائي العسكري والتعاون الأمني وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري، تعزيزاً للشراكة الإستراتيجية بين البلدين على الأصعدة والمجالات كافة»، وفقاً لوكالة «كونا».
كما تطرقت إلى أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خصوصاً في ما يتعلق بمنطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط وتبادل وجهات النظر بشأنها، والتأكيد على ضرورة إرساء دعائم السلم والأمن والاستقرار الدولي ودعم الجهود الدولية الساعية لمواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب وردع تمويله وتجفيف منابعه.

كلمة الأمير
وفي ما يلي نص كلمة سمو الأمير، في مستهل المحادثات في المكتب البيضوي:
«شكراً فخامة الرئيس أنا جداً سعيد أن التقي فيك لثالث مرة خلال سنة واحدة، وهذا يدل على أن العلاقات بيننا وبين الولايات المتحدة وبيننا شخصياً... العلاقات جيدة وستبقى الثقة المتبادلة بيننا.
نشكر فخامة الرئيس على حفاوة الاستقبال... تأتي هذه الزيارة استمراراً للعلاقات العميقة والإستراتيجية بين البلدين وما تشهدها من تطور كبير وفي ظل حرصنا المشترك على توطيدها وتعزيزها، وأشيد بهذا الصدد بالتزام الولايات المتحدة الأميركية بأمن واستقرار المنطقة والذي تجسد بقيادتها لتحالف دولي حرر بلادي».
وأضاف سموه: «وفي سياق حرصنا وسعينا لتوطيد علاقاتنا الثنائية سنركز على تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار المتزايد، فضلاً عن التعاون في المجال العسكري والطاقة والتعليم، ويسرني أن أدعو الشركات الأميركية للمشاركة في مشاريع التنمية والبنية التحتية في دولة الكويت وإلى الاستثمار فيها وفق القوانين والتسهيلات الجاذبة للاستثمار. كما سنبحث سبل التعاون لحل الأزمة الخليجية ونتطلع بأمل بأن يتم التوصل إلى نهاية لهذه الأزمة».
وتابع الأمير: «يتصادف اجتماعنا مع فخامة الرئيس مع استئناف المباحثات في جنيف بين طرفي النزاع في اليمن والتي يقودها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن والتي دعونا لها واحتضنتها الكويت مستهدفين وضع حد لهذا القتال المدمر وآثاره المزعزعة لأمننا واستقرارنا في المنطقة، إننا نتطلع والعالم بأسره أن تحقق مباحثات السلام هذه نتائجها المرجوة. كما سنستعرض ما حققناه من إنجازات في ظل شراكتنا الصلبة ضمن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والقضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتطوراتها وآخر المستجدات السياسية على الساحتين الدولية والإقليمية، ولا بد لي أن أشيد بالدور الإيجابي والجهود الكبيرة والمقدرة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم».

ترامب
من جهته، أشاد ترامب بالعلاقات الثنائية مع الكويت، واصفاً سمو الأمير بأنه «صديق خاص» له.
وقال: «قبل كل شيء لدي علاقة شخصية رائعة مع حضرة صاحب السمو أمير البلاد... علاقاتنا متميزة وقوية جداً مع الكويت»، مضيفاً: «الكويت مكان عرفته منذ فترة طويلة ولدي العديد من الأصدقاء الذين يعيشون في الكويت... إنهم شعب جيد للغاية... علاقتنا الثنائية قوية للغاية».
وأوضح ترامب أن البلدين يتعاونان على نطاق واسع في مجال التجارة بالإضافة إلى الاستثمار، لافتاً إلى أن التعاون «في غاية الأهمية أيضاً في مجال الإرهاب ومكافحته... الكويت شريك عظيم».
وأكد أن الكويت قامت باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة كما تشتري الكثير من المعدات والعتاد العسكري.
وأضاف: «نحن نقدر المشتريات الكبيرة التي تقوم بها ونحن صراحة نعمل بجد على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط».

إيران
وبشأن الأوضاع الإقليمية، قال ترامب إنه لا يستبعد لقاء نظيره الإيراني حسن روحاني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أواخر سبتمبر الجاري.
ورداً على سؤال بشأن إمكان عقد مثل هذا اللقاء، أجاب: «من الممكن، كل شيء ممكن»، مضيفاً: «سنرى ما سيحدث مع إيران، هل يريدون التحدث؟، الأمر متوقف عليهم، وليس علي».
وقال إن «إيران في موقف يختلف تماماً عما كانت عليه عندما تسلمت السلطة، إنها في حالة اضطراب» وتشعر بالقلق حيال «البقاء كدولة».


سورية
وبشأن الوضع في سورية، حذر ترامب من أن العالم والولايات المتحدة يرصدان تطورات الأوضاع في إدلب، قائلاً: «العالم يرصد والولايات المتحدة ترصد... أتابع هذا الأمر عن كثب»، مشيراً إلى «وضع مثير للحزن في محافظة إدلب» حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين نسمة.
وأضاف: «إذا وقعت مذبحة فسيكون العالم غاضباً للغاية وستكون الولايات المتحدة غاضبة جداً».
كما نفى أن يكون قد بحث مع وزير الدفاع جيمس ماتيس إمكان اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد، بخلاف ما أورده كتاب للصحافي بوب وودورد.
وقال رداً على سؤال عن مقطع في الكتاب يذكر ذلك: إن «هذا الأمر لم يناقش أبداً... هذا الأمر لم يتم حتى التفكير فيه».
وتزامناً مع القمة الكويتية - الأميركية، نقلت قناة «الجزيرة» عن مصدر ديبلوماسي تأكيده أنه تم «تأجيل القمة الخليجية - الأميركية إلى ديسمبر المقبل».

صاحب السمو: خالد الجراح يدي اليمنى

وصف سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح بأنه يده اليمنى.
وقال سموه خلال لقاء مع رؤساء كبرى الشركات الأميركية التي تمثّل مختلف القطاعات، تعقيباً على عرض إحدى الشركات لسبل التعاون العسكري والدفاعي ذكر فيها مسؤول أميركي أن الشيخ خالد الجراح صديق له، قال: بالنسبة لما ذكرته عن صديقك، فهذا أخي وزير الدفاع السابق، هذا هو يدي اليمنى، لذلك أقول الله يعينه، خصوصاً مع الولايات المتحدة.

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

التسوية أم القضاء على إسرائيل؟

حسين عبد الحسين

يوم انتشر نشيد مزيف يتحدث عن قطع اليهود رؤوسا، وغرسهم رماحا، في صدور مصر وكنعان وبابل، تناقله ناشطون عرب على مواقع التواصل الاجتماعي على أنه نشيد إسرائيل. وقام أحد الأصدقاء بنشره على صفحته. علقت متسائلا عن المصدر، فلم يجبني الصديق، ولكنه نشر تعليقا بدا وكأنه رد على تساؤلي: "حينما أقوم بنشر معلومات تتعلق بتشويه صورة الكيان الصهيوني، فإنني في معظم الوقت لا أتحقق من صحتها، لأن ذلك لا يعنيني أبدا، المغزى الأساس هو تشويه الصورة، وتحديدا في هذه الأيام، حيث البعض منا يعتبر الكيان السرطاني حالة عادية".

فاجأني رده بصدقه وصراحته. النقاش العربي حول الصراع مع إسرائيل ليس نقاشا للتوصل إلى تسوية، بل هو حرب دعائية حول رواية ثابتة، لا تقبل أي مراجعة تاريخية أو نقد. نقاط النقاش معروفة سلفا، وكذلك نتائجه. فلسطين دولة عربية قائمة منذ الأزل، غزاها يهود أوروبا الشرقية، وطردوا أهلها منها، واستولوا على أرضهم. اليهود كولونياليون مستعمرون غرباء، والتسوية واضحة: إعادة الغزاة إلى حيث أتوا، وعودة الفلسطينيين إلى أرضهم. أي وجهة نظر مشككة أو مخالفة تضع صاحبها في موقع الظالم للعرب، وإن كان عربيا، تضعه في موقع الخيانة.

النقاش الحربي هذا يمتد إلى مساحات أخرى خارج مواضيع السيادة والنشيد الوطني. في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مراجعة، كتبها "فلسطيني ـ إسرائيلي"، حول الموسم الثاني من المسلسل الإسرائيلي "فوضى"، الذي يصور عمليات فرقة عسكرية إسرائيلية معروفة بـ"المستعربين" اشتهرت، خصوصا في زمن الانتفاضة الأولى، بتصفية قادة فلسطينيين.

يحاول المسلسل نقل صورة واقعية عن تلك العمليات، مع إضافة بعض العناصر التضخيمية الدرامية للإثارة، على عادة هذه المسلسلات، مثل "هوملاند" الأميركي. على أن خلاصة المسلسل الإسرائيلي تظهر قباحة الحرب وتأثيرها على الطرفين، فلا الفلسطينيون يلتزمون أوامر قادتهم، ولا الإسرائيليون، بل يتمرد المتقاتلون من الطرفين على الأوامر، ويعملون وفقا لثارات شخصية وأحقاد اكتسبوها أثناء قتالهم.


كاتب المراجعة، التي تحمل عنوان "الاحتلال كترفيه"، لا يهتم للقيمة الفنية للعمل، بل يشتكي في مراجعته أن المسلسل لا يصور المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ولا حياة الفلسطينيين الصعبة، ولا يصور الفقر المدقع المنتشر بينهم؛ وكأن المسلسلات العالمية المخصصة لقصص الجاسوسية والاستخبارات تشير عادة إلى معدلات الفقر بين السكان في المناطق التي تدور أحداث المسلسل فيها.

ربما حان وقت الاعتراف أن أقلية صغيرة فقط من العرب تبحث عن نقاط مشتركة مع الإسرائيليين في سبيل التوصل إلى تسوية وإنهاء صراع يكاد عمره يقارب القرن، فيما غالبية العرب لا يهتمون للعدالة ولا للتسوية، بل جلّ ما يريدونه هو الانتقام، والتغلب على الإسرائيليين. وهو الأمر الذي يجبر هؤلاء العرب على إظهار أقصى درجات البشاعة المتوفرة عند الإسرائيليين، وتحويلها إلى صورة شاملة، واعتبار أن الاسرائيلي الوحيد المسموح بالحوار معه هو الذي يعارض وجود الدولة الإسرائيلية، أو الذي يقبل العيش تحت سيادة دولة فلسطينية شعارها مسجد ورئيسها مسلم حسب دستورها.

هذا الاعتراف لا يخفي وجود تطرف ضد العرب لدى إسرائيليين، قد يكونوا الغالبية. لكن تطرف الأقليات العرقية مبرر في العادة، أكثر منه لدى الغالبية، بسبب الفارق الضخم في عدد السكان لمصلحة العرب، ما يجعل خوف الأقليات ـ من اليهود والمسيحيين والكرد والآشور والكلدان والإيزيديين والإسماعيليين والدروز والأقباط وغيرهم ـ خوفا وجوديا، أكثر منه عند الغالبية العربية.

ربما حان الوقت أيضا لإعادة التذكير ببعض التاريخ. الإسرائيليون ليسوا غرباء عن المنطقة، بل هم شعب سامي يتحدث لغة متقاربة جدا مع الفينيقية والعربية والآرامية والآشورية والإثيوبية. ويشترك الإسرائيليون في تاريخ طويل مع الفينيقيين، حسب العهد القديم، وفي تاريخ طويل في مصر، حسب القرآن، ويشتركون في أجدادهم مع العرب في إبراهيم، أبي إسماعيل، والأخير هو أبو العرب المستعربة وجد رسول المسلمين، حسب الروايات.

أما إسرائيل الحديثة، فجذور نصف سكانها من دول عربية مجاورة، رحلوا عنها بعد قرون من معاملتهم كذميين، أي مواطنين من الدرجة الثانية، وهي المعاملة التي كانوا سيلقونها لو بقوا في هذه الدول، أو لو هم وافقوا على الانخراط في دولة سيادتها فلسطينية.

اقرأ للكاتب أيضا: السلطان مفلس

ليست إسرائيل سبب شقاء العرب، بل هي نتيجتها، فلو كانت دول العرب ديموقراطية تساوي بين مواطنيها بغض النظر عن ديانتهم، لكانت استقبلت اليهود الفارين من معاداة السامية في أوروبا كما فعلت أميركا وبعض دول أوروبا الغربية، ولكان رحيل اليهود عن دولهم العربية إلى دولة خاصة بهم بمثابة تآمر. لكن رحيل اليهود عن دول العرب، التي تتداور فيها السنون بين طغاة وحروب أهلية، كان رحيلا مبررا.

العصبية والشتائم والدعاية المزيفة أمر مفهوم بين المتخاصمين، ولكن الإصرار على قمع الحوار واستبداله بشتائم وأضاليل، تحت طائلة اتهام طالبي الحوار والتسوية بالخيانة وبالدعاية، هو اتهام يليق عادة بمجموعات مراهقة، متطرفة وهامشية، ولا يليق بالسواد الأعظم من الناس، ولا يليق خصوصا بالمثقفين.

Since December 2008