الخميس، 24 ديسمبر 2009

الأمم المتحدة منعت سورية وحلفاءها اللبنانيين من القضاء على القرارين 1559 و1680

واشنطن - من حسين عبد الحسين

سحبت سورية اقتراحها امام اللجنة الخامسة في الامم المتحدة، والقاضي بوقف التمويل المخصص لتنفيذ القرار 1559 او الغاء بند المنجزات من القرار 1680، امام تأييد اميركي واوروبي لا مواربة فيه للقرارين، فيما هزم المجتمع الدولي اسرائيل، بالتصويت داخل اللجنة، ضد اقتراحها «ايقاف النفقات للجان تقصي الحقائق التي تقدم تقارير ذات نتائج مسبقة»، في اشارة الى معارضتها لتقرير غولدستون عن الحرب في غزة.

وكان مقرر اللجنة الخامسة - المكلفة الشؤون المالية والادارية - قدم، مطلع الاسبوع، موازنة العام 2010، وخصص فيها مبلغ 695 الف دولار تحت بند «المبعوث الخاص لتطبيق القرار 1559، الصادر العام 2004، بخصوص سيادة لبنان فوق اراضيه».

ومما جاء في هذا البند ان هدف القرار تقديم «الجهود لحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان، وتشجيع الحوار بين الدول في المنطقة».

ومن المتوقع ان توافق الجمعية على اقتراحات اللجنة من ضمنها المبلغ الملحوظ لتنفيذ القرار المذكور. وبلغت موازنة الامم المتحدة الاجمالية للعام المقبل 5 مليار و16 مليونا، منها 596 مليونا رصدت «للمهمات السياسية» حول العالم مثل موازنة القرار 1559.

وعلمت «الراي» ان الديبلوماسيين السوريين قرروا سحب الاقتراح السوري، اثناء جلسة ماراثونية عقدتها اللجنة واستمرت حتى السابعة صباحا من يوم اول من امس.

وقال ديبلوماسيون في العاصمة الاميركية شاركوا في الجلسة، رفضوا كشف هويتهم، ان «السوريين تراجعوا عن اقتراحهم امام اصرار اميركي على المضي في تنفيذ القرار».

وعن موقف الدول الكبرى الاخرى، قال الديبلوماسيون الاجانب ان الموافقة على القرارات في مجلس الامن تحتاج الى تصويت اكثري، والى عدم استخدام اي من الدول الخمس الدائمة العضوية حق النقض الفيتو. كذلك، يحتاج الغاء القرار داخل مجلس الامن الى عملية مماثلة، «ولا تبدي اي من الدول الكبرى استعدادا لخوض معركة سياسية من اجل السوريين»، خصوصا وان «الترجيحات تشير الى تمسك اميركي بالقرار، وامكان نقضها لاي محاولة لالغائه». وتحدث ديبلوماسيون عرب تابعوا جلسة اللجنة الخامسة عن «غرابة» الاقتراح «السوري - اللبناني» بالغاء مفاعيل القرار 1559، او ايقاف تمويله. وقال هؤلاء: «تصور أن تطلب اسرائيل الغاء القرار 242 القاضي بانسحابها من الاراضي العربية التي احتلتها في حرب الـ 1967، ماذا سيكون الموقف السوري حين يقول العالم لهم، نحن متأسفون، لا جولان لكم بعد الان لاننا ألغينا القرار ذات الشأن».

وعن الموقف اللبناني، تحدث ديبلوماسيون امميون مخضرمون عن «اداء الديبلوماسية اللبنانية» في هذا الشأن. وقال هؤلاء: «اولا، حتى لو وافقت الولايات المتحدة على اقتراح رئيس لبنان (ميشال سليمان) ربط موضوع سلاح حزب الله بالحوار الداخلي اللبناني، يقتضي المنطق ان نعتبر انه قد تم تنفيذ القرار بعد نتائج الحوار... الحوار هو الوسيلة وليس الغاية... لا يمكننا ان نعتبر ان موضوع سلاح حزب الله انتهى بمجرد انعقاد الحوار اللبناني».

واضافوا: «ثانيا، حتى لو انتهى موضوع سلاح حزب الله، يبقى سلاح الميليشيات غير اللبنانية من دون حل، وهذا ما لا يخضع للقرار اللبناني، فهو تم التوافق على نزعه في جلسات الحوار في بيروت في العام 2006، لكن التوافق اللبناني لم يؤد الى نتائج».

الديبلوماسية اللبنانية، حسب ديبلوماسيين مخضرمين في الامم المتحدة، «مشلولة في المواضيع التي تخص لبنان، وناشطة في الدفاع عن سورية». في اجتماعات اللجنة الخامسة الاخيرة، يقول هؤلاء، في ما «صال الديبلوماسيون السوريون وجالوا في مواجهة القرارين 1559 و1680، اكتفى الديبلوماسيون اللبنانيون بتدوين ملاحظاتهم».

ويضيف الديبلوماسيون المخضرمون: «المشكلة ليست في تقاعس الديبلوماسيين اللبنانيين او في قلة حذاقتهم، بل المشكلة في شلل الحكومة اللبنانية في بيروت تحت وطأة سلاح حزب الله، وهو جوهر القرار 1559».

ويعود ديبلوماسي اجنبي، تابع ولادة القرار 1559، بالذاكرة فيقول: «لسبب ما في العام 2004، جاء الى نيويورك سفير لبنان السابق في واشنطن فريد عبود (الى نيويورك)، وجهد مع الفرنسيين لابقاء كلمة سورية خارج نص القرار... ثم مع مرور الوقت وعام بعد عام، حاولت الديبلوماسية السورية، وتابعتها اللبنانية، الغاء النقاط المفروض تنفيذها لاعتبار انه قد تم تنفيذ القرار بالكامل».

وتابع الديبلوماسي: «هذه النقاط هي التي تلحظ ترسيم الحدود مع سورية وتبادل فتح السفارات، وتم تبنيها لاحقا في القرار 1680، والتقرير حول التنفيذ يشمل القرارين».

في المحصلة النهائية، تعتبر المصادر الديبلوماسية ان سورية وحلفاءها اللبنانيين فشلوا في القضاء على القرار 1559 و1680.

في هذه الاثناء، تقول المصادر: «تعمد سورية الى التهويل على القرار اعلاميا، والايحاء بأنها نفذت الجزء المتعلق بها عن طريق فتح سفارة، دورها شكلي في ظل المعاهدات السابقة بين لبنان وسورية، وتشكيل لجنة ما لترسيم الحدود مع لبنان، لن تتوصل الى ترسيم منطقة مزارع شبعا لان السوريين يرفضون ذلك بحجة الاحتلال الاسرائيلي في الجولان».

والى ان تنعقد الجمعية العمومية الـ 65 للامم المتحدة في سبتمبر المقبل، سيبقى القراران ساريا المفعول في بنودهما كافة للعام 2010. وتعتقد المصادر الديبلوماسية ان «سورية وحلفاءها سيعودون العام المقبل، او في اي فرصة اخرى متاحة، للقضاء على القرارين، على حسب ما يعتقدونه ممكنا».

السبت، 19 ديسمبر 2009

مايكل كوربن لـ «الراي»: الوضع في العراق تحسن كثيرا ولم نعقد حوارات مع بعثيين يرفضون الاشتراك في العملية السياسي

واشنطن - من حسين عبد الحسين

يعتقد نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون العراق، مايكل كوربن، ان العلاقة بين الكويت والعراق ستستمر معقدة نتيجة اجتياح صدام حسين للكويت، ونتيجة المزايدات السياسية الداخلية في كل من البلدين، رغم ان الحكومتين ابدتا استعدادا للتعاون وحل الامور العالقة.

ويعتبر صاحب اعلى مرتبة ديبلوماسية للشأن العراقي في واشنطن ان «الوضع في العراق تحسن كثيرا مقارنة بالعامين 2006 و2007، ليس على الصعيد الامني فحسب، بل على الصعيدين السياسي والاقتصادي». وشدد كوربن على «الدور العراقي المتنامي والاستقلال العراقي في هذه الشؤون، خصوصا في الشؤون الامنية وفي امور العلاقات الثنائية والدولية».

وعلى مدى ساعة، استضاف اثناءها «الراي» في مكتبه في وزارة الخارجية، تحدث المسؤول الاميركي عن دور «ايران وحلقات سورية» في دعم الارهاب في العراق، وحض السعودية على ارسال سفير الى بغداد، وقال ان بلاده «لم تعقد اي حوارات مع بعثيين يرفضون الاشتراك في العملية السياسية، ولا مع البعثيين الموجودين في سورية ممن تطالب الحكومة العراقية بتسليمهم اليها».

واكد ايضا ان بلاده «تدعم مجهود الامم المتحدة في الكشف عن المتورطين في تفجيرات العراق، وفي المساعدة على منع التدخلات الخارجية في شؤونه». وفي ما يأتي نص اللقاء:

• هل تعقد الولايات المتحدة حاليا اي حوار مع البعثيين؟

- لا. لكن عليك ان تعرف معنى كلمة بعثيين. لدينا بعثيون جدد، والعديد من البعثيين السابقين ممن يشتركون بطريقة بناءة في العراق الجديد. اعتقد انك بسؤالك تعني البعثيين الجدد ممن لا يشاركون في العملية السياسية. اذا كان هذا تعريفك للبعثيين، فنحن ليس لدينا اي حوار معهم. لدى حكومة العراق سياسة مد اليد الى اولئك ممن لا يشاركون في العملية السياسية، اكانوا من الشيعة ام من السنة... النائب محمد سلمان، عضو لجنة المصالحة البرلمانية، مسؤول عن انضمام هؤلاء للنظام السياسي.

في الماضي، تحاورنا مع متمردين. اذا كنت تقصد هل تحدثنا مع متمردين، نعم بالطبع تحدثنا معهم، مثل «الصحوة». لكن مرة اخرى، نعود الى التعريف بالبعثيين. اذا كنت تقصد محمد يونس الاحمد او ابراهيم عزت الدوري، فلا.

• بالحديث عن الاحمد والدوري، صرح الجنرال ديفيد بترايوس بانهما في سورية، وان سورية لم تعمل على منع تسلل المقاتلين عبر حدودها الى العراق، بل ان نجاح القوى الامنية الاميركية والعراقية هي التي حدت من تدفق هؤلاء؟

- اعتقد ان العراقيين قالوا انهم يريدون العمل مع سورية ثنائيا على هذا الموضوع، وليس للولايات المتحدة دور في هذا. هذا موضوع ثنائي بين العراق وسورية، وهم يتحاورون في هذا الشأن. نحن نعتقد انه منذ الاجتياح في العام 2003، كان على السوريين ان يفعلوا ما في وسعهم لوقف تدفق المقاتلين الاجانب وعدم السماح للعناصر المتمردة بالعبور عبر سورية. وبرأينا ان السوريين قاموا ببعض الجهود، لكن (حركة العبور) استمرت... العراقيون قدموا للسوريين اثباتات على ما يحصل. لكن نحن لا دور لنا في الموضوع. حاولت تركيا ان تلعب دورا، ولكن لا دور لها اليوم. المسألة بين العراقيين والسوريين.

• العراق حاول ان يأخذ الموضوع الى المؤسسات الدولية مثل الامم المتحدة؟

- لقد دعمنا العراقيين في ذلك. ساعدنا الامم المتحدة كذلك. طبعا الامم المتحدة لعبت الدور القيادي في تسمية مبعوثها الخاص، اوسكار تارانكو، الذي زار بغداد منذ نحو 5 اسابيع والذي يتفحص ما اذا كان هناك تدخلات خارجية في العراق.

• هل ستدعم الولايات المتحدة قيام محكمة دولية خاصة لمعالجة الموضوع؟

- يعود للامم المتحدة تقرير الآلية المناسبة. بدورنا، نحن ندعم كل الجهود العراقية لوقف التدخلات الخارجية. اما بالنسبة للالية، فنحن لا نختارها، بل نحن ندعمها.

• هل لدى الولايات المتحدة «مونة» على سورية من خلال العلاقات الثنائية بين البلدين؟ وهل تحاول اميركا القيام باي وساطة بين العراق وسورية؟

- نحن لا نتواسط بين العراقيين والسوريين. هذا موضوع ثنائي بين البلدين، وهذا احد المواضيع الايجابية التي نراها في العراق، في ما ان العراقيين قادرون على ادارة علاقاتهم مع دول العالم... انظر الى تركيا، علاقتهم (العراقيون) مع الاتراك يديرونها بانفسهم، ومع سورية كذلك، ومع مصر، لقد بدوا حوارا استراتيجيا مع مصر، وعاد السفير المصري الى بغداد بعدما تم اغتيال سلفه في العام 2005، على ما اعتقد. اذا العراق قادر الآن على ادارة علاقاته الثنائية مع الدول، وهذه رسالة مهمة علينا ان نظهرها للعالم.

• سبق للجنرال ريموند اوديرنو ان اعتبر ان الخط بين البعثيين وتنظيم «القاعدة» في العراق صار غير واضح، فيما قام معظم اركان الدولة العراقية من رئيس ورئيس حكومة ووزراء خارجية وداخلية ودفاع وجنرالات باتهام البعثيين بالوقوف خلف التفجيرات. ما هو تعليقك؟

- مرة اخرى، الاجابة تعتمد على التعريف بالبعثيين. هناك مجموعات متمردة في وجه الحكومة، بعضها سني والآخر شيعي، وهم يرفضون المشاركة في العملية السياسية. لقد نجحت حكومة العراق في اضعاف تنظيم «القاعدة» في العراق، واضعاف المجموعات المتمردة الاخرى. على الارجح بدأت هذه التنظيمات في دعم بعضها البعض لان عملها صار صعبا.

• السبب وراء السؤال الاخير هو محاولة فهم كيف تتوزع المسؤولية في التفجيرات بين الداخل العراقي، او الخارج، او ربما الاثنين...؟

- حتما هناك لاعبون محليون، وحتما هناك دعم للمتمردين يأتي من الخارج... ايران وحلقات المقاتلين الاجانب السورية معروفون جدا.

• عن العلاقات العراقية - السعودية، البعض يتحدث عن اتفاق سعودي - سوري، على حساب لبنان، في مقابل التنسيق بين السعوديين والسوريين لمواجهة الحكومة العراقية...؟

- اعتقد ان هذه مجرد تكهنات. كما اعتقد ان العلاقات بين العراق وباقي دول المنطقة تنضج، وان العراق يلعب دورا ايجابيا في المنطقة...

• لكن هل هناك افتراق اميركي - سعودي حول العراق، فنحن حتى الآن لم نر سفيرا سعوديا في بغداد؟

- نحن نحب ان نرى السعودية ترسل سفيرها الى هناك... لقد قمنا بحض كل الدول على ذلك... لكني لا اعتقد ان هناك افتراقا.

• كيف ترى دور ايران في العراق اليوم؟

- نحن نعتمد على الحكومة العراقية كي تطلعنا على تطورات هكذا موضوع، فالعراق يدير علاقاته مع ايران، بصورة ناجحة جدا... لكننا نعتقد انه ما زال هناك مسائل عالقة بين العراق وايران، احداها هو اذا كان هناك دعم (ايراني) للمجموعات المتمردة في العراق المسؤولة عن الارهاب.

نحن ما زلنا نراقب الوضع بدقة على الارض، لكن العراق يقود الموضوع، وهو ما يعيدنا الى المقدرة العراقية في ادارة العلاقات الثنائية، وهو ما لم يكن ممكنا في عامي 2006 و2007 عندما كان الصراع الطائفي جديا واجبر الحكومة على التفرغ للداخل. هنا اقول ان ايران اليوم هي من يتفرغ لشؤونها الداخلية اثر الانتخابات (الرئاسية) فيها.

• افهم الموضوع الثنائي، لكن لاميركا قوات في العراق، واي امداد ايراني لمجموعات ما، يمس أمن الجنود الاميركيين، اليس كذلك؟

- لن اقول كيف يستهدف الايرانيون جنودنا. نحن نعلم على وجه التأكيد ان بعض المجموعات الشيعية المتمردة هاجمت قوات الامن العراقية والحكومة العراقية. هذه الهجمات لا تستهدف جنود الولايات المتحدة فحسب، فنحن انسحبنا من المدن في يونيو الماضي، صرنا نعمل بالاشتراك مع القوات العراقية.

نحن كاهداف... لقد كثف المتمردون والارهابيون من جهودهم لاستهداف المدنيين في المدن، اقصد ان اميركا لم تعد في وسط الهجمات، وكما يدير العراق علاقاته الثنائية، فهو يدير كذلك شؤونه الامنية. قد يقول البعض ان هناك التفجيرات داخل المدن، ولكن كرقم، مقارنة بالعامين 2006 و2007، الرقم اصغر بكثير. هذا لا يقلل من ان الهجمات مروعة، ولكننا تركنا المدن في يونيو، ولم تحصل اي تفجيرات حتى 19 اغسطس، واضيف هنا ان الهجمات ابدلت تركيزها من قواتنا وقوات التحلف، ثم القوات العراقية، فالجوامع والكنائس، فالبنية التحيتة الاقتصادية، واليوم يشنون هجمات عشوائية خارج الوزارات. هذا لا يظهر قوة، بل يشير الى تزايد في الضعف.

• كيف ترى العلاقات بين العراق والكويت؟

- ستستمر العلاقات معقدة بين الكويت والعراق نتيجة اجتياح صدام حسين للكويت. الحكومة العراقية جعلت من الواضح ان لا ارتباط لها بسياسات صدام حسين. كذلك ستعلو الاصوات السلبية من الجهتين، لكن الحكومتين ابدتا الاستعداد للعمل على المواضيع العالقة. سيكون هناك تقدم في امور من دون اخرى، وهذا سيأخذ بعض الوقت.

اليوم، بدأت الحملات الانتخابية في العراق، وهذا وقت مناسب لتعالي بعض الاصوات السلبية. كذلك في الكويت، هناك امور مع البرلمان، ما يعني اننا سنسمع بعض السلبية. اذا، على الجهتين، هناك سياسات داخلية تعقد الحلول الخارجية الطويلة الامد. لكني اعتقد ان علينا ان ننظر الى المدى البعيد الايجابي، لا القصير، الذي قد يكون سلبيا في بعض الاحيان.

• اعتبر البعض ان التأخير في اقرار قانون انتخابات مجلس النواب العراقي ادى الى تأخير الانسحاب الاميركي. ما رأيك في ذلك؟

- لا تأخير في الانسحاب الاميركي. نحن ملتزمون التزام الرئيس باراك اوباما الانسحاب، ونحن نراقب الوضع على الارض عن كثب. سيكون هناك انتخابات في مارس بأمن وامان، وسيكون هناك اناس من الداخل والخارج ممن سيحاولون جعل العملية الانتخابية صعبة. انتخابات المحافظات جرت في يناير العام 2009، والبرلمانية ستجرى في مارس العام 2010... ما زال جدول الرئيس للانسحاب قائما. • ماذا عن العلاقات العربية - الكردية؟ - نحن نعمل دوما مع العرب والكرد، وهذا يتصدر اولوياتنا، ولدينا علاقات جيدة مع الطرفين. عندما تنظر الى اغسطس العام 2008، عندما كان هناك امكانية صراع بين القوات الكردية ووحدات من الجيش العراقي في خانقين، ثم تنظر اليوم، لا بد ان تلاحظ ان التوتر اقل بكثير. طبعا ما زالت هناك امور اساسية عالقة، مثل وضع كركوك والمناطق المتنازع عليها. لكننا نعمل مع (اليونامي)، بعثة الامم المتحدة، ومع الاطراف المعنية على الارض. القوات الاميركية تعمل كذلك مع البيشمركا والقوات العراقية بنجاح كبير. • هل تنحاز الولايات المتحدة الى جانب الكرد وتعطيهم ضمانات ما؟ - لم نعط ضمانات للكرد وسياستنا لم تتغير. نحن ندعم المادة 140 (اجراء استفتاء حول مصير كركوك)، وما قدمته اليونامي. نحن ندعم الطرفين للتوصل الى الحل، والدستور العراقي يقدم اساس لذلك... لم نقدم ضمانات للكرد، رغم الاشاعات المتداولة. • كلمة اخيرة؟ - اعتقد انه من المفيد ان ننظر الى المسافة التي قطعها العراق منذ العام 2007. بعد الانتخابات البرلمانية في العام 2005، كانت قوى الامن ضعيفة... كان الوضع السياسي يؤدي الى مواجهات طائفية يومية... كان الوضع الاقتصادي صعبا. عندما تنظر اليوم، لقد انهى العراقيون لتوهم الجولة الثانية من المناقصات النفطية، فيما تتم دعوة الشركات العالمية للاستثمار في نفط العراق، وهو صاحب ثالث اكبر احتياطي في العالم. نحن امام وضع وافقت فيه الاحزاب السياسية على قانون انتخابي، وهذا كان صعبا نظرا للتعقيدات التي تم التعامل معها... لديك وضع أمني ما زال صعبا، ولكنه افضل بما لايقاس بالعامين 2006 و2007... لدينا وضع يتمكن فيه العراق من اقامة علاقات ثنائية ودولية. نحن ملتزمون الاتفاقية الامنية... والعراق سيتسلم الامن. لكن رغم الايجابيات، ستستمر التفجيرات، وان قليلة، لان نسبة صغيرة من المتمردين ستواصل مهاجمة الدولة، لكن لا يجب ان يكون هذا المقياس الوحيد للنجاح في العراق.

• اذا انت متفائل ولا تعتقد ان اميركا تشيح باهتمامها عن العراق في اتجاه افغانستان؟

- الولايات المتحدة تبقى ملتزمة العراق، ونحن نريد ان نرى عملية انتقال ناجحة من تعاوننا العسكري الامني، الى شراكة مدنية في مجالات التنمية، والصحة، والتعليم، والثقافة كافة، وهذه طريقة ايجابية جدا لبناء العلاقا

الجمعة، 18 ديسمبر 2009

سورية تستكمل الهجوم على القرار 1559 وتتهم رود لارسن بـ «العمل لمصلحة إسرائيل»

واشنطن - من حسين عبد الحسين
نيويورك - «الراي»

في وقت تستكمل سورية هجوم حلفائها اللبنانيين على قرار مجلس الأمن 1559، شددت «مديرة مكتب شؤون مصر والشرق» في وزارة الخارجية الأميركية نيكول شامباين، في تصريح لـ «الراي»، على ان بلادها تدعم القرار 1559. الهجوم السوري على القرار 1559، والقاضي بانسحاب الجيش السوري من لبنان وحل جميع الميليشيات في البلاد، جاء عن طريق الديبلوماسي يسار دياب، اثناء اجتماع «اللجنة الخامسة» في الامم المتحدة المعنية بشؤون الموازنة والادارة، في نيويورك اول من امس.

وكان مقرر «اللجنة الخامسة» قدم، اول من امس، موازنة العام 2010، خصص فيها مبلغ 695 الف دولار تحت بند «المبعوث الخاص لتطبيق القرار 1559، الصادر عام 2004 بخصوص سيادة لبنان فوق اراضيه». ومما جاء في هذا البند ان هدف القرار تقديم «الجهود من اجل حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان، وتشجيع الحوار بين الدول في المنطقة».

واوردت مسودة الموازنة ان المبلغ الملحوظ لتنفيذ القرار 1559 في العام 2010، يبلغ 157 الف دولار اقل منه في موازنة العام 2009، اذ ان «بعض الحاجات اللوجستية ستؤمن من دون تكاليف اضافية، عبر وكالات الامم المتحدة الاخرى» العاملة في لبنان.

كما ورد في الموازنة ان فائضا من العامين 2008 و2009 بلغ 344 الفا، بسبب قلة عدد سفرات المبعوث الدولي الى لبنان، نظرا للاوضاع الامنية غير المستتبة. وسيضاف الفائض الى موازنة الاعوام المقبلة المخصصة للاشراف الدولي على تنفيذ القرار 1559.

بدوره، حاول الديبلوماسي السوري التنصل من مسؤولية بلاده في القرار 1559، وقال ان سورية نفذت الجزء الذي يتعلق بها بسحبها قواتها ومخابراتها من لبنان، وان «البنود الباقية في القرار هي مسؤولية لبنان ولا تعني سورية، والجميع يعلم ذلك الا المبعوث الخاص» تيري رود لارسن.

واستكمل دياب هجومه على المبعوث الخاص تيري رود لارسن باتهامه بـ «العمل لمصلحة اسرائيل»، و«بزيارة البعثة الدائمة لاسرائيل في الامم المتحدة (ومقرها نيويورك) في العام 2008 ... والطلب من اسرائيل وقف (محادثات السلام غير المباشرة مع سورية عبر تركيا)». كما اتهم رود لارسن بزيارة اسرائيل والطلب اليها عدم الانسحاب من قرية الغجر، «بعد ان ابلغت اسرائيل الامم المتحدة نيتها على فعل ذلك»، حسب المسؤول السوري.

ووسع دياب هجومه ليشمل القرار 1680، الصادر العام 2006 والداعي الى اقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسورية وترسيم الحدود بين البلدين، ودعا الى الغاء المادة التي تشير الى «الانجازات المتوقعة» في تطبيق القرار 1680، معتبرا ان العلاقات الثنائية بين لبنان وسورية هي شأن بين «الدولتين السيدتين سورية ولبنان»، ولا يحق للامانة العامة للامم المتحدة التدخل فيه.

وتوجهت «الراي» بالشكوى السورية ضد المبعوث الدولي تيري رود لارسن وتطبيق قراري مجلس الامن 1559 و1680 الى مصادر رفيعة في العاصمة الاميركية، فعلقت الاخيرة بالقول: «رود لارسن شخص نزيه وحيادي، حتى الحكومة الاسرائيلية امتعضت من تصريحاته العام 2002، اثر جولته في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، ابان عملية السور الوقائي الاسرائيلية في الضفة الغربية».

واضافت المصادر: «عندما يشتكي طرفا النزاع من مبعوث ما، فهذا يعزز من مصداقيته وحياديته ومناقبيته العالية». وتوجهت «الراي» الى وزارة الخارجية الاميركية للوقوف على الموقف الاميركي الرسمي من تطبيق القرار 1559، بعدما اكثرت بعض التقارير الاعلامية، خصوصا اللبنانية، اعتبار ان الرئيس باراك اوباما وافق مع الطلب المزعوم الذي قدمه اليه نظيره اللبناني ميشال سليمان، الاثنين الماضي، بالغاء مفاعيل القرار 1559، واعتباره قد طبق.

وقالت شامباين: «من الواضح ان لبنان قوي ومزدهر وديموقراطي، هو في مصلحة المنطقة والمجتمع الدولي». وجددت شامباين دعم بلادها لمؤسسات الدولة اللبنانية والجيش، وقالت: «تستمر الولايات المتحدة في تقديم الدعم القوي لمؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها الجيش اللبناني».

وعن القرار 1559، اجابت شامباين: «ان الولايات المتحدة تدعم بقوة التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان، بما فيها القراران 1701 و1559».

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

أوباما يوافق على اقتراح سليمان التعاطي مع موضوع سلاح «حزب الله» عن طريق الحوار

واشنطن - من حسين عبدالحسين

وافق الرئيس باراك اوباما، على اقتراح نظيره اللبناني، التعاطي مع موضوع سلاح «حزب الله» عن طريق الحوار الوطني، حسب مصادر واكبت الاجتماعات التي عقدها ميشال سليمان في العاصمة الاميركية.

وقالت المصادر، ان اوباما حدد اهداف السياسة الاميركية، وتتلخص بدعم لبنان «قوي ويتمتع بسيادة كاملة واستقلال، ويعيش بسلام مع محيطه»، وهو ما يتطلب «التطبيق الكامل لقرارات مجلس الامن ذات الصلة»، وان «لا ضير من التوصل الى تطبيق هذه القرارات من خلال الحوار».

وكان اوباما استقبل سليمان في المكتب البيضاوي في البيت الابيض، الاثنين، بحضور وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وغياب مساعدها لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، الذي يعود من العراق بعد غد. كذلك حضر من الجانب الاميركي السفيرة الاميركية لدى لبنان ميشيل سيسون.

اما الوفد اللبناني، فتضمن نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الياس المر، وزير الخارجية علي الشامي، وزير الدولة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين وائل ابو فاعور، والسفير اللبناني في واشنطن انطوان شديد.

المصادر الاميركية عبرت عن ارتياحها للمحادثات، وقالت ان ابرز ما جاء فيها هو «السيادة التي صار يمارسها المسؤولون اللبنانيون، والدور القيادي في المنطقة الذي يقومون به». وتابعت ان الرئيسين «اوباما وسليمان اتفقا على ضرورة الاستمرار بسياسة الانخراط الاميركية مع سورية، واعادة تحريك عملية السلام على المسارات كافة، اللبنانية والفلسطينية والسورية».

كذلك اكدت ان اوباما توجه الى سليمان مرارا بالقول ان السلام في المنطقة يخدم لبنان، وان لبنان مستقر هو في مصلحة السلام في العالم ككل.

وشدد اوباما، كما نائبه جو بيدن، على ان «لا حلول في المنطقة على حساب لبنان». واكد نائب الرئيس في بيان صادر عن مكتبه، دعم الادارة «لسيادة واستقلال لبنان»، والقرارات الدولية المتعلقة بلبنان.

واعتبرت المصادر ان «واشنطن مرتاحة جدا للقرار اللبناني بتلبية الدعوة الاميركية وزيارة العاصمة الاميركية».

وكان الرئيس اللبناني عقد اجتماعا صباحيا مع رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، بحضور وزير النقل من اصل لبناني راي لحود، وعضو الكونغرس الديموقراطي من اصل لبناني نك رحال. وحسب احد الحاضرين، تناول الاجتماع شؤونا متعددة، تصمنت الحديث عن الملف النووي الايراني.

وقالت المصادر ان رحال توجه الى الوفد اللبناني، بالقول: «لقد نفد صبر الاسرائيليين من ايران، والان بدأ ينفد صبر اميركا كذلك». ووافق المسؤولون الاميركيون، رحال في قوله.

ومساء الاثنين، عقد سليمان والوفد، في فندق ويلارد الذي اقاموا فيه، لقاء مع وزير الدفاع روبرت غيتس، تلاه لقاء آخر مع كلينتون. وانتقل الوفد بعد الاجتماع الى صالة الفندق، لينضموا الى حشد من الجالية واعضاء الكونغرس من اصل لبناني، والسفراء العرب. وكان لافتا حضور السفير السوري عماد مصطفى.

وكرر سليمان امام الجالية، ان «لبنان صار يتحدث بالنيابة عن نفسه اليوم».

في خلاصة الجولة الاميركية، لم يطالب الرئيس اللبناني، باعفاء لبنان من اي من القرارات الدولية، حسب التقارير اللبنانية التي سبقت الجولة، فيما طالب الولايات المتحدة بمساعدة لبنان على المستويات كافة، العسكرية والاقتصادية والسياسية، خصوصا في ما يتعلق بتطبيق القرار 1701 ووقف «الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة» على لبنان.

اما المسؤولون الاميركيون، وفقا لما اوردته «الراي» قبل ايام، فعبروا عن دعمهم الكامل للسيادة اللبنانية، ولقرارات مجلس الامن. وكان اوباما قال للصحافيين بعد لقائه سليمان: «اريد ان اكون واضحا اني شددت امام (سليمان) على قلقنا حول الاسلحة التي يتم تهريبها الى لبنان. ناقشنا ذلك. وكما اسلف الرئيس سليمان، ناقشنا تطبيق القرار 1701. تم تحقيق تقدم، لكنه لم يكتمل بعد». واضاف: « نريد ان نفعل كل شيء بوسعنا من اجل ان يكون لبنان قويا ومستقلا وديموقراطيا».

ومما قاله اوباما: «الولايات المتحدة تريد ان تكون شريكا في هذه العملية. نريد تقوية الجيش اللبناني ليساعد على ضمان سيادة لبنان وسلامة اراضيه. نريد نريد تطبيقا كاملا لقرارات الامم المتحدة، التي من شأنها ان تضمن السلام في المنطقة وتؤمن استقرار لبنان».

واعتبر ان من مصلحة لبنان تحقيق السلام العربي الاسرائيلي على المسارات كافة، ومن ضمنها المسارين الفلسطيني والسوري، «من خلال حوار بناء للخروج من الطريق المسدود».

كذلك تحدث اوباما عن المساعدات الاميركية الى لبنان، واعتبر انه لا يريدها ان تكون عسكرية فقط، بل يريد ان تتضمن مساعدات مدنية تسهم في تقوية «الفرص الاقتصادية والعدالة والمجتمع المدني».

وفي حديثه الى الصحافيين بدوره، قال سليمان ان «التهديدات الاسرائيلية تعيق نمو الاقتصاد (في لبنان)». وقال ان بلاده ملتزمة مبادرة السلام العربية، التي تم اقرارها في بيروت في العام 2002 والتي تم التصديق عليها في قمة الدوحة هذا العام. واضاف: «كذلك طلبنا دعم الولايات المتحدة السياسي لدعم لبنان، ولدعم حل سلمي لازمة الشرق الاوسط، لا على حساب لبنان، ورفض التوطين»

الأحد، 13 ديسمبر 2009

استقلال الانتفاضة

حسين عبد الحسين - الافق

العدد 21، كانون الاول / كانون الثاني 2009

ماتت انتفاضة الاستقلال لان صانعيها لم يدروا ماذا فعلت ايديهم، ولانها كانت

انتفاضة شعبية كبيرة بعقول صغيرة ووضيعة.

ماتت انتفاضة الاستقلال لان احزابها، المطالبة بالديموقراطية، لم تجر انتخابا داخليا واحدا، فكيف ينتج عن هذه الاحزاب الاستبدادية التسلطية ديموقراطية لبنانية زاهرة؟

ماتت انتفاضة الاستقلال لان عصبها من الصف الثاني كان جيشاً من الجلاوزة، والمستشارين، ومستشاريهم، ومرتزقة البلاط، من المأخوذين بغرور النفس وحبها، ومن المتدافعين على حظوة السلطان، وعلى المناصب التي يمنحها اسيادهم لهم في الوزراة والنيابة وزعامة الازقة.

ماتت انتفاضة الاستقلال لان اهلها تفننوا في كتابة البيانات غير الواقعية، التي تنتمي الى تاريخ سحيق في اميتها وشعبويتها.

وماتت لان مستشاري السلاطين كسالى، يتداورون في تكرار التحاليل الباهتة، والنقل عن مصادر غالبا ما تكون وهمية.

ماتت انتفاضة الاستقلال لان القدر يرحم المرء الذي يعرف حده فيقف عنده، وهو لم يرحم اهل انتفاضة الاستقلال، لانهم تبارزوا في البطولات الكلامية عن قرب نهاية حاكم طهران ووالي دمشق، واقسموا بالغالي والنفيس، بان يقصوا رأس الافعى المحلية، ومن يقف خلفها من محاور اقليمية.

ماتت انتفاضة الاستقلال لان السلاطين رعدوا وهددوا وتوعدوا، واشاروا الى الطغاة بان يركبوا اعلى خيلهم، ورحبوا بالحرب الاهلية، وافاضوا في تزيين الاستقلال المبين والسيادة المظفرة، ثم انهاروا من جنة وعودهم واحلام اللبنانيين، الى التفاهات عن اهمية الواقعية السياسية.

ماتت انتفاضة الاستقلال لان احدا لم يقل لسمير قصير – الداعي عبثا لانتفاضة داخل الانتفاضة – انها بعيدة كل البعد عن نهضة عربية شعبية ونخبوية شاملة، تستعيد مقارعة الاستبداد، وقهره، واستبداله بشيء يشبه الحداثة.

وماتت لان سلاطينها لم يكونوا يوما اهلا لقيادتها، ولم يتعالوا عن الصغائر ليشتغلوا بالكبائر، بل تقاتلوا على توزير نعمة طعمه، وحيثية غطاس خوري، وكرسي آل الجميل، وحفظ حق الشيعة، ومراعاة الخصوصية المسيحية، وترديد اللازمة عن ضرورة تحرير فلسطين، واي تحرير سيكون على يد لبنانيين مهووسين بالتحليلات السياسية السطحية عن السوري والاميركي والايراني والفرنسي.

وماتت لان السلاطين لا يأتوا من المريخ، بل هم نتيجة المجتمع الذي ينتجهم ويحضنهم ويرفعهم الى مقامات الالوهية، ولان المجتمع – كما سلاطينه – مفكك، مبعثر، يحتاج الى مواطنين بدلا من الرعايا، الذين تشغلهم النزوات العشائرية والطائفية والغرائزية، والهوس بالجنس المحرم ظاهريا، وضرورة صون العرض وحفظ الشرف. ماتت انتفاضة الاستقلال.

وعجيب ان ترى "شعب الانتفاضة" مهووس بعرضه وشرفه – كما سائر اللبنانيين – ولكن لا يحدث ان يشعر بانه مهان حينما يعيش في وطن من دون مواطنين، فيه جرائم من دون مرتكبين، وفساد من دون سارقين، ومقاومة من دون مقاومين.

ماتت انتفاضة الاستقلال لان "شعب الانتفاضة" كان يصرخ في "ساحة الحرية" في وجه الطغاة المستبدين، المحليين منهم والاقليميين، فاذ به يتحول، عام بعد عام، من محب للاستقلال الى غاوي نكايات، ورافع شعارات "كل الشيعة مقهورة من فؤاد السنيورة".

وماتت انتفاضة الاستقلال لان في طليعة المنتفضين اهل المجتمع المدني، واكثر اللبنانيين بحاجة الى مدنية تلجم جموحهم الفاضح نحو الفساد، ونهب التمويل الغربي، واقامة المؤسسات الوهمية الموجودة الكترونيا فقط، وتحويل مؤسسات المجتمع المدني الى حوانيت، اصحابها تجار سياسة ممن يقفزون مع فسادهم من المجتمع، المسمى زورا مدنيا، الى عالم الحكومة والبرلمان، حيث تتجلى اللامدنية.

ماتت انتفاضة الاستقلال لانها لبنانية، ولان اللبنانيين شطار وتجار، ويبيعون في المبادئ كما يبيعون في اسواق الخضار، بالمناداة على الوطنية والاستقلال والسيادة، ثم استبدالها بالعروبة وفلسطين والعلاقات العربية المسماة المميزة، مع تبدل المواسم، فينقلب ربيع بيروت خريفا، وصيفها شتاء.

والمناداة ليست حكرا على السلاطين، بل هي مهنة مريديهم، خصوصا الصحافيين من بينهم من اصحاب المقالات والتصاريح الجاهزة. والسلطان يتزلف لاربابه الاقليميين، بالضبط كما يتزلف الرعايا لسلاطينهم والمستشارين، فالجميع بياع، والبضاعة هي الوطن.

ولان اللعبة هي "اونطة" ومناداة، فلا استقلال في لبنان كما لا حقوق في فلسطين.

ولان انتفاضة الاستقلال ولدت عرجاء، من رحم الفساد اللبناني، واعتاشت طفيلية على الرياح الاقليمية المزعومة، فلا انتفاضة حقيقية، ولا تغيير، الا بانتفاضة على الانتفاضة لتخليصها من النفاق الداخلي المرتبط غالبا بسيد خارجي.

ماتت انتفاضة الاستقلال لانها كانت كاصحابها مأجورة، ولن يعود الاستقلال في لبنان، الا باستقلال الانتفاضة عن سلاطينها وسلاطينهم، ومستشارينها ومستشارينهم.

السبت، 12 ديسمبر 2009

مصادر أميركية: سليمان سيبالغ في الدفاع عن سلاح «حزب الله» وضرورة الانفتاح على دمشق

واشنطن - من حسين عبد الحسين

تأتي زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الى واشنطن ولقاؤه نظيره الاميركي باراك اوباما، غدا، في غير سياق الاحداث في لبنان، اذ بعيدا عن الشكليات، لا تتوقع مصادر اميركية ان يكون في جعبة سليمان ما يقدمه «غير تكرار الخطاب العمومي المعروف والمحدد بما يسمى بسقف التوافق» اللبناني.

«حتى التوافق»، تقول المصادر، يحترم سليمان جزءا منه.

وتتحدث المصادر عن تناقض في مواقف سليمان، وتقول: «على سبيل المثال، كتل القوات اللبنانية والكتائب وبعض النواب، هاجموا سلاح حزب الله بوضوح اثناء جلسات الثقة بالحكومة، لكن سليمان لا يأخذ رأي هؤلاء في الاعتبار، ويدافع عن المقاومة، مع انه يشدد على التوافق، وهو طبعا غير موجود في لبنان حول السلاح».

ولاحظت المصادر «الهجوم الذي تعرض له سليمان من بعض السياسيين الموالين لسورية في بيروت، حتى ان بعضهم دعاه الى الغاء الزيارة لواشنطن». وفسرت هذا الهجوم على انه «رسالة الى سليمان على ان التوافق في لبنان يعني الانحياز لحزب الله وسورية، واي شيء آخر مرفوض». لذا، ترى ان «سليمان سيبالغ في الدفاع عن سلاح حزب الله، وعن ضرورة الانفتاح الاميركي على دمشق»، اثناء اجتماعاته الاميركية.

ومن المقرر ان يلتقي سليمان، اضافة الى اوباما، نائبه جو بيدن ورئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، ووزيري الدفاع والخارجية روبرت غيتس وهيلاري كلينتون، ومستشار الامن القومي جيمس جونز.

الا ان في المقابل، «قد يسمع سليمان تصريحات اميركية، قد لا تطرب لها الآذان السورية، مثل استكمال تطبيق قرارات مجلس الامن ذات الصلة، واولها القرار 1559 والقرار 1701». كذلك قد تتضمن التصريحات العلنية للمسؤولين الاميركيين «ابداء الدعم للمحكمة الدولية الخاضة بلبنان ودعم شؤون لبنانية اخرى».

وتعتبر المصادر ان «توجيه الدعوة الاميركية الى سليمان جاءت من باب دعم واشنطن لسيادة بيروت». وتضيف: «نحن نفعل ما علينا باحترام السيادة اللبنانية ومحاولة دعم القوى الامنية، اما ممارسة هذه السيادة داخليا وخارجيا والبحث عن مصالح لبنان، في الولايات المتحدة وغير الولايات المتحدة، هو شأن لبناني بحت».

وسألت «الراي» كبار المسؤولين الاميركيين عن مرحلة ترقب يعيشها لبنان والمنطقة، ريثما تتوضح الصورة الاقليمية خصوصا في الموضوع النووي الايراني، فردوا: «هناك مواضيع اقليمية متعددة، منها الملف النووي الايراني، والانتخابات البرلمانية العراقية التي تشهد صراعا اقليميا محموما سياسيا وامنيا، وملف السلام الاسرائيلي - العربي».

ويضيف هؤلاء: «كل تأزيم او انفراج في هذه الشؤون الاقليمية قد يأتي على حساب لبنان، لان بعض قادته فوضوا امرهم الى مجموعات داخلية وخارجية، وقد تكون القرارات المتماهية مع هذه القوة الاقليمية او تلك، ليست في مصلحة لبنان بالضرورة».

اما في السياسة الاميركية تجاه لبنان، فهي «واضحة وثابتة، وتقضي بالتعامل مع حكومة لبنان المنتخبة ورئيس لبنان كاصحاب سيادة». وتضيف المصادر ان «التغييرات في السياسة الاميركية تجاه لبنان وسورية معظمها في الاسلوب، وليس في المضمون».

وفي هذا السياق، تكشف المصادر عن تغييرات «اميركية ديبلوماسية اقترب موعدها». في لبنان، من المرتقب ان تنهي السفيرة ميشيل سيسون خدمتها في المستقبل القريب، وقد يحل محلها ديبلوماسي مخضرم يعرف لبنان جيدا، وسبق له ان خدم فيه.

اما في سورية، «فاقترب موعد تعيين السفير هناك، لكن غربلة الاسماء مازالت دائرة، ولم تتم عملية الاختيار حتى الان حتى داخل وزارة الخارجية نفسها».

بيد ان اعادة السفير الى سورية يختلف عن اعادة الحرارة الى العلاقات بين واشنطن ودمشق. ويعتبر مراقبون في العاصمة الاميركية ان مقياس تحسن العلاقات الثنائية بين اميركا وسورية هو العقوبات الاميركية المفروضة على سورية، «ورفع هذه العقوبات ما زال بعيدا عن اي افق منظور»، حسب المصادر الاميركية.

لكن المصادر قالت لـ «الراي» ان واشنطن تعكف على تحضير «شروط للسوريين في مقابل رفع العقوبات، مثلا ترفع الولايات المتحدة هذا النوع من العقوبة او ذاك، في مقابل اتمام عملية ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، وما شابه ذلك».

الجمعة، 4 ديسمبر 2009

صادق جلال العظم لـ «الراي»: لا مستقبل لـ «حماس» و«حزب الله» و«القاعدة» لأنها لم تتعلم من حركات التحرر الناجحة بل تقتل شعبها وتنقصها الديموقراطية

بوسطن - من حسين عبد الحسين

اعتبر المفكر السوري الكبير صادق جلال العظم، ان «لا مستقبل للحركات الاسلامية مثل حماس وحزب الله والقاعدة، لانها لم تتعلم الدروس من حركات التحرر الناجحة، بل تقوم بقتل شعبها، وتنقصها الديموقراطية».

واكد العظم، في حديث لـ «الراي»، على هامش المؤتمر السنوي لـ «جمعية دراسات الشرق الاوسط» في بوسطن، انه «طالما ان حركة حماس، هي تنظيم سني صاف، وطالما ان حزب الله، هو تنظيم شيعي صاف، لا يمكن ان يرقى اي منهما الى مستوى حركات تحرر، مهما حملوا السلاح وطقطقوا به».

واثنى العظم على نوايا «تحالف 14 مارس» اللبناني. واوضح: «رؤيتي ان هناك نية لدى تحالف 14 مارس، لتطبيق المبدأ الديموقراطي العام القائل ان الاكثرية تحكم والاقلية تعارض، فيما تتم المحافظة على حقوق الاقلية البرلمانية لجهة حرية التعبير». واضاف: «هناك نية لاسكات هكذا مشروع في لبنان، واعتقد ان المعارضة الاسلامية، شيعية او سنية، ان تولت الحكم، فان الديموقراطية لديها هي حكم الاكثرية، ولا تتفوه باي كلمة عن حقوق الاقلية».

وتحدث العظم عن «قفزة هائلة لو تم تحسين الديموقراطية بنسبة 20 او 30 في المئة، في اي بلد لبنان او سورية». وتابع «ان اهم شيء قد يحصل في سورية، هو رفع الاحكام العرفية والعودة الى حكم القانون العادي... حتى لو تم رفع قانون الطوارئ بحدود 40 في المئة، نكون حققنا قفزة هائلة».

ورغم انه اعتبر «ان الحريات تراجعت في لبنان». واضاف: «انا ارتاح في لبنان، مثلا معظم كتبي ممنوعة في العالم العربي، والمكان الوحيد غير الممنوعة فيه هو لبنان... بيروت كانت دائما النافذة التي استطعنا من خلالها ان نقول شيئا او ان نقدم شيئا رغم الحرب. ما زالت بيروت الافضل بالنسبة الى مثقف مثلي يحب الاطلاع، وفيها مكتبات جيدة». وفي حين اعرب العظم عن اعتزازه بانتخاب 4 نساء في مجلس الامة الكويتي، لكنه يعتبر «ان ديموقراطية الكويت لم تكتمل عناصرها بعد».

واكد «ان النموذج الديموقراطي اليوم هو في تركيا»، متسائلا «هل لدينا اليوم رئيس عربي لديه برلمان منتخب وصاحب سيادة يستطيع ان يحيل اليه اي املاءات اميركية لرفضها من دون ان يضحك عليه الاميركيون»؟ وفي ما يأتي نص اللقاء مع العظم، مؤلف «النقد الذاتي بعد الهزيمة» و«نقد الفكر الديني». العظم، والذي ما زال متقد الفكر وهو في الخامسة والسبعين من العمر:

> ما تقويمكم لعصر النهضة العربية الذي بدأ مع جمال الدين الافغاني ومحمد عبده، عطفا على مداخلتكم عن غياب الحل العربي لشؤون العالم العربي؟

- بالنسبة الى (الرئيس المصري الراحل جمال) عبد الناصر، من خصائص البعض ان لديه شخصيات قوية، تمثل افكارا، وهذه الشخصيات يكون طابعها انتقاليا. مثلا، يكون خريج الازهر والتدريس الديني، لكنه يتجه في اتجاه تحديثي واصلاحي. هناك كوكبة من هذه الشخصيات، نحن نذكر دائما محمد عبده والافغاني لانهما الابرز، لكن من دون شك كان هناك كوكبة من الشخصيات. لذلك ترى مع هذه الشخصيات ان الكثير من الافكار او المشاريع التي كانت تختمر في حينه، جزء منها تحقق، مثلا مشروع الدولة، المشروع القومي، مشروع كتابة الدساتير، تجد هناك افكارا اشتراكية وافكارا علمية، كلها كانت في مراحل جنينية، بعضها تغير واخذ دوراً، مثلا الفكرة القومية.

انا رأيي ان الجانب الذي بدأ قليلا في عصر النهضة وتم اهماله ثم سقط - وهذه مرحلة كانت حاسمة في الفشل - هي مسألة الثورة العلمية.

> ماذا تعني بذلك؟

- اعني العلوم، هذا الجانب قطع ولم يستمر في داخل الحركة العربية التي تطورت منذ عهد النهضة، وانا اعتقد ان ذلك كان مقتل النهضة، حتى الذين تحدثوا بالاشتراكية

العلمية، كم واحد منهم كان في حقل العلوم... الماركسيون واليساريون، كلهم تراهم يشتغلون بالفن والادب والسياسة، ولا واحد منهم كان لديه اهتمام او حدث ان قرأ بحث علمي ما... اضافة الى الانظمة العسكرية، لان هذه تحتاج الى حد ادنى من التكنولوجيا والتدبير العلمي، لكن حصروها بالمؤسسات العسكرية وبالجيش، لم يسمحوا للعلم ان يتوسع، مثلا، في الوسط الطلابي، او الوسط الجامعي...

> لماذا تتحدث عن فعل القطع باستخدام صيغة المجهول، من قام بهذا القطع لمسيرة التطور العلمي؟

- انا بتصوري... طبعا ليس لدي جواب حاسم، لكن تصوري لان ذلك كان سيصطدم مع الاسلام، خافوا من هذا الموضوع لانهم انطلقوا من مسلمة غير مدققة وغير مدروسة وهي ان الاسلام والعلم صنوان، توأمان، اي ان هذا حق وهذا حق، والحق لا يمكن ان يناقض الحق... انطلقوا من هذه المسلمة. عندما رأوا اين ستصل الافكار العلمية، لم يكملوا مسيرتهم.

> هل تضع اي من اللوم على موضوع النفط، اي ان اكتشاف هذه الثروة الهائلة، هل ساهمت في اجهاض النهضة بتكريسها للموضوع القائم على حساب الحوافز للعمل والبحث والتجديد؟

- انظر، هناك نزعة اننا دوما نبحث عن شيء نلومه، بدلا من ان نلوم النفط، علينا ان نلوم البشر، كيف اتخذ هؤلاء القرارات وتصرفوا مع الثروة الناتجة عن النفط، لا استطيع ان الوم مادة خام، الجواب هو نحن كيف تصرفنا مع النفط ومع المؤسسات.

> تقريبا ما هو التاريخ الذي تضعه لانقطاع النهضة العربية؟

- هناك مراحل، ممكن ان ترى مرحلة المد القومي والناصرية والبعث على انها المراحل المزدهرة وعلى انها امتداد لعصر النهضة، لكن نلاحظ ان هذا الامتداد كان ينقصه، او هو تجنب القضايا المتعلقة بالعلم الحديث... كانوا يحبون ان يأتوا ببعض التكنولوجيا وان يطبقوها، لكن لم يكن هناك اي اكتشافات او ابحاث متمحورة حول الاسس...

> لكن ان اعتبرنا ان الموضوع الديني هو الذي مثل العائق للتطور العلمي في العالم العربي، فعلينا ان نتذكر ان معظم الانظمة خاضت مواجهات مع الفكر الديني والحركات الدينية.

واجهوا الفكر الديني عندما تحداهم سياسيا، لكن على الصعيد الفكري والايديولوجي، لم يواجهوه. دعني اعطيك مثلا، في عز فترة الناصرية، كانت هناك معركة حول اذا ما كانت الارض مستديرة او مسطحة، اذا كانت الارض تدور حول الشمس ام بالعكس، كنت انا يومها في الجامعة الاميركية في بيروت في الستينات عندما ضج هذا النقاش. وكان العالم العربي مقسوماً الى معسكرين، معسكر تقدمي تابع لعبد الناصر، يدافع عن نظرية الارض المستديرة وآخر رجعي يدافع عن نظرية الارض المسطحة. لكن كل النقاش كان خطاباً على طريقة شهرزاد، يتحدثون عن العلم في الاعلام فقط، لم يتناول احد منهم دورية علمية ويقرأها.

ثم جاء بعض علماء مصر الى عبد الناصر، وقالوا له هذا موضوع ولادة القمر والتماسه (من اجل تحديد الرزنامة الاسلامية والاعياد)، نستطيع ان نحدد بدقة مواعيد ولادة القمر من اليوم وحتى الفي سنة مقبلة، وحتى الفي سنة الى الوراء، لكن عبد الناصر لم يجرؤ على سحب هذا الموضوع من علماء الدين في الازهر، وان يحولها الى علماء الفلك. ثم انه حتى في الثمانينات، اصدر رجل دين كبير، كتابا كفر فيه كل واحد يقول ان الارض تدور حول الشمس، لم يجرؤ احد ان يرد عليه في كل العالم العربي...

> كل العالم العربي؟

- كل العالم العربي، طبعا ممكن ان يرد عليه واحد من امثالي، وهذا لا يكفي... المهم، يصعب علي تحديد متى قطعت النهضة العربية، اغلب الظن ان النهضة تلاشت في ما الحركة القومية كما تعرف مشغولة بفلسطين، ولم تعط هذا الجانب اي اهمية، وطبعا ننتظر ان يأتي السوفيات كي يبنوا لنا السد العالي والطائرات...

هذه اسميها بايديولوجيا التسخير، ان سبحان من سخر لنا هذا، يعني سبحان من سخر لنا الاميركان، كي يصنعوا لنا طائرات «بوينغ» نذهب فيها الى الحج، وسبحان من سخر لنا اهل سويسرا كي يصنعوا لنا ساعات جيدة تضبط لنا وقت الصلاة، وسبحان من سخر لنا اليابان لكذا وكذا، ونحن نجلس في علوائنا ولا نصنع شيئا.

> وبناء عليه استطاع التيار المحافظ ان يهزم المد القومي...؟

طبعا لا، لم يهزمه التيار المحافظ، المد القومي انهزم بنفسه، امام اسرائيل اساسا، ثم نشأ الفراغ الكامل، فالمد القومي - اي المرحلة الناصرية منه - لم تستنفذ نفسها رويدا رويدا، او ببطء، بل حدث ذلك بطريقة فجائية، كل من هم من جيلي عاشوا كيف حدث ذلك في العام 1967، فراغ كلي، وانا كنت احد الاوائل ممن احسوا ان الدين هو الذي سيملأ الفراغ.

> برأيك، هل يستطيع الفكر الديني ان يملأ هذا الفراغ بمفرده، مثلا هناك ابحاث تشير الى ان صدام حسين اثر هزيمته في العام 1991، لم يلجأ الى شعار الدين فقط، وانما قام بتغذية العصبيات القبلية لمصلحته؟

- صحيح، لكن هذا بدأ بعد العام 1967 وانهيار المشروع الشعبوي القومي والاشتراكية العربية. مع استمرار التدهور، لم يتوقف الموضوع على الديني فقط، بل اصبحنا في الطائفي، والقبلي، والجهوي، والعائلي...

> هل تقصد الاتجاه الى المقاومة الفلسطينية المسلحة بعد انهيار مشروع عبد الناصر القومي بعد هزيمة العام 1967؟ - اليوم نرى ان مشروع المقاومة المسلحة هو وهم، لكن في حينه، اردنا ان نتعلق بحبال الهواء، على حد قول المثل الشعبي، اعتقدنا انها قد تكون البديل وتنقذ المشروع القومي، لكن المقاومة الفلسطينية هي فرع من مشروع التحرر العربي، ومثلما انهار المشروع، انهار الفرع...

> لقد شخصنا الوضع العربي الحالي وكيف وصلنا الى هنا، لكن برأيك الى اين نذهب من هنا؟

- برأيي بعد الثورة الاسلامية في ايران في العام 1979، انقسم اليسار، القسم الاكبر من اليساريين تراجع الى خط الدفاع الثاني، وهذا اخذ شكل الدفاع عن حقوق الانسان، والدفاع عن الحريات، والدفاع عن شيء من الديموقراطية، واهم شيء العمل على رفع قوانين حال الطوارئ والمحاكم الاستثنائية. اما القسم الاصغر من اليساريين، فالتزم الكفاح ضد الامبريالية، والذي يقوده اليوم الاسلاميون، مثل حركة «حماس» و«حزب الله» و«القاعدة»، وانا توقعي ان لا مستقبل لهذه الحركات. اسلوبها وتكتيكاتها في العمل تهمل كليا كل الدروس التي استخلصت من حركات التحرر المسلحة الناجحة في القرن العشرين، مثل حرب التحرير الجزائرية.

هناك قاعدة اساسية في حروب التحرير، انه عليك ألا تهاجم شعبك. اما الحركات الاسلامية الحالية، فلا تبالي، فنراها تهاجم شعوبها على اساس، ان هذا كافر وذاك خائن.

هناك قاعدة ثانية، هي ان تحاول ان تخلق جبهة وطنية او وحدة وطنية، على الاقل موقتا حتى تدحر المحتل، مثلا في العراق، بدلا من مواجهة المحتل، شن العراقيون الحرب على بعضهم البعض. لقد نسيت الحركات الحالية هذه القواعد والتصقت بايديولوجيات طائفية ضيقة.

> لو طبقنا هذه القواعد على الموضوع اللبناني مثلا. لا نريد الدفاع عن تحالف «14 مارس»، لكن يبدو لنا انه هو الذي يطالب بحقوق الانسان والعدالة وتطبيق قواعد الديموقراطية، في مقابل ما تعتبره المشروع اليساري الاخر، اي اولوية تحرير ارض ما، وممكن «دعوسة» الفئة التي لا تمشي في مشروع التحرير. ما هي رؤيتك للموضوع اللبناني؟

- انا رؤيتي ان هناك نية لدى تحالف 14 مارس، لتطبيق المبدأ الديموقراطي العام القائل بان الاكثرية تحكم والاقلية تعارض، فيما تتم المحافظة على حقوق الاقلية البرلمانية لجهة حرية التعبير... هناك نية لاسكات هكذا مشروع في لبنان، واعتقد ان المعارضة الاسلامية في لبنان، ان شيعية او سنية، ان تولت الحكم، الديموقراطية لديها هي حكم الاكثرية، ولا تتفوه باي كلمة عن حقوق الاقلية.

لو طبقنا هذا على المعارضة الاسلامية في سورية، نراها تطالب بالديموقراطية، لان 65 في المئة من السوريين هم من السنة، اما اذا اجرينا انتخابات وفازوا فيها وحكموا، فلا تعهدات بان الاقلية ستكون حقوقها محفوظة او انه سيسنح لها ان ترتب امورها كي تعود الى الحكم في انتخابات مقبلة كاكثرية جديدة، كل هذا تتركه المعارضات الاسلامية غامضا.

> لكن هناك شيء آخر تقوله المعارضة الاسلامية في لبنان، ان موضوع المقاومة يتصدر كل المواضيع الاخرى، كالديموقراطية وتنفيذ القرارات الدولية؟

- برأيي، هذه ذريعة قديمة تقدمها الاقلية الاسلامية في لبنان، اي ان باسم مواجهة اسرائيل والمقاومة، سنقوم بتعليق كل شيء، نعلق الديموقراطية، وقضية المرأة، والعدالة الاجتماعية، حتى يتسنى لنا ان نحرر فلسطين اولا. اعتقد ان هذه الذريعة تم استنفادها، وانتهت.

انا اعتقد انه طالما ان «حماس»، هي تنظيم سني صافٍ، وطالما ان «حزب الله» هو تنظيم شيعي صافٍ، لا يمكن ان يرقى اي منهما الى مستوى حركات تحرر، مهما حملوا السلاح وطقطقوا به، من دون المشروع الديموقراطي، وانا اتحدث عن شيء منه على الاقل، لا مستقبل لهذه الحركات...

في اي بلد لبنان او سورية، لو تم تحسين الديموقراطية بنسبة 20 او 30 في المئة، تكون قفزة هائلة. > في الموضوع السوري، نود الاستماع لرأيكم؟

- اهم شيء قد يحصل في سورية، هو رفع الاحكام العرفية والعودة الى حكم القانون العادي. حتى لو تم رفع قانون الطوارئ بحدود 40 في المئة، نكون حققنا قفزة هائلة.

> سمعناك خلال اعمال المؤتمر السنوي لـ «جمعية دراسات الشرق الاوسط»، تتحدث عن اهمية «اعلان دمشق»، هل هذا جزء من مشروع تحسين سورية؟

- طبعا، اعلان 1999، اهم ما جاء فيه، هو رفع الاحكام العرفية، لان المطالب الاخرى من ضمنها، مثلا استقلالية القضاء، لا نطلب استقلالا تماما، لكن 40 في المئة تكون قفزة كبيرة، وكذلك ممكن بعض الاصلاحات في هذه الحالة.

> من تجارب الدول العربية المختلفة، هل تعتقد ان ايا منها افضل من الاخرى؟ - اذا تريدني ان اعطيك جوابا شخصيا، انا ارتاح في لبنان، مثلا معظم كتبي ممنوعة في العالم العربي، المكان الوحيد غير الممنوعة فيه هو لبنان، المكان الوحيد حيث النقاشات الجدية والطروحات والردود هو لبنان. هذا جواب شخصي وليس موضوعيا، لاني انا ابن دمشق وبيروت في الوقت نفسه. بيروت كانت دائما النافذة التي استطعنا من خلالها ان نقول شيئا او ان نقدم شيئا رغم الحرب، الى هذا اليوم، ما زالت بيروت الافضل بالنسبة الى مثقف مثلي يحب الاطلاع، وفيها مكتبات جيدة.

كتبي مسموحة في لبنان فقط، وباحكام قضائية، منعوا احدها (نقد الفكر الديني) في العام 1970 وادخلوني السجن، لكن يومها كانت الجبهة العلمانية، قوية، جاءت الاحزاب والاطباء والمحامون ودافعوا عني، لم يتبنوا الكتاب بالضرورة، لكنهم دافعوا عن مبدأ حرية التعبير. محامون تطوعوا للدفاع عن كتابي، قد تعرفون منهم، ادمون رباط وعبدالله لحود وباسم الجسر، كلهم جاءوا من تلقاء انفسهم... والقاضي، من عائلة آل بارودي، كانت لديه الشجاعة لرفض القضية.

> برأيك، لو صدر كتابك نفسه اليوم، هل كان من الممكن ان تفوز في معركة حرية الرأي؟

- اعوذ بالله، اليوم غير ممكن ان تنعاد معركة الحرية، اليوم نرى تراجعا، في وقتها، حصل نقاش واسع جدا في العالم العربي حول موضوع الكتاب، كما تعلم الكتاب هو 250 صفحة، لكن هناك اكثر من 1500 صفحة كتبت كردود، وكل كتب الردود تم طبعها في لبنان.

اليوم، لا يمكن ان يحصل هذا الشيء، بل من الممكن ان يعمد معارضوك الى قتلك بالرصاص.

> يعني حتى لبنان تراجعت فيه الحريات؟

- صحيح.

> اعود الى الخليج، كثيرون يعتبرون دبي تجربة اقتصادية ناجحة، او ان ديموقراطية الكويت تجربة ايجابية. ما رأيكم في ذلك؟

- مقاييسي تتعلق بالثقافة، قد تكون دبي ملائمة لاهل الاعمال، لكنها ليست لي.

> ماذا عن ديموقراطية الكويت؟

- عن الديموقراطية الكويتية، ليس لدي تجربة شخصية. انا اقرأ اناسا يؤيدونها وآخرين يعارضونها. برأيي الشخصي، شعرت بالاعتزاز الكبير عندما علمت انه تم انتخاب اربع نساء الى البرلمان الكويتي، رغم المقاومة الشديدة في وجههم. وهذا شيء مهم جدا. انه اهم من لو جاء (رئيس مصر) حسني مبارك ووضع خمس نساء في البرلمان المصري. لكن هل تشكل التجربة الكويتية نموذجا ديموقراطيا في المنطقة؟ - برأيي انها تحتاج الى عناصر كثيرة اخرى. النموذج الديموقراطي اليوم هو في تركيا. حتى «الاخوان المسلمين»، ليس الجهاديون، يسألون انفسهم اليوم: كل حياتنا نكره تركيا بسبب العلمانية والكمالية والغرب واسرائيل، لكن انظر اليوم الى اين وصل الاسلام السياسي في تركيا، وانظر الى اسلامنا السياسي في العالم العربي.

برأيي انه بمجرد ان وصل حزب اسلامي الى الحكم في تركيا من دون كارثة، على عكس ما حصل في الجزائر او ما يرجونه «الاخوان» في سورية، فهذه تجربة تستأهل الاهتمام.

الاسلاميون العرب انفسهم واليساريون بدأوا ينظرون الى تركيا ويسألون انفسهم: اين يوجد دستور او حريات او برلمان يمكننا التعويل عليها.

تذكر انه ابان الحرب على العراق، وقف البرلمان التركي في وجه استخدام اميركا لقواعد تركيا الجوية، ولم تجرؤ اميركا فرض رأيها على تركيا لانها تعلم ان هذا قرار برلمان وكلمة الاكثرية الشعبية.

هل لدينا اليوم رئيس عربي لديه برلمان منتخب وصاحب سيادة يستطيع ان يحيل اليه اي املاءات اميركية لرفضها من دون ان يضحك عليه الاميركيون؟


Since December 2008