الأحد، 30 أبريل 2017

صفقة بوتين - ترامب في سورية... لم تنضج بعد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تدخل إسرائيلي أقنع واشنطن بأن طهران الأخطر في «محور الشر» الجديد الذي يجمعها مع الأسد وكوريا الشماليةفي وقت بدأ فريق السياسة الخارجية المحيط بالرئيس دونالد ترامب يبدي انسجاماً وتناسقاً بين أعضائه، خصوصاً بين وزيري الخارجية والدفاع ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، فوّض ترامب أحد أكثر المواضيع حساسية في السياسة الاميركية لوزارة الدفاع (البنتاغون)، مع تسليمه للجنرالات مسؤولية تحديد عدد القوات البرية المطلوب انخراطها في الحربين العراقية والسورية.

وكانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وضعت نظاماً لتحديد عديد القوات عن طريق جلسات استشارية بين الوكالات الحكومية المعنية، على أن تلتزم «البنتاغون» بالعدد الذي يتم الاتفاق عليه، قبل أن يصار الى إعلانه للرأي العام الاميركي.

ويبلغ عدد الجنود الاميركيين المشاركين في الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) قرابة 6 آلاف في العراق، ونحو ألف في سورية. وستقوم وزارة الدفاع بالإعلان عن الوحدات والكتائب التي يتم نشرها في العراق أو سورية، من دون تحديد عدد القوات في كل وحدة أو كتيبة يتم نشرها، في خطوة محفوفة بالمخاطر السياسية في ظل إمكانية قيام المعارضين باتهام الادارة بتكتمها وعدم تمسكها بالشفافية المطلوبة، خصوصاً في أمر يتعلق بحياة أميركيين.

ويواجه ترامب مشكلة في تحديد شكل سياسته الخارجية، حيث يقول المسؤولون في إدارته إنهم يواجهون «محور الشر» بحلته الجديدة، وهو بات مكوناً من كوريا الشمالية وإيران والرئيس السوري بشار الأسد، بعدما كان في الماضي يتألف من كوريا الشمالية وإيران والعراق.

ويعتقد المسؤولون في الحكومة الاميركية انهم قد يجدون أنفسهم أمام مهمة اختيار توجيه ضربة لواحدة من دول «محور الشر» المذكور لتذكير الاخرى بقدرات أميركا وعزمها. وبعدما كان الاتجاه يقضي بضرب قوات الأسد والمساهمة في إخراجه من الحكم، يبدو ان تدخلاً إسرائيلياً نجح في إقناع واشنطن بأن إيران هي الأخطر بين الثلاثة، تليها كوريا الشمالية، وان الأفضل من إخراج الأسد من الحكم في سورية، هو إخراج الميليشيات الموالية لايران منها.

وفي هذا السياق، دأب المسؤولون الاسرائيليون على محاولة تشكيل تحالف سياسي عسكري يجمعهم مع اميركا وروسيا ودول عربية من أجل إجبار ايران على الخروج من سورية، لكن غالبية الدول العربية المعنية ترى في خروج الأسد اولوية، ولا تفصل بينه وبين إيران، على عكس اسرائيل.

أما روسيا، فيجمع المسؤولون الاميركيون على أن دورها في سورية في تراجع، وأنها في مرحلة «تعزيز مكتساباتها»، بما في ذلك تحصين قاعدتيها العسكريتين في حميميم وطرطوس. ويردد المسؤولون الاميركيون، نقلاً عن نظرائهم الاسرائيليين، ان روسيا موافقة على المساهمة في إخراج ايران وتولي دور «الراعي» في سورية بدلا منها، لكن خروج إيران يعني حُكماً بقاء الأسد برعاية روسية.

هذه الرعاية الروسية يفترض أنها تقلق الاميركيين، لكن غالبية المسؤولين في واشنطن لا يرون في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديداً استراتيجياً. ويلفت هؤلاء الى انه في الأزمة بين العالم وكوريا الشمالية، انخرطت واشنطن في عملية تنسيق مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية، من دون روسيا، على الرغم من أن قرب روسيا جغرافيا من شبه الجزيرة الكورية، وهو ما يدل على أن روسيا ليست في صلب الشؤون العالمية كما تخال نفسها.

ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان بوتين ربما بدأ يرى أن مواقفه الدولية لم تعد تحقق له التأييد المطلوب داخلياً، وان الاستياء الروسي الداخلي صار واضحاً، كما بدا جلياً في تظاهرة موسكو الاخيرة وفي عدد من التظاهرات الاصغر حجماً، التي صارت تتكرر بوتيرة أسرع في الارياف الروسية.

وترى واشنطن أن بوتين في وضع يدفعه الى محاولة مبادلة ما جناه دولياً برفع العقوبات الدولية المفروضة عليه، والتي صارت تضغط على عامة الروس وتهز زعامة بوتين.

لكن الرئيس الروسي يحاول الخوض في مبادلات في الشؤون الخارجية مع الغرب، خصوصاً في سورية، مع إصراره على الابقاء على شبه جزيرة القرم تحت سيادة روسيا، وهو اصرار يعتقد الاميركيون انه سيمنع التوصل الى أي اتفاق روسي - غربي، سواء في سورية أو في أي مكان آخر، على الرغم من كل محاولات الاسرائيليين، وهو ما يعطي إيران أملاً، إذ إنه طالما بقي الخلاف بين روسيا والعواصم الغربية، يبقى بوتين بحاجة لإيران، وتبقى وعوده لإسرائيل بالمساهمة في طرد إيران من سورية وعوداً سياسية لا قيمة لها على الأرض.

حرب خشب وحليب بين أميركا وكندا


اندلعت فجأة حرب تجارية بين الولايات المتحدة وثاني أكبر شريك تجاري لها في العالم، جارتها الشمالية كندا. واتهمت وزارة التجارة الأميركية الحكومة الكندية بدعم قطاع الأخشاب، التي يصدّرها الكنديون إلى جارتهم الجنوبية. كما اتهم المزارعون الأميركيون شركات الحليب الكندية بفرض تعريفات حمائية، أخرجت بائعي الحليب الأميركيين من السوق الكندية لمصلحة منافسيهم الكنديين.

وفي وقت حاول الرئيس دونالد ترامب، الذي بنى برنامجه الانتخابي حول إعادة الحمائية الجمركية للقطاعات الأميركية، الإفادة سياسياً من الحرب المندلعة، أشار الخبراء إلى أن «حرب الخشب» بين البلدين الجارين تعود إلى عام 1982 على الأقل وتجددت عام 2002، قبل أن يتوصل البلدان برعاية منظمة التجارة الدولية إلى اتفاق قضى بإعادة أميركا 4 بلايين دولار من أصل من 5 بلايين، كانت جنتها من التعريفات الجمركية على وارداتها من الأخشاب الكندية. فيما وعد الكنديون بتحديد سقف صادراتهم سنوياً إلى أميركا بـ 5 بلايين دولار. ووقّع الطرفان اتفاقاً لتجارة الخشب بينهما مدتها 10 سنوات عام 2006، وانتهت صلاحية الاتفاق في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين أميركا وكندا 545 بليون دولار العام الماضي، مع عجز تجاري في الجانب الأميركي بلغ 11 بليون دولار، وهو رقم يبدو ضئيلاً مقارنة بالعجز الأميركي مع الصين، الذي بلغ 374 بليون دولار للفترة ذاتها. وبلغ العجز التجاري الأميركي نصف تريليون دولار عام 2016، مع صادرات أميركية قيمتها 2.2 تريليون دولار، وواردات بلغت 2.7 تريليون.



انتهاء صلاحية الاتفاق

والخلاف على الخشب مع كندا عاد إلى الواجهة مع انتهاء صلاحية الاتفاق بينهما، ما حدا بقطاع الأخشاب الأميركي إلى تكرار الشكوى القديمة ذاتها في حق الكنديين. ويدعي الأميركيون أن الأشجار التي يستخلص منها الكنديون الأخشاب تقع على أراضٍ تملكها حكومات كندا والمقاطعات المحلية، التي تبيع الأخشاب إلى القطاع في مقابل رسوم ثابتة، ومن دون مناقصات علنية تتماشى مع سعر السوق، على عكس الولايات المتحدة، حيث تحدد السوق سعر الأخشاب.

وتحت هذه الذريعة، أعلن الأميركيون أن كندا تدعم قطاعها للأخشاب، فيما أكد وزير التجارة الأميركي ويلبور روس نيته فرض رسوم «تصحيح جمركي»، وهو مصطلح يستخدمه الأميركيون «لتصحيح المنافسة» بين الواردات والقطاعات المحلية.

وقال روس إن وزارته «تنوي فرض رسم جمركي بنسبة 24 في المئة على الواردات الخشبية من كندا، ما يدرّ على الحكومة الأميركية عائدات تُقدر ببليون دولار سنوياً، ما يساهم في مزيد من تقليص العجز التجاري بين البلدين.

وكان العجز التجاري الأميركي مع كندا تراجع من 34 بليون دولار عام 2014 إلى 15 بليوناً عام 2015 ، و11 بليوناً العام الماضي. فيما يُعزى تراجع العجز الأميركي مع كندا إلى زيادة الإنتاج الأميركي من الطاقة بسبب استخراج تلك الأحفورية. وتمثل الولايات المتحدة سوقاً لمئة في المئة من صادرات الطاقة الكندية.

ويمثل التشابك الاقتصادي بين البلدين أحجية يصعب فكّها من أجل الحمايات الجمركية، إذ يشتري شمال جنوب كندا مثلاً الكهرباء من المعامل الأميركية عبر الحدود، لأن كلفتها أدنى من استجرارها من شرق كندا. وتؤمن التجارة الأميركية مع كندا 8 ملايين فرصة عمل للأميركيين.



فرصة سانحة

لكن إدارة ترامب رأت فرصة سانحة في استعادة الحرب الخشبية بل ذهب ترامب أبعد من ذلك، إذ أبلغت إدارته إلى الكونغرس إصدارها أمراً يقضي ببدء مراسم الانسحاب من اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، الذي يجمع أميركا وكندا والمكسيك، وسط معارضة شرسة من أركان الحزب الجمهوري في الكونغرس وهيئات اقتصادية أميركية فاعلة، محسوبة على الحزب الجمهوري مثل غرفة التجارة الأميركية. وما لبثت إدارة ترامب أن تراجعت عن الأمر مستبدلة به أمراً بإعادة التفاوض على الاتفاق، مستجيبة لطلبين رسميين من جارتيها.

وفي وقت لاحق، انضم قطاع الحليب والزراعة إلى معارضي نية ترامب الخروج من «نافتا»، إذ قال ممثلو القطاع إنهم نجحوا في تسويق صادراتهم في المكسيك منذ خروجهم من السوق الكندية، حيث فازوا بعقود بديلة، مشيرين إلى أن من شأن الخروج من الاتفاق التسبب بكساد لقطاع الحليب الأميركي. واعتبر ممثلو المزارعين الأميركيين أن المكسيك تمثل واحدة من أكبر أسواقهم حول العالم، وأن خروج بلادهم من الاتفاق يقفلها في وجه منتجاتهم ويدفعها إلى الكساد.

ووسط الاعتراض السياسي والاقتصادي على تصريحات البيت الأبيض لناحية الانسحاب من «نافتا»، سارع مسؤولو الإدارة الأميركية إلى محاولة طمأنة أوساط محازبيهم ومؤيديهم من معارضي الانسحاب من الاتفاق، مؤكدين أن إعلان الانسحاب هو من باب المناورة فقط، وما تسعى إليه واشنطن فعلياً هو إعادة صوغ بعض بنود الاتفاق، الذي صودق عليه عام 1994.

وأعلن البيت الأبيض للمحازبين أن التصعيد الذي يشنه في وجه كندا وقريباً المكسيك، يهدف إلى تحسين الموقف الأميركي خلال التفاوض، والحصول على بنود أفضل في الاتفاق الجديد بصيغته المعدلة.

لكن وإلى أن يجتمع الشركاء التجاريون الثلاثة حول طاولة المفاوضات، ستستمر الحرب الكلامية والإعلامية بين حكوماتهم، وستستمر حرب «الخشب والحليب» المندلعة حالياً بين الولايات المتحدة وكندا.

الجمعة، 28 أبريل 2017

إسرائيليون في سوق الحميدية

حسين عبد الحسين

لطالما استندت السياسة الخارجية لآل الأسد في سوريا الى التأرجح بين الموقف ونقيضه، وهوأسلوب قديم ومعروف، وغالبا ما تلجأ اليه القوى ذات الامكانيات المتواضعة لتحسين موقعها.
ولا شك ان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أبدع في استخدامه سياسة“المشي على السور”، حسب التسمية الانكليزية، فهو إبتز الايرانيين في ذروة هجومهم العسكري تجاه البصرة العراقية في الثمانينات، واجبرهم على إستجدائه للوقوف في صفهم، ولم يساندهم سياسيا قبل ان يأمر قواته باجتياح “ثكنة فتح الله” التابعة لحزب الله في بيروت، حيث قامت قواته بتصفية عدد من مقاتلي الحزب. بعد ذلك الهجوم، أكد الأسد ان لبنان حصته، وان ايران و”حزب الله” لا يتصرفون فيه الا بإذنه، وهو ترتيب دام حتى اطاح به خلف حافظ، نجله بشار، مع حلول العام 2005.
حاول بشار الأسد تكرار نموذج والده، فقامت اجهزة استخباراته بتوجيه ودعم الانتحاريين، وتسهيل دخولهم العراق عبر الحدود السورية، حيث نفذوا عمليات راح ضحيتها ابرياء عراقيين كثيرين، وبعض الاميركيين. لم يكن هدف الأسد قتل عراقيين، على الرغم من ان رئيس حكومةالعراق السابق نوري المالكي — صديق الأسد اليوم — طالب الأمم المتحدة وقتذاك بمحاكمة الأسد بتهم دعم الارهاب. كان هدف الأسد في خلق الارهاب ودعمه ان يجبر الاميركيين على زيارة دمشق ليستجدونه التعاون ضد الارهاب.
وعلى شاكلة المثالين اعلاه، من حافظ وبشار، سعى الأب وابنه دائما الى إقامة تحالف مع الايرانيين، لكنه لم يكن يوماً تحالفاً صادقاً، بل كان مجرد نكاية بالعرب والاميركيين، ووسيلة لاجبارهم على ارضاء حاكم دمشق، مالياً وسياسياً.
لكن بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011 وقرار الأسد القضاء عسكريا عليها، وفشله في ذلك نظرا لتواضع امكانياته، لجأ الأسد الى تحالفه المزعوم مع الايرانيين. وهب الايرانيون لانقاذه،لكنهم — على غرار الأسد — لم يفعلوا ذلك حباً به، بل هم رأوا فرصة لتحويله الى صورة يحركونها هم، ويقفون خلفها، ويمسكون فعليا بسوريا، خصوصا في المحافظات الجنوبية المحاذية للاراضي السورية التي تحتلها اسرائيل. وايران لا تسعى للسيطرة على الأرض السورية كمنفذ للقضاء على اسرائيل، وانما لاستخدامها — على غرار الأسد الاب والابن — لابتزاز الاسرائيليين، ومن خلفهم اميركا وباقي القوى العالمية.
على انه بين ايران والأسد، تفضّل اسرائيل ان يمسك الأسد بالارض السورية، وهي سياسة كانت متعذرة في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، صديق ايران وصاحب العلاقة المتوترة مع الاسرائيليين. لكن مع وصول دونالد ترامب الى الحكم، راحت اسرائيل تبني جبهة عالمية لاقصاء ايران ومليشياتها، على الأقل عن الجنوب السوري. لكن الاقصاء يتطلب البديل، وهو ما يجبر اسرائيل — لا على القبول فحسب بالأسد صاحب السمعة الدولية الملطخة- وانما دعم الأسد.
هذه التغييرات الدولية تعني ان نجاة الأسد تحتّم تخليه عن ايران، واقترابه من اسرائيل قدر الامكان.في العقد الماضي، اقترب الأسد من الاسرائيليين عن طريق السوريين الاميركيين، وخصوصا اليهود منهم، ونجح ذلك فعلا في حمل اسرائيل على كسر العزلة الدولية التي كانت مفروضة على الأسد. هذه المرة، لا يكفي السوريين الاميركيين او اليهود الاميركيين للقيام بالدور، بل المطلوب هواقتراب أكبر من اسرائيل نفسها.
هكذا، فتح الأسد ابواب المناطق التي تسيطر عليها قواته لزوار اسرائيليين، وقام هؤلاء بجولات ميدانية في حلب وحمص ودمشق، وزاروا سوق الحميدية التاريخي في العاصمة السورية،وربما دوّن بعضهم ملاحظاتهم حول اماكن انتشار قوات الأسد في عموم البلاد، وأماكن انتشار مقاتلي حلفائه، حتى تعرف اسرائيل صديقها من عدوها في حال تطورت الامور وتطلبت تدخلاًعسكرياً اوسع.
وهكذا، صارت ايران في سباق مع الزمن لتثبيت وجودها داخل سوريا بغض النظر عن الأسد، وهوما لفت اليه الصديق والزميل مهند الحاج علي في مقالته في "المدن" مطلع هذا الاسبوع، حول بوادر قيام“حزب الله” سوري بزعامة رجل الدين محمد علي المسكي.
قد يفترق الأسد عن ايران لانقاذ نفسه، وقد تمنحه ايران مساحة للمناورة — على غرار المرّات السابقة — وتتفهم ضرورة تقربه من الاسرائيليين للخروج من مأزقه، على اعتبار انه بعد كل خروج، ما يلبث الأسد ان يلتف ويعود الى التأرجح، فيقترب من الايرانيين مرّة ثانية ويحمي ظهيرهم بحمايته جزءاً إستراتيجياً من خط طهران بيروت. لكن هذه المرة، يبدو هامش المناورة لدى الأسد ضيقا جدا، وهو ما يجبره على الذهاب في تأرجحاته الى اماكن كان الاقتراب منها، حتى الماضي القريب، بمثابة خيانة موصوفة لدى “محور الممانعة” المزعوم.

هل ضرب الأسد «حزب الله» في القنيطرة؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تحول قصف منطقة نبع الفوار في محافظة القنيطرة، جنوب سورية، الأحد الماضي، إلى أحجية. أوساط نظام الرئيس السوري بشار الأسد أعلنت في البداية أن الموقع تعرض لغارة إسرائيلية، وهو ما نفته تل أبيب بإصرار. في وقت لاحق، عدّل النظام روايته، وذكر أن القصف ربما جاء عن طريق صواريخ أطلقتها إسرائيل من هضبة الجولان السورية التي تحتلها، لكن لم يسبق للقوات الاسرائيلية أن لجأت الى أي قصف أرضي من هذا النوع داخل سورية، بل لطالما استخدمت مقاتلاتها لهذا الغرض.

وفي ظل النفي الاسرائيلي، أكدت مصادر أميركية مطلعة أن «إسرائيل لم تقصف (معسكر) نبع الفوار»، ورجحت أن تكون قوات الأسد هي التي استهدفت الموقع بعد خلاف مع حلفائها، خصوصاً «حزب الله» اللبناني.

ولفتت المصادر إلى أن «التوتر بين قوات الأسد وحليفها (حزب الله) يعود إلى الأيام الاولى لتدخل الحزب اللبناني في الحرب السورية، إلا أن الخلافات بقيت محدودة، وقد تكون في طريقها الى السخونة مع التغييرات الجارية في الظروف الدولية».

ولم تنف المصادر الأميركية احتمال أن تكون قوات الأسد، أو القوات المتحالفة معها، قصفت الموقع عن طريق الخطأ.

وتتزامن التلميحات الاميركية الى إمكانية وقوع خلاف بين الأسد و«حزب الله» (بقيادة أمينه العام السيد حسن نصرالله) مع تصريحات نقلها كبار ضباط الجيش الاسرائيلي، عن نظراء روس، مفادها أن موسكو في طريقها لإتمام تسلمها من ايران دور القوة المهيمنة في سورية.

وفي هذا السياق، كتب ايال زيسر، في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنه وفقاً لكبار الضباط الروس فإن «روسيا في طريقها كي تحتل مكان ايران كقوة مهيمنة في سورية»، وان «كل ما يحصل في سورية الآن يجري وفقاً لرغبات واملاءات» الروس. لكن زيسر حذّر من الركون الى أقوال الروس، واعتبر انه ما زال من المبكر رثاء الدور الايراني في سورية، إذ إن روسيا تمسك الأسد، «لكنها تحتاج الى الإيرانيين من اجل ابقائه في الحكم، وإعادة تثبيت حكمه فوق مناطق واسعة في سورية».

ومنذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض خلفاً لباراك أوباما، تبدلت السياسة الاميركية جذرياً تجاه ايران: من سياسة صداقة وتنسيق في الحرب ضد تنظيم «داعش»، فضلاً عن منع واشنطن تسليح المعارضة السورية وهو ما صب في نفس اتجاه بقاء الأسد في الحكم الذي تعمل من أجله طهران، إلى سياسة أميركية معادية تماماً لايران.

وصارت إدارة ترامب تعتبر أن الجمهورية الاسلامية أحد أبرز الأخطار التي يجب على الولايات المتحدة مواجهتها بسرعة وبقوة.

وبسبب تبدل الموقف الاميركي من ايران، يبدو أن إسرائيل رأت الفرصة سانحة في محاولة تقديم يد العون للروس لطرد الايرانيين وميليشياتهم من سورية. وفي هذا السياق تأتي التصريحات الروسية الى الاسرائيليين بشأن تقدم الروس على الايرانيين في سورية.

ويأتي في صدارة أولويات اسرائيل طرد «حزب الله» اللبناني من الجنوب السوري. ولطالما استخدم الاسرائيليون مقاتلاتهم لقصف أهداف الحزب. لذا، تقول المصادر الاميركية ان «إسرائيل حريصة على إضعاف حلفاء ايران فقط في الجنوب السوري، مع الابقاء على قوات الأسد، وحتى تقديم يد العون لها، ربما بطريقة غير مباشرة، عن طريق الروس». وينقل الاميركيون عن الاسرائيليين تأكيدهم أن تل ابيب تدرس إمكانية السماح لموسكو بالتحليق في الجنوب السوري للمساهمة في تكريس سيطرة الأسد من دون «حزب الله».

ويبدو أن نوعاً من التنسيق بدأ فعلياً بين الأسد والاسرائيليين، تمثل بفتح دمشق أبوابها لعدد من الاسرائيليين، الذين زاروا سورية، وأجروا جولات ميدانية، وربما دونوا ملاحظاتهم بشأن نقاط تواجد قوات النظام وتلك التابعة للميليشيات الايرانية. والتقت الوفود الاسرائيلية، التي حمل أعضاؤها جوازات غربية، مسؤولين سوريين، وأشرف على زيارتهم الوزير السوري علي حيدر.

في المحصلة، يبدو أن إسرائيل وروسيا وأميركا وصلت إلى توافق بشأن ضرورة طرد الميليشيات الموالية لايران من الجنوب السوري، وهو أمر يحتاج إلى قوة عسكرية لأنه يستحيل أن يسحب الايرانيون ميليشياتهم من جنوب سورية ما لم يتم إجبارهم على ذلك. لكن كيف يمكن لعناصر قوات الأسد و«حزب الله»، الذين يقاتلون جنباً الى جنب ضد المعارضين، أن يخوضوا معارك في نفس الوقت في ما بينهم؟ ربما الاجابة تشوبها الكثير من السوريالية التي تلف الحرب السورية منذ الأسابيع الاولى لاندلاعها قبل نحو ست سنوات.

الاثنين، 24 أبريل 2017

حرب الآخرين في سوريا

حسين عبدالحسين

بعدما فقدت إسرائيل الأمل من نجاح التدخل العسكري الروسي في نقل الرئيس السوري بشار الأسد من تابع لطهران إلى تابع لموسكو، وبعدما انتقلت الإدارة الأميركية من موقع حليف للإيرانيين إلى خصم لهم، لم يبق أمام الإسرائيليين إلا أقناع واشنطن بأن كل الدماء التي تسيل في سوريا لا أهمية استراتيجية لها، وأن المصلحة الوحيدة الإسرائيلية، أي الأميركية، في سوريا، تقضي بالقضاء على النفوذ الإيراني هناك. ثم لا بأس من تسليم البلاد للأسد، الذي أصبح متهالكاً إلى درجة تجعل منه قوياً كفاية ليكون شرطياً يضبط أمنه الداخلي، وضعيفاً كفاية لا يهدد أمن اسرائيل، على غرار سيناريو الضفة الغربية.

هذا ما يعني أن من وجهة نظر واشنطن، كل ما يجري في سوريا هو ضوضاء فحسب، وأن لا سياسة أميركية جديدة للتخلص من الأسد أو التوصل إلى تسوية سياسية، حسب ما أعلن المسؤولون الأميركيون في الأسابيع القليلة الماضية، بل إن الهمّ الأميركي الوحيد صار إغراق الميليشيات الموالية لإيران، وربما إغراق النظام الإيراني بأكمله إن أمكن.

ولأن الإدارة الأميركية لم تعد صديقة لإيران، كما في الماضي القريب، عمدت واشنطن إلى رفع الحظر عن تسليح المعارضين السوريين، مع الإبقاء على تأكيد عدم تسلمهم أي سلاح نوعي يمكنه أن يهدد الإسرائيلييين. ومن دون السلاح النوعي، لا يمكن للمعارضة إسقاط الأسد في دمشق، ولكن يمكنها إيقاع خسائر كبيرة في صفوف قواته وقوات حلفائه، ودفعه إلى التراجع في مناطق متعددة، وهو ما بدا جلياً في معارك الكر والفر التي بدأها المعارضون في درعا وحماة.

لكن على الرغم من تحسن وضع المعارضة العسكري، وتهريب الأسد مقاتلاته إلى قواعد الروس الجوية، وملل الروس من الانخراط في حرب لا يبدو أنها ستحقق لموسكو أكثر مما حققت، لن تتكمن المعارضة من الحسم، ولن يتمكن الأسد من ذلك، بل إن الأسد سيضطر إلى الاستعانة بمزيد من حلفائه الإيرانيين، كما يحصل في درعا، لإنقاذ قواته من ورطات وهزائم محققة لولا تدخل الميليشيات الإيرانية.

ربما تسعد الإسرائيليين مشاهد الكر والفر وانشغال إيران وميليشياتها بحرب لا نهاية لها ضد المعارضة السورية، وهو ما يذكّر بما يردده أصدقاء إسرائيل في واشنطن، نقلاً عن لسان وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، الذي قال عن الحرب العراقية الإيرانية، في ثمانينات القرن الماضي، إنها حرب كان يتمنى أن يخسر فيها الطرفان.

والأرجح أن الإيرانيين تلقفوا الرسالة الأميركية الإسرائيلية حول سوريا، فأطلّ مسؤولو "حزب الله" على حدود إسرائيل مع لبنان، ربما لتذكير تل أبيب أن طهران لا تغرق بسهولة، وأن على الإسرائيليين التفكير بمقدرة "حزب الله" على إلحاق الأذى بإسرائيل دفاعاً عن إيران ومصالحها.

هكذا، تتحول الحرب السورية التي يشنها نظام الأسد على معارضيه إلى حرب عبثية على هامش الصراع الإقليمي الدولي، فيما يعتقد الأسد أن آماله في ولاية رئاسية رابعة مازالت قائمة، وأنه سيستعيد السيادة على سوريا بأكملها، يوماً ما، وهي طموحات صارت تبدو صغيرة، كصاحبها، أمام هول الدماء السورية التي سالت، والدمار الذي وقع، وأمام صراعات عالمية أكبر بكثير، لا تأخذ في الحسبان الأسد، ولا السوريين.

في الماضي، دأبت فئة من اللبنانيين على إطلاق تسمية "حرب الآخرين على أرض لبنان" على الحرب الأهلية اللبنانية، وكان البعض يسخر من التسمية معتبراً أن الحرب الفعلية قام بها لبنانيون، خطفوا بعضهم البعض، وقتلوا بعضهم البعض، ونكّلوا ببعضهم البعض، وهجّروا بعضهم البعض، وأن الآخرين، أي سوريا وإسرائيل، يندر أن تواجها في حروب طويلة أو مستدامة فوق الأرض اللبنانية، باستثناء عند ضرب إسرائيل دفاعات السام السورية في البقاع وإسقاطها عشرات مقاتلات تابعة للأسد، وحدث ذلك في غضون أيام.

لكن في سوريا اليوم، الحرب فعلياً هي حرب الآخرين على الأرض السورية، يقصف فيها إسرائيليون لبنانيين ممن يعملون بإمرة ضباط إيرانيين، ويدير فيها أميركيون حرباً كردية ضد عراقيين، وتدمر فيها مقاتلات روسيا كل مناطق سوريا باستثناء التي يسيطر عليها "داعش". أما السوريون، فيوزعون المقابلات الإعلامية —كما في حالة الأسد— أو يلملمون أشلاءهم ويرحلون، كما في حالة غالبية السوريين. 

السبت، 22 أبريل 2017

أميركا قد تعدّل قانون المصارف لمصلحة «غولدمان ساكس»

واشنطن - حسين عبدالحسين

يحتدم النقاش بين كتلتي الحزبين الجمهوري والديموقراطي داخل الكونغرس، حول ضرورة إلغاء «قانون دود فرانك» الذي أقره الكونغرس عام ٢٠١٠ واستبداله، عندما كانت تسيطر غالبية من الحزب الديموقراطي على الكونغرس بغرفتيه.

ولعب «الركود الكبير» المندلع في خريف عام ٢٠٠٨ دوراً كبيراً في إقرار القانون المذكور، إذ على أثر إفلاس عدد من المصارف الكبيرة الاستثمارية والتجارية، واضطرار الحكومة إلى التدخل وفرضها على المصارف وبعض الشركات سلفات حكومية بلغ مجموعها ٧٠٠ بليون دولار، أقر الكونغرس «قانون دود فرانك» الذي أجبر المصارف على الفصل بين ذراعيها الاستثمارية والتجارية، وحرمها المضاربة بإيداعات الأميركيين في أسواق المال.

وتضمن الحكومة الفيديرالية الإيداعات الفردية بحد أقصاه ٢٥٠ ألف دولار للمودع. وبسبب الاستثمارات المتهورة والمضاربة التي قامت بها المصارف قبل عام ٢٠٠٨، اضطرت الحكومة الأميركية إلى التدخل لضمان السيولة للغالبية العظمى من المودعين، وهو تدخل أثار ريبة الأميركيين، لأنه استهلك أموال دافعي الضرائب، فيما خرج مديرون في المؤسسات المالية الكبيرة من الأزمة بعلاوات بلغت عشرات وأحياناً مئات الملايين، فيما كانت مؤسساتهم تغرق في الديون.

ويكاد الخبراء الاقتصاديون كما الرأي العام الأميركي، يجمعون على أن إلغاء «غلاس ستيغال» الذي أقر بعد أزمة 1929، هو الذي فتح الباب امام المؤسسات المالية للمضاربة بأموال المودعين، وساهم بذلك في خلق فقاعة هائلة في سوق المال «وول ستريت»، أدى انفجارها عام ٢٠٠٨ إلى إفلاسات كبيرة وإلى الإطاحة بالاقتصاد الأميركي وربما العالمي.

وأمّنت الحكومة الأموال من طريق الاستدانة، وعلى رغم استعادتها التسليفات التي مدت المؤسسات المالية بها عام ٢٠٠٨، وحصولها على فوائد لهذه التسليفات تجاوزت ٨٥ بليون دولار، إلا أن الرأي العام الأميركي لم يتابع تتمة العملية التسليفية أو استعادة الحكومة أموال دافعي الضرائب، فبقيت النقمة الشعبية عارمة.

لكن قانون «دود فرانك» لا يقل ليونة عن سابقه «غلاس ستيغال»، بل إن الأول حرّم المضاربة بأموال المودعين كما برأس المال المصرفي، وفرض زيادات كبيرة على رؤوس الأموال المجمدة لدى الشركات المالية. وراح الاحتياط الفيديرالي يجري اختبارات متكررة ومناورات، تحاكي إمكان اندلاع ركود عالمي كبير، يرافقه ارتفاع مفاجئ يبلغ خمس نقاط مئوية في نسبة البطالة الأميركية. وفي الاختبارات، وإمكان قيام المودعين بسحوبات فجائية وسريعة بسبب الأزمة المالية والبطالة، نجحت المصارف الأميركية في تأمين السيولة من دون اللجوء إلى الحكومة الفيديرالية.

وفي قانون «دود فرانك» تفاصيل أخرى لا تعجب المستثمرين الكبار، منهم الرئيس دونالد ترامب ذاته، لأنه حرّم على شركات الائتمان تقديم بطاقات تحمل ديوناً من دون فوائد في الفترة الأولى، ثم ترفع الفوائد من دون ابلاغ الزبائن أو بالابلاغ في «الخط الصغير» في أدنى صفحات العقود. وكانت هذه العادات، المعروفة بـ «الرأسمالية الاستغلالية»، تعود على المؤسسات المالية بفوائد طائلة. وبذلك تعود على المديرين بعلاوات كبيرة، لكنها كانت تؤدي في الوقت ذاته إلى إفلاسات وحتى عمليات انتحار، في صفوف الأميركيين من ذوي المداخيل المتوسطة والمنخفضة.

وبسبب شعبية قانون «غلاس ستيغال» لدى قاعدة الحزبين، عمد المرشحون للرئاسة إلى تقديم الوعود بإعادة العمل به. وشن الجمهوريون وترامب خصوصاً، حملة ضد قانون «دود فرانك».

لكن تصريحات ترامب تجافي الحقيقة، إذ تظهر بيانات «المؤسسة الفيديرالية لضمان الايداعات»، أن القطاع المصرفي التجاري حقق أرباحاً بلغت ١٧١ بليون دولار عام ٢٠١٦، بزيادة بلغت 7.9 بليون دولار، أو ما يعادل 4.9 في المئة، عن أرباحه لعام ٢٠١٥. وجاء في بيانات المؤسسة أن مصرفين من ثلاثة حققا أرباحاً، وأن 4.2 في المئة فقط من كل مصارف أميركا عانت من خسائر في العام الماضي.

وتترافق البيانات عن تحقيق المصارف التجارية الأميركية أرباحاً، مع ارتفاعات قياسية في أسواق المال، تشي بأن المصارف الاستثمارية حققت بدورها أرباحاً، مع ما يعني انتفاء الحاجة إلى إسقاط الفصل بينهما أو القضاء على «دود فرانك».

إلا أن العامل السابق في مصرف «غولدمان ساكس» غاري كوهين، والذي عينه ترامب رئيساً للمجلس الاقتصادي، يعد باستبدال «دود فرانك» بـ «غلاس ستيغال»، بـ «نسخة القرن الحادي والعشرين» على حد زعمه. وبعد التدقيق، تبين أن كوهين يسعى إلى استبدال كل المواد فيه التي تعوق عمل «غولدمان ساكس» وتعطي أفضلية لمنافسيه، بمواد تعوق المنافسين وتعطي افضلية لـ «غولدمان ساكس». أي أن ورشة الاصلاحات القانونية التي وعد بها ترامب، مستفيداً من تأييد شعبي للقانون المُلغى عام ١٩٩٩، هي في الواقع ورشة لمصلحة مصرف دون آخر، لا لمصلحة الأميركيين وقطاعهم المصرفي، أو اقتصادهم عموماً.

ترامب يتعثر بـ «إعادة أميركا عظيمة»... في 100 يوم

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

استبق الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة الانتقادات، التي يتوقع أن يتعرض لها مع حلول يوم السبت الذي يصادف اليوم المئة على تسلمه الحكم، ووصف في تغريدة مقياس «المئة يوم الأولى» لأي رئيس في الحكم على أنه «مقياس سخيف». واعتبر أنه مهما فعل في هذه الفترة لن يسلم من الانتقادات، بقوله «لقد فعلنا الكثير… لكن الاعلام سيقتلنا».

والطريف أن ترامب، أثناء حملة ترشحه الى الرئاسة، هو الذي شدد على أهمية الأيام المئة الاولى له في الحكم الى حد انه قدم ما أسماه «عقداً» مع الاميركيين «لجعل أميركا عظيمة مرة ثانية». وأغدق الوعود على الاميركيين، معلناً أنه «في اليوم الأول له في الحكم» سيقوم بإلغاء واستبدال مشروع الرئيس السابق باراك أوباما للرعاية الصحية (أوباما كير).

وفور دخوله البيت الابيض، سارع ترامب إلى اصدار سلسلة من المراسيم التشريعية، كان أشهرها وأكثرها إثارة للجدل حظره دخول مواطني ثماني دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، الذي أثار موجة اعتراض شعبية، وما لبثت المحاكم أن أطاحت به، ما أجبر الرئيس على تقديم مرسوم تشريعي شبيه بلغة مخففة، اذ ذاك قضت المحاكم على المرسوم البديل، لتتوقف وعود ترامب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة أو إقامة قاعدة بيانية بأسماء كل المسلمين في أميركا من المواطنين، أو المقيمين، أو الزوار.

وبعد فشله في حظر دخول المسلمين إلى البلاد، خاض ترامب معركة تشريعية في الكونغرس من أجل استبدال قانون الرعاية الصحية بقانون جديد قدمه رئيس مجلس النواب بول راين. وعلى الرغم ان حزب ترامب الجمهوري يسيطر على الكونغرس بغرفتيه، الا أن القانون البديل تعثر بسبب رفض اليمين المتطرف لما أسماه «قانون أوباما لايت». ومازال ترامب يسعى لإعادة طرح القانون البديل الى التصويت، حيث أعلنت إدارته أنها وزعت نسخة معدلة لمشروع القانون، على ان يتم التصويت عليه في مجلس النواب في الكونغرس الاربعاء او الخميس المقبلين، أي قبل حلول اليوم المئة على حكم ترامب.

الا ان قيادة الجمهوريين اعتبرت أن إقرار القانون البديل عملية شبه مستحيلة بسبب صعوبة رأب الصدع بين يمين الوسط واليمين المتطرف داخل الحزب نفسه، وهو ما يفقد القانون الغالبية التي يحتاجها للإقرار.

وتوازياً مع تعثره تشريعياً، حاول ترامب استعراض قوته في السياسة الخارجية، فهدد إيران بسبب تجاربها الصاروخية، وقال مستشاره السابق للأمن القومي ان على طهران ان تعتبر نفسها انها تلقت تحذيراً رسمياً. لكن الايرانيين لم يأبهوا لتحذيرات إدارة ترامب وقاموا بالتجارب، فلم ترد واشنطن إلا بفرض عقوبات مالية على جمعيات وأفراد إيرانيين، وهي عقوبات لا تأثير لها على ارض الواقع.

ومثلما لم تنجح تهديدات ترامب ضد ايران، كذلك فشلت ضد كوريا الشمالية، التي أعلنت نيتها اجراء تجربة صاروخية، فرد ترامب في تغريدة «لن يحصل ذلك». وبعدما قامت بيونغ يانغ بالتجربة، أعلن ترامب واركان فريقه إرسالهم قوة بحرية الى مياه شبه الجزيرة الكورية، ليتبين في ما بعد ان القوة البحرية المذكورة كانت متوجهة الى استراليا لاجراء مناورات تدريبية، وانها لم تغيّر مسارها الى كوريا، وهو ما أظهر ترامب وفريقه وكأنهم غافلون عن موقع حاملة الطائرات، أو أنهم كانوا يعرفون انها غير متوجهة الى شرق آسيا، ويكذبون.

الخطوة الوحيدة التي قام بها ترامب ولاقت بعض الاستحسان لدى الاميركيين كانت قيام البحرية الاميركية بإطلاق 59 صاروخاً من طراز «توماهوك» لضرب قاعدة الشعيرات الجوية التابعة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، على اثر قيام قوات الأسد بهجوم كيماوي ضد بلدة خان شيخون، في محافظة ادلب الشمالية السورية. وترافقت الضربة الاميركية مع تصريحات نارية أطلقها كبار المسؤولين الاميركيين ضد الأسد وروسيا، ليتبين في ما بعد ان لا خطة أميركية واضحة في سورية، وان الضربة الصاروخية، التي أظهرت ترامب رئيساً حازماً لأيام، كانت مجرد «فلتة شوط».

في هذه الأثناء، تراجع ترامب عن سلسلة من وعوده، بما فيها وعده الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة التي تجمع أميركا مع كندا والمكسيك. ولم يعلن ترامب ان الصين تتلاعب بسعر عملتها، وفشل في تقليص العجز التجاري الاميركي، واستمرت المصانع الاميركية في نقل أعمالها خارج البلاد أو مكننتها، مع ما يعني ذلك من بطالة في صفوف القواعد الشعبية التي انتخبت ترامب. أما الجدار الكبير الذي وعد ترامب ببنائه على حدود المكسيك، فيعاني من رفض الكونغرس الاستدانة لتمويله، وهي المشكلة نفسها التي تواجه وعد ترامب بإنفاق تريليون دولار على البنية التحتية في البلاد.

مع اقتراب موعد المئة يوم على وجوده في السلطة، لم يف ترامب بأي من وعوده، حتى الصغيرة منها، بل قدم للاميركيين «تضارباً في المصالح» بين موقعه في الرئاسة وامبراطوريته المالية، التي مازال يديرها وأفراد عائلته. وقدم ترامب للاميركيين مناكفات سياسية، وتحقيقات قضائية في امكانية تورطه وفريقه مع موسكو لاختراق البريد الالكتروني لمنافسيه في الحزب الديموقراطي.

في سياق «جعل أميركا عظيمة مرة ثانية»، يكاد يجمع الأميركيون أنه هدف ما زال متعذراً، وهم يتوقعون في الوقت نفسه أن يصرّ ترامب أنه فعلياً جعل البلاد عظيمة منذ توليه الرئاسة، ولكنه إصرار سيترافق هذه المرة بتشكيك أكبر لدى الاميركيين، خصوصاً ممن صوتوا لترامب في نوفمبر الماضي.

المعارضة تتقدّم في الجنوب السوري... و«داعش» يتصدّى لها

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لفت الخبراء الأميركيون المتابعون للشأن السوري الى الاداء الجيد الذي تقدمه المعارضة السورية المسلحة، في المواجهات التي تخوضها ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه، في محافظة درعا جنوب سورية.

وقال الخبراء ان الانتصارات التي تحققها المعارضة السورية ليست وليدة الصدفة، وان الصورة التي يقدمها المعارضون هي صورة قوة عسكرية منضبطة ومقاتلة تحت اسم «الجيش السوري الحر»، مقارنة بفصائل المعارضة السورية في مناطق اخرى، التي غالبا ما تحمل اسماء قد توحي بارتباطها بمجموعات اسلامية متطرفة، وغالبا ما تنخرط في مواجهات دامية بين بعضها البعض.

كما لفت الخبراء الاميركيون الى ان تنظيم «داعش» يبدو وكأنه يتصدى للمعارضة السورية التي تحاول التقدم ضد قوات الأسد في درعا الجنوبية. وردد اكثر من خبير ان على المعنيين في الشأن السوري ان يسألوا انفسهم: «لماذا حافظ داعش على وضعية قتالية خافتة على مدى الاشهر الماضية، وفجأة عندما تحرك مقاتلو المعارضة ضد قوات النظام وميليشياته، استفاق داعش فجأة وراح يقاتل ضد المعارضين في خطوة لا تفيد الا الأسد؟».

وقتال «داعش» في توقيت يفيد الأسد في معارك درعا ليس المرة الاولى التي يظهر فيها التناسق بين داعش والأسد، وسبق لمسؤولين أميركيين ان اشاروا الى تخوف الولايات المتحدة من امكانية قيام قوات الأسد بردة فعل، ضد الضربة الصاروخية الاميركية على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للأسد في محافظة حمص. وينتشر جنود اميركيون في شمال سورية الشرقي، في منبج والرقة وعين العرب، على بعد مسافات تضعهم في مرمى نيران قوات الأسد.

الا انه بدلا من ان يأتي رد فعل قوات الأسد على ضربة الشعيرات في شمال سورية، جاء رد الفعل عن طريق «داعش» في الجنوب، حيث شن التنظيم الارهابي هجوما عنيفا ضد قاعدة التنف، التي ينتشر فيها سرا جنود اميركيون يعملون على تدريب قوات المعارضة وتسليحهم وادارة معاركهم. ولتحسبهم، كان الجنود الاميركيون قد انسحبوا قبل ضربة الشعيرات الى ما وراء الحدود الاردنية، الا ان عنف هجوم «داعش» ضد المعارضين في قاعدة التنف اجبر الاميركيين على التدخل جوا ومساعدة المعارضين السوريين في صد هجوم «داعش»، وطرد مقاتليه، والمحافظة على القاعدة العسكرية. وجاء ذلك بعد سقوط اعداد كبيرة من القتلى في صفوف المعارضين و«داعش».

والحديث عن التنسيق بين «داعش» ونظام الأسد لم يعد سرا في الاوساط الاميركية، اذ لطالما يذكّر المسؤولون الاميركيون السابقون ان الأسد كان من ابرز داعمي وعرابي الحركات الارهابية التي ارسلت الانتحاريين عبر الحدود السورية الى داخل العراق لقتل عراقيين وجنود اميركيين، الى حد دفع الحكومة العراقية الى الشكوى ضد الأسد امام مجلس الأمن الدولي، ومطالبة اقامة محاكمة دولية ضد دعم الأسد لهذه المجموعات.

يذكر انه سبق للولايات المتحدة ان فرضت عقوبات على مقربين من نظام الأسد لاعتقادها انهم يقومون بتنسيق عمليات بيع النفط بين «داعش» والنظام. وكان جورج حسواني، من السوريين ممن تأثروا بهذه العقوبات، قبل ان تقوم محكمة اوروبية بإبطال العقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي على حسواني لأسباب قضائية، فيما تستمر العقوبات الاميركية.

دفاعاً عن النسبية الكاملة في دائرة انتخابية واحدة

حسين عبدالحسين

العصبية الحزبية او القبلية غالبا ما تعطل النقاشات العقلانية. الديموقراطيون غاضبون بسبب غياب خطة حول سوريا لدى الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وكأن الرئيس السابق الديموقراطي باراك أوباما كان عنده خطة لسوريا. والعصبية في لبنان كما في أميركا، فان قال “حزب الله” انه يفضّل قانونا انتخابيا مبنيا على النسبية الكاملة، ترتفع اصوات معارضيه لأن كل ما يقوله “حزب الله” خاطئ. 

ويشير معارضو النسبية الى كثافة المقترعين من الطائفة الشيعية، ويعتبرون ان النسبية الكاملة تسمح للحزب باكتساح الانتخابات، والسيطرة على النظام اللبناني بأكمله والقرار السياسي. كذلك يعتبرون ان سلاح الحزب يلعب دورا مؤثرا ضد اي معارضين محتملين من داخل الطائفة الشيعية، وهو ما يستوجب ضرورة تقسيم البلاد الى دوائر انتخابية، الشيعية مسلّم فيها لاكتساح “حزب الله” بسبب سلاحه، والدوائر غير الشيعية فيها الحرية متاحة للمرشحين والناخبين من كل المذاهب والاتجاهات السياسية. 

الا ان الاسباب التي يسوقها معارضو النسبية الكاملة غير مقنعة، فقانون النسبية الكاملة في دائرة انتخابية واحدة لا يعطي المجموعات الناخبة الاكبر مقاعد أكثر او سلطة أوسع، ويمكن الاستدلال بتجارب دول المنطقة، مثل العراق، الذي صممت له الأمم المتحدة قانون ٢٠٠٥ الانتخابي النسبي المبني على اعتبار العراق دائرة واحدة. 

كان الشيعة يعتقدون انهم سيكتسحون ثلثي البرلمان العراقي، وهم لذلك طالبوا بالانتخابات منذ اليوم الاول لانهيار نظام صدام حسين. وكان يومذاك الصديق والزميل هشام ملحم يردد انه في مخيلة المرجع الشيعي علي السيستاني، تتساوى الديموغرافية والديموقراطية. لكن الانتخابات العراقية الاولى أظهرت ان الشيعة بالكاد حصدوا نصف البرلمان، وان الاكراد لم ينالوا الربع، فيما حقق السنة — وكانت غالبيتهم من مقاطعي العملية السياسية — نتائج اهدتهم كتلا برلمانية لم تكن في حسبانهم. كذلك، حققت بعض الكتل، مثل كتلة الليبراليين بزعامة اياد علاوي، مفاجآت، ونالت حوالي ٢٠ مقعدا. وفي نفس الاثناء، حققت شخصيات مغمورة، مثل مثال الألوسي او الاكراد من غير حزبي البارزاني والطالباني، نتائج طيبة، وفازت بمقاعد قضّت مضاجع الكتل الكبرى، التي كانت تحلم بالاكتساح على طريقة “المحادل” الانتخابية اللبنانية. 

دليل آخر يؤكد ان قانون النسبية الكاملة في دائرة انتخابية واحدة هو في مصلحة الاقليات يأتي من اسرائيل، حيث غالبا ما تلعب الاحزاب الصغير ذات المقعدين او الثلاثة في البرلمان ادوارا حاسمة بترجيحها ائتلاف في وجه آخر. وهي لدورها هذا غالبا ما تحصل على تنازلات ومكاسب سياسية أكبر بكثير من حجمها الشعبي او السياسي. لهذا، تلعب احزاب المستوطنين، وهم أقلية بين الاسرائيليين، ادوارا كبيرة، وتساهم في دفع الائتلافات المتعاقبة على الحكم الاسرائيلي تجاه اليمين أكثر فأكثر. حتى الاحزاب العربية في اسرائيل، والتي تعاديها المؤسسة الحاكمة، تجد نفسها في مواقع سياسية أكبر من حجمها الشعبي او السياسي، وتجعل من الصعب على الغالبية اليهودية القضاء عليها. 

في لبنان، تزعم الاقليات ان صمام امانها في وجه اكتساح الاكثرية لها هي الكوتا الطائفية، بما في ذلك المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. لكن لو اعتبرنا ان كل من الكتل الثلاثة الكبرى مع مغتربيها، السنة والشيعة والموارنة، تشكل كل واحدة منها حوالي ثلث السكان، ذلك يشي بأن كل منها يمكنها ان تحصد حوالي ربع مقاعد مجلس النواب، وهو ما يعني انه بالكاد يمكن لأي كتلتين من الثلاثة تحقيق غالبية النصف لانتخاب رئيس المجلس وتعيين رئيس الحكومة، ناهيك عن غالبية الثلثين المطلوبة لانتخاب الرئيس. 

ثم ان الدائرة الانتخابية الواحدة تخرج كل حزب من قوقعته، فلا يعود ممكنا لحزب الله، مثلا، حصر برنامجه الانتخابي بالمقاومة، اذ ان ذلك يعود عليه بربع المقاعد فقط، وهو ما يجبره على الاقتراب اكثر من الوسطية، وادخال بنود تغري ناخبين سنة ومسيحيين ودروز وليبراليين. كذلك، يمكن للدائرة الانتخابية الواحدة ان تسمح للطائفة بضم مؤيديها من طوائف ومناطق اخرى، ودفعهم الى البرلمان، والافادة من الحركات الاعتراضية لدى الطوائف الاخرى. 

ختاما، من محاسن الدائرة الواحدة انها تلغي ارتباط النائب المناطقي، وتحيل دوره الخدماتي الى البلديات، مع ما يعني ذلك من تقوية اللامركزية الادارية، وتحويل مجلس النواب الى برلمان متخصص بالسياسات الوطنية العامة، مثل الاقتصاد والبيئة والخارجية والدفاع والشؤون الاجتماعية. 

الجدال القائم حول قانون الانتخابات البرلمانية اللبنانية لا يرتبط بسياسات الدولة ومصالح اللبنانيين، بل هو سباق بين مجموعة اوليغاركية مقفلة تتألف من عدد من العائلات نفسها منذ منتصف الثمانينات: بري وجنبلاط والجميل وعون وجعجع وفرنجية والحريري وحزب الله. هؤلاء يتصارعون، ويحاول كل منهم الفوز بأكبر عدد مقاعد، لا لرسم سياسات الدولة المحسومة بقرارات اقليمية، بل لتوسيع شبكات الزبائنية والخدمات وتوزيع مقدرات الدولة على المقربين والمحازبين. هي سياسة “الوجهاء” نفسها التي ورثها لبنان منذ زمن القائمقاميتين والمتصرفية، والتي تحمل عنوان سباق الملل. 

اما قانون النسبية الكاملة في دائرة انتخابية واحدة فيمكنه ان ينقل السياسة اللبنانية من مناكفاتها المزمنة الى ما يشبه السياسات، ويمكن ان يفتح كوّات ينفذ منها كثيرون مغمورون قد يقدمون مفاهيم وافكار جديدة في سياسة لبنانية صارت قديمة ومملة.

الجمعة، 21 أبريل 2017

واشنطن حسمت أهدافها في سورية: طرد إيران أولاً وإخراج الأسد ثانياً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كشفت مصادر أميركية لـ «الراي» أن واشنطن حسمت «أولوياتها» في ما يتعلق بالتعاطي مع الأزمة السورية، لجهة وضع تحجيم النفوذ الإيراني على رأس الأولويات يليه مباشرة إخراج رئيس النظام بشار الأسد من الحكم، فيما خلصت إلى أن محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي يعد مسألة أبعد من سورية وتندرج في إطار إقليمي أوسع.

وتعليقاً على ما تردد عن خطة قدمتها واشنطن لموسكو، أكدت المصادر الأميركية رفيعة المستوى «قيام واشنطن بتقديم أفكار محددة الى الروس بشأن سورية»، بيد أنها لفتت في الوقت نفسه إلى أن ما تواتر في الإعلام «يُفسد ترتيب الخطوات، وهو ما ينسف روحية الخطة، التي تعتمد على توافق أميركي - روسي على سلم الاولويات وتتاليها».

وأضافت ان العرض الروسي المتعلق بتقديم بديل عن الأسد (الذي انفردت «الراي» بالكشف عنه) جاء بعد تأكيد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، خلال زيارته موسكو الأسبوع الماضي، أن «أميركا يمكنها إظهار ليونة تجاه كل الخطط المطروحة، باستثناء بقاء الأسد في الحكم»، وأنها «تعتبر خروجه جزءاً لا يتجزأ من أولويتها المطلقة»، أي القضاء على «داعش».

وعلى ضوء الإصرار الأميركي على عدم قبول أي حل يبقى بموجبه الأسد في الحكم، أجاب الروس ان اختيار الرئيس السوري ليس منوطاً بالقوى الخارجية، بل هو خيار يتعلق بالسوريين، وهو ما حدا بالاميركيين الى الرد فوراً أنه لطالما دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على القول ان حل الأزمة السورية ليس بأيدي السوريين، بل بأيدي القوى الدولية المعنية بالشأن السوري.

وقدم الاميركيون خطة تتضمن وقف إطلاق نار، وإقامة «محافظات آمنة» تديرها أمنياً وإدارياً المعارضة السورية المسلحة، الى جانب المحافظات التي يسيطر عليها النظام. ثم يخرج الأسد من الحكم وتدخل المعارضة والنظام في حكومة انتقالية تشرف على القضاء على كل القوى الارهابية في البلاد، بما في ذلك «داعش»، وتشرف في الوقت نفسه على الاعداد لانتخابات وكتابة دستور جديد.

وحسب المصادر الاميركية، فإن الأفكار التي عرضها تيلرسون في روسيا لا تختلف كثيراً عما دأب المعنيون بالشأن السوري تداوله، مع فارق وحيد يقضي بخروج الأسد قبل تأليف الحكومة الانتقالية، وهو تغيير كبير في الموقف الاميركي لم يكن ليحصل لولا الهجوم الكيماوي، الذي تعتقد واشنطن ان قوات الأسد شنته في خان شيخون الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وفي هذا السياق، أشار خبراء أميركيون الى انه منذ وقوع الهجوم الكيماوي، يسعى تحالف الأسد وروسيا وإيران إلى الاستيلاء على خان شيخون، ولهذا الغرض قام هذا التحالف بتوظيف قوة نارية هائلة، بما في ذلك استخدام الروس قنابل محرمة دوليا مثل «نابالم». ويعتقد الخبراء ان استماتة الروس في السيطرة على خان شيخون قد يكون بهدف محاولة محو آثار الهجوم الكيماوي قبل وصول أي خبراء دوليين.

في المحصلة، تؤكد المصادر أن نقطتين باتتا محسومتين في السياسة الاميركية بشأن سورية: الأولى، وجوب القضاء على نفوذ إيران وطرد الميليشيات الموالية لها التي تقاتل داخل سورية، والثانية خروج الأسد من الحكم. أما القضاء على «داعش»، فهي سياسة «أكبر من سورية» وسابقة لها، وهي لم تعد مرتبطة، حسب الرأي الاميركي الجديد، بترتيب الأولويات داخل سورية.

ويبدو أن موسكو أدركت التغيير الحاصل في الموقف الاميركي، وهي لذلك ألمحت الى وجود بديل لديها عن الأسد، قد يكون موجوداً بالفعل وقد يكون مجرد مناورة حتى يتبين خير إدارة دونالد ترامب من شرها. حتى ذلك الحين، سيتواصل الحديث بين أميركا وروسيا عن كيفية إخراج الأسد من الحكم.

اسرائيل وسائر اصدقاء الأسد

حسين عبدالحسين

في خضم ارتباك الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعجزه عن تقديم سياسة خارجية متماسكة، قفزت الى الواجهة مجموعات المصالح الخاصة والنفوذ المعروفة بـ “اللوبي”، وفي طليعتها الاسرائيلي وبعض العرب، لصناعة سياسة خارجية أميركية على مزاجهم. 

اسرائيل أخجلت العرب ب"لطفها"، فهي فتحت ابوابها لمعالجة جرحى سوريين، والسيد افخاي درعي، المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي، لا يفوت مناسبة الا ويعايد فيها على العرب، ويتمنى لهم اطيب الاوقات واسعدها. اما رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، فكان اول من عبّر عن غضبه على اثر الهجوم الذي نفذته قوات الرئيس السوري بشار الأسد في خان شيخون، وطالب بشدة بانتزاع هذه الاسلحة من ايدي السوريين.

ما يفوت بعض المراقبين، وكثيرين من العرب، ان نتنياهو لم يتهم الأسد بتنفيذه الهجوم الكيماوي، ولا طالب نتنياهو بخروج الأسد من الحكم، بل ان ما يهم نتنياهو هو انتزاع السلاح الكيماوي وبقاء الأسد، وهي بالضبط النصيحة التي اسداها الاسرائيليون للرئيس السابق باراك أوباما، وبادروا الى وساطة مع الروس أدت الى انتزاع ترسانة الأسد الكيماوي “المعلن عنها” حسب اتفاقية 2013.

هذه المرة، فيما تبحث وزارة الدفاع الاميركية عن عدو تقضي عليه لاستعراض قوتها واخافة خصومها الاثقل وزنا، وفيما ترى وزارة الدفاع الاميركية في القضاء على نظام الأسد هدفا يحقق عددا من الاهداف المرتبطة به، منها تنظيم “الدولة الاسلامية”، تنشط اسرائيل وبعض اصدقائها العرب في واشنطن لاقناع ترامب ان الأسد، على مشاكله، لا يشكل خطرا على احد، وان الخطر الحقيقي يأتي من ايران.

وفي وسط تشتت ادارة ترامب وبحثها عن سياسة تجاه سوريا، تحرك لوبي اسرائيل وبعض العرب لحمل الكونغرس على المصادقة على عدد من القوانين تحت عنوان “الأزمة في سوريا”، وارسالها الى ترامب لتوقيعها. اما فحوى هذه القوانين، فهي لا تطال الأسد او اركان نظامه بشيء، بل هي كلها موجهة ضد ايران ونظامها.

اصدقاء اسرائيل الاميركيين لا يخفون سياستهم هذه. السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن دان ميريدور، الذي هاجر الى اسرائيل وتخلى عن جنسيته الاميركية ليخدم في السلك الديبلوماسي الاسرائيلي، كتب مطالعة مفصلة تطرق فيها الى المشاكل التي يمثلها نظاما الأسد وكوريا الشمالية، لكنه شدد على ان الخطر الأكبر لأميركا والعالم يأتي من ايران، التي تختبىء خلف اتفاقية نوويه تمنحها مليارات الدولارات.

والتقطت الكاتبة في “واشنطن بوست”، صديقة اسرائيل، اليهودية الاميركية جينيفر روبن مقالة اورن، واقتبست عنها، وكررت ان الخطر الأكبر يأتي من ايران، وانه لا يجب التلهي بالأسد او كوريا الشمالية.

لا يهم اسرائيل القتلى من اطفال خان شيخون ولا من اطفال حي الراشدين في حلب، ولا ضير عند الاسرائيليين في بقاء الأسد، فقتلى سوريا لا يشكلون خطرا استراتيجيا على الاسرائيليين.

كذلك، لا يهم ايران اسرائيل او ما يفعله او يقوله اصدقاؤها في واشنطن، فالبرنامج النووي الايراني تحت مراقبة دولية غير مسبوقة تجعل من شبه المستحيل على الايرانيين صناعة اي سلاح نووي، اليوم او مستقبلا، وكل ما يهم الايرانيين هو ان يموت اطفال خان شيخون، ويموت اطفال حي الراشدين، ويموت كل السوريين، ويبقى الأسد، لتثبت ايران تفوقها على العرب.

اما بعض العرب، فمعجبين بذواتهم وذكائهم، ويعتقدون ان الاسرائيليين من معجبيهم ايضا، وان الاميركيين يهللون لهم. ربما يصدق هؤلاء العرب ما تقوله اسرائيل عن انها صديقة ومحبة للعرب، وانها حريصة على مصالحهم، وان مواجهة ايران كافية لقيام تحالف عربي اسرائيلي، وهو تحالف لا يطيح بالأسد، بل ينهي الفلسطينيين، وينعش ايران وممانعتها، وتخرج اسرائيل فائزة وحيدة، ويبقى الأسد تحت ركامه وفوق اشلاء مواطنيه.

الأربعاء، 19 أبريل 2017

"داعش" ينتقم للأسد

حسين عبدالحسين

فرضت وزارة الدفاع الأميركية، قبل اسابيع، تعتيماً على عدد القوات البرية التي تنوي نشرها في سوريا والعراق كجزء من الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وعزا الضباط الأميركيون قرارهم إلى أن تقييد عدد الجنود بالتقلبات السياسية الأميركية وقبول الرأي العام الأميركي، يقيّد يد القوة العسكرية، وأن الضباط عندما ينشرون جنودهم فهم لا يلتفتون إلى ما هو بري وما هو غير بري، ولا إلى الأعداد، بل هم ينظرون إلى القوات من منظور الإمكانيات، أي كتيبة المدفعية وكتيبة الدبابات والقوات الخاصة...

وكانت آخر أنباء انتشار القوات البرية الأميركية، قبل التعتيم، اشارت إلى تواجدها في ثلاث نقاط داخل سوريا؛ عين العرب وغربي الرقة وفي منبج، وكلها في الشمال الشرقي. لذا، تفاجأ الأميركيون لدى إعلان وزارة الدفاع أنها صدّت هجوماً لـ"داعش" ضد قاعدة مشتركة للأميركيين وحلفائهم السوريين في بلدة التنف، جنوبي سوريا قرب الحدود العراقية والأردنية.

وكان الخبراء الأميركيون قد أعلنوا تخوفهم من إمكانية قيام قوات الرئيس بشار الأسد والقوات المتحالفة معها، بالانتقام للضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية قرب حمص، قبل أسبوعين، خصوصاً أن القوات الأميركية في الرقة ومنبج هي في مرمى نيران قوات الأسد.

على أن المفاجأة كانت في أن الانتقام الذي تخوف منه الأميركيون على يد قوات الأسد في الشمال، جاء على يد "داعش" في الجنوب. فأعلنت وزارة الدفاع أنها صدت هجوماً كان مخططاً بعناية، ضد قاعدة التنف، واستغرق ساعات، واستخدم خلاله "داعش" سيارات مفخخة وانتحاريين، قبل أن ينخرط في مواجهات قتالية معقدة داخل القاعدة. ولأن الاميركيين كانوا يتحسبون لهجوم انتقامي يمكن أن تشنه قوات الأسد وحلفاؤها، فهي كانت سحبت جنودها من التنف إلى ما وراء الحدود الأردنية، وتركت في القاعدة قوات المعارضة السورية ممن كانت تعمل على تدريبها وتسليحها.

وبسبب شدة القتال، اضطر الأميركيون للتدخل، خصوصاً عن طريق مقاتلاتهم، وقصفوا مواقع الالتحام عن كثب. وبعد ساعات، نجح السوريون في صد هجوم "داعش" على قاعدة التنف، بمساعدة أميركية، وبعد سقوط قتلى من الجانبين. وبدا أن الأميركيون قد حالفهم الحظ لعدم سقوط قتلى في صفوفهم.

الخبراء الاميركيون، الذين قلّما يعرفون الفارق بين "داعش" والأسد، رددوا بأن الهجمة الانتقامية تشير إلى المخاطر المحيقة بأي تدخل عسكري في سوريا ضد الأسد، وأن على واشنطن ان تأخذ العبر مما جرى. لم يلاحظ الخبراء الأميركيون، الذين اطلوا عبر وسائل الاعلام المختلفة، أن التماهي بين "داعش" والأسد إلى هذا الحد، يجب أن يؤكد ضرورة تدخل أميركا ضد الأسد. فالولايات المتحدة منخرطة في حرب ضد "داعش" منذ أعوام، في العراق وسوريا، وارتباط الأسد و"داعش"، حسبما يشير الهجوم ضد قاعدة التنف، يؤكد استحالة القضاء على واحد من دون الآخر.

ولجهلم بالاطراف المتحاربة في سوريا، لم يتنبه الخبراء الاميركيون إلى أن معرفة "داعش" بوجود قوات أميركية غير معلن عنها في قاعدة التنف هو عمل استخباراتي، قد يكون أكبر من امكانيات الأسد نفسه. وهو ما يطرح أسئلة حول القوى العالمية الاخرى المنخرطة في الحرب السورية التي قد تكون زودت "داعش" بمعلومات حول انتشار القوات الاميركية داخل سوريا. هذه القوى التي تدعي أنها تحارب "الارهاب"، ولكنها يندر أن توجه ضربات لـ"داعش"، بل تكتفي باستهداف المعارضة السورية المسلحة.

والتماهي بين "داعش" من جهة، وروسيا والأسد، من جهة أخرى، يأتي في سياق تقارير مشابهة تتحدث عن دعم روسي وإيراني للطالبان في افغانستان، إلى درجة أفسدت مجهود سنوات قام بها الأميركيون من أجل التواصل مع هذا التنظيم، وسلخ المعتدلين عن المتطرفين، ومحاولة القضاء على المجموعة الأولى وادخال المجموعة الثانية في الحكم الافغاني.

قد يكون الأميركيون على حق في اعتقادهم أن الحروب في الشرق الاوسط معقدة، وأنه يصعب تحديد من مع من، ولكن يبدو أن الحرب السورية معقدة أكثر مما يتصوره الأميركيون، وان الدخول فيها يحتاج إلى مجهود أكبر، لا إلى تقاعس ومحاربة جزء من منظومة من دون الآخر.

برنامج ترامب الاقتصادي بدأ يترنح

واشنطن - حسين عبدالحسين

تشير معلومات متقاطعة الى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنى حملته الانتخابية على شعبوية ذات وجهين: الأول قومي عنصري يحرّض الأميركيين البيض ضد غير البيض والأجانب، والثاني يتمثل بوعد بقلب أسس الاقتصاد الأميركي رأساً على عقب تحت شعار «أميركا أولاً».

الشق العنصري من برنامج ترامب تداعى تحت ضربات المجتمع المدني والمحاكم، التي شطبت قانون حظره سفر مواطنين من بلدان ذات غالبيات مسلمة. أما الشق الاقتصادي، فما برح يصطدم بعقبة تلو أخرى، كانت باكورتها إسقاط اليمين المتطرف مشروع «إبطال واستبدال» قانون الرعاية الصحية، الذي أقره الرئيس السابق باراك أوباما عام 2010.

ووجد ترامب نفسه في مأزق، لأن القانون البديل كان سيرمي 24 مليون أميركي خارج الرعاية الصحية مع حلول العقد المقبل. ومع ذلك لم ترض الكتلة اليمينية المتطرفة بأقل من إبطال الرعاية الصحية برمتها، وهو ما كان سيرمي عدداً أكبر من الأميركيين خارج شبكة الضمان الصحي.

وكان ترامب ربط برنامجه الضريبي بضرورة إبطال قانون أوباما للرعاية الصحية أولاً، إلا أنه مع فشل الجهد في هذا الاتجاه، وجد البيت الأبيض نفسه مضطراً إلى السير قدماً في اتجاه تنفيذ وعود ترامب الضريبية، من دون شروط مسبقة.

وباشر مسؤولو ترامب المفاوضات مع المسؤولين الكبار في الكونغرس، الذي تسيطر على غرفتيه غالبية من حزب ترامب الجمهوري. وطلب الرئيس الأميركي من الكونغرس بخفوض ضريبية تبلغ 7.5 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، ما يعني رفع العجز السنوي الأميركي الحالي بواقع 150 في المئة من نحو نصف تريليون حالياً، أي من 3 في المئة من الناتج السنوي المحلي إلى 4.5 في المئة.

وسيترافق أي ارتفاع في العجز السنوي مع زيادة في خدمة الدين العام، إذ تسدد الولايات المتحدة نحو 650 ألف دولار يومياً أي ما يعادل 240 مليون دولار سنوياً خدمة لدينها العام، وهي نسبة مرجحة للصعود مع ازدياد الدين وكلفة الاستدانة، والرفع المتوقع في الفائدة.

وأشار الخبراء إلى أن خطة ترامب للخفض الضريبي تمنح زيادات في مداخيل 20 في المئة من الأميركيين الأعلى دخلاً، فيما لا يتأثر مدخول الباقين ما يعني احتمال ألا تؤدي فرضية تقليص الضرائب لحفز الأسواق، إلى تغييرات في أنماط إنفاق الغالبية العظمى من المستهلكين في الولايات المتحدة.

ويطلب ترامب من الكونغرس أيضاً، المصادقة على رصد تريليون دولار لمشاريع البنية التحتية، ما يرفع عجز الموازنة الفيديرالية في شكله الحالي بواقع 20 في المئة. وترفض الكتلة اليمينية المتطرفة في الكونغرس، وهي مجموعة من المشرّعين الجمهوريين في مجلس النواب تطلق على نفسها تسمية «كتلة الحرية»، في شكل قاطع المصادقة على أي قانون يفضي إلى رفع الإنفاق الحكومي أو العجز السنوي.

وتعتبر هذه الكتلة أن العدو الأكبر للاقتصاد الأميركي ومستقبله هو الدين العام الفيديرالي، الذي بلغ 18 تريليون دولار أي ما يوازي مئة في المئة من الناتج المحلي السنوي. وتطالب هذه الكتلة بأن تتصدى إدارة ترامب للعجز الذي تتسبب به بعض صناديق الرعاية الاجتماعية، وهو عجز في ارتفاع مضطرد بسبب الشيخوخة السكانية، التي تضرب دول الغرب والصين واليابان.

لكن ترامب يخشى من أن يُفقِده الخضوع لمطالب اليمين المتطرف الشعبية التي يحتاج إليها للفوز بولاية ثانية عام 2020، ما يعني عدم إقدامه على تلبية مطالبهم وكذلك عدم تلبيتهم مطالبه، ما يفقد ترامب الغالبية في الكونغرس ويجبره على الاستعانة بالحزب الديموقراطي المعارض، لكن هذا الأخير سعيد برؤية الحرب الأهلية السياسية الدائرة بين الجمهوريين. أما إذا وافق الديموقراطيون على منح أصواتهم لتأمين المصادقة على بعض مشاريع ترامب في الكونغرس، مثل مشروع تمويل البنية التحتية، فهم سيفعلون ذلك في الغالب مع حصولهم على تنازلات من الرئيس في حقول أخرى، وهو ما يعقد من مهمته.

ومن الأمور التي يبدو أن ترامب تراجع عنها هي وعده مؤيديه خلال حملته الانتخابية، بقيامه في الأيام المئة الأولى من حكمه بتصنيف الصين كدولة تتلاعب بالعملة. لكن بكين لم تعد تتلاعب بها بل على العكس، تحاول رفع قيمتها وتعمل لهذا الغرض على الحد من خروج رؤوس الأموال منها.

الوعود الانتخابية الاقتصادية شيء والحكم أمر آخر، وأمام انهيار معظم وعوده من إبطال قانون الرعاية الصحية إلى خفض الضرائب وتصنيف الصين متلاعبة بالعملة، يجد ترامب نفسه عاجزاً عن القيام بأي خطوة تؤثر في مجرى الاقتصاد الأميركي.

ويلفت المتابعون إلى أن أمام ترامب فرصة تعيين خمسة من أصل سبعة في مجلس الاحتياط الفيديرالي، لكن السيطرة على الفيديرالي وحدها لا تفي بأغراض ترامب، لأن أقصى ما يمكن المصرف المركزي الأميركي فعله هو الإبقاء على الفائدة متدنية. لكن ذلك قد يؤدي إلى تضخم تصبح في ما بعد السيطرة عليه أكثر تعقيداً.

الاقتصاد الأميركي لا يزال ينمو، كما ارتفعت الصادرات مع نهاية الشهر الماضي بنسبة واحد في المئة بسبب التحسن الطارئ على معظم الاقتصادات العالمية. وتراجع العجز التجاري من ٤٨ بليون دولار إلى ٤٣ بليوناً، وزادت مبيعات المنازل بنسبة 6.1 في المئة، وكذلك البناء بنسبة 3 في المئة للفترة ذاته من هذا العام.

ربما يجب على ترامب الجلوس ومشاهدة اقتصاد البلاد المتعافي، والتحسب من وقوع الركود الدوري المتوقع أثناء رئاسته، إذ ربما تستدعي الأمور تدخل إدارته. لكن من دون ركود، قد يكون انهيار خطط ترامب الاقتصادية في مصلحة الأميركيين، حتى لو أبدى مؤيدوه استياءهم.

الجمعة، 14 أبريل 2017

عودة الصقور في أميركا

حسين عبدالحسين

في العادة سياسات الحكومات هي التي تصنع الحرب والسلم. في أميركا دونالد ترامب، الهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات العسكري السوري هو الذي يصنع السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة. الارتباك الاميركي سببه انتخاب الولايات المتحدة لواحد من أقل الرؤساء كفاءة في العالم. 

ولتواضع حنكته، قام الرئيس ترامب بتسليم مقاليد الحكم الى الجنرالات: هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي، وجيمس ماتيس وزير الدفاع، وجو دنفورد رئيس الاركان. هكذا، كانت ردة الفعل الاميركية ضد الهجوم الكيماوي الذي شنته قوات الأسد في خان شيخون، الاسبوع الماضي، من صناعة ماكماستر وماتيس ودنفورد، بالتعاون مع نائب الرئيس مايك بنس، وهو من صقور السياسة الخارجية.

اما ترامب، فكان يلهو في ولاية فلوريدا في نادي الغولف الفاخر الذي يملكه، بعيدا عن “غرفة الاوضاع” في قبو البيت الابيض، والتي يشرف منها الرؤساء عادة على العمليات العسكرية. لكن ترامب، المهووس بصورته، عمد الى توزيع صورة حاول فيها تكرار الصورة الشهيرة لأوباما واركان فريقه اثناء اشرافهم على عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن في 2011.

في غرفة صغيرة في نادي الغولف، وعلى كراسٍ مذهبة ومخصصة للاحتفالات، جلس ترامب بصحبة كبار اركان ادارته، من امثال صهره ومستشاره جارد كوشنر، ومستشاره الآخر ستيفن بانون، والناطق باسم البيت الابيض شون سبايسر، ووزراء الخارجية والمال والتجارة ريكس تيلرسون وستيف مانوشكن وويلبور روس. ولم يكن في الصورة، التي يفترض ان الحاضرين فيها كانوا يشرفون على الهجوم الصاروخي الاميركي على مطار الشعيرات، أي عسكري أميركي او مسؤول في وزارة الدفاع.

هذا هو ترامب، يراقب برفقة وزيري المال والتجارة هجوما عسكريا من نادي الغولف البعيد 1600 كيلومترا عن مركز العمليات في البيت الابيض، وهذه هي سياسته الخارجية.

في ثمانينات القرن الماضي، إنهمك نفر من قياديي الأمن القومي الاميركي بتقديم مطالعة معقدة وحساسة للرئيس الراحل رونالد ريغان، الذي يصفه الجمهوريون بالاسطوري لانتصاره في الحرب الباردة على السوفيات. بعد انتهاء المطالعة، التفت الحاضرون الى ريغان ليستمعوا الى رأيه، فما كان من الرئيس — الذي كان معروفا بشغفه بسكاكر “جيلي بين” — الا ان وضع اثنتين من السكاكر في فمه وسأل الجميع: ان وضعت واحدة حمراء وواحدة صفراء، أي لون برأيكم يطغى مذاقه على الآخر؟

ريغان المسمى أسطوريا لم يكن من الاسطورية بشيء. كان ممثلاً من الدرجة الثانية متقاعداً من هوليوود، وبسبب عدم كفاءته، أدارت دفة البلاد “المؤسسة الحاكمة” في الحزب الجمهوري والمؤلفة حينذاك من نائب الرئيس (الرئيس في ما بعد) جورج بوش الأب، ومساعده وصديقه ورئيس موظفي البيت الابيض لدى ريغان (ووزير خارجية بوش الأب) جيمس بيكر. هذه المؤسسة وخريجوها، مثل كارل روف الذي اسماه الرئيس جورج بوش الابن “عقلي”، هي التي حكمت في زمن ريغان والرئيسين بوش. 

على ان ترامب يتفوق على ريغان في بلاهته وانعدام معرفته، وقد يتساوى وإياه في حب الظهور والتمثيل (وترامب بطل مسلسل الواقع “ذي ابرنتيس”). منذ تسلمه الحكم، انصب اهتمام ترامب على الفوز بولاية ثانية، وهو لذلك سلّم الدفة لأمثال بانون. لكن هؤلاء المستشارين من اليمين المتطرف هم من المراهقين في السياسة، فما لبث ان تلقى بانون ومعه ترامب اكثر من صفعة سياسية، فاستفاق ترامب، وعزل بانون، وسلّم الدفة الى الجنرالات، وخلفهم بنس وحليفته موفدة أميركا الى الأمم المتحدة نكي هايلي.

من الآن وصاعدا، من المرجح ان يتحول ترامب الى واجهة فحسب، وسيدير فعليا سياسة أميركا الخارجية مجموعة من الجمهوريين التقليديين والعسكر، وهو ما يعني عودة سياسة واشنطن الى ايدي الصقور، وهي عودة كانت باكورتها صواريخ توماهوك على الشعيرات، وتحويل مسار مجموعة حاملة طائرة أميركية من استراليا الى كوريا الشمالية. 

من الآن وصاعدا، لا بد من التذكير بقول بنس ان “روسيا لا تفهم الا لغة القوة”، ولا بد من مراقبة تهديدات واشنطن لطهران، التي ستأخذ في الغالب منحى أكثر واقعية وحدّة.

من هو الضابط السوري الذي يُعدّه الروس لخلافة الأسد؟

جريدة الراي

كشفت أوساط مطلعة في واشنطن أن المسؤولين الروس أبلغوا نظراءهم الأميركيين أن «لدى موسكو ضابطاً رفيع المستوى في الجيش العربي السوري مستعد للحلول مكان (الرئيس بشار) الأسد، في حال توصلت القوى المعنية الى تسوية سياسية».

وقال المسؤولون الروس إنهم لا يعتقدون ان التسوية في سورية تتم عبر اللاعبين المحليين، بل عبر رعاتهم الاقليميين، في تكرار لموقف الرئيس فلاديمير بوتين، الذي دأب على القول إنه يمكن إنهاء الحرب السورية بسرعة حالما تتوصل القوى الاقليمية والدولية إلى اتفاق.

ولم يكشف المسؤولون الروس، حسب التقارير التي تناقلتها الأوساط، هوية الضابط الذي يتم إعداده لخلافة الأسد، ويبدو أنهم اكتفوا بالقول إنه «يتمتع بنفوذ كبير في صفوف الجيش السوري والميليشيات السورية المؤيدة للأسد»، و«سبق أن شارك في القتال ويعرف الأرض جيداً»، وإنه موجود «في مكان آمن حالياً حرصاً على سلامته».

وانقسم المعنيون الأميركيون في شأن التقارير الروسية المتداولة، إذ اعتبرت الغالبية أن «روسيا تحاول على الأرجح ذر الرماد في العيون وكسب الوقت بهدف حسم المعركة لمصلحة الأسد». ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن موسكو لا تنفرد بنفوذها داخل سورية، بل تتقاسمه مع الإيرانيين، ومن شبه المؤكد أن الايرانيين يتمسكون بالأسد ويعتبرون بقاءه بمثابة عنوان المعركة ودليل انتصار طهران والميليشيات الموالية لها التي تقاتل في صف النظام.

ولفت قسم من المعنيين الأميركيين إلى أنها ليست المرة الأولى التي تلمّح فيها موسكو إلى إمكانية تخليها عن الأسد، لكن السؤال هو: لماذا انتظر الروس حتى بدأت أميركا بالتصعيد العسكري ليقدموا اقتراحات عن بدائل للأسد؟

وفي جميع الأحوال، يعتبر المعنيون الأميركيون بمعظم آرائهم أن خروج الأسد من الحكم أصبح تحصيل حاصل، وأن لا تراجع أميركياً عن هذا الموقف، والمطلوب حالياً البحث في سبل كيفية رفع التكلفة العسكرية للانخراط الروسي والأميركي في الحرب السورية.

كذلك، بدأ يتكون شبه إجماع بضرورة تراجع الولايات المتحدة عن الانخراط في الحرب ضد تنظيم «داعش» داخل سورية، واعتبار ان «رأس الأفعى» للتنظيم هو في العراق، وان القضاء عليه في العراق ينهيه في سورية.

في هذه الاثناء، تركز أميركا اهتمامها داخل سورية على القضاء على الأسد، ويبدو أنها عملية تتمثل أولى خطواتها بدفع الخطر الذي يفرضه الروس والايرانيون على محافظة ادلب.

ووصل النقاش الأميركي إلى مراحل دراسة قيام حلف شمال الأطلسي بفرض إقامة منطقة آمنة في محافظة إدلب.

وكان الرئيس دونالد ترامب تراجع، للمرة الأولى منذ أشهر، عن عدائه للتحالف المذكور، وأعلن عودة أميركا إلى الانخراط معه وتقويته للقيام بدور أكبر في الحرب ضد الارهاب عالمياً، في وقت تتجه دوائر القرار لاعتبار القضاء على الأسد جزءاً من الحرب على الارهاب، أولاً لأن في صفوف الأسد مجموعات تعتبرها واشنطن إرهابية، مثل «حزب الله» اللبناني، وثانياً لأن الأميركيين باتوا يرون أن الأسد هو أحد الاسباب التي تؤدي إلى انتشار الارهاب، ومن غير الممكن القضاء على «داعش» من دون إخراجه من السلطة وقيام حكومة سورية قادرة على المشاركة في القضاء على «داعش» وتأكيد عدم عودته.

وتوازياً مع النقاش الدائر في واشنطن، كشف الاعلام الأميركي عن انتشار ألف جندي أميركي من «القوات الخاصة» في بلدة التنف الجنوبية السورية، على الحدود مع العراق والاردن. وتقوم هذه القوات بتدريب قوى من المعارضة السورية للانخراط في المعارك ضد «داعش».

لكن يبدو أن هذه القوات انسحبت من التنف إثر الهجمة الأميركية الصاروخية على مطار الشعيرات التابع لقوات الأسد الاسبوع الماضي، تحسباً لأي عمليات انتقامية قد يشنها الأسد أو حلفاؤه، وخلفت وارءها حلفاءها من المعارضة السورية.

وجاء الانتقام ضد الأميركيين، ولكن عن طريق «داعش»، الذي هاجم قاعدة التنف بالسيارات المفخخة والانتحاريين. وقال المسؤولون العسكريون الأميركيون ان الهجوم كان مخططاً بدقة، واستغرق صده ساعات، بمساعدة جوية أميركية، وأدى الى سقوط قتلى بين «داعش» وحلفاء أميركا السوريين.

واشنطن تهزم موسكو أولاً ... ثم تمد يد التعاون

جريدة الراي

التصريحات التي أطلقتها مجموعة من المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس، مثل السيناتور المخضرم جون ماكين، بشأن معرفة روسيا المسبقة بالهجوم الكيماوي في خان شيخون السورية، لم تكن عن طريق الصدفة، بل كانت في إطار تصعيد مدروس ضد موسكو، تسعى خلاله الولايات المتحدة الى بناء جبهة عابرة للأطلسي تشمل أميركا وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وباقي دول الاتحاد الاوروبي.

ولخصت مصادر أميركية الانقلاب في السياسة الخارجية تجاه روسيا بالقول انه «انتقال من الدفاع للهجوم»، موضحة أن واشنطن «تنوي تسلم زمام المبادرة، والانخراط في مواجهة بكل الوسائل ضد الروس في سورية ومنطقة الشرق الاوسط».

وأشارت إلى أن واشنطن تحظى بـ«دعم كامل من لندن وباريس، وخصوصاً برلين»، وان العواصم الاوروبية لطالما ناشدت الادارة الاميركية السابقة الانخراط في «فرض حل جذري» للأزمة السورية، بهدف وقف تدفق اللاجئين السوريين الى أوروبا.

ولفت خبراء أميركيون الى سلسلة من التراجعات في الموقف الروسي منذ توجيه أميركا ضربة صاروخية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد في مطار الشعيرات العسكري، قرب مدينة حمص، الاسبوع الماضي.

وقال الخبراء ان روسيا كانت أعلنت انها اقفلت مجال سورية الجوي باستخدامها أنظمة الدفاع «اس 300» و«اس 400»، لكن بعد الضربة، صارت موسكو تتحدث عن أن هذه الانظمة مكلفة حماية القواعد العسكرية التي يتواجد فيها الجنود الروس فحسب.

ويبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب اختارت توجيه ضربتها الى قاعدة الشعيرات لأسباب متعددة، أولها ان مقاتلة الأسد التي شنت الهجوم الكيماوي في خان شيخون كانت اقلعت منها، وثانيها لمعرفة الاميركيين أن في المطار العسكري المذكور قوات روسية.

وتقول المصادر الاميركية ان الضربة أرادت تذكير الروس بالامكانيات الاميركية الكبيرة في الاستهداف الدقيق من بارجات غير مرئية للرادارات الروسية، والتأكيد للروس ان تواجد جنودهم في سورية لن يثني الولايات المتحدة عن التدخل عسكرياً ساعة تشاء.

أما بالنسبة لإيران، فيبدو أن القيادة الاميركية لن تتوانى في توجيه ضربات للايرانيين أينما كانوا، في حال ثبت تورطهم في ضرب أهداف عسكرية اميركية. ومن المعروف ان وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، سبق أن عمل في العراق وطالب إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالسماح له بتوجيه ضربات داخل ايران رداً على قيام قوات موالية لطهران باستهداف جنود أميركيين في العراق. لكن أوباما لم يسمح بهذا النوع من الضربات.

هذه المرة، صار ماتيس في موقع نفوذ أكبر بكثير عمّا قبل، واستعادت وزارة الدفاع نفوذها الذي خسرته منذ أخرج الرئيس السابق جورج بوش وزير دفاعه دونالد رامسفلد من الادارة، على إثر خسارة الجمهوريين الغالبية في الكونغرس في الانتخابات النصفية العام 2006. منذ ذلك التاريخ وحتى خروج بوش من الحكم، تسلمت وزارة الخارجية بقيادة كوندوليزا رايس السياسة الخارجية، وبين 2009 ومطلع العام الحالي، كان مجلس الأمن القومي الذي يترأسه أوباما الآمر الناهي في شؤون الدفاع والخارجية، وجاء ذلك على حساب الوزارتين.

مع وصول ترامب الى الرئاسة، ومع أفول نجم البيت الابيض، الذي صار يدير مجلس أمنه القومي جنرال آخر هو هربرت ماكماستر، عادت السياسة الخارجية الى ايدي العسكر، ولهؤلاء ثأر يمتد لسنوات مع الايرانيين، والآن يدفعون باتجاه مواجهة ضد الروس «تعيد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الى حجمه».

كيف تنوي واشنطن التعامل مع روسيا في سورية؟ تقول المصادر الاميركية ان الهدف الأول هو استعادة اليد العليا من الروس والايرانيين، ثم مد يد التعاون الى موسكو وحدها للتوصل الى تسوية، على عكس ما دأبت فعله الادارة السابقة، التي أعلنت مسبقاً أنها لن تستخدم أياً من أوراق قوتها، وفي الوقت نفسه مضت في استجداء الروس والايرانيين للتوصل الى حلّ. هذه المرة، أميركا هي التي ستقرر نوع الحل وتفرضه، وتفتح الباب لموسكو، من دون ايران، فإما أن تنخرط روسيا في الحل الاميركي للابقاء على مصالحها في سورية، وإما أن تخرج من سورية كلياً. وفيما تنغمس الادارة الاميركية في عملية وضع المسودة الاولية لسياستها الخارجية عموماً، وتجاه روسيا وسورية خصوصاً، بات المسؤولون الاميركيون، على كل المستويات، يؤكدون ان «حجر الزاوية» في الحل السوري هو رحيل الأسد، وان «الهدف النهائي» من هذا الحل هو القضاء على تنظيم «داعش»، واحلال السلام في سورية لوقف تدفق اللاجئين منها الى العالم.

ويلخص مدير «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» روبرت ساتلوف السياسة الاميركية الجديدة في سورية بالقول: «لنتذكر ان في سورية، (داعش) هو الخطر الداهم… لكن ايران وحلفاءها حزب الله والأسد والميليشيات هي (الخطر) الأكثر أهمية».

الأربعاء، 12 أبريل 2017

واشنطن تعود إلى سياسة خارجية محسوبة على الصقور

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

رؤساء أميركا غالباً ما يعدّلون في سياساتهم ووعودهم الانتخابية. الرئيس الأسبق جورج بوش الأب وعد بعدم زيادة الضرائب، ثم تراجع عن وعده. وبعده جورج بوش الابن عزل نائبه ديك تشيني ومجموعة «المحافظين الجدد»، وأخرج وزير دفاعه دونالد رامسفيلد بعد خسارته الانتخابات النصفية في 2006، ثم سلم مقاليد الحكم الى وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، التي أعادت الانفتاح على أنظمة، كانت عزلتها واشنطن، مثل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

أما الرئيس السابق باراك أوباما، فوعد بسحب القوات الاميركية من العراق بعد ستة أشهر على تسلمه الحكم مطلع 2009، ولم يسحبها حتى نهاية العام 2011.

لكن يبدو ان الرئيس دونالد ترامب سيتفوق على كل أسلافه في سرعة انقلابه على نفسه وتعديل سياساته، إذ لم يمض 100 يوم على تسلمه الحكم، حتى قام بالإطاحة بركني حملته الانتخابية: مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، لثبوت تورط الاخير بفضائح، ثم أخرج مستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون من «مجلس الأمن القومي».

ويجمع المتابعون على أن إخراج بانون يرتبط بالصفعات السياسية المبكرة التي تلقاها ترامب في السياسات الداخلية، مثل قضاء المحاكم على قانون حظره دخول مواطني دول إسلامية الولايات المتحدة، وتعثر مشروع إبطال قانون الرعاية الصحية في الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية تابعة لحزب الرئيس الجمهوري.

والمفارقة أن أول إنجاز جنى شعبية حقيقية لقطب العقارات والملياردير الأميركي (ترامب) وقدّمه بمظهر رئاسي، هو قيام القوات الاميركية بقصف قاعدة الشعيرات العسكرية الجوية التابعة لقوات الأسد، قرب مدينة حمص، إذ أظهر الهجوم أن ترامب حازم في مواقفه، على عكس سلفه، الذي ركن سفنه الحربية امام الشواطئ السورية صيف 2013، قبل أن يسحبها للتوصل الى تسوية يفترض انه تم بموجبها نزع ترسانة الأسد الكيماوية، لكن يبدو اليوم ان تلك الاتفاقية لم تنفذ بالكامل حسبما زعمت ادارة أوباما.

وبدلاً من أن تصنع حكومة ترامب سياسة خارجية، يبدو ان السياسة الخارجية، المتمثلة في ضرب قوات الأسد، هي التي صارت تصنع الحكومة الاميركية، إذ ارتفع رصيد الجنرالات الثلاثة الكبار في ادارة ترامب، وهم مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس أركان الجيش جو دونفورد.

وقبل أسابيع، سرت أنباء عن أنه على رغم حصول ماكماستر على تعهدات بإطلاق يده في صناعة «مجلس الأمن القومي» وسياساته لقبول تعيينه مستشاراً للأمن القومي، تدخل ترامب لمنع ماكماستر من طرد احد العاملين ممن ساهموا في تسريب معلومات سرية الى رئيس لجنة الشؤون الاستخباراتية في الكونغرس ديفن نونيز، الذي كان يحاول بدوره تأكيد ادعاءات ترامب أن ادارة أوباما كانت تتنصت على اتصالاته اثناء ترشحه للانتخابات الرئاسية. وتزامنت انباء منع ماكماستر من طرد احد العاملين بامرته مع انباء عن منع ترامب ماتيس من توظيف مساعدة له في الوزارة «لأسباب سياسية».

لكن بعد النجاح الذي عادت عليه ضربة قوات الأسد، وهي ضربة قادها ماتيس بالتعاون مع ماكماستر ونائب الرئيس مايك بنس، ارتفعت اسهم الجنرالين، ويبدو ان ترامب سمح بإطلاق يديهما في ادارة الفرق التابعة لهما، إذ شعر بأنه يمكن للرجلين القيام بدور يرفع من شعبيته، وينقذه من مستنقع الاتهامات والاتهامات السياسية المتبادلة، التي شلّت عمل إدارته في الايام المئة الاولى من عمرها.

أولى ضحايا التغييرات الجذرية في العاملين بالبيت الأبيض كما في السياسات، كانت كايتي ماكفرلاند، وهي محللة سياسية كان عيّنها فلين في منصب نائبة مستشار الأمن القومي. الا ان ماكماستر وجد انها لا تتمتع بأي من المواصفات المطلوبة لتشغل موقعها، وقد عمل منذ فترة على الاطاحة بها، الى ان سنحت له الفرصة. ويقول العارفون ان ماكماستر يقوم بتغييرات لن تطول العاملين فقط في البيت الابيض، بل السياسات أيضاً.

أولى التغييرات في السياسات الاميركية جاءت في السياسة الخارجية، وفي الانقلاب التام الذي شهدته هذه السياسة تجاه روسيا وايران والحرب المندلعة في سورية. والى أن تتوافر معلومات أوسع عن فحوى لقاءات وزير الخارجية ريكس تيلرسون في موسكو، التي وصلها أمس، صار من شبه المؤكد ان الولايات المتحدة تعود الى سياسة خارجية محسوبة على الصقور، وتبتعد عن روسيا، وستأخذ في الغالب مواقف أقسى على الأرض في وجه إيران وكوريا الشمالية.

أما في الأزمة السورية، فبدأ فريق ترامب يتحدث عن «مهمة» عدم السماح للأسد وروسيا وايران باجتياح محافظة ادلب الشمالية، التي تحولت الى ملجأ لكل ثوار سورية ممن تم التوصل معهم لاتفاقيات للخروج من مناطق سبق ان كانوا محاصرين فيها. ويبدو ان ادارة ترامب تعتقد ان لجوء الأسد لشن هجمات كيماوية في خان شيخون، وهي تابعة اداريا لمحافظة ادلب، كان من باب التجربة لضرب مدينة ادلب والمعارضة المتحصنة في المحافظة، واستعادة المحافظة بالكامل، وهي الاخيرة المتبقية خارج سيطرة الأسد، فضلا عن الاراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في شمال سورية الشرقي.

تحولات واسعة تجري في واشنطن، في العاملين في صناعة السياسة الخارجية كما في السياسة الخارجية نفسها. اما اول الاختبارات للسياسات الاميركية الجديدة، فيكاد يجمع المراقبون انها ستكون في سورية في محاولة لانهاء الحرب المندلعة فيها منذ العام 2011، وانهائها في شكل لا يمنح خصوم أميركا، اي روسيا وايران، أي انتصار يذكر.

الاثنين، 10 أبريل 2017

واشنطن تتبنى طرد الأسد

حسين عبدالحسين

لم يتفوق في الأهمية على الهجوم الصاروخي الأميركي على مطار الشعيرات العسكري، التابع لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، إلا تصريح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الذي قال فيه إن واشنطن "ستلجأ إلى عملية جنيف لطرد الأسد" من الحكم.

وبغض النظر عن كمية الضرر الذي تسببت به الصواريخ الأميركية لقوات الأسد، إلا أنها ثبتت موقفاً أميركياً جديداً من الأسد يجعل من الصعب على واشنطن التراجع عنه، الآن أو مستقبلاً.

ومنذ استيلاء الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على السلطة، في انقلاب "الحركة التصحيحة" مطلع السبعينات، والعلاقة بين الولايات المتحدة وآل الأسد علاقة واقعية، قد يشوبها توتر من حين إلى آخر، ولكن لم يسبق أن انقطعت بالكامل، إذ لطالما اعتبرت واشنطن أن بيت الأسد واقعيون ومستعدون دائماً لوضع خدماتهم الاستخباراتية والأمنية في خدمة الغرب، وأن غياب عائلة الأسد عن الحكم في دمشق هو أمر أسوأ، بالمطلق، من بقائهم.

ومنذ اندلاع الثورة السورية وواشنطن مترددة في الطلب من الأسد الرحيل، إذ اكتفت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالطلب من الأسد "افساح المجال" للاصلاح. وفي أقسى انتقاداتها، قالت إدارة أوباما أن لا مستقبل للأسد في سوريا، ولكنها لم تتخل يوماً عن دور الأسد، على الأقل في المشاركة في المرحلة الانتقالية، التي تقرر ما يليها.

وبسبب دوامة الحرب التي فرضها الأسد على سوريا، وبسبب عدد القتلى الهائل، واستمرار تدفق اللاجئين، ودمار البنيان السوري، وغياب الأهمية الاستراتيجية لسوريا من منظور أميركي وعدم اكتراث واشنطن وعواصم العالم للمأساة الانسانية السورية، بل السعي لانهاء هذه المأساة بأقل تكلفة ممكنة، لاحت بوادر "عودة الأسد من منفاه السياسي" مع وصول دونالد ترامب الى سدة الرئاسة الاميركية.

وتلقف حلفاء الأسد من العرب والاسرائيليين الفرصة الذهبية التي سنحت لإعادة تأهيل الأسد، وتسويقه على أنه الحل الوحيد في سوريا القادر على المساهمة في حسم "الحرب ضد الإرهاب"، وتأكيد عدم عودة "الإرهابيين".

وبدأ أصدقاء الأسد بالعمل من داخل إدارة ترامب، وأدى مجهودهم الخارق إلى تراجع في المواقف الأولية للإدارة الأميركية من إدانة الأسد إلى مواقف غير مكترثة بما يرتكبه داخل سوريا.. إلى أن وقعت هجمات خان شيخون الكيماوية.

ومسؤولية الأسد عن هجمات خان شيخون مثبتة إلى درجة أن الروس، لمعرفتهم ما تعرفه الوكالات الاستخباراتية الغربية، حاولوا التخفيف من وطأة الأزمة باعترافهم بقيام مقاتلة تابعة للأسد بغارة على خان شيخون، وقولهم في الوقت ذاته إن مقاتلة الأسد لم تلقِ مواداً كيماوية، بل إن هدفها كان مخزناً كيماوياً. 

"الحزب الديموقراطي" الأميركي استغل الهجوم لتبرير تقاعس أوباما عن ضرب الأسد، وتحدي ترامب، على تبني سياسة مختلفة. "الحزب الجمهوري" ألقى باللائمة على أوباما ورأى فرصة سانحة لترامب لاظهار قوته، على عكس ضعف سلفه، وتحدي موسكو على أنه برهان على أن الرئيس الاميركي ليس رجل الروسي فلاديمير بوتين، وأنه مستعد لضرب مصالح بوتين وحلفائه حول العالم.

هجوم خان شيخون الكيماوي كان خطأ الأسد الفادح، الذي حاول حلفاؤه من العرب والاسرائيليين في واشنطن اقناع إدارة ترامب أن من تقف خلف الهجوم هي إيران والمليشيات المتحالفة معها، في محاولة لحماية الأسد وضرب عدوتهم إيران. لكن "للهبل حدود"، إذ بدا أن محاولة توجيه الضربة بعيداً عن الأسد باتجاه ايران هي محاولة عقيمة، ولا يمكن تسويقها لدى الرأي العام الأميركي، الذي هالته صور المجزرة الكيماوية.

هكذا وجّه ترامب للأسد ضربة اعتبرتها غالبية الخبراء بمثابة "هزة عصا" أميركية للرئيس السوري، من الناحية العسكرية، على الرغم من تواتر أنباء عن تدميرها 20 مقاتلة للأسد، وهو عدد كبير نسبياً.

ورغم صغر الضربة العسكرية الاميركية ضد الأسد، فإنها تحمل في طياتها تأكيداً على انهاء العلاقة الاميركية مع آل الأسد إلى غير رجعة، وتأكيداً أنه مهما بقي الأسد في الحكم، فسيبقى بصفة "رئيس منبوذ" عالمياً، أو يخرج من الحكم في المستقبل القريب أو البعيد، على غرار الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي نجا من حرب الخليج الأولى، لكنه بقي معزولاً إلى أن أطاحت به أميركا في أول فرصة ممكنة، لاحت بعد أكثر من عقد من الزمن.

الجمعة، 7 أبريل 2017

ترامب يضع الخيار العسكري ضد الأسد على الطاولة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بعدما كان الرئيس السوري بشار الأسد قاب قوسين أو أدنى من الخروج من عزلته الدولية المفروضة عليه منذ العام 2011، فجّر الهجوم الكيماوي في خان شيخون بمحافظة إدلب الموقف الأميركي «المتسامح» وقلبه رأساً على عقب، وسط معلومات عن أن «كل الخيارات بما فيها العسكرية باتت على الطاولة».

وصدرت في الساعات القليلة الماضية مواقف حازمة من الإدارة الأميركية حيال «مجزرة الكيماوي»، حيث قال الرئيس دونالد ترامب في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في البيت الأبيض، مساء أول من أمس، إن الهجوم «تخطى خطوطاً عدة ما بعد الخط الاحمر»، وجعله يُغيّر موقفه من الأسد، فيما اعتبر وزير الخارجية ريكس تيلرسون (الذي يزور موسكو يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين)، أنه حان الوقت لكي تعيد روسيا النظر في دعمها النظام السوري.

وفيما لوّحت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هايلي بـ«تحرك أحادي» إذا فشل المجتمع الدولي في التحرك، أعلن نائب الرئيس مايك بنس عن موقف أكثر وضوحاً، بقوله «كل الخيارات متاحة».

ورغم أن ترامب رفض الافصاح عن استراتيجيته الجديدة، علمت «الراي» أن مداولات مكثّفة جرت في الساعات الاربع والعشرين الماضية، حاول فيها اللوبي المؤيد للأسد، وفي صفوفه عرب واسرائيليون، إقناع ترامب بأن لا براهين تثبت أن الأسد هو الذي يقف خلف الهجوم، وإنه إذا كان فعل ذلك فربما بسبب خوفه من انهيار قواته أمام «تقدم الإرهابيين» على الحدود بين محافظتي ادلب وحماة.

لكن التقارير المتداولة في واشنطن أكدت بما لا يحتمل الشك أن مقاتلة تابعة لطيران الأسد هي التي قصفت الصاروخ الكيماوي، وأن خمس رادارات في المنطقة (الرادار الروسي في سورية والأميركي والتركي والاسرائيلي والبريطاني في قبرص)، أظهرت أن النشاط العسكري الوحيد وقت الهجوم جاء من قوات الأسد.

وتؤكد المصادر الاميركية أن إثبات التهمة على قوات الأسد أسهل هذه المرة، لأن مقاتلة نفذت الهجوم، مقارنة بهجوم غوطة دمشق في أغسطس 2013، الذي تعتقد الوكالات الغربية أن قوات الأسد نفذته بالمدفعية.

ويبدو أن التضارب في موقف واشنطن من الأسد أحدث انقسامات كبيرة في صفوف إدارة ترامب، ترافقت مع إعلان البيت الأبيض إخراج المستشار الرئاسي للشؤون الاستراتيجية، اليميني المتطرف ستيفن بانون، من «مجلس الأمن القومي»، علماً أنه من أبرز المؤيدين للأسد ولحرب تحالف الأقليات «ضد المسلمين»، لا ضد المجموعات الارهابية المتطرفة فحسب.

ومع خروج بانون، تقترب إدارة ترامب أكثر من يمين الوسط في الحزب الجمهوري، وهذا تغيير يعني سياسة خارجية كما يراها «الصقور»، أي مواقف قاسية تجاه روسيا، واعتماد أكبر على القوة العسكرية. ومن المرج أن يسعى ترامب، الذي تواجه إدارته تحقيقات بشأن علاقتها بموسكو، لإظهار مواقف حازمة تجاه روسيا وحلفائها حول العالم لإبعاد شبهات تبعيته للروس.

وفي هذا السياق، تناقل العاملون في الكونغرس من الحزب الجمهوري ان «الحديث عن حملة عسكرية أميركية في سورية» قد بدأ فعلياً، وأن «كل الخيارات صارت الآن على الطاولة».

وتقول مصادر الكونغرس ان سورية تحولت كابوساً أرهق الإدارة السابقة، وعلى الادارة الحالية التعامل مع هذا الملف بحزم والتوصل الى حل حاسم حتى لا يتحول الأمر الى «مستنقع سياسي» يستهلك من رصيد الرئيس والحزب الجمهوري مع اقتراب الانتخابات النصفية العام المقبل.

وما قد يسهّل حصول ترامب على موافقة الحزبين لشن حملة عسكرية ضد نظام الأسد، قيام الديموقراطيين بشن هجوم واسع ضد ما وصفوه بتراخي ترامب تجاه هجوم خان شيخون، وهو ما يعني أنه في حال تحرك ترامب في سورية، سيجد الديموقراطيون أنفسهم مجبرين على تأييده.

ومساء أمس، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية تأكيده أن الخيار العسكري غير مستبعد في سورية، في حين ذكرت شبكة «سي ان ان» أن ترامب أخبر أعضاء في الكونغرس أنه يدرس التحرك العسكري.

وفي ختام جلسة عقدها مساء أول من أمس (وكالات)، أرجأ مجلس الأمن الدولي التصويت على مشروع قرار، قدمته واشنطن ولندن وباريس ورفضته موسكو، يدين الهجوم الكيماوي على خان شيخون.

وفي تحرك مقابل، قدمت روسيا، أمس، مسودة مشروع مضاد إلى مجلس الأمن.

وفي السياق، أعلن وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرولت أن باريس لا تزال تسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن، مشيراً إلى أن المفاوضات الديبلوماسية لها الأولوية على أي عمل عسكري.

وقال في تصريحات متلفزة «المرحلة الأولى هي التصويت على قرار، وقبل أي شيء إعادة بدء مفاوضات السلام في جنيف. يجب ألا نتحرك من أنفسنا، بحجة أن الرئيس الأميركي ربما غلى الدم في عروقه، ونصبح متأهبين للحرب».

وأكد أنه «سيأتي يوم يحكم فيه القضاء الدولي على بشار الأسد الذي يرتكب مجزرة بحق شعبه»، مشدداً على ضرورة ألا تبقى مجزرة خان شيخون من دون عقاب.

وفي موقف مشابه، أعلن وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون أنه يجب استصدار قرار في الأمم المتحدة قبل أي تحرك منفرد في سورية.

في غضون ذلك، أعلنت وزارة العدل التركية أنه «تم تشريح ثلاث جثث لاشخاص نقلوا من ادلب. ونتائج التشريح أكدت استخدام سلاح كيماوي»، فيما رجحت وزارة الصحة أن يكون «غاز السارين».

وقال وزير العدل بكر بوزداغ «التحقيق العلمي يؤكد أيضاً أن نظام الأسد استخدم أسلحة كيماوية»، مشيراً إلى ان عملية التشريح تمت بمشاركة أطباء شرعيين أتراك وممثلين عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة حظر الاسلحة الكيماوية.

وكانت روسيا حاولت تبرئة النظام من استخدام الكيماوي، بإعلانها أول من أمس أن طيران الأسد «قصف مستودعاً إرهابياً كبيراً بالقرب من خان شيخون» كان يحتوي على «مشغل لصنع القنابل اليدوية بواسطة مواد سامة».

وأمس، أكدت الخارجية الروسية أن اتهام دمشق باستخدام أسلحة كيماوية «مسألة سابقة لأوانها»، مشيرة إلى ضرورة إجراء تحقيق.

من جهته، أعلن الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن الأميركيين لا يملكون معلومات «موضوعية» عن «الجريمة الفظيعة».

وقال «مباشرة بعد المأساة لم يكن بوسع أي كان الوصول إلى هذه المنطقة» من محافظة إدلب التي تعرضت للهجوم، مضيفاً «بالتالي، إن أي معلومات يمكن أن تكون بحوزة الطرف الأميركي (...) لا يمكن أن تكون مبنية على مواد أو شهادات موضوعية».

واعتبر أنه «لم يكن ممكناً لأحد الحصول على معلومات موثوقة تعكس الواقع» بشأن «هذه الجريمة الخطيرة والفظيعة»، محذراً من أي «استنتاج متسرع» عما حصل.

وأضاف «نحن لا نوافق على التقييمات الصادرة» بشأن الهجوم، مشدداً في الوقت نفسه على أن استخدام الأسلحة الكيماوية «غير مقبول».وفي دمشق، أكد وزير خارجية النظام وليد المعلم أن دمشق «لم ولن تستخدم» السلاح الكيماوي ضد الشعب والاطفال، ولا حتى «ضد الارهابيين».

وبشأن تشكيل لجنة تحقيق دولية، قال المعلم ان «أي لجنة تحقيق يجب ان نضمن انها ليست مسيسة وانها ممثلة جغرافيا بشكل واسع وتنطلق من دمشق وليس تركيا».

Since December 2008