الخميس، 31 أكتوبر 2019

واشنطن تراقب «المواجهة» بين المرشد والرئيس في إيران

واشنطن - حسين عبدالحسين
جريدة الراي

الانهيار في الأنظمة والحكومات الذي يلف دول لبنان وسورية والعراق، لا يبدو أنه سيبقى بعيداً عن إيران، إذ يرصد المراقبون الأميركيون اهتزازاً في الداخل الإيراني سببه تقدّم مرشد الثورة علي خامنئي في السنّ، ومحاولة عدد من قادة إيران خلافته، وفي طليعتهم الرئيس حسن روحاني، مع ما يتسبب ذلك بصراعات بين أجنحة متعددة داخل الحكم وخارجه.
وفي هذا السياق، كثفت مراكز الأبحاث الأميركي الجلسات المخصصة لاستشراف الاحتمالات المستقبلية ومصير الجمهورية الإسلامية.
ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط اليكس واتانكا، وهو أميركي من اصل ايراني، ان من الإيرانيين من يصرّون على أن خلافة خامنئي، للمرشد الأعلى للثورة الراحل آية الله الخميني في العام 1989، كانت خطوة مقررة الهيا، لكن الواقع هو أن كبار القادة الإيرانيين قرروا يومها وضع مصيرهم في ايدي من اعتقدوه زعيماً انتقالياً موقتاً، وهو لم يكن حائزاً على مرتبة «آية الله العظمى»، بل كان خامنئي رئيساً سابقاً ورجل دين من الدرجة المتوسطة، وهو ما فرض تعديلاً دستورياً سريعاً، واستفتاءً شعبياً بنتيجة 97 في المئة المعروفة.
وحتى يثبّت خامنئي حكمه، اعتمد على «الحرس الثوري»، وأبرم معه اتفاقاً قدم له فيه غطاءً سياسياً، بما في ذلك حصة في الموازنة الوطنية والاقتصاد، وسمح له بإقامة جهاز استخباراتي خاص ينافس الاستخبارات الحكومية، وأعطاه حق الفيتو في مواضيع السياسة الخارجية الكبرى.
يقول واتانكا، في مقابلة مع «الراي»، إن «الحرس الثوري» كان متخوفاً من خامنئي اثناء رئاسته، لكن نهاية حرب العراق أجبرت «الحرس» على البحث عن هدف، قدمه لهم خامنئي، الذي حرص على أن تكون أول إطلاله له كمرشد أمام حشد من كبار قادة «الحرس»، قال فيها إنه «لا يمكن الدفاع عن الثورة الإسلامية من دون الحرس الثوري».
وفعلياً، قام «الحرس الثوري» بالدفاع عن نظام خامنئي ضد انتفاضتين شعبيتين في العامين 1999 و2009.
يضيف واتانكا ان «خامنئي وحلفاءه يراقبون كيف يقدم روحاني ومعسكره المعتدل انفسهم على انهم من انصار التغيير السياسي المتدرج في إيران».
مثال على ذلك قيام روحاني بالإدلاء بتصريح قال فيه إن أول برلمان إيراني منتخب في 1980، كان الأكثر حرية وتمثيلا لرغبات الإيرانيين، وكان فيه شيوعيين ومعارضين للخميني.
ويعتقد الخبير الإيراني الأميركي، أن تصريح روحاني كان هجوماً على مجلس الشورى، الذي يتمتع اليوم بصلاحية الموافقة على كل المرشحين في الانتخابات البرلمانية. ولم يتأخر معسكر خامنئي في الرد، إذ اتهم رئيس إيران بأنه «يلعب لعبة أعداء إيران بتشكيكه بشرعية النظام».
ومن المقرر أن يذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع مطلع العام المقبل لانتخاب برلمانهم، وسط دعوات إلى مقاطعة العملية الانتخابية، وهي دعوات إن نجحت فستتسبب بإحراج كبير لخامنئي ونظامه، حسب واتانكا.
المواجهة بين خامنئي وروحاني دفعت المرشد إلى إعطاء «الحرس» الضوء الأخضر للانخراط في مواجهة ضد الحكومة ورئيسها.
ويلفت واتانكا إلى أن المواجهة مندلعة أصلاً بين روحاني ومؤسسات الدولة، من ناحية، و«الحرس الثوري»، من ناحية ثانية، وهي مواجهة تتضمن «تسريبات، وحملات تضليل، وتبادل الاتهامات بتقويض المصلحة الوطنية».
ويعتقد المراقبون أن في إطار المواجهة، قام «الثوري» بتسريب صوراً لنجل وزير الخارجية محمد جواد ظريف تظهره في حفلات راقصة مع نساء وخمر، وفي سيارات فخمة.
استمرارية الثنائية التي يقوم عليها النظام الإيراني، بين المرشد و«الحرس»، من جهة، والرئيس والحكومة، من جهة ثانية، أدت حتى الآن إلى عدد من المواجهات التي استخدم خلالها «الحرس» القمع الشديد والعنف للحفاظ على السلطة. لكن مع بلوغ خامنئي عامه الثمانين، صار «الحرس» يفكّر في مرحلة ما بعد المرشد الحالي، إذ أن إلقاء اللائمة على الحكومة وحدها بالفقر والجوع الذي يعانيه الإيرانيون قد لا يفي بالغرض في المرحلة المقبلة، وهو ما قد يضطر «الحرس» إلى تقديم بعض التنازلات للحكومة، والى مصالحة الجمهور الإيراني.
لكنها خطوات من باب التكهن، ومن غير المعروف كيف يمكن للنظام الإيراني الحفاظ على الاستقرار مع اقتصاد يتهاوى ومرشد يتقدم في السن.

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

مجلس النواب يصوّت غداً على بدء إجراءات خلع ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد شهر على التحقيقات الأولية في اللجان، أعلنت نانسي بيلوسي، أن مجلس النواب سيصوّت غداً على البدء رسمياً بإجراءات خلع دونالد ترامب، وهو ما يعطي اللجان قوة قانونية أكبر لإجبار إدارة الرئيس الأميركي على التعاون مع التحقيقات، وتقديم الوثائق والشهود التي تطلبها، تحت طائلة مواجهة عقوبات تحت عنوان «احتقار العدالة».
ومن المتوقع أن تنجح الغالبية الديموقراطية، في المصادقة على القرار، فيما تتجه الأنظار إلى أعضاء مجلس النواب من الجمهوريين ممن قد ينضمون إلى الديموقراطيين. وحتى الآن، أعلن عضو جمهوري واحد تأييده لخلع ترامب، وهو النائب جستن عمّاش، وهو من أصل فلسطيني.
وفيما يقرع الديموقراطيون طبول مواجهة «كسر العظم» سياسيا مع ترامب، يعاني الجمهوريون من الفوضى التي تشوب صفوف الإدارة الحالية، إذ إن ترامب لم يقم حتى الآن «غرفة حرب»، على غرار ما فعل سلفه الديموقراطي بيل كلينتون يوم واجهته غالبية الجمهوريين بإجراءات خلع في التسعينات.
وما يقلق الجمهوريين، خصوصاً أعضاء مجلس الشيوخ ممن يشكلون الغالبية، أن الدلائل التي ظهرت الى العلن حتى الآن تشير إلى أنه لدى مجلس النواب قضية دامغة ضد الرئيس بتهمة محاولة استخدام نفوذ منصبه في الضغط على أوكرانيا لإجبارها على تقديم ما من شأنه أن يدين هنتر بايدن، ابن نائب الرئيس السابق والمرشح للرئاسة عن الديموقراطيين حاليا جو بايدن. 
وما يقلق الجمهوريين أيضاً هو أن ترامب لم يقدم، حتى الآن، خطة دفاعية متماسكة يمكن لأعضاء مجلس الشيوخ الاستناد إليها في دفاعهم وتصريحاتهم، وهم يخشون أن يقدموا أي دفاع عن الرئيس، ثم تتكشف أدلة فاضحة أكثر، فيصبحون شركاء في الجرم، بحسب الرأي العام، الذي قد يدينهم بعدم انتخابهم لولايات قادمة.
جلّ ما قدمه ترامب حتى الآن هو دفاع استعراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، غالبا بمهاجمة الديموقراطيين وإطلاق أسماء تشهيرية بحقهم. ومثل ترامب، لا استراتيجية واضحة لدى البيت الأبيض لكيفية مواجهة الخطر المحدق برئاسة ترامب، وهو ما دفع الجمهوريين في الكونغرس الى عقد جلسات مقفلة للتباحث في كيفية التعامل مع الأزمة التي تزداد عمقا كل يوم.
وبعد التصويت على البدء بإجراءات الخلع، من المتوقع أن تقدم اللجان مشروع قانون للخلع، برفقة قرائن ودلائل. وإن وافقت غالبية مجلس النواب، وهو المرجح، تتحول الإدانة الى قرار ظني، ويتحول مجلس الشيوخ الى هيئة محلفين، ويدير قضاة المحكمة العليا عملية محاكمة الرئيس.
وعملية الإطاحة بالرئيس تحتاج موافقة ثلثي مجلس الشيوخ، أي 67 سناتوراً، فيما تتألف الأقلية الديموقراطية من 48 عضواً، ما يعني أن الإطاحة تحتاج لانضمام 19 سناتورا جمهورياً الى الديموقراطيين. ومن الجمهوريين، وحده السناتور عن ولاية يوتا والمرشح السابق للرئاسة ميت رومني أعلن استعداده التصويت للإطاحة بترامب، فيما يبدو أن بين الغالبية الجمهورية خمسة أعضاء ممن يخشون أن يؤدي تصويتهم ضد عزل الرئيس إلى غضب شعبي ضدهم في ولايتهم، وتالياً خسارتهم مقاعدهم، بسبب تدني شعبية ترامب في هذه الولايات. 
ومن شأن خسارة الجمهوريين ثلاثة مقاعد أن يطيح بالغالبية التي يسيطرون عليها، فتصبح في ايدي خصومهم الديموقراطيين، وهو أمر يسعى زعيم الغالبية الجمهوري الى تفاديه مهما كان، وهو ما يعني أن قرار ميتش ماكونل حول دعم ترامب من عدمه يرتبط باستطلاعات الرأي وإمكانية أن تؤدي معارضة خروجه من الحكم الى خسارة الجمهوريين مجلس الشيوخ.
وبين الجمهوريين، 24 سناتوراً ممن ستجري انتخابات لتجديد ولاياتهم العام المقبل، ومن بين هؤلاء أربعة على الأقل ممن تظهر استطلاعات الرأي تأخرهم عن منافسيهم الديموقراطيين بسبب تدني شعبية ترامب، وهو ما يؤثر سلبا على حظوظ حزبه الانتخابية في بقية المناصب في عموم البلاد.
الديموقراطيون بدورهم يعتقدون أن الدلائل التي حصلوا عليها حتى الآن دامغة جداً، وهي ستقلب الرأي العام ضد ترامب، فإما يشارك الجمهوريون في إطاحته، وإما يخسرون غالبية مجلس الشيوخ، في انتخابات العام المقبل، لدفاعهم عنه، وقد يخسرون مع الغالبية، البيت الأبيض نفسه، وهو ما يعني انه اذا حافظ الديموقراطيون على مجلس النواب، وهو المرجح، تصبح أكبر ثلاث مؤسسات، الكونغرس بغرفتيه والرئاسة، في أيدي الديموقراطيين.

مشكلة لبنان.. نصرالله

حسين عبدالحسين

لم تعد مشكلة لبنان تقتصر على دويلة "حزب الله"، الدويلة المستقلة في قراراتها، والتي تتمتع بجيش كامل العتاد والتجهيز، وبمؤسسات اجتماعية وثقافية، وبشبكات إعلام مرئية ومسموعة ومقروءة، ولديها شبكة اتصالات هاتفية خاصة.

المشكلة صارت في أن زعيم دويلة "حزب الله" في لبنان، حسن نصرالله، صار صاحب الكلمة العليا في كل شؤون الجمهورية اللبنانية واللبنانيين. والمشكلة أن نصرالله زعيم أبدي، لا يمكن عزله، ولا إسقاط حكومته، ولا إسقاطه في انتخابات مقبلة، ولا الادعاء عليه أمام المحاكم، ولا محاسبته، ولا حتى تصويره في البرامج الكوميدية السياسية الساخرة.

نصرالله هو وريث نظام وصاية آل الأسد على لبنان. كان الأسد يوظّف زعماء لبنان، يحدد لهم الحصص ومغانم الفساد، يحدد من هو الرئيس، ومن هو رئيس الحكومة. استخدم الأسد "حزب الله: كفزاعة أمنية لابتزاز الغرب أمنيا، وأفاد الأسد وزعرانه من الفساد اللبناني، فأثروا أيّما ثراء.

مثل عون، استدار الحريري على مواقفه الماضية، وراح يشارك عشيرة عون فيما تيسر من مغانم

لم تذهب كل أموال لبنان المسروقة إلى جيوب الزعماء اللبنانيين، على فسادهم. كانت شركات قاسيون ويعرب غازي كنعان ورستم غزالة وغيرهم من أركان نظام الأسد ينهبون المالية العامة اللبنانية، وكان زعماء لبنان يتسابقون على إغداق العقود والهدايا على زمرة الأسد لضمان بقائهم في السلطة.

كان نصرالله في بداياته. اتهم من طالبوا بإنهاء وصاية الأسد على لبنان بأنهم استخبارات غربية ويعملون بإمرة السفارات، وقال إن جيش الأسد سيبقى في لبنان، بل استعرض عضلاته وأرسل عشرات الالاف ليتظاهر وإياهم في وسط وبيروت، وراح يصرخ "شكرا سوريا". رد اللبنانيون بغالبية مطلقة، وتظاهروا في تظاهرة ابتلعت نصرالله وكل مناصريه، وهزّت العالم، وأجبرت الأسد على الانسحاب من لبنان.

مع تحول الأسد الابن إلى واحد من أزلام إيران، بعدما كان الأسد الأب شريكا لإيران وسيدا أوحدا في لبنان، ورث نصرالله دور حكام دمشق، وصار يملي على اللبنانيين ما يقولونه وما لا يقولونه، ما يعتقدونه وما لا يعتقدونه.

"رفيق الحريري قتلته إسرائيل"، هكذا قال نصرالله، واستعرض فيلم فيديو قرصنه حزبه من طائرة استطلاع إسرائيلية. طيب إذا قتلت إسرائيل الحريري، لما لم ينتقم نصرالله، الذي ينصب نفسه حاميا للبنان، من الجريمة؟ لماذا انتقم نصرالله لمقتل عماد وجهاد مغنية بعمليات ضد إسرائيل، ولم ينتقم لمقتل الحريري؟ منطق متهافت لا يتطلب أي عناء لتفنيده.

ثم جاء يوم الانتخابات في 2009. أطلق نصرالله الوعد التالي: إذا خسرنا نتحول إلى معارضة وتحكم الأكثرية وحدها، وإذا ربحنا، نحكم وحدنا. خسر نصرالله الانتخابات، فأخلّ بوعده. لا يهم. مناصروه سيصدقون كل ما يقوله. أصرّ نصرالله أنه لا يمكن حكم لبنان على قاعدة أكثرية وأقلية، وأن الميثاق الوطني يقضي بتوافق وبقيام حكومة وحدة وطنية، مع ثلث معطّل له في الحكومة.

انقضت ولاية الرئيس ميشال سليمان في 2014. أقفل نصرالله البرلمان على مدى عامين، ومنع انتخاب أي شخص غير مرشحه للرئاسة ميشال عون، وعاش لبنان في ظلّ حكومة تصريف أعمال لا يمكنها أن تلتئم. هكذا هو الميثاق الوطني.

فرض نصرالله انتخاب عون رئيسا، وفرض قانونا انتخابيا، وفاز "حزب الله" بأكثرية برلمانية. هذه المرة، لا ثلث معطّل لمعارضيه، أو من تبقى منهم، مثل سمير جعجع ووليد جنبلاط، ولا توافق. في غضون سبع سنوات، غيّر نصرالله قواعد اللعبة السياسية حسبما يناسبه.

نصرالله استنسخ نظام "الجمهورية الإسلامية" في إيران. مرشحو الرئاسة موافق عليهم سلفا من المرشد، أي نصرالله في الحالة اللبنانية. كما استنسخ نصرالله "اقتصاد المقاومة" عن إيران.

أعلن "صندوق النقد الدولي" الأسبوع الماضي أن ناتج إيران المحلي سيضمر بواقع 10 في المئة العام المقبل، للمرة الأولى منذ العام 1984، فيما هبط إنتاج إيران النفطي إلى أدنى مستوى له منذ العام 1988. قيمة العملة الإيرانية تنهار، والإيرانيون يأكلون القطط والكلاب، وكلّما تظاهروا، أفلت عليهم المرشد الإيراني علي خامنئي أنصاره يضربونهم بالعصي ويتهمونهم بالعمالة للاستكبار والإمبريالية والسفارات.

اقتصاد لبنان على خطى اقتصاد إيران. بدأت الليرة اللبنانية تفقد قيمتها، وبدأت الناس تفقر وتجوع، وخرجت إلى الشوارع تتظاهر وتصرخ. ومثل مرشد إيران خامنئي، أطلق مرشد لبنان نصرالله أنصاره ليضربوا الناس، واتهمهم بالعمالة للسفارات الأجنبية، وهددهم بحرب أهلية، مثلما هدد فلاديمير بوتين المتظاهرين الروس بـ "ربيع عربي" يشبه "الربيع السوري". مثل في سوريا والأسد، هدد أنصار نصرالله المتظاهرين اللبنانيين: "نصرالله أو نحرق البلد".

ولنصرالله رأي في كل شاردة ووراده في البلاد. قال إن ترتيب الحكم في لبنان باق، أو حرب أهلية، على غرار الأسد، الذي كان يهدد بحرب أهلية كلما طالبه العالم بسحب قواته من لبنان.

والحكم في لبنان اليوم يتألف من لاعبين صغار، مثل ميشال عون وصهره الساعي لوراثته جبران باسيل، ورئيس الحكومة سعد الحريري. هؤلاء بائعو شنطة، يضربون بسيف السلطان الذين يغمّسون في صحنه.

زار عون يوما الكونغرس وقال إن "حزب الله" منظمة إرهابية. ثم ثار اللبنانيون على حكم الأسد وأرسل الأسد ميشال قزي، حسب زعمه، ليعيد عون إلى لبنان ويستعيض به عن الحريري والسنّة، الذين كانوا خرجوا على الوصاية السورية.

انقلب عون على كل مواقفه، وفاز بالرئاسة، وعيّن بناته الثلاثة، وأزواجهم، وأبناء إخواته وإخوانه، وأقاربه الآخرين، في أرفع مناصب الدولة. ثم يقول لك العونيون "دلّونا على الفساد".

ومثل عون، استدار الحريري على مواقفه الماضية، وراح يشارك عشيرة عون فيما تيسر من مغانم. أما رئيس البرلمان نبيه بري، فصار صاحب الرقم القياسي العالمي في منصبه، مع ما درّ عليه ذلك وعلى أزلامه من خيرات. التغيير في لبنان ممنوع. هكذا قال المرشد نصرالله.

حق تقرير المصير هو من حقوق الإنسان العالمية، وهو مبني على أن الشعب، في كل دولة، هو مصدر السلطات. والسلطات في كل دولة تناط بأشخاص لفترات محدودة. طيب، كيف التعامل مع حالة مثل نصرالله في لبنان؟ لا الشعب اختاره، ولا الشعب يدفع مرتبه، ولا كلمة للشعب في بقائه حاكما عليهم، بل هو يحكمهم، برضاهم أو بعدم رضاهم. وإن خرجوا للشوارع للاعتراض، ضربهم، واتهمهم بالعمالة وتقاضي الأموال من السفارات، وهددهم بالحرب الأهلية. كيف يمكن حلّ معضلة نصرالله في لبنان؟

الاثنين، 28 أكتوبر 2019

ترامب كان يلعب الغولف لدى قتل البغدادي

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

أثارت طريقة إعلان الرئيس دونالد ترامب، قيام القوات الأميركية بقتل زعيم تنظيم «داعش» الارهابي أبوبكر البغدادي، بعض السخرية والكثير من القلق في الأوساط الأميركية.
السخرية تسبّب بها قيام ترامب بنشر صورة أظهرته يجلس في «غرفة الأوضاع» في البيت الأبيض، مرتديا بذلة رسمية، والى جانبه نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الدفاع مارك اسبر، وقائد الأركان الجنرال جايمس ماكونفيل.
وعلى الفور أعادت الصورة إلى الأذهان صورة الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن وكبار أركان إدارته يوم كانوا يتابعون عملية قتل زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي أسامة بن لادن في العام 2011.
وفيما أظهرت صورة مقتل بن لادن، أوباما بملابس غير رسمية وقد بدت على محياه ملامح القلق، بدا ترامب في صورته شبه مبتسم وهو ينظر في الكاميرا، وبدت الصورة مصطنعة.
وفعلاً، أظهر التدقيق بالتفاصيل الإلكترونية للصورة انه تم التقاطها في الساعة الخامسة من بعد ظهر السبت، فيما العملية تمت مع حلول الساعة الثالثة بعد الظهر، أي في الوقت الذي كان يلعب ترامب، الغولف. وفي وقت لاحق أكدت مصادر البيت الأبيض أن الصورة تم التقاطها بعد العملية، في محاولة من ترامب للإيحاء بانه اشرف عليها، فيما هو لم يكن على علم بأنها كانت تجري.
ويعتقد خبراء في العاصمة الأميركية أن القيادة العسكرية تخفي على ترامب تفاصيل بعض المعلومات التي بحوزتها والعمليات التي تقوم بها لان الرئيس «ثرثار»، ولأن ثرثرته قد تؤدي إلى إفشال العملية وتعريض حياة أميركيين أو مصادر أميركية للخطر. وسبق لترامب ان نشر في تغريدة صورة للقاعدة التي أطلق منها الإيرانيون قمراً اصطناعياً، لم يتكلل بالنجاح، الأمر الذي كشف أن أميركا تراقب الأرض الإيرانية عن كثب، وهو ما لم يكن معلوماً لدى طهران.
وقبل صورة إيران، ابلغ ترامب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، الذي كان يزوره في البيت الأبيض في العام 2017، أن أميركا حصلت على معلومات استخباراتية من إسرائيل مفادها بأن «داعش» كان ينوي شن هجمات بأجهزة كومبيوتر محمولة مفخخة، وهو ما عرّض المصدر إسرائيلي للخطر.
ومثله، خشيت الاستخبارات الأميركية على مصير مقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يتجسس لمصلحة أميركا، وخافت الاستخبارات أن يقوم ترامب بكشف هوية الجاسوس، فعمدت إلى تهريبه إلى واشنطن، حيث يقيم في إحدى ضواحيها.
هكذا، أبلغت الاستخبارات ترامب عن مقتل البغدادي بعد حصول العملية. لكن الرئيس، المشهور كنجم «تلفزيون الواقع»، أصرّ على الإفادة السياسية من العملية، فركّب صورة لمحاولة إقناع الأميركيين بأنه أشرف على مقتل البغدادي. لكن فارق التوقيت الذي كشفته الصورة، ونظرة ترامب ومساعديه التي خلت من القلق، أثارت السخرية تجاه رئيس يسعى للأضواء أكثر منه للإنجازات الفعلية.
ولأنه يسعى إلى النجومية دائماً، أقلق قيام الرئيس الأميركي بتقديم تفاصيل عسكرية حول العملية القادة العسكريين، فهو كشف، في خطابه المطول الذي استمر 48 دقيقة، عدداً من العناصر والأساليب والإجراءات التي ستسمح للإرهابيين، الذين ستستهدفهم أميركا مستقبلاً، التحسب لها، من قبيل إشارة ترامب إلى أن أميركا تقوم بمراقبة التواصل بين الإرهابيين عبر وسائل غير خليوية، بما فيها قنوات الإنترنت. كذلك، أشار إلى الأنفاق التي رصدتها واشنطن مسبقاً، وعدد المروحيات الثماني التي استخدمتها القوات الأميركية لتنفيذ العملية، كما الطريق الجوي الذي سلكته المروحيات ذهاباً وإياباً.
مقتل البغدادي عملية نوعية سيستخدمها ترامب لإسكات أعضاء الكونغرس من الجمهوريين ممن ينتقدون سياسته الخارجية، خصوصا تجاه سورية، وهي عملية سيستخدمها في دعايته الانتخابية لإعادة انتخابه لولاية ثانية العام المقبل، فهل سيتذكر الناخب الأميركي أن ترامب كان يلعب الغولف، وأن صورته في «غرفة الأوضاع» كانت للدعاية، أم أن الناخبين سيعتقدون أن العملية تثبت كفاءة رئيسهم في مكافحة الإرهاب وحماية الولايات المتحدة منه؟

الأحد، 27 أكتوبر 2019

خطوات إيرانية لـ«بناء الثقة» مع ترامب!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تقول مصادر أوروبية رفيعة المستوى في العاصمة الأميركية، إن طهران تسعى إلى فتح قناة حوار مع واشنطن ومباشرة خطوات لإعادة بناء الثقة بين الحكومتين... أولى بوادر الحوار المنشود، هو قيام الجمهورية الإسلامية بتقديم لائحة بأسماء الإيرانيين والإيرانيين الأميركيين المسجونين في الولايات المتحدة بعد إدانتهم بتهم تجاوز العقوبات المفروضة على طهران أو محاولتهم تمرير تكنولوجيا حساسة إلى الجمهورية الإسلامية.
لكن الإيرانيين، يشكون في الوقت نفسه، من انهم لم يسمعوا جواباً من الأميركيين حول إمكانية إبرام صفقة تبادل سجناء.
على أن الأوروبيين الذين حاول، الفرنسيون منهم خصوصاً، القيام بوساطة بين طهران وواشنطن، يعتقدون ان الاختلاف بين العاصمتين كبير، بما في ذلك الاختلاف في أسلوب المفاوضات.
وترى المصادر الأوروبية، أنه في مخيلة دونالد ترامب، يجب أن تكون المفاوضات فورية وكبيرة، ويتم الإعلان خلالها عن قرارات حاسمة وتاريخية.
ويعتقد الرئيس الأميركي أن الأسلوب الوحيد لإجبار إيران على تبني مطالبه هو بفرض حصار قاس عليها، وفي الوقت نفسه، إغداق الوعود عليها بمستقبل اقتصادي باهر إن هي تراجعت ووافقت على مطالبه القاضية بتخليها عن برنامجيها النووي والصاروخي، وتخليها عن دعم المجموعات التي تسميها أميركا «إرهابية» في عموم منطقة الشرق الأوسط.
أما إيران، تشير المصادر الأوروبية نفسها، فتتمسك بالأسلوب التقليدي المعروف، والقاضي بفصل الملفات عن بعضها البعض، والبدء بعملية بناء ثقة مبنية على التوصل لاتفاقيات في الشؤون الصغيرة، ليصار بعد ذلك الى الاتفاق على الشؤون الكبيرة والأكثر تعقيداً.
ويعتقد الإيرانيون أن عملية تبادل السجناء، من المواضيع المحببة الى قلب الرئيس الأميركي، إذ هي تعطيه انتصاراً إعلامياً فورياً، على غرار ما فعله اثر قيام كوريا الشمالية بالإفراج عن معتقلين أميركيين في سجونها، أو حتى جثث سجناء أميركيين أو رفات جنود.
ويقول الأوروبيون إنهم سمعوا من الإيرانيين انهم يفضلون تفادي أسلوب ترامب في التوصل لاتفاقات سريعة وفورية وشاملة، وان التجربة تظهر أن لا أمان للاتفاقيات التي يتم التوصل إليها مع ترامب، فهو غالبا ما ينقلب على اتفاقياته وينكث بوعوده.
وإن صحت التقارير الأوروبية، فهي تعني أن طهران تتخلى عن سياستها القاضية بانتظار نهاية رئاسة ترامب. ويعتقد الأوروبيون أن التغيير في السياسة الإيرانية مرده الى الانهيار الاقتصادي الكبير الذي تعانيه الجمهورية الإسلامية، فإنتاجها النفطي بلغ أدنى مستوى له منذ العام 1988.
وتوقع تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، ضمور الاقتصاد الإيراني بنسبة تقارب عشرة في المئة العام المقبل، مع نسبة تضخم تصل 60 في المئة، وهذه الأرقام هي الأسوأ في تاريخ إيران منذ العام 1984.
أمام الوضع الاقتصادي الكارثي، يبدو أن طهران تحاول إرسال إشارات إلى واشنطن مفادها بأنها مستعدة لاستئناف المفاوضات بما يحفظ ماء الوجه للطرفين. اما انتظار خروج ترامب، والذي قد يحصل العام المقبل أو في 2024، فهذه سياسة لا يبدو أن الإيرانيين قادرون على تحمل تكلفتها.

السبت، 26 أكتوبر 2019

سياسة أميركية جديدة تحرم الأسد مصادر الطاقة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

عملية خلع الرئيس الجاري بحثها في الكونغرس، وإمكانية إخراج دونالد ترامب من البيت الأبيض، أجبرت الرئيس الأميركي على مبادلة مواقفه المرتبكة في السياسة الخارجية بسياسة واضحة ومتماسكة، مقابل تمسك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، من المغمسين في السياسة الخارجية من أمثال ليندسي غراهام وماركو روبيو، بالتصويت ضد أي قرار إطاحة ضد الرئيس. 
المبادلة بين ترامب وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، أفضت إلى تقديم إدارة ترامب سياسة خارجية متماسكة حول ما تبقى من قواتها في سورية، خصوصاً في الجزء الشرقي والجنوبي، المعروف بحوض الفرات الأوسط، وهي أراضٍ صحراوية وريفية بمعظمها. 
والسياسة الجديدة تقضي بالاحتفاظ بمناطق الطاقة السورية، خصوصاً حقل العمر ومعمل غاز كونوكو، ومنع الرئيس بشار الأسد أو أي من حلفائه الوصول إليها أو الإفادة منها. وهذا المنع هو جزء من الحصار على الأسد، وحرمانه من أي أموال لإعادة إعمار، ما لم ينخرط بتسوية شاملة مع معارضيه. 
وتتضمن الخطط العسكرية تعزيز القوات المنتشرة اليوم بنشر دبابات «أبرامز»، وبطاريات مدفعية «برادلي»، فضلا عن «مئات من الجنود والخبراء اللوجستيين». ولم يحدد المسؤولون كم مئة من الجنود ستبقي أميركا في سورية، لكن الترجيحات تشير إلى أن عددهم سيقارب الالف.
وستواصل الولايات المتحدة تعاونها مع «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، لكن هذا التعاون لن يشمل منطقة حوض الفرات، بسبب الحساسية بين الأكراد والعرب، بل ان واشنطن عملت على بناء تحالف مع ست عشائر سنية تعيش في هذه المناطق، وهي عشائر الولدة، والعفادلة، والصبخة، والبو سرايا، والبقارة والعقيدات. 
وسبق لهذه العشائر أن تعرضت لعنف دموي من تنظيم «داعش»، ثم ساهمت في القضاء على آخر معاقل «الدولة الإسلامية» التي تسمي نفسها «خلافة». وسعى المسؤولون للتأكيد لهذه العشائر ان الولايات المتحدة تبحث عن تحالف طويل الأمد معهم، وأنها ستمدهم بالمال والسلاح والاشراف العسكري، وستقدم لهم أموالاً لإعادة إعمار ودعم متنوع. 
وإلى حرمان الأسد وحلفائه من الطاقة السورية، أشار المسؤولون في واشنطن إلى أن القوة الأميركية، مع عشائر الفرات الأوسط و«قسد»، ستسعى إلى مراقبة «الجسر البري»، الذي تقيمه إيران لربط طهران بساحل البحر الأبيض المتوسط، والذي يمرّ عبر المعبر الذي يربط البوكمال السورية بالقائم العراقية.
ويعتقد الخبراء الأميركيون أن ميليشيات «كتائب حزب الله» العراقية الموالية لإيران قامت ببناء قاعدة عسكرية كبيرة في البوكمال، وهي قاعدة تعرضت لضربات جوية، الأرجح أن إسرائيل هي من قامت بها. 
ومن بين الأهداف الأميركية في السياسة الجديدة تجاه سورية، العمل على إخراج كل المقاتلين الموالين لإيران، خصوصا من الجنوب المحاذي لإسرائيل. على أن هذا الهدف لن يتضمن أعمالاً حربية، حسب المبعوث الخاص المكلف الشأن السوري جيمس جيفري، الذي ابلغ الكونغرس، أثناء جلسة استماع الأسبوع الماضي، ان واشنطن تسعى لإخراج إيران من سورية بالوسائل الديبلوماسية.

ترامب في مأزق... وأقلية صغيرة في مجلس الشيوخ تحفظ له الرئاسة

واشنطن - من حسين عبدالحسين 

عملية خلع الرئيس الجاري بحثها في الكونغرس، وإمكانية إخراج دونالد ترامب من البيت الأبيض، أجبرت الرئيس الأميركي على مبادلة مواقفه المرتبكة في السياسة الخارجية بسياسة واضحة ومتماسكة، مقابل تمسك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، من المغمسين في السياسة الخارجية من أمثال ليندسي غراهام وماركو روبيو، بالتصويت ضد أي قرار إطاحة ضد الرئيس. 
المبادلة بين ترامب وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، أفضت إلى تقديم إدارة ترامب سياسة خارجية متماسكة حول ما تبقى من قواتها في سورية، خصوصاً في الجزء الشرقي والجنوبي، المعروف بحوض الفرات الأوسط، وهي أراضٍ صحراوية وريفية بمعظمها. 
والسياسة الجديدة تقضي بالاحتفاظ بمناطق الطاقة السورية، خصوصاً حقل العمر ومعمل غاز كونوكو، ومنع الرئيس بشار الأسد أو أي من حلفائه الوصول إليها أو الإفادة منها. وهذا المنع هو جزء من الحصار على الأسد، وحرمانه من أي أموال لإعادة إعمار، ما لم ينخرط بتسوية شاملة مع معارضيه. 
وتتضمن الخطط العسكرية تعزيز القوات المنتشرة اليوم بنشر دبابات «أبرامز»، وبطاريات مدفعية «برادلي»، فضلا عن «مئات من الجنود والخبراء اللوجستيين». ولم يحدد المسؤولون كم مئة من الجنود ستبقي أميركا في سورية، لكن الترجيحات تشير إلى أن عددهم سيقارب الالف.
وستواصل الولايات المتحدة تعاونها مع «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، لكن هذا التعاون لن يشمل منطقة حوض الفرات، بسبب الحساسية بين الأكراد والعرب، بل ان واشنطن عملت على بناء تحالف مع ست عشائر سنية تعيش في هذه المناطق، وهي عشائر الولدة، والعفادلة، والصبخة، والبو سرايا، والبقارة والعقيدات. 
وسبق لهذه العشائر أن تعرضت لعنف دموي من تنظيم «داعش»، ثم ساهمت في القضاء على آخر معاقل «الدولة الإسلامية» التي تسمي نفسها «خلافة». وسعى المسؤولون للتأكيد لهذه العشائر ان الولايات المتحدة تبحث عن تحالف طويل الأمد معهم، وأنها ستمدهم بالمال والسلاح والاشراف العسكري، وستقدم لهم أموالاً لإعادة إعمار ودعم متنوع. 
وإلى حرمان الأسد وحلفائه من الطاقة السورية، أشار المسؤولون في واشنطن إلى أن القوة الأميركية، مع عشائر الفرات الأوسط و«قسد»، ستسعى إلى مراقبة «الجسر البري»، الذي تقيمه إيران لربط طهران بساحل البحر الأبيض المتوسط، والذي يمرّ عبر المعبر الذي يربط البوكمال السورية بالقائم العراقية.
ويعتقد الخبراء الأميركيون أن ميليشيات «كتائب حزب الله» العراقية الموالية لإيران قامت ببناء قاعدة عسكرية كبيرة في البوكمال، وهي قاعدة تعرضت لضربات جوية، الأرجح أن إسرائيل هي من قامت بها. 
ومن بين الأهداف الأميركية في السياسة الجديدة تجاه سورية، العمل على إخراج كل المقاتلين الموالين لإيران، خصوصا من الجنوب المحاذي لإسرائيل. على أن هذا الهدف لن يتضمن أعمالاً حربية، حسب المبعوث الخاص المكلف الشأن السوري جيمس جيفري، الذي ابلغ الكونغرس، أثناء جلسة استماع الأسبوع الماضي، ان واشنطن تسعى لإخراج إيران من سورية بالوسائل الديبلوماسية.

الخميس، 24 أكتوبر 2019

الأسد مادّة للنقاش بين المرشّحين للرئاسة الأميركية

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

يحتل الرئيس السوري بشار الأسد حيّزاً كبيراً في النقاش بين المرشحين الديموقراطيين للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل.
أما سبب حضور الأسد في النقاش الأميركي فغالباً من باب المذمّة التي توجهها غالبية المرشحين الديموقراطيين للرئاسة، الحاليين والسابقين، لعضوة الكونغرس الديموقراطية عن ولاية هاواي، تولسي غابارد، التي زارت الرئيس السوري والتقته في دمشق، في مطلع العام 2017، عن طريق بيروت، حيث التقت كبار مسؤوليها.
وفي المناظرة الأخيرة للمرشحين الديموقراطيين للرئاسة، حلّ اسم الأسد في المراتب العشرة الأولى الأكثر تغريداً، حسب جداول موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
ويشير المرشحون الديموقراطيون الى زيارة غابارد الى دمشق، ودفاعها عن الأسد وعن بقائه في الحكم، كإدانة ضدها وضد سياستها الخارجية.
وعلى موقعها على الانترنت، كتبت غابارد ان «حقوق الانسان في سورية سيتم سحقها بالكامل إذا ما تمّت الاطاحة بالأسد».
وتردد غابارد أن سبب زيارتها كان «مهمة استطلاعية» لاكتشاف فرص السلام في سورية لأنها عضوة في لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع في الكونغرس.
لكن الزيارات من هذا النوع لا تتم بالشكل السري الذي قامت به المرشحة الديموقراطية للرئاسة، فللرحلات الخارجية لاعضاء الكونغرس موازنات مرصودة، وهي غالباً ما تتألف من أعضاء الكونغرس من الحزبين، وتتم بعلم ورعاية وزارة الخارجية والسفارات الأميركية والبعثات.
أما غابارد، فهي اصطحبت زوجها في زيارتها التي تكفّل تكاليف تذكرتها وإقامتها أخوان أميركيان من أصل لبناني، وهما عضوان في «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، الموالي للأسد. والرجلان نفسهما يتبرعان للحملات الانتخابية لعضو الكونغرس الديموقراطي السابق، والمرشح للرئاسة في الماضي ولمنصب محافظ اليوم، دينيس كوسينيتش، وهو سبق أن زار الأسد والتقاه في دمشق في 2006 و2011، كما في 2017 حيث كان برفقة غابارد وزوجها.
ولأن القوانين الأميركية تفرض التصريح عن أي أموال يتلقاها أي سياسي أميركي من مصادر غير أميركية، كان المطلوب من غابارد التصريح للكونغرس عن رحلتها وعن ممولي الرحلة، إلا انها لم تفعل ذلك إلا بعد انكشاف أمر زيارتها سورية ولبنان بسبب التغطية الإعلامية التي حظيت بها هناك، وهو ما دفع غابارد للتصريح بمفعول رجعي، مع اعتذار ضمني عن السهو.
وغابارد تنتمي للطائفة الهندوسية، وبعض أفراد هذه الطائفة في الكونغرس يؤيدون الأسد والنظام الإيراني، وأبرزهم عضو الكونغرس الديموقراطي عن ولاية كاليفورنيا، رو خانا، الذي لا يعطي تصريحات متواصلة عن ضرورة مصادقة النظام الإسلامي في إيران فحسب، بل إن اسمه يرد في كل مقالة في الإعلام الأميركي تقريباً من التي تهاجم الدول الخليجية.
على أن المشكلة في صداقة غابارد بالأسد أنها تجعل من مواقفها متضاربة، فهي، على غرار الديموقراطيين، هاجمت الرئيس دونالد ترامب لسحبه القوات الأميركية من شمال شرقي سورية والسماح لتركيا باجتياح المناطق الكردية.
لكن غابارد، في الندوة الرئاسية نفسها، هاجمت وجود القوات الأميركية في سورية ووصفتها بالاحتلال، واعتبرت أن الحلّ الأفضل هو دعم الأسد لاستعادة السيادة على كل الاراضي السورية، أي أن غابارد عارضت سحب القوات الأميركية من سورية وفي الوقت نفسه عارضت بقاء القوات الأميركية في سورية، وهو موقف متضارب أثار السخرية ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولوهلة، بدت غابارد وكأنها ضد الحزب الديموقراطي بأكمله، إذ هي هاجمت وسائل الاعلام الأميركية التي ألمحت إلى استماتة موسكو في دعم غابارد عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الموالي لروسيا. وهجوم غابارد كان يشبه هجمات الرئيس دونالد ترامب على وسائل الإعلام والإعلاميين الأميركيين ممن ينتقدونه، وهو ما زاد في التماهي بين غابارد وترامب، الذي تعتقد غالبية الديموقراطيين انه من أزلام نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وساهمت المرشحة الديموقراطية السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون في المزيد من تأجيج المواجهة بين غالبية الديموقراطيين، من ناحية، وغابارد وأصدقاء روسيا من الجمهوريين، من ناحية ثانية، عندما ألمحت وزيرة الخارجية السابقة الى ان غابارد هي أداة بيد بوتين، وتوقعت كلينتون أن تقوم غابارد بترشيح نفسها كطرف ثالث في حال فشلت في الحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي لانتخابات العام المقبل.
وتتمتع غابارد بتأييد واحد في المئة فقط من الديموقراطيين، وهو ما حرمها المشاركة في الندوة الثالثة، قبل أن ترخي اللجنة المركزية في الحزب من شروط مشاركة المرشحين في الندوة الرابعة الأخيرة.
غابارد زارت الأسد، وتدافع عنه، وهي كذلك تطلق مواقف مشابهة لترامب وصديقة لروسيا، وهو ما يدفع غالبية الديموقراطيين للنظر إليها كحصان طروادة روسي داخل الحزب الديموقراطي، بعدما نجحت روسيا في ايصال حصان طروادتها بين الجمهوريين إلى البيت الابيض في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، او هذا على الأقل ما تعتقده غالبية من الديموقراطيين، وجزء كبير من المستقلين والجمهوريين.

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

لبنان ينتفض

حسين عبدالحسين

جاع اللبنانيون، فانتفضوا. هم لا يعرفون أسباب جوعهم بالضبط، ولا أفكار لديهم لمعالجتها. كل ما يعرفونه أن العيش ضاق، فخرجوا إلى الشوارع يصرخون.

واللبنانيون ظرفاء في ثوراتهم، فالاختلاط الجندري في تظاهراتهم من الأعلى بين الدول العربية، ويندر أن يتعرض النساء لأي تحرّش من مثل الذي تعرضت له النسوة، مثل في "ربيع مصر".

واللبنانيون أنيقون بغالبيتهم، بغض النظر عن دخلهم، ويتظاهرون بفرح، وغالبا ما يعقدون حلقات الرقص المحلي المعروف بالدبكة، وهو ما يجعل اتهام المتظاهرين بالإرهاب الاسلامي صعبا. كما اتسمت التظاهرات، التي اندلعت الأسبوع الماضي، بالعفوية، وبغياب تابعين الزعماء وأحزابهم، وغياب أعلام هذه الأحزاب أو شعاراتها.

وبسبب العفوية وغياب التنظيم، صارت الانتفاضة اللبنانية بلا أهداف سياسية ولا مطالب، وصار من غير المعروف ما الذي يرضي المتظاهرين ويخرجهم من الشارع. بعضهم يطالب باستقالة حكومة سعد الحريري، وبعضهم يضيف إليها استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري.

على أن ما يجمع عليه منتفضو لبنان هو شتم قادتهم، خصوصا وزير خارجيتهم جبران باسيل، صهر عون الذي يستعد لخلافته في الرئاسة، الذي نال الحصة الأوزن من الشتائم، يليه زعيم "حزب الله" حسن نصرالله، الذي يحاول دائما إسباغ هالة من القدسية على نفسه تجعل من التعرض له بمثابة الكفر الديني، إذ ردد المتظاهرون أن "كلهم (السياسيين) يعني كلهم، نصرالله واحد منهم". وإقحام نصرالله لم يكسر قدسية رجل إيران في لبنان فحسب، بل عكس اعتقادا لدى اللبنانيين أن "حزب الله" ليس حزبا متفرغا للحروب فحسب، بل هو راع للفساد اللبناني الذي يتسبب بالجوع والشقاء.

وأمام الانتفاضة الشعبية التي تجري في ساحات المدن الكبرى كما في أزقة البلدات الصغرى، سارع بعض زعماء لبنان إلى الالتحاق بها، وتصوير أنفسهم منها، فأعلن باسيل أن الانتفاضة مكملة للإصلاح المزعوم الذي بدأه عون، الذي يسمي تكتله البرلماني "الإصلاح والتغيير". ومضى رئيس حزب "القوات اللبنانية" المسيحي الماروني سمير جعجع، وزعيم الدروز وليد جنبلاط، أبعد من باسيل، فأعلن الأول استقالة وزرائه من الحكومة، وأعلن وزراء الثاني ورقة إصلاح مالي، ومثله الحريري اقترح تخفيض رواتب الوزراء وأعضاء البرلمان بواقع النصف، فضلا عن خطوات اقتصادية إصلاحية أخرى. لكن إعلان حكام لبنان، الذين أوصلوه إلى ما هو عليه، الإصلاح هو مثل تكليف الذئب بحماية القطيع.

ثم أن الإصلاحات، حتى لو تمت، لن تدفع الاقتصاد اللبناني إلى النمو. فالفساد يفاقم من الأزمات، ولكنه لا يمكنه إفقار شعب بأكمله، والغالب أن الخروج من الأزمة اللبنانية يحتاج إلى تدفق عملات أجنبية، وهذه بدورها تحتاج إلى استقرار وإلى التخطيط على المدى الطويل، وهو أمر متعثر في دولة مثل لبنان حوّلها "حزب الله" إلى معسكر في حالة حرب دائمة، تارة للقضاء على إسرائيل، وطورا للثأر لأي حرب على إيران، أو للانغماس في الحرب السورية المجاورة، أو لشتم دول الإقليم، مع ما يكلّف ذلك لبنان من عداوات إقليمية تقلّص من إمكانيات التعاون التجاري والسياحي والمالي، وتعيق تاليا نمو الاقتصاد اللبناني.

يوم انتهت الحرب الأهلية في لبنان في 1992، باشرت الحكومات بناء البلاد على أساس التوصل إلى سلام إقليمي مع إسرائيل، فيما واصل "حزب الله" حربه مع إسرائيل بسبب احتلالها الجنوب اللبناني.

هكذا، سارت إعادة إعمار لبنان والحرب مع إسرائيل جنبا إلى جنب، وأدت الحرب إلى رفع تكلفة الإعمار بسبب ارتفاع نسب الفائدة على الدين المطلوب لتمويله. واستفاد نظام وصاية آل الأسد في سوريا على لبنان، فكان يمكن استخدام "حزب الله" لابتزاز الغرب أمنيا، وفي الوقت نفسه الإثراء من الفساد اللبناني.

وبعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في 2005، أصرّ نصرالله على العودة إلى الترتيب السابق، أي أن ينغمس قادة لبنان بالفساد، وأن يتركوا السياسة الدولية والإقليمية والأمنية لـ "حزب الله". لكن بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي، لم يعد تزاوج الإعمار و"المقاومة" مقبولا، وأجبر العالم لبنان على الاختيار، فاختار نصرالله عن اللبنانيين: لبنان بلد في "محور المقاومة" مع إيران وسوريا والعراق، أي الدول التي انهارت عملتها الوطنية ويموت ناسها من الجوع.

القضاء على الفساد واجب في لبنان، ومن المفيد أن يعرف باسيل والحريري أن اللبنانيين ليسوا أغبياء، وأنهم يعرفون أن باسيل لم يرث ثروة تبرر أسلوب حياته الباذخ، وأن ليس لباسيل ولا للحريري مواهب سياسية تؤهلهما ترؤس البلد، بل أن الرجلين ورثا زعامتها، الأول عن حميه والثاني عن أبيه، ومثلهما عدد كبير من ورثة الزعامات في لبنان، مثل جنبلاط وفرنجية والجميل.

واللبنانيون يراقبون ويعرفون، منذ زمن، أن لا برّي ولا زوجته ولا صهره ورثوا طائرات خاصة، ولا عقارات ثمينة وأرصدة في بنوك العالم، بل إن جلّ أموال بري وعشيرته هي من جيوب اللبنانيين، خصوصا "المحرومين" الذين تسلّق بري السلطة على ظهورهم.

ومن المفيد أن يعرف نصرالله أن اللبنانيين يعلمون أن مغامراته العسكرية الإقليمية مكلفة، وأنها دفعت المجتمع الدولي إلى نبذ لبنان وإقصاء اقتصاده، وهو سبب نفاذ العملة الصعبة في البلاد، وسبب بدأ انهيار سعر صرف العملة الوطنية، وأنه حتى لو أبدل لبنان كل قادته وقضى على الفساد، سيبقى اقتصاده متهالكا بسبب العزلة الدولية التي اختارها "نصرالله" للبنانيين باختيار "محور الممانعة" على باقي العالم.

ربما على غرار مصر والعراق وسوريا، لن تفضي انتفاضة لبنان إلى التغيير المنشود. لكن من المفيد أن يعرف باسيل والحريري ونصرالله وبري أن اللبنانيين ليسوا أغبياء، وأنه يمكن استغلال العصبية الطائفية لدى الناس وتحريضهم على بعضهم البعض ليوم، أو لأسبوع، أو لسنوات، لكن الناس ستعي يوما أن سبب شقائها هو زعماء لبنان لا المتظاهرين.

الأحد، 20 أكتوبر 2019

مكاسب سياسية لترامب من «السلام الهش» بين تركيا وأكراد سورية

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

بعد نحو أسبوع من شن تركيا عمليتها العسكرية في المناطق السورية التي تسيطر عليها مجموعات كردية، بدا أن أنقرة غير قادرة على تحقيق هدفها بالسرعة والسهولة التي اعتقدتها، ولا أميركا قادرة على حماية حلفائها الأكراد، ولا المجموعات الكردية قادرة على تسليم كل الأراضي التي تسيطر عليها إلى روسيا والرئيس السوري بشار الأسد بسب نقص فادح في أعداد المقاتلين لدى الروس والأسد.
وبسبب صعوبة تحقيق الأطراف المعنية أهدافها، قدم كل منها تراجعاً، علنياً أم ضمنياً. تركيا، التي كانت رفضت أي هدنة وكررت أنها لا تتفاوض مع الإرهابيين الأكراد، دخلت في هدنة موقتة مدتها خمسة أيام، على شرط أن يقوم الأكراد، الذين كانوا أعلنوا رفضهم الانسحاب والقتال حتى الموت، بالانسحاب من المناطق السورية التي تطالب تركيا باحتلالها وإقامة «حزام أمني» فيها، وهو حزام أبرز ما فيه انه يقسّم الأراضي الكردية ويقوّض الحكم الذاتي الذي يمارسه الأكراد منذ سيطرتهم على الأراضي التي انتزعوها من «داعش».
وفي أنقرة التي زارها الخميس الماضي برفقة وزير الخارجية مايك بومبيو، قال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إن «الجانب التركي سيجمّد عملية نبع السلام حتى يسمح لقوات، واي بي جي، (وحدات حماية الشعب الكردية) الانسحاب من المنطقة الآمنة في مهلة 120 ساعة». وأضاف أن العملية العسكرية التركية «ستتوقف تماماً على إثر اكمال الأكراد انسحابهم».
ولإقناع أنقرة بالهدنة، تعهدت الولايات المتحدة بتعليق نيتها فرض أي عقوبات اقتصادية جديدة على تركيا، وفي حال تم التوصل الى وقف إطلاق نار دائم وتعليق العملية العسكرية، ترفع واشنطن العقوبات التي كانت فرضتها على مسؤولين، على اثر بدء العملية، وتعيد تخفيض التعرفة الجمركية على واردات أميركا من الفولاذ الصلب التركي.
على أن العقوبات التي فرضتها واشنطن على «خلق بنك» التركي بتهمة تبييض أموال واختراق العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، قبل التوصل للاتفاقية النووية معها في العام 2015، باقية.
وكان الرئيس دونالد ترامب وعد نظيره التركي رجب طيب أردوغان بعدم فرض عقوبات على البنك التركي، والسعي لاطلاق سراح رجل الاعمال التركي - الإيراني رضا ضرّاب. لكن العقوبات وبقاء ضرّاب تحت الإقامة الجبرية جاءا بقرارات قضائية لا سلطة لترامب على التأثير بها.
أما أول مكاسب الولايات المتحدة من «السلام الهش» بين تركيا والأكراد، إن تم التوصل إليه، فسياسي في مصلحة الرئيس ترامب، الذي يعاني من ضغط هائل في العاصمة الأميركية بسبب اضطرابه في كيفية اتخاذ قرار سحب القوات الأميركية من شمال سورية الشرقي وتخليه عن الأكراد، الذين كانوا شكلوا القوات الأرضية لتحالف القضاء على «داعش».
ثاني مكاسب الولايات المتحدة هو التوصل مع تركيا لاتفاق يقضي بإشراف أنقرة على السجون التي تأوي مقاتلي «داعش»، والتي كانت بعهدة الأكراد. ويخشى الأميركيون هرب عدد من أفراد التنظيم من سجونهم، وهو ما دفع رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر إلى المبادرة لسؤال ترامب عن خطته في سورية، فأجاب ترامب ان خطته هي «إبقاء الشعب الأميركي آمنا»، فأجاب شومر ان «هذا هدف وليس خطة، والمطلوب خطة للتأكد أن داعش لن يعود الى الحياة وأن مقاتليه لن يخرجوا إلى الحرية».
وزاد في مشاكل ترامب السياسية تصريحات وزير دفاعه السابق جيمس ماتيس والمبعوث الخاص لقيادة الحرب ضد «داعش» بريت ماكغورك، اللذين خالفا مواقف الرئيس وآرائه القاضية بالانسحاب. ولفت ماكغورك في إطلالاته الإعلامية إلى أن ترامب أثبت انه من الهواة في الشؤون الدولية، إذ حتى طريقة سحبه القوات الأميركية من سورية جاءت بطريقة عشوائية وفورية فاجأت وزارة الدفاع.
ووجد الجنود الأميركيون أنفسهم عالقون وسط معارك بين الأكراد والأتراك، وصار انسحابهم تحت رحمة القوات التركية. وبسبب عجلة الأميركيين في تنفيذ الانسحاب، لم يتح لهم الوقت الكافي لسحب عتادهم ومخازن أسلحتهم، فتركوها وراءهم، ثم أغارت عليها مقاتلاتهم لتدميرها حتى لا تقع في أيدي قوات معادية.
ومشهد الانسحاب العسكري الأميركي الفوضوي في سورية ذكّر الأميركيين بمشهد انسحاب أميركا الفوضوي من فيتنام، مطلع السبعينات، الذي اضطر العسكريين يومذاك إلى إلقاء المروحيات من على سطح سفنهم لافساح المجال أمام جنودهم وأصدقائهم المحليين الهاربين من سيطرة الشيوعيين.
وزاد في طين ترامب بلة كشفه عن رسالة الى أردوغان كان طالبه فيها بتفادي «ارتكاب مذابح» في اجتياحه الشمال السوري، وهي رسالة لغتها ركيكة وأثارت سخرية الأميركيين. ثم جاء تصريحان لترامب دفعا غالبية الأميركيين إلى التساؤل ان كان رئيسهم بكامل قواه العقلية. في التصريح الأول، قال ترامب أنه ليس دور أميركا الدفاع عن أراضي الأسد في سورية، فالأسد ليس صديق أميركا، وهو ما كشف أن ترامب لا يلمّ بأي تفاصيل حول الوضع السوري ولا يعرف حتى مكان انتشار القوات الأميركية التي يصرّ على انسحابها منذ وصوله الحكم.
وفي تصريح ثان، قال ترامب إن الأكراد ليسوا ملائكة، وإنهم يعيشون في أرض فيها رمال كثيرة، وانه الأفضل لهم أن يلعبوا في الرمال.

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

ترامب لقائد «قسد»: معي في الغرفة من يحبون الأكراد أكثر مما يحبون وطنهم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تحت ضغط سياسي شامل، خصوصاً من اليمين المسيحي، أذعن الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمزاج السياسي السائد في الولايات المتحدة، والرافض للتخلي عن أكراد سورية وتركهم عرضة لاجتياح تركي للأراضي التي تسكنها غالبيتهم، تقليدياً، في شمال سورية الشرقي، فضلاً عن تلك التي انتزعوها من تنظيم «داعش».
وأمام الإجماع الجمهوري والديموقراطي على تأنيب ترامب لـ«خيانته» حلفاء أميركا الأكراد، تراجع الرئيس سياسياً، ووافق على استخدام النفوذ الأميركي الاقتصادي والديبلوماسي لوقف الهجوم التركي، كما وافق على إمكانية اللجوء للقوة الأميركية «في حال عودة خطر (داعش)»، بسب فرار العشرات من أعضائه من السجون التي تركها الأكراد هرباً من الهجوم التركي.
وتضمن تراجع ترامب كذلك موافقته على إجراء حديث هاتفي مباشر مع قائد «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) مظلوم عبدي، أعرب فيه الرئيس الأميركي عن دعم بلاده للأكراد، ووعد بالعمل على التوصل إلى وقف إطلاق نار سريع، والى السعي للتوصل إلى تسوية سياسية بين الأكراد وتركيا. وقالت مصادر في الادارة الأميركية إن ترامب غمز من باب كبار الجمهوريين والعاملين في إدارته، وقال لعبدي ممازحاً: «معي في الغرفة من يحبونكم (الأكراد) أكثر مما يحبون وطنهم».
وفيما كان ترامب يتحادث وزعيم «قسد»، جهّز البيت الأبيض مرسوماً اشتراعياً يهدف للبدء بفرض عقوبات قاسية على تركيا لثنيها عن تدمير الأكراد واحتلال مناطقهم في سورية، فيما وافق ترامب على إيفاد نائبه مايك بنس إلى أنقرة للتفاوض مع الزعماء الأتراك في شأن كيفية التوصل لوقف سريع لاطلاق النار والبدء بمفاوضات تركية - كردية برعاية أميركية ومشاركة أوروبية. وتسعى واشنطن إلى التلويح بالعقوبات الاقتصادية على تركيا كورقة ضغط يمكن لبنس استخدامها أثناء زيارته أنقرة ومحادثاته مع المسؤولين فيها.
وفي تفاصيل العقوبات، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً فرض بموجبه عقوبات على تركيا تشمل وزارتي الدفاع والطاقة ووزراء الطاقة والدفاع والداخلية، وأجاز فرض عقوبات على عدد كبير جداً من المسؤولين الأتراك المتورّطين بأعمال تعرّض المدنيين للخطر أو تزعزع الاستقرار في شمال شرقي سورية.
وتتحسب واشنطن من ردة الفعل التركية، وتخشى أن يؤدي الضغط الأميركي على أنقرة إلى تدهور العلاقات بشكل كبير بين البلدين. ومع ضغط الأوروبيين على تركيا لوقف العملية العسكرية في الشمال السوري، قد يؤدي التوتر إلى دفع أنقرة إلى خارج «حلف شمال الأطلسي»، مع ما يوجب ذلك على الأميركيين سحب 50 رأساً نووياً تكتيكيا تخزنها في قاعدة «انجرليك» الجوية جنوب شرقي البلاد. وسحب الرؤوس النووية الأميركي يعني حكماً نهاية تحالف غربي مع أوروبا دام لأكثر من نصف قرن.
وعلى الرغم من تراجعه على أرض الواقع، تمسك ترامب بسؤدد رأيه وحكمة خطوته التي سمح فيها لنظيره التركي رجب طيب أردوغان بمباشرة العملية العسكرية، ومضى يكرر تصريحاته التي يحاول فيها تقديم رأيه على انه من باب سياسة «أميركا أولاً»، ويحاول تصوير معارضي خطوته على أنهم غير وطنيين ولا يخشون زج أميركا بمغامرات عسكرية حول العالم. ومما قاله ترامب، في تغريداته، انه لا يمانع ان يدافع أي كان عن الأكراد، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا والصين. وللتقليل من الأهمية الاستراتيجية للأكراد، قال ترامب إنهم بعيدون 7 آلاف ميل (11 ألف كيلومتر) عن الولايات المتحدة.
وكتب ترامب: «لقد قلت لجنرالاتي لماذا يجب أن نقاتل من أجل سورية والأسد لحماية أراضي عدوّنا؟ ليست لديّ أيّ مشكلة في أن يساعد أيّ كان سورية في حماية الأكراد، سواء أكان روسيا أم الصين أم نابوليون بونابرت».
ويشير خبراء أميركيون إلى أن استماتة ترامب في الدفاع عن قراره، الذي أثار غالبية الأميركيين ضده، سببه «تغلب أردوغان عليه» اثناء المحادثة الهاتفية بينهما، والتي أفضت إلى قرار ترامب سحب الجنود الأميركيين من درب القوات التركية التي كانت تنوي شن عملية عسكرية ضد الأكراد. وأشارت التقارير من داخل البيت الأبيض إلى أن ترامب دخل إلى غرفة حواره الهاتفي مع اردوغان من دون أي استعداد أو لقاءات مسبقة مع مسؤولي الملف التركي أو السوري في الادارة الأميركية، وهو ما سمح لأردوغان بمفاجأة نظيره الأميركي والانقضاض عليه بشكل أحرجه وأجبره على الموافقة على سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سورية والموافقة على العملية التركية.
ويشير العارفون بأسلوب ترامب إلى أنه يرفض بشكل متواصل أي لقاءات تهدف لاطلاعه على الملفات التي يكون بصدد الحديث عنها مع نظرائه حول العالم، وسبق لوزير الخارجية السابق ريك تيلرسون ان قال إن ترامب شارك في لقاء مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين من دون أي تحضير مسبق، وهو ما سمح لبوتين بالتفوق عليه بأشواط. ويكرر ترامب انه لا يحب الاستماع إلى مساعديه أو المسؤولين عن الملفات، بل يفضّل الاعتماد على حدسه، وهو حدس لا يبدو أنه نجح حتى الآن في السماح لترامب بتقديم سياسة خارجية متماسكة، ناهيك عن متفوقة، حسبما دأب الرئيس الأميركي على وصفها.

بين دموية الطغاة وفوضى الثوار

حسين عبدالحسين

أعلنت إيران نشر آلالاف من جنودها داخل الأراضي العراقية لضمان أمن مراسم الأربعين التي يقيمهاالمتدينون الشيعة لذكرى إمامهم الثالث، الحسين بن علي. يشبه هذا الإعلان العذر الذي اتخذه زعيم "حزب الله" اللبناني الموالي لطهران حسن نصرالله، يوم برّر تدخل مقاتليه في الحرب السورية ـ لمصلحة رئيس النظام بشار الأسد ـ بالقول إن هدف حزبه هو حماية مقام السيدة زينب، ابنة الحسين، جنوبي دمشق.

على أن الاحتلال الإيراني للعراق لا يهدف حماية أربعين الحسين، بل هدفه مواصلة تقويض أي مجموعات عراقية معارضة للسيطرة الإيرانية التامة على العراق، مثل السنّة، الذين لفّقت لهم طهران، جماعيا، تهمة الانتماء لحزب البعث العراقي، على الرغم أن إيران ترعى بسرور حزب البعث السوري.

وفي الشمال، استفادت إيران من غلطة فادحة ارتكبها مسعود البرزاني، الذي حاول إعلان استقلال الإقليم الكردي، فاجتمعت عليه دول الجوار، لا لأن دولة بلا منافذ بحرية تشكل خطرا على أي منها، بل لأن معاداة الكرد هي جزء من الخطاب القومي الشعبوي الذي يلجأ إليه بعض حكام الجوار.

وبعد إبادة السنّة العراقيين، وإبقائهم في الخيم بدون أموال حكومية تذكر لإعادة إعمار مدنهم، ومع إضعاف الكرد، راحت إيران وميليشياتها تتصيد العراقيين المعارضين لها فردا فردا، صحافي هنا، ممثل هناك. وبلغت وقاحة إيران أن مؤسساتها راحت تتحدث باسم دولة العراق، فأصدر الإيرانيون تصريحات وصفت التظاهرات العراقية ضد الفساد الحكومي العراقي بالإرهابية التي تعمل بإمرة الإمبريالية.

أما مرشد إيران علي خامنئي، فبات مثل رئيس سوريا الراحل حافظ الأسد، الذي تحدث عن اللبنانيين والسوريين كشعبين في بلد واحد. راح خامنئي يتحدث باسم الإيرانيين والعراقيين سوية؛ وعلى قول المثل الإنكليزي: من مات ونصّب خامنئي ملكا للعراق؟

ومع انتشار قوات إيران وميليشياتها في الدول التي صارت تشكل "هلال الولي الفقيه"، أي إيران والعراق وسوريا ولبنان، تنتقل منطقة الشرق الأوسط إلى مرحلة "ما بعد الربيع"، أي أن هذه الدول تعود من الفوضى إلى الطغيان. مع فارق وحيد أن طغيان ما قبل الربيع العربي كان طغيانا قوميا مارسه العسكر من أصحاب الشوارب والبزات العسكرية، وصار اليوم طغيانا إلهيا يمارسه الملالي من أصحاب اللحى والعمائم.

أما النتيجة فمتطابقة، وفيها منع دموي للحريات، والقبض على ثروات ومقدرات البلدان، ووضعها في تصرف مجموعة صغير تحيط بالإمام الحاكم وأزلامه، وتمول آلة القمع وشراء الذمم التي يديرونها.

مؤسف هو الحال الذي وصلت إليه الأمور في إيران والعراق وسوريا ولبنان، التي يبدو أنها تعيش بين خيارين لا ثالث لهما: دموية الطغاة أو فوضى الثوار. ولا شك أن فوضى الثوار، في الفترات التي سادوا فيها بعض الحكومات أو المناطق، ساهمت بشكل كبير في عودة الطغيان.

نبدأ في العراق، أولى الدول التي انهار استبدادها بالقوة العسكرية الأميركية، وأظهر مواطنوها انعدام الثقافة المدنية والسياسية. أول ما فعله العراقيون كان إقامة مراسم الحسين واللطم، ثم الثأر من السنّة عموما بسبب طغيان صدام، على الرغم أن غالبية السنة كانوا ـ مثل الشيعة والكرد ـ عرضة لدموية الرئيس الراحل صدام حسين، الذي لم يتوان حتى عن قتل ابن خاله وشقيق زوجته وصديق طفولته خيرالله طلفاح، أو نسيبيه صدام وحسين كامل.

بعد الثأر الشيعي العراقي للتاريخ وللمستقبل، تفرّغ حكام العراق الجدد للفساد. وبسبب عائدات النفط العراقية الضخمة، تحول العراق إلى أكبر بؤرة للفساد على وجه المعمورة، وراح الحكام يشتتون الانتباه عن فسادهم بالتحريض الطائفي، فكان أول ما قام به رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، في اليوم الذي تلا انسحاب أميركا من العراق نهاية 2011، هو إرسال دباباته لمحاصرة دار نائب الرئيس السني السابق طارق الهاشمي بتهم الإرهاب. أما الهاشمي والسنّة، فبادلوا العنف بالعنف، وتحول عنف صدام الأحادي إلى فوضى من العنف العشوائي.

وبعد العراق، ثار لبنان على استبداد حكام سوريا من آل الأسد، وأجبر بشار الأسد على سحب قواته من لبنان. لكن كما في العراق، الذي تحول ضحايا عنفه إلى جلادين، انقلب ثوار لبنان على بعضهم البعض، وعلى مبادئهم، فتحوّل ميشال عون من ضيف في واشنطن لدى دانيال بايبس، أحد أصدقاء إسرائيل الأميركيين، إلى ضيف في طهران لدى خامنئي، وحليف لآل الأسد، الذي كانوا اقتلعوا عون أثناء ترأسه حكومة عسكرية وأرسلوه إلى منفاه الفرنسي. أما من تبقى من ثوار لبنان للعام 2005، فانشغلوا في القشور وصغائر الأمور، فكان خلاف على كرسي برلماني محلي في دائرة الشوف الانتخابية كفيلا بتحطيم تحالف سياسي يتنافس في صراع إقليمي.

وبعد لبنان، ثارت إيران، على الفساد والملالي، لكن جنود "الجمهورية الإسلامية" لم يتوانوا عن قتل الإيرانيين العزّل في وضح النهار، وفي الشوارع، بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، فقتلوا "الثورة الخضراء"، ونقلوا التجربة الدموية نفسها إلى سوريا، وبعدها إلى العراق.

وفي سوريا، عندما لم يف قتل المتظاهرين العزّل في الشوارع بالمطلوب، راح الأسد يرمي عليهم صواريخ سكود، وأغار عليهم بمقاتلاته، ثم ببراميل متفجرة وأسلحة كيماوية، واستهدف مدنيين، وبيوت، ومخابز، ومستشفيات، حتى أن الأسد نفسه تحدث عن "التجانس السكاني" الذي حققته دمويته، فوق أنقاض سوريا وركامها.

ومثل في العراق ولبنان، كذلك في سوريا، بالكاد قدم الثوار أي بارقة أمل تشي بقدرتهم على الوقوف كبديل لحكم جائر، فتحولت تنسيقيات التظاهرات العفوية إلى مجموعات ثوروية فوضوية، تطلق النار على بعضها البعض أكثر منها على الأسد.

أما الضحالة الفكرية، فظهرت فداحتها جلّية لدى الثوار، إذ باستثناء بعض المثقفين السوريين وكتاباتهم، تصدّر المشهد السوري قادة العصابات، الإسلامية في الغالب، وانشغلت هذه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأن مشكلة سوريا كانت سفور نسائها في مساحاتها العامة لا دموية وطغيان آل الأسد.

الطريق نحو الديمقراطية لم يكن يوما خطا مستقيما، بل لطالما كان متعرجا محفوفا بالحروب الأهلية، مثل في أميركا، والنكسات والعودة إلى الاستبداد، مثل في فرنسا، لكنه طريق يصل حتما إلى الديمقراطية والحرية والعيش الكريم، ربما ليس في حياتنا أو حياة أولادنا، ولكنه سيصل يوما ما، حتما.

الأحد، 13 أكتوبر 2019

العملية التركية في شرق سورية تُضيّع فرصة على روسيا والأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

الفيتوان اللذان أعلنتهما كل من الولايات المتحدة وروسيا، ضد بيان في مجلس الأمن يدين العملية العسكرية السورية في حوض الفرات، في شرق سورية، أظهرا وكأن واشنطن وموسكو متوافقتان ضد الأوروبيين، لكن الواقع مختلف، إذ ان الفيتو الأميركي يهدف لضمان استمرار العملية التركية ضد المجموعات الكردية التي تسيطر على الشمال الشرقي السوري، فيما الفيتو الروسي كان يهدف لوقفها باستصدار قرار يدين وجود «أي قوات أجنبية على أراضٍ سورية» من دون رضا دمشق، أي أن روسيا تطمح لوقف العملية التركية، وانسحاب القوات الأميركية، وعودة المجموعات الكردية إلى سيادة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
تخلي أميركا عن حلفائها الأكراد، وموافقتها على عملية عسكرية تركية تباحث في تفاصيلها الرئيسان دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، حسب المصادر في واشنطن وانقرة، يعني أن واشنطن تستبدل الأكراد شمال شرقي سورية بالأتراك، ويعني ابتعاد أنقرة عن موسكو وطهران، وتخلي الأتراك عن محاولات إنهاء الحكم الذاتي الكردي في شمال شرقي سورية رغماً عن الأميركيين وبدعم روسي وايراني.
ومع نهاية العملية العسكرية التركية، من المتوقع أن تسيطر تركيا على كل الشمال السوري ومناطق شرق الفرات، وأن تعمل على إعادة اكثر من 3 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا إلى هذه المناطق، وإناطة ادارة أمورهم بحكومة انتقالية سورية تتألف من معارضين للأسد. ومع سيطرة تركيا ومعارضين سوريين على شمال وشرق البلاد، تنتهي طموحات الأسد وحلفائه في روسيا وايران باستعادة سيطرة دمشق على كل الأراضي السورية، بما في ذلك الشرق الذي تقع فيه مصادر الطاقة.
وبعد انتهاء العملية العسكرية التركية، من المتوقع أن ينجم واقع جديد على الأرض، وأن تنقسم سورية إلى اثنتين، غرب وجنوب تحت سيطرة الأسد وروسيا وايران، وشمال وشرق تحت سيطرة معارضي الأسد وتركيا، وهو ما يعني أن أي تسوية سياسية ستكون بين هذين الطرفين.
ويتباحث مسؤولون أميركيون ونظراؤهم الأتراك في إمكانية حصول سورية الخارجة عن سيطرة الأسد على مساعدات غربية، فيما يستحيل أن يوافق الغرب وأميركا على الإفراج عن أي تمويل لإعادة إعمار مناطق الأسد من دون التوصل إلى تسوية ترضي معارضيه.
في ظل الصورة المعقدة، لفتت بعض أوساط الإدارة الأميركية إلى دراسة كانت صدرت، الشهر الماضي، عن «مجموعة دراسة سورية» برعاية «معهد الولايات المتحدة للسلام»، الذي يموله الكونغرس، وأشارت إلى أن أميركا لم تتعهد أبداً للأكراد بضمانها قيام حكم ذاتي او استقلال لهم على الاراضي السورية.
وجاء في الدراسة أنه «رغم أن المسؤولين الأميركيين يصفون علاقة واشنطن مع قوات سورية الديموقراطية (قسد) بأنها تكتيكية، وموقتة، وبراغماتية»، لا توجد «سياسة أميركية واضحة في شأن العلاقة مع المجموعات الكردية بعد تحرير الأراضي السورية من سيطرة داعش».
وأضافت الدراسة انه «لا يوجد تعهد أميركي بدعم الاستقلال الكردي أو الحكم الذاتي في سورية».
وتابعت: «مع ذلك، أفادت وحدات حماية الشعب الكردية من الدعم الاستراتيجي والتكتيكي الذي تلقته من الولايات المتحدة لإنشاء حكم مدني بقيادة جناحها السياسي، أي حزب الاتحاد الديموقراطي (بي واي دي)، في المناطق المحررة من داعش».
وأشارت الدراسة الأميركية إلى أن الأكراد، بدورهم، لم يلتزموا بتحالف واضح مع واشنطن، بل هم سعوا للتفاوض مع اي طرف يمكنه ان يؤمن مصالحهم، بما في ذلك قيام «المجلس الديموقراطي السوري» (اس دي سي)، وهو الجناح المدني لقوات قسد، بالتفاوض «بشكل متقطع مع الأسد للتوصل إلى تسوية، لكن الانسحاب الأميركي الذي أعلنه الرئيس ترامب في ديسمبر 2018، اربك الموقف التفاوضي لقسد».
وكانت الدراسة الأميركية توقعت أن يؤدي توقف الدعم الأميركي للأكراد وانسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات إلى قيام الأسد وروسيا وإيران بشن عملية عسكرية «لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، وهو ما دفع قائد قسد الجنرال مظلوم عبدي إلى القول ان قواته على استعداد للتفاوض على صفقة مع نظام الأسد، شرط اعتراف دمشق بسلطة الإدارة الذاتية لقسد وحفاظها على استقلال ذاتي». على أنه من غير المرجح أن يوافق الأسد على الاستقلالية المحدودة لقسد، حسب الدراسة.
كذلك أشارت الدراسة الأميركية إلى التوتر الذي ساد العلاقة بين السكان المحليين العرب، في مناطق شمال شرقي سورية، مع حاكميهم الأكراد: «في الأراضي التي استعادها التحالف من (داعش) وتسيطر عليها اليوم قوات قسد، بدأت التوترات تطفو على السطح، ولم تنتقل السلطة بشكل ملموس إلى السكان المحليين في المناطق التي يتركز فيها العرب، وخاصة في دير الزور، وهو ما دفع القادة العرب في شرق سورية إلى الشكوى من أن القيادة الكردية لقسد غير راغبة في المشاركة العادلة للموارد مع السكان العرب، الذين يشكون من المعاملة القاسية من قبل قسد، بما في ذلك التجنيد الاجباري».
وفي أبريل 2019، هتف المتظاهرون العرب في دير الزور «لا للاحتلال الكردي»، و«اشتكوا من أن قسد تستفيد من عائدات النفط المحلي، التي تبيعها لنظام الأسد».

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

الفينيقيون بين الخيال والواقع

حسين عبدالحسين

جدد بعض اللبنانيين خطابا شوفينيا حول هويتهم التي يتصورونها فينيقية بحتة، وأثاروا بذلك سخط لبنانيين آخرين لا يرون في هذه الهوية إلا برنامج سياسي عنصري بدأ مع قيام دولة لبنان قبل قرن، وكان يهدف إلى فصله عن العروبة وإلصاق العروبة بالمسلمين، ودعوة اللبنانيين، من المسيحيين والمسلمين، إلى العودة إلى الجذور، والتمايز عن المحيط العربي والإسلامي.

وربط فينيقيو القرن الماضي أنفسهم بالمعسكر الديمقراطي الرأسمالي، ضد العروبة الشمولية الاشتراكية، وأصروا على اعتبار هويتهم أوروبية، أو على الأقل متوسطية، لتصورهم أن الفينيقيين تماهوا مع الإغريق والرومان إلى أن اجتاح العرب والمسلمون المشرق، بما فيه فينيقيا، واحتلوه وعرّبوه وأسلموا غالبية سكانه، وهو احتلال دأب الفينيقيون على "مقاومته"، وذلك بإعادة إحياء الفينيقية وتاريخها وأبجديتها ولغتها وحدودها.

وفي العقود الماضية، راح بعض الأكاديميين يبحثون عن جينات الفينيقيين لفصلها عن جينات المحيط العربي، وراح بعضهم الآخر يشير إلى تماثيل أباطرة رومان من جذور سورية، ويقول إن "ملامح وجوه" هؤلاء الأباطرة تظهرهم اوروبيين متوسطيين لا عرب.

وفي الآونة الأخيرة، ظهرت في لبنان حركات سياسية تسمي نفسها فينيقية، ولكنها عدّلت فينيقيتها لتتناسب مع تحالف قادة لبنان مع نظامي سوريا وإيران، فلم تعد فينيقيا لبنان فحسب، بل صارت تشمل محافظات اللاذقية وحمص السوريتين، وعكا وصفد في فلسطين، إسرائيل اليوم، لترتفع مساحة لبنان من 10452 كلم مربع حاليا إلى 18800 بإضافة المناطق "المسلوخة"، وهي مناطق إما يسيطر عليها نظامي سوريا وإيران، أو تسعى مليشيات لبنانية موالية لإيران لاستعادتها من إسرائيل.

وتعطي هذه الحركات الخيار للمناطق "المسلوخة": إما أن تنضم إلى لبنان، أو تبقى خارجه، وتعد بتشييد حائط يكرّس نهائية الوطن الأم، ويضم أي مناطق مسلوخة تقرر العودة. أما تشييد الجدار، فهدفه إبقاء "المخربين" الفلسطينيين والسوريين، ممن لجأوا إلى لبنان خارجه. وهذه مفارقة ظريفة، إذ لا يلاحظ فينيقيو لبنان أن اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان نزحوا فعليا إما من مناطق الجليل، أو من مناطق سورية محاذية للبنان، وهذه المناطق يفترض أنها فينيقية "مسلوخة" عن لبنان.

ولو وضعنا جانبا "الولدنات" حول إعادة إحياء فينيقيا، الصغرى أو الكبرى، جينيا أو حدوديا، ونظرنا إلى التاريخ الفينيقي بشكل أكثر حيادية وأقل عنصرية، لبدا لنا أن أبرز مشكلة في التاريخ الفينيقي هو شحّه؛ فبقايا اللغة نادرة ومبعثرة، ولم تصلنا أعمال كتّاب فينيقيين بشكل مباشر، بل غالبا في اقتباسات يونانية، أو في انتقادات عبرانية. ثم أن الفينيقيين لم يكونوا أوروبيين، بل هم كانوا أعداء أوروبا، وخاضوا معارك ضارية ضد الإغريق، وبعدهم الرومان.

والفينيقيون، الذين لم يتسموا بهذا الاسم حسب الدلائل المتوفرة بل وصفوا أنفسهم بالكنعانيين أو الصيدونيين أو الصوريين أو القرطاجيين، ظهروا على مسرح التاريخ قبل 1200 عاما من الميلاد، واندثر آخر وجود لهم، وهو البيوني المتأثر بروما، بعد 200 سنة من الميلاد، أي أن حضارة هؤلاء الكنعانيين امتدت حوالي 14 قرنا، وهو ما يعادل عمر الحضارة الإسلامية اليوم. وهو ما يعني أنه يستحيل حصر ألفية ونصف من الزمن في شكل ثقافي أو لغوي أو تاريخي واحد، فعربية اليوم مثلا تختلف جذريا عن عربية القرآن وقريش، وعربية المشرق تختلف عن عربية المغرب، وهكذا، لا بد من اعتبار أن الفينيقية تغيرت مع الزمن، وتنوعت في صيغها المحكية بحسب انتشار من تكلموها، ولا يمكن اعتبارها بلدا واحدا ذات حدود ثابتة.

ومن المتوافق عليه أن الكنعانيين في ساحلهم عانوا من ضيق المساحات الزراعية، على عكس الأشوريين والبابليين والمصريين. على أن غابات المشرق قدمت للكنعانيين أخشابا مكنتهم من صهر المعادن وصناعة سفن ضخمة (بسبب علو شجر الأرز والصنوبر لا جودته) مقارنة بسفن مصرية حجمها محدود بسبب قصر الأشجار في حوض النيل.

وأفاد الكنعانيون كذلك من هدوء البحر المتوسط، مقارنة بالمحيطات، ومن أنه يندر أن تبحر السفن في نقاط لا يمكن رؤية البرّ منها. هكذا، أتقن الكنعانيون الإبحار، وتحولوا إلى وسطاء بين الحضارات، الأشورية والمصرية واليونانية وغيرها، وأقام كل من كياناتهم السياسية، التي لم تتوحد يوما، ثلاسوقراطية، أي دولة تتألف من مدن ساحلية مرتبطة ببعضها بأسطول.

وبسبب ثقافتهم كوسطاء وتجار، لم يتوان الكنعانيون عن نقل واستخدام لغات الآخرين وثقافاتهم وعلومهم وتطويرها، فاختصروا هيروغليفية كان عثروا عليها في سيناء، وأنتجوا منها أبجديتهم، التي أخذها عنهم اليونان مع علوم أخرى كثيرة، كالفلك والإبحار والفلسفة والرياضيات.

وعلى الرغم من المنافسة بين اليونان والفينيقيين، إلا أن اليونان أنفسهم عزوا الفضل في علومهم إلى الفينيقيين، ففيثاغور كانت أمه فينيقية، وقدموس (وهو اللفظ اليوناني لقدمون، أي الشرق) أقام أول مستوطنة يونانية في الطيبة شمال أثينا، ثم نقل الرومان عن اليونان، واستخدموا هذه العلوم للقضاء على السطوة القرطاجية في المتوسط.

على أن قوة تانيت (تونس) لم تتلاش، ومع بداية القرن الميلادي السابع ثارت قرطاجة على القسطنطينية، واجتاحت مصر، وأوقفت التموين الغذائي المصري إلى بيزنطية، وخلعت بقوتها البحرية الإمبراطور فوقاس، واستبدلته بابنها الإمبراطور هرقل المونوليثي المسيحي، الذي انحاز للشرق ضد روما، والذي شكل الفينيقيون والنبطيون والتدمريون والبابليون قوته المقاتلة.

وبعد موت هرقل وخلفه، عادت بيزنطية إلى المسيحية الخلقدونية في العام 685، فانفضّ الشرقيون عن القسطنطينية وروما وأقاموا كنائسهم، كالمارونية في إنطاكية على يدي أول بطريرك ماروني يوحنا مارون، وأقاموا دولهم، كالعربية الأموية في دمشق والقدس، وبقيت قرطاجة الفينيقية عربية مستقلة ذاتيا، حتى ما بعد زمن الخليفة العباسي المأمون، منتصف القرن التاسع.

وكررت تونس ثورتها، فأطلقت الحركة المهدوية الاسماعيلية الفاطمية في القرن العاشر، وسيطرت ـ بقوتها البحرية كذلك ـ على شمال أفريقيا والمشرق. ومع ظهور القوة البحرية الأميركية في القرن العشرين، لعبت تونس دورا في كبح القرصنة الجزائرية والليبية، فقامت صداقة تونسية أميركية وثيقة، حتى جاء زمن الخزعبلات القومية العربية الناصرية.

لم يُخلِ الفينيقيون مسرح المشرق وشمال أفريقيا يوما، فتحدثوا بلسان زمانهم، الفينيقي والآرامي، فالإغريقي واللاتيني، فالعربي واللغات الغربية كالفرنسية والإنكليزية. الفينيقيون ساهموا في صناعة التاريخ، بما في ذلك صناعة عروبة الأمويين وإسلام الفاطميين. هم أثّروا بحضارة الآخرين، والآخرون أثّروا بحضارتهم، التي تتخذ أشكالا متعددة اليوم ـ عربية، مشرقية وشمال أفريقية، وإسبانية ومالطية، وغيرها ـ حول حوض المتوسط وفي جزره.

ربما لم يورث الفينيقيون اللبنانيين معالم إمبراطورية واضحة، ولكنهم أوروثوهم عادات التأقلم في أي محيط، وتبني أي لغة، وهي العادات نفسها التي أدت لاندثار الفينيقية القديمة وحلول لغة الزمان السائد مكانها، وهي العادات نفسها التي أدت إلى تشكيل لبنان كدولة غنية بتنوع تراثها، الذي توالت حضارات التاريخ على التأثير فيه حتى صار على حاله.

أما انتزاع جزء من التاريخ، وتحويله إلى هوية فينيقية حصرية لمناكفة العصبيات الأخرى، فبرنامج سياسي، وضرب من القبلية، والاثنان إن دخلا على التاريخ، أفسداه، وأفسدهما.

هل يُفلت ترامب... من الخلع؟

واشنطن - من حسين عبد الحسين

هل ينجو الرئيس الأميركي دونالد ترامب من عملية الخلع التي أطلقها الحزب الديموقراطي المعارض؟ وهل يبقى ترامب رئيساً في البيت الابيض حتى نهاية ولايته؟ وهل تؤثر عملية الخلع على فرص إعادة انتخابه العام المقبل؟ أم أن نجاته من الخلع تعزز فرص فوزه بولاية رئاسية ثانية؟... كلها أسئلة تحير الأميركيين والعالم، فيما الإجابات عنها معقدة ومرتبطة بسلسلة من العوامل المتغيرة مع التطورات.
العنوانان الأبرز حتى الآن هو أن ترامب في مأزق لا يحسد عليه، وأن الفئات التي ما تزال متمسكة به داخل الحزب الجمهوري، على تضاؤلها، ما تزال قادرة على منع التصويت على الاطاحة به في مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الجمهوريين، مقارنة بمجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، وهو ما يعني انه يمكن للنواب حسم التصويت لمصلحة خلع ترامب، وهو تصويت بمثابة ادعاء عام ضد الرئيس، وهو ادعاء يحوّل مجلس الشيوخ إلى محكمة منعقدة للنظر في الادعاء والتصويت عليه. وتحتاج الموافقة على خلع الرئيس غالبية الثلثين في مجلس الشيوخ البالغ عددهم مئة، اي 67 سناتوراً.
ويبلغ عدد الديموقراطيين ممن سيصوتون على خلع الرئيس في مجلس الشيوخ 48 سناتورا، في مقابل 52 سناتورا للجمهوريين. على ان الجمهوريين ليسوا متراصين خلف رئيسهم، ومن المتوقع ان ينضم عدد منهم، بقيادة السناتور عن ولاية يوتا والمرشح الجمهوري السابق للرئاسة ميت رومني، الى الديموقراطيين والتصويت على خلع ترامب. وينشط رومني في حملة لحشد التأييد بين الشيوخ الجمهوريين لخلع ترامب، وهو نجح حتى الآن في كسب تأييد عدد منهم.
الا ان رومني سيحتاج الى 18 سناتورا جمهوريا، فضلا عن صوته، للانضمام للديموقراطيين، لخلع ترامب من البيت الابيض، وهو عدد كبير نسبيا، ولا يبدو ممكنا في الوقت الحالي، على الرغم من أن عنوان حشد التأييد الذي يشنه رومني هو دعوته زملاءه الشيوخ لاعلاء مصلحة البلد على مصلحة الحزب، وللاحتكام الى صوت الضمير والدفاع عن الدستور ضد رئيس يتجاوز كل القوانين والاعراف.
أما سبب تمسك غالبية الشيوخ الجمهوريين بترامب فيرتبط حصرا باستطلاعات الرأي، إذ إن شعبية ترامب في الولايات التي يمثلها هؤلاء المشرعون ما تزال عالية ومعارضة للاطاحة بالرئيس الأميركي، وهو ما يعني أن أي سناتور من هؤلاء ممن يصوتون على اخراج ترامب من البيت الابيض سيجدون أنفسهم عرضة لخسارة مقعدهم في الدورة الانتخابية المقبلة، ان العام المقبل او بعد ثلاثة اعوام.
وينتخب الأميركيون ثلث أعضاء مجلس الشيوخ كل سنتين لولاية طولها ست سنوات، وهو ما يعني ان موعد اعادة انتخاب بعض الشيوخ الجمهوريين هو في 2022، وان ترامب قد يكون خرج من البيت الابيض في انتخابات العام المقبل، ما يمنح تصويتهم ضده فترة زمنية طويلة تفصلهم عن حملتهم الانتخابية المقبلة. لكن فوز ترامب بولاية ثانية، في حال تصويتهم ضده، سيؤكد خروجهم من المجلس في الانتخابات بعد ثلاث سنوات من اليوم.
وتشكل استطلاعات الرأي المحرّك الاول لمواقف أعضاء الكونغرس، بغرفتيه، تجاه خلع ترامب، فالديموقراطيون يواجهون ضغطاً من ناخبيهم في دوائرهم الانتخابية لخلع الرئيس، فيما يعاني الجمهوريون من ضغط مماثل للتصويت ضد الاطاحة بترامب.
ومع تراكم الادلة الدامغة التي تثبت تجاوز ترامب لعدد من القوانين الأميركية بطلبه من اوكرانيا فتح تحقيق ضد احد منافسيه الديموقراطيين للرئاسة، نائب الرئيس السابق جو بايدن، شعر الديموقراطيون ان الفرصة سانحة للتحرك لخلع ترامب، بعدما دأبت زعيمة الديموقراطيين ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على تأجيل البدء بعملية الخلع لخوفها ان لا غالبية شعبية تسانده، وهو ما يعرض حزبها لمخاطر خسارة الغالبية التي فازت بها العام الماضي، في حال المضي قدما بعملية خلع لا تلقى تأييدا شعبيا.
على أن الديموقراطيين يعتقدون ان كشف المزيد من الدلائل على تورط ترامب في عملية تجاوز قوانين، ثم محاولته عرقلة العدالة بالتعتيم على تجاوزاته، من شأنها ان ترفع من نسبة التأييد لخلع الرئيس. ويبدو ان الرهان الديموقراطي اثبت صحته، اذ اشار آخر استطلاعات الرأي الذي اجرته صحيفة «واشنطن بوست» ان نسبة تأييد الاطاحة بترامب ارتفعت من 37 في المئة مطلع يوليو، الى 58 في المئة الاسبوع الماضي. كما اظهر الاستطلاع ان نسبة مؤيدي الاطاحة بترامب بين الجمهوريين وصلت الى 20 في المئة، وهو ما يعني إن اعتبرنا ان خُمس الشيوخ الجمهوريين سينضمون الى الديموقراطيين للتصويت على خلع ترامب، فإن عدد اعضاء مجلس الشيوخ المؤيدين لاخراج ترامب من البيت الابيض سيرتفع 10 أو 11 سناتورا، وهو ما يعني ان اجمالي مؤيدي الخلع في مجلس الشيوخ سيبلغ 59 سناتورا، ما يعني ان اخراج ترامب سيحتاج الى ثمانية اعضاء اضافيين، وهو عدد من غير المرجح ان ينجح رومني وحده في حشده، بالاضافة الى العشرة الذين سينجح في اقناعهم.
وكشفت مصادر البيت الابيض ان ترامب صار يتحدث عن موافقة مجلس النواب على خلعه وكأنه أمر حاصل، بل وكأن الرئيس الأميركي يسعى لاستفزاز الديموقراطيين للتصويت على إدانته لاعتقاده ان التصويت سيحرج النواب الديموقراطيين ممن يمثلون دوائر انتخابية ذات غالبية جمهورية، وسيؤدي للاطاحة بهم في انتخابات العام المقبل، وربما قد يؤدي الى خسارة الحزب الديموقراطي الغالبية في الكونغرس وعودتها الى الجمهوريين.
الديموقرطيون، بدورهم، يعتقدون ان عملية الخلع، والتحقيقات التي ترافقها، والدلائل التي ستخرج الى العلن، من شأنها أن تؤدي الى المزيد من الارتفاع في نسب التأييد الشعبي للاطاحة بترامب، او على الأقل لخسارته انتخابات العام المقبل.
هي إذاً سلسلة من المراهنات من الجانبين على كيفية التغيير في مزاج الناخبين الأميركيين، وهي مراهنات يبدو انها تسير على عكس مصلحة ترامب، ولكن انقلاب الوضع لمصلحته وارد في أي لحظة.

الخميس، 3 أكتوبر 2019

خبراء أميركيون يجمعون على انهيار «عنصر الردع» الأميركي في وجه إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يجمع الخبراء الأميركيون، على أن تطورات الاحداث في الآونة الاخيرة ساهمت في نسف عنصر «الردع» الذي كانت الولايات المتحدة تفرضه على ايران في منطقة الخليج، غالباً بسبب تردد الرئيس دونالد ترامب في الرد على الاستفزازت الايرانية، فيما يعتقد باحثون آخرون ان البحرية الاميركية تمر في فترة انعدام وزن بسبب تطوير روسيا والصين وايران صواريخ تجبر السفن الاميركية على الابتعاد اكثر فأكثر عن شواطئها، ما يحرم المقاتلات الاميركية من الوصول الى اهداف تصبح أبعد فأبعد.
وفي «منتدى سياسات» انعقد في معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى، قالت الباحثة سوزان مالون إن من الواضح ان «الولايات المتحدة فقدت أي تأثير رادع على إيران»، معتبرة ان الحال سيبقى على ما هو عليه الى ان تقرر ادارة ترامب «اجبار ايران على دفع ثمن افعالها الاخيرة».
واضافت ان «الأدوات المالية فعالة للغاية في الضغط على الاقتصاد الإيراني، لكنها لم تثبت حتى الآن أنها تستطيع تغيير حسابات النظام السياسية»، ما يعني ان «واشنطن تحتاج إلى تنفيذ مجموعة من الإجراءات، من خلال إطار ديبلوماسي شامل، يحدد رؤية الإدارة لمستقبل إيران السياسي».
ووافق مالون زميلها في المعهد نفسه نورمان رول، الذي قال ان «أكبر ضحية للتطورات الاخيرة مع ايران هو الردع الأميركي». وتابع ان «احدا لا يشك ان ايران مسؤولة عن قائمة طويلة من الانتهاكات الدولية، ومع ذلك فقد رأى الجميع ان النظام (الايراني) مستمر من دون ان يدفع الثمن».
واعتبر رول ان انهيار عنصر الردع ليس مشكلة مع الايرانيين فحسب، بل ان «الاطراف والمجموعات المارقة في جميع انحاء العالم تراقب وتستوعب هذا الدرس بالتأكيد».
ومثل مالون ورول، اعتبر خبير ثالث من المعهد نفسه، هو مايكل سينغ، ان «خيارات ايران، وتكرارها الهجمات، يتطلب الردع»، وان على «واشنطن ان تكون مستعدة لمواجهة الأنشطة الايرانية بأنشطة مماثلة». واعتبر ان الضغط الاقتصادي وحده لا يجدي مع الايرانيين، داعيا الولايات المتحدة الى التصعيد، بما في ذلك اللجوء الى خيار الهجمات العسكرية السرية ضد اهداف ايرانية.
وقال سينغ ان ايران «ستواصل بلا شك ممارساتها المتمثلة في شن نوع واحد من الهجمات في كل هجوم، في انتظار رد الولايات المتحدة، الذي يهدف إلى مواجهة هذا التهديد المحدد، اذ ذاك تتحول ايران الى مهاجمة هدف مختلف تماما، وبطريقة مختلفة».
واضاف: «ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرك هذا النهج الايراني، وأن تتوقف عن رد الفعل وتنتقل الى المبادرة، وهو ما يجبر طهران على الرد على الأعمال الأميركية، وهذا يعني توسيع نطاق حملة الضغط القصوى من العقوبات حاليا إلى مجالات أخرى، بما في ذلك العمل العسكري السري والضغط الديبلوماسي».
الا ان «انهيار الردع» الاميركي في وجه ايران قد يكون لاسباب غير تردد ترامب، حسب الباحث مايكل موران، الذي قال ان «البحرية الاميركية ليست جاهزة لمواجهة ايران».
وفي مقالة في مجلة «فورين بوليسي»، قال موران ان الصواريخ المضادة للسفن التي طورتها الصين وايران، يبلغ مدى بعضها 1600 كيلومتر، وان طهران طورت صواريخ «نور» البحرية، ذات مدى 160 كيلومتراً، وهذه اصابت المدمرة الاميركية «يو اس اس مايسون» في العام 2016 عندما اطلق الحوثيون في اليمن هذا النوع من الصواريخ عليها.
ويبلغ مدى تحليق معظم المقاتلات الاميركية، غير قاذفات «ستيلث» ومقاتلات «اف 35» الحديثة، نحو 800 كيلومتر، ما يعني ان اجبار الايرانيين السفن الاميركية على الابتعاد مسافة 200 كيلومتر عن الشواطئ الايرانية يقلص من المدى الذي يمكن للمقاتلات ان تصله في تحليقها، وربما يحرمها استهداف بعض المواقع داخل ايران.
«سوف تمر سنوات قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من استعادة تفوقها البحري السابق»، يقول موران، «وهي سنوات لا يمكن للمرء خلالها ان يفترض سوى ان الصين وروسيا وآخرين سيقومون بتوسيع قدراتهم على حرمان السفن الاميركية من الابحار في مناطقهم»

الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

انهيار سورية الاقتصادي يدفع روسيا للبحث في مرحلة «ما بعد الأسد»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

رسمت دراستان صادرتان عن مركزي أبحاث، صورة قاتمة حول الاقتصاد السوري ومستقبل البلاد السياسي والاجتماعي، غالبا بسبب بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه، وهو ما يؤدي إلى استمرار العقوبات الأميركية والأوروبية على دمشق، وتاليا حرمانها من أي فرص لإعادة الإعمار أو استعادة نشاطها الاقتصادي المطلوب لعودة السوريين إلى بلداتهم وعودة حياتهم إلى طبيعتها. 
وأشارت الدراستان إلى اعتماد الأسد في بقائه كلياً على روسيا وإيران، لا ديبلوماسياً وعسكرياً فحسب، بل مالياً كذلك، وهو ما فتح الباب لموسكو لتوقيع عقود استولت فيها على ربع عائدات الطاقة السورية، وفازت بعقد إيجار ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً، فيما تسعى إيران للاستيلاء على مرفأ اللاذقية، وهو ما يعني أن حلفاء الأسد لا يدعمونه مجاناً، بل مقابل تقويض سيادته وقدراته المالية والاقتصادية. مع ذلك، لم تتمكن روسيا ولا إيران من إنقاذ الأسد من ورطته الاقتصادية، إذ أنه «لا يمكن للميت أن يحمل ميتاً»، حسب تعبير أحد التجّار الذين تحدّث معهم معدو إحدى الدراستين.
الدراسة الأولى صدرت عن معهد تشاتهام هاوس البريطاني المرموق، وأشارت إلى وصول الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار، الذي صار يساوي 692 ليرة. وكان سعر الدولار 50 ليرة قبل العام 2011. ويشير معد الدراسة، الباحث زكي محشي، إلى أن انهيار الليرة ليس مؤشراً إلى أزمة مالية موقتة، بل «يعكس انهيار الأسس الاقتصادية لسورية». 
ويشير محشي إلى انه مع بداية العام الماضي، بلغت تقديرات إجمالي الأضرار الناجمة عن الحرب السورية 428 مليار دولار، وهو ما يوازي ستة أضعاف الناتج المحلي في أيام ذروته في 2010. الناتج المحلي خسر 65 في المئة من قيمته في الفترة نفسها، فيما تراجعت الصادرات من 12 مليار دولار قبل الحرب، إلى 700 مليون، العام الماضي.
«قدمت إيران قروضا بقيمة 6 مليارات دولار ليستورد (الأسد) الطاقة وحاجيات أخرى من الجمهورية الإسلامية... فضلا عن مليوني برميل نفط يومياً (وهو ما مجموعه 16 ملياراً على مدى سنوات الصراع الثمانية»، حسب الدراسة، التي توقعت أن تسوء الأمور أكثر في حال بدأت الولايات المتحدة بالعمل بـ«قانون قيصر»، الذي يفرض عقوبات قاسية على المسؤولين عن التعذيب والقتل في السجون السورية، ما من شأنه أن يحرم دمشق من نحو 5 ملايين دولار يحولها يومياً، المغتربون السوريون.
الدراسة الثانية صدرت عن فريق «سينابس سورية»، بتمويل أوروبي، وجاء فيها أن «جلّ ما یفعله حلفاء سوریة الاقتصادیین هو أنهم یفاقمون الخلل الهیكلي» للاقتصاد، «فموسكو وطهران عنصران لا غنى عنهما لإبقاء الاقتصاد السوري واقفا على قدمیه، وذلك من خلال شحنات الوقود والقمح». 
ولأن هذه الدول تتحايل على العقوبات الغربیة، راحت المنتجات الروسیة والإیرانیة الرخیصة تغزو الأسواق السوریة.
لكن موسكو وطهران تتطلعان إلى تعویض ما ینفقانه في سوریة عن طریق وضع أیدیهم على حصص مما تبقى من ثرواتها، حسب الدراسة، في عملیة ترقى إلى رهن مستقبل البلاد الاقتصادي، بدليل تزايد نفوذ روسیا في ثروات سوریة من الطاقة.
صحيح أن الأسد تغلب على غالبية معارضيه عسكرياً، باستثناء مناطق في شرق الفرات ومحافظة ادلب، إلا أن دولته شبه تلاشت، بحسب دراسة «سينابس سورية» التي أشارت إلى أن «الحكومة متهاویة، مفلسة، لا تمارس من أشكال الحكم إلا أكثره سطحیة، وهي تلجأ إلى تمویل نفسها بطرق تدفع البلد نحو الهاوية».
وفي الولايات المتحدة، تشير مصادر الإدارة الأميركية إلى أن روسيا تبدو وكأنها تعبت من تكاليف دعم الأسد، وأنها تسعى «للإفادة من استثماراتها في سورية، ما دفعها للضغط على الأسد للتراجع عن عرقلته مشاركة معارضيه في اللجنة الدستورية»، التي ترعاها الأمم المتحدة لكتابة دستور جديد، وإجراء استفتاء وانتخابات رئاسية. 
وتتابع المصادر أن موسكو أدركت استحالة رفع العقوبات الغربية مع بقاء الأسد، ولذا هي تسعى لاستبداله بموالٍ آخر لها، بهدف الإفراج عن الأموال الغربية، ما يطلق عجلة النمو الاقتصادي المتوقع مع إعادة الإعمار، ويفيد الشركات الروسية، في وقت حصلت موسكو على ما تريده من سورية استراتيجياً بسيطرتها على مرافق أساسية، وإقامتها قواعد عسكرية ستدوم حتى ما بعد رحيل الأسد.

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2019

«اتصال»... لم يحصل بين ترامب وروحاني!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

عمد الصحافيون الاميركيون المقرّبون من نظام الجمهورية الاسلامية في ايران إلى نشر مقالات، في كبرى المؤسسات الاعلامية الاميركية مثل «نيويورك تايمز» و«نيويوركر»، مفادها بأن الرئيس دونالد ترامب يستميت للقاء نظيره الايراني حسن روحاني، أو على الأقل إجراء اتصال هاتفي معه، وأنه في آخر محاولاته، طلب من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تدبير اتصال له مع روحاني أثناء تواجد الوفد الايراني، في أحد فنادق نيويورك، للمشاركة في الاعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، الاسبوع الماضي.
في «نيويورك»، نشرت روبن رايت، وهي من الصحافيين الاميركيين الذين يزورون طهران بانتظام، ان ترامب كان ينتظر على الهاتف، فيما راح ماكرون يطلب من روحاني الحضور الى الجناح الفرنسي للحديث مع ترامب عبر خط الهاتف المحمي الذي سبق لتقنيين اميركيين ان اعدّوه في الفندق. وكانت الساعة التاسعة والنصف مساء، وفيما كان ماكرون ينتظر وترامب على الهاتف عبر مكبرات الصوت، لم يأت روحاني، بل التزم مكانه في جناح الوفد الايراني.
ورغم ان رايت أوحت بان ترامب هو الذي يستجدي لقاء الايرانيين، إلا انها كتبت في المقالة نفسها، ان الاوروبيين، أي فرنسا وبريطانيا والمانيا، هم الذين يدفعون الى حوار مباشر بين ترامب وروحاني، او على الأقل بين الرئيس الأميركي ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي قالت رايت انه سبق ان تلقى دعوة باليد من السناتور الجمهوري راند بول، المقرب من ترامب، لزيارة البيت الابيض.
ويصرّ الايرانيون على انهم لن ينخرطوا في أي حوار مع الاميركيين قبل قيام واشنطن برفع كل العقوبات التي فرضتها منذ انسحابها من الاتفاقية النووية العام الماضي.
في المقابل، يصر ترامب على أنه ليس في عجلة من أمره لحوار مع ايران، وانه يتوقع ان يأتي الايرانيون يوماً للحوار معه، تحت وطأة عقوباته الاقتصادية غير المسبوقة. ويقول الايرانيون انهم لا يثقون بأميركا، وان اي حوار يجب ان يكون بمشاركة اوروبية، لا حواراً ثنائياً.
وتشير رايت الى خطة يأمل الاوروبيون ان يوافق عليها الايرانيون، لو قيض للرئيسين الاميركي والايراني الحديث مباشرة، مبنية على اربعة بنود، من دون ان تشير الى ماهيتها.
على انه انتشرت في واشنطن في الآونة الاخيرة، تقارير اشارت الى خطوة اوروبية لتسوية اميركية مع ايران، مبنية على أربعة بنود:
- الاول، تعديل الجدول الزمني لاتفاقية فيينا النووية (2015)، وجعل البنود التي ترد فيها دائمة لا تنقضي مدتها، أي انه لا يأتي يوم يمكن فيه للايرانيون، تخصيب اليورانيوم من دون مراقبة دولية، أو التخصيب بدرجات أعلى من المتفق عليها.
- والبند الثاني، يقضي بإضافة مادة تحدد مدى الصواريخ البالستية التي يمكن لايران اجراء التجارب عليها، وتكون في الغالب قصيرة المدى، لا متوسطة أو بعيدة المدى.
- ويرتكز البند الثالث، على إنهاء فوري لحرب اليمن، والتوصل الى تسوية سياسية بين والحكومة الشرعية والحوثيين، وهو ما من شأنه ان يؤدي الى نزع فتيل التوتر في الخليج، وتأكيد حرية الملاحة فيه.
مقابل هذه البنود الثلاثة، تتعهد واشنطن رفع كل عقوباتها، وعودة الامور الى ما كانت عليه، وهو ما من شأنه ان يعيد الصادرات النفطية الايرانية من نصف مليون برميل يومياً، الى ما كانت عليه في العام 2016، اي نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً.
لكن الحوار لم يحصل، بل آثر الايرانيون تسريب الانباء عن رفض روحاني المشاركة في محادثة هاتفية، فيما كان ماكرون وترامب ينتظرانه... فما الهدف من السياسة الايرانية الحالية؟
تعتقد مصادر في الادارة الاميركية، ان هدف إيران الرئيسي، اظهار انتصارها على الولايات المتحدة، والتأكيد انها لم تشارك في حوار تحت ضغط العقوبات، بل ان الاميركيين هم الذين استجدوا الايرانيين للمباشرة بحوار. لكن يبدو ان ترامب يسعى للهدف نفسه، فهو يكرر ان الايرانيين هم الذين يطلبون الحوار، ويقول انه في انتظارهم.
كيف الخروج من الحلقة المفرغة التي يحاول فيها الطرفان اظهار انتصار كل منهما على حساب الآخر؟ الاوروبيون يعتقدون انه يمكنهم التوسط بشكل يصوّرهم المبادرين الى فتح حوار يشارك فيه الطرفان في الوقت نفسه، ومن دون ان يستجدي احدهما الحوار مع الآخر. حتى الآن، لا يبدو ان المجهود الاوروبي أدى الى اي نجاح يذكر، ولكن النجاح قد يحصل في اي لحظة، وقد لا يحصل ابداً.

ترامب يضع الولايات المتحدة في مرحلة فقدان توازن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

من يعتقد أن أميركا مرتبكة في الشرق الأوسط، وأنها تستعد للخروج منه، ما عليه إلا النظر إلى تطورات الأحداث داخل الولايات المتحدة ليتأكد أن التخبط الأميركي ليس مرتبطاً بالسياسة الخارجية، ولا بالشرق الأوسط، بل بالأزمة التي تعيشها البلاد منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مطلع العام 2017، غالباً بسبب انعدام كامل في خبرة الرئيس الأميركي في أي موضوع من المواضيع، السياسية أو الثقافية، أو حتى المالية، التي يفترض أنها إحدى نقاط قوته.
لا كفاءة ترامب في كل شيء تقريباً تظهر الرئيس الأميركي على حقيقته: شخص مولود وفي فمه ملعقة ذهب، أمضى عمره يبذّر ثروة والده الطائلة، ويعلن إفلاسه اكثر من مرة، ويعيش حياة تتراوح بين شخصية الرجل اللعوب مع النساء، وشخصية رجل الجريمة المنظمة (المافيا). هذه الشخصية هي التي جاء بها ترامب الى الحكم، الذي راح يستخدم قدرات الحكم لمكافأة الازلام والمخلصين، وفي الوقت نفسه، لمعاقبة المعارضين، وذلك بشكل فاضح يتعارض مع معظم القوانين الأميركية، ومع الأعراف والتقاليد السياسية التي درجت عليها الحياة السياسية في واشنطن.
الجمهوريون، على أنواعهم، يسكتون على ترامب وأسلوب حياته وحكمه، لاعتقادهم أنه يحقق له أهدافهم السياسية. التحالف الديني الانجيلي المسيحي المحافظ، على سبيل المثال، يؤيد ترامب بقوة، على الرغم من أن ترامب يتعارض وكل الافكار المسيحية التي يؤمنون ويبشرون بها. فالقصص عن مغامرات ترامب الجنسية، وغيابه عن المشهد الديني وعدم تردده الى الكنيسة بشكل منتظم، هي من الجوانب التي تجعل التحالف المسيحي يعارض وجود شخص مثل ترامب في الحكم. لكن ترامب يعطي اليمين المسيحي أموراً تجعلهم يقايضون غضبهم على لا مسيحيته بسكوتهم عنه ودعمهم له، فهو يعين قضاة الى المحكمة الفيديرالية العليا على ذوقهم، ويتبنى سياسات تعجبهم، مثل معارضته للاجهاض.
جمهوريون آخرون يسكتون على ترامب، رغم معارضتهم لسياسته الخارجية ولتجاوزه القوانين الداخلية، لأنهم يفيدون من تأييده لمشاريعهم القاضية بنسف القوانين، التي تحد من عمل بعض القطاعات، مثل النفط وتنقيبه، ويؤيدون تخفيضه للضرائب على الشركات، وغيرها من السياسات التي تفيد كبار المتمولين ممن يتبرعون بشكل دوري لتمويل حملات الانتخابات للجمهوريين.
لكن ترامب مشكلة، حتى بالنسبة للجمهوريين، لانعدام كفاءته وسطحية معرفته بكل شيء تقريباً، خصوصا بأساليب الحكم، اذ هو لا يرى مشكلة في ان تتدخل روسيا في الانتخابات الاميركية، بل يبدو انه ابلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم قام الاخير بزيارته في البيت الابيض قبل عامين ونصف العام، انه لا يمانع تدخل موسكو انتخابياً، لان اميركا نفسها تتدخل في انتخابات الدول حول العالم.
ولأن ترامب لا يدرك اهمية القوانين، فهو يعتقد انه يمكنه استخدام وزارة العدل للدفاع شخصياً عنه ضد أي تحقيقات قد تطوله، مثل تحقيق مولر الذي اثبت تدخل موسكو في انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016. كذلك يعتقد ترامب انه يمكنه استخدام وزارة العدل لمطاردة منافسيه السياسيين، والطلب الى حكومات اجنبية مساعدته في ذلك، ومساعدته في العثور على ما يدين، او حتى فبركة ما من شأنه ان يدين، خصومه السياسيين في الداخل.
ولمعرفة الطاقم العامل في البيت الابيض بفداحة التجاوزات السياسية التي يرتكبها ترامب اثناء محادثاته مع زعماء العالم، عمد الى اخفاء نصوص المكالمات الهاتفية ونصوص الاجتماعات على خادم الكتروني (سيرفر) - غير المخصص لهذا النوع من الارشفة - بل على «سيرفر» مخصص للمعلومات الفائقة السرية التي لا يمكن إلا للرئيس ولافراد وكالات الاستخبارات الاطلاع عليها، لأن هؤلاء يتمتعون بتراخيص أمنية تخولهم الاطلاع على كل ما هو سري. هكذا، اخفى الفريق الرئاسي عدداً من نصوص محادثات ترامب الهاتفية مع زعماء العالم على «سيرفر» الاستخبارات، التي وجدت نفسها فجأة أمام معلومات تؤكد اختراق الرئيس لعدد كبير من ابسط القوانين الاميركية الناظمة لصلاحيات سيد البيت الأبيض.
هكذا، قام كادر في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) باستخدام قناة مخصصة بين الوكالات الفيديرالية والكونغرس، ذات الغالبية الديموقراطية، للفت نظر الكونغرس حول التجاوزات الرئاسية، وهي تجاوزات تدين ترامب وتفتح باب خلعه. والتجاوز الرئاسي جاء على شكل طلب ترامب الى نظيره الاوكراني فلودومير زيلينسكي باسدائه «خدمة» وفتح تحقيقات بحق نجل نائب الرئيس السابق، ومنافس ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، جو بايدن.
وفي المكالمة نفسها، ربط ترامب بين تلبية اوكرانيا الطلب، والمساعدات العسكرية الى كييف البالغة قيمتها 400 مليون دولار. كما طلب الرئيس الأميركي من الاوكرانيين التعاون مع محاميه الشخصي رودي جولياني ووزير العدل وليام بار، وهو طلب يدينه ويدينهما، اذ لا صلاحية لمحامي شخصي ان يتدخل في شؤون الحكومة، ولا صلاحية لرئيس اميركا في التدخل في المسار القضائي وعمل بار.
في المقابل، أظهرت صور لشبكة «فوكس نيوز»، جو بايدن، وابنه هانتر، يلعبان الغولف مع ديفون آرتشر الذي عمل في مجلس إدارة شركة الغاز الطبيعي الأوكرانية «بوريسما».
وشكل الاتصال حجر زاوية لبدء الكونغرس الديموقراطي عملية خلع ترامب، وبدأت اللجان النيابية تحقيقاتها، التي كان أولها الفرض على جولياني تسليم كل وثائقه واتصالاته في موضوع اوكرانيا الى الكونغرس، تحت طائلة معاقبته وسجنه في حال عرقلته مسار التحقيق.
وبعد اسبوع على الفضيحة الهاتفية، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن ترامب اجرى مكالمة مشابهة مع رئيس الحكومة الاسترالية سكوت موريسون، طلب فيها مساعدة كانبيرا في اعادة فتح ملفات يعتقد ان من شأنها ان تنتقص من تحقيق مولر وبيانه الختامي.

وفي حين، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن وزير الخارجية، كان بين الحاضرين لدى إجراء ترامب اتصالا مع زيلينسكي، رفض مايك بومبيو طلب لجنة الشؤون الخارجية شهادة موظفين في الخارجية في نطاق التحقيق.
ووسط انهمار الفضائح على رأسه، يبدو ان الرئيس الاميركي احسّ بفداحة الموقف، فأطلق تهديدات مفادها بأن حرباً اهلية ستندلع في حال عزله. وسبق لترامب ان هدد بانهيار الاسواق المالية في حال تم خلعه، في وقت يبدو ان ما يساهم في تأزيم مشاكله، الخارجية والداخلية، هي شخصية الرئيس نفسه، النرجسية، والمترددة، والمتقلبة، والحاقدة على الخصوم، والتي قلّما تدرك الفارق بين الصح والخطأ.
وفي وسط ارتباك ترامب وخوفه، يبدو ان نفراً من مستشاريه أوعزوا اليه بضرورة اقراره عقوبات على روسيا لدرء الشبهات واتهامات الكثيرين، خصوصا الديموقراطيين، لناحية ان الرئيس الاميركي يقوم بما يمليه عليه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لان الاخير يمسك على ترامب فضائح، أما على شكل ديون مالية، أو ملفات ابتزاز اخرى، فاعلنت وزارتا الخارجية والخزانة الاميركيتين، للمرة الاولى منذ تسلم ترامب الرئاسة، فرض عقوبات على سبع شخصيات مقربة من بوتين بتهمة تدخل موسكو في انتخابات 2016 و2018.
... ترامب شغل أميركا والعالم، وادى الى فقدان توازن اميركي، داخلي وخارجي، والى غرق البلاد في ازمات دستورية وقانونية لا سابق لها، وهو في الغالب سيبقي الولايات المتحدة على حالها، على الأقل حتى خروجه من البيت الابيض، خلعاً او بانتهاء مدته.

لماذا ينهار اقتصاد لبنان؟

حسين عبدالحسين

في لبنان مشكلة اقتصادية مستعصية بدأت تهز الاستقرار المالي والاجتماعي للبلاد. ظاهر الأمر أن احتياطي النقد الأجنبي، أي الدولار واليورو، قارب النفاذ في خزائن "المصرف المركزي"، وهو ما يفرض انخفاضا في قيمة الليرة اللبنانية، وتاليا تراجعا في القدرة الشرائية للمواطنين ذوي المداخيل بالعملة الوطنية، أي أن غالبية اللبنانيين ستصبح "أكثر فقرا"، لأن مداخيلها ومدخراتها بالليرة، فيما أسعار السلع الأساسية، مثل المحروقات والطحين وغيرها من المواد التي يستوردها لبنان، مرتبطة بالسوق العالمية، التي تتعامل بالدولار واليورو.

في لبنان، مثل في روسيا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا وباقي دول الممانعة ومناهضة الإمبريالية والاستكبار (إلى آخر الخطاب البطولي الخشبي المعروف)، الانتصارات الإلهية والعسكرية أكثر من أن تحصى، والكرامة الوطنية ومواجهة الغطرسة الأميركية بلغت حد التخمة. المشكلة في هذه الدول أنه كلما ازدادت الكرامة الوطنية، ازداد الفقر والجوع، وأنه كلما طالت مسافة صواريخ إيران و"حزب الله" اللبناني، كلما انخفضت قيمة النقد الوطني.

والمحور السياسي في لبنان المعروف بـ "الممانعة"، والذي يقوده "حزب الله"، بمشاركة حزب رئيس الجمهورية ميشال عون، وحزب رئيس مجلس النواب نبيه بري، يبرر تقهقر الاقتصاد الوطني بفصله عن السياسة، وخصوصا الإقليمية منها، وتصوير الاقتصاد وكأنه موضوع إداري بحت، أي أنه يمكن لاقتصاد لبنان أن ينهض فقط بمكافحة الفساد وترشيد الحوكمة.

لكن انهيار الاقتصاد في لبنان ليس موضوعا إداريا ولا ماليا، بل هو انهيار بنيوي ناجم عن فصل السياسة عن الاقتصاد، فالسياسة في لبنان قبلية ثأرية، يطل زعيم "حزب الله" حسن نصر الله في خطاباته، فيبكي مقتل الإمام الشيعي الثالث الحسين بن علي، ويتوعد "يزيد العصر"، وهذا قد يكون إسرائيل أو أي زعيم سني معاصر، كقادة السعودية، أو تركيا، أو حتى رئيس حكومة لبنان السني عرفا. ومثل "حزب الله"، ترتكز شعبوية عون على استنهاض العصبية المسيحية، غالبا بمعاداة مجموعات أخرى، مثل اللاجئين السنة من السوريين والفلسطينيين، أو السلطنة العثمانية، أو فزاعات متخيلة أخرى.

وعليه، لا يقترع الناخب اللبناني على حسب البرامج الانتخابية حول النسب الضريبة، مثلا، أو حسب العلاقات الثنائية الممكنة مع دول يمكن تنمية حجم التبادل التجاري معها، بل يتوجه غالبية اللبنانيين للاقتراع بولاء قبلي — إما عاطفي، أو مصالحي شخصي لا وطني.

هكذا، يحمل شيعة لبنان إلى اليوم ثأرا مع الدولة السعودية الأولى لمهاجمتها، في القرن التاسع عشر مدن الشيعة المقدسة في جنوب العراق، ويحملون ثأرا مع ليبيا بسبب اختفاء رجل الدين اللبناني موسى الصدر فيها في السبيعنيات. ويحمل مسيحيو لبنان ثأرا مع تركيا، بسبب المجاعة التي تسببت بها السلطنة لمتصرفية جبل لبنان مطلع القرن العشرين، ومثلهم يحمل الأرمن ثأرا على الأتراك، ويحمل اللبنانيون عموما ثأرا مع إسرائيل، بسبب صراع انفجر عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وتحول فيما بعد إلى حرب مفتوحة بين "حزب الله" وإسرائيل.

ولأن الثأر القبلي يتقدم على المصلحة الوطنية، يهاجم نصر الله دول الخليج، ويهاجم بري ليبيا، ويهاجم عون تركيا، ويهاجم الجميع إسرائيل. مع كل هذه العداوات يصبح السؤال: أي دول إقليمية ستفتح أبواب أسواقها للصادرات اللبنانية الصناعية إن توفرت أو الخدماتية كخدمات المصارف والتعليم والاستشفاء والترفيه؟ ومع أي دول يمكن للبنان تعزيز تجارته، غير إيران المفلسة وسوريا المدمرة؟ وكيف ترى دولة لبنان أنه يمكنها أن تشتم دول الإقليم كلها، وتعاديها، وتتحارب معها، وأن يكون اقتصاد لبنان متعافيا؟

دولة لبنان، تحت وصاية "حزب الله"، لا تسعى لمصالح البلاد، بل هي ساحة يتسابق فيها الزعماء المحليين لتقديم الولاء لزعماء الإقليم، وهي عادة لبنانية منذ زمن الفينيقيين، فالمراسلات الفرعونية المكتشفة في نقوش تل العمارنة تظهر أن زعماء المدن الفينيقية في المشرق كانوا يتبارون في مناكفة بعضهم البعض، وتبديل الولاء للإمبراطوريات الإقليمية، بحسب التي يعتقدون أنها الأقوى والأنسب لزعامتهم.

في تاريخ لبنان حفنة من الرجالات من أصحاب الرؤية ممن لو قيض لأفكارهم أن تعيش، لعاش لبنان في وضع اقتصادي جيد. من هؤلاء رجلان يربط بينهما الأكاديمي اللبناني فوّاز طرابلسي، في إحدى كتبه، من باب مهاجمتهما ومهاجمة رؤيتهما الرأسمالية الليبرالية، وهما السياسي والمصرفي الراحل ميشال شيحا ورئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري.

أدرك شيحا، والحريري بعده، أن ضيق مساحة لبنان، وارتفاع تكلفة اليد العاملة فيه بسبب قلة السكان وانتشار التعليم العالي بينهم، تجعلان من الزراعة والصناعة مكلفة، وغير تنافسية، في الإقليم والعالم. الموارد البشرية اللبنانية، التي تتمتع بشهادات عالية وخبرات تجعلها من الأفضل في العالم، هي حجر الزاوية في أي اقتصاد لبناني صاعد. والقطاعات التي يمكن للموارد البشرية اللبنانية قيادتها تنافسيا هي صناعات التكنولوجيا، وخدمات المصارف والتعليم والطب والسياحة. بكلام آخر، مقومات لبنان تخوله أن ينافس دبي وسنغافورة، لا تركيا والصين.

لكن بحبوحة سنغافورة، كما قوة اقتصادات "نمور آسيا"، أي هونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية، تعتمد بشكل أساسي على السلام والاستقرار والانفتاح على كل دول العالم، العدوة منها قبل الصديقة، ما يسمح لكبرى الشركات العالمية أن تفتح مقار لها في هذه الدول، مستفيدة من موارد بشرية متفوقة، فتتدفق رؤوس الأموال على لبنان، ومعها فرص العمل، والنقد الأجنبي، والسياحة، وغيرها من الخدمات.

لكن رؤية "نصر الله" وعون ومن معهما لا ترى لبنان سنغافورة، بل تراه في حرب لا تنتهي، مع إسرائيل، والسعودية، وتركيا، وليبيا، والإمارات، وأميركا، والمعارضة السورية، والحكومة اليمنية، وغيرها. في لبنان، يموت الحريري، وتموت معه رؤية اقتصاد لبنان مزدهر، وإن يشوبه الفساد واتساع الهوة بين الطبقات، فالفساد يمكن مكافحته، والهوة بين الطبقات يمكن تقليصها بضرائب تصاعدية، لكن النمو الاقتصادي مستحيل بلا التعويل على نقاط قوة البلاد، وجعل السياسة في خدمة الاقتصاد، لا الإصرار على إبقاء الاقتصاد في خدمة السياسة وعداواتها الإقليمية.

يوم ثار زعيم الدروز وليد جنبلاط على "محور الممانعة"، لفترة وجيزة منتصف العقد الماضي، قال إن على لبنان أن يختار من يكون، إما هانوي أو هونغ كونغ. أما المفارقة، فهي أن هانوي اليوم تستجدي صداقة أميركا، وهي استضافت رئيسها السابق باراك أوباما، في زيارة تاريخية، والعلاقة بين فيتنام وأميركا تتحسن بشكل مضطرد، ما يضع الاقتصاد الفيتنامي في موقع منافس لنظيره الصيني. أما لبنان، فلا ينسى أي حرب، ولا يسامح، حتى لو اقتضت مصلحته إنهاء الخصام، بل يبقى محاربا مفلسا، فالكرامة الوطنية تبدو عدوة البحبوحة والسلام.

Since December 2008