الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

"حزب الله" يتلاعب بديمقراطية لبنان

حسين عبدالحسين

بعد قرابة عقد ونصف من الإصرار على "الديمقراطية التوافقية"، تخلى "حزب الله" وحليفاه، المسيحي جبران باسيل والشيعي نبيه بري، عن "الميثاقية" التي لطالما امتطوها لتعطيل الديمقراطية، وفرض ميشال عون رئيسا للبنان، وإبقاء بري رئيساللبرلمان.

فجأة لم يعد توافق طوائف لبنان الكبرى ـ السنة والشيعة والموارنة والدروز ـ شرطا لاختيار رئيس حكومة لبنان، فسمّى "حزب الله" وحليفاه رئيس حكومة لبنان السنّي بدون موافقة أكبر كتلة سنية برلمانية، وبدون تزكية مفتي الطائفة السنية. هكذا، بالكاد حاز رئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب على الغالبية، إذ حصد 69 صوتا من أصوات برلمان لبنان البالغ عددها 120.

والديمقراطية العددية اللاطائفية أمر ممتاز ومطلوب، ونادى به ثوار لبنان الداعين إلى تغييرات جذرية في النظام والحكام. لكن المشكلة تكمن في أن "حزب الله" وعون يستخدمان الديمقراطية العددية لغايات آنية، والغالب أنهما سيتخليان عنها ويعودان إلى تفاهة الميثاقية والتوافقية عندما يتعذر عليهم تأمين العدد المطلوب لفرض آرائهم أو مرشحيهم مستقبلا، إذ ذاك يقفلون البرلمان، ويفرضون الفراغ على الرئاسة، إلى أن يفرضوا تراجع منافسيهم وينتزعوا توافقا، وهو أمر تكرر على مدى العقدين الماضيين.

مثلا، عندما خرج رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري من الحكم، ومعه الدروز وزعيمهم وليد جنبلاط، اختارت سلطة الوصاية السورية على لبنان الراحل عمر كرامي لرئاسة الحكومة، وأعلن "حزب الله" أن لا بأس برئاسة كرامي لحكومة تتمتع بدعم غالبية برلمانية بسيطة، وإن في غياب التوافق، وأنه يمكن لمن هم خارج الحكم، أي السنة والدروز، أن ينشغلوا في المعارضة.

في الحكومة التالية التي ترأسها فؤاد السنيورة ومنح عبرها موافقة لبنان على محاكمة دولية لتحقيق العدالة في جريمة اغتيال رفيق الحريري، انزعج "حزب الله"، فاستقال وزراء الشيعة من الحكومة، وعطلوها على الرغم من دستورية استمرارها، بداعي غياب الميثاقية عنها، وأقفل شريكهم بري البرلمان.

بعد سنوات، كان منافسو "حزب الله" يتمتعون بغالبية برلمانية لانتخاب رئيس لبنان الماروني، إلا أن "حزب الله" وعون أصرّا أن اختيار الرئيس لا يكون بالغالبية العددية البرلمانية، بل يتطلب توافقا، ولم يتراجعا إلا بعد التوصل إلى تسوية بين الطرفين قضت بانتخاب ميشال سليمان رئيسا.

ثم بعد انقضاء رئاسة سليمان، أقفل "حزب الله" البرلمان لإصراره على انتخاب عون. حسب هذه الرواية، عون يمثل المسيحيين، وانتخاب أي مسيحي آخر يعني غياب الموافقة المسيحية وتاليا غياب التوافق. ثم أن المسيحيين هم من يختارون ممثلهم، وتاليا رئيس البلاد، أي عون، وما على الطوائف الأخرى إلا الموافقة تلقائيا، فيتكون بذلك "توافق" وطني وتتحقق الميثاقية.

واستخدام الطائفية على هذا الشكل دأب عليه حليف "حزب الله" الآخر نبيه بري، الذي يفرض رأيه في كل موضوع وطني ـ انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي أم اختيار رئيس الحكومة السني ـ لكن بعد كل انتخابات برلمانية، يصرّ بري أن رئاسة البرلمان المخصصة للشيعة هي اختيار محصور بالشيعة وحدهم، وما على باقي زعماء الطوائف إلا تبني الخيار الشيعي، أي بري، بدون نقاش.

هكذا، منح سلاح "حزب الله" القدرة على تغيير قواعد الديمقراطية في لبنان بحسب ما يتناسب ومصلحته، فإن توفّرت الغالبية العددية، يختار الحزب رؤساء جمهورية وبرلمان وحكومة بلا الإصرار على توافق، وإن لم تتوافر الغالبية العددية للحزب، يقفل الرئاسة والبرلمان والحكومة، ويصرّ على اختيار مرشحه، أو "مرشح تسوية" على الأقل، لحرمان الغالبية العددية من الاختيار من قد لا يعجبه من مرشحين.

وهكذا، تتأرجح ديمقراطية لبنان بين "حكم الغالبية" و"الديمقراطية التوافقية" بحسب ما يتناسب ومصالح الحزب وحلفائه. أما الحكومات التي تم انتخابها ديمقراطيا، فيفرض الحزب تعطيلها بقوة سلاحه، ويبرر ذلك بذريعة غياب "التوافق".

وإفادة الأحزاب غير الديمقراطية من الديمقراطية وتلاعبهم بها، أسلوب معروف، أشهر من انتهجه طاغية ألمانيا هتلر، الذي وصل إلى الحكم بانتخابات ثم تحول إلى حاكم أبدي ورمى السلم الذي تسلقه إلى السلطة بعيدا.

ومثل هتلر، وإنما بلا دمويته، يتلاعب اليوم رئيس تركيا رجب طيب إردوغان بالديمقراطية التركية، فيستخدم الحكم لتعزيز سلطته، ويعدّل الدستور بما يتناسب وبقائه في السلطة، ويتلاعب بالانتخابات، ويقتلع رؤساء بلديات منتخبين بحجج مختلفة.

منح سلاح "حزب الله" القدرة على تغيير قواعد الديمقراطية في لبنان

شحّ الثقافة الديمقراطية عند اللبنانيين قد يكون السبب الأبرز الذي يسمح لـ "حزب الله" وزعماء الطوائف بالتلاعب بالديمقراطية، وتاليا سوء حكم البلاد. مثلا، عند الحديث عن وطنيتهم، يكرر لبنانيون كثر عبارة 10452 كيلومترا مربعا، وهي مساحة لبنان، أو يعمدون إلى تأليه "الجيش اللبناني" كرمز الوطن، أو يتغنون بشعار الجمهورية، أي الأرزة، وهذه كلها أمور سطحية قد يكون الأفضل للبنانيين لو أنهم يشيرون إلى تمسكهم بالدستور الذي ينص على حرية الرأي، أو إلى إصرارهم على الديمقراطية وممارستها، بلا تلاعب، كأساس وطنهم ومواطنيتهم، على غرار شعوب الدول الديمقراطية.

مثلا؛ يتمسك الوطنيون الأميركيون بالدستور، أو بالحرية التي تشكل أساس الجمهورية، وكذلك يتمسك الفرنسيون بشعار دولتهم "حرية فردية، مساواة، مآخاة"، ويندر أن تجد أميركيا أو فرنسيا يعرف مساحة دولته أو يتغنى بجيشها.

لا عتب على ضحالة الثقافة الديمقراطية لدى "حزب الله" واللبنانيين عموما، لكن العتب هو على من يتمسكون بنظام "حكم الأقوى" القائم في لبنان، ويتغنون به ويعتقدونه ديمقراطية وحرية، والحري بثورة لبنان، إن كانت ما تزال قائمة، أن تناضل من أجل تكريس هذه المبادئ ونشرها، فالثورتين الأميركية والفرنسية لم تناديا بحكومات اختصاصيين، بل قامتا على أسس فكرية واضحة لإعادة تأسيس الدولة على أسس مواطنية وحرية فردية ومساواة، بعيدا عن التسلط والطغيان والتلاعب بالقوانين.

الاثنين، 30 ديسمبر 2019

أميركا ودّعت 2019 من دون مفاجآت... و2020 تكملة للغرق في سياساتها الداخلية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

طغت مصادقة مجلس النواب التاريخية على خلع دونالد ترامب على الأحداث السياسية للعام 2019... فترامب هو الرئيس الثالث من رؤساء الولايات المتحدة - البالغ عددهم 45 والمتعاقبين منذ العام 1789 - الذي يتم التصويت على خلعه، وهو خلع حصل في خضم نقاش طويل ومحتدم بين الرئيس الأميركي ومناصريه الجمهوريين، من جهة، والمعارضين الديموقراطيين من جهة ثانية.
والتصويت على خلع ترامب نجم على إثر قيام عامل في الاستخبارات، لا تزال هويته مجهولة حفاظاً على سلامته وعملاً بالقوانين الأميركية، بإبلاغ المفتش العام في وزارة العدل عن «تجاوزات» ارتكبها الرئيس أثناء محادثته الهاتفية مع نظيره الأوكراني فلودومير زيلينسكي، في يوليو الماضي، حاول فيها ترامب الضغط على كييف بالتلويح بوقف 400 مليون من المساعدات العسكرية المخصصة لها، ما لم يعلن الأوكرانيون مباشرتهم بإجراء تحقيقات في عمليات فساد ارتكبها هنتر بايدن، نجل نائب الرئيس السابق والمرشح الديموقراطي المنافس لترامب للرئاسة جو بايدن. 
ولاحتواء الموقف، قام ترامب بنشر ملخّص عن فحوى المحادثة، فاتضح أن عملية التهديد واضحة من سياق الحديث، إذ باشرت لجنتا الاستخبارات، وبعدها العدل، في تسطير مذكرات للتحقيق مع المعنيين، ونجحت في استجواب مسؤولين سابقين من الشهود على المكالمة، لكن ترامب منع المسؤولين الحاليين في إدارته من المثول أمام الكونغرس للشهادة، وهو بمثابة تجاوز للقوانين، ما دفع مجلس النواب إلى إضافة بند ثان للخلع: الأول بتهمة سوء استخدام السلطة لمآرب شخصية، والثاني بتهمة عرقلة تحقيقات الكونغرس.
ويتحول قرار الخلع إلى مضبرة اتهامية ينظر فيها مجلس الشيوخ، الذي يتحول إلى هيئة محلفين في محكمة يرأسها رئيس المحكمة الفيديرالية العليا جون روبرتس. إلا أن إعلان زعيم الجمهوريين في الشيوخ ميتش ماكونيل انه سينسّق المحاكمة مع البيت الأبيض أثار الشبهات حول حياديتها، ودفع رئيس مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي إلى الإحجام عن إرسال القرار الاتهامي إلى مجلس الشيوخ، إلى حين التأكد أن المحاكمة ستكون نزيهة وعادلة، لا شكلية وهدفها تبرئة ترامب، وهو ما يعني أن الأشهر الأولى من العام المقبل ستغرق كذلك في محاكمة ترامب، إلى أن تغوص البلاد كلياً في عملية الانتخابات الرئاسية، إذ تبدأ الانتخابات التمهيدية لاختيار الديموقراطيين مرشحهم في فبراير المقبل. 
وخلع ترامب لم يبدأ مع مكالمة ترامب وزيلينسكي في يوليو، بل هو عنوان يتردد منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة، وصدور تقارير استخباراتية أميركية، تلتها قرارات اتهامية صادرة عن المحاكم، تدين كبار المسؤولين في نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة التدخل في الانتخابات الرئاسية في العام 2016 لترجيح كفة ترامب في وجه منافسته الديموقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
وأمام الاتهامات لترامب بالتواطؤ مع الروس، قام وكيل وزارة العدل، الذي كان عينه ترامب، رود روزنستاين، بتكليف الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) روبرت مولر، باجراء تحقيقات مستقلة. وبعد عامين من التحقيقات بتكلفة عشرات ملايين الدولارات، سلّم مولر تقريره إلى وزير العدل وليام بار، الموالي لترامب، فقام الأخير بتدبيج خلاصة اقتطع فيها ما يناسبه، وتوصل إلى نتيجة مفادها بأن التقرير رأى أن ترامب لم يتعاون مع الروس، فهلل الرئيس، ما دفع مولر للخروج عن صمته والقول إنه لم يتوصل إلى نتيجة من هذا النوع.
وبيّن تقرير مولر ومكالمة ترامب - زيلينسكي، أمضى ترامب العام بأكمله مهجوساً بإمكانية خلعه، وراح يسمي تحقيقات مولر «صيد ساحرات»، وهي تسمية خلعها بعد ذلك على تحقيقات الديموقراطيين، في الوقت الذي يواصل ترامب هوسه في السعي للفوز بولاية رئاسية ثانية. وخسارة أي رئيس الانتخابات لولاية ثانية، تعد في الثقافة السياسية الأميركية، بمثابة ذلّ أكبر من أن يخسر أي مرشح للرئاسة المعركة من خارج البيت الأبيض. 
ولأن اهتمام ترامب ينصب على فوزه بولاية ثانية، في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، فهو يسخّر كل إمكانيات الحكومة ليقنع ناخبيه بأنه حقق معظم ما وعدهم به في حملته الانتخابية الرئاسية الأولى. وتتصدر الوعود، نهضة في الاقتصاد، وهي وعود تحققت، ولكن بتكلفة عالية جداً للعجز السنوي، الذي ارتفع بواقع ثلاثة أضعاف ليصل نحو تريليون دولار سنوياً، ما دفع الدين العام لتخطي عتبة الـ 23 تريليوناً، وبذلك تجاوز الدين الأميركي عتبة المئة في المئة من حجم إجمالي الناتج المحلي البالغ 21.5 تريليون دولار. أما سبب تضاعف العجز فيعود إلى تخفض ترامب الضرائب لتحفيز النمو.
وعلى الرغم من النمو الاقتصادي، إلا أن القطاعات المؤيدة في غالبيتها لترامب، مثل المزارعين، عانوا من آثار الحرب الاقتصادية التي يخوضها الرئيس الأميركي مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم واكبر، إذ حاول ترامب «لي ذراع» بكين بفرض رسوم جمركية على واردات أميركا الصينية، فبادلت الصين ترامب الرسوم، لكنها بكين استهداف وارداتها الزراعية الأميركية، فاضطرت واشنطن إلى التعويض عن مزارعي الصويا، مثلاً، بإجمالي بلغ 21 مليار دولار، وهو ما حمل ترامب على إبداء بعض الليونة، فتم التوصل إلى ما اسمته الدولتان «اتفاقية تجارية مبدئية» لا تزال تفاصيلها غامضة.
استماتة ترامب لاستخدام موقعه الرئاسي للفوز بولاية ثانية طاول سياسته الخارجية. في هذا السياق، يحاول ترامب منح إسرائيل أقصى ما يمكنه اعتقاداً منه أن لأصدقاء الدولة العبرية كتلة انتخابية وازنة ومانحين ماليين أسخياء. ومن المعروف أن الغالبية الساحقة لليهود الأميركيين تدعم الحزب الديموقراطي، لكن ذلك لم يوقف محاولات ترامب استمالتهم، فكان إعلانه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في مايو 2018، من دون أن يحدد أي قدس أو يشير إلى أن «القدس الموحدة» هي عاصمة إسرائيل، مع ما يعني أن خطوة ترامب أبقت الباب مفتوحاً لتسوية تكون فيها المدينة نصفين: الغربية عاصمة إسرائيل والشرقية عاصمة دولة فلسطين المزمع قيامها. 
وفي محاولته إعادة إظهار تأييده لإسرائيل، قام ترامب في مارس الماضي بإصدار إعلان رئاسي، وهو ذات مفاعيل قانونية ضعيفة، مفاده بان الولايات المتحدة تعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
ومع إطلاق ترامب، يدي صهره وكبير مستشاريه اليهود الأرثوذوكسي جاريد كوشنر، وأصدقائه من اليهود المحافظين، في تقديم شكل الحل للصراع العربي - الإسرائيلي، أطلق كوشنر بخجل «صفقة القرن» للسلام، وهي خطة لم يتمخض عنها إلا مؤتمر اقتصادي استضافته المنامة في يونيو الماضي. 
بشكل عام، كانت سياسات ترامب الخارجية في العام 2019، على عادته، متخبطة مثل أفكاره وتغريداته وسياساته، فقام بسحب مفاجئ لقواته من وادي الفرات شرق سورية إلى درجة أجبرت الجيش الأميركي على إخلاء قواعده، ومن ثم شن غارات جوية عليها لتدمير مخازن الأسلحة والذخائر لتفادي وقوعها في ايدي «مقاتلين معادين». 
وقرر ترامب سحب القوات من سورية إفساحاً في المجال أمام اجتياح تركي، وهو ما أثار حفيظة غالبية أعضاء الكونغرس من الحزبين. وفي وقت لاحق، جمع الرئيس الأميركي بعضهم مع نظيره التركي أثناء زيارة رجب طيب أردوغان للبيت الأبيض، في نوفمبر، في محاولة للتخفيف من نقمة الأميركيين ضد أنقرة.
في الخليج، واصل ترامب سياسة «أقصى الضغط» الاقتصادي على طهران، وهي سياسة أفضت إلى تركيع الإيرانيين اقتصادياً، فحاولوا التحرش بالإبحار في الخليج، وقاموا، في يونيو، بإسقاط «درون» أميركية تبلغ تكلفتها 130 مليون دولار. وبعدما كانت البحرية الأميركية على وشك توجيه ضربة صاروخية إلى القاعدة الإيرانية التي انطلق منها الصاروخ، عدل ترامب عن رأيه في اللحظة الأخيرة، في تراجع حمل المراقبين الأميركيين على تكرار ما قالوه عن الرئيس السابق باراك أوباما يوم تراجع الأخير عن توجيه ضربة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد على اثر مجزرة الغوطة الكيماوية صيف 2012. 
واعتبر المراقبون أن الخصوم قاموا بـ «أخذ مقاسات» ترامب، وهم يعرفون انه ما لم يتم استهداف اميركيين، فان الرئيس سيتفادى المواجهات العسكرية.
وممن أخذوا «مقاسات ترامب»، زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون، إذ بعد أن التقاه ترامب مراراً كان آخرها في يونيو، في لقاءات تاريخية لا سابق لها بين رئيسي البلدين، وبعدما قدم ترامب «صفقة قرن» لبيونغ يانغ مفادها بأن تخليها عن أسلحتها النووية يعني رفع العقوبات عنها وإعادة انخراطها في الاقتصاد العالمي، حقق اون رمزية اعتراف رئيس أميركا به، ثم مضى في تجاربه الصاروخية النووية في سياسة أظهرت قلة حنكة ترامب وانعدام خبرته.
أميركا ودعت العام 2019 من دون مفاجآت تذكر، وفي ظلّ اقتصاد جيد. لكن الضجيج السياسي فيها، والمعارك الانتخابية، بلغت مراحل مرتفعة لا سابق لها، وهو ما يجعل حلول سنة 2020 الانتخابية بمثابة تكملة لغرق البلاد في سياساتها الداخلية. هكذا، بعدما كانت سنوات الانتخابات الرئاسية استثناء يشغل الولايات المتحدة عن شؤون العالم، صارت هذه الانتخابات وكأنها متواصلة على مدار الوقت، وصارت بذلك أميركا منشغلة بنفسها عن شؤون العالم بشكل متواصل كذلك.

السبت، 28 ديسمبر 2019

اهتمام أميركي بغاز شرق المتوسط ... وتركيا الخاسر الأكبر

واشنطن - من حسين عبد الحسين

فيما كانت واشنطن غارقة في عطلتي عيد الميلاد ورأس السنة، أقر الكونغرس بغالبية حزبيه قانون دعم استخراج الغاز وتثبيت أمن واستقرار شرق المتوسط، وخصص لهذا الغرض مبلغ مليار دولار لدعم عمليات التنقيب، فيما أصدرت القيادة الأوروبية في الجيش الأميركي تعليمات لتعزيز انتشارها في البحر الأبيض المتوسط.
وفي السياق نفسه، وافق الكونغرس على فرض عقوبات على أنابيب الطاقة التي كانت موسكو تسعى إلى مدها إلى أوروبا، وأحدها عبر تركيا.
يشرح مسؤول أميركي لـ«الراي» السياسة الأميركية شرق المتوسط على الشكل التالي: «تشير التقارير إلى أن شرق المتوسط غني بالغاز، وان استخراجه يمنح أوروبا، القريبة، فرصة ذهبية للاستغناء عن الغاز الروسي». ويضيف: «باستغناء أوروبا عن الطاقة الروسية، تتقلص قدرة موسكو على ممارسة النفوذ على الأوروبيين، وتتراجع واردات الحكومة الروسية، ما يجبر حكومتها على التعاون مع المجتمع الدولي والسعي إلى العودة إلى الاقتصاد العالمي».
وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية، أدت إلى اهتزاز الاقتصاد الروسي، على إثر قيام موسكو باحتلال شبه جزيرة القرم الأوكرانية في العام 2014. الاستغناء عن الطاقة الروسية بطاقة بديلة من المتوسط دفع موسكو إلى محاولة عرقلة عمليات الاستخراج في هذه المنطقة.
وتعتقد مصادر أميركية أن روسيا تسعى إلى تأجيج الصراعات في حوض المتوسط، بما في ذلك بين تركيا وجيرانها، وبين لبنان وإسرائيل، وهو ما من شأنه تعطيل عمليات تنقيب واستخراج الطاقة، وهو مجهود روسي تسعى أميركا اليوم للتصدي له، وذلك عن طريق تقديم دعم عسكري لتثبيت الاستقرار، وفي إدارة ديبلوماسية للتوفيق بين الأطراف المالكة قانونيا للطاقة.
وفي هذا السياق، تأتي زيارات المسؤولين الأميركيين المتكررة إلى بيروت، والتي كان آخرها زيارة وكيل وزير الخارجية ديفيد هيل، قبل أسبوعين، في محاولة التوصل إلى تسوية تسمح للبنان وإسرائيل ببدء استخراج وضخ الطاقة وبيعها إلى أوروبا، وهو ما لا يريد الروس حدوثه.
ويبدو أن أولى بوادر الديبلوماسية الأميركية، تحالف متوسطي يضم حتى الآن إسرائيل واليونان وقبرص ومصر والأردن، وهو تحالف يجد نفسه في مواجهة مع تركيا، التي تعادي كل واحدة من هذه الدول، وتحاول التلويح بأنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لتثبيت حقوقها في طاقة المتوسط.
على ان تركيا هي الخاسر الأكبر في «لعبة الكراسي الموسيقية» في حوض المتوسط، يقول المسؤول الأميركي. ويوضح أن لتركيا مساحات قد يتم اكتشاف مخزونات من الطاقة تحتها، ما يعني ان تركيا وروسيا تتنافسان على استخراج وبيع الطاقة إلى أوروبا، ما يشير إلى أن مصلحة أنقرة، هي في الانضمام للتحالف الذي ترعاه أميركا، ووقف الأنابيب الروسية إلى أوروبا، والتوصل إلى تسوية مع دول المتوسط الأخرى، وتثبيت الوضع الأمني حتى تقوم شركات الطاقة بإنتاجها وتصديرها، مع ما يعني ذلك من مردود مالي لكل هذه الدول.
السؤال هنا، يتابع المسؤول الأميركي، هو «بموجب أي استراتيجية يرتمي (رئيس تركيا رجب طيب) أردوغان في أحضان موسكو، ويواجه أميركا وحلفاءها في المتوسط؟ فمصلحتنا نحن وتركيا مشتركة لاستخراج الطاقة، فيما مصلحة تركيا وروسيا متضاربة، إذ أن موسكو ترى في فورة الطاقة شرق المتوسط تهديداً لصادراتها من الغاز إلى أوروبا».
ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أن أردوغان قام بشراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «اس - 400»، بتكلفة بلغت مليارين ونصف مليار دولار، اعتقاداً منه أن ذلك سيشتري له دعما روسيا في مواجهة خصومه في المتوسط. لكن تطور الأحداث أظهر أن موسكو لم توقف دعمها لخصوم أردوغان في حوض المتوسط، بما في ذلك دعمها لحكومة طبرق الليبية المناوئة لحكومة طرابلس، حليفة أردوغان.
وشراء أردوغان المنظومة الروسية، لإرضاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين - الساعي دائما لتقويض حلف شمال الأطلسي وبعثرة أعضائه وتركيا منهم - كلفت أنقرة، علاوة على المال الكثير، علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة، التي طردت أنقرة من برنامج صناعة مقاتلات «اف 35» المتطورة، ودفعت الكونغرس إلى إقرار سلسلة من العقوبات عليها، وهي عقوبات تنتظر قيام الرئيس دونالد ترامب بإقرارها، وهو أمر غير مرجح في الوقت الراهن.
في الوقت نفسه، ستحصل اليونان على «اف 35»، إلى جانب إسرائيل التي تسلمت دفعة منها. وسيقدم الأسطول الأميركي السادس، وقيادته في إيطاليا، الدعم لهذه الدول والحماية لشركات التنقيب.
وكانت قبرص منحت شركة «ايني» الإيطالية حقوق التنقيب في مياهها الإقليمية، إلا أن تركيا أرسلت بحريتها، ففرّ الإيطاليون، وتوصل القبارصة اليونانيون لاتفاقية تنقيب مع شركة «اكسون» الأميركية، وعندما أطلّت البحرية التركية لطرد الأميركيين، لم يكترثوا للأتراك وواصلوا تنقيبهم.
هذه الصورة تشي بأن دخول الأميركيين - كشركات طاقة وعسكر وديبلوماسية وكونغرس - على خط التنقيب وإنتاج الغاز شرق المتوسط، يعني أن الدول المشاركة في التحالف الذي تدعمه واشنطن، سينجح في إنتاج وتصدير الغاز، فيما سيكون من الصعب على روسيا منع هذا التحالف من تصدير الطاقة، وسيكون الطريق الوحيد المتاح أمام الأتراك هو بالتخلي عن أوهام التلاعب على أميركا باسترضاء روسيا.
وعلى الرغم من الحماية السياسية التي يقدمها ترامب لأردوغان والوقاية لتركيا من عقوبات اقتصادية، إلا أن هذه الحماية لا تكفي لتجعل من تركيا لاعبا مشاركا في عملية إنتاج وتصدير الغاز إلى شرق أوروبا، ما يعني أن الطريق الوحيد هو في تخلي أنقرة عن سياستها الحالية، ومحاولة استرضاء التحالف المؤيد لواشنطن. عدا عن ذلك، ستجد أنقرة نفسها، مثل دمشق وبيروت، تهدد بالحروب، فيما دول شرق المتوسط الأخرى منشغلة باستخراج الطاقة والإفادة من عائدات مبيعاتها.

الخميس، 26 ديسمبر 2019

مجلة المسيحيين الإنجيليين الأميركيين: ترامب مضطرب وساقط أخلاقياً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت أولى بوادر التشقّق تظهر في التحالف الجمهوري اليميني الذي يتزعمه الرئيس الأميركي، بعد نشر مجلة «المسيحية اليوم»، واسعة الانتشار بين الإنجيليين الأميركيين، افتتاحية اعتبرت فيها أن شخصية دونالد ترامب تعاني من انحطاط أخلاقي، وان مصلحة الولايات المتحدة والأميركيين، تقضي بإخراجه من الحكم، إن في محاكمة في مجلس الشيوخ، أو في السعي الى تكبيده خسارة في معركة إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية العام المقبل.
وكتبت المجلة، في افتتاحيتها أن «رئيس الولايات المتحدة حاول استخدام سلطته السياسية لإكراه زعيم أجنبي لمضايقة وتشويه سمعة أحد خصوم الرئيس السياسيين، وهذا ليس فقط انتهاكاً للدستور، بل عمل غير أخلاقي». وأرجعت سبب أن الكثيرين لا يشعرون بالصدمة حيال تصرفات ترامب، لـ«أن هذا الرئيس دمّر فكرة الأخلاق في إدارته».
وتابعت أن ترامب «وظّف وطرد عدداً من الأشخاص المدانين اليوم، واعترف هو نفسه بأعمال غير أخلاقية في مجال الأعمال وعلاقاته بنساء، وهي علاقات لا يزال فخوراً بها».
وختمت أن تغريدات ترامب عبر «تويتر»، «مع سلسلته المعتادة من سوء التصرف والأكاذيب والشتم، هي أدلة دامغة على أنه إنسان مضطرب وساقط أخلاقياً».
وفي مقابلة لاحقة، قال رئيس تحرير المجلة: «لا أحد منا مثالي، ونحن لا نبحث عن قديسين، ولكل منا خطايا خاصة وأنماط سلوك تكشف عن نفسها في حياتنا الخاصة التي نحاول جميعا العمل عليها». وأضاف: «لكن الرئيس لديه مسؤوليات واضحة كشخصية عامة لإظهار مستوى معين من الشخصية العامة والأخلاق العامة».
وفيما دارت حرب كلامية بين «المسيحية اليوم»، التي أسسها القس الإنجيلي الشهير الراحل بيلي غراهام في العام 1951، من ناحية، وبين ترامب وأنصاره من الإنجيليين بمن فيهم أحد أبناء غراهام، فرانكلين، من ناحية ثانية، ألمح زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل إلى أنه لم يحسم بعد إمكانية استدعاء مجلسه لشهود للإدلاء بشهادتهم أثناء المحاكمة المقرر عقدها للنظر في ادعاء مجلس النواب ضد الرئيس الأميركي بتهمتي سوء استخدام السلطة وعرقلة تحقيقات الكونغرس.
وطالب الشيوخ الديموقراطيون، على لسان زعيم الأقلية تشاك شومر، ماكونيل والجمهوريين، باستدعاء عاملين في إدارة ترامب يعتقد الديموقراطيون انهم ملمون بتفاصيل عملية الضغط التي قادها الرئيس الأميركي على نظيره الأوكراني فلودومير زيلينسكي لحمله على إصدار بيان يعلن فيه مباشرة التحقيقات في فساد هانتر بايدن، نجل نائب الرئيس السابق والمرشح الديموقراطي المنافس لترامب على الرئاسة جو بايدن.
وممن طلب مثولهم الديموقراطيون رئيس موظفي البيت الأبيض ميك مولفايني ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون. وكان ترامب منع أيا من العاملين في إدارته من المثول أمام لجان التحقيق في الكونغرس، وهو ما يخالف الدستور الذي يعطي الكونغرس صلاحيات قضائية للتحقيق توازي صلاحيات المحاكم.
وكان مجلّس النواب، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الديموقراطي المعارض، صادق الأسبوع الماضي على بندي «خلع ترامب»، لكن رئيسة مجلس النواب، الديموقراطية نانسي بيلوسي، لم ترسل البندين المصادق عليهما الى مجلس الشيوخ، الذي يتحول الى محكمة يرأسها رئيس المحكمة الفيديرالية العليا جون روبرتس.
وألمحت بيلوسي إلى أنها لن ترسل قرار الخلع للتصويت عليه في مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه جمهوريو ترامب، ما لم تضمن إجراء محاكمة عادلة، تتضمن مثول شهود من إدارة ترامب.
ويبدو أن مناورة بيلوسي نجحت، إذ هي أزعجت الرئيس، الذي شن هجوما ضدها وطالبها بارسال القرار الى مجلس الشيوخ، ليتم الانتهاء مما دأب ترامب على تسميتها عملية «صيد الساحرات» التي تستهدفه. ويبدو ان ترامب كان يتوقع ان يقوم الشيوخ بتبرأته، إلا أن إحجام بيلوسي عن إرسال القرار صار يعني انه تمت إدانته، من دون إعطاء حلفائه الفرصة لتبييض صفحته.
وفي وقت ذهبت فيه واشنطن الى عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، أظهرت أرقام استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعا طفيفا في شعبية ترامب.
ونشر موقع «538» المتخصص ان معدل شعبية ترامب، حسب كل استطلاعات الرأي، بلغت 42 في المئة، وهي الأدنى مقارنة بتاريخ استطلاعات كل الرؤساء الأميركيين منذ زمن هاري ترومان الذي انتهت ولايته في العام 1945.

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

اقتصاد لبنان بدون "حزب الله"

حسين عبدالحسين

لنتخيل أنه كما حصل أثناء حصار إسرائيل لبيروت في العام 1982، يوم أجمع زعماء لبنان على ضرورة التخلي عن ياسر عرفات ونفيه مع منظمة تحريره إلى تونس، لما فيه مصلحة لبنان، يجتمع قادة لبنان اليوم — الرئيس المسيحي ميشال عون ومنافسه المسيحي الآخر سمير جعجع، ورئيس الحكومة السني سعد الحريري، وزعيم الدروز وليد جنبلاط — ويبلغون زعيم "حزب الله" حسن نصرالله أن استمرار وجود ميليشياه المسلحة ستأخذ لبنان نحو الهلاك الاقتصادي لا محالة، وأن يطلبوا منه حلّ "ميليشيا حزب الله"، وتسليم صواريخها وأسلحتها الثقيلة إلى الجيش اللبناني، وتطويع مقاتليها في الأجهزة الأمنية اللبنانية المختلفة حتى يتم إعادة تثقيفهم، وحتى يقسموا ولاء جديدا لحماية شعب لبنان ودولته، بدلا من ولائهم الحالي لـ "قائد الأمة الإسلامية ونائب الإمام المنتظر الولي الفقيه“ الإيراني علي خامنئي.

مقابل تنازل نصرالله عن ميليشياه، تطلب دولة لبنان من حكومات العالم رفع "حزب الله" وكل الكيانات اللبنانية عن لوائح التنظيمات الإرهابية، والتوصل إلى تسوية حدودية (لا سلام) مع إسرائيل، حسب نص القرار 1701، الذي وافق عليه "حزب الله" ممثلا بوزيره محمد فنيش في حكومة فؤاد السنيورة في العام 2006، وإحصاء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان حسب وثائق الانروا، ومنحهم حقوقا مدنية بدون جنسية، إلى أن يتم إعادة توطينهم في أي بقعة خارج لبنان، إن في دولة فلسطين المزمع قيامها أو في أي دولة أخرى في العالم يرضاها الفلسطينيون.

ومقابل تنازل نصرالله عن ميليشياه يوافق زعماء لبنان على إلغاء تام للطائفية السياسية، وتحويل لبنان إلى نظام برلماني غير رئاسي مبني على انتخابات نسبية في لوائح مقفلة، وعلى أساس لبنان دائرة واحدة، على غرار النظام الإسرائيلي الذي يسمح للأقلية العربية بالفوز بثالث أكبر كتلة في الكنيست ويمنحها تاليا صوتا لا يمكن إلغاؤه.

ومع عودة لبنان إلى النظام الدولي، تفتح المطارات الأميركية أبوابها للرحلات المباشرة بينها وبين مطارات لبنان. في المنطقة تتسابق الحكومات على سوق شركات الطيران، فالشرق الأوسط يتوسط أوروبا وأميركا من الغرب، وآسيا من الشرق، وهو ما يدر على شركات الطيران الوطنية بعائدات كبيرة. مثلا، حققت "الملكية الأردنية" أرباحا بلغت مليار دولار العام الماضي. وبسبب سعة الانتشار اللبناني وإمكانية تشغيل خطوط متعددة بين بيروت ومطارات العالم، يمكن لطيران "الشرق الأوسط" اللبناني تحقيق أرباح تصل إلى ملياري دولار في العام، وهو ما يوازي 16 في المئة من إجمالي عائدات لبنان للعام الماضي.

ويستأنف السياح من حول العالم زياراتهم إلى لبنان، إن للاستجمام والاستمتاع بثروة لبنان الأثرية التي لا تضاهى، أم للزيارة الدينية في بلد يعتقد المؤمنون أن السيد المسيح مشى في مناطقة الجنوبية، وأن القديسين عاشوا في وسطه الغربي وشماله، وأن سبايا كربلاء مروا في بقاعه. وفي لبنان ميزات تفاضلية تسمح له بالتفوق على معظم دول الإقليم في سياحته، أولها الانفتاح الاجتماعي لناحية اختلاط الجنسين، والتسامح نسبيا مع المثليين، ومع قوانين الأكل والشرب المتساهلة في الأماكن العامة.

ومع استتباب حكم القانون والمؤسسات والحكومة المنتخبة، يمكن أن تتحول الجامعات اللبنانية إلى مقصد للطلاب من أرجاء المعمورة، منهم ليتعلم العربية، ومنهم ليشارك في التنقيب الأركيولوجي في بلد قائم على طبقات من الحضارات. ويمكن أن تتحول مستشفيات لبنان إلى مراكز استشفائية إقليمية. ويمكن للبنان، بسبب الفائض في موارده البشرية ممن يحملون شهادات عليا، أن يتحول إلى مركز اقليمي للصناعات التكنولوجية، على غرار سيليكون فالي.

وعودة الثقة الدولية إلى لبنان تسمح لقطاعه المصرفي، الذي عاش على أرباح تمويل الدولة بفوائد خرافية، أن يطوّر نفسه ليقدم خدمات مصرفية على مستوى يتناسب وحاجات كبرى الشركات في العالم، وخصوصا مكاتبها الإقليمية. ويمكن اجتذاب مقرات التنظيمات الدولية، على غرار انتزاع رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري اسكوا من أيدي مصر، وانتزاعه مقر مركز كارنيغي للأبحاث.

عودة السياحة، وانتعاش الخدمات التعليمية والاستشفائية والمصرفية، وتحويل لبنان إلى مضيف لمقرّات المكاتب الإقليمية لكبرى الشركات وللتنظيمات الدولية، كلها تساهم في النمو الاقتصادي، ومعه ترتفع عائدات الدولة. وللحد من إمكانية تنامي الفجوة بين الأثرياء والفقراء، يمكن إعادة توزيع الدخل عن طريق الضرائب التصاعدية، وتجديد شبكات الرعاية الاجتماعية، التي قامت كلّها في زمن الشهابية في لبنان، ولو قيّض للبنان سنوات استقرار أطول، لربما طالت رقعة النمو الاقتصادي والبشري والاجتماعي معظم أرجائه.

لكن خسارة رئيس مصر الراحل عبدالناصر حربه مع إسرائيل حوّلت لبنان إلى المنفذ الوحيد للصراع العربي الإسرائيلي، وأنهى اتفاق القاهرة للعام 1969 عقدين من النمو الاقتصادي اللبناني الباهر، وانخرط لبنان في الحرب الإقليمية العبثية المستمرة حتى اليوم، مع فترة نمو استثنائية ممولة بالدين بدأت في زمن الراحل الحريري، ووصلت نهايتها هذا الصيف، فارتطم اقتصاد لبنان بالأرض وبدأ رحلته إلى هاوية لا قعر لها.

الحلول أعلاه لا تتطلب سلاما مع إسرائيل، على الرغم من فوائد السلام الجمّة، بل هي "حياد إيجابي"، أي أن يتفادى لبنان كل الحروب، ويلتزم مبادرة بيروت للسلام التي أقرتها جامعة الدول العربية في العالم 2002، والقاضية بتوقيع سلام مع إسرائيل في حال انسحابها من الأراضي الفلسطينية.

في العام 2005، زار بطريرك الموارنة الراحل بطرس صفير رئيس أميركا السابق جورج بوش. وعلى الرغم من سمعة بوش وصقوره في السياسة الخارجية، قال الرئيس الأميركي إن بلاده ترحب بتحول "حزب الله" إلى حزب سياسي في حال تخليه عن العنف، أي حلّه ميليشياه. ميليشيات كثيرة قبله حلّت نفسها وحصلت على الأمان، مثل "الجيش الجمهوري الآيرلندي" و"منظمة التحرير الفلسطينية" والميليشيات اللبنانية بعد الحرب الأهلية. كلها انخرطت في سلام مقابل الأمان. حان الوقت ليحل "حزب الله" نفسه ويدع الشعب اللبناني يعيش.

في السودان ثورة أدت إلى تغييرات جذرية وإلى حكومة بدلا من طاغية خزعبلات مكافحة الامبريالية. يعرف السودانيون وحكومتهم أن نهاية شقائهم تكمن في عودتهم إلى المجتمع الدولي، إذ ذاك أعلن رئيس حكومتهم عبدالله حمدوك نيته التزام القرارات الدولية وإغلاق مكاتب كل التنظيمات المصنفة إرهابيا في العالم.

في لبنان لن تكون ثورة ما لم تؤد لتغييرات جذرية وإخراج البلاد من "محور الممانعة" والحروب، وإعادته دولة طبيعية منخرطة في النظام العالمي، دولة اقتصادها ينمو وشعبها يعيش ويهتف للحياة، لا للدماء والشهادة.

«مجلس الأطلسي» الأميركي: أفضل للعراق إن عاش السيستاني مدة أطول من خامنئي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

خلصت دراسة أميركية، تناولت المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني والمرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية في إيران علي خامنئي والخلفاء المحتملين لكل منها، إلى انه «كلما عاش السيستاني مدة اطول، كلما كان ذلك افضل للعراق».
ونقلت الدراسة عن أحد رجال الدين من مؤيدي السيستاني، انه إذا توفي المرجع الشيعي الأعلى، البالغ من العمر 89 عاماً، قبل خامنئي (80 عاماً)، «قد يتوجب علينا أن نجمع أمتعتنا ونغادر النجف».
واعتبرت الدراسة الصادرة عن مركز أبحاث «مجلس الأطلسي»، ان ما يمنع سيطرة إيران على النجف هو «البيئة الفكرية، التي يضمنها حالياً وجود السيستاني». واضافت انه «بفضل تسامح السيستاني، واحترامه لحرية الفكر والاختلاف، تشهد النجف، بوصفها مركزاً دينياً، أكثر العصور تسامحاً في تاريخها».
واشارت إلى ان السيستاني هو «أكثر القادة نفوذاً في العراق منذ الاطاحة بصدام حسين عام 2003. فمع أنه مواطن إيراني، إلا انه يقيم باستمرار في العراق منذ العام 1951»، وتبوأ «موقع المرجع الاعلى في حوزة النجف الشرعية»، وان «طريقته في التدخل المحدود في العملية السياسية، ودعمه لدولة مدنية وديموقراطية وغير دينية» في العراق اضفى «على دوره المزيد من الشرعية، ولذلك حظيت آراؤه في الشؤون العراقية باعتراف العراقيين واحترامهم، وكذلك المجتمع الدولي».
ورشّحت الدراسة، التي شارك في اعدادها باحثون من المقربين من طهران، ثلاثة رجال دين من المحسوبين على الجمهورية الاسلامية، لخلافة السيستاني، هم محمد باقر الايرواني، وهو من مواليد النجف في العام 1949، وسبق ان أمضى سنوات عديدة في ايران، ومثله هادي آل راضي. ومحمد السند، المولود في البحرين في العام 1961.
وعن خلافة المرشد في ايران، ذكّرت الدراسة بان آية الله الخميني كان عين رجل دين كبيراً هو حسين علي منتظري، لكنه أسقطه بعد ان انتقد الأخير النظام لاعدامه آلاف السجناء السياسيين في أعقاب الحرب بين إيران والعراق. ثم اختارت النخبة الدينية، بقيادة رئيس البرلمان آنذاك علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس آنذاك علي خامنئي، وهو رجل دين من المستوى المتوسط، وعدلت الدستور ليتاح له أن يخلف الخميني.
وتورد الدراسة انه رغم تربع خامنئي على القمة الدينية للجمهورية الاسلامية، لا ينظر اليه الشيعة في ايران او خارجها على انه شخصية روحية، وهو ما يعني ان خلفه سيكون ضليعاً بالسياسة والحكم أكثر منه في الدين.
وفي ما بدا تقاسماً للغنائم بين رفسنجاني وخامنئي، ألغى دستور ايران الجديد منصب رئيس الحكومة، ومنح السلطة التنفيذية للرئيس. فخاض رفسنجاني الانتخابات وفاز بالرئاسة. وتابعت الدراسة ان رفسنجاني كان اكثر نفوذاً من خامنئي، فتحالف الاخير مع «الحرس الثوري» وغيره من المؤسسات الامنية، التي كانت ضعيفة في نهاية الحرب العراقية - الايرانية، ونمت منذ ذلك الحين ثروة وسلطة خامنئي و«الحرس»، الذي يرجح ان يلعب الدور الأبرز في اختيار خليفة المرشد الأعلى.
على ان رفسنجاني حاول استعادة الصدارة، وعاد الى دائرة الضوء. وقال أحد أبنائه، في مقابلة في 2005، انه اذا أعيد انتخاب والده رئيسا للمرة الثالثة في ذلك العام، فسيجعل منصب القائد رمزياً «مثل ملك إنكلترا». هكذا، لم يكن من قبيل المصادفة خسارة رفسنجاني الانتخابات لصالح محمود أحمدي نجاد، الذي عدّه خامنئي «أقل تهديدا».
وتوفي رفسنجاني في 2017، «وليس هناك شخصية مثله ذات ثقل في مشهد السياسة الايرانية»، وفق الدراسة.
وقدمت الدراسة ست شخصيات اعتبرتهم من المرشحين لخلافة خامنئي، هم إبراهيم رئيسي (58 عاماً)، الذي أمضى السنوات الـ 39 الماضية في السلطة القضائية، وهو صهر رجل الدين أحمد علم الهدى، من الجناح الديني ذات النفوذ القوي وامام صلاة الجمعة في مشهد.
على أن الدراسة أضافت ان رئيسي «لا يتمتع بكاريزما، وهو خسر انتخابات 2017 امام» الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي لم يعد مرشحاً قوياً بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وتالياً فشل مراهنته على تسوية مع الغرب.
«روحاني ليس ليبرالياً رغم وعود حملته الانتخابية بفتح مجال للمجتمع المدني الايراني»، تفيد الدراسة. وتضيف انه «قد تكون حظوظ روحاني ارتفعت في الاونة الاخيرة بعدما أصبح أول رئيس ايراني يزور السيستاني في النجف».
المرشح الثالث هو صادق لاريجاني (58 عاماً) من مواليد العراق، وهو ينتمي «الى واحدة من أكثر الاسر الايرانية نفوذاً، والمتحدرة من آية الله الشهير هاشم آمولي، وهو شقيق علي لاريجاني، مستشار الأمن القومي سابقاً، ورئيس البرلمان حاليا».
وصادق عضو «مجلس صيانة الدستور»، و«مجلس الخبراء»، وحلّ في المرتبة الثانية - بعد رئيسي - في الانتخابات الاخيرة لمنصب أمين المجلس. على ان «السخط من ارث الفساد للعائلة» يهدد فرص لاريجاني، في وقت هدد أحمدي نجاد مرارا بكشف أدلة على ممارسات فساد قام بها أعضاء من أسرة لاريجاني.
والمرشح الرابع، حسن الخميني (47 عاماً)، وهو واحد من خمسة أحفاد لمؤسس الجمهورية، غير منخرط في السياسة الايرانية الراهنة، وهو ليبرالي قياساً بالمحافظين، ويبدو أن تحديه للنظام - من قبيل قوله ان النخبة السياسية «تنشر الكراهية، والضغينة، والنفاق، والمعايير المزدوجة، والخداع» - يمنحه فرصة ضئيلة لخلافة خامنئي.
وتشير الدراسة الى انه في العام 2016، منع «مجلس صيانة الدستور» الخميني من الترشح لانتخابات «مجلس الخبراء».
المرشح الخامس، مجتبى علي خامنئي (49 عاماً)، ويتمتع بسلطة هائلة بسبب عمله مع والده. «يشاع عنه أنه قام بدور أساسي في عملية إعادة انتخاب أحمدي نجاد في 2009، وفي إخماد الاحتجاجات الجماهيرية التي أعقبت ذلك». واعتبرت الدراسة ان اختياره سيكون خلافياً في دولة تفاخر بانها قلبت الحكم الملكي، لكنها تضيف ان لدى مجتبى «ما يلزم من عالقات مع الحرس الثوري والباسيج، فضلاً عن الموارد المالية الضخمة لوالده».
والمرشح السادس هو محمد ريشهري (72 عاماً) وحظوظه ضئيلة... عمل وزيرا في الثمانينيات، واقترن اسمه بالاستخبارات في الايام المبكرة العنيفة للثورة، وهو خارج المشهد السياسي منذ اكثر من عقد من الزمن بعد محاولة فاشلة للوصول إلى الرئاسة في 1997.
عاد في 2016 ليترشح على «قائمة الأمل» إلى «مجلس الخبراء»، ودعمه روحاني والرئيس الاصلاحي السابق محمد خاتمي. وريشهري مجتهد مؤهل في شؤون الشريعة الاسلامية ومسؤول عن ضريح شاه عبدالعظيم (من نسل الامام الحسن) جنوب طهران.
ويرى محمد آية ذري الله طبار، أن ريشهري «يمكن أن يكون خيار التسوية»، تختم الدراسة.

الخميس، 19 ديسمبر 2019

الديموقراطيون يسعون إلى تلطيخ سمعة ترامب من دون السماح لـ«الشيوخ» بتصويره ضحية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد نهار طويل ومضن من النقاش في جلسة عامة بثت وقائعها شبكات التلفزة والإذاعة الأميركية، صوّت مجلس النواب ليل الأربعاء - الخميس على خلع دونالد ترامب، في تصويت تاريخي لطّخ صورة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الى الأبد.
وتحت قبة الكونغرس، نهرت رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، الأعضاء الديموقراطيين عندما همّوا بالتصفيق احتفالاً بالمصادقة على قرار الخلع. لكنها قالت، بعد التصويت، انه «يوم عظيم لدستور الولايات المتحدة، لكنه محزن لأميركا لأن أنشطة الرئيس الطائشة أجبرتنا على تقديم مواد الخلع».
على أن التصويت أظهر عمق الانقسام بين الأميركيين، إذ لم يدل أي عضو جمهوري من الأعضاء الـ 194 بصوتهم لصالح العزل، فيما صوّت 230 ديموقراطياً لخلع الرئيس. وصوّت ديموقراطيان يمثلان دوائر انتخابية ذات غالبيات جمهورية، ضد العزل، فيما صوّت العضو الجمهوري السابق والمستقل حاليا جستن عمّاش، وهو من أصول فلسطينية، لصالح الخلع.
بدورها، امتنعت العضو الديموقراطية والمرشحة للرئاسة تولسي غابارد، عن التصويت. ويعتقد غالبية المتابعين الأميركيين ان غابارد، التي سبق ان زارت دمشق والتقت الرئيس بشار الأسد، مقرّبة من موسكو، وهي لذلك لم تنضم الى صفوف حزبها في التصويت على خلع ترامب، صديق موسكو كذلك.
وبدا أن يوم الخلع الطويل أثار حنق الرئيس الأميركي، الذي أطلق 45 تغريدة، بعضها كتبها بحروف «كبيرة» للدلالة على انه يصرخ، ومعظمها تمحور حول النقاش الدائر في الكونغرس، واتهم فيها الديموقراطيين بالافتراء عليه وبسوء استغلال السلطة وتجاوز الدستور، وصوّر نفسه على انه الرئيس الوحيد الذي تعرض لهذا النوع من الظلم.
ومع تصويت مجلس النواب، أصبح ترامب ثالث رئيس في التاريخ الأميركي، بعد اندرو جونسون في القرن التاسع عشر، وبيل كلينتون في القرن العشرين، ممن يصوّت الكونغرس على عزلهم. أما الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون، فقد استقال قبل أن يصوّت الكونغرس على خلعه لعلمه ان الكونغرس، بغرفتيه، كان ينوي إخراجه من البيت الأبيض.
وبينما كان الكونغرس يصادق على الخلع، كان ترامب يقف أمام قرابة خمسة آلاف من مناصريه في ولاية ميتشيغن، مكرراً هجومه على الديموقراطيين. وكانت أولى ردات فعله الإشارة إلى تماسك حزبه الجمهوري بشكل كامل، وعدم تصويت أي من أعضائه لصالح الخلع.
وبعد التصويت أطلّت بيلوسي في مؤتمر صحافي، ووقف الى جانبها رؤساء اللجان الست، وفي طليعتهم رئيس لجنة الاستخبارات الذي لعب دورا محوريا في عملية التحقيق، آدم شيف، ومعهما رئيس لجنة العدل جيري نادلر، الذي صاغت لجنته مادتي الخلع: الأولى اتهمت ترامب بسوء استخدام السلطة وقيامه بتجميد 400 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لاوكرانيا لحملها على اعلان مباشرة التحقيقات في هانتر بايدن، نجل المرشح المنافس لترامب للرئاسة ونائب الرئيس السابق جو بايدن، والثانية ورد فيها ان ترامب عرقل سعي الكونغرس للعدالة بمنعه أي من العاملين في إدارته من المتورطين في موضوع أوكرانيا بالمشاركة في أي من جلسات الاستماع، المفتوحة منها والمغلقة.
وفي إطلالتها أمام الصحافيين، فجّرت بيلوسي مفاجأة سياسية من العيار الثقيل بتلويحها أنها قد لا تقدم قرار الخلع إلى مجلس الشيوخ قبل أن تتأكد أن الشيوخ سيقيمون محاكمة عادلة لا محاكمة شكلية هدفها تبرئة ترامب. ويبدو أن الديموقراطيين يسعون إلى تلطيخ سمعة ترامب من دون السماح للشيوخ بتصويره على انه ضحية، في وقت لا يبدو أن عملية الخلع أو المحاكمة تؤثر في رأي عام أميركي صار منقسما بشكل تام ومن المستبعد أن يتغير بغض النظر عمّا يجري في الكونغرس.
وطلب زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر من زعيم الغالبية الجمهورية ميتش ماكونال الاتفاق على إجراء محاكمة عادلة، بما في ذلك استدعاء شهود من إدارة ترامب، إلا أن ماكونيل، الذي سبق له أن أعلن أن المحاكمة في مجلسه ستتم بتنسيق كامل مع البيت الأبيض، رفض الطلب، وهو ما يبدو أنه حمل بيلوسي على التلويح بعدم إرسال قرار الخلع الى الشيوخ أبداً، إلى أن يتعهد الجمهوريون بإقامة محاكمة عادلة بدلاً من الشكلية التي ينوون إقامتها.
وفي حال قدمت بيلوسي الخلع إلى محاكمة في مجلس الشيوخ سيترأسها رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، يحتاج عزل ترامب الى ثلثي الأعضاء المئة، في وقت يقتصر عدد الأعضاء الديموقراطيين على 47، ما يعني أن حظوظ ترامب في البقاء في البيت الأبيض، أي تصويت 53 سيناتوراً لصالح بقائه في الحكم، شبه مؤكدة.

واشنطن تعد بالرد «داخل إيران»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علمت «الراي» من مصادر أوروبية، أن الولايات المتحدة وجهت تحذيرات جدية، عبر طرف ثالث، إلى إيران، حتى توقف الهجمات التي تقوم بها الميليشيات العراقية الموالية لها ضد قواعد أميركية في العراق. وحذّرت من مغبة وقوع أي خسائر في صفوف الأميركيين، ووعدت بالرد «داخل إيران» إن اقتضى الأمر، لملاحقة المسؤولين، كما منفذي أي هجمات.
وتصاعدت في الآونة الأخيرة الهجمات مجهولة الفاعل التي استهدفت قواعد الجنود الأميركيين في العراق، أو السفارة الأميركية في «المنطقة الخضراء».
وكان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، قال إنه طلب من رئيس حكومة العراق المستقيل عادل عبدالمهدي ان تتحمل بغداد مسؤولياتها في وقف الهجمات على القواعد الأميركية، حتى لا تجبر القوات الأميركية على ان تتعامل مع هذه الهجمات دفاعاً عن نفسها.
وفي جلسة خاصة لعدد من الاميركيين المعنيين بالشأن العراقي، رأى هؤلاء ان تصرفات طهران وتدخلها في شؤون المنطقة أثبتت لشعوب هذه الدول أن إيران، لا الولايات المتحدة، هي المسؤولة عن الفساد والفقر والعوز الذي يعيش فيه مواطنو هذه الدول.
وقال المعنيون الأميركيون إنه رغم محاولات إيران الحثيثة لتحريض العراقيين واللبنانيين ضد الولايات المتحدة، وإيهامهم بأن سبب التظاهرات في الشارع هو تحريض ومؤامرات تحيكها واشنطن ضد هذه الشعوب وحكوماتها، إلا أن أكثر من شهرين من التظاهرات أكد أن الغالبية في العراق ولبنان تعي مَن المسؤول عن مشاكلها، وتعرف أن الولايات المتحدة لا تتدخل في شؤونها، بل إيران التي تعمل على استغلال مصارف العراق ولبنان لتبييض الأموال واستنزاف احتياطي العملات الصعبة لدى هاتين الدولتين.
«يمكن للموالين لإيران في العراق ولبنان أن يحرّضوا ضد الولايات المتحدة وأن يتهموها بتمويل وتسليح داعش، أو بتمويل وتحريض التظاهرات في لبنان، ولكن الناس تعرف ما الذي يجري على الأرض، والعراقيون يعلمون اننا قدنا الحرب للقضاء على داعش، والمتظاهرون في لبنان يعلمون انهم لا يتسلمون أموالاً او تعليمات منا»، يقول احد كبار المسؤولين الأميركيين المشاركين في الجلسة المذكورة.
ويتابع أن «روسيا وإيران ستعرفان أن إقامة امبراطوريات وإدارتها ليس أمراً يسيراً»، وأن «الناس ستثور مراراً وتكراراً من اجل حياة افضل»، وان الناس غالباً ما تعرف مَن المسؤول عن مشاكلها، وأنه «لا يمكن لروسيا أو إيران تضليل كل الناس طوال الوقت».
في هذه الأثناء، نشرت وكالة «بلومبيرغ» أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تنوي فرض عقوبات جديدة تستهدف صادرات إيران من البتروكيماويات والمعادن لتشديد سياسة «الضغط الأقصى» التي تنتهجها الإدارة لإجبار إيران على إعادة التفاوض على برنامجيها النووي والصاروخي البالستي.
ونقلت الوكالة عن مصادر في إدارة ترامب أن واشنطن تسعى، في السياق نفسه، إلى تشديد مراقبتها للتجارة البحرية، خصوصا للناقلات التي تطفئ محدد موقعها الجغرافي، ولمراقبة قيام الناقلات بعملية «تبييض» تجارتها، مثل قيام ناقلات إيرانية بتزويد ناقلات غير إيرانية بحمولات نفطية للتهرب من العقوبات، أو في قيام ناقلات غير إيرانية بنقل بضائع ممنوع على طهران استيرادها إلى ناقلات إيرانية.

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

ترامب يكسب معركة الرأي العام في مواجهة سعي الديموقراطيين لعزله

واشنطن - من حسين عبدالحسين

من المتوقع ان يصادق مجلس النواب في الكونغرس الأميركي، اليوم، للمرة الثالثة في تاريخ الولايات المتحدة، على خلع الرئيس دونالد ترامب بتهمتي «استغلال السلطة لتحقيق مآرب شخصية» و«عرقلة التحقيقات التي أجراها الكونغرس».
ويتهم مجلس النواب ترامب بممارسة ضغوط على اوكرانيا، بما في ذلك تجميد مساعدات عسكرية بقيمة 400 مليون دولار لحمل كييف على إعلان بدء التحقيقات بتهم فساد بحق هانتر بايدن، نجل المنافس الديموقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة نائب الرئيس السابق جو بايدن.
وكانت لجنة العدل في مجلس النواب، برئاسة الديموقراطي جيرولد نادلر، صادقت، أول من امس، على القرار الاتهامي، الذي تصوّت عليه الهيئة العامة للمجلس، اليوم. ومن المتوقع ان تتم المصادقة على القرار في مجلس تسيطر عليه غالبية من الحزب الديموقراطي المعارض لترامب وحزبه الجمهوري، على ان يتم تحويل القرار الاتهامي الى مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الجمهوريين.
ويحتاج ترامب الى تصويت 36 سناتوراً فقط ضد اخراجه من الحكم ليحافظ على منصبه، وهو امر تعتقد غالبية الخبراء انه سيكون يسيرا على الرئيس.
وفي وقت كان يسعى ترامب للاخذ بثأره وحفظ بعض ماء الوجه في مجلس الشيوخ الذي يترأسه السناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، بدت عملية ثأر الجمهوريين أكثر تعقيداً مما كانوا يتصورونه، اذ بعدما أطلّ ماكونيل عبر قناة «فوكس» اليمينية ليقول إن محاكمة ترامب في مجلسه ستكون بالتنسيق مع البيت الابيض، اتضح ان تصريحات ماكونيل معارضة للدستور، اذ يتحول «الشيوخ» المئة الى هيئة محلفين، ويتم لهذا الغرض اجبارهم على حلف اليمين في قسم يختلف عن قسمهم كشيوخ، وهو قسم مخصص لدورهم كمحلفين حياديين، ما يعني ان تصريحات ماكونيل والسناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، والذي قال انه لا يرى نفسه محايداً في محاكمة ترامب، هي تصريحات يمكنها ان تحرمهم التصويت.
وزاد في الطين بلّة للجمهوريين ان المحاكمة، المقررة ان تبدأ الشهر المقبل، لا يديرها ماكونيل، بل يترأسها رئيس المحكمة الدستورية العليا جون روبرتس، وهو ما يعني ان ماكونيل لن يحدد طول المحاكمة، على الرغم انه سبق ان اعلن انها ستكون محاكمة سريعة من دون شهود.
ولأن روبرتس هو القاضي في محاكمة ترامب، يعتقد الشيوخ الديموقراطيون ان بوسعهم الطلب اليه اصدار الامر بمثول بعض الشهود اثناء جلسات المحاكمة، بعدما كان ترامب منع العاملين في ادارته من المثول امام لجان الكونغرس، مخالفا بذلك الدستور الذي يعطي هذه اللجان سلطات احضار واجبار على الشهادة تضاهي في سلطتها سلطات المحاكم الاميركية.
كما انقلب على ترامب تمنّعه عن تسهيل تحقيقات الكونغرس والسماح بمثول اي شهود او ارسال أي محامين ليترافعوا عنه، اذ أطلّ زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر ليقول في مؤتمر صحافي إن واجب اي محاكمة ان تستمع الى شهود، وانه طالما ان هؤلاء الشهود لما يشاركوا في جلسات مجلس النواب، فلا مفرّ من مشاركتهم في المحاكمة في مجلس الشيوخ.
وطلب شومر في رسالة الى ماكونيل مثول شاهدين من ادارة ترامب، هما رئيس موظفي البيت الابيض ميك مولفاني ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون.
وسبق لمولفاني ان صرح بان ادارة ترامب قامت فعليا بممارسة ضغوط على اوكرانيا «لمقايضتها» في موضوع اعلانها التحقيق، وفي وقت لاحق تراجع عن كلامه واتهم الاعلام بتحويره.
أما بولتون، الذي تم اخراجه من البيت الابيض بطريقة مذلّة، فيبدو ان احد اسباب اخراجه كان رفضه بالضبط عملية المقايضة التي كان ترامب يسعى اليها. ويوم جاءت مسؤولة ملف اوكرانيا السابقة في مجلس الأمن القومي فيونا هيل الى بولتون تشكي اليه ما كان ازلام ترامب يقومون به في اوكرانيا، اقترح بولتون عليها ان تحمل شكواها الى المفتش العام للمجلس، مردفاً انه لا يقبل ان يشارك «في صفقة المخدرات» التي كان ترامب ومساعدوه يعملون عليها مع الاوكرانيين.
و«صفقة المخدرات»، تعبير يستخدمه السياسيون الاميركيون للدلالة على أي صفقة سياسية مخالفة للقوانين.
وكان لافتا ان شومر لم يطلب مثول عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، الذي يعمل حالياً بصفة المحامي الشخصي للرئيس، والتي يُظهر نص المكالمة الهاتفية بين ترامب ونظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي ان جولياني كان المسؤول الاول عن ادارة وإتمام الصفقة مع الاوكرانيين. وفي تصريح له في مجلة «نيويوركر»، اعترف جولياني بانه اوعز لوزارة الخارجية بالاطاحة بسفيرة اميركا في اوكرانيا ماري يوفانوفيتش لانها كانت تقف عقبة امام الصفقة التي كان يسعى اليها، وهو تصريح بمثابة اعتراف جديد يضاف الى سلسلة التجاوزات غير القانونية التي قام بها ترامب وفريقه، وصارت معظمها موثّقة ومعلومة.
ويبدو ان جولياني بدأ يغرق قانونياً، مع قيام محكمة اميركية بادانة وسجن اثنين من شركائه الاميركيين من أصول اوكرانية، في وقت تتواصل التحقيقات بحقه.
ولعلمه ان العمدة السابق صار «مسموماً»، اجاب الرئيس اثناء سؤال احد الصحافيين له، ما إذا كان جولياني اخبره عمَا كان يقوم به في اوكرانيا، بالقول ترامب «القليل جداً»، وهو ما يشي بان ترامب ربما يستعد «لالقاء محاميه تحت عجلات الباص»، حسب التعبير الاميركي الشائع، اي انه سيحاول انقاذ نفسه حتى لو على حساب غرق محاميه.
وسبق لجولياني ان اعلن ان «لديه بوليصة تأمين»، أي عدد من القرائن، التي يمكنه اظهارها للعلن لحماية نفسه في حال تخلى عنه الرئيس الأميركي.
في المقابل (أ ف ب)، ساعدت البيانات الاقتصادية الجيّدة ترامب في حصوله على أعلى نسب تأييد منذ انتخابه.
ورغم أن استطلاع الرأي الذي أجرته «جامعة كوينيبياك» أشار إلى أن نسبة التأييد لترامب بلغت 43 في المئة، إلا أن الرقم لا يزال أقل بكثير من نسب التأييد لجميع رؤساء العهد الحديث في الولايات المتحدة تقريباً في الفترة نفسها من عهدهم.
وأظهر الاستطلاع الذي جرى بين 11 و15 ديسمبر أن 52 في المئة من الأميركيين لا يزالون غير راضين عن أداء ترامب. وبقيت نسب التأييد منخفضة نسبيًا على مدى عهده.
وتكشف الأرقام الأخيرة عن تزايد التأييد لترامب رغم اجراءات العزل التي تهدد رئاسته.
ويبدو أن معظم التأييد مرتبط بالنظرة الإيجابية للاقتصاد، الذي يشهد فترة نمو قوي وسط نسب بطالة منخفضة لمستويات قياسية.
وأظهر الاستطلاع الأخير أن نحو ثلاثة أرباع المستطلعين (73 في المئة) رأوا أن الاقتصاد في وضع جيّد أو ممتاز.
وأظهر الاستطلاع تغيّراً طفيفاً في الأرقام بشأن عزله الذي أيّده 45 في المئة مقابل 51 في المئة عارضوا الخطوة. وبلغت نسب تأييد ومعارضة عزله في أكتوبر 45 و48 في المئة.
وعند فرز الإجابات على أساس حزبي، بدت نتائج الاستطلاع مختلفة بشكل كبير إذ عارض 95 في المئة من الجمهوريين عزل ترامب بينما أيّد ذلك 86 في المئة من الديموقراطيين.

فلسطين كأداة قمع

حسين عبدالحسين

كان آخر ما يحتاجه اقتصاد لبنان المتهاوي تصريحات مستشار قائد "الحرس الثوري الإيراني"، مرتضى قرباني، الذي قال، الأسبوع الماضي، إن إيران سترد على أي اعتداء عليها "بتسويتها تل أبيب بالأرض، انطلاقا من لبنان". تصريحات قرباني جاءت في وقت كان رئيس لبنان ميشال عون يستجدي الدول العربية تقديم مساعدات نقدية للبنان، وفي وقت كان صهره الطامح لخلافته جبران باسيل يهدد أوروبا أنها إن أحجمت عن تمويل الخزينة اللبنانية، سيغزوها اللاجئون السوريون والفلسطينيون، الذين يشتمهم باسيل أصلا في كل مناسبة.

اقتصاد لبنان ينهار، وعملته الوطنية تتدهور بسبب نفاد احتياطي العملات الصعبة من خزائن المصرف المركزي، وهو ما يعني أن البلاد بحاجة ماسة إلى النقد الأجنبي، والذي يأتي في الغالب على شكل استثمارات أجنبية وسياحة. لكن المستثمرين والسياح يبحثون عن الأمان والاستقرار، ومن المستحيل أن يأتوا وأموالهم إلى بلد مثل لبنان، معرّض لحرب في أي لحظة.

لبنانيون كثيرون يعلمون أن إخراج لبنان من حالة الحرب الدائمة، التي يبقيه فيها "محور الممانعة" بقيادة إيران، هو حجر الأساس في أي مشروع للتعافي الاقتصادي. لهذا السبب، عقد ثوار لبنان، في جلسات نقاشاتهم المتواصلة في "خيمة الملتقى" وسط البلد، جلسة حوارية عن ضرورة "الحياد الإيجابي"، وهي السياسة التي تتبناها دولة الكويت، وترتكز على حل الخلافات الإقليمية بصورة سلمية وعن طريق الحوار، وتفادي الحرب. والحياد الإيجابي لا يعني أن لبنان لا يتخذ موقفا في ديبلوماسيته أو سياسته الدولية، ولكنه يعني أن لبنان لا ينخرط في أية صراعات مسلحة، ولا حروب استباقية.

على أن الحياة بدون حروب أمر يزعج "حزب الله"، صاحب الكلمة العليا في سياستي لبنان الخارجية والعسكرية، إذ سبق لزعيم الحزب حسن نصرالله أن قال علنا إن حزبه "سيرد" في حال تعرضت إيران لأي هجمات أميركية، وهو نفس الكلام الذي كرره السيد قرباني في طهران.

ولأنه مكتوب على لبنان واللبنانيين العيش في "حال حرب دائمة"، ثار "حزب الله" ضد النقاش عن "الحياد الإيجابي"، وأطلّ مناصروه ليحاصروا "خيمة الملتقى"، وليهللوا للموت وللحرب ولفلسطين وللقدس، وهذا بيت القصيد: فلسطين تحولت إلى آداة قمع يستخدمها طغاة العرب والفرس والأتراك لإسكات معارضيهم.

وما يزيد في الطين بلّه هو موقف القيادة الفلسطينية، المؤيد للطغاة، منذ وقوف ياسر عرفات إلى جانب صدام حسين لاستعراض الجيش العراقي العائد من غزو الكويت، إلى توجيه محمود عبّاس برقية هنأ فيها "أخيه" بشار الأسد على "انتخابه" لولاية رئاسية ثالثة.

كان يمكن للبنانيين والعراقيين والسوريين تجاهل القيادة الفلسطينية لو أظهرت النخب الفلسطينية مواقف معاكسة لقيادتها، ولو اختارت النخب الوقوف إلى جانب المطالبين بالحرية والديمقراطية في دمشق وبيروت وبغداد. لكن الصمت الفلسطيني مزعج إلى درجة استفزت أكثر أصدقاء فلسطين من العرب، اللبناني الياس خوري، الذي كتب رسالة إلى الفلسطينيين سألهم فيها: "ألا تشعرون أيتها الرفيقات والرفاق أن اللغة القديمة ماتت، وأن فلسطين باتت تعيش في مقبرة لغوية وثقافية وسياسية؟".

وأضاف خوري: "فكرة الحرية تتخذ اليوم مسارات جديدة، عنوانها النضال من أجل المساواة والديمقراطية. كيف لا تكون فلسطين جزءا من هذا النضال؟ وإذا لم تكن كذلك فماذا تكون؟" وتابع أن فلسطين "صارت ساحة لصراعات المنطقة التي لا تريد من فلسطين سوى أن تكون غطاء لعهرها واستبدادها"، وأنه "ليس أمام شعوب المنطقة سوى طريق واحد اسمه بناء مجتمعات وسلطات ديمقراطية تسمح لشعوبنا باستعادة كرامتها، من أجل الخروج من هاوية الانحطاط والإفقار والإذلال".

حتى الفلسطيني الإسرائيلي المنفي في قطر عزمي بشارة، قال إن قضية فلسطين تم استخدامها "أداة في الصراع بين المحاور العربية في زمن الحرب العربية الباردة، ولتثبيت شرعية الأنظمة داخليا أيضا، إلى درجة وضعتها بشكل مصطنع في مواجهة التطلعات المشروعة للشعوب تحت دعوى لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

وقال بشارة إن "الأغراض الباطلة لمقولة (أن فلسطين) قضية العرب الأولى هي مقولة حق يراد بها باطل، وتتلخص في استخدامها لتهميش قضايا المظلومين الأخرى، واتهام كل من يثير قضايا أخرى في الوطن العربي غير قضية فلسطين بالتخلي عن الأخيرة".

وختم أن هذا المنطق يفترض "عدم التضامن مع المضطهَدين في أي دولة عربية. فعلى سبيل المثال، لا يجوز اتخاذ موقف من مذبحة الشعب السوري وعمليات الإبادة الجماعية التي تعرّض لها، لأن هذا سيكون على حساب قضية فلسطين. وهو منطق أقل ما يقال في وصفه إنه معتل".

خوري وبشارة هم من مفكري النخبة العربية ممن لا غبار على دعمهم للفلسطينيين، وهم ممن لا تنطلي عليهم هتافات عن القدس وفلسطين يصرخها مناصرو "حزب الله" وسط بيروت للتشويش على حوار حول ضرورة حياد لبنان كسبيل لخروجه من مأزقه الاقتصادي.

وخوري وبشارة يعلمان أن صراخ "فلسطين" وسط بيروت هدفه ترهيب أصحاب أي رأي مغاير لرأي الحاكم، وإجبار المغايرين على الحديث عن حروب ومعارك، أو الصمت المطبق في كل الشؤون الأخرى.

ونحن هنا لا نتفق بالضرورة مع خوري وبشارة حول ضرورة استمرار المواجهة العربية ضد إسرائيل، وإن بأشكال سلمية حصرا، لكننا نتفق معهما في ضرورة سماعنا رأيهما، وسماعهما رأينا، وحول ضرورة انتشار الديمقراطية في دنيا العرب، بغض النظر عمّا يجري في فلسطين، فإن كان خوري وبشارة ينشدان الديمقراطية من أجل مواجهة إسرائيل سلميا، فغيرهما من ينشد الديمقراطية من أجل التوصل لسلام مع إسرائيل، ولكل رأي من الطرفين نقاط ضعف وقوة.

لكن أن يخرس خوري وبشارة، ويخرس أصحاب رأي "الحياد الإيجابي" في بيروت، ويخرس من يطالبون بالسلام، ويصبح الرأي الوحيد "الحرب على من لا يريدون الحرب"، فهي سياسة تحوّل فلسطين إلى أداة قمع في أيدي الطغاة من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، وهي سياسة تضر الإيرانيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين، وهي حتما لا تنفع الفلسطينيين.

السبت، 14 ديسمبر 2019

طليب وعمر تنحازان للوبي إيران وتصوتان ضد «قانون قيصر»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أثار تصويت عضوتي الكونغرس المسلمتين رشيدة طليب والهان عمر ضد «قانون حماية المدنيين السوريين للعام 2019»، والمعروف بـ«قانون قيصر»، استياء معظم أفراد الجالية السورية الأميركية في العاصمة الأميركية. وأظهر التصويت أن طليب، وهي من جذور فلسطينية، وعمر، وهي من أصول صومالية، تنحازان لمصلحة لوبي إيران في الولايات المتحدة، حتى لو جاء انحيازهما على حساب ضحايا نظام الرئيس بشار الأسد من السوريين المعتقلين وممن قضوا تحت التعذيب في سجونه.
وكان مجلس النوّاب الأميركي صادق، الأربعاء الماضي، بغالبية من الحزبين بلغت 377 عضواً من 435، على «قانون الدفاع الوطني»، الذي خصص 738 مليار دولار لشؤون البلاد الدفاعية للعام المقبل. وبسبب توصل الحزبين لاتفاقية للمصادقة على قانون الدفاع، ولتأكيد مرور «قانون قيصر»، قام مجلس النواب بالحاق الثاني بالأول، وهو ما يعني حتمية إقرار القانونين في مجلس الشيوخ، الأسبوع الجاري، وحتمية توقيع الرئيس دونالد ترامب عليهما سوية ليصبحا نافذين قبل نهاية العام.
وينص مشروع القانون على أن يفرض ترامب «عقوبات على الأشخاص الذين يقدمون دعماً أو يشاركون في صفقات مع الحكومة السورية، أو القوات العسكرية، أو المقاولين الذين يتصرفون نيابة عن سورية أو روسيا أو إيران». كما يفرض عقوبات على من «يبيعون أو يقدمون عن قصد البضائع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات المهمة التي تسهل أو توسع الإنتاج النفطي المحلي للحكومة السورية»، وعلى من يبيعون «الطائرات، أو الأجزاء، أو الخدمات ذات الصلة التي تستخدمها القوات العسكرية التابعة للحكومة السورية»، وكذلك على من يقدمون «الخدمات الإنشائية أو الهندسية للحكومة السورية».
وتشمل العقوبات حظر المعاملات المالية والعقارية وحظر دخول متجاوزي القانون إلى الولايات المتحدة.
وقيصر هو أحد العاملين سابقاً في القوى الأمنية السورية، وهو وثّق بشكل مفصل ومصوّر عمليات التعذيب والموت الجماعي الذي لحق بعشرات آلاف السوريين في سجون نظام الأسد. وبعد فراره، نجح عدد من السوريين بنقله الى الولايات المتحدة حيث أدلى بشهادات مفصّلة أمام الكونغرس، ولكن من دون الكشف عن هويته للعامة.
على أن أقلية من 48 عضواً، من الحزبين، صوتت ضد القانون، مبررة معارضتها على أنها ضد بعض البنود الواردة في «قانون الدفاع». ومن المعارضين برز رئيس لجنة الشؤون الخارجية الديموقراطي اليوت انغل، أحد أبرز عرابي «قانون قيصر»، ورئيس لجنة العدل الديموقراطي جيري نادلر، بالإضافة إلى طليب وعمر.
وانغل، هو من صقور السياسة الخارجية، وعرّاب «قانون محاسبة سورية وسيادة لبنان» في العام 2003، وهو القانون الذي تحول إلى أساس قرار مجلس الأمن الرقم 1559، والذي أجبر الأسد، في 2005، على سحب قواته العاملة في لبنان بعد 29 عاماً على دخولها إليه، وهو ما يثير التساؤل: لماذا يصوّت انغل ضد «قانون الدفاع» المقترن بـ«قانون قيصر» الذي عمل جاهداً على تمريره؟
الإجابة تكمن في انه سبق لانغل، بالاشتراك مع زميله في الكونغرس رو خانا، وهو من أصول هندية ومن أبرز المؤيدين لتقارب أميركي مع إيران، ان ساهم في قيادة حملة تطلب من الإدارة الأميركية وقف الدعم في حرب اليمن، وهو المطلب الذي إضافة خانا الى قانون الدفاع في مسودته الأولى، قبل أن تطيح المفاوضات بين الديموقراطيين والجمهوريين به. هكذا، تخلى انغل عن «قانون قيصر» لأنه اعتبر أن القانون سيمر حتماً، فقام بالتصويت ضد «قانون الدفاع» لتثبيت موقفه، ومثله فعل صديقه نادلر.
وانضم للديموقراطيين الثلاثة، كل من تولسي غابارد، التي سبق لها ان زارت دمشق والتقت الأسد، قبل عامين، وهي تدعو إلى دعمه والحوار معه، فضلاً عن عمر، وهي تتلقى تبرعات من اللوبي التركي الذي يقوده التركي الأميركي خليل موتلو، وهو ابن خال الرئيس رجب طيب أردوغان، وطليب. وطليب تمثّل دائرة انتخابية لا تعنيها الشؤون الخارجية، بل تنهمك في شؤون محلية تتصدرها مواضيع مثل الزراعة والصحة.
وجبهة المعارضين الديموقراطيين التي قادها انغل وخانا ضد قانون الدفاع عملت بالتنسيق مع 37 جمعية أميركية تصنف نفسها على أنها من مجموعات معارضة الحروب. بين هذه المجموعات اثنتان لافتتان هما «المجلس القومي الإيراني الأميركي»، وهي تأسست برعاية وزير الخارجية الإيراني، أثناء إقامة محمد جواد ظريف في أميركا، أولاً كطالب في كاليفورنيا وبعد ذلك كموفد بلاده الدائم الى الأمم المتحدة في نيويورك.
أما المجموعة الثانية فهي «بلوشير فندز»، التي تصور نفسها على أنها ضد انتشار الأسلحة النووية في العالم، لذا، ساهمت في حشد الدعم للاتفاقية النووية التي توصّلت إليها الإدارة الأميركية السابقة وطهران. وسبق لنائب مستشار الأمن القومي السابق بن رودز، أن أشار، في مقابلة، إلى أن هذه الجمعية لعبت دورا أساسياً - بالتنسيق مع إدارة باراك أوباما - في حشد تأييد الرأي العام الأميركي لمصلحة اتفاق فيينا في العام 2015.
الجمعيات الـ37 هذه وقعت عريضة اعترضت فيها على حذف بعض البنود من «قانون الدفاع» حسب مسودة الديموقراطيين، وهذه البنود منها ما يحظر على ترامب الانخراط في أي مواجهة عسكرية مع إيران من دون موافقة الكونغرس، ومنها ما يفرض وقف الدعم في حرب اليمن، أو بتفويض استخدام القوة ضد الإرهاب الصادر في العام 2002، والذي تستند إليه الإدارات المتعاقبة لإبقاء قواتها في العراق وسورية لمحاربة تنظيم «داعش» ما يفرض تالياً سحب هذه القوات.
اعتراض الجمعيات، والتي قدمت مبرراً لأمثال طليب وعمر للتصويت ضد «قانون الدفاع» رغم اقترانه بـ«قانون قيصر»، يبدو اعتراضاً قاده اللوبي الإيراني، بمشاركة صديق طهران، خانا، وصديقة الأسد، غابارد، وهو ما يضع طليب وعمر في خانة إيران والأسد، وضد موقف غالبية الجمعيات السورية الأميركية.
«إلهان عمر تقوم باعادة تغريد فيديوهات رانيا عبدالخالق»، التي تعمل في الإعلام الروسي في واشنطن، والتي «تصور الحرب في سورية على أنها حرب اقتصادية ومخطط إمبريالي أميركي ضد سورية»، بحسب ما يقول محمد العبدالله، المدير التنفيذي لـ«المركز السوري للعدالة والمساءلة في واشنطن».
ويتابع لـ«الراي»، أن قرب طليب وعمر، للأسد أكثر منه الى بقية السوريين، ليس جديداً. «حتى تغريدات طليب وإلهان عمر في ذكرى الثورة السورية، وهي تغريدات عملت الجالية السورية كثيراً لاستصدارها، جاءت ضبابية ومائعة».
وأضاف: «تغريدة طليب يومها لم يرد فيها ذكر للأسد، ولا لنظامه، بل مجرد كلام عام وعاطفي عن نضال ضد الاستبداد وتمني رؤية سورية حرة يوماً ما».
وما يحير العبدالله أن اياً من طليب وعمر لم يصدر «أي بيان أو توضيح أو تغريدة، مثلاً أنه نحن نؤيد قانون قيصر وللأسف تم دمجه بموازنة الدفاع فاضطررنا للتصويت ضده».
ويختم: «من الواضح أن موازنة الدفاع كانت ستمر مع صوتيهما أو من دونه، وكان يمكنهما أن تسجلان موقفاً لمصلحة السوريين، لأن هناك أناساً وضحايا لديهم اهتمامات غير خط اليسار والممانعة الذي تسيران به طليب وعمر».

635 «قانون قيصر» أمام الكونغرس لإقراره

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يستعد الكونغرس اليوم، لإقرار «قانون حماية المدنيين السوريين للعام 2019»، والمعروف بـ«قانون قيصر»، وهو قانون يتمتع بدعم من الحزبين في الكونغرس بغرفتيه، قبل أن ينتقل إلى البيت الأبيض ليوقعه الرئيس ويصبح نافذاً.
وينص مشروع القانون على أن يفرض الرئيس دونالد ترامب «عقوبات على الأشخاص الذين يقدمون دعما أو يشاركون في صفقات مع الحكومة السورية، أو القوات العسكرية، أو المقاولين الذين يتصرفون نيابة عن سورية أو روسيا أو إيران».
كما يفرض عقوبات على من «يبيعون أو يقدمون عن قصد البضائع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات المهمة التي تسهل أو توسع الإنتاج النفطي المحلي للحكومة السورية»، وعلى من يبيعون «الطائرات، أو الأجزاء، أو الخدمات ذات الصلة التي تستخدمها القوات العسكرية التابعة للحكومة السورية»، وكذلك على من يقدمون «الخدمات الإنشائية أو الهندسية للحكومة السورية».
وتشمل العقوبات حظر المعاملات المالية والعقارية وحظر دخول متجاوزي القانون إلى الولايات المتحدة.
وقيصر، هو أحد العاملين سابقا في القوى الأمنية السورية، وهو وثّق بشكل مفصل ومصوّر عمليات التعذيب والموت الجماعي الذي لحق بعشرات آلاف السوريين في سجون نظام الرئيس بشار الأسد. وبعد فراره، نجح عدد من السوريين بنقله الى الولايات المتحدة حيث أدلى بشهادات مفصّلة أمام الكونغرس، ولكن من دون الكشف عن هويته للعامة.
ويقول الديبلوماسي السوري السابق بسام بربندي لـ«الراي»، ان أهمية القانون تكمن في كونه «نتيجة جهد كل الجالية السورية الأميركية، بما في ذلك اكثر من 300 شخص شاركوا بهذا العمل على مدى السنوات الثلاث الماضية، وساهموا بأكثر من مليوني دولار من تبرعات الجالية لأعضاء الكونغرس للفت نظرهم لأهميته».
ويضيف أن نجاح القانون يمكن البناء عليه مستقبلاً كونه «رسالة واضحة لروسيا مفادها بأنه، قانونياً، لن يكون هناك أي أموال من أي جهة أو دولة لإعادة الإعمار في سورية»، وان على الروس «إعادة حساباتهم بموضوع سورية، وبعلاقتهم بالنظام والعملية السياسية، إذا كانوا فعلا مهتمين بالاستقرار».
ويتابع الديبلوماسي السابق أن أي «ضغط سياسي واقتصادي إضافي على النظام للانخراط بعملية سياسية جدية تساعد على إنهاء الأزمة السورية، في وقت لن تجرؤ أي دولة أو شركة أو شخص على تقديم أو تنفيذ أي مشروع تجاري أو اقتصادي في سورية في ظل هذا القانون».
بدوره، قال محمد العبدالله، المدير التنفيذي لـ «المركز السوري للعدالة والمساءلة» في واشنطن، إن«قانون قيصر يستحدِث مجموعة جديدة من العقوبات تستهدف ليس فقط الحكومة السورية، ولكن أيضاً رجال الأعمال أصحاب الروابط الاقتصادية بالحكومة أو أجهزة الأمن أو البنك المركزي أو البنية التحتية، بما في ذلك شركات الطيران، ووكالات الطاقة، ومشاريع الإنشاءات».
وأضاف العبدالله، لـ«الراي»، أن القانون «يفرض شروطاً مسبقة ينبغي الإيفاء بها من أجل رفع العقوبات، وهي تشمل إنهاء استهداف المدنيين والأحياء المدنية، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين، والسماح للمراقبين الدوليين بالوصول إلى مرافق الاحتجاز، والسماح بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين، وغيرها من وسائل الحماية المدنية».
ويتابع العبدالله ان ما هو أهم من العقوبات يكمن في أن القانون «يخفّض معايير الإثبات التي تتبعها وزارة الخزانة الأميركية، وبالتالي يسهل على وزارة الخزانة إمكانية فرض عقوبات من دون الحاجة للوصول للدليل القاطع على وجود علاقة اقتصادية بين شركة ما والحكومة السورية، وهي العقبة الأساسية التي حالت سابقاً دون إدراج عشرات الشركات والمنظمات على قوائم العقوبات لاستحالة تقديم دليل مادي، مثل وثائق العقود أو التحويلات المالية».
في هذه الأثناء، ينشط مؤيدون لنظام الأسد ولحلفائه، روسيا وإيران، في محاولة لوقف إقرار القانون، أو على الأقل حمل الاتحاد الأوروبي على عدم إقرار قانون مشابه يجري حاليا التداول به في أوروبا. ويقولون إن العقوبات لا تؤذي النظام بل المدنيين السوريين.
لكن بربندي يرد على ادعاءات من هذا النوع بالقول إن أي عقوبات يعاني منها مباشرة المواطن العادي ناجمة عن ممارسات النظام، ويقول إن «العقوبات وحدها ليست سياسة، بل هي أداة لتحقيق هدف سياسي، وعلينا رؤية كيف ستستفيد الحكومة الأميركية والأوروبيون من هذا القانون بالسرعة والجدية لدفع روسيا والنظام للتعاون لتنفيذ قرارات مجلس الأمن».
ويختم بربندي بأن «القانون يضع شروطاً واضحة لإيقاف تنفيذه، وبالتالي إذا كان النظام مهتماً بمصلحة السوريين، فالخطوات المطلوبة واضحة في النص لخروج سورية من تحت العقوبات المتوقعة».

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2019

نفاق معاداة أميركا

حسين عبدالحسين

أثار قيام "الجامعة الأميركية في بيروت" بالتخلي عن عميد كلية الطب ثائرة صحيفة لبنانية تابعة لـ "حزب الله"، فكتبت دفاعا عن العميد، وهاجمت رئيس الجامعة متهمة إياه بالرغبة في تحريض اللبنانيين على الثورة ضد دولتهم. وموقف هذه الصحيفة غريب: لماذا التدخل في شؤون جامعة "إمبريالية" تنشر ثقافة الديمقراطية الليبرالية التي لا تتوافق والخطاب الخشبي المقاوم والممانع؟ وماذا يعني "حزب الله" أو صحيفته من يكون عميدا لطب "الجامعة الأميركية"، ومن لا يكون؟

قد تبدو الإجابة أكثر وضوحا لدى معرفة أن الصحيفة نفسها نشرت، قبل أسابيع، على صفحة كاملة من صفحاتها، إعلانا مدفوعا للمركز الطبي الجديد الذي أقامته "الجامعة الأميركية"، وهو ما يعني أن المركز وعميده، أو أحد المسؤولين غيره في الجامعة، وافقوا على شراء إعلان بآلاف الدولارات من صحيفة معادية للولايات المتحدة ومقربة من "حزب الله".

وقد يرتب الإعلان المذكور مسؤولية قانونية جزائية أمام المحاكم الأميركية، التي تحظر دعم أي كيانات، مجموعات أم افراد، ممن تدرجهم حكومة الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، التابعة لوزارة الخارجية الأميركية. حتى لقاء الرئيس السابق جيمي كارتر مع مسؤولين في حركة "حماس" الفلسطينية، قبل أكثر من عقد، أثار عاصفة من المواجهات القانونية وصلت المحكمة الفدرالية العليا، التي اعتبرت أن الدعم المعنوي لأي كيان مصنف إرهابيا، أو من يرتبط به، هو بمثابة تعاون غير مشروع مع الكيان المذكور.

وسبق لـ "الجامعة الأميركية في بيروت" أن توصلت، قبل عامين، إلى تسوية مع وزارة العدل الأميركية، قضت بتسديد الجامعة غرامة بلغت 700 ألف دولار، بعد أن تبين أن إعلاميين يعملون في تلفزيون "حزب الله" شاركا في دورة تدريبية للصحافيين في الجامعة.

وقتذاك، اعترض عدد من المعنيين بالجامعة وخريجيها أن التسوية غير عادلة، إذ يستحيل معرفة مَن مِن الطلاب ينتمون إلى "حزب الله"، أو إلى أي تنظيم آخر تصنفه أميركا إرهابيا، وأن الطلب إلى ادارة الجامعة التحري عن عضوية طلابها في الأحزاب يتطلب جهاز استخبارات قائما بذاته، وموارد كبيرة، وهو أمر متعذر على صرح أكاديمي عريق يعمل في لبنان منذ العام 1866.

لا يعادي الأميركيون الإرهابيين، بل إن الأميركيين غالبا ما يتساءلون "لما يكرهنا" الإرهابيون. وتسعى الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى تنمية المجتمعات التي تعيش في ظل دول فاشلة، لتقليص العنف بين أفرادها، وهو العنف الذي تخشى أميركا وأوروبا أن يصل شواطئها.

ولطالما شغلت مهمة تطوير المجتمعات وتحسين ظروف معيشتها الأجيال الغربية المتعاقبة على مدى القرنين الماضيين، وكانت "الجامعة الأميركية في بيروت" ثمرة النشاط الإرسالي المسيحي الذي كان يعمل في هذه المضمار، قبل أن تتخلى الجامعة عن هويتها المسيحية، وتتحول إلى هوية لا دينية تتسع أكثر لأبناء المذاهب والأديان المختلفة.

بدورها، تفاوتت ردات فعل المجتمعات التي تلقت مساعدات إرسالية، ولاحقا حكومية، من الحكومات الديمقراطية في أميركا وأوروبا؛ فألمانيا، مثلا، تحولت من واحدة من أكثر المجتمعات فاشستية وعنصرية وعنفا إلى ديمقراطية تعيش في بحبوحة، فيما انقسمت كوريا إلى اثنتين: واحدة ديمقراطية تعيش في بحبوحة بمساعدة أميركا وحلفائها، وثانية ديكتاتورية دموية يموت شعبها الجوع فيما هم يصفقون لتجارب صواريخهم النووية.

لبنان، بدوره، يمضي بخطى متسارعة من مشروع دولة ديمقراطية تعددية ذات اقتصاد رأسمالي مزدهر إلى دولة فاشلة ذات اقتصاد متهالك، في وقت يفتقر قادة لبنان إلى المخيلة المطلوبة لإنقاذه، ويتمسكون برؤى اقتصادية بالية تحولت إلى مصدر تهكم، مثل فكرة "بيع البطاطا اللبنانية للعراق".

ويهلل بعض اللبنانيين لمعاداة أميركا، ويتحينون اللحظة التي يدلي بها ديبلوماسي أميركي متقاعد برأيه حول الأزمة اللبنانية حتى يصورون أقواله على أنها إثبات للمؤامرة الأميركية المتخيلة على لبنان، وينهالون عليه بالشتائم.

على أن الغرابة تكمن في أن شتّامي أميركا يتسابقون في سرّهم للعمل في مؤسسات مثل "الجامعة الأميركية في بيروت"، أو يتسابقون لتقاضي دولارات دعاية المركز الطبي للجامعة، أو يطيرون تحت جنح الظلام إلى الولايات المتحدة لتلد زوجاتهم أطفالا يحصلون على جوازات سفر أميركية، ثم يرسلون هؤلاء الأولاد إلى المدارس والجامعات الأميركية، وينتهي الأمر ببعض هؤلاء الأولاد بأن يهاجروا إلى أميركا ويستوطنوا فيها، ويمررون جوازاتهم إلى اهاليهم، الذين يواصلون شتم أميركا وتقاضي أجور الشتم، أو أموال الإعلانات الأميركية، لا فرق.

هي حالة عربية وإيرانية أوسع من لبنان. عرب وفرس كثيرون يهاجرون إلى الغرب ويستميتون للاستيطان فيه وحيازة جوزات سفره، ومنهم من عمل ويعمل في مؤسسات حكومية أميركية، ثم يعودون إلى بغداد أو طهران للعمل كإعلاميين شتّامين لأميركا، أو يتحولون إلى دعاة معاداة أميركا و"الرجل الأبيض" داخل أميركا نفسها، ويستعيدون الخطاب عن المظلومية التي ألحقها مؤسسو الولايات المتحدة بالسكان الأصليين، فتكتمل دائرة التناقض: يشتمون الدولة نفسها التي يستميتون ليصبحوا مواطنيها.

الحل لنفاق معادي أميركا بسيط. على كل إنسان أن ينسجم مع نفسه وقناعاته. من يتبنون أميركا وطنا لهم عليهم الدفاع عن المبادئ التي تقوم عليها، وفي طليعتها الحرية والمساواة والديمقراطية. هذه المبادئ هي التي أنجبت مجتمعات أقل عنفا وأكثر استقرارا وازدهارا، وأكثر ابتكارا وعلما.

أما من يعادون أميركا ومبادئها، عليهم أن يتفادوا الاستيطان فيها، وتفادي الإفادة من مؤسساتها التربوية أو علمها، وأن يدافعوا عوضا عن ذلك عن المنظومة التي يتبنونها للحكم والحكومة، المبنية غالبا على تطويب أحدهم ملكا فيلسوفا، مثل خامنئي إيران أو بوتين روسيا أو شي الصين.

هذه الحكومات تعتبر أن "الكرامة الوطنية" مبنية على التغلب على "الرجل الأبيض" الغربي الإمبريالي بالعنف، وأن على شعوبها أن تعيش في الظلام حتى استكمال الانتصار، وأن تتباهى بصواريخها وأسلحتها وقوتها. عظيم! فلتهلل الصحيفة اللبنانية المقربة من "حزب الله" للصواريخ، ولتترك شؤون التربية والعلم والأكاديمية للعقلاء ممن تصفهم بالخونة والعملاء والخانعين والمهزومين.

«قانون قيصر» أمام الكونغرس لإقراره

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يستعد الكونغرس اليوم، لإقرار «قانون حماية المدنيين السوريين للعام 2019»، والمعروف بـ«قانون قيصر»، وهو قانون يتمتع بدعم من الحزبين في الكونغرس بغرفتيه، قبل أن ينتقل إلى البيت الأبيض ليوقعه الرئيس ويصبح نافذاً.
وينص مشروع القانون على أن يفرض الرئيس دونالد ترامب «عقوبات على الأشخاص الذين يقدمون دعما أو يشاركون في صفقات مع الحكومة السورية، أو القوات العسكرية، أو المقاولين الذين يتصرفون نيابة عن سورية أو روسيا أو إيران». 
كما يفرض عقوبات على من «يبيعون أو يقدمون عن قصد البضائع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات المهمة التي تسهل أو توسع الإنتاج النفطي المحلي للحكومة السورية»، وعلى من يبيعون «الطائرات، أو الأجزاء، أو الخدمات ذات الصلة التي تستخدمها القوات العسكرية التابعة للحكومة السورية»، وكذلك على من يقدمون «الخدمات الإنشائية أو الهندسية للحكومة السورية». 
وتشمل العقوبات حظر المعاملات المالية والعقارية وحظر دخول متجاوزي القانون إلى الولايات المتحدة.
وقيصر، هو أحد العاملين سابقا في القوى الأمنية السورية، وهو وثّق بشكل مفصل ومصوّر عمليات التعذيب والموت الجماعي الذي لحق بعشرات آلاف السوريين في سجون نظام الرئيس بشار الأسد. وبعد فراره، نجح عدد من السوريين بنقله الى الولايات المتحدة حيث أدلى بشهادات مفصّلة أمام الكونغرس، ولكن من دون الكشف عن هويته للعامة. 
ويقول الديبلوماسي السوري السابق بسام بربندي لـ«الراي»، ان أهمية القانون تكمن في كونه «نتيجة جهد كل الجالية السورية الأميركية، بما في ذلك اكثر من 300 شخص شاركوا بهذا العمل على مدى السنوات الثلاث الماضية، وساهموا بأكثر من مليوني دولار من تبرعات الجالية لأعضاء الكونغرس للفت نظرهم لأهميته». 
ويضيف أن نجاح القانون يمكن البناء عليه مستقبلاً كونه «رسالة واضحة لروسيا مفادها بأنه، قانونياً، لن يكون هناك أي أموال من أي جهة أو دولة لإعادة الإعمار في سورية»، وان على الروس «إعادة حساباتهم بموضوع سورية، وبعلاقتهم بالنظام والعملية السياسية، إذا كانوا فعلا مهتمين بالاستقرار». 
ويتابع الديبلوماسي السابق أن أي «ضغط سياسي واقتصادي إضافي على النظام للانخراط بعملية سياسية جدية تساعد على إنهاء الأزمة السورية، في وقت لن تجرؤ أي دولة أو شركة أو شخص على تقديم أو تنفيذ أي مشروع تجاري أو اقتصادي في سورية في ظل هذا القانون».
بدوره، قال محمد العبدالله، المدير التنفيذي لـ «المركز السوري للعدالة والمساءلة» في واشنطن، إن«قانون قيصر يستحدِث مجموعة جديدة من العقوبات تستهدف ليس فقط الحكومة السورية، ولكن أيضاً رجال الأعمال أصحاب الروابط الاقتصادية بالحكومة أو أجهزة الأمن أو البنك المركزي أو البنية التحتية، بما في ذلك شركات الطيران، ووكالات الطاقة، ومشاريع الإنشاءات». 
وأضاف العبدالله، لـ«الراي»، أن القانون «يفرض شروطاً مسبقة ينبغي الإيفاء بها من أجل رفع العقوبات، وهي تشمل إنهاء استهداف المدنيين والأحياء المدنية، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين، والسماح للمراقبين الدوليين بالوصول إلى مرافق الاحتجاز، والسماح بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين، وغيرها من وسائل الحماية المدنية».
ويتابع العبدالله ان ما هو أهم من العقوبات يكمن في أن القانون «يخفّض معايير الإثبات التي تتبعها وزارة الخزانة الأميركية، وبالتالي يسهل على وزارة الخزانة إمكانية فرض عقوبات من دون الحاجة للوصول للدليل القاطع على وجود علاقة اقتصادية بين شركة ما والحكومة السورية، وهي العقبة الأساسية التي حالت سابقاً دون إدراج عشرات الشركات والمنظمات على قوائم العقوبات لاستحالة تقديم دليل مادي، مثل وثائق العقود أو التحويلات المالية».
في هذه الأثناء، ينشط مؤيدون لنظام الأسد ولحلفائه، روسيا وإيران، في محاولة لوقف إقرار القانون، أو على الأقل حمل الاتحاد الأوروبي على عدم إقرار قانون مشابه يجري حاليا التداول به في أوروبا. ويقولون إن العقوبات لا تؤذي النظام بل المدنيين السوريين. 
لكن بربندي يرد على ادعاءات من هذا النوع بالقول إن أي عقوبات يعاني منها مباشرة المواطن العادي ناجمة عن ممارسات النظام، ويقول إن «العقوبات وحدها ليست سياسة، بل هي أداة لتحقيق هدف سياسي، وعلينا رؤية كيف ستستفيد الحكومة الأميركية والأوروبيون من هذا القانون بالسرعة والجدية لدفع روسيا والنظام للتعاون لتنفيذ قرارات مجلس الأمن». 
ويختم بربندي بأن «القانون يضع شروطاً واضحة لإيقاف تنفيذه، وبالتالي إذا كان النظام مهتماً بمصلحة السوريين، فالخطوات المطلوبة واضحة في النص لخروج سورية من تحت العقوبات المتوقعة».

السبت، 7 ديسمبر 2019

واشنطن تعاقب قيس الخزعلي وشقيقه

حسين عبدالحسين

تمضي المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في أخذها منحى أكثر تصاعدية في العراق، وهو تصعيد بدأ منذ منتصف هذا العام، أي منذ بدأت واشنطن بعملية رصد هجمات، بلغ عددها 11 على الأقل حتى الآن، تعتقد أميركا أن الميليشيات الموالية لطهران في العراق، هي التي نفذتها ضد أهداف أميركية، منها ضد السفارة في «المنطقة الخضراء» في بغداد، وقاعدتي عين الأسد وبلد العسكريتين.
إذ لم تمر أيام قليلة على قيام نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بزيارة لـ«عين الأسد» للاحتفال مع الجنود بعيد الشكر، حتى تعرضت القاعدة لهجمات بخمسة صواريخ من طراز «كاتيوشا» لم توقع إصابات.
ويقول أحد المسؤولين الأميركيين، إن «الحظ والصدفة» وحدهما مسؤولان عن عدم وقوع ضحايا في صفوف الأميركيين، وان القيادة تراقب الأجواء العراقية بشكل متواصل، وتعرف تفاصيل الهجمات، وهي تطلع «الشركاء العراقيين» فورا على موقع شن الهجمات إبان وقوعها، ويصل العراقيون فوراً إلى موقع الإطلاق، فيعثروا في الغالب على منصات إطلاق الصواريخ.
وعلى خلفية هذه الهجمات، أعلنت الولايات المتحدة فرضها عقوبات على ثلاثة عراقيين من ميليشيا «عصائب أهل الحق» الموالية لإيران، وهم أمينها العام قيس الخزعلي، وشقيقه ليث، ورجل الأعمال خميس الخنجر.
كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على «مسؤول الأمن» في قوات «الحشد الشعبي»، حسين فالح اللامي، المعروف بـ«أبي زينب».
والعقوبات على اللامي لا ترتبط بالهجمات على الأهداف الأميركية، بل بالعنف الذي تعتقد واشنطن انه يقوم به ضد المتظاهرين، ما تسبب بمقتل اكثر من 400 مدني عراقي من المشاركين في التظاهرات المطالبة بإصلاحات في الدولة وبنهاية السطوة الإيرانية على بغداد.
ويوم الخميس، تعرضت القاعدة الأميركية في مدينة بلد إلى هجوم صاروخي كذلك. وعلى الرغم ان مساعد وزير الخارجية ديفيد شنكر قال للصحافيين ان وزارة الخارجية لا تزال بانتظار نتائج التحقيقات حول هوية المهاجمين، إلا أنه أردف انه بالحكم على الهجمات الماضية، فان الهجوم الأخير قامت به على الأرجح الميليشيات الموالية لإيران، معتبراً أن طهران تعمد الى هذا النوع من التصعيد والاستفزاز في كل مرة يشعر فيها الايرانيون بأنهم في موقف صعب.
وعلّق شنكر على العقوبات على اللامي بالقول إن على كل عراقي انه يعرف انه «إذا كنت تنتهك حقوق الإنسان بشكل صارخ، وإذا كنت ترتكب أعمال عنف ضد المتظاهرين، بغض النظر عما إذا كنت في الحكومة أو خارج الحكومة، فأنت في خطر أن يتم فرض عقوبات عليك».
في هذا السياق، أعرب مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة الخارجية، عن دهشتهم أن الإعلام الأميركي والعالمي لم يصدقا أن إيران تقوم بتكديس الصواريخ البالستية في العراق، إلى أن قامت صحيفة «نيويورك تايمز» بنشر تقرير حول الموضوع، الأسبوع الماضي.
وقال مسؤول، في دردشة مع الصحافيين: «لقد أخبرتكم عن الأمر يا رفاق قبل شهرين أو أكثر، وقلت بوضوح شديد أن إيران تخزن صواريخ بالستية في العراق». وأضاف: «قلت ذلك مرات عدة في جلسات إعلامية مغلقة، وهذا ليس خبراً، ولا ينبغي أن يفاجئكم، فانتم كنتم معي يا رفاق عندما أخبرتكم بالموضوع، أليس كذلك؟».
وتابع أن الإستراتيجية الأميركية في العراق، تتلخص «في أن حكومة الولايات المتحدة تدعم سيادة العراق، ومن الواضح أن إيران لا تحترم سيادة العراق». وأضاف: «لقد اتخذ العراق بعض الإجراءات، لكن قدراته محدودة في ما يمكنه القيام به، ونحن نأمل أن ينجح العراقيون في تشكيل حكومة قادرة على ممارسة المزيد من السيادة».
عن التدخلات الإيرانية، قال المسؤول الأميركي إنها «مشكلة أكبر من أن تصدق أن يقوم (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) قاسم سليماني بعقد كل هذه اللقاءات في العراق والتدخل في عملية تشكيل الحكومة الجديدة»، معتبراً أن «إيران تحاول قلب الموازين والتأثير في مسار الأمور العراقية».
وفي شأن العقوبات بحق المسؤولين العراقيين، أكد المسؤول رفيع المستوى: «نحن نحاسب الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، والتي تقتل المحتجين. نحن ندعم المظالم المشروعة للمتظاهرين، ونتحدث إلى المسؤولين العراقيين حول ما نفكر فيه، وندعم الحكومة العراقية، أيا كانت الحكومة التي ستتشكل، ولدينا سياسة عدم التدخل في تشكيل أي حكومة».

«مواجهة عزل حامية» بين ترامب والديموقراطيين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قدم تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب، لمحة عن القرار الاتهامي الذي ينوي الكونغرس تدبيجه والادعاء بموجبه ضد الرئيس دونالد ترامب. وتمحور التقرير، الذي جاء في 300 صفحة، حول نقطتين: الأولى مفادها بأن اللجنة حاولت تقديم سلسلة من البراهين التي تثبت أن ترامب قام باستغلال السلطة من أجل مصالحه الشخصية، والثانية فيها ان ترامب قام شخصياً بمنع عدد من الشهود من العاملين في ادارته من المثول امام الكونغرس، وهو ما يخالف القانون الذي يعطي السلطة التشريعية صلاحيات استدعائها شهود، مساوية في قيمتها القانونية للطلبات الصادرة عن السلطة القضائية.
في المقابل، رد البيت الابيض الجمعة، قبل انقضاء المهلة النهائية للدعوة للدفاع عن ترامب عبر استنكار العملية القانونية بأكملها باعتبار أنّ «لا أساس لها».
وقال بات سيبولوني، محامي البيت الابيض في رسالة الى الديموقراطي جيرولد نادلر رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب: «كما تعلمون تحقيقكم لا أساس له بالكامل».
وفحوى ادعاء الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الديموقراطي المعارض، ضد الرئيس، الذي ينتمي للحزب الجمهوري، ان ترامب حاول استغلال موقعه، والمساعدات العسكرية، التي كان اقرها الكونغرس لاوكرانيا، للضغط على كييف ورئيسها فلودومير زيلينسكي، حتى يقوم الاخير باعلان ان السلطات الاوكرانية باشرت التحقيقات في امكانية تورط هنتر بايدن، نجل نائب الرئيس السابق والمرشح المنافس لترامب للرئاسة جو بايدن، في عمليات فساد.
وفي اتصال جرى في 25 يوليو الماضي بين ترامب وزيلينسكي - اثناء قيام الرئيس الاميركي بتهنئة نظيره الاوكراني على فوزه في الانتخابات - اشار ترامب الى المساعدة الاميركية، ووعد زيلينسكي بدعوته لزيارة البيت الابيض. على ان الرئيس الاميركي قال، حسب نص المكالمة الذي نشره البيت الابيض، انه «يرغب قبل ذلك بخدمة» من نظيره الاوكراني.
هذه الخدمة كانت تقضي بقيام كييف بالتحقيق بعضوية هنتر في مجلس ادارة شركة الطاقة الاوكرانية «بوريزما»، وكذلك التحقيق في شركة انترنت تفيد «نظريات المؤامرة» انها هي، لا الحكومة الروسية، من قامت بالتدخل بالانتخابات الرئاسية في العام 2016 لمصلحة منافسة ترامب، الديموقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
وفي جلسات الاستماع التي عقدتها لجنة الاستخبارات في الكونغرس، اشار كل الشهود، من أمثال السفيرة لدى اوكرانيا التي قام ترامب بعزلها ماري يوفانوفيتش، وكذلك مسؤول ملف روسيا واوكرانيا في مجلس الأمن القومي الكولونيل الكسندر فيندمان، ومساعدة نائب الرئيس مايك بنس لشؤون روسيا واوكرانيا فيونا هيل، إلى ان كييف لم تتدخل في انتخابات اميركا لمصلحة كلينتون، بل روسيا هي التي تدخلت لمصلحة ترامب، وذلك حسب تقارير كل وكالات الاستخبارات الاميركية. وبسبب ما اعتبراه تصرفا فضائحيا من قبل ترامب، قام فيندمان وهيل بالاستقالة، وقدما شهادتيهما امام لجنة الاستخبارات.
وكان للشهادتين اصداء هزت الاوساط السياسية، واجبرت ترامب على ان يتراجع عن تظاهره بعدم اهتمامه بالتحقيقات، التي يصفها بـ«صيد الساحرات»، وعمد الى مهاجمة المسؤولين السابقين عبر «تويتر» والتحريض ضدهما بشكل أجبر الجيش الاميركي على نقل فيندمان وعائلته الى قاعدة ذات حماية عالية خوفا من احتمال قيام أحد انصار ترامب بالتعرض له او الاعتداء عليه.
ومن المفاجآت التي قدمتها لجنة الاستخبارات في تقريرها، هو كشفها عن بيانات التخابر الهاتفي، الذي اظهر اتصالات بين مكتب ادارة الموازنة، الذي يديره رئيس موظفي البيت الابيض ميك مولفايني، ومحامي الرئيس وعمدة نيويورك السابق رودي جولياني. والاخير هو اللاعب الرئيسي في عملية الضغط على كييف لحملها على التشهير ببايدن، لمصلحة ترامب، وعلى تأكيدها للقصة الملفقة حول تورط اوكرانيا، لا روسيا، في انتخابات 2016.
وجولياني لا يتمتع بأي صفة حكومية، ما يجعل اتصاله بوكالات فيديرالية لتدبير شؤون حكومية امراً غير قانوني. ومن المفاجآت ايضاً، حدوث اتصالات هاتفية بين جولياني وعضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا ديفين نونيز، والاخير هو كبير الجمهوريين في لجنة الاستخبارات، وممن ساهموا في مساءلة ومهاجمة الشهود، وهو ما يجعل من تورطه في الاتصال بجولياني تضاربا في المصالح ويعني انه كان يفترض به الاعتذار عن المشاركة في جلسات الاستماع والمساءلة.
لجنة الاستخبارات ورئيسها الديموقراطي آدم شيف، وهو سبق ان عمل مدعياً عاماً ويتمتع اليوم بشعبية كبيرة جرّت عليه غضب ترامب ومناصريه، قدم تقرير لجنته الى لجنة العدل، التي ستعمل بموجبه للتحقيق في دستورية الاتهامات وكتابة نص الادعاء الاتهامي ضد الرئيس.
وبدأت لجنة العدل، برئاسة عضو الكونغرس الديموقراطي جيري نادلر، بعقد جلسات الاستماع. على انها جلسات ستكون اقل اثارة من نظيرتها لجنة الاستخبارات، اذ ان جلسات الاستخبارات حققت مع شهود وكشفت عن فضائح، اما جلسات العدل فستستدعي أبرز الخبراء القانونيين للاستماع لشهاداتهم حول قانونية الادعاء وعدم دستورية ما قام به ترامب، ويكون تقريرها النهائي بمثابة الاضبارة الاتهامية التي يتم ارسالها للهيئة العامة للتصويت عليها، فان تمت المصادقة عليها، وهو امر متوقع، تتحول الى ادعاء اتهامي ويتحول مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري، الى هيئة محلفين، ويترأس قضاة المحكمة الفيديرالية العليا اجراءات المحاكمة، التي يستبعد الخبراء ان تؤدي للاطاحة بالرئيس الاميركي، الذي يحتاج الى تأييد ثلث الشيوخ لبقائه في منصبه، في وقت يسيطر الجمهوريون على 52 من اعضاء المجلس البالغ عددهم 100.

الجمعة، 6 ديسمبر 2019

الكويت الأقل ديناً خليجياً... والأكثر اعتماداً على النفط

واشنطن - من حسين عبدالحسين

توقّع تقرير صادر عن البنك الدولي أن يتراجع النمو الاقتصادي في الكويت إلى 0.4 في المئة خلال العام الحالي، على أن يتعافى إلى 2.2 في المئة خلال 2020، مع انتهاء تخفيضات الإنتاج التي قررتها (أوبك)، وأن يبلغ نحو 2 في المئة خلال 2021، مشيراً إلى أن البلاد لا تزال تعتبر الأكثر اعتماداً على النفط في الخليج.
ولفت إلى أن حصة الاقتصاد الكويتي غير النفطي من الناتج المحلي الإجمالي تعتبر الأقل خليجياً، مشيراً إلى أن كلا من قطاع الخدمات والمصانع غير النفطية سجلت مساهمات متساوية للنمو الاقتصادي، حيث نما قطاعا البيع بالجملة والتجزئة بواقع 2.5 في المئة على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الحالي، إضافة إلى نمو خدمات التعليم والرعاية الصحية بنحو 9.1 في المئة، بينما ارتفع القطاع الصناعي إلى 10.3 في المئة.
رغم ذلك، بيّن التقرير أن الكويت سجلت عجزاً مالياً بواقع 12.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الـ3 الأولى من العام الحالي، فيما يتوقع أن يبلغ عجز ميزانية السنة المالية 2019 /‏‏‏2020 نحو 6.2 مليار دينار، مع تحقيق إيرادات بواقع 16.3 مليار دينار، ونفقات مالية بواقع 22.5 مليار. 
وأوضح البنك الدولي أن توقعات الإيرادات للميزانية تم افتراضها على أساس إنتاج البلاد 2.8 مليون برميل يومياً وبسعر 55 دولارا للبرميل، مبيناً أنه لأسباب تحوطية، تميل الكويت إلى وضع افتراضات أقل نسبياً لأسعار النفط.
ونوه إلى أن الكويت تعتبر أقل الدول الخليجية مديونية، حيث تبلغ إجمالي الديون العامة أقل من 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وذلك وفقاً لنهاية 2018، مشيراً إلى أن الكويت لم تبع أي سندات دولية في 2019.
وبيّن أن آخر مرة استفادت منه البلاد من سوق السندات الدولية كان في مارس من 2017، بعد بيع سندات بقيمة 3.5 مليار دولار ذات استحقاق لـ5 سنوات مع عائد يبلغ 2.8 في المئة، إضافة إلى سندات بـ4.5 مليار، ذات استحقاق مدته 10 سنوات مع عائد يبلغ 3.6 في المئة.
وأوضح البنك الدولي أن النفط يمثل 90 في المئة من إجمالي صادرات الكويت، في الوقت الذي تشكل فيه الصادرات غير النفطية حجماً صغيراً ومتقلباً، مع تراجعها بواقع 66 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، موضحاً أن هذه الصادرات تتركز بشكل أساسي على المواد الكيميائية.
من جانبه، شدد المدير الإقليمي لدول الخليج في البنك الدولي، عصام أبوسليمان، على أهمية أن تتأكد دول المنطقة من مواءمة استراتيجياتها للتنويع مع أهداف الاستدامة البيئية، مبيناً أن ضمان عدم إضرار جهود التنويع بالمناخ في المنطقة يشكل عنصراً ضرورياً من أجل تحقيق الاستدامة البيئية، وكذلك لمساعدة دول الخليج على الاستثمار في مصادر نمو قادرة على التكيف مع الآثار المترتبة على التكنولوجيا والسياسات العالمية.
وأوضح التقرير أن هناك 3 طرق للمساعدة على مواءمة استراتيجيات التنويع مع أهداف الاستدامة البيئية، تشمل ضرورة أن تتبع دول الخليج استراتيجيات تعتمد نهج تنويع الأصول، كونه يتجاوز مفهوم تنويع النواتج ويوسع مكونات الثروة الوطنية للبلد بحيث تشمل رأس المال البشري، إضافة إلى الأصول الطبيعية والمنتجة.
علاوة على إمكانية التحوط من مخاطر التنويع التقليدي عن طريق تحرير أسعار إمدادات الطاقة والمياه، وتوسيع نطاق الاستثمارات في الطاقة المتجددة، واحتجاز الكربون، وتخزينه من أجل تخفيف آثار تغير المناخ. كما يجب على دول المنطقة إنشاء مؤسسات وممارسات فعالة للإدارة البيئية لضمان أن تتمكن من حماية منظومتها البيئية الهشة وأن تقلل التكلفة البيئية للصناعة وهي تستثمر بكثافة في مصادر جديدة للنمو الاقتصادي.
وأوضح التقرير الذي سلط الضوء على آخر مستجدات اقتصادات دول الخليج أن معدل النمو في المنطقة تراجع بدرجة ملحوظة في 2019، بسبب ضعف أسعار النفط ووفرة المعروض العالمي منه، مبيناً أن التقديرات تشير إلى تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي لدول الخليج إلى 0.8 في المئة هذا العام، مقارنة مع 2 في المئة خلال العام الماضي.
ولفت إلى أن معظم دول المنطقة شهدت ارتفاعاً متواصلاً في نمو القطاع غير النفطي، ساهم في نواتج النمو ككل.
وفي حين حافظت معظم دول الخليج على قوة معاملاتها الخارجية في 2019، أشار التقرير إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين واستمرار الحرب التجارية العالمية يعوقان جهود المنطقة في تعزيز الصادرات غير النفطية، ويؤدي تجدد التوترات الجيوسياسية في الوقت نفسه إلى تزايد المخاطر المتصورة، الأمر الذي قد يلحق الضرر بآفاق الاستثمار.
من ناحية أخرى، لفت التقرير إلى أن مستويات الديون في المنطقة تستمر في الصعود لا سيما مع عودة بعض الدول إلى أسواق السندات لتمويل عجوزاتها المالية، ومع امتلاكها لاحتياطات مالية صغيرة، لا تزال كل من البحرين وعُمان الأكثر عرضة للاتجاه إلى الديون.
وأوضح التقرير أنه رغم ما أحرزته دول المنطقة من تقدم مهم في تحقيق الإصلاحات الهيكلية، إلا أن هناك قضايا عديدة ضرورية لا تزال بحاجة إلى المعالجة، مبيناً أن تحقيق المزيد من التنويع الاقتصادي يتطلب إصلاحاً أعمق لسوق العمل، إضافة إلى تحقيق الإصلاح في التعليم والذي من شأنه أن يولّد مكاسب إنتاجية ويوسع من الفرص الاقتصادية للقوى العاملة في المنطقة، مشيراً إلى أن مشاركة المرأة في القوى العاملة لا تزال منخفضة رغم أهميتها على المستوى الاقتصادي.

الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

واشنطن... هل يرضى اللبنانيون بالطبقة الحاكمة نفسها؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كرر المسؤولون في واشنطن موقفهم الحيادي من تشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة. وقال مسؤول رفيع المستوى في دردشة مع «الراي» ان موضوع اختيار رئيس للحكومة، وتشكيل حكومة جديدة، «أمر يعود للبنانيين وحدهم».
وعن موقف الولايات المتحدة من امكانية ترشيح الكتل البرلمانية المقاول سمير الخطيب، رد المسؤول ان «الامر يعود للبنانيين، وسنرى ان كان المتظاهرون ضد الطبقة السياسية الحاكمة سيرضون باعادة تشكيل حكومة من الطبقة السياسية نفسها، ولكن باسماء مختلفة».
واشار الى نجاح وزارتي الخارجية والدفاع الاميركيتين في تذليل ما وصفها بـ«عقبات ادارية» كانت أدت الى «مراجعة» وتعليق المساعدة الاميركية السنوية للجيش اللبناني، والبالغة 105 ملايين دولار. وقال ان تعليق المساعدات لفترة وجيزة لم يؤد الى أي تأخير لمواعيد تسلم اللبنانيين لهذه المساعدات، وان «عودة المساعدات هو دليل تمسك الولايات المتحدة بعلاقتها مع دولة لبنان، وسعيها لدعم مؤسساته وسيادتها، ولاستقرار البلاد».
واضاف ان الموقف الاميركي لم يتغير قبل اندلاع التظاهرات، ولا بعدها، وان واشنطن «تؤيد حق اللبنانيين بالتظاهر بسلام والتعبير عن رأيهم بأمان».
ولأن الموقف لم يتغير، لا تزال الولايات المتحدة ترى في «حزب الله» عاملاً لتقويض الاستقرار في «لبنان والمنطقة وبقية العالم». ولفت المسؤول الى حكم صدر عن محكمة اميركية اظهر ان «حزب الله» عمل على تجنيد وتدريب عناصر داخل الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد «الطبيعة الارهابية» للحزب، و«نشاطه الذي يتعدى لبنان ويصل كل دول العالم»، حسب المسؤول، الذي لفت ايضاً الى تقارير اشارت ان للحزب رجل دين كلفته طهران ادارة الملف العراقي، وقد عمل على الاشراف على عمليات القمع الدموية والخطف والتصفيات التي قامت بها جهات مسلحة ضد المتظاهرين.
والثلاثاء، حكم قاض اتّحادي في نيويورك، بالسجن 40 عاما على أميركي من أصل لبناني، بعد إدانته في مايو بالتورّط في التحضير لاعتداءات لمصلحة «حزب الله».
وقال المدّعي الاتّحادي في مانهاتن في بيان إنّ «منظّمة الجهاد الإسلامي التابعة لحزب الله جنّدت علي كوراني ودرّبته وأرسلته، للتخطيط وتنفيذ أعمال إرهابيّة في منطقة نيويورك».
وأضاف «بعد سنوات قضاها في مراقبة البُنية التحتيّة الحيويّة للمدينة من مبان فيديراليّة ومطارات دوليّة وحتّى دور الحضانة، أصبح الآن أوّلَ عميلٍ للمنظّمة تتمّ إدانته بسبب جرائمه في الولايات المتحدة».
وبحسب التحقيق، وصل كوراني (35 عاماً) المولود في لبنان إلى الولايات المتحدة عام 2003، ثمّ حصل على الجنسيّة عام 2009، وقد أقدَم خصوصاً على جمع معلومات عن الأمن وطريقة العمل في مطارات عدّة، بينها مطار كنيدي في نيويورك، وراقب مباني عائدة لقوّات الأمن في مانهاتن وبروكلين.
وحملت نشاطات الحزب، التي تتعدى حدود لبنان، المسؤولين الاميركيين على عقد لقاءات مع نظرائهم الاوروبيين، الاسبوع الماضي. وتم التطرق فيها الى قرار المانيا درس إضافة «الجناح السياسي» لـ«حزب الله» الى لائحة «التنظيمات الارهابية».
لهذا السبب، تتمسك الولايات المتحدة بسياستها التقليدية تجاه لبنان، والقائلة بدعم دولته وقواته الأمنية، وزيادة الضغط على «حزب الله» وعلى أي جهات غير حكومية قادرة على ممارسة العنف داخل لبنان او خارجه.
اما عن الأزمة الاقتصادية، فيعتقد المسؤول انها مزيج من فساد داخلي، ولا استقرار يفرضه «حزب الله»، فضلاً عن انهيار الاقتصاد السوري الذي يجرّ معه نظيره اللبناني نحو الهاوية.
ويختم المسؤول ان اميركا «مستعدة لمساعدة لبنان ان قرر لبنان ان يساعد نفسه»، وانه سبق لواشنطن ان تعهدت بمساهمة مالية كبيرة كجزء من رزمة المساعدات الدولية (سيدر)، والتي ستقدم للبنان 11 مليار دولار، شرط قيام حكومته بحزمة من الاصلاحات الادارية ومكافحة الفساد وخصخصة بعض مرافق القطاع العام.
لكن واشنطن ترى الفارق واضحاً بين دعمها لبنان وممارستها سياسة الضغط الاقصى على إيران وميليشياتها حول المنطقة، وهو ما يعني انه في وقت تقدم واشنطن مساعدات سنوية عسكرية ومالية للبنان، تواصل الوكالات الحكومية مراقبة النشاطات المالية لـ«حزب الله» وكل الكيانات المرتبطة به، من الافراد والمؤسسات.
وفي هذا السياق، تتردد في العاصمة الاميركية تقارير مفادها بأن واشنطن اقتربت من الاعلان عن فرض عقوبات على «كيانات» لبنانية بسبب ارتباطها بالحزب، لكن المسؤولين رفضوا اعطاء أي تاريخ محدد لذلك.

Since December 2008