الأحد، 31 يوليو 2016

تخفيض تصنيف «النصرة» من مستوى «داعش» إلى... «حزب الله»

| لندن - من حسين عبدالحسين |

منذ مايو الماضي دأبت «الراي»، خصوصا في تقاريرها من العاصمة البريطانية، على الاشارة الى ديبلوماسية حثيثة تجري خلف الكواليس من اجل اقناع «جبهة النصرة» بالانفصال عن «تنظيم القاعدة»، وتحويل نفسها الى فصيل سوري محلي، مقابل تراجع دولي عن تصنيفها مجموعة ارهابية على مستوى تنظيم «الجبهة الاسلامية» (داعش)، والتعامل معها بطريقة تشبه تعامل عواصم العالم مع «حزب الله» اللبناني، الذي على الرغم من وجوده على لائحة التنظيمات الارهابية الاميركية، الا ان واشنطن والعواصم الغربية تتواصل معه بطرق مختلفة مباشرة وغير مباشرة.

فللولايات المتحدة مثلا اقنية متعددة غير مباشرة مع الحزب اللبناني، ابرزها عبر «استخبارات الجيش اللبناني» وعبر العلاقة الشخصية التي تجمع وزيري الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الايراني جواد ظريف، اللذين يتواصلا غالبا عبر الايميل. ولطالما تم توظيف هذه القنوات الاميركية مع «حزب الله» لتدارك اي تصعيد محتمل للحزب مع اسرائيل، مثلما حصل اثناء ما تعتبره المصادر الاميركية «المواجهة المضبوطة» بين الطرفين ابان قيام الحزب بالرد على مقتل قيادييه في غارة اسرائيلية على الجولان السوري.

ومثلما تتواصل أميركا مع «حزب الله»، كذلك سبق ان تواصلت - عبر عواصم خليجية وانقرة - مع «جبهة النصرة»، مثل في عملية افراج الجبهة عن رهائن اميركيين كانوا في حوزتها.

ومنذ مطلع العام الماضي، دأبت العواصم المذكورة على اقناع الجبهة بالانفصال عن «القاعدة»، وأطلّ زعيم «الجبهة» المعروف بـ «أبي محمد الجولاني» في مقابلة تلفزيونية نادرة اعتقد كثيرون اثناءها انه سيتخلى فيها عن التنظيم العالمي. لكن «الجولاني» جدد «بيعته» لزعيم «القاعدة» المصري المتواري عن الانظار ايمن الظواهري.

على ان عناد «الجولاني» لم يثن الديبلوماسية الدولية عن الاستمرار في الضغط عليه للانفصال عن «القاعدة»، وهو ما يبدو انه تحقق اخيرا بعدما ايقنت «النصرة» ان أميركا وروسيا كانتا في الطريق لاتمام اتفاقية تعاون عسكري تنهي الاثنين: «داعش» و«النصرة».

ومنذ ارتفاع عدد التقارير التي تشير الى اقتراب انهيار «داعش» مع نهاية العام الحالي، سارعت واشنطن وموسكو لاتمام الخطوات المطلوبة لملأ الفراغ الذي سيتسبب به انهيار «الدولة الاسلامية»: اميركا تسعى الى اعداد جبهة من الثوار المعتدلين التي يمكنها الامساك بالاراضي التي سيخسرها «داعش»، فيما تسعى روسيا للقضاء على هؤلاء الثوار لتأكيد ان الوريث الوحيد لـ «داعش» والثوار السوريين هو الرئيس السوري بشار الأسد.

لكن مع الانعطافة التي أعلنها «الجولاني»، الذي كشف وجهه وهويته ليتبين ان اسمه احمد الشرع، قد يساهم ذلك في زيادة الدعم الاقليمي العسكري والمالي له، برضى أميركي، بهدف تأكيد ان ثوار سورية سيحلون محل «داعش» بعد انهياره، وانهم سيقفون في وجه الأسد لتثبيت خطوط الجبهة، واقناع روسيا ان الحسم بات متعذرا، وان الحل الوحيد المتاح هو المفاوضات.

لكن المعارضين السوريين المنتشرين في العواصم الغربية يخشون من ان تتأخر نتائج انعطافة «الجولاني»، فيتأخر التسليح للثوار الذين اصبحوا بحاجة ماسة لامدادات للدفاع عن حلب الشرقية، التي اطبقت الحصار عليها قوات الأسد والميليشيات الشيعية المتحالفة معها والتابعة لايران. ويخشى المعارضون السوريون كذلك ان يتردد الغرب في اعتبار اطلالة الشرع وكأنها تراجعا عن «الجهاد العالمي»، اذ ان الاخير أطل تلفزيونيا وهو يرتدي زيا عسكريا وعمامة بيضاء ذكرت الكثيرين بزي مؤسس «القاعدة» الراحل اسامة بن لادن.

على ان مصادر وزارة الخارجية البريطانية قالت للـ «الراي» ان عملية ابعاد المقاتلين المعتدلين عن المجموعات المتطرفة هي عملية تحتاج الى متابعة وتطوير، وان سياسة الابعاد هذه يتبناها الغرب منذ اكثر من خمس سنوات، وان التواصل مع الشرع سيستمر لتحويله الى مجموعة سورية معتدلة، لا تعارض «الجهاد العالمي» فحسب، بل تقبل بسورية تعددية، وهذه خطوة اولى تجاه اشراك المجموعات السورية المعارضة للأسد في مفاوضات مع نظامه للتباحث في مستقبل البلاد بعد خروجه من الحكم.

ولاحظت «الراي» ان مسؤولي «الملف السوري» في الخارجية البريطانية مازالوا هم انفسهم على رغم تسلم بوريس جونسون وزارة الخارجية قبل اسابيع.

وجونسون كان معروفا بتأييده للأسد، لكنه منذ وصوله الوزارة، انقلب في مواقفه، وتبنى الموقف البريطاني التقليدي، القاضي بضرورة رحيل الأسد كشرط لأي تسوية، وهو ما يعكس بقاء مسؤولي سورية في الخارجية انفسهم، وتاليا استمرار لندن في سياستها السابقة، والتي كانت تسعى لاستحداث «جناح سياسي» في «النصرة» يمكن للبريطانيين الحوار معه، على غرار «الجناح السياسي» لـ «حزب الله» اللبناني، الذي يعقد المسؤولون البريطانيون محادثات دورية مع مسؤوليه المفترضين.

الجيش المصري والشعب التركي

حسين عبدالحسين

يوم كان الانقلاب في تركيا جارياً وخرج المدنيون الاتراك ليتصدوا له، لخّص احد كبار المسؤولين الاميركيين، في مجلس خاص، المشهد الديموقراطي في الشرق الاوسط بالقول انه “في مصر، تغلب الجيش على الشعب، اما في تركيا، فالشعب هو الذي تغلب على الجيش”.

هذا النوع من المواقف الصادقة يطلقه المسؤولون الاميركيون امام اقاربهم واصدقائهم، اما في العلن، راح وزير الخارجية جون كيري يهدد تركيا باحتمال اخراجها من “تحالف الأطلسي” في حال تابعت الحكومة عملية تثبيت الوضع ومحاسبة الانقلابيين. أميركا تريد ديموقراطية، وهي غير مستعدة للوقوف صامتة امام الديكتاتورية التي ينوي اقامتها رئيس تركيا رجب طيب اردوغان، او هذه على الأقل الرسالة التي عممتها الادارة الاميركية على الاعلام، وعلى المقربين منها. 

بعد ايام قليلة على تهديداته لتركيا واصراره الدفاع عن ديموقراطيتها، استقبل كيري نظيره المصري سامح شكري في مكتبه في الوزارة، على هامش مؤتمر انعقد في العاصمة الاميركية للتباحث في تطورات الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية” داعش، ولجمع التبرعات للعراقيين لمرحلة ما بعد تحرير مناطقهم من قبضة التنظيم المذكور. 

امام شكري، وقف كيري، الاسبوع الماضي، يقول: “نحن نتطلع قدما للعمل عن كثب لمعالجة التحديات التي تعرف مصر انها تواجهها في ما يتعلق بالمساحة السياسية والقدرة على حضن آمال الشعب وطموحاته لاتمام انتقالهم نحو عملية ديموقراطية كاملة”.،واضاف كيري ان الحكومة المصرية “تلتزم (عملية) الانتقال صعب” الى الديموقراطية، وتابع بالقول “تحدثنا بصراحة عن التحديات المحيطة بالمساحة السياسية”.

اما اهمية مصر، بالنسبة للولايات المتحدة، فلّخصها كيري بالقول ان في مصر يعيش “ربع العرب”، وان القاهرة ”تلعب دورا هاما مع الولايات المتحدة، لا في مكافحة الارهاب فحسب، بل في العملية السلمية مع اسرائيل”.

ربما يعتقد كيري ان الناس اغبياء او ان ذاكرتهم قصيرة. ربما نسي كيري ان ادارة الرئيس باراك أوباما، وعلى اثر الانقلاب الذي قام به وزير الدفاع حينها ورئيس مصر اليوم عبدالفتاح السيسي ضد رئيسها السابق محمد مرسي، أعلنت نيتها تعليق المساعدات العسكرية للقاهرة واجراء عملية اعادة تقييم للعلاقات بين البلدين. ثم بعد ان خمدت النقمة الشعبية العالمية على انقلاب السيسي، تسللت الادارة الاميركية سّرا الى القاهرة، وطلبت من السيسي السماح، ومازال العالم حتى الآن بانتظار نتائج ذلك “التحقيق” الاميركي حول الانقلاب المصري.

ولم تبتلع ادارة أوباما انقلاب السيسي فحسب، بل كافأته باستئناف المساعدات الاميركية الى مصر، بما في ذلك تزويد جيشه بأحدث التقنيات العسكرية. 

وكما على مدى السنتين الماضيتين، كذلك اليوم، يبدو ان الحكومة الاميركية ما زالت تستغبي البشر، فكيري في استقباله شكري لم يتفوه بكلمة حول تجاوزات نظام السيسي لحقوق الانسان، حسب كل المنظمات الدولية، ولم تثر واشنطن مقتل ذاك الشاب الايطالي، ولا حتى أثار موضوع كيري اقفال القاهرة ابوابها في وجه جمعيات المجتمع المدني الاميركية التي كانت تعمل مع نظيرتها المصرية لتدريبها على شؤون الديموقراطية والانتخابات.

استبدل كيري الحديث عن القمع المصري باشارات مبهمة وحديث عن “المساحة السياسية”. وأكد كيري ان نظام السيسي مازال في مرحلة انتقالية، وان السيسي مصمم على الوصول الى الديموقراطية، يوما ما. ثم بعد ان استنفذ بهلوانياته الكلامية في مدح حضن نظام السيسي “لآمال وطموحات” المصريين، كان لا بد من استنباط نقاط ايجابية اخرى، فلم يجد كيري الا الاشادة بسلام مصر مع اسرائيل، بحماية الرئيس السيسي وحكومته.

في تركيا، حيث تصدى المدنيون — من الموالين للحكومة التركية والمعارضين لها — لمقاتلات اف ١٦ ومروحيات بلاك هوك والدبابات، واجهضوا انقلابا عسكريا، وأصروا على حكم المدنيين، يرى كيري ديكتاتورية آتية. وفي مصر، حيث اخرج الجيش رئيسا منتخبا بعربات همفي العسكرية الى سجن من دون محاكمة، وحيث يحكم الفريق السيسي رئيسا من دون برلمان ولا سلطة تشريعية او مراقبة، فعملية انتقالية جارية نحو الديموقراطية.

الثلاثاء، 26 يوليو 2016

«البنتاغون»: لا ثقة مع الروس

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في تصريحات بدت وكأنها تناقِض مواقف زميله وزير الخارجية الأميركي جون كيري، اعتبر وزير الدفاع آشتون كارتر ورئيس الاركان جو دنفورد أن الاتفاقية التي اقترحتها واشنطن على موسكو ليست مبنيّة على ثقة أميركية بالروس، بل على اجراءات وضوابط معينة تسمح للاميركيين بحماية أسرارهم العسكرية.

وجاءت تصريحات مسؤولي وزارة الدفاع «بنتاغون» في مؤتمر صحافي في الوزارة، أول من أمس، في وقت كثر الحديث عن توتر داخل ادارة الرئيس باراك أوباما حول كيفية التعامل مع روسيا في ملف سورية. ويبدو ان أوباما ورئيس موظفيه دينيس ماكدنو ومستشارته للأمن القومي سوزان رايس وكيري يثقون بروسيا، ويعتقدون أنه يمكن التوصّل الى حل سوري بالاتفاق مع موسكو.

ويمكن تلخيص الاقتراح الذي قدمه كيري الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل اسبوعين في موسكو، على انه يهدف الى «توحيد الرؤية والجهود» بين الدولتين تجاه سورية، مع ما يعني ذلك من تحديد الإثنين لأهداف محددة، وتشارك المعلومات الاستخباراتية، واقامة تنسيق عسكري، والضغط على الحلفاء، من اجل فرض تسوية سلمية في سورية.

وبموجب الاقتراح الاميركي، تقوم الدولتان بمشاركة استخباراتية، تهدفان من خلالها الى توحيد تعريف المجموعات الارهابية وتحديد اماكن تواجدها بهدف قصفها جويا وتدميرها. وتلزم واشنطن وموسكو حلفاءهما وقف النار قبل الحصول على موافقة من الغرفة العسكرية الاميركية الروسية المشتركة. بمعنى، تصبح واشنطن شريكة لموسكو في الاماكن التي يمكن السماح لها ولقوات الرئيس السوري بشار الأسد، والقوات المتحالفة معه، باستهدافها.

الرد الروسي جاء على شكل رفض مغلّف بحديث عن التمسّك بالسيادة السورية. وقال بوتين إن قواته تعمل في سورية بطلب من حكومتها، وإن الاقتراح الاميركي يحتاج الى قرار يصدر عن مجلس الأمن، لانه يتجاوز السيادة السورية، وإن صلاحية مجلس الأمن بتجاوز سيادة الحكومات تنحصر في حال هددت هذه الحكومات الأمن العالمي، ولا يمكن تجاوز السيادة في حالات اخرى، خصوصا في حالات تتعلق بالشؤون الداخلية للدول، إذ من الواضح لدى بوتين ان الحكومة السورية تواجه خطرا داخليا، وانه يمكنها وحدها طلب المساعدة من المجتمع الدولي، وان العالم لا يمكنه فرض المساعدة او اي املاءات عليها.

وسرت في العاصمة الاميركية تقارير، لم تتمكن «الراي» من المصادقة على صحّتها، مفادها ان «بوتين عرض على كيري الحصول على موافقة من الحكومة السورية من اجل المضي قدما بعملية توحيد الجهود للقضاء على الارهاب». بكلام آخر، يعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان بوتين عرض على كيري الموافقة على طلب واشنطن لناحية وقف الأسد هجماته ضد معارضيه، في حال وافقت أميركا على ادخال الأسد في غرفة العمليات الاميركية - السورية المشتركة.

واعتبر بوتين - حسب المصادر نفسها - انه اذا كانت أميركا تريد تصويب الخيارات في استهداف الارهابيين وتفادي استهداف غير الارهابيين داخل سورية، فيمكن للأسد المساهمة في صناعة القرار، الذي تدعو اميركا روسيا إلى مطالبة الأسد بالالتزام به، والمساهمة في تطبيقه.

ويبدو ان رد بوتين حطّم آمال كيري، الذي عاد الى واشنطن خالي الوفاض، واقترح على الفور العمل على خطة بديلة تضمن ان»جبهة النصرة»لن تملأ الفراغ الذي سيخلفه انهيار تنظيم»الدولة الاسلامية»(داعش)، وهو انهيار صارت غالبية المسؤولين الاميركيين تعتقد انه قد يحصل في اية لحظة.

وامام خيبة كيري، انتفض جناح آخر داخل ادارة أوباما، بقيادة كارتر ودنفورد، ودعْم المبعوثة الى الأمم المتحدة سامنثا باور. ويعتقد هذا الجناح ان التجربة الماضية مع بوتين تشير الى انه لا يمكن الوثوق بموسكو، وان الروس- في كل مرة يقدم فيها الأميركيون تنازلات في قرارات ما - لا يلتزمون الشق المتعلق بهم ولا يستطيعون الحفاظ على الهدنة التي يعدون بأنها ستبدأ يوماً بعد يوم في سورية.

ويرى الجناح المناوئ لأوباما وكيري ان لبوتين موقف واحد، وهو انه يعتقد انه سيخرج منتصرا في سورية، وسيبقي الأسد رئيسا، وان الطريقة الوحيدة للتصدي له هي بإظهار بعض الحزم والقوة، ودعم المجموعات السورية المعارضة لملأ الفراغ الذي سيخلفه»داعش»والمساهمة في التصدي لـ»النصرة».

وعلمت»الراي»في هذا السياق ان السعي الغربي - خصوصا الاوروبي - ينصبّ على بناء قوى سورية إسلامية معتدلة يمكنها حمل لواء المعارضة، بدلا من»داعش»و»النصرة». وكان حلفاء أميركا حاولوا تسويق عدد من هذه الفصائل، مثل حركة»أحرار الشام»، التي سبق للناطق باسمها لبيب النحاس ان زار واشنطن قبل اشهر.

ويعتقد الغربيون ان الولاءات داخل الفصائل السورية ليست ثابتة، وانه يمكن استقطاب مقاتلين من فصيل الى آخر شرط اظهار الدعم الثابت ماليا وعسكريا. أما الشرط المطلوب من الفصائل الاسلامية المعتدلة المزمع انشاؤها فهو التخلي عن شعار اقامة دولة اسلامية، وحصر اهدافها بالحدود السورية فحسب.

وسبق للـ»الراي»ان اشارت الى فكّ»النصرة»ارتباطها بتنظيم»القاعدة»، والتقارير الواردة الى العواصم الغربية تشير الى ان»تغييرا كبيرا مقبلا على شكل وطبيعة الفصائل الاسلامية المعارضة في سورية».

الاثنين، 25 يوليو 2016

لماذا رفض بوتين عرض كيري حول سوريا؟

حسين عبدالحسين

يسود العاصمة الاميركية اعتقاد مفاده أن تنظيم "الدولة الاسلامية" سينهار قبل نهاية العام، أو أنه على الأقل سيخسر الموصل ومعظم مناطقه في العراق، وأن وجوده سيتقلص الى جيوب صغيرة في سوريا، بما فيها الرقة وبعض القرى. وعلى أهمية هذه الانباء، تثير تقارير احتمال انهيار "داعش" قلق غالبية مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حول "اليوم التالي" لانهيار التنظيم، والفراغ الذي سيسود من بعده، وامكانية حلول تنظيمات متطرفة أخرى مكانه.

سدّ الفراغ الذي سيخلّفه انهيار "داعش" يستدعي سلسلة من الاجراءات على مستويات مختلفة، مالية واجتماعية وانسانية وعسكرية وسياسية. ولتفادي انهيار يشبه انهيار نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عقدت الولايات المتحدة مؤتمر الدول المانحة لتمويل برامج في المناطق التي يتم تحريرها من قبضة "داعش" في العراق، وأعلنت أن هدفها هو جمع ملياري دولار لتمويل اعمال الاغاثة الانسانية، واعادة البناء، واقامة حكومات محلية قادرة على ادارة هذه المناطق وشؤونها. 

كذلك تعمل الادارة الاميركية على اقناع الحكومة الفدرالية في بغداد، التي تسيطر عليها الغالبية الشيعية، على ضرورة تقديم تنازلات للحكومات المحلية في المناطق التي يتم تحريرها من "داعش"، وهي ذات غالبية سنية. والى قيام حكومات محلية، تسعى الولايات المتحدة الى انشاء وحدات شرطة، وربما "حرس وطني" من مقاتلي العشائر السنية، على أمل ان تقوم هذه بضبط الأمن، بدلاً من القوات الحكومية وميليشيات "الحشد الشعبي"، التي تشير التقارير الى قيامها بأعمال انتقام وتعذيب واعتقالات تعسفية بحق مدنيي المناطق العراقية المحررة من "داعش". 

هذا في الجانبين الانساني والسياسي.

أما في الجانب العسكري، فتخشى واشنطن أن تقوم مجموعات اسلامية متطرفة بملء الفراغ الذي سينتج عن انهيار "داعش"، خصوصاً في سوريا. وتتصدر "جبهة النصرة"، التابعة لتنظيم "القاعدة"، لائحة الفصائل المرشحة للاستيلاء على المناطق السورية المحررة من "داعش".

ولتفادي حلول النصرة محل "داعش"، عمدت وزارة الدفاع الاميركية الى تمويل وتسليح فصائل كردية، وبعض المجموعات العربية التابعة لها، لاعتقاد الاميركيين ان الاكراد لا يقاتلون خارج الاراضي التي يسعون الى ضمّها لاقليم "كردستان السوري"، الذي ينوون إقامته، أي إنهم سيحصرون قتالهم شرق نهر الفرات. لذا، كان لا بد من تجنيد بعض المقاتلين العرب للتوغل غرب الفرات في الشمال السوري، والاستيلاء على نقاط استراتيجية، مثل منبج، تمنع -في حال انهيار "داعش"- هجوما باتجاه الشرق يمكن ان تشنه "النصرة" المتمركزة في الشمال الغربي.

لكن بسبب مواقفها المتقلبة في العراق منذ العام ٢٠١٠ وفي سوريا منذ اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في العام ٢٠١١، تعاني الولايات المتحدة من شحّ في الحلفاء المقاتلين على الارض، وهي على الرغم من تكرار مسؤوليها الحديث عن "شركائنا العراقيين وشركائنا السوريين"، أي المقاتلين، إلا أن برامجها المخصصة لتسليح وتدريب "المعارضة المعتدلة" منيت بفشل ذريع.

هكذا، ترى واشنطن انه لا بد من القضاء على "جبهة النصرة" في عملية متزامنة مع انهاء "داعش". لكن بسبب انعدام الامكانات الاميركية للتخلص من "النصرة"، ابتكرت الديبلوماسية الاميركية حلاً أربك الحلفاء ولم يرض الخصوم، فواشنطن أبدت استعداداً لتعاون عسكري مع روسيا، بتقديمها معلوماتها الاستخباراتية حول اماكن تواجد "النصرة" في الشمال السوري، وهو ما كان مطلباً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الاسابيع الاولى لاشتراك جيشه في الحرب السورية الخريف الماضي.

طرح كيري اقتراحه على نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي ابدى موافقة مشروطة بتوسيع التعاون الاميركي - الروسي، فرمى كيري بتنظيمي "جيش الاسلام" و"أحرار الشام" في الخطة، التي حملها الى موسكو وقدمها لبوتين.

لكن مثلما اعتقد أوباما ان بوتين في موقف ضعف يوم ناشده التوصل الى حل في سوريا الصيف الماضي، اعتقد بوتين ان أميركا اليوم في موقف ضعيف، واجاب كيري ان العرض الاميركي "مثير للاهتمام ولكنه غير كاف". وطالب بوتين بمعلومات أميركا عن "داعش" و"النصرة" و"الاحرار" و"جيش الاسلام" في عموم سوريا، لا في المناطق المجاورة لـ"داعش" فحسب.

ثم إن بوتين رفض اقتراح كيري مبادلة المعلومات الاميركية حول "النصرة" وحلفائها بوقف الضربات الروسية للمجموعات التي تعلنها أميركا من "المعارضة السورية المعتدلة"، وقال ان موسكو مستعدة لتوسيع عملياتها بالتنسيق مع واشنطن، ولكنها "لن تنتظر الاذن من واشنطن لضرب المناطق التي تعتقد ان فيها ارهابيين في سوريا".

هكذا خرج كيري خالي الوفاض، وقضى بوتين على تعاون اميركي - روسي محتمل كان أثار ذعر حلفاء أميركا في سوريا والمنطقة.

الجمعة، 22 يوليو 2016

التحالف الدولي للقضاء على «داعش» يرحّب بـ «السخاء الكويتي»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

رحّب البيان الختامي لقمة وزراء الداخلية والدفاع للدول المنخرطة في التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) بـ «الرد السخي للدول المانحة في مؤتمر لندن» المخصص للاجئين السوريين، في فبراير الماضي، وفي «المؤتمرات الثلاثة السابقة التي استضافتها الكويت، والتي ساعدت جميعها في معالجة الحالات الملّحة للسوريين».

والكويت هي إحدى الدول الست الراعية للمؤتمر الذي انعقد في العاصمة الأميركية يومي الثلاثاء والخميس بمشاركة ٢٨ دولة وحضور ٨ دول مراقبة.

وشارك في الرعاية، إلى جانب الكويت، كل من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا واليابان وهولندا.

ويسعى المؤتمر إلى جمع ملياري دولار من أجل تمويل إعادة تأهيل المناطق التي يستعيدها التحالف الدولي من «داعش» في العراق، في حين أعلنت الكويت تقديمها ١٧٦ مليون دولار، منها ١٠٠ مليون لدعم القطاع الصحي، و٣٠ مليون دولار للمساعدات الإنسانية للاجئين العراقيين الذي فرّوا من مناطق القتال والمناطق التي يسيطر عليها «داعش»، و٤٦ مليون دولار خصصتها لمعالجة الأوضاع المتدهورة في مدينة الفلوجة والمناطق المحيطة بها، غرب العراق.

وبذلك، بلغت المساعدات الإنسانية التي قدمتها الكويت لسورية والعراق، على مدى السنوات الخمس الماضية، نحو ملياري دولار، في وقت أعلن الوفد الكويتي أن بلاده ستؤجل استيفائها الديون العراقية المتوجبة للكويت، والتي تبلغ دفعتها المقررة ٤,٦ مليار دولار.

وترأس الوفد الكويتي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ خالد الجراح، الذي أدلى بكلمة أثناء اللقاء الثاني للوزراء في وزارة الخارجية، قال فيها إن موقف الكويت «كان ولا يزال وسيبقى ثابتاً إزاء دعم جميع الجهود الدولية والإجراءات المتخذة للقضاء على التنظيمات الإرهابية».

وكان المؤتمر عقد لقاءه الأول في قاعدة اندروز الجوية الثلاثاء الماضي.

واعتبر البيان الختامي لوزراء الدول المشاركة أنه «حتى تكون هزيمة داعش محققة ومؤكدة، يلتزم التحالف مقاربة شاملة، تتضمن تدريب ومساعدة قوات شركائنا العراقيين والسوريين، والتخفيف من وطأة الأعمال العسكرية على المدنيين، وإعداد المطلوب من أجل تثبيت سريع للمناطق التي يتم تحريرها من قبضة داعش».

وأشار البيان إلى التجاوزات التي يعتقد البعض أن ميليشيا «الحشد الشعبي» قامت بها بحق المدنيين العراقيين، على إثر استعادتها مناطق من «داعش». وحضّ البيان على «تفادي أي تجاوزات خلال وبعد الأعمال القتالية، والالتزام بالقانون الدولي للإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان».

وأضاف أن «قوات الحشد والمجموعات المشابهة التي تعمل في العراق يجب أن تكون تحت سيطرة صارمة للحكومة العراقية، ويجب القيام بكل الجهود اللازمة لمنع الاعتقال التعسفي… ومحاسبة المتجاوزين (...) ندعم قرار رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي إنشاء لجنة للتحقيق في الجرائم بحق المدنيين في المناطق المحررة».

وتابع البيان «أن التحالف يدعم قيادة الحكومة العراقية لتحرير الموصل، ويهيب بالدول المانحة الاستعداد لعملية تهجير ممكنة قد تطال مليونا من سكانها». كما دعا «إلى سماح الحكومة العراقية بقيام حكومات محلية في المناطق المحررة».

الانقلاب تركي والنفاق أميركي

حسين عبدالحسين

ان يتأسف كبير الخبراء في “جمعية الدفاع عن الديموقراطيات” جون هانا لرعونة الانقلابيين الاتراك “الذين لم يراعوا القواعد الاساسية للانقلاب” بعدم اعتقالهم رئيسي الدولة والحكومة هو تجلٍ للنفاق، اذ كيف يمكن ان يعمل في جمعية تدّعي الدفاع عن الديموقراطيات حول العالم، ويتمنى في الوقت نفسه لو نال انقلابيو تركيا من رئيسها وحكومتها المنتخبين؟

وحتى لا نظلم الصديق هانا، ربما أخذته حماسته “الاستراتيجية” في مقالته في “فورين بوليسي” ضد رئيس تركيا رجب طيب اردوغان، لكن من المفيد ان نتذكر ان السيد هانا نفسه كان من ركائز سياسة “نشر الديموقراطية”، التي انتهجها الرئيس السابق جورج بوش الابن.

وهانا كان يعمل مستشارا للأمن القومي لنائب الرئيس ديك تشيني، وهو أدى مع مسؤول الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي اليوت ابرامز دورا حاسما في قيادة معسكر المحافظين الجدد، الى ان انقلب بوش على هذا المعسكر داخل ادارته، فطرد وزير الدفاع دونالد رامسفلد واقصى تشيني، وسلّم الدفة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، التي قلبت بدروها السياسة الخارجية، وافتتحت سياسة “الانخراط” مع الرئيس السوري بشار الأسد في العام ٢٠٠٧ بعد سنتين على عزلته التي تلت اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري.

وللانصاف ايضا، لا بد من القول ان ابرامز، صديق اسرائيل الاول منذ الثمانينات، مازال ملتزما مبادئه تجاه الديموقراطية، فهو من اليمينيين القلائل ممن عاكسوا اسرائيل بوقوفه ضد انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، ووقع ابرامز عرائض تطالب برحيل الأسد، وتطالب الحكومة الاميركية باستقبال لاجئين سوريين، مشبها اياهم باللاجئين اليهود الذين حاولوا الهروب من اوروبا النازية ليجدوا ابواب اميركا موصدة في وجوههم.

لكن امثال ابرامز المبدئيين (بغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع مواقفه) من القلائل، وهو ما يعني تفشي حالة من النفاق العام بين المسؤولين الاميركيين، الحاليين والسابقين، والخبراء والاعلاميين، خصوصا المعنيين منهم بالسياسة الخارجية. هؤلاء يتأرجحون بين المطالبة بالديموقراطية، عندما تناسبهم، وتناسيها وتأييد العسكر “العلماني” و”حامي الاقليات”، عندما يناسبهم ذلك ايضا.

“خبير” أميركي آخر يعمل في معهد “اميريكان انتربرايز” اليميني ويكتب في “فورين بوليسي”، مثل هانا، وأيد حرب العراق و”نشر الديموقراطية” هو مايكل روبن، الذي نشر مقالة اعتبر فيها ان على اردوغان ان “يلوم نفسه” للانقلاب الذي وقع ضده. 

وانضم روبن الى هانا وجوقة المصرّين على اعتبار اردوغان ديكتاتور، وكتب: “هناك مشكلة غرور اردوغان، فهو بعدما فاز وحزبه في انتخابات تلو الانتخابات، تخلى عن التظاهر بأنه يحكم كل الاتراك”. لا يلاحظ السيد روبن ان اتهاماته لاردوغان هي من باب الثرثرة، اذ ماذا يعني ان يمر في مقاله مرور الكرام على انتصارات اردوغان الانتخابية، وكأن الأمر تحصيل حاصل، ثم يحصر انتقاده للرئيس التركي بصفات، لا تعريف سياسياً لها، مثل مغرور؟

هذه عينة من اليمين الاميركي، الذي يفترض انه يدعم الديموقراطية ونشرها حول العالم، مقارنة باليسار الاميركي، الذي يلعن الديموقراطية منذ زمن بعيد، ويتمسك بالأسد وامثاله، حسبما يبدو جليا من سياسات الرئيس باراك أوباما “اليساري” وفريقه.

ومن المفهوم ان يعلن “اصدقاء الديموقراطية” في العراق وايران، مثل هانا وروبن، معارضتهم لاردوغان. لكن اليسار الاميركي يعارض محاولة اردوغان المزعومة تحويل الديموقراطية التركية الى ديكتاتورية، وهذا اليسار نفسه لا يؤيد الديموقراطية اصلا، بل يناصر الديكتاتوريات حول العالم على انواعها، من ميانمار الى ايران فكوبا مرورا بسوريا.

ربما هو الاسلام الذي يزعج يمين أميركا ويسارها، أكان اسلاماً ديكتاتورياً ام ديموقراطياً ام بين بين. لكن اليمين الاميركي لطالما تغنى بتركيا المسلمة كنموذج للديموقراطية، حسب عرّاب هذا اليمين المؤرخ برنارد لويس، الذي تجاوز المئة من عمره.

الاسباب كثيرة ولامجال لبحثها هنا، لكن العداء الاميركي، من اليمين واليسار، لرئيس تركيا وحكومتها هو عداء فاضح. حتى قناة اخبار “اي بي سي ٧” المحلية افتتحت نشرتها بالقول ان “رئيس تركيا يحكم قبضته على البلاد بعد انقلاب”. صحيح ان انقلاب العسكر وقع في تركيا، لكن النفاق حول الديموقراطية هو في أميركا.

الخميس، 21 يوليو 2016

خبراء يرجحون تراجع ترامب عن مواقفه في السياسة الخارجية في حال انتخابه

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لا يفوت المراقبون الاميركيون ان الشعارات التي أطلقها المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب تتناقض بشكل كبير مع السياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة، والاهم انها تتناقض مع السياسة الخارجية التي يتبناها الحزب الجمهوري، ماضيا وحاضرا.

فعلى عكس تبني اليمين الاميركي والحزب الجمهوري تقليديا التجارة الحرة، بنى ترامب صعوده شعبيا على معارضة هذا النوع من التجارة، وحمّلها مسؤولية هروب المصانع الاميركية، وتاليا الوظائف المتاحة للاميركيين، الى دول اخرى غير أميركا. ووعد ترامب باغلاق الحدود الاميركية امام الواردات الاجنبية، وذلك عن طريق فرض رسوم جمركية مرتفعة. كما وعد باخراج اميركا من اتفاقيات التجارة الحرة مثل نافتا، التي تضم اميركا وكندا والمكسيك، و”اتفاقية الشراكة عبر الهادئ”، التي تجمع الولايات المتحدة مع ١١ دولة اخرى، بما فيها اليابان صاحبة ثالث اكبر اقتصاد في العالم. وتمثل الدول الموقعة على الشراكة عبر الهادئ ٤٠ في المئة من اجمالي الاقتصاد العالمي.

وكما في التجارة، كذلك في السياسة الخارجية عموما، وعد ترامب بالانسحاب من «تحالف الاطلسي»، الذي يضم أميركا ودول غرب اوروبا وتركيا. كما يخالف ترامب عقيدة الحزب الجمهوري التي تنص على ضرورة قيام أميركا بدعم الديموقراطية وحقوق الانسان حول العالم، واستخدام القوة العسكري لتحقيق الاهداف الاميركية. وترامب هو من الجمهوريين القلائل ممن يتباهون بمعارضته حرب العراق في العام ٢٠٠٣.

مستقبلا، وعد ترامب بعزل اميركا عن شؤون العالم، والتفرغ لشؤون الولايات المتحدة الداخلية، وهو وعد يتناقض تماما مع عقود من سياسة الحزب الجمهوري واليمين الاميركي بشكل عام.

لكن مواقف ترامب يبدو انها تقتصر على الشعارات، فهو اوعز لمساعديه بالبقاء خارج عملية كتابة بيان الحزب العام، ما سمح للجمهوريين بتضمين البيان مواقف اميركية تقليدية لناحية الدور الذي من المفترض ان تلعبه الولايات المتحدة كزعيمة للعالم.

وفي خطابات المؤتمر العام للحزب الجمهوري، الذي انعقد على مدى اربعة ايام الاسبوع الماضي، لم يلتزم اي من المتحدثين الكبار، وكان ابرزهم رئيس الكونغرس بول ريان، بمواقف ترامب في الشؤون الخارجية، بل اعاد ارفع مسؤول جمهوري في البلاد بالتذكير بالمواقف التقليدية لحزبه، والقاضية بالحفاظ على تفوق أميركا العسكري حول العالم، وحفاظها على قواعدها المنتشرة حول المعمورة، وتقديم الدعم العسكري والمالي والديبلوماسي للحلفاء، ومواجهة الدول غير الصديقة، ودعم برامج حقوق الانسان والديموقراطية، وكلها مواقف تتناقض كليا مع ما دأب ترامب على تكراره.

لكن ان كان ترامب يتمسك بوعوده القاضية بعزل اميركا دوليا واغلاقها حدودها امام حركة البضائع والناس من والى داخل البلاد، فلماذا يلتزم الصمت فيما الحزب ورئيس الكونغرس يقرّون مواقفا مناقضة لمواقفه؟

الاجابة، حسب غالبية المراقبين الاميركيين، تكمن في ان وعود المرشح الجمهوري للرئاسة في الانتخابات المقررة في ٨ نوفمبر هي وعود شعبوية من اجل كسب الاصوات فحسب.

ويمكن تكهن كيف سيتراجع ترامب عن مواقفه الشعبوية في السياسة الخارجية، وكيف سيتمسك بسياسة الولايات المتحدة الخارجية التقليدية - التي بالكاد تختلف بين الحزبين - بالنظر الى اداء وزير الخارجية البريطاني الجديد بوريس جونسون، الذي وقف مع نظيره الاميركي جون كيري في لندن، وتخلى عن كل مواقفه السابقة التي كان اطلقها والتي كانت تظهر عداء يقارب العنصرية ضد الرئيس باراك أوباما، مستهزءا بجذوره الكينية. كما سبق ان هاجم جونسون المرشحة الديموقراطية للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.

لكن الصراخ الشعبوي والوعود الانتخابية شيء، والمواقف في موقع المسؤولية شيء آخر. هكذا كاد يعتذر جونسون عن كل مواقفه السابقة، واعتبر بدلا عنها ان التحالف البريطاني مع اميركا قديم ومتين.

ويلفت المراقبون في هذا السياق الى الهفوة التي يعتقد البعض انها كلف ميت رومني الانتخابات برمتها العام ٢٠١٢. فاثناء مقابلة تلفزيونية، قال مدير حملة رومني ان المواقف المتطرفة التي تبناها مرشحه اثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري تم تجاوزها مثل «اتش اي سكتش» (لعبة الرسم في الرمل)، وان مواقف رومني ستكون مختلفة بعد نيله الترشيح، وهو ما ابعد قطاعات واسعة من اليمين المتطرف الذي كان أيد رومني.

ربما يدرك ترامب ان الوقت مازال مبكرا لاعلان ان مواقفه في السياسة الخارجية، والتي تناقض اكثر من قرن من المواقف الاميركية التقليدية، ستتغير فيما بعد، وربما - مثل جونسون - ينتظر ترامب حتى وصوله السلطة لينسى مواقفه الانتخابية في السياسة الخارجية.

السبت، 16 يوليو 2016

واشنطن اعتقدت الانقلاب هجوماً إرهابياً ... لكن سرعان ما تنفّست الصعداء

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ساعات عصيبة عاشتها الاداراة الاميركية بين تواتر الانباء عن بدء حصول انقلاب عسكري في تركيا، وعودة الرئيس رجب طيب اردوغان الى اسطنبول، فالولايات المتحدة حريصة على استقرار حليفتها وعضو في «التحالف الاطلسي»، والانباء الاولية من تركيا كانت متضاربة بشكل اثار الهلع الاميركي الى حد دفع بوزارة الدفاع الى وضع قواتها المرابطة في تركيا في حالة التأهب القصوى تحسبا للأسوأ.

وسبق لواشنطن ان حذرت انقرة، قبل اشهر، من امكانية وقوع انقلاب في صفوف العسكريين الاتراك، وقامت الادارة بتسريب انطباعاتها حول الوضع التركي المتأزم الى وسائل اعلام اميركية لممارسة بعض الضغط على تركيا. لكن المسؤولين الاتراك كرروا دائما للأميركيين ان وضع بلادهم مستتب، وان الحكومة التركية ممسكة بزمام الامور.

الانباء الاولى التي وردت من تركيا حول قطع جسر البوسفور دفعت الاميركيين للاعتقاد ان اسطنبول كانت تتعرض لهجوم ارهابي اجبرها على نشر الجيش. وحاول المسؤولون العسكريون الاميركيون الاتصال فورا بنظرائهم الاتراك، لكن رئاسة الاركان التركية كانت لا تجيب. وفي وقت لاحق تبين ان الاتقلابيين كانوا احتلوا مقر رئاسة الاركان واتخذوا من قادتها رهائن.

وبسبب الاعتقاد ان تركيا كانت تتعرض لهجوم ارهابي كبير، وبسبب غياب القيادة العسكرية التركية عن الصورة، رفعت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) من تأهب قواتها في تركيا الى مرحلة «عملية دلتا»، وهو ترميز الاستنفار لمواجهة الهجمات الارهابية. وتدارست الوكالات الحكومية الاميركية امكانية ارسال قوة «مارينز» الى تركيا لاجلاء البعثة الديبلوماسية والجالية الاميركية هناك.

لكن الانباء من تركيا بدأت تشير في اتجاه آخر مع اطلالة رئيس حكومة تركيا بن علي يلدريم ليقول ان «انقلاب في طور الحدوث». وعبثا حاول الاميركيون التواصل مع المسؤولين الاتراك للوقوف على الاوضاع، الا ان هؤلاء بقوا غائبين عن السمع، مازاد من قلق واشنطن.

ويبدو الآن ان الانقلاب فاجأ اردوغان واقرب المقربين منه، الذين باشروا في عملية تأكيد الحفاظ على امنه وابعاده عن الانظار حتى تنجلي الامور، تماما مثلما اتخذ الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن من الطائرة الرئاسية مقرا آمنا له اثناء هجمات 11 سبتمبر الى ان انجلت الامور واتضحت ماهية الهجمات وقتذاك.

أردوغان توارى عن الانظار، فيما راح فريقه يتصل بأركان الدولة من المدنيين والعسكريين لمعرفة من معه ومن ضده. وبعد ساعات، حسم اردوغان امره بعدما تأكد انه مازال يتمتع بقوة شعبية وعسكرية وازنة تمكنه من حسم الامور ضد الانقلابيين. لكن واشنطن كانت ما تزال قلقة، وزاد الطين بلة دعوة اردوغان الشعب التركي للتصدي للانقلاب، وهو ما اعطى الانطباع ان الحكومة التركية خسرت تأييدها لدى الجيش بالكامل، وان دعوة الناس للتظاهر هي خط الدفاع الاخير، اذ ان الحكومات غالبا ما تطلب من مواطنيها الابتعاد عن امكان الصراع ريثما تقوم القوات الامنية بالسيطرة عليها. لكن في الحالة التركية كانت الصورة مقلوبة.

في نهاية المطاف، عرف اردوغان انه سيخرج منتصرا، وعاد الى اسطنبول وظهر علنا، ومع ظهوره خفض الاميركيون من درجة تأهب قواتهم، وعادت الاتصالات بين واشنطن وانقرة، وأبدى الاميركيون دعمهم للحكومة التركية، وهو موقف اطلقه البيت الابيض في بيان وصفه بأنه فحوى الحديث بين الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري.

وجاء في البيان ان واشنطن تؤيد الحكومة التركية وتدعو الى «ضبط النفس وتفادي العنف».

وكان كيري أجرى اتصالات مع نظرائه الاوروبيين، الذي ابدوا مواقف مشابهة لناحية دعم الحكومة التركية المنتخبة ضد الانقلابيين.

ومع تقدم ساعات الليل، بدا جليا ان الانقلاب، الذي شغل الاميركيين واجبر كبرى شبكات التلفزة على قطع برامجها واستبدالها ببث مباشر حول التطورات التركية، كان في طريقه الى الانحسار، وهو ما سمح للمسؤولين الاميركيين «بتنفس الصعداء» لعلمهم ان حليفتهم تركيا مازالت متماسكة، وان الانقلاب لم يكن أكثر من زوبعة في فنجان.

الجمعة، 15 يوليو 2016

هل تقيم أنقرة قناة سرّية مع دمشق؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

وسط العاصفة التي أثارتها في واشنطن تصريحات رئيس حكومة تركيا بن علي يلدرم حول نية بلاده اعادة العلاقات مع سورية الى سابق عهدها، تسارعت التقارير حول قناة سرية أقامتها انقرة مع دمشق، مع ما يعني ذلك من امكانية تطبيع تركية مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وكان لافتا في هذا السياق المقالة التي نشرتها في مجلة «فورين بوليسي» الصحافية التركية جيران كينار، واوردت فيها ان رئيس حزب «الوطن» العلماني القومي الكمالي دوغو بيرنشيك، ونائبه الرئيس السابق لاستخبارات الجيش التركي الجنرال اسماعيل حقي، زارا دمشق والتقيا كبار المسؤولين فيها، في طليعتهم علي مملوك ومحمد ديب.

على ان بعض المراقبين الاميركيين قللوا من اهمية زيارة الرجلين، معتبرين ان حزب «الوطن هامشي جدا ولا يتمتع بأي ثقل سياسي او شعبي، و أنه لم يتعد عتبة العشرة في المئة المطلوبة من الاصوات للحصول على مقعد واحد في البرلمان التركي».

وزعمت كينار ان حقي حمل رسائل المسؤولين السوريين الى نظرائهم الاتراك. لكن المقالة نفت، على لسان المسؤولين الاتراك، نيتهم اصلاح العلاقة مع الأسد، وقالوا انهم غالبا ما يعقدون لقاءات مع مجموعة كبيرة من الاتراك ممن يزورون سورية، بمن فيهم سائقو الشاحنات الذين يزعمون ان في حوزتهم معلومات قيمة عن سورية والعراق يرغبون في ايصالها للاجهزة الامنية التركية.

وتساءل احد المسؤولين الاتراك، حسب «فورين بوليسي»، كيف يمكن: «للأسد الذي لا يستطيع ان يحمي الحي الذي يسكن فيه ان يساعد في الحرب (التركية) ضد بي واي دي»، الذي تصنفه انقرة تنظيما ارهابيا.

وتعليقا على الموقف التركي المتذبذب، ذكرت مصادر أميركية لـ «الراي» انه «رغم ان واشنطن تأمل في ان تحل الديبلوماسية مكان لغة الحرب، بهدف التوصل الى حلول، لكن انطباعها هو ان التقارب بين تركيا والأسد ليس في اولويات انقرة حتى الآن».

واضافت انه «بعدما تصالحت تركيا مع روسيا، ولأن انقرة تحتفظ بعلاقات جيدة مع طهران لم تهتز على مدى فترة الاحداث في سورية المندلعة منذ العام 2011، لا حاجة فعلية للاتراك للتقارب مع الأسد، الذي لا يسيطر نظامه على المساحات التي قد يستخدمها الاكراد لشن هجمات ضد تركيا».

واعتبرت ان «الاستخبارات التركية تعلم ان المحرك الابرز للاكراد المعادين لانقرة شمال شرقي سورية هي نظيرتها الايرانية». وتتابع ان «لا مشكلة لانقرة مع فئات واسعة من الاكراد، وان علاقاتها مع حكومة اقليم كردستان العراقية طيبة، وانه يمكن للاتراك الافادة من علاقات واشنطن حليفتهم مع الاكراد كذلك».

وأوضحت: «من يثير المتاعب داخل تركيا هم اكراد على ارتباط بجهات استخبارات اقليمية ذات مقدرة على رعاية هجمات داخل تركيا وتوجيه هذه الهجمات، وأجهزة أمن الأسد غير قادرة على القيام بذلك منذ اندلاع الثورة ضد حكمه».

ويعتقد غالبية الخبراء الاميركيين ان الدافع الابرز خلف عودة تركيا الى سياسة «تصفير العلاقات» مع دول المنطقة والعالم هو دافع اقتصادي اكثر منه أمنيا، خصوصا بسبب تباطؤ الاقتصاد التركي اخيرا وتراجع سعر صرف الليرة التركية امام العملات العالمية، وان انقرة تسعى الى المحافظة على الاسواق العالمية او استعادتها، كما في الحالة الروسية. اما العلاقة مع الأسد، فتأثيراتها الاقتصادية على تركيا شبه معدومة، ما يعني ان انقرة ليست في عجلة من أمرها للبحث جديا في إعادة العلاقة مع نظامه.

حظ سوريا بكيري

حسين عبدالحسين

لم يعد مفهوما ما الذي يفعله وزير الخارجية جون كيري في ديبلوماسيته حول سوريا، فهو يزور موسكو هذا الاسبوع ليستمع منها حول التزامها الهدنة في سوريا، فيما تقوم مقاتلاتها بشن غارات على اريحا في ادلب موقعة عشرات القتلى في صفوف المدنيين.

ولم يعد مفهوما سبب لقاءات كيري مع المسؤولين الروس في وقت أبلغ مسؤول شؤون الشرق الاوسط في “مجلس الأمن القومي” روبرت مالي معارضين سوريين في العاصمة الاميركية ان لا مفاوضات ستنعقد بين المعارضة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد في المدى المنظور.

جلّ ما يفعله كيري هو انه يتصرف كوزير خارجية رديف لروسيا، ففي آخر اطلالاته الاسبوع الماضي، ادلى بتصريحات لطالما حاول الروس تفاديها، اذ قال الوزير الاميركي ان بلاده تنوي مشاركة روسيا معلوماتها الاستخباراتية حول اماكن انتشار المجموعات الارهابية في سوريا، مقابل التزام روسيا والأسد الهدنة.

وكان لافتا في تصريح كيري قوله ان المجموعات الارهابية تشمل، الى تنظيمي “الدولة الاسلامية” (داعش) و“جبهة النصرة”، فصيلي“احرار الشام” و”جيش الاسلام”. والفصيلان لم تضفهما واشنطن الى لائحتها للتنظيمات الارهابية حتى الآن، ما يعني ان تصريح كيري كان بمثابة “اجتهاد شخصي”، ربما بتأثير روسي، وهو ما دفع الناطق باسم وزارة الخارجية جون كيربي الى نفي اقوال معلمه وتأكيد ان أميركا تلتزم بلائحتها الارهابية.

مشكلة كيري تكمن في ثقته المفرطة بنفسه، على الرغم من تواضع حذاقته السياسية والديبلوماسية. وكيري، الذي فاز بترشيح الحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة في العام ٢٠٠٤، ثم انهزم امام احد أقل الرؤساء شعبية في التاريخ الاميركي جورج بوش الابن، كان من اول من تبنوا ترشيح السناتور باراك أوباما في وقت كانت مؤسسة الحزب الديموقراطي تميل تجاه منافسته هيلاري كلينتون.

وكان كيري يأمل ان يختاره أوباما لمنصب نائب رئيس، لكن الاخير ادرك ان من يخسر امام بوش يعاني شعبيا، فآثر أوباما اختيار شخصية شبيهة من “لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ”، التي كان كيري عضوا فيها. هكذا، اختار أوباما رئيس اللجنة جو بايدن، صاحب الخبرة في السياسة الخارجية والمحبوب بين الاميركيين، شريكا له في الترشيح في العام ٢٠٠٨، ووعد كيري بمنصب وزير خارجية.

لكن الاتفاقية التي انسحبت بموجبها كلينتون لمصلحة ترشيح أوباما فرضت كلينتون في منصب وزيرة خارجية، فاكتفى كيري بوراثة منصب بايدن كرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في العام ٢٠٠٨، وراح يتصرف في كثير من الاحيان كوزير خارجية رديف، من قبيل اصراره على رعاية الانفتاح على نظام الأسد وكسر العزلة التي كانت مفروضة عليه منذ اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في العام ٢٠٠٥.

وصدف يوما ان دعا السفير الاسرائيلي كيري الى حفل عشاء، فأصر الاخير على اصطحاب سفير الأسد في واشنطن عماد مصطفى. وكان مصطفى جند اليهود الاميركيين من اصل سوري لتمتين علاقاته مع كبار السياسيين الاميركيين، مثل كيري، ولكسر العزلة التي كانت مفروضة على الأسد.

على ان سفارة اسرائيل رفضت دعوة مصطفى، ولما أصر كيري تحت طائلة تغيبه في حال عدم حضور السفير السوري، اجاب الديبلوماسيون الاسرائيليون: “حضرة السناتور، نحن نود اقامة علاقة طبيعية مع الأسد، لكن في عشاء رسمي، لا يمكننا ان ندعو سفير دولة مازلنا معها في حالة حرب”. وتراجع كيري، وحضر العشاء الاسرائيلي من دون سفير الأسد.

بعد عقود من عمله في مجلس الشيوخ الاميركي، ومع الثروة الكبيرة التي يتمتع بها، كان كيري يأمل في ان يختتم حياته السياسية رئيسا، ولما تعذر فوزه بالانتخابات، سعى لمنصب نائب رئيس، ولما افلت هذا ايضا منه، رضي بوزارة الخارجية، وحتى هذا المنصب الاخير اضطر للانتظار اربع سنوات قبل ان يشغله.

وفي آخر سنوات له في الحياة العامة، اعتقد كيري ان مواهبه ستظهر للعالم، وان حنكته ستحدث اختراقات تغير وجه العالم. لكن طموح كيري في واد، وموهبته الديبلوماسية المتواضعة في واد آخر، فهو بدأ بمحاولة فاشلة لاحداث اختراق فلسطيني - اسرائيلي، ثم توصل لاتفاقية نووية يجمع الاميركيون انها صارت عرجاء جدا وانها لن تمنع تحول ايران الى دولة نووية. ثم جاء الربيع العربي والثورات، ووجد كيري ضالته، فراح يجوب عواصم العالم منصبا نفسه عرابا للحلول التي لم تأت. ثم انتهى به الامر وزيرا رديفا للروس.

بعد رحيل كيري عن الحكم، سيتذكر السوريون انهم الى تخلي معظم العالم عنهم في محنتهم امام دموية قوات الأسد، ابتلوا بوزير خارجية اميركي معجب بنفسه مع قدرات ديبلوماسية متواضعة عمّقت من ازمتهم بدلا من المساهمة في ايجاد حلول لها.

الثلاثاء، 12 يوليو 2016

الأسد يستعجل استعادة أكبر مساحة ممكنة قبل وصول رئيس جديد إلى البيت الابيض

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

تعتقد المصادر الاميركية ان «قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحليفاتها من الميليشيات الإيرانية، تسعى إلى استعادة سيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من الاراضي السورية، قبل وصول رئيس جديد الى البيت الأبيض في يناير المقبل».

وترى المصادر ان «ايران تعتقد انه في غياب المفاجآت، من المرجح ان تنتخب الولايات المتحدة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون رئيسة، والتي ستتبنى سياسة مختلفة الى حد كبير عن سلفها باراك أوباما، تجاه الشرق الاوسط عموما وسورية والعراق خصوصاً».

المساعدة السابقة لوزيرة الدفاع السابق تشاك هيغل، التي من المرجح ان تشغل مناصب قيادية في حال وصول كلينتون الى الرئاسة، ميشال فلورنوي، نشرت في هذا السياق مقالة في صحيفة «واشنطن بوست» كررت فيها الدعوة إلى تغيير السياسة الاميركية في القضاء على تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) في العراق وسورية.

وعكست المقالة دراسة نشرها، مطلع الشهر، مركز أبحاث «دراسات أمنية أميركية»، برعاية فلورنوي ومشاركة 35 من كبار الخبراء والديبلوماسييين والجنرالات السابقين.

وعايشت فلورنوي الأزمة التي أدت الى الاطاحة برئيسها آنذاك هيغل. ومع انه كان يتمتع بصداقة وطيدة مع الرئيس باراك أوباما، منذ ان عمل الرجلان معاً في مجلس الشيوخ قبل العام 2008، إلا ان هايغل تسبّب بطرد نفسه بعدما وجّه رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، سألها فيه أنه في حال قامت قوات الأسد، افتراضياً، بضرب قوات «المعارضة المعتدلة» التي كان مقررا أن تعدّها واشنطن لقتال «داعش»، فهل تؤمن المقاتلات الاميركية غطاء جوياً للمعارضين ضد قوات الأسد. وكانت إجابة رايس على تساؤل هايغل «استقل»، وهو ما فعله الوزير السابق.

فلورنوي تعلم انه من المستحيل إلحاق الهزيمة بالتنظيم في العراق من دون ضربه في سورية، وتعرف ان ضربه في سورية يحتاج الى قوات من العرب السنّة المنخرطين حالياً في الفصائل المعارضة للأسد. وينقل المقرّبون من فلورنوي عنها اعتقادها ان «الأكراد» لا يكفون وحدهم للقضاء على «داعش» في سورية، وانهم لا يقاتلون خارج المناطق التي يعملون على ضمها لإقليمهم الكردي المستقل، ما يعني انهم لن يقاتلوا في الرقة أو دير الزور.

ويعتبر الخبراء الاميركيون ان تجربة الاعتماد على الاكراد في العراق أظهرت انهم ينوون القتال في المناطق التي تعنيهم، وان القضاء على «داعش» يحتاج الى مشاركة العشائر السنّية العراقية.

لذا، ترى فلورنوي - حسب مقالها - أن احدى الخطوات الست الضرورية للقضاء على «داعش» تتمثّل في إعداد قوة سنّية سورية وتسليحها وتأمين غطاء جوي لها، لتكون هذه شريكة لأميركا وقادرة على ضرب «داعش» والوقوف في وجه قوات الأسد.

وكما في سورية، كذلك في العراق، ترغب فلورنوي في اعادة احياء خطة الجنرال مارتن ديمبسي الاساسية لقتال «داعش»، المبنية على تكرار تجربة التحالف الاميركي مع قوات العشائر السنّية، التي عرفت بـ «الصحوات». وبسبب معارضة ايران، وتالياً معارضة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تراجعت ادارة أوباما عن فكرة انشاء «حرس وطني» سنّي مستقل، وعدّلت دعمها للمقاتلين السنّة العراقيين وحصرته بدعم عن طريق الحكومة العراقية، وكذلك الامر بالنسبة للدعم الاميركي للبيشمركة الكردية.

لكن فلورنوي تريد - كما ورد في مقالتها - دعماً اميركياً مباشراً للبيشمركة وقوات السنّة. كما ترغب في إشراك جنود أميركيين، بصفة مستشارين، على ارض المعركة او على صعيد «قادة الكتائب» العسكرية، اي ان الاميركيين يكونون في آخر نقطة محصّنة قبل خط الجبهة، وهو السيناريو الذي رفضه أوباما مراراً.

ومشاركة الاميركيين تمنح مقاتلات التحالف اهدافاً أدق على الارض، ما يعني تكثيف الطلعات الجوية الاميركية، وتالياً زيادة الإنفاق على هذه الطلعات، وهو ما رفضه أوباما وقام بحصر تكاليف الغارات الاميركية وعددها، وهو ما ادى الى خسارة مقاتلين سوريين مناطق كانوا انتزعوها من «داعش»، قبل اسبوعين، بعدما انفضت المقاتلات الاميركية عنهم ووجدوا انفسهم في مواجهة مقاتلي التنظيم من دون غطاء جوي او مدفعي.

تسليح البيشمركة، وإنشاء «حرس وطني» عراقي مستقل من مقاتلي العشائر السنّية، وتسليح المعارضين السوريين وتأمين غطاء جوي لهم على غرار حلفاء أميركا في العراق، كلها خطوات تعني ان استعادة الأسد وحلفائه للمناطق التي يسيطر عليها المعارضون السوريون تصبح عملية شبه مستحيلة، وهو ما دفع الأسد وايران الى شن هجوم «الساعات الاخيرة» لاستعادة اكبر قدر ممكن من الأراضي السورية، قبل وصول الادارة الاميركية الجديدة ووصول فلورنوي او امثالها- وهم كثر- الى الادارة الجديدة، التي يبدو انها ستبدي حزماً عسكرياً اكبر في وجه «داعش»، كما في وجه الأسد والميليشيات الشيعية العراقية «المنفلتة من عقالها»، حسبما يردد المسؤولون والخبراء الاميركيون.

ساندرز يؤيد كلينتون وتأييد ترامب يؤذي رئيس الكونغرس

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قبل اقل من ١٢٠ يوما على الانتخابات الرئاسية المقررة في ٨ نوفمبر، وقبل ١٠ ايام على المؤتمر الحزبي العام للحزب الديموقراطي المقرر بين ٢٥ و٢٨ الجاري، وبعد شهر وخمسة ايام على هزيمته في الانتخابات التمهيدية الحزبية، أعلن السناتور عن ولايـــــة فيرمونت بيرني ساندرز انسحابه من سباق الرئاسة وتأييده لمنافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.

وجاء اعلان ساندرز في حفل في ولاية نيوهامبشير، وهي اولى الولايات التي فاز بانتخاباتها التمهيدية، بحضور كلينتون. وقال ساندرز: «انوي فعل كل ما بوسعي للتأكد من انها ستصبح الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة».

واعتبر ساندرز ان ترشيحه للرئاسة لم يكن ترشيحا لمنصب فحسب، بل كان «ثورة سياسة» بدأت مع ترشيحه وستستمر. ويكرر ساندرز ان تأجيله الانسحاب كان لغرض تعديل البيان الحزبي للمؤتمر العام، وهو نجح في تعديل بعض البنود في مواضيع البيئة وتشريع الماريوانا.

لكن ساندرز فشل في تضمين البيان الحزبي اي معارضة لاتفاقية «الشراكة عبر الاطلسي»، وهي اتفاقية تجارة حرة تضم ١٢ دولة اكبرها اقتصاديا الولايات المتحدة واليابان واستراليا، وتمثل مجموع اقتصاداتها ٤٠ في المئة من الاقتصاد العالمي. ويعتبر ساندرز ومؤيدوه ان اتفاقيات التجارة الحرة تؤدي لاقفال المعامل الاميركية، وتاليا ترفع من نسب البطالة بين عمال المصانع. بدورها، كانت كلينتون اعلنت تأييدها للاتفاقية، على غرار الرئيس باراك أوباما، لكن الاندفاعة السياسية «اليسارية» لساندرز اجبرتها على التراجع عن الدعم واعلان معارضتها لها.

ومع انضمام ساندرز لمجموعة مؤيدي كلينتون، تصبح المرشحة الديموقراطية في موقع جيد، اذ هي تعول على ساندرز والسناتور وارن بافيت للفوز باقصى اليسار والتقدميين في الحزب، وخصوصا الفئات الشبابية. وتلجأ كلينتون الى نائب الرئيس جو بايدن، الذي يجوب الولايات لتحفيز البيض الوسطيين على تأييدها. اما زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون وأوباما، فهما يتمتعان بكاريزما خطابية هائلة وبتأييد واسع: الاول بين الاميركيين من اصول اميركية جنوبية والثاني بين الاميركيين من اصول افريقية.

ومع اكتمال نصاب القيادات الديموقراطية واصطفافها خلف كلينتون، ومع تقارير تبرعاتها المالية المرتفعة، ومع انتهاء تحقيقات «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) في موضوع استخدامها ايميلها الخاص اثناء خدمتها في وزارة الخارجية من دون توجيه اي تهم لها، تكون كلينتون في موقع جيد جدا لخوض معركة الفوز بالبيت الابيض، وهي معركة تكون صعبة عادة بالنسبة للحزب (الديموقراطي هذه المرة) الذي يحاول الاحتفاظ بالرئاسة لولاية ثالثة، بعد انتهاء ولايتي أوباما.

وفيما يتراصف الحزب الديموقراطي خلف كلينتون ويستعد للمؤتمر الحزبي العام ولخوض المواجهة الانتخابية، الرئاسية وعلى صعيد انتخابات الكونغرس، يعاني الجمهوريون من انقسام حاد في صفوف حزبهم بسبب فوز رجل الاعمال المثير للجدل دونالد ترامب بالترشيح، قبل ايام من بدأ اعمال مؤتمرهم الحزبي العام، الذي يفتتح اعماله الاثنين، ويستمر حتى الخميس.

ومازالت القيادة الحزبية الجمهورية تعاني من تفشي العداء في صفوفها ضد مرشحها ترامب، فالرئيسان السابقان جورج بوش الاب والابن، والمرشحان السابقان السناتور جون ماكين والمحافظ السابق ميت رومني، يرفضون المشاركة في المؤتمر والادلاء بخطابات تأييد لترامب، على جاري عادة المؤتمرات الحزبية التي تنعقد لترشيح مرشح لمنصب رئيس البلاد.

وحده رئيس الكونغرس بول رايان اعلن، بعد تردد علني، تأييده ترشيح ترامب، وموافقته الادلاء بخطاب. لكن رايان، الذي كان يتمتع بشعبية واسعة حتى الأمس القريب، وجد نفسه يعاني شعبيا بسبب قبوله دعم ترامب.

وكان ترامب حضر الى الكونغرس الاسبوع الماضي لعقد لقاء مع الاعضاء الجمهوريين فيه. وتحول اللقاء الى مادة للتندر اذ ظهر ان ترامب لا يعرف مواد الدستور الاميركي، وبدا انه لم يسمع قبلا بمبدأ فصل السلطات.

ويقول الخبراء الاميركيون ان فوز ترامب في الانتخابات الحزبية الجمهورية لا يعني بالضرورة ان شعبيته مرتفعة في عموم البلاد.

كيف يحول ترامب شعبيته من ١٤ مليونا الى ٧٠ مليونا في وقت لا يجد من يؤيده بين قياديي حزبه؟ السؤال مازال يؤرق المرشح الجمــهوري الذي تــــشــــير ارقام استطلاعات الرأي الى تأخره عن منافسته في الولايات المتأرجحة السبعة، ما يعني ان العمل امامه مازال شاقا ليتحول الى منافس جدي لها.

تفاؤل في أميركا بتضييق الهوة الاجتماعية

واشنطن - حسين عبد الحسين

سجّلت مداخيل العائلات الأميركية عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥ الارتفاع الأكبر منذ العام ١٩٩٩، واستعادت ثلثي قيمتها مقارنة بالفترة التي سبقت الركود الكبير بين عامين ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، وفقاً لدراسة أجرتها «جامعة كاليفورنيا بيركلي».

وأشارت الدراسة إلى أن «معدل دخل ٩٩ في المئة من الأميركيين ارتفع 3.9 في المئة عام ٢٠١٤، و4.7 في المئة عام ٢٠١٥، ولكن الولايات المتحدة ما زالت تعاني من اتساع الهوة في المداخيل بين الأثرياء وبقية السكان، إذ جنى ١ في المئة من السكان المصنفين في خانة الأعلى دخلاً 7.7 في المئة بين ٢٠١٤ و٢٠١٥، كما حصل الواحد في المئة الأكثر ثراء على ٥٢ في المئة من إجمالي مدخول الشعب الأميركي بين عامي ٢٠٠٩ و٢٠١٥». واعتمدت الدراسة على بيانات مصلحة إدارة الضرائب، وحسابات قامت بها الجامعة، إذ أن بيانات الضرائب تصدر بعد سنتين على موعدها.

وأظهرت بيانات الضرائب أن الـ10 في المئة الأكثر ثراء جنوا نسبة قياسية من إجمالي المداخيل الأميركية بلغت 50.6 في المئة عام ٢٠١٢، إلا أن حصتهم انخفضت إلى 48.6 في المئة عام ٢٠١٣، بعدما أقرّ الكونغرس زيادات على ضريبة الدخل للعائلات التي تجني أكثر من ربع مليون دولار سنوياً. ولكن تصاعدية الضريبة التي فرضتها الحكومة عام ٢٠١٣، لم تخفف من الفجوة بين ما يجنيه ١٠ في المئة من الأميركيين الأكثر ثراء، مقارنة بـ٩٠ في المئة من السكان المتبقين، فمداخيل الأثرياء عادت وارتفعت مع حلول عام ٢٠١٤ لتصل إلى ٥٠ في المئة من إجمالي المدخول القومي، و50.5 في المئة العام الماضي.

وعزا خبراء ظاهرة انخفاض مداخيل الأثرياء عام ٢٠١٣ إلى تلاعبهم ببياناتهم الضريبية، وإدراج مداخيلهم لعام ٢٠١٣ تحت عام ٢٠١٢، وهو أمر ممكن بحسب النظام الأميركي، للتهرب من النسبة الضريبية التي ارتفعت ذلك العام. ولكن نسبة ما يجنيه أغنياء الولايات المتحدة من المدخول العام عادت إلى طبيعتها مع حلول عام ٢٠١٤، ما يعني أن الزيادة الضريبية التي فرضها الكونغرس على الأثرياء لم تؤثر في الفجوة الكبيرة بين الـ10 في المئة الأكثر ثراء، والـ90 في المئة من السكان، على صعيد المداخيل.

وقدمت الدراسة جداول مثيرة للاهتمام أظهرت معدلات مداخيل الفئات الأميركية المختلفة، وظهر في إحدى الجداول أن معدل مدخول الأميركيين بين عام ١٩٩٣، أي مع بداية حكم الرئيس السابق بيل كلينتون، وعام 2015، بلغت 25.7 في المئة، كما أن نسبة الزيادة في مداخيل الواحد في المئة الأكثر ثراء بلغت 94.5 في المئة، فيما ارتفعت مداخيل ٩٩ في المئة من الأميركيين 14.3 في المئة خلال الفترة ذاتها.

ويظهر ذلك أن الأميركيين عاشوا بحبوحة خلال عهد كلينتون، تراجعت في عهد بوش، وتراجعت أكثر في عهد أوباما. ويُرجح أن ترتفع بسبب الأداء الاقتصادي الجيد هذا العام وعلى مدى العامين الماضيين، لكن حتى من دون احتساب العام الحالي، من الواضح أن مدخول غالبية الأميركيين ارتفع بنسبة أكبر في عهد أوباما مقارنة بعهد بوش، على رغم أن الاقتصاد في زمن بوش كان أكثر نشاطاً، ما يشي بأن لسياسات الحكومة الفيديرالية تأثير في سُبل توزيع المداخيل بين الأميركيين، وفي الحد من الهوة بين مداخيل الأغنياء والفقراء، وهي فجوة تعاني منها أميركا واقتصادات العالم كله، بما فيها أوروبا والاقتصادات النامية في شرق آسيا وجنوبها، وتصدى لها عدد من خبراء الاقتصاد، في طليعتهم الفرنسي توماس بيكيتي. ويبدو أن علاج هذه المشكلة ممكن، ولكن يحتاج إلى رصيد سياسي شعبي لتجاوز النفوذ الذي يشتريه أصحاب رؤوس الأموال حتى يزدادوا ثراء.

الاثنين، 11 يوليو 2016

إيران النووية أم إيران الإرهابية؟

حسين عبدالحسين

في جلسة مغلقة في الكونغرس الأميركي، استضاف خلالها مشرعون، مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، قدم المسؤولون تبريراً مطولاً لسماح واشنطن لشركة "بوينغ" العملاقة بيع وتأجير طائرات مدنية الى ايران، بصفقة بلغت قيمتها ٢٥ مليار دولار أميركي. وقال المسؤول الأميركي أمام الكونغرس إن على الولايات المتحدة أن تدرك انها تواجه إيرانَين، واحدة نووية توصلت أميركا لاتفاق معها، وتأتي صفقة الطائرات من ضمن هذا الاتفاق، واخرى ارهابية ما زالت أميركا تفرض عليها عقوبات قاسية وتخوض معها مواجهة مالية وسياسية واستخباراتية.

هنا سأل احد المشرّعين، المسؤول: "وماذا ستفعلون عندما يستقل الجنرال قاسم سليماني وارهابيوه طائرات بوينغ التي سنبيعها اليهم، ويحمّل طائراته اسلحة، ويطير بها في ارجاء منطقة الشرق الاوسط لدعم وتسليح الميليشيات التابعة لايران؟".

تلعثم المسؤول الاميركي، وبدا عليه التشنج، وقدم اجابة مبعثرة مفادها انه لم يكن ممكنا افضل من الموجود، وانه لولا الاتفاقية النووية لمضت ايران في صناعة قنبلة نووية، او لتففكت العقوبات الدولية عليها مع مرور الوقت، وأن على الولايات المتحدة التعامل بايجابية مع المجموعة الايرانية التي امكن التوصل لاتفاقية نووية معها، وكان يقصد الرئيس حسن روحاني وحكومته، وفي الوقت نفسه مواجهة متطرفي إيران الذي تؤذيهم الاتفاقيات السلمية، ويؤثرون الخوض في مواجهات لانهم يعتاشون على الحروب.

طبعا أميركا ليست الدولة الغربية الوحيدة التي ترتبك في كيفية التعاطي مع ايران، فألمانيا وجدت نفسها في موقف تحاول فيه التمسك بالاتفاقية النووية وتصويرها انجازاً ديبلوماسياً، لكنها في الوقت عينه، مضطرة لإدانة تجارب ايران الصاروخية الباليسيتة، وهو ما أثار رد فعل لدى الايرانيين. 

ونظريات الفصل في التعامل مع أزمات لا فصل فيها، هي عنوان الديبلوماسية الاميركية في عهد أوباما، فهذه الإدارة هي نفسها التي ارتبكت بعدما انتشرت انباء حول قيام قوات الرئيس السوري بشار الأسد بضرب ضواحي دمشق بأسلحة كيماوية، فأعلن وزير الخارجية الاميركي أن نية أميركا هي توجيه ضربة "صغيرة جداً" لقوات الأسد لمعاقبتها. لكن، في الوقت نفسه، تمسكت أميركا بالتسوية السياسية في سوريا، وهذه غير ممكنة من دون الأسد، ما يعني ان أميركا كانت تحاول ضرب فريق الأسد نفسه الذي تسعى للتعاون معه للتوصل الى تسوية.

ومن بلاهة الادارة الحالية أيضاً الاعتقاد بأن الأسد سيجلس الى طاولة المفاوضات للدخول في تسوية تؤدي الى خروجه هو من الحكم، فإذا كان الأسد مستعداً لتسوية يشارك فيها وتؤدي الى خروجه من الحكم، لماذا لا يخرج أصلاً ويسمح للتسوية بأن تأخذ مجراها؟

على ان الارتباك الديبلوماسي الغربي والاميركي في التعامل مع ايران هو ارتباك ظاهري، فباطن الأمور يشي بأن الادارة الاميركية كانت تتمنى لو أنها تتمتع بثقل سياسي كاف يسمح لها بعقد اتفاقية شاملة مع الايرانين، النووية والارهابية، ومع الأسد ونظامه كذلك. لكن أوباما يعلم انه، على الرغم من أن الدستور يمنح الرئيس صلاحيات واسعة في السياسة الخارجية، يصعب تمرير رؤيته تجاه إيران والأسد كما هي، وهو ما اضطره للمساومة مع معارضيه، خصوصاً في الكونغرس، فانتزع منهم موافقتهم على الاتفاقية النووية مع ايران، وكافأهم بتشديد "عقوبات الارهاب" عليها.

وسياسة اوباما هذه زادت ارتباكه ارتباكاً، فلا اتفاقيته مع إيران اتفاقية، ولا مواجهته لها مواجهة، بل إن نتيجة سياسته هي اتفاقية نووية عرجاء وعقوبات على الارهاب تمنع الاقتصاد الايراني من الازدهار، وتمنع تالياً قيام طبقة مصالح ايرانية تأخذ البلاد في اتجاه عالم الاعمال وبعيدا عن عالم الثورة. 

وكانت ادارة أوباما اعلنت انها سمحت لشركة بوينغ ببيع طائرات لإيران بعد عثور الفريق الرئاسي على "ثغرة" في العقوبات الاميركية يسمح بإتمام عملية البيع. 

هذه هي ادارة أوباما، تتحايل على القوانين الاميركية، وتتلاعب بالاصدقاء والحلفاء، وتكون نتيجة سياستها أن "الدولة الاسلامية" تتوسع كدولة أو تقوى كتمرد، وكذلك يتوسع الأسد وإيران. أما الخاسرون الوحيدون فهم المعتدلون، في سوريا كما في العراق ولبنان وإيران وغيرها من الدول، وهم الذين تعتقد الادارة الاميركية ان سياستها تستهدف دعمهم وتقويتهم.

الجمعة، 8 يوليو 2016

إيران تخرق مقاطعة إسرائيل

حسين عبدالحسين

"حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها"، هي حركة اطلقتها منظمات المجتمع المدني الفلسطيني صيف العام 2005 بهدف تكرار الحملة الشبيهة التي أجبرت نظام الآبرثايد في جنوب افريقيا على التخلي عن عنصريته ومنح السود حقوقهم. هذه الحركة اثبتت حتى الآن فعالية غير مسبوقة، خصوصاً في ظل انهيار شبه كامل للسلطة الفلسطينية، وانتشار الفساد بين مسؤوليها، وتخليهم عن كل الادوار القيادية المطلوبة منهم.

وبسبب فعاليتها، أقلقت "حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها" عدداً من المسؤولين الإسرائيليين، وفي طليعتهم زعيمة المعارضين تسيبي ليفني، وآخرين غيرها ممن عبّروا صراحة عن قلقهم من ان تتوسع الحركة بشكل يخرج عن تمكّن اسرائيل من احتوائها.

وعلى مدى السنوات الاحدى عشرة الماضية، تحولت الحركة الى كرة ثلج، فراحت تتبناها جمعيات اهلية ودينية حول العالم، مثل نقابات العمال الأوروبية والـميركية، التي حرّمت على قياداتها الاستثمار في اي مصالح اسرائيلية، أو مصالح عالمية تنشط في اسرائيل. كذلك انضمت مجموعة من الكنائس الأميركية الى حملة مقاطعة اسرائيل. ومن النقابات والكنائس الى الجامعات الاميركية المختلفة، التي راحت حكوماتها الطلابية تصادق على قرارات تجبر جامعتها على إبقاء سيولتها واستثماراتها بعيدة من المصالح الاسرائيلية او المتعاملة مع اسرائيل.

وفي السياق الطلابي، مثلاً، صادق في نيسان 2012 مجلس طلبة "جامعة ماساشوستس - بوسطن" على قرار دعا إدارة الجامعة الى سحب الاستثمارات من شركة بوينغ الاميركية العملاقة، والتي تصنع طائرات مدنية ومقاتلات عسكرية، مثل اف - ١٦، المفضلة لدى سلاح الجو الاسرائيلي، بتهمة ان اسرائيل تستخدم هذه المقاتلات في حربها ضد المدنيين الفلسطينيين.

ويحاول ناشطو المقاطعة غالباً تقديم البدائل. في حالة بوينغ، يلفت المقاطعون الى امكانية قيام الحكومات وشركات الطيران الخاصة بشراء طائرات مدنية من نوع "ايرباص" الاوروبية، وذلك بهدف الضغط على بوينغ للابتعاد عن اسرائيل، وتالياً الضغط على اسرائيل لوقف التمييز ضد الفلسطينيين.

في خضم حملة المقاطعة الفلسطينية هذه، أطلت الدولة التي نصبت نفسها زعيمة "الممانعة والمقاومة" في العالم ضد اسرائيل والكولونيالية، اي الجمهورية الاسلامية في ايران، لتوقع عقداً مبدئياً لشراء واستئجار مئة طائرة من شركة بوينغ الاميركية، بصفقة بلغت قيمتها 20 مليار دولار.

ولا يبدو أن إيران التفتت إلى مظلومية الفلسطينيين، ولا هي حاولت مساندة مقاطعتهم.

والطريف أن إيران سبق أن كررت مراراً أنها دولة عظمى، وتالياً ليست بحاجة للغرب ولا لتقنياته المتقدمة. ولطالما تحدث مرشد الثورة، علي خامنئي، عن تفوق إيران في النووي والنانوتكنولوجي، ودعا لاقامة منطقة اقتصادية اقليمية تتزعمها إيران وتجعلها بغنى عن الاقتصاد العالمي برمته، واطلق عليها اسم "اقتصاد المقاومة".

لكن كلام خامنئي شيء، وحاجة إيران لأميركا وطائراتها وصداقتها شيء آخر. هكذا وقّعت إيران عقد شراء طائرات من "بوينغ"، سيقدم للشركة الاميركية سنوات من العمل ببحبوحة، ما يسمح لبوينغ عدم الالتفات لنشاطات مثل "حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها"، وما يسمح لبوينغ تالياً بالاستمرار بتسليح اسرائيل بمقاتلات اف 15 واف 16 واف 18 وحتى اف 35 الحديثة التي لا تملكها غير القوة الجوية الاميركية في العالم.

غداً سيطل علينا المسؤولون الايرانيون، وتابعوهم حول العالم، بخطابات عن بطولاتهم ضد الصهاينة وعن عزمهم الذي لا يلين لاسترجاع القدس، او على الاقل لاحياء يومها العالمي سنوياً. لكن الخطابات شيء، ومقاطعة اسرائيل والشركات الكبرى التي تزودها بالمقاتلات العسكرية شيء آخر.

بتوقيعها عقداً مع بوينغ، خرقت إيران مقاطعة اسرائيل، وضربت بالنشاط الفلسطيني المقاطع بعرض الحائط، ولا بد أن طهران سترسل للفلسطينيين سلسلة من الخطابات الحماسية المعادية لإسرائيل والهولوكوست. أما الطامة الكبرى، فتكمن في ان بعض العرب والفلسطينيين لن يروا مشكلة في عقد إيران مع "بوينغ"، بل سيصفقون كالبلهاء لخطابات معاداة الهولوكوست التي لا تغني ولا تسمن.

الخميس، 7 يوليو 2016

لماذا لم تثر تصريحات نصرالله حول مصادر أموال حزبه ... حفيظة الأميركيين؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كان متوقعا ان تلقى تصريحات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله زوبعة من ردود الفعل بين الاميركيين المعارضين للاتفاقية النووية بين المجتمع الدولي وايران، على اعتبار ان الاموال التي جنتها طهران من الاتفاقية النووية تقيض وعد الرئيس باراك أوباما القاضي بكبح «نشاطات ايران المزعزعة في المنطقة». لكن تصريحات زعيم «حزب الله» لم تثر ردود فعل تذكر.

وكان نصرالله قال، في خطاب له الاسبوع الماضي، ان كل اموال حزبه، بما في ذلك «ميزانيته، ومدخوله، ومصاريفه، وكل ما يأكله ويشربه، واسلحته وصواريخه، هي من الجمهورية الاسلامية في ايران».

غياب ردود الفعل الاميركية اسبابها متعددة، يتصدرها اعتقاد معارضي ايران والاتفاقية النووية و«حزب الله» بان الحزب لا يعتمد على ايران كليا في ميزانيته، بل على مصادر متنوعة، تراوح بين التهريب وانواع التجارة الدولية المحرمة، على حد زعمهم، كما الاعتماد على تبرعات ومساعدات مغتربين لبنانيين.

وبسبب اعتقاد معارضي طهران و«حزب الله»، خصوصا من بين اصدقاء اسرائيل في العاصمة الاميركية، بان للحزب مصادر تمويل اوسع من ايران، عملوا على اجراء مقايضة سياسية ضمنية مع الرئيس الاميركي اثناء قيام الاخير بحملة تسويق الاتفاقية النووية، الصيف الماضي. وبموجب المقايضة بين أوباما، صديق ايران، وخصومها في واشنطن، صادق الكونغرس على الاتفاقية النووية، لكنه في الوقت نفسه عزز قوانين «مكافحة الارهاب»، خصوصا المفروضة على تنظيمات تابعة لطهران.

هكذا، عمل لوبي واسع من اصدقاء اسرائيل ومن اعداء «حزب الله عموما، على تقديم نص قانون مفصّل، وقعه الرئيس أوباما في ديسمبر الماضي، كثمن موافقة الكونغرس على الاتفاقية النووية. وتضمن القانون، الذي حمل عنوان (مكافحة التمويل الدولي لحزب الله) او(هيبفا) اختصارا، بنودا مشددة تفرضها الحكومة الاميركية على حكومات العالم ومصارفها المركزية لكشف اي حسابات في البنوك تشتبه واشنطن انها تابعة للحزب».

وفي 3 مايو الماضي، اصدر «حاكم مصرف لبنان» رياض سلامة تعميما على المصارف اللبنانية طلب فيه التزام القانون الاميركي والتعاون مع الطلبات الاميركية، وهو ما اثار حفيظة مؤيدي الحزب الذين شنوا حملة ضده.

ويعتقد مراقبون ان الانفجار الذي وقع امام المقر الرئيسي لاكبر بنوك لبنان، قبل اسبوعين،«كان بمثابة انذار من الحزب لسلامة والمصارف»، وهذا ما يبدو انه دفع نصرالله الى اعلان ان حزبه لا يتأثر بسياسات سلامة، وان تمويله يأتي بالكامل من ايران، ما يعني ان الاموال التي جنتها ايران من الاتفاقية النووية، ومجموعها 150 مليار دولار هي ارصدة ايرانية كانت مجمدة بموجب عقوبات الامم المتحدة النووية، تقيض قانون الكونغرس ضد تمويل الحزب.

التطورات المتلاحقة منذ الصيف الماضي تجاه ايران و«حزب الله» خلقت، في واشنطن، وقائع جديدة لكل المعنيين بالاتفاقية النووية مع ايران والعقوبات، ان التي تم رفعها عنها، او تلك التي تم فرضها على الحزب. وأدت هذه التطورات الى خلق تمييز لدى الاميركيين بين العقوبات النووية، التي رفعتها أميركا والمجتمع الدولي، والعقوبات المفروضة على ايران لاسباب تتعلق بالارهاب، والتي ابقتها واشنطن، وهو ما خلق ارباكا، اذ احجم المستثمرون الدوليون عن التهافت على طهران، على الرغم من رفع العقوبات النووية، بسبب خوفهم من ان يتورطوا في مشاكل قانونية مع الحكومة الاميركية بسبب عقوبات الارهاب.

هكذا، وجد خصوم ايران في «مكافحة تمويل الارهاب» سبيلا لتعويض خسارتهم نوويا، فاداروا اهتمامهم نحو عقوبات الارهاب، وهو اهتمام يبدو انه يأتي ثماره، اذ دفع احجام المستثمرين الدوليين عن الذهاب الى طهران وزير الخارجية الايراني جواد ظريف الى الشكوى علنا من الامر، وهو ما حمل نظيره الاميركي جون كيري على القول، مرارا وعلنا، ان «التعامل مع ايران صار مسموحا» حسب القوانين الاميركية.

لكن تصريحات كيري لم تطمئن المستثمرين، وهو ما دفع ادارة أوباما الى التوسط شخصيا مع كبرى الشركات الاميركية للاستثمار في ايران، لاعتقادهم ان في الامر افادة لاميركا واقتصادها وفرص عمالها، ولاعتقادهم كذلك انه في اللحظة التي يصبح في ايران مجموعة من الشركات الاميركية الكبيرة المستثمرة، تقوم هذه باستخدام نفوذها في الكونغرس لحماية الاتفاقيات مع ايران ضد اي عقوبات مستقبلية، وربما تدفع هذه الشركات ايضا الى المزيد من توطيد العلاقة بين حكومتي البلدين.

هكذا، وقعت شركة «بوينغ» العملاقة عقدا بقيمة 25 مليار دولار مع طهران ثمنا لعدد من الطائرات المدنية التي اشترتها ايران وصارت تنتظر تسلمها.

خصوم ايران الاميركيون يدركون ان سياسة أوباما صارت واضحة وصريحة، وان المتبقي له من الوقت قليل، وان من غير المجدي محاولة التأثير في سياساته الانفتاحية تجاه ايران، لذا صبوا اهتمامهم تجاه حملة المرشحة الديموقراطية للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وبدأوا اتصالات مع مسؤولي السياسة الخارجية في حملتها، وفي طليعتهم جايك سوليفان، وهو احد مسؤولين شارك في المفاوضات السرية في سلطنة عمان صيف العام 2013، وهي القناة السرية الاميركية - الايرانية التي افضت لاتفاقية موقتة، فاتفاقية نهائية.

على ان اللوبي المؤيد لطهران في واشنطن لم يتأخر عن خصمه المعادي لها، فباشر بعملية استرضاء كلينتون، وشرع اميركيون من اصول ايرانية في عقد حفلات جمع التبرعات والاصوات، خصوصا في مناطق ثقلهم في مدينة لوس انجليس غرب البلاد.

الثلاثاء، 5 يوليو 2016

الأسد في مهب الرياح مجدداً

حسين عبدالحسين

ربما هو تهاون ادارة الرئيس باراك أوباما مع ما تصفه المنظمات الدولية جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الرئيس السوري بشار الأسد بحق المدنيين، الذي أثار ذعر معارضي الأسد من الانباء عن التوصل لتفاهم عسكري اميركي - روسي في سوريا والاعتقاد انه يأتي في مصلحة النظام. وربما دفع اعتذار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين معارضي الأسد للاعتقاد ان تركيا ادركت ان الرياح الدولية تهب عكس ما تشتهي انقرة، فتراجعت واعتذرت.


لكن التاريخ لا يذكر قيام رؤساء اميركا بتغييرات جذرية في سياستهم الخارجية في الاشهر الاخيرة المتبقية لهم في الحكم، بل إن الرؤساء الاميركيين غالبا ما يحصرون ايامهم الاخيرة بمحاولتهم انهاء الملفات العالقة قبل خروجهم من البيت الابيض، فيما يحبس العالم انفاسه بانتظار الرئيس المقبل.


التغيير في ميزان القوى العسكرية في سوريا لم يأت من واشنطن، ولا من تفاهماتها العسكرية المستجدة مع روسيا، بل جاء من انقرة، التي توصلت الى اتفاق "خفض توتر واعادة العلاقات" مع روسيا، وهو اتفاق يشبه "اتفاق الجزائر" الذي وقعه رئيس العراق الراحل صدام حسين في العام ١٩٧٥ مع شاه ايران، وتخلى فيه الأول عن دعم المعارض الايراني روح الله الخميني ونفاه الى باريس، فيما تراجع الثاني عن دعم اكراد شمال العراق.


في الاتفاق الروسي التركي، الذي جرى بمسعى ألماني وموافقة اميركية، توافق تركيا على انحسار الدعم لسكان شبه جزيرة القرم التي انتزعتها روسيا من اوكرانيا قبل عامين. وسكان الجزيرة هؤلاء هم من الاثنية التركمانية، وينشط معظمهم في اسطنبول حيث يتواصلون مع مجموعات دولية لدعم استقلالهم عن موسكو.


في المقابل، تراجعت روسيا عن دعم أكراد العراق وسوريا الذين يخوضون معارك ضارية ضد القوات التركية جنوب البلاد، ويشنون هجمات تفجير داخلها. كما تراجع الروس عن دعم الأسد عسكرياً بشكل يجبره على الانكفاء الى الجيب الذي يسيطر عليه بمساعدة ايران وحزب الله اللبناني غرب وجنوب غرب سوريا.


ويأتي الاتفاق التركي مع روسيا في اعقاب اتفاق ألماني مشابه يقضي بتراجع موسكو عن دعم انفصاليي دونتسك شرق أوكرانيا، مقابل مرونة برلين في موضوع شبه جزيرة القرم. أما اعادة أميركا لتعاونها العسكري مع روسيا، فهو "حبة البركة" التي يقدمها "تحالف الاطلسي" لموسكو، على أمل خفض التوتر بين الاثنين على الحدود بين روسيا ودول شرق وشمال أوروبا.


ولم يكد يعلن الروس عن الاتصال الرئاسي مع تركيا، حتى بدأت المعارضة السورية تتقدم في مناطق الشمال على حساب قوات نظام الأسد. وبينما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يستقبل نظيره التركي مولود جاوش اوغلو علناً، وفد من الباب الخلفي لموسكو رئيس "مجلس الامن القومي الايراني" علي شمخاني، في ما تبدو محاولة لاقناع موسكو بالاستمرار بدعمها العسكري، على الاقل الجوي، للأسد والقوات المتحالفة معه.


ربما مازالت روسيا ترغب في إقامة النظام الدولي البديل، بالاشتراك مع ايران، عن الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن روسيا تعلم ان طهران وقعت للتو عقداً بقيمة ٢٥ مليار دولار مع شركة بوينغ الاميركية العملاقة لشراء طائرات مدنية، وان سوق التحالفات والرهانات الدولية حمّال اوجه، ويتبدل مع الساعات.


روسيا تعيد حساباتها في الملف السوري، بل هي تقدم دعمها لموقف تركيا تجاه الأزمة السورية في اطار صداقة مستجدة بين الاثنين. أما الأسد، فأصبح الاعتماد على ايران وحزب الله خياره الوحيد، وهو خيار كان، قبل تدخل الروس في ايلول/سبتمبر الماضي، يبدو مستنزفاً وبالكاد يمكنه الدفاع عن الجيب الذي يسيطر عليه.


على أن تقديرات واشنطن لا تتوقع انهياراً للأسد، بل العودة إلى خطابه الذي قال فيه انه سيسحب قواته الى النقاط الاستراتيجية للدفاع، ما يعني أن مقدرته على الهجوم ستتضاءل الى اقصى حد. ربما هذا الدور يتناسب مع رفع صورة الأسد في المرتبة الثالثة بعد صورتي الخميني وخامنئي في دمشق، اثناء اقامة احتفالات يوم القدس الاسبوع الماضي.

السبت، 2 يوليو 2016

موسكو تأخذ في القرم وتعطي في سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تجاهل ضم القرم مقابل التغافل عن الوضع العسكري المتدهور للأسدفيما انشغلت الأوساط الدولية بالأنباء عن مذكرة تفاهم عسكري أميركية - روسية في سورية، فسّرها البعض على أنها تنازل غربي لمصلحة الرئيس السوري بشّار الأسد، لا تكتمل الصورة الا عند العلم ان الناشطين من شبه جزيرة القرم، والذين يعارضون ضم موسكو لاراضيهم بعدما كانت تابعة للسيادة الاوكرانية، سمعوا على مدى الاسبوعين الماضيين من الجهات الدولية التي تدعمهم نيتها خفض الدعم لنشاطهم بشكل واسع.

الاتفاقية حول سورية والقرم التي تشمل أميركا وتركيا والمانيا، من جهة، وروسيا، من جهة اخرى، تنص على تغافل المجتمع الدولي عن ضم موسكو للقرم، مقابل تغافل روسيا عن الوضع العسكري المتدهور لقوات الأسد، والتي بدت اولى علامات الوهن والتراجع تظهر عليها خلال الاسبوع الماضي.

وعلمت «الراي» من معنيين بشؤون القرم انهم سمعوا من جهات دولية، في طليعتها منظمات عالمية عمدت إلى دعمهم «لبناء الديموقراطية والحكم الرشيد» على مدى السنتين الماضيتين، ان الدعم في طريقه للانحسار. والمعروف ان غالبية القرميين هم من الاثنية التركمانية، وان غالبية الناشطين المعارضين لضم القرم الى روسيا يعيشون في اسطنبول حيث يديرون مكاتب سياسية.

وقال الناشطون القرميون انهم في صدد اقفال عدد كبير من مكاتب نشاطهم، وانهم سيبقون على تمثيل رمزي في بعض عواصم العالم.

ولتأكيد ان اميركا توافق على «تأجيل» البت مع روسيا في قضية القرم «حتى إشعار آخر»، عرضت واشنطن على موسكو رفع التعاون الثنائي العسكري بينهما، وهو تعاون ظاهره سورية وباطنه تعاون اوسع يشمل الحدود التي تفصل روسيا عن «الحلف الأطلسي» في دول شمال وشرق اوروبا.

بدورها، وافقت برلين على تأجيل موضوع القرم في مقابل قبول روسيا خفضها الدعم للانفصاليين شرق اوكرانيا، الذين يطالبون باقامة دولة دونيتسك المستقلة. كذلك، تعمل المانيا منذ فترة، حسبما سبق ان اوردت «الراي»، على اقناع الروس بضرورة خروجهم من الحرب السورية، ووقف دعمهم العسكري للأسد، واقناعه بضرورة وقف غاراته الجوية العشوائية ضد السوريين في مناطق المعارضة. اما مصلحة المانيا في حمل الروس على خفض العنف ضد مناطق المعارضة السورية، فتكمن في رغبة المانية في وقف تدفق اللاجئين السوريين الى اوروبا.

وعلمت «الراي» من مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى ان «برلين لعبت دورا محوريا في التقريب في وجهات النظر بين اميركا وتركيا، من ناحية، وروسيا، من ناحية اخرى».

هكذا، تراجعت روسيا عن دعم الأسد جويا وديبلوماسيا وعسكريا، ودفعت بوزير خارجيتها سيرغي لافروف الى استقبال نظيره التركي مولود جاويش اوفلو في لقاء انعقد تحت الاضواء، فيما كانت طهران تستجدي، في الخفاء، موسكو للاستمرار في القتال في الحرب السورية. وكانت ايران اوفدت رئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني الى روسيا لعقد لقاءات مع كبار المسؤولين الروس وحثهم على المساهمة «في حسم الحرب ضد الارهاب في سورية».

وتراجعت روسيا ايضا عن تسليح الاكراد ودعمهم ضد الاتراك، وهو ما يحرر انقرة من مشكلة ويسمح لها بتركيز اهتمامها العسكري على حدودها الجنوبية ضد التنظيمات الارهابية، وفي طليعتها «الدولة الاسلامية» (داعش).

هل يعني تخلي موسكو عن الأسد انهياره؟، تقول المصادر في العاصمة الاميركية انه «في غياب تدخل خارجي من القوى الكبرى، يصعب الحسم العسكري في سورية»، وانه «حتى بعض القوى الاقليمية مثل ايران غير قادرة على الحسم لمصلحتها ومصلحة الأسد، وهو ما يدفعها على استجداء موسكو».

والحسم في سورية مؤجل، على الأقل في الأشهر الستة المتبقية من زمن حكم الرئيس باراك أوباما. لكن حتى ذلك الحين، يبدو ان العواصم المعنية توصلت الى تسوية هي بمثابة تهدئة، بانتظار تسوية أكثر جذرية ربما تأتي مع رئيس أميركا المقبل.

الجمعة، 1 يوليو 2016

لماذا يحمي ساندرز الأسد؟

حسين عبدالحسين

وثيقة الديبلوماسيين الاميركيين الواحد والخمسين المعارضة لسياسة الرئيس باراك أوباما والمطالبة بتوجيه ضربات جوية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، والدراسة الصادرة عن كبار المرشحين للعب ادوارا قيادية في ادارة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في حال وصولها للبيت الابيض والمطالبة باقامة مناطق “حظر قصف” لمقاتلات الأسد ومروحياته، والبيان السياسي للحزب الديموقراطي في شقه المتعلق بالسياسة الخارجية والرافض لأي شروط تلزم الرئيس المقبل بتفادي اقامة مناطق حظر جوي او مناطق آمنة في سوريا، كل هذه المؤشرات تؤكد ان الاتجاه العام لدى النخبة الاميركية سيملي على الرئيس الاميركي المقبل توجيه ضربات تجبر الأسد على الخروج من الحكم لفرض تسوية سياسية من بعده.

لكن اصدقاء الأسد في واشنطن والعالم لم يستكينوا بعد، وهم مازالوا يعملون على تأليب الراي العام الاميركي ضد اي محاولة أميركية لحسم الأزمة السورية عسكريا، ابرزهم رئيس “المعهد العربي الاميركي” جيم زغبي، الذي عيّنه المرشح الديموقراطي للرئاسة بيرني ساندرز عضوا في لجنة كتابة البيان العام للحزب الديموقراطي، والمتوقع اقراره في ٢٥ تموز يوليو.

في البند المتعلق بالسياسة الخارجية وسوريا، اقترح زغبي اضافة فقرة تعارض أي تدخل عسكري أميركي، بما في ذلك معارضة اقامة منطقة حظر جوي او مناطق آمنة. 

وتكمن المفارقة انه بتمثيله ساندرز، وبتقديمه الفقرة التي تهدف لحماية الأسد من اي تدخل جوي اميركي في عهد الرئيس المقبل، يكون زغبي قد ألبس ساندرز موقفا معارضا لاقامة “مناطق آمنة” تقي المدنيين السوريين عملية الموت المستمرة منذ خمس سنوات، وهو ما يطرح عددا من الاسئلة، منها ان كان ساندرز يدرك ماهية الموقف الذي اتخذه الزغبي باسمه في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الديموقراطي، ومنها ان كان ساندرز يعرف من الذي يمول جمعيات زغبي ونشاطاته السياسية ويملي عليه مواقفه السياسية.

فاذا كان ساندرز يعرف ان خلف موقف زغبي اموالا طائلة ويسكت، فهذه ادانة بحق ساندرز الذي بنى حملته على عدائه لتدخل المال في السياسة عن طريق اللوبيات على انواعها. اما ان كان ساندرز لا يعرف من يحرك زغبي، فهذه ادانة ايضا بحق المرشح الذي ينتدب ممثلين عنه من دون ان يعلم من هي الجهات التي تقف خلفهم.

ومن نافل القول ان مناصري كلينتون في لجان الحزب، وهم كثر واصحاب نفوذ، خرّبوا على زغبي محاولته، واجبروه على سحب التعديل الذي قدمه لحماية الأسد.

ربما حان الوقت كي يدرك زغبي، وربما ساندرز، ان النخبة الاميركية سئمت سياسة أوباما اللانسانية تجاه سورية، وقررت استبدالها بسياسة أكثر فعالية لانهاء الأسد وطي صفحة المعضلة السورية.

على ان مجموعة كلينتون لا تتصرف لدوافع انسانية، بل هي تعتقد انه لا بد من ابدال السياسة الاميركية تجاه الأسد، لأن السياسة الحالية مازالت تؤدي الى مصائب متوالية. 

ومن يطالع اسماء ابرز مستشاري السياسة الخارجية في حملة كلينتون قد يفطن الى ان هؤلاء ليسوا بالضروة اصدقاء للعرب، او انهم سيتخذون مواقف بالجملة معاكسة لسياسات أوباما، فرأس هرم مستشارين كلينتون جايك سوليفان شارك في المحادثات السرية مع ايران في عمان في صيف ٢٠١٣، وهي المفاوضات التي افضت الى اتفاقية مؤقتة فأخرى نهائية حول ملف ايران النووي. 

اما من هزم زغبي في لجنة صياغة بيان الحزب الديموقراطي فوكيلة وزارة الخارجية السابقة وبطلة المحادثات مع الايرانيين ويندي شيرمان.

صحيح ان سوليفان وشيرمان وصحبهما سيستمرون في سعيهم لمصادقة ايران، لكن الثابت ان النخبة الاميركية لم تعد ترى ارتباطا بين مصير الأسد ومستقبل العلاقة الاميركية مع ايران. هذه الرؤية الجديدة هي ابرز ما سيتغير في عهد الرئيس الاميركي الجديد تجاه سوريا، وهذا ما يحاول الزغبي ومن يعمل لديهم، وربما معهم ساندرز، وقفه، او على الاقل عرقلته قدر الامكان.

Since December 2008