الثلاثاء، 31 يوليو 2018

'داعش' الأسد

حسين عبد الحسين

لم تعد خديعة نظام الأسد في رعايته الإرهاب وردعه في الوقت نفسه تنطلي على أحد. هي منظومة عمرها أكثر من أربعة عقود، استخدمها نظام الأسد للتغلب على خصوم الداخل وابتزاز خصوم الخارج.

لـ"تحرير فلسطين"، رعى الأسد الأب، حافظ، تنظيمات فلسطينية على أنواعها، كان هدفها المعلن "تحرير فلسطين" فيما هدفها الفعلي إيقاع الأذى بخصوم الأسد، مثل الرئيسين الراحلين الفلسطيني ياسر عرفات والعراقي صدام حسين، فضلا عن زعماء الخليج.

خارج دنيا العرب، رعى الأسد عمليات ضد أهداف غربية وإسرائيلية لابتزاز العالم والحصول على امتيازات ديبلوماسية ومالية، مقابل توقف الهجمات الإرهابية. مثلا، أفرج الأسد عن رهائن غربيين في بيروت، وفي وقت لاحق كبح جماح عمليات "حزب الله" اللبناني ضد إسرائيل (حسب كتاب مبعوث السلام السابق دينيس روس) مقابل مكاسب من واشنطن، وكان يأمر هذ الحزب بتصعيد هجماته يوم كان العالم يتلكأ عن الوقوف على مطالب دمشق.

ومثل الأسد الأب، وجد ولده بشار فرصة سانحة في "الحرب العالمية على الإرهاب" لممارسة عملية الابتزاز التي أتقنها نظام أبيه. شرع الأسد أبواب دمشق أمام الإرهابيين من حول العالم، فراحوا يصلون مطارها ببطاقات سفر بلا عودة، وينتقلون تحت عيون استخبارات الأسد الساهرة إلى العراق للقيام بأعمال إجرامية أودت بحياة آلاف العراقيين والجنود الأميركيين.

اقرأ للكاتب أيضا: قضاء عربي ولا عدالة

لم يمتثل الأسد للقرار الدولي والإقليمي الداعم للاستقرار في العراق، فثابر على إرسال الإرهابيين إلى بغداد للقيام بعمليات تفجير، ما دفع رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي إلى تقديم شكوى لدى لأمم المتحدة، طالب فيها بإنشاء محكمة دولية لملاحقة الأسد ونظامه بتهمة الوقوف خلف جرائم إرهابية في العراق.

إرهابيو العراق هؤلاء لم يكونوا غريبين عن الأسد ونظامه الذي أتقن عمليات التهريب عبر الحدود السورية ـ العراقية والتلاعب على الحظر الدولي الذي كان مفروضا على صدام حسين. بعد سقوط نظام صدام، استضاف الأسد هؤلاء البعثيين، ورعى قنواتهم الإعلامية وخطابهم التحريضي. وبسبب تزامن اندلاع الثورة العراقية ضد المالكي مع ثورة سورية ضد الأسد، قام الأخير بدعم مشروع إعادة إنعاش التطرف الإسلامي غرب العراق وشرق سورية، فشن العالم حربه الضروس للقضاء على الإرهاب المتجدد.

على أن أمورا عديدة كانت لافتة في الإرهاب الداعشي، فهو إرهاب اقتسم والأسد إنتاج محطات كهرباء، وبعض النفط. وعلى رغم إصرار الأسد أن من يحاربهم في عموم سورية هم من الإرهابيين، انتهت معظم المعارك بتسويات قدم بموجبها الأسد باصاته لنقل الإرهابيين المزعومين من منطقة إلى أخرى.

آخر خدمات النقل التي قدمها الأسد للإرهابيين كانت نقله مقاتلي تنظيم "داعش" في مناطق جنوب سورية. بعد ذلك، أرسل الأسد وفده للتفاوض والأقلية الدرزية التي تسكن محافظة السويداء الجنوبية. والدروز أقلية تتمتع بوعي استراتيجي تاريخي وتتبنى مواقف حيادية ما أمكن عبر التاريخ، ما عدا القتال للدفاع عن الأرض. فالحفاظ على الأرض، حسب التقليد الدرزي، يتقدم على مغامرات الزعامة، كالتي خاضها موارنة لبنان في الماضي ويخوضها علويو سورية اليوم وهي معارك تتطلب الكثير من الدماء وتفضي إلى انتقام وثأر مع الآخرين.

في السويداء، طلب الأسد التحاق خمسين ألفا من الشباب الدروز ممن كانوا تخلفوا عن الخدمة الإجبارية لرفضهم المشاركة في قتل مجموعات سورية أخرى شريكة في الوطن. جدد الدروز رفضهم الالتحاق بجيش الأسد، فما كان من الأخير إلا أن سحب السلاح من تنظيم درزي أو أكثر كانوا يؤيدونه (لمعرفته أن هؤلاء سيدافعون ما أمكنهم عن كل الدروز). كما سحب الأسد قواته من شرق السويداء.

وفي ليلة ظلماء، قطع الأسد الكهرباء خارج "أوقات التقنين"، ما سمح لمقاتلي "داعش" بالتسلل إلى مناطق الدروز، حيث شنوا هجوما قتلوا فيه 250 درزيا، وهو رقم كبير قياسا إلى عديد هذه الأقلية، واختطفوا عشرة من الدرزيات أو أكثر.

اعتقل الدروز حفنة من "الدواعش"، وعلقوهم شنقا في ساحات قراهم، ودافعوا عن أنفسهم ببأس، وراح بعض إخوانهم في المذهب من دروز لبنان يستعدون للانضمام إليهم والقتال في صفوفهم، على رغم حاجة الطرفين الماسة للسلاح.

يسعى الأسد لإخضاع دروز سورية، وتجنيد شبابهم، في الحملة التي يعد لها للسيطرة على محافظة إدلب الشمالية، وهو لذلك أرسل "داعش" على السويداء، فإما يتعرض الدروز للإبادة، أو يوافقون على "حماية الأسد" لهم بما في ذلك الانضمام لماكينة القتل التابعة للنظام السوري.

اقرأ للكاتب أيضا: مشكلة الربيع العربي

ومثلما يستخدم الأسد "داعش" ضد الدروز، فهو قام بالتغاضي عن الهجمات التي نظمها "حزب الله" وإيران من الجنوب السوري ضد إسرائيل، فإما تتمسك إسرائيل بالأسد حتى تتخلص من هجمات الحزب، أو يشعل الأسد المزيد من النيران في سورية ومحيطها حتى يستجديه العالم لإخمادها.

كتاب الابتزاز الذي يستخدمه طغاة العالم هو نفسه. أما العالم الحر، فعليه أن يعي ماهية هذه الألاعيب، وأن يهب لنجدة ضحايا الطغاة، إن كانوا مسيحيي العراق أو دروز سورية، كما السنة على جانبي الحدود العراقية السورية. هذه المجموعات لا تطلب من الأميركيين التضحية بأبنائهم للدفاع عنها، بل ما تطلبه هو السلاح حتى تدافع عن أنفسها. وطالما أن سياسة واشنطن هي تأكيد عدم عودة "داعش"، فلا بد للولايات المتحدة أن تدرك أن الأسد فشل في حماية السويداء، التي لن يحميها إلا أهلها، ما يستوجب تسليحهم.

عرض ترامب لروحاني... مناورةٌ سياسية

حسين عبدالحسين

أثارت تعليقات الرئيس دونالد ترامب بشأن استعداده للقاء نظيره الايراني حسن روحاني فوضى لا مثيل لها في صفوف إدارته وحزبه الجمهوري، وسط تضارب المعلومات بين من يقول إن الرئيس يُناور لاعتقاده أن في مد يده للإيرانيين فوزا سياسيا محققا له، بغض النظر عمّا ستؤول إليه الاوضاع بين البلدين، وبين من يصرّ على أن وساطة غير مباشرة بين واشنطن وطهران تقودها مسقط أدت إلى تليين موقف ترامب.
مَنْ يعرف خبايا الإدارة الأميركية يعلم أن لا سياسة خارجية لدى ترامب باستثناء أمرين: حبّه غير المفهوم لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، وتفويضه السياسة الخارجية الأميركية إلى تل أبيب لاعتقاده أن من شأن ذلك أن يعود عليه بأصوات وأموال اليهود الأميركيين في الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل، كما في انتخابه لولاية ثانية في نوفمبر 2020. 
لكن ترامب يعتقد أيضاً أن بإمكانه تحقيق مكاسب سياسية ترفع من شأنه وشعبيته بين الأميركيين، من خلال قيامه بعقد لقاءات مع زعماء أنظمة عدوة للولايات المتحدة، ثم تصويره هذه اللقاءات على أنها أحداث تاريخية تفوّق فيها على أسلافه (على غرار القمة التي جمعته في يونيو الماضي مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون)، وتصوير انعقادها على أنه لم يكن ممكناً لولا براعة ترامب في التوصل إلى صفقات، وهي الصورة التي يستميت الرئيس لتقديمها عن نفسه وعن أسلوبه في عالم الاعمال، كما في الرئاسة.
هكذا، مثل سلفه باراك أوباما من قبله، حاول ترامب - من دون أن يوفق - في اقتناص لقاء مع روحاني على هامش أعمال القمة السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر من السنة الماضية، وعرض، أول من أمس، لقاء غير مشروط مع روحاني، إذ يعتقد أن التغطية الإعلامية للقاء من هذا النوع كفيلة برفع شعبيته وإظهار براعته.
لكن بعيداً عن الاعلام، وعلى أرض الواقع، لا خطة أميركية ولا سياسة تجاه إيران غير السياسة الاسرائيلية. وحتى تسمح إسرائيل لأميركا بتسوية مع ايران، يتطلب الأمر تغييراً جذرياً للسياسة الإيرانية في عموم الشرق الأوسط، في طليعتها قيام طهران بحلّ الميليشيات الموالية لها في المنطقة، خصوصاً «حزب الله» اللبناني، وفقاً لمصادر أميركية مطلعة.
لهذا السبب، تعارضت السياسة الاسرائيلية مع سياسة أوباما تجاه ايران. فسياسة أوباما كانت تقضي بفصل المسار النووي عن «نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار»، وكان أوباما يأمل أن يتم الاتكاء على حل الملف النووي لبناء الثقة بين أميركا وايران، ومن ثم العمل على تحسين العلاقات على الأصعدة غير النووية. 
إسرائيل تعتقد أن فصل المسارَيْن النووي وغير النووي يعرّض أمنها القومي للخطر، إذ إن رفع العقوبات النووية منح طهران أموالاً استخدمها الإيرانيون لتمويل «نشاطاتهم المزعزعة للاستقرار» في منطقة الشرق الاوسط.
وبعد كلام الرئيس الأميركي عن لقاء محتمل مع نظيره الإيراني، بدأت وسائل الإعلام الاميركية والغربية تجري مقارنات مع لقاء ترامب - كيم جونغ أون، وهو لقاء تلى تصعيداً عسكرياً وتهديدات متبادلة بين الطرفين، وتالياً، رجحت غالبية وسائل الإعلام هذه أنه يمكن أن يتبع ترامب الأسلوب نفسه مع الايرانيين: عقوبات اقتصادية، فتهديدات عسكرية، فلقاء قمة غير مشروط تنجم عنه حالة من اللا سلم واللا حرب بين البلدين.
لكن كوريا الشمالية ليست إيران، وفقاً للمصادر، إذ يمكن اختصار خطر بيونغ يانغ بنشاطاتها النووية، فيما البرنامج النووي والصاروخي الايراني ما يزال أكثر بدائية، ومشكلة أميركا - أو إسرائيل - مع إيران تكمن في ميليشيات طهران وسياستها الشرق أوسطية أكثر منها في الملف النووي، وهو ما يعني أنه حتى لو قُيّض لترامب لقاء روحاني وجهاً لوجه، سيبقى الفارق شاسعاً بين أميركا، التي تسعى للقضاء على نشاطات طهران في الشرق الاوسط، وإيران، التي تتمسك بهذه النشاطات وتراها بمثابة علّة وجودها وضمان بقاء نظامها.
على الرغم من الفارق الشاسع بين إدارة ترامب والجمهورية الاسلامية، لا يرى ترامب، حسب أوساط البيت الابيض، مشكلة في لقائه روحاني وجهاً لوجه، إذ إن فشل التوصل لاتفاق بين الطرفين، على طراز الاتفاق الشكلي بين واشنطن وبيونغ يانغ، يعطي إدارة ترامب فرصة أكبر لإقناع الرأي العام الاميركي أن الولايات المتحدة استنفدت كل الوسائل الديبلوماسية، وأن الحلول الوحيدة المتاحة هي عسكرية.
تقول المصادر الاميركية إن وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي تطرق الى الموضوع الايراني، أثناء زيارته واشنطن، قبل أيام، ولقائه نظيره مايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس. وتذهب بعض الأوساط للاستنتاج أن الوساطة العُمانية تشبه استضافة مسقط لمسؤولين إيرانيين وأميركيين في محادثات سرية العام 2013، أفضت في ما بعد إلى التوصل للاتفاقية النووية. 
لكن الوساطة العمانية نجحت في ظل وجود رئيس أميركي كان يرغب فعلياً في التوصل لاتفاق نووي منفصل عن سياسة إيران الخارجية في منطقة الشرق الأوسط. أما في عهد رئيس، مثل ترامب، يتبنّى الموقف الإسرائيلي الرافض للدور الإيراني جملة وتفصيلاً، فتبدو الوساطة أكثر صعوبة وتعقيداً.
«لعُمان مصلحة في تفادي الحرب، فهي إذا اندلعت ستكون السلطنة في وسط مسرحها»،كما تقول مصادر أميركية مواكبة لزيارة بن علوي الى العاصمة الاميركية. «أما الوساطة مع ايران، فسبق أن تقدمت بها عواصم متعددة، وعلى أعلى المستويات، وكانت في طليعتها موسكو»،وفقا لمصادر.
على الرغم من «معزّة» بوتين لدى ترامب، عاد الرئيس الأميركي إلى واشنطن بعد قمة هلسنكي، وبدلاً من أن يتبنّى عرض نظيره الروسي لوساطة مع الإيرانيين، غرّد مهدداً إياهم بحرب شعواء، وهو ما يشي أن ترامب ليس مهتماً بوساطة، وأن عرضه لإيران هو من باب المناورة السياسية أكثر منه الحوار الفعلي.

الاثنين، 30 يوليو 2018

قمة «الناتو العربي» رهن 8 أسابيع حاسمة

حسين عبدالحسين

فيما حدّد البيت الأبيض مهلة 60 يوماً أمام الديبلوماسية الأميركية للتوصل إلى تسوية للأزمة الخليجية المندلعة منذ 13 شهراً بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر، من جهة، وبين قطر من جهة ثانية، تمهيداً لعقد قمة «الناتو العربي» الذي تسعى الولايات المتحدة لتشكيله في مواجهة التهديدات الإيرانية، كشف نائب وزير الخارجية خالد الجارالله ان «الكويت تلقت أفكاراً تتعلق برغبة الولايات المتحدة إنشاء تحالف استراتيجي في منطقة الشرق الاوسط يكون بمثابة (ناتو عربي)»، مبيناً أن «هذه الأفكار محل ترحيب ودراسة من قبل القيادة، وأنه سيكون هناك اتصالات مع الجانب الأميركي لمزيد من الإيضاحات حولها».
وقالت مصادر أميركية رفيعة المستوى لـ «الراي» إن المطلوب هو التوصل إلى تسوية قبل أسبوعين على الأقل من موعد قمة «الناتو العربي»، المقررة مبدئياً في 12 و13 أكتوبر المقبل، حتى يتسنّى لمسؤولي الدول المدعوة إلى واشنطن استكمال إعداد جدول الأعمال والبيان الختامي للقمة.
وأشارت المصادر إلى أن «خطوط التسوية الخليجية» باتت معروفة وواضحة، وأن «التوصل إليها يحتاج قراراً سياسياً من الطرفين»، لافتة إلى أنها تشترط «وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين». 
وحسب المصادر الأميركية، «في الوضع الحالي، يبدو من المستحيل جمع زعماء الأزمة الخليجية في غرفة واحدة، ناهيك عن التوصل لإقامة تحالف أمني وعسكري وسياسي بينهم»، وهو ما يشترط تذليل الخلافات لعقد القمة.
لكن المصادر لفتت في الوقت نفسه إلى تعقيدات أخرى قد تعيق عقد القمة في الموعد المحدد لها، مشيرة إلى أن مصر على سبيل المثال تعتبر أن الأولوية هي لمواجهة تنظيم «الإخوان المسلمين» في عموم منطقة الشرق الأوسط والعالم، فيما ترى في الحوار سبيلاً وحيداً للتوصل إلى تسويات مع إيران، وهو ما يفترق مع سياسة دول أخرى، الأمر الذي «يعقّد مهمتنا لعقد قمة تخرج عنها قرارات فعلية غير الاستعراض الإعلامي»، على حد قول المصادر الأميركية.
كما يعتقد المسؤولون الأميركيون أن دولاً أخرى، على غرار سلطنة عُمان، «تحاول الإبقاء على خطوط مفتوحة مع الإيرانيين وفقاً لسياسة هي أقرب إلى الحياد منها المواجهة».
لهذا الأسباب والتعقيدات، لم تعلن واشنطن رسمياً عن نيتها عقد قمة «الناتو العربي» أو موعدها، بل آثرت تسريب بعض الأنباء عنها إعلامياً لجسّ النبض وقياس ردود الفعل. 
ووفقاً للمصادر، فإن السعودية والامارات والبحرين من أكثر الدول المتحمسة لإقامة تحالف عسكري مناهض لإيران في المنطقة، لكنها أبدت تحفظات حول مشاركة قطر، وشككت بإمكانية ابتعاد الدوحة عن طهران. 
في المحصلة، هي قمة ما تزال هلامية إلى حد بعيد، تحول دون انعقادها عقبات معقدة تهدد بنسفها، فيما تهدد نتائجها تباينات الدول الأعضاء المشاركة، وهو ما يعني أنه أمام الديبلوماسيين الأميركيين تحديات جمة يتوجب عليهم التعامل معها وتذليلها في الأسابيع الثمانية المقبلة، وإلا يبقى تحالف «الناتو العربي» مجرد تسريبات إعلامية وتصريحات.

الجمعة، 27 يوليو 2018

انقسامات العراق السياسية… نعمة ونقمة

واشنطن: حسين عبدالحسين

لم يحقق العراق التوقعات التي كانت تنبأت له بها غالبية الخبراء في الأيام التي سبقت وتلت الحرب الأميركية فيه في العام 2003. حسب التوقعات، كان من المفترض أن ينقسم العراق إلى ثلاثة أقسام: شيعي في الجنوب، وسني في الغرب والشمال الغربي، وكردي في الشمال.
السياسة العراقية في باكورتها كانت تشبه هذه التوقعات، وربما هي تأثرت بها وعملت بموجبها، فسيطرت على «مجلس النواب» العراقي الأول في العام 2005 ثلاث كتل كبرى، واحدة تابعة لما اتفق أعضاء الكتلة على تسميته بـ«البيت الشيعي»، وثانية تابعة لحكومة كردستان العراق في الشمال، وثالثة «عربية سنية».
لكن الواقع في العراق اختلف عن التوقعات، فالمشهد السياسي العراقي اليوم قد يكون من الأكثر تفتتا في العالم، فيه السياسيون ينسجون تحالفات سريعا، ويفضّونها سريعا كذلك، وهي تحالفات في الغالب مبنية على مزاجات أو مصالح شخصية. وبما أن المزاجات تتقلب، كذلك التحالفات، وحتى الأحزاب، فـ«حزب الدعوة»، الذي كان يفترض أنه الحاكم قبل عقد، أعاد إنتاج نفسه اليوم على شكل أربعة أو خمسة أحزاب، كلها تسمي نفسها، أو على الأقل تحمل في بياناتها التأسيسية، العناصر المؤسسة لـ«حزب الدعوة».
ومثل الدعوة، انقسم التيار الصدري إلى ثلاثة، فكان «جيش المهدي»، الذي خرجت منه «عصائب أهل الحق» وأصبحت حزبا سياسيا. ومثلها، انقسم تيار عائلة الحكيم إلى «تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، وهادي العامري، قائد «ميليشيا بدر»، التي كانت تابعة للحكيم وأصبحت اليوم مستقلة وتقود كتلة «الفتح».
في المحصلة، انقسم «الائتلاف العراقي الموحد» من كتلة واحدة في العام 2005 إلى خمس كتل برلمانية في انتخابات 2018، بما فيها كتلة النصر، التابعة لرئيس الحكومة حيدر العبادي، و«دولة القانون» التابعة لرفيقه السابق في «الدعوة» وسلفه في رئاسة الحكومة نوري المالكي، وكتلة فتح بقيادة العامري، وكتلة «تيار الحكمة» بزعامة الحكيم، فضلا عن كتلة الصدر «سائرون».
واللافت في كتلة سائرون أنها تألفت من مرشحين من «الحزب الشيوعي العراقي» وليبراليين، إلى جانب مرشحي رجل الدين مقتدى الصدر، فانخرط «الرفاق»، و«الإخوان» في كتلة، تبدو متماسكة حتى الآن، وهي تتألف من 54 نائبا، وهي الأكبر في البرلمان العراقي، ولكنها بعيدة عن رقم 165 المطلوب لتشكيل غالبية برلمانية يمكن أن تنبثق عنها حكومة.
ولم يعان «البيت الشيعي» وحده من التفتت على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية، فلائحة كردستان العراق تحولت إلى ثلاثة، واحدة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، وثانية تابعة لحزب رئيس العراق الراحل جلال الطالباني «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وثالثة تحمل اسم «غوران»، أي تغيير، وهي انشقاق عن حزب الطالباني.
وفي الأوساط السنية، تحولت الكتلة الواحدة إلى اثنتين، واحدة بزعامة رئيس الحكومة السابق إياد علاوي وبمشاركة رئيس البرلمان سليم الجبوري، وثانية بزعامة سلفه في رئاسة مجلس النواب أسامة النجيفي، الذي يتمتع هو وأخوه أثيل بزعامة محلية في محافظة نينوى الشمالية الغربية.
هكذا، تفتتت كتل العراق البرلمانية الثلاث منذ العام 2005 إلى اليوم، ونجم عنها ما لا يقل عن عشر كتل، تتحابب وتتحارب، ثم تتحابب مجددا، في عملية سياسية لا أسس لها إلا المصلحة القصيرة الأمد، في كتل لا تدوم ما بعد التصويت الأول على الرئاسات الثلاث: الجمهورية والبرلمان والحكومة.
وأن لا تدوم الكتل أمر مفهوم في كل برلمانات العالم، ولكن أن تذوب الأحزاب وتتفتت بمثل سرعة الكتل، فظاهرة يتفوق فيها العراق على باقي الأنظمة البرلمانية حول العالم. 
الانقسامات السياسية العراقية حرمت العراقيين حكومات فعّالة، إذ بدلا من أن يفرد الساسة اهتمامهم لشؤون الحكم، ينهمكون في التآمر على بعضهم البعض، فيما يغرق العراق في فساد ليحل في المراتب العشر الأخيرة في العالم، من بين 180 دولة، حسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية. ومع الفساد، تتدهور البنية التحتية في العراق والمرافق العامة، ويحجم القطاع الخاص عن الاستثمار، فتتقلص الدورة الاقتصادية وتتبخر الوظائف، فترتفع البطالة.
على أن هذه الانقسامات السياسية العراقية هي نفسها التي حرمت إيران السيطرة على العراق، فحتى يستتب الأمر للإيرانيين، كان من الأفضل لهم لو حافظ «الائتلاف الوطني العراقي» على وحدته تحت إشراف إيراني. لكن الوحدة هذه لم تدم، وكان أول من شتتها رئيس الحكومة السابق ونائب الرئيس الحالي نوري المالكي، الذي انشق عن الائتلاف، على الرغم من استجداء إيران له البقاء في اللائحة الموحدة.
ومع حلول العام 2014، حذا العبادي حذو المالكي، فأفاد من مقدرات الدولة لبناء زعامته الشخصية وكتلته الانتخابية، وبذلك، تحول ائتلاف العام 2005 إلى خمس كتل مع حلول العام 2018، حسبما سبق أن ذكرنا، وهو ما يجعل مهمة إيران مستحيلة في تجنيد زعيم واحد يتبعها ويمسك لها العراق.
ومنذ انتهاء الانتخابات العراقية قبل ثمانية أسابيع، حاولت إيران مرارا إقامة جبهة موحدة تابعة لها، لكنها في كل مرة تحاول دفع وتسويق أحد زعماء الكتل الخمس، يتكتل زعماء الكتل الأربع المتبقية ضده، وتدخل الكتل الكردية والسنية في السباق، فيصبح الأمر أكثر تعقيدا، وتجد إيران نفسها في وسط فوضى عراقية لا تقوى طهران على إنهائها وتوحيد الساسة العراقيين خلف زعامتها، كما فعلت في لبنان، حيث تشكيل الحكومة متعثر، ولكن لأسباب أبسط بكثير يمكن تذليلها في أية لحظة.
قد تكون انقسامات العراق السياسية نعمة ونقمة في الوقت نفسه، فبحرمان إيران السيطرة على العراق، تحافظ بغداد على استقلاليتها من جارتها الشرقية التي تسعى إلى الهيمنة على العراق وبعض دول المنطقة، وهذه قد تكون نعمة، لكن النقمة تكمن في أن الانقسامات تبقي العراق بلا حكومة، في وقت تغرق فيه البلاد في ظروف اقتصادية واجتماعية وبيئية صعبة وتحتاج فيها لانتظام الطبقة السياسية بشكل استثنائي.
لهذا السبب، خرج العراقيون إلى الشوارع ليتظاهروا. قادة العراق اتهموا إيران بقطع الكهرباء عن الجنوب لبثّ الفوضى وإجبار قادة الكتل على القبول بالإملاءات الإيرانية في تشكيل الحكومة. لكن لا يبدو أن المظاهرات أفادت إيران، إذ راح المتظاهرون يحرقون صور زعماء إيران، الخميني وخامنئي، المعلقة في شوارع مدن الجنوب العراقي وبلداته، وراحوا يهاجمون مكاتب الأحزاب والميليشيات المحسوبة على إيران.
المتظاهرون في العراق لم يخرجوا لأجل عيون إيران، ولا لعيون السياسيين العراقيين، بل هم خرجوا ليأسهم من الوضع القائم، الذي تحاول خلاله إيران إظهار زعامتها الإقليمية على حسابهم، والتي يحاول فيها السياسيون تحقيق مصالحهم الذاتية على حساب المواطنين العراقيين أنفسهم.
مشاكل العراق كثيرة ومتراكمة ومعقدة، وحتى يخرج حزب سياسي يقدم حلولا جدية، ويظهر مقدرة على التعامل مع الأزمات، من إعادة الإعمار المطلوبة غرب البلاد وشمالها، إلى حسم مسألة كركوك بين العرب والأكراد، إلى وضع أسس سليمة للفيدرالية والعلاقة بين المركز بغداد وباقي أجزاء البلاد، خصوصا الشمال الكردي المستقل ذاتيا، إلى مكافحة الفساد وإعادة بناء مؤسسات الدولة المترهلة، وتحديث وتطوير البنية التحتية المتهالكة، قد لا تستتب الأمور، وقد تتسارع وتيرة خروج العراقيين المعترضين إلى الشارع، في الجنوب والشمال والغرب.

ترامب يتراجع عن «حُبِّه المعلن» لروسيا... موقتاً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

… وتراجع ترامب، إذ بعد اسبوعين من تحديه غالبية الاميركيين، من الحزبين، وإصراره على ممالأة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تراجع الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن موقفه المؤيد من دون تحفظ لروسيا، والمعادي بلا حدود لحلفاء الولايات المتحدة، وفي طليعتهم ألمانيا والاتحاد الاوروبي.
وعلى الرغم من تحفظ البيت الابيض ومصادره حيال تقديم تبرير للتغيير الواسع في السياسة الاميركية تجاه روسيا، يبدو بما لا يقبل الشك ان تراجع ترامب جاء على اثر اسبوعين كانا بمثابة الكارثة عليه وعلى حزبه سياسياً، وفي وقت تظهر كل استطلاعات الرأي التي يجريها الحزب الجمهوري، من دون الإعلان عن نتائجها، حتمية خسارة الجمهوريين لمجلس النواب في الكونغرس أمام «موجة شعبية ديموقراطية عارمة». 
وتظهر استطلاعات الرأي، بما فيها الصادرة عن المراكز التابعة للحزب الجمهوري مثل «راسموسن»، تأخر الجمهوريين عن الديموقراطيين بسبع نقاط مئوية لو جرت انتخابات الكونغرس غداً. ويظهر المركز نفسه انحفاض نسبة التأييد لترامب الى 42 في المئة، وهي من المرات النادرة التي تنخفض شعبيته الى ما دون 50 في المئة حسب استفتاءات هذا المركز الجمهوري.
وللمقارنة، أظهرت استطلاعات الرأي، التي سبقت دورتيْ انتخاب 2006 و2010 والتي شهدتا «موجة عارمة» شعبياً أدت لانقلاب الغالبية من ايدي الجمهوريين للديموقراطيين في الاولى وبالعكس في الثانية، تقدماً للحزب الذي اكتسح الانتخابات بواقع خمس نقاط مئوية فقط، ما يعني أن فارق سبعة في المئة، التي يشير إليها مركز «راسموسن» المحافظ، من شأنه أن يؤدي الى زلزال سياسي، لا «موجة عارمة» فحسب. 
أما مراكز استطلاعات الرأي المستقلة وغير الحزبية، فتظهر أرقامها تفوقا للديموقراطيين على الجمهوريين بأكثر من عشر نقاط مئوية لو جرت انتخابات الكونغرس غدا، وهو ما يعني خسارة حتمية للجمهوريين للغالبية التي يتمتعون بها في الكونغرس، وهذا لو حصل، بالتزامن مع التحقيقات التي يديرها المحقق الخاص ومدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) السابق روبرت مولر حول امكانية تواطؤ ترامب وحملته الرئاسية مع موسكو في اختراق حسابات ايميل الديموقراطيين، فهو سيعّرض ترامب لامكانية خلعه من الرئاسة. 
ويترافق التدهور المريع وغير المسبوق لشعبية ترامب والجمهوريين مع سباق في تطورات الاحداث في التحقيقات، التي اصبحت متعددة ومتزامنة، والتي تطول ترامب، منها تحقيقات مولر حول امكانية تواطؤ ترامب مع الروس، ومنها ايضا تحقيقات غير مرتبطة بمولر من قبيل قيام ترامب بتسديد اموال لنجمات اباحيات سبق ان خاض معهن مغامرات جنسية مقابل التزامهم الصمت حول هذه العلاقات.
ومع اقتراب مولر من كشف التفاصيل الدقيقة لعلاقة حملة ترامب بموسكو، ومع اعلان السلطات الاميركية توقيفها مواطنة روسية مقيمة في واشنطن بتهمة العمل لمصلحة الاستخبارات الروسية، ومع ما يبدو انقلابا لمحامي ترامب السابق مايكل كوهين على الرئيس الاميركي ونشر المحامي - عن طريق المحكمة - تسجيلات تثبت تورط ترامب في تسديد اموال للنجمات الاباحيات، وهو التورط الذي سبق ان نفاه ترامب علنا في الماضي القريب. هكذا يبدو وضع الرئيس مهزوزا، سياسيا وقانونيا.
ترامب يبدو انه قرر التصدي لكل هذا التقهقر بخطة على محورين: الاول يقضي بتراجعه عن الحب غير المفهوم تجاه روسيا ورئيسها بوتين، والثاني بمحاولة قضائه على مولر وتحقيقه.
في المحور الاول، أعلن البيت الابيض تأجيله الدعوة التي كانت مقررة الى بوتين لزيارة البيت الابيض في الخريف، وهو موسم الانتخابات النصفية الاميركية. كما أعلن فريق ترامب عن نيته ترؤس لقاء موسع لمجلس الأمن القومي للتباحث في كيفية التصدي لهجمات روسية الكترونية محتملة لتقويض الانتخابات الاميركية المقررة في نوفمبر، وهي المرة الاولى التي يتراجع فيها ترامب عن إصراره أن لا تدخلات روسية في الانتخابات الاميركية الماضية أو المستقبلية. 
في المحور الثاني، بادر عضوا الكونغرس الجمهوريان مارك ميدوز وجيم جوردان، والاثنان حليفان لترامب، إلى تقديم مشروع قانون يهدف لخلع وكيل وزير الخارجية رود روزنستاين من منصبه بسبب رفضه تسليم وثائق تتعلق بمكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي). وروزنستاين هو ممن عينهم ترامب وكيلا لوزير العدل، وهو اصبح مسؤولا عن ملف التحقيقات مع روسيا، وتاليا عيّن مولر وصار مشرفا على عمله، بسبب تورط وزير العدل جيف سيشنز في اتصالات مع سفير روسيا السابق في واشنطن سيرغي كيسيلياك، ما حرم الوزير امكانية الاشراف على التحقيقات بسبب امكانية وجود تضارب مصالح. 
وسبق لترامب ان أعرب مراراً عن غضبه من قيام سيشنز بتنحية نفسه عن ملف التحقيقات مع روسيا، ثم أطلق حلفاءه لانتقاد روزنستاين ومهاجمته، وقام هؤلاء بعقد جلسات استماع مفتوحة في الكونغرس لاستجوابه، لكن المسؤول العدلي اجاب مستنطقيه بشراسة، فارتفعت شعبيته، وانخفضت شعبية المشرعين المستجوبين.
وتزامن تراجع ترامب عن التصاقه ببوتين مع استقبال الرئيس الاميركي لرئيس المفوضية الاوروبية جان كلود جانكر في حديقة الورود في البيت الابيض، واعلان البيت الابيض عن تراجعه عن فرض رسوم جمركية على السيارات الالمانية المستوردة. 
ومع تراجع ترامب عن الحب المعلن لبوتين وروسيا، يأمل الجمهوريون في الحد من خسائرهم السياسية ونزيفهم على المستوى الشعبي. لكن تراجع ترامب قد يكون موقتاً، اذ من المحتمل ان يتراجع الرئيس الاميركي عن تراجعه ويعود الى مواقفه السابقة، وهو ما يعني انه من المبكر استشراف اي تغييرات مقبلة في السياسة الخارجية الاميركية الى ان يتبين ان كان ترامب جاداً في ابتعاده عن موسكو، وإن كان قادراً على الابتعاد عنها اصلا.
«قلة من المقربين من الرئيس هم من يعتقدون انه تغيّر فعلياً، بل يعتقدون انه سيعود الى مهاجمة حلفاء الولايات المتحدة والاقتراب من بوتين في كل فرصة تسنح له»، علّقت صحيفة «بوليتيكو» المتخصصة بالمشهد السياسي الاميركي الداخلي.

الثلاثاء، 24 يوليو 2018

قضاء عربي ولا عدالة

حسين عبدالحسين

في لبنان، قضت المحكمة بمنع مواطن من استخدام موقع فيسبوك لمدة شهر بسبب نشره تعليقا تهكم فيه على "معجزات القديسين"، بعدما أعلن لبناني آخر أن زوجته التي كانت تعاني بسبب عدم الحمل، حملت بعدما زارت "محبسة مار شربل". وقبله في مصر، أصدرت محكمة حكما قضى بسجن سائحة لبنانية بتهمة بثها على صفحتها على فيسبوك فيديو "خادش للحياء، ويزدري الأديان، ويتطاول على الشعب المصري".

وقبلهما، أصدرت محكمة لبنانية عسكرية حكما ضد الزميلة حنين غدار بتهمة انتقاد "الجيش اللبناني"، وأصدرت محكمة لبنانية أخرى أحكام سجن وغرامة بحق الزميل الآخر فداء عيتاني بتهمة إهانة وزير الخارجية جبران باسيل في تعليق على فيسبوك.

وفي لبنان أيضا، تم اعتقال وتعذيب الممثل المسرحي زياد عيتاني بتهمة "التعامل مع العدو"، أي إسرائيل، في تهمة ثبت أنها مفبركة بدواع انتقامية، ما أدى لاعتقال ضابط أمن لبنانية، ثم تم الافراج عنها، على ما يبدو بسبب النفوذ الواسع الذي يتمتع به زوجها والمحيطون بها.

الأحكام هذه، إما جائرة تستهدف حرية الرأي والتعبير، أو أحكام مضحكة وغير مبنية على تشريعات، مثل حكم منع مواطن من استخدام موقع فيسبوك. طبعا في حالة منع استخدام فيسبوك، يبدو أن القاضية التي رفضت في الماضي الموافقة على إقفال محطة تلفزيونية لبنانية كانت انتفضت في حينه على وصاية آل الأسد على لبنان، يبدو أنها حاولت امتصاص نقمة المدعين "بالتي هي أحسن" ومن دون سجن أو تغريم المدعى عليه.

لكن الانطباع العام لتصرفات القضاء العربي، المصري واللبناني وغيرهما، هو أنه قضاء شذ عن دوره، وراح يتصرف بموجب تعليمات الحكام ومصالحهم، ويبرر قمع الحريات، ويرمي الناس في السجون بسبب إدلائهم بآرائهم، وهي أحكام مبنية على ادعاءات باطلة وشعارات شعبوية، على طراز أحكام "إضعاف الشعور القومي" و"تخريب العلاقة مع دولة شقيقة"، التي كانت تسطرها محاكم صدام حسين وحافظ وبشار الأسد ضد معارضي النظامين، وهو ما أكسب المحاكم العراقية والسورية، وقريبا على ما يبدو المصرية واللبنانية، اسم "محاكم الكنغارو". أما دول هذه المحاكم، فغالبا ما تكتسب اسم "جمهوريات الموز".

أما المفارقة الكبرى في أداء القضاء العربي فتكمن في أنه يندر أن يعثر على مجرم حقيقي أو مختلس للمال العام، ففي لبنان، ما تزال سلسلة من جرائم اغتيالات القادة السياسيين، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، من دون مرتكبين. وفي مصر ولبنان، اللتين تكادان تتصدران الترتيب العالمي للدول التي تعاني من الفساد، لم يجد القضاء المصري أو اللبناني فاسدا واحدا يحاكمه ويرميه في السجن (في لبنان استثناء واحد في العقد الماضي في محاكمة استهدفت أحد مستشاري رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري).

وفي لبنان، ادعى القضاء على رجل دين من مدينة صيدا الجنوبية بتهمة "إقامة تنظيم عسكري"، وفي نفس الوقت، يقوم "حزب الله" اللبناني، أكبر تنظيم عسكري غير حكومي في منطقة الشرق الأوسط، باستعراض مقاتليه وقدراته وشبكة اتصالاته الخاصة، من دون أن يحرك القضاء اللبناني ساكنا.

في القول العربي المأثور أن "العدل أساس الحكم"، أما في لبنان، فيتباهى رئيسه ميشال عون أن حكمه هو "حكم القوي"، وكأن لبنان والمنطقة، التي تعاني من دوامة عنف غير مسبوقة في التاريخ، تحتاج إلى المزيد من الأقوياء، بدلا من حاجتها للعدالة.

والمفارقة، في حالة الرئيس اللبناني عون، تكمن في أنه هو نفسه كان ضحية لغياب العدالة، ما أجبره على تمضية عقد ونصف العقد في منفاه في باريس، وكان كل مرة يسعى فيها للعودة إلى لبنان، يلوح له القضاء اللبناني، مدفوعا من حكام لبنان في دمشق، بفتح ملفات حول اختلاسات مزعومة يفترض أنه قام بها أثناء ترؤسه حكومة عسكرية نهاية ثمانينات القرن الماضي.

لا يجوز سجن لبنانية 11 عاما في مصر (خفضت إلى 8 لاحقا)، مهما كانت أقوالها، ولا يجوز إصدار أحكام بسجن صحافي شتم وزير الخارجية اللبناني، ولا تجوز محاسبة أي من "يتهكم على الأديان" أو "يزدري المعتقدات" أو "يوهن نفسية الأمة". السجن هو للقتلة وشركائهم، وللمختلسين ومن يقف وراءهم. وإقحام القضاء في تمثيليات تهدف للقمع باسم العدل ينتقص من العدل أولا، ومن الحكم الذي يفترض أنه مبني عليه ثانيا.

قد يكون أفضل لحكام مصر ولبنان، وسورية والعراق، أن يبنوا حكمهم على العدل، بدلا من القوة. أما أن يواصل الحكام تقويض القضاء، فربما على المواطنين أن يحذو حذو حكامهم، وأن يقدموا سلسلة من الادعاءات ضد الحكام بتهم "عدم احترام الدستور"، و"تحويل القضاء إلى العوبة"، و"تحويل الدولة إلى أضحوكة"، وهي ادعاءات تتناسب ولا شك مع الاتهام بـ"إضعاف الشعور القومي" و"بث الوهن في نفسية الأمة" و"التطاول على الشعب".

قمة هلسنكي تبنَّت الخطة الإسرائيلية لـ... سورية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

وسط الغموض الذي لا يزال يحيط بما دار بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في قمة هلسنكي التي جمعتهما قبل أسبوع، تغرق الإدارة الأميركية في فوضى التعامل مع التقارير الصادرة عن الجانب الروسي حول ما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين، بما في ذلك تصريحات صادرة عن وزارة الدفاع الروسية جاء فيها ان الأخيرة تتطلع قدماً لتنفيذ مقررات القمة بشأن سورية.
وفي ظل التضارب في التقارير والغموض، توصلت بعض الأوساط الأميركية إلى أن ما اتفق عليه الرئيسان بشأن سورية هو «الخطة الاسرائيلية» مُعدّلة بعض الشيء لتتناسب مع الرؤية الروسية. 
وكانت إسرائيل طالبت روسيا علناً، وحذا حذوها مسؤولو إدارة ترامب، بفرض انسحاب كل المقاتلين الموالين لإيران من سورية، خصوصاً مقاتلي «حزب الله» اللبناني، وسط تشكيك في واشنطن والعواصم الغربية بشأن قدرة موسكو على إجبار إيران على الإذعان لطلب من هذا النوع.
وفي الزيارة الاخيرة من الزيارات التسعة التي قام بها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى موسكو والتقى فيها بوتين، تعتقد المصادر الأميركية ان الرئيس الروسي نجح في إقناع ضيفه الاسرائيلي بضرورة تحديد سحب القوات الموالية لإيران إلى مسافة 90 كيلومتراً عن خط «أندوف»، أي قوة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة المتمركزة بين هضبة الجولان السوري المحتل ومحافظة القنيطرة الخاضعة للسيادة السورية.
لكن مصادر إسرائيلية نفت ذلك مساء أمس، وفقاً لوكالة «رويترز»، معلنة أن تل أبيب رفضت عرضاً من موسكو بإبعاد الميليشيات الإيرانية مسافة 100 كيلومتر عن الحدود.
وتسمح الاتفاقية الإسرائيلية - الروسية للمقاتلات الاسرائيلية بالتحليق فوق هذه المنطقة من دون اعتراض روسيا أو تصدي الدفاعات الجوية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد لهذه لمقاتلات. وفي مقابل حرية التحليق الاسرائيلي فوق الجنوب السوري، وافقت تل أبيب على التغاضي عن اقتراب الأسد والقوات الموالية له إلى الأراضي السورية التي تسيطر عليها الدولة العبرية بهدف إتمام عملية استعادة الجنوب السوري من المعارضين المسلحين.
وتقول المصادر الاميركية ان الشرط في موافقة إسرائيل على بقاء الأسد في الحكم، وهو ما عبّر نتنياهو عنه علناً في زيارته الاخيرة الى موسكو، تكمن في عودة الجنوب السوري إلى ما كان عليه قبل سنة 2011، أي خاضعاً لسيطرة الأسد وتحت مسؤوليته، ما يعني أن أي انتشار عسكري للقوات الموالية لايران، أو أي محاولة لإقامة بنية تحتية عسكرية إيرانية في الجنوب، خصوصاً قواعد إطلاق صواريخ ضد إسرائيل، هو أمر يتحمل مسؤوليته الأسد، تحت طائلة قيام تل أبيب بتوجيه ضربات إليه في دمشق نفسها.
النقطة الأخيرة في الاتفاق «الغامض» بين ترامب وبوتين تتعلق بانسحاب القوات الأميركية من شرق سورية وتسليمها للأسد، علماً أن انسحاب القوات الأميركية من سورية هو أمر سبق أن طالب به الرئيسان، ترامب وبوتين، علناً، إلا أن الرئيس الأميركي تراجع تحت ضغط من كبار مسؤولي إدارته، الذين يتمسكون بضرورة بقاء القوات الأميركية في سورية لسببين: الأول التأكد من عدم عودة «داعش» إلى هذه المناطق، والثاني منع الميليشيات الموالية لإيران من احتلال هذه المناطق.
وتلفت المصادر الأميركية إلى أن التجربة في العراق أظهرت أن الميلشيات الموالية لايران، والمعروفة بـ«الحشد الشعبي»، هي التي سيطرت على الأراضي التي تمت استعادتها من «داعش» في شمال وغرب البلاد، وهو ما يبدو أن واشنطن تسعى لتفادي تكراره في الحالة السورية.
وكانت القوات الأميركية شرق سورية تصدّت، قبل أشهر، لمحاولات متعددة قامت بها قوات إيرانية وروسية وسورية لاقتحام شرق الفرات، بما في ذلك تكبيد المقاتلات الأميركية للقوات المهاجمة نحو مئتي قتيل في صفوف المرتزقة الروس، الذين ترسلهم موسكو للمشاركة في الحرب السورية. 
المصادر الأميركية تختم بأن الاتفاق بين ترامب وبوتين كرّس «الخطة الإسرائيلية في الجنوب السوري»، من دون أن يتم التوصل لاتفاق مع موسكو حول الشرق السوري. 
لكن مع مرور الساعات والأيام، تتسرب معلومات جديدة عن التعهدات التي قطعها الرئيس الاميركي لنظيره الروسي، والتي يبدو أن آخرها يتضمن موافقة واشنطن على قيام موسكو بتنظيم استفتاء شعبي شرق أوكرانيا حول رغبة السكان في الانضمام الى روسيا، على غرار الاستفتاء الذي نظمته روسيا في شبه جزيرة القرم الاوكرانية، ولم تعترف به عواصم العالم. 
وقد يكون ترامب وعد بوتين بالانسحاب من شرق سورية لمصلحة الأسد كذلك.
على خلاف البروتوكول المتبع في القمم، لم يترك ترامب خلفه أي أثر لما تحادث بشأنه مع بوتين، وهو ما دفع الكثيرين إلى التكهن وإلى محاولة استنتاج ما دار في اللقاء من مصادر روسية وغير أميركية، وهو ما دفع الحزب الديموقراطي المعارض إلى محاولة إصدار مذكرة تجبر المترجمة الأميركية، التي حضرت اللقاء بين الرئيسين، إلى الحضور للكونغرس للإدلاء بشهادتها، وهي المحاولة التي أحبطها المشرعون من حزب ترامب الجمهوري، مع ما يعني ذلك من بقاء غالبية المعنيين بالسياسة الخارجية في العاصمة الاميركية في ظلام يتكهنون.

ترامب وبوتين يريدان نظاماً عالمياً جديداً

«الجزيرة نت» - نشرت صحيفة «فاينانشال تايمز» مقالاً كتبته آن ماري سلوتر، اعتبرت فيه أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، يريدان إقامة نظام عالمي جديد.
وأضافت ان قمة هلسنكي جمعت بين رئيسين يمثل كل واحد منهما مصالح بلاده من منظوره الخاص، وكلاهما يعزف على الحنين إلى الماضي الذي يصنعه في خياله، وهنا يصبح أنصار ترامب وأنصار بوتين حلفاء أيديولوجيا يعملون من أجل نشر هذه الأفكار في أوروبا كلها لدعم قادة دول مثل بنيامين نتنياهو في إسرائيل ورودريغو دوتيرتي في الفيلبين، الذي يشترك معهم في القيم والأساليب.
ولفتت إلى أن ترامب وبوتين يدعمان العودة إلى عصر سيادة الدولة غير المحدودة، ويودّان لو أنهما دمرا جميع المنظمات الدولية وعادا بالعالم إلى سياسة «القوة العظمى»، التي تتغير فيها التحالفات، مشيرة إلى قول ترامب إن حلفاء أميركا قد يصبحون خصوما في بعض القضايا، و«أصدقاء» في قضايا أخرى.

الأحد، 22 يوليو 2018

اسباب عدم نجاح ايران في العراق

حسين عبدالحسين

اندلعت أعمال شغب بمنطقة جنوب العراق التي يقطنها أغلبية شيعية، وحدث انشقاق بين ساسة العراق، وقد اتهمت بغداد طهران بإشعال الاحتجاجات بغرض تشكيل حكومة عراقية على هوى طهران، وقد اعترضت طهران على تلك الاتهامات، لكن لو أن ادعاءات قادة بغداد صحيحة ولو بصورة نسبية فإن المتظاهرين لم يظهروا تأييداً لطهران، بل أن هؤلاء المتظاهرين قاموا بإحراق صور لآيات الله كما هاجموا مقرات الميليشيات المقربة من طهران، وقد أدّ الانقسام بين الساسة في بغداد إلى تفاقُم أزمة الحُكم، وقد أثبتت الاحتجاجات الأخيرة أن إيران لا يمكن لها بسط سيطرتها على العراق.

والواقع أن التظاهرات الأخيرة المناوئة للحكومة العراقية والتي قام بها الشيعة تكشف عن جانب أشد إثارة من العلاقة بين هؤلاء الشيعة وبين إيران، التي نصّبت نفسها راعياً لشئون الشيعة على مستوى العالم، والواقع أن العلاقات بين إيران وشيعة العراق، والتي كانت في أفضل حالاتها في أوقات سابقة، قد باتت الآن على قدر من التعقيد أكثر مما كان مُتوقّعاً.

وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى العام 2003، في بداية الغزو الأمريكي للعراق، توقّع الكثيرون أن طهران ستقوم بضم منطقة جنوب العراق الغنية بالنفط، أو أن تعمل طهران على استغلال الأغلبية الشيعية من أجل السيطرة على العراق، ولم يحدث لا هذا ولا ذاك، بل أن طهران باتت تُعاني من أجل استمالة شيعة العراق، وذلك بغرض تكرار التجربة الإيرانية الناجحة مع شيعة لبنان، لكن الواقع أن الأمر في العراق يختلف بالكامل عن لبنان.

والحقيقة أن الأيام الأولى للديمقراطية في العراق شهدت ظهور ثلاث جبهات رئيسية، الشيعة والسُنّة والأكراد، حيث اشتركت الجبهات الثلاث في الانتخابات التي جرت في العام 2005، لكن بحلول العام 2009 نجح رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في استخدام عائدات النفط من أجل كسب المزيد من المؤيدين، مما كان بمثابة صدمة للبيت الشيعي العراقي الذي يعمل تحت إشراف طهران، ومن ثم فقد تغلّب المالكي على شيعة العراق، وكررها مرة أخرى في العام 2014.

أما طهران فقد ألقت بثقلها خلف أعداء المالكي، ونجحت بالتحالف مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في الإطاحة بنوري المالكي، وتم تعيين حيدر العبادي رئيساً للحكومة خلفاً للمالكي، ولسوء حظ طهران فقد سار العبادي على منهج المالكي، كما استخدم العبادي موارد الدولة من أجل تكوين شبكة خاصة به، وخلال مايو من العام الحالي كانت هناك العديد من الجبهات الشيعية التي تتنافس من أجل الحصول على مقاعد البرلمان، وتم انتخاب 5 جبهات شيعية، وهي الجبهات التي لجأت إلى المناورات من أجل تشكيل الحكومة.

الأربعاء، 18 يوليو 2018

بوتين عرض على ترامب وساطة مع إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

وسط العاصفة السياسية التي أثارتها تصريحات الرئيس دونالد ترامب أثناء المؤتمر الصحافي الذي تلى لقاءه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، اعتصمت مصادر الإدارة الأميركية بالصمت التام حول ما دار في لقاء القمة والخلوة بين الرجلين. لكن مصادر ديبلوماسية أوروبية في العاصمة الأميركية سمعت من الأوساط الروسية بعض تفاصيل الحوار الذي تزعم موسكو أنه دار بين الزعيمين.
وكانت مصادر البيت الأبيض شرحت أن ترامب كان ينوي مقايضة سلسلة من التنازلات الأميركية لروسيا، بما فيها الاعتراف بروسية شبه جزيرة القرم الاوكرانية، وبمصالح روسيا في سورية، وبالعمل على رفع العقوبات الأميركية المفروضة على موسكو، مقابل طلب أميركي وحيد يقضي بانضمام الروس إلى الأميركيين في محاصرة الحكومة الايرانية.
إلا أن كل التنازلات التي اعتقد ترامب أنه سيقدمها إلى بوتين، يبدو أن الرئيس الروسي رفض التحدث بها، إذ هو اما اعتبرها حقوقاً روسية لا شأن لأميركا بها، وإما اعتبر أنها ليست تنازلات بل للاميركيين مصلحة فيها. 
حول القرم، اعتبر بوتين إن لا صفة للولايات المتحدة للاعتراف بشرعية «انضمامها» إلى روسيا. وتقول المصادر الأوروبية ان بوتين يرفض استخدام كلمة «ضم»، ويصرّ بدلاً منها على كلمة «انضمام»، إذ ان ضم تفيد أن روسيا هي التي قامت بعملية الضم، فيما الانضمام هو قرار اتخذه سكان القرم في استفتاء شعبي طالبوا فيه الانضمام إلى روسيا.
اما عن العقوبات الأميركية على روسيا، تنقل المصادر الأوروبية عن نظيرتها الروسية القول ان بوتين استعرض امام ترامب دول العالم، والحكومات، ورجال الاعمال، ممن يتهافتون على السوق الروسية، وان العقوبات الأميركية على روسيا لا تؤثر على موسكو، بل هي بمثابة عقاب للشركات الأميركية، الممتعضة من بقائها خارج المنافسة على السوق الروسية، حسب بوتين.
ختاما في الموضوع الإيراني، حاول ترامب اقناع بوتين بمدى خطورة الايرانيين على السلام العالمي وعلى مصالح كل من أميركا وروسيا، وحاول اقناع بوتين بالسيطرة على سورية مقابل طرد الميليشيات الموالية لإيران فيها. الا ان عرض ترامب كان لاقى تشكيكاً من ابرز الخبراء والمسؤولين السابقين الأميركيين، حتى قبل القمة، اذ كتب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق ديك تشيني مقالة في «فورين بوليسي»، لفت فيها إلى ان روسيا استولت على سورية رغماً عن أميركا، وان التقاعس الأميركي، بما في ذلك اصدار ثلاثة انذارات ضد العملية العسكرية التي استعادت فيها قوات الرئيس السوري بشار الأسد مناطق الجنوب، من دون قيام أميركا بأي ما من شأنه التصدي لخرق منطقة «خفض التصعيد» التي كان متفقاً عليها العام الماضي، هي عملية ثبت لبوتين ان أميركا تسعى للخروج من سورية اصلاً، وان روسيا استعادت سورية بقوتها، وانه لا يمكن لأميركا أن تفاوض على سورية بما أن سورية ليست في أيدي الولايات المتحدة.
وبدلاً من أن يقنع ترامب بوتين بالانضمام للجبهة الأميركية ضد إيران، عرض أن يلعب دور الوسيط بين ترامب وطهران. وحاول بوتين اقناع ترامب بأهمية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية مع إيران، وتفادي تطبيق العقوبات، التي عاد جزء منها في وقت سابق من هذا الشهر، فيما ينتظر الجزء الثاني أن يدخل حيز التنفيذ في نوفمبر. 
هكذا، خرج ترامب خالي الوفاض من لقائه بوتين، فلم ينجح في ترغيب بوتين بالانضمام للجبهة الأميركية ضد إيران، مقابل تنازلات أميركية ودولية لروسيا، ولم ينجح في تغيير أي من مواقف موسكو أو سياساتها الدولية، بل ان بوتين هو الذي طلب من ترامب أن يغير من سياسات الولايات المتحدة.
وفي المؤتمر الصحافي، اعتقد ترامب نفسه أنه توّج انعقاد قمة تاريخية خلّدت اسمه بين أسماء الرؤساء الأميركيين، إلا أن ردة الفعل الأميركية، من الجمهوريين والديموقراطيين، ضد ما اعتبره الأميركيون انحياز رئيسهم لبوتين ضد وكالات الاستخبارات الاميركية، أفسد آمال ترامب وأحلامه، وحوّلها إلى كابوس سياسي ما زال الرئيس الأميركي يبحث عن مخرج منه.
السبب الذي يحوّل ترامب، أحد أكثر الرؤساء الأميركيين المشاكسين، خصوصاً ضد الحلفاء، إلى تابع ودود تجاه بوتين، هو الذي يحير غالبية المعلقين الأميركيين، الذين اعتبروا أنه للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية، تكمن مشكلة «الأمن القومي» التي تواجهها البلاد في الرئيس نفسه. 
ولم يسعف ترامب نفيه، ونفي بوتين، أنهما لم يتعارفا من قبل رئاسة ترامب، اذ راحت القنوات الأميركية تبث فيديوات مصورة قبل سنوات ظهر فيها ترامب وهو يتباهى بزيارته موسكو لتنظيم حفل «ملكة جمال الكون» هناك وبلقائه بوتين، الذي استقبله بحفاوة.
ومن الفرضيات التي قدمها معلّقون أميركيون اعتبارهم أنه على مدى العقد الماضي على الأقل، عمل ترامب كواجهة لتبييض الأموال الروسية. وفي تقرير من لندن، قدم الصحافي في شبكة «ام اس ان بي سي» ريتشارد انغلز تقريراً مفصلاً حول ملاعب الغولف الثلاث التي يملكها ترامب: اثنان في اسكوتلندا وواحد في ايرلندا.
وحاور انغلز خبراء قالوا إنه في بريطانيا، يجبر القانون رجال الأعمال على الكشف عن تفاصيل أعمالهم، وهو ما يظهر أن ملاعب ترامب تخسر الأموال بشكل مستمر، ما يعني أن ترامب يحتفظ بها لأسباب غير ربحية. ثم حاور انغلز المتعهدين ممن قاموا بأعمال ترميم لهذه المنتجعات التابعة لترامب، فقالوا إنهم تقاضوا كل الأموال من ترامب نقداً، وهو أمر يثير الاستغراب. كما نقل انغلز عن أحد أصدقاء أبناء ترامب قول الأخير إن عائلة ترامب لا تقترض من البنوك لأن كل أموالها هي نقدية من روسيا، وهو ما يؤكد نظرية عمل ترامب كواجهة لتبييض أموال روسية، وهو ما قد يفسر انصياعه لرغبات بوتين، الذي لم يخف سعادته في المؤتمر الصحافي، وقال انه «كان يرغب في رؤية الأميركيين ينتخبون ترامب».

الثلاثاء، 17 يوليو 2018

غضب جمهوري - ديموقراطي على ترامب لتصريحاته المنحازة لبوتين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انفجر الغضب السياسي في واشنطن في وجه الرئيس دونالد ترامب، بشكل لم يكن متوقعاً، على إثر لقاء القمة الذي عقده مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في هلسنكي. 
وشن الجمهوريون من حزبه، قبل الديموقراطيين المعارضين له، هجوماً ضد الرئيس على جبهات متعددة، في الكونغرس، وعبر قناة «فوكس نيوز» اليمينية، وعبر مواقع الإنترنت اليمينية المعروفة، مثل «دردج ريبورت».
ويبدو أن ما أثار غضب الديموقراطيين هو قول ترامب، في المؤتمر الصحافي الذي تلى القمة مع بوتين، إنه سمع من مدير الاستخبارات القومية الأميركية دان كوتس أن الحكومة الروسية تدخلت في انتخابات العام 2016، وأنه أثار هذا الأمر مع بوتين، وأن الأخير أجاب بالنفي. وتابع ترامب بالقول إن «لا سبب» لديه للاعتقاد أن روسيا تدخلت فعلياً في الانتخابات.
ومما قاله ترامب إنه يعتقد أن «الولايات المتحدة لطالما كانت غبية» في عدائها لروسيا، وأنه منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض يسعى لإصلاح العلاقة بين البلدين.
ولم تمض دقائق على تصريحات ترامب في هلسنكي، حتى ثارت عاصفة من ردود الفعل الغاضبة، تصدرها المشرعون في حزبه الجمهوري، وكان في طليعتهم رئيس الكونغرس بول ريان، الذي أصدر بياناً قال فيه إن تدخل الحكومة الروسية في الانتخابات الأخيرة أمر مؤكد، وفقاً لإجماع وكالات الاستخبارات الأميركية، وإنه «على الرئيس إدراك أن روسيا ليست حليفتنا».
وتزامنت ردة الفعل الغاضبة ضد تصريحات ترامب المنحازة لبوتين مع إعلان وزارة العدل القبض على الروسية المدعوة ماريا بوتينا بتهمة العمالة لمصلحة روسيا أثناء إقامتها في الولايات المتحدة بين 2015 و2017، وأن عملها جرى بإشراف الكرملين. 
وأشار الادعاء أن المتهمة كانت على علاقة بعاملين في حملة ترامب للانتخابات الرئاسية، ما دفع بعض المعلقين في قناة «فوكس»، من الجمهوريين، إلى التساؤل إن كان هذا الاتهام هو بمثابة «أداة الجريمة»، التي يمكنها إثبات تواطؤ ترامب وحملته مع موسكو، لتقويض الانتخابات وتحويلها لمصلحة ترامب.
وهذه من المرات النادرة التي يتبنى فيها الجمهوريون، ووسائل إعلامهم، رواية تواطؤ ترامب مع روسيا، بعدما أمضى الجمهوريون العامين الماضيين وهم يسعون لتقويض مصداقية التحقيق والادعاء القضائي.
وجاء الإعلان عن بوتينا بعد أيام على إعلان وزارة العدل إصدار قرارات اتهامية بحق 12 ضابطاً يعملون في الاستخبارات العسكرية الروسية بتهمة اختراقهم البريد الإلكتروني للمرشحة السابقة للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وللجنة المركزية لحزبها الديموقراطي.
ولم تسعف ترامب تصريحات بوتين، في المؤتمر الصحافي المشترك في هلسنكي، قوله إنه كان يريد «أن يفوز ترامب بالانتخابات»، فتوالت ردود الفعل ضد الرئيس الأميركي من أعلى مستويات الدولة الأميركية، ومن المسؤولين الحاليين والسابقين.
وجاءت أولى الردود من مدير الاستخبارات القومية دان كوتس، الذي رد على ترامب بالقول، في بيان: «لقد كنا واضحين في تقييمنا لتدخل روسيا في انتخابات 2016، وفي مجهودهم المستمر لتقويض ديموقراطيتنا، وسنستمر في تقديم استخبارات موضوعية لحماية أمننا القومي».
أما مدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) السابق جون برينان، فشنَّ هجوماً عنيفاً وغير مألوف في أعراف المسؤولين السابقين، واتهم فيه ترامب بالخيانة الوطنية. وفي تغريدة، قال برينان إن تصريحات ترامب في هلسنكي تعدت «الجرائم الكبرى» وقاربت «الخيانة» وأكدت أنه «في جيب بوتين». وختم برينان: «الوطنيون الجمهوريون، أين أنتم؟».
ومع تفاعل تصريحات ضده، أصدر ترامب تغريدة، من على متن طائرته الرئاسية التي كان يستقلها في طريق العودة إلى الولايات المتحدة والتي يشاهد على متنها عادة القنوات التلفزيونية، حاول فيها الالتفاف على تصريحه بالقول: «كما سبق أن قلت مرات عديدة في الماضي، لدي ثقة كبيرة في جماعتي في الاستخبارات، لكني أدرك أيضاً أننا حتى نبني مستقبلاً أكثر إشراقاً، لا يمكننا أن ننظر إلى الماضي فقط، إذ كقوتين نوويتين علينا أن نتعايش».
وتغريدة ترامب هي محاولة لتشتيت الانتباه عن قوله إن يصدق بوتين على أجهزة استخباراته، وهو التصريح الذي أثار الغضب الأميركي من اليمين واليسار.
لكن ما لن يتمكن ترامب محوه هو موافقته على اقتراح بوتين القائل بإنشاء لجنة استخباراتية مشتركة بين البلدين للتحقيق في اختراقات العام 2016، وهو ما ساهم في المزيد من التأجيج في صفوف الأميركيين، أو على حد تعبير رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، أن «بوتين لا يفهم إلا لغة القوة»، أو كما قال السناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، الذي دعا ترامب إلى عدم إدخال كرة القدم التي أهداه إياها بوتين إلى البيت الأبيض لأنها «من المؤكد محشوة بكل أنواع أجهزة التعقب والتنصت».
وكان الجمهوريون دافعوا عن عقد قمة ترامب - بوتين، حتى بعد صدور القرار الاتهامي بحق 12 ضابطاً روسياً، بحجة أن ترامب سيثير الأمر مع بوتين شخصياً. إلا أنه بعد اللقاء والمؤتمر الصحافي، بدا جلياً وكأن ترامب، الذي يشاكس كل زعماء العالم - الحلفاء قبل الأعداء - يأخذ جانب الرئيس الروسي ضد الاستخبارات الأميركية، وهو موقف أثار عاصفة من الردود، ومن المرجح أن يكبد الرئيس الأميركي كثيراً من رصيده السياسي.

مشكلة الربيع العربي

حسين عبد الحسين

ربما حان وقت المصارحة والاعتراف أن الشعب العربي ليس مستعدا لثورات تطيح بحكوماته المستبدة وتستبدلها بأخرى ديموقراطية. ربما حان وقت الإفادة من دروس التغيير منذ حرب العراق في العام 2003، مرورا بثورة لبنان 2005، وثورات تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن في 2011. ربما حان وقت إدراك أن المستبدين من حكام العرب ليسوا شذوذا، بل هم نتاج طبيعي لنشأتهم، وثقافتهم، والبيئة الحاضنة لهم.

لم يكن صدام حسين استثناء. لم يكن زوج أم صدام، الذي كان يوسع صدام الضرب بالعصا، استثناء. لم يكن مربي صدام وخاله خيرالله طلفاح، الذي أطلق نظرية المساواة بين الفرس واليهود والذباب، استثناء. معظم العرب نشأوا مع عصا أبيهم، وشبشب أمهم، وحزام عمهم. ومعظم العرب انضربوا، وضربوا، وعاشوا في عالم عنيف يرددون فيه "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب"، فانقلبت الجيوش على الحكومات، وانقلب الضباط على الضباط، وانشقت الفصائل عن بعضها البعض، وتناحرت، وتحاربت، واغتالت قادة بعضها بعضا.


لم يبدأ فشل العراق في العام 2003، ولا بدأ فشل مصر وليبيا وسورية في 2011، بل هو فشل ناجم عن تخلف حضاري عربي عن باقي الحضارات والشعوب. لم يبدأ العرب منذ زمن قريب رحلتهم للبحث عن الذات وعن الهوية، ولم يندلع النقاش حول سبل التخلص من الاستبداد مع صدام والأسد والقذافي، بل هي رحلة بدأت منذ وطأة أقدام جيش نابليون مصر قبل أكثر من 200 عاما. يومها رأى العرب بأم أعينهم الفارق الشاسع بين تقدم الغرب وتأخرهم.

في ذلك الزمن، انقسم مفكرو النهضة العربية إلى قسمين: واحد نادى بإصلاح الإسلام لجعله متناسقا مع القرن العشرين، وآخر طالب بإصلاح المسلمين وإعادتهم إلى القرن السابع. مني الفريقان بفشل ذريع، فانقسامهما ظل فكريا، واستمر العرب، من العلمانيين البعثيين والناصريين كما من الإسلاميين، يعيشون في دوامتهم العبثية من العنف المفرط.


ليت التغيير كان ممكنا في عالم العرب ودنياهم. لكن التغيير لا يقتصر على الإطاحة بالحاكم المستبد، على أهمية التخلص من الاستبداد، بل إن التغيير يحتاج إلى ثقافة على مستوى فردي، وعائلي، وعشائري، وقبائلي، ومجتمعي، وقومي. فالرخاء الاقتصادي يتطلب اقتلاع الفساد، واقتلاع الفساد يتطلب محاسبة، والمحاسبة تتطلب ديموقراطية، والديموقراطية تتطلب حرية فردية، والحرية الفردية تتطلب التخلص من هوية الجماعة، والتخلص من هوية الجماعة تتطلب إدراك أن العبادة علاقة بين خالق ومخلوق لا بين خالق وعشيرة أو قبيلة أو شعب.

يردد العراقيون أن صدام رحل، وأن خمسين صدام حلوا مكانه، وهذا صحيح إلى حد ما، فأسس الاجتماع العراقي بقيت على حالها، قبل صدام وبعده، إذ لا يمكن أن ينتج العراقيون دولة أفضل ما لم يتغير مفهوم الدولة في ثقافتهم، وما لم تتغير توقعاتهم التي يعقدونها على الحكومة والحاكم، إذ نرى نفس العراقيين الذين يطالبون بمحاسبة وشفافية وتداول سلطة يطالبون في الوقت نفسه حكامهم بوساطة هنا، ومنحة هناك، ووظيفة تحت طائلة الغضب على الزعيم الفلاني لامتناعه عن "خدمة جماعته"، فالدولة إما جماعات وزعماء وفساد، أو مواطنون ومؤسسات وصلاح.

لهذا السبب، لم يختلف صدام عمن خلفه في الحكم إلا بمستوى دمويته، التي لا يضاهيه فيها أحد، وكذلك لن يختلف الأسد إلا بعنفه المفرط. أما المعارضون، فهم في الغالب نسخ أقل عنفا من الحكام، وأكثر فشلا.

على أنه، وللإنصاف، لا بد من الإشارة إلى حفنة من الديموقراطيين العراقيين واللبنانيين والتونسيين والمصريين والليبيين واليمنيين والسوريين. هؤلاء غالبا ما كانوا في صدارة ضحايا الثورة، إما قتلى أو منفيين. هؤلاء ديموقراطيون، يدركون معنى الحرية، ويعرفون متطلبات بناء دولة حديثة وعصرية، لكنهم أقلية مستهدفة من الحكام والمعارضين في الآن نفسه.

اقرأ للكاتب أيضا: الحاج زياد الرحباني

هكذا أشعلت الأقلية الديموقراطية ربيعا عربيا بدا جميلا في بدايته، عزف ألحانه السوري مالك جندلي، وكتب افتتاحياته اللبناني سمير قصير، وبكى لأجله المصري وائل غنيم، ونشطت في تنظيم تنسيقياته السورية رزان زيتونة. ثم تداور المستبدون ومعارضوهم في القضاء على هؤلاء الأحرار، فانقلبت ثورات الحرية إلى حروب أهلية دموية، والباقي للتاريخ.

هو لم يكن ربيعا عربيا، بل كان حلما عن ربيع موعود، لم يتحقق على أيدي الجيل العربي الحالي، لكنه لن يبقى بعيد المنال إلى الأبد.

الجمعة، 13 يوليو 2018

تصميم أميركي على مواجهة إيران بالقوة

واشنطن: حسين عبد الحسين

في وقت انصب فيه اهتمام غالبية المراقبين على انسحاب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاقية النووية مع إيران في الثامن من مايو (أيار) الماضي، قلة منهم أعارت بنود المذكرة، التي وقعها يومذاك، الكثير من الاهتمام.
في البند الرابع من تلك المذكرة، التي أوعز فيها الرئيس الأميركي للوزارات والوكالات الفيدرالية بإعادة العمل بالعقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل دخول الاتفاقية النووية معها حيز التنفيذ، وتحت عنوان «الاستعداد لحالات الطوارئ الإقليمية»، أورد ترمب التالي: «على وزير الدفاع ورؤساء الوكالات المعنية الإعداد للتعامل، بسرعة وحسم، مع أي شكل من أشكال الاعتداءات الإيرانية الممكنة على الولايات المتحدة، أو على حلفائنا وأصدقائنا». وأضاف البند المذكور أن «على وزارة الدفاع أن تضمن تطوير الولايات المتحدة لوسائل لوقف إيران من تطوير أو حيازة سلاح نووي»، أو «أي أنظمة مرتبطة به»، أي الصواريخ البالستية.
على أثر تعليمات ترمب إلى وزارة الدفاع بالاستعداد لاحتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين أميركا وإيران، زارت وفود أميركية عواصم حليفة في الخليج والشرق الأوسط، وعقدت لقاءات رفيعة المستوى هدفها إعداد سيناريوهات أي مواجهة ممكنة مع الإيرانيين، والقيام بالاستعدادات المطلوبة للتعامل مع هذه السيناريوات المختلفة. بكلام آخر، حرصت القيادة العسكرية الأميركية على تأكيد أن خيار المواجهة العسكرية الأميركي ضد إيران أصبح متوفراً، في حال قرر الرئيس الأميركي استخدامه.
منذ ذلك التاريخ أيضاً، دفعت عدد من التطورات الولايات المتحدة وإيران إلى مواقع أقرب إلى الحرب منها إلى الدبلوماسية، ووفقا لمصدر مطلع، فالقمة التي سيلتقي فيها ترمب نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في هلسنكي في السادس عشر من الشهر الحالي، سيقدم بموجبها الرئيس الأميركي سلسلة من التنازلات لروسيا، بما في ذلك التغاضي عن ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وإعادة إدخال روسيا إلى «مجموعة الدول الثماني»، التي كانت موسكو أخرجت منها على أثر استيلائها على القرم. كما سيؤكد ترمب الموقف الأميركي الموافق على سيطرة الروس على سوريا، شرط أن تكون سيطرة روسية خالصة وخالية من أي مشاركة لإيران وميليشياتها.
أما الطلب الوحيد الذي سيطلبه ترمب من بوتين، فهو انضمام روسيا إلى أميركا في الحملة التي تشنها واشنطن ضد النظام الإيراني، بهدف زعزعته ثم إسقاطه.
وكان محامي الرئيس وعمدة نيويورك السابق رودي جولياني أبلغ مجموعة من «منظمة مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة، أنه يتوقع انهيار النظام الإيراني في غضون عام.
وفيما راحت إيران تسعى لدى الأوروبيين للتخفيف من نتائج العودة المقررة للعقوبات الاقتصادية الأميركية عليها، سبقت مشاغبات طهران رئيسها إلى أوروبا، فقبل أن يصل حسن روحاني العواصم الأوروبية ليبدأ فيها جولة إقناع هذه العواصم بتجاهل العقوبات الأميركية، ذاعت أنباء عن محاولة دبلوماسي إيراني تفجير مجموعة إيرانية معارضة تقيم في فرنسا، وهو ما أثار حنق الأوروبيين، وقدم فرصة للأميركيين ليذكروا حلفاءهم عبر الأطلسي أن إيران «دولة راعية للإرهاب»، مع أو من دون اتفاقية نووية، وأنه في مصلحة أميركا وأوروبا نقض الاتفاقية والانخراط في مواجهة جدية وقاسية تؤدي إلى الإطاحة بالنظام الإيراني.
وربما أدرك روحاني صعوبة المهمة التي تنتظره مع انكشاف أمر الدبلوماسي المزعوم، فبادر إلى توجيه تهديد إلى الغرب بأنه في حال نجحت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها، أي فرض الوقف التام على صادرات إيران النفطية، فإن طهران لن تسكت، بل إنها ستعطل الممرات المائية التي تمر بها ناقلات الطاقة في مضيقي هرمز وباب المندب.
الولايات المتحدة تنتظر فرصة من هذا النوع، فالمزاج الأميركي بعد الحرب في العراق، وحرب أفغانستان المستمرة منذ عام 2001. لا يزال معارضاً للحروب. إلا أن قيام إيران بشن هجمات ضد ناقلات طاقة، ما قد يؤدي إلى رفع أسعار النفط والمواد الاستهلاكية الأخرى بشكل يؤذي المستهلكين الأميركيين، يجعل العمل العسكري ضد إيران مبررا أمام الرأي العام الأميركي.
ويبدو أن الردود الإيرانية على أي ضربة عسكرية أميركية ستأتي بشكل هجوم تنفذه الميليشيات الموالية لها في عموم المنطقة، خصوصا من سوريا باتجاه إسرائيل ومن اليمن باتجاه المملكة العربية السعودية، حسب تقديرات الاستخبارات الغربية. كما يتوقع الأميركيون أن تشن الميليشيات الموالية لإيران هجمات ضد جنودهم في العراق وسوريا.
لكن هذه الميليشيات، التي يمكنها خوض حروب استنزاف على المدى الطويل، لا تبدو قادرة على إيقاع ضرر كبير في مواجهة قصيرة، إلا إذا أوعزت إيران لـ«حزب الله» بشن هجمات صاروخية من لبنان ضد إسرائيل. على أن سيناريو من هذا النوع مستبعد بسبب الأضرار المتوقع أن يحدثها الإسرائيليون ضد دولة لبنان بأكملها عقابا لأي هجوم قد يشنه الحزب المذكور من الأراضي اللبنانية.
الحسابات الإيرانية يبدو أنها تتشابه مع حسابات الغرب، ومفادها أنه في حال وقوع مواجهة عسكرية مباشرة، يمكن للولايات المتحدة إيقاع أذى وضرر بإيران، بما في ذلك بنيتها التحتية، ومقرات «الحرس الثوري» والحكومة والجيش، بشكل غير مسبوق. وقد تكون هذه الحسابات هي التي دفعت المسؤولين الإيرانيين إلى إصدار توضيحات، كانت بمثابة تراجع، حول تهديدات روحاني للممرات المائية.
هكذا، لن تبادر الولايات المتحدة إلى شن الضربة الأولى ضد إيران، لكنها ستعمل على مدى الأشهر المقبلة على محاصرة إيران دبلوماسيا، وخنقها اقتصاديا إلى أقصى حدود، بشكل يجبر الإيرانيين على التسرع والقيام بهجوم عسكري ضد أميركا أو أي من حلفائها بشكل يقدم لإدارة ترمب العذر الذي تنتظره.
هذا يعني أن الجبهة الأميركية ضد إيران تتحرك على جهتين: اقتصادية دبلوماسية وعسكرية؟ في الشق الاقتصادي، تعمل وكالات الحكومة الفيدرالية الأميركية على تأكيد أن عقوباتها الأحادية، وبالاشتراك مع بعض الحلفاء، ستؤذي الاقتصاد الإيراني وتؤدي إلى هزه. هذه المرة، تبدو واشنطن مصممة على معاقبة من يتعامل مع إيران ماليا، بما في ذلك الحلفاء الأوروبيون والعرب.
وكان الاتحاد الأوروبي حاول امتصاص العقوبات الأميركية على إيران، إلا أنه وجد نفسه أمام معضلة، فالشركات الكبرى، مثل شركة الطاقة الفرنسية توتال، هي شركات عابرة للقارات، ولا يناسبها إغلاق السوق الأميركية والقطاع المصرفي الأميركي، الأكبر في العالم في وجهها. لذلك، أصدرت توتال بيانا، على أثر إعلان ترمب نيته إعادة فرض العقوبات الأميركية، أعلنت فيه انسحابها من عقود كانت وقعتها مع طهران لتطوير حقل نفط «بارس 11» الإيراني. أما الشركات الأوروبية الصغيرة غير العابرة للقارات، والتي لا تؤذيها خسارة السوق أو البنوك الأميركية، فهذه لا إمكانيات لديها للقيام بما كانت ستقوم به توتال، لناحية تطوير قطاع الطاقة الإيراني.
هكذا، بدأت كبرى الشركات الأوروبية تنسحب ذاتيا من عقودها مع إيران، على الرغم من محاولات أوروبا تقديم ضمانات لحماية شركاتها من العقوبات الأميركية الممكنة عليها في حال بقائها في السوق الإيرانية. وانسحاب الشركات الأوروبية من إيران، حتى لو واصلت حكوماتها مماشاة طهران وتمسكها بالاتفاقية النووية، سيؤدي إلى اهتزاز الاقتصاد الإيراني، وهو ما أدركه كبار قادة النظام الإيراني، فراحوا يتسابقون لتهريب ثرواتهم خارج البلاد.
وفي هذا السياق، رصد الخبراء الأميركيون تواصل النزيف في رؤوس الأموال التي تسارع للهروب من إيران منذ وصول ترمب إلى الحكم في يناير (كانون الثاني) 2017. ويقول الخبراء الأميركيون أن في صدارة مهربي أموالهم إلى الخارج قادة «الحرس الثوري الإيراني» ممن جمعوا ثروات باستغلال مناصبهم ونفوذهم. وفي هذا السياق، يقدر الخبراء الأميركيون حجم الأموال التي خرجت من إيران بين مارس (آذار)2017 ومارس 2018 بـ59 مليار دولار، حسب التقارير الرسمية الإيرانية، بما في ذلك خروج 13 مليارا في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
كما رصد الخبراء الأميركيون تقارير إيرانية تحدثت عن انخفاض في احتياطي إيران من العملات الأجنبية بواقع 16 مليار دولار في الفصول الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، مقارنة بزيادة بلغت نحو 28 مليارا على مدى السنوات الثلاث التي سبقت مرحلة بدء تقلص الاحتياطي، وهي عملية مستمرة منذ أكثر من عام.
وتعتقد الأوساط المتابعة للشأن الإيراني أن «الثقة بالاقتصاد الإيراني اهتزت منذ إعلان الرئيس ترمب نيته الانسحاب من الاتفاقية النووية»، وأن «تدهور الاقتصاد الإيراني بدأ فعليا قبل عام أو أكثر، ولن تنجح أوروبا والصين وروسيا في وقفه، بل الأرجح أن يتدهور الاقتصاد الإيراني بوتيرة أسرع مع حلول موعد 4 نوفمبر (تشرين الثاني)»، وهو التاريخ النهائي لعودة كل العقوبات الأميركية، التي كان رفعها الرئيس السابق باراك أوباما، إلى حيز التنفيذ.
منذ قيام الثورة في عام 1979. لم يسبق أن واجه النظام الإسلامي إدارة أميركية بهذا التصميم والشراسة على مواجهة إيران. لطالما واجه الأميركيون إيران بشكل غير مباشر، وحاولوا استمالتها لإعادة الود بين البلدين بين الحين والآخر. لكن شراسة ترمب عير المسبوقة ضد إيران يبدو أنها دفعت روحاني إلى تعديل أسلوبه، فيما يشي بتخبط وارتباك إيراني حول كيفية التعامل مع الخطر الداهم. أما آخر خطط روحاني، فمفادها أن إيران ستصبر على العقوبات الأميركية المتوقعة، من دون ردود عسكرية، وستنتظر انتهاء ولاية ترمب. لكن ترمب قد لا ينتظر نهاية ولايته من دون أن يفرض التغيير في طهران.

ترشيح هيل وكيلاً لـ «الخارجية» يشي بالتناقض في رؤى إدارة ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

صحت التوقعات التي نقلتها «الراي»، الشهر الماضي، حول نية وزير الخارجية مايك بومبيو تعيين سفير الولايات المتحدة لدى باكستان ديفيد هيل وكيلاً للشؤون السياسية، وهو ثاني أعلى منصب في الوزارة، إذ أبلغ البيت الأبيض، قبل أيام، مجلس الشيوخ نيته تعيين هيل، تمهيداً لدعوته لحضور جلسة استماع تسبق المصادقة على تعيينه في منصبه الجديد.
وسبق لهيل أن عمل سفيراً لأميركا في لبنان، ويعزا إليه أنه رعى موافقة رئيس الحكومة سعد الحريري على ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية للرئاسة، وهي الموافقة التي أفضت لانتخاب ميشال عون، حليف «حزب الله» الأقرب، رئيساً للبنان. 
ويتمتع هيل بصداقات شخصية متينة في لبنان منذ تدرجه فيه ديبلوماسياً قبل عقود وقبل وصوله بيروت سفيراً، منها مع نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، كما مع فرنجية.
ويشي تعيين هيل بالتناقض في الرؤى والسياسات داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، بين صقور يقودهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، وحمائم بقيادة بومبيو ومعه وزير الدفاع جيمس ماتيس. 
ويتمتع كل من بولتون وبومبيو بعلاقة متينة وقنوات مستقلة مع ترامب، وهو ما يجعل من الصعب التكهن بآراء أي منهما يأخذ الرئيس قبل إعلان مواقفه. 
وفي سياق التضارب المذكور، علمت «الراي» أن ماتيس والمبعوث السابق لقيادة التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم «داعش» بيرت ماكغيرك يسعيان لإقناع البيت الأبيض بضرورة دعم اختيار «مجلس النواب» العراقي للنائب هادي العامري، رئيس كتلة «فتح» الممثلة لميليشيات «الحشد الشعبي»، رئيساً للحكومة العراقية المقبلة.
وللرجلين، ماتيس وماكغيرك، تجربة طويلة مع العامري أثناء انخراط الطرفين معاً في الحرب ضد «داعش». ومن الآراء التي يقدمانها لتسويق العامري قولهما إن الأخير يتمتع بمزايا قيادية، وصادق في تعامله مع المسؤولين الأميركيين، ويفي بوعوده.
لكن قائد الصقور في الإدارة، بولتون، أبدى معارضة شديدة لوصول العامري إلى رئاسة الحكومة العراقية، معللاً رفضه بالقول إن العامري «رجل إيران» في العراق. وحاول ماتيس نفي هذه الصفة عن العامري بالقول إن رجال ايران يتضمنون النائب جمال جعفر آل ابراهيم المعروف بـ «أبي مهدي المهندس» وقادة الميليشيات من أمثال قيس الخزعلي، وأن للعامري استقلالية على الرغم من علاقاته بالإيرانيين. 
لكن بولتون تمسك برفضه، معرباً عن اعتقاده أن لواشنطن خيارات تدعمها لرئاسة الحكومة في العراق غير العامري، وأن الاسماء الأخرى المطروحة، مثل رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، يتمتع باستقلالية أكبر عن إيران، وللولايات المتحدة تجربة جيدة معه.
الانقسامات داخل إدارة الرئيس ترامب مستمرة حول لبنان والعراق وسورية وإيران و«حزب الله». في الوقت الحالي، يميل ترامب إلى بولتون والصقور ويتمسك بسياسة مواجهة شاملة ضد إيران وحلفائها. 
ولكن بالنظر الى تجربة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي انتقل من الصقور المعروفين حينذاك بـ «المحافظين الجدد» إلى الحمائم بقيادة وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس وفريق الديبلوماسيين، ومن بينهم هيل، يشي بأن التغيير ليس مستحيلاً في الإدارات الاميركية، وأن هيل قد يبدو خياراً خارجاً عن خط البيت الأبيض اليوم، لكن هذا البيت الابيض نفسه قد يستعين بالحمائم في مقبل الأيام، خصوصاً في حال تعثرت سياسات الصقور.

جهود في الكونغرس لإدراج «الإخوان» على لائحة التنظيمات الإرهابية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

جدّدت بعض دوائر النفوذ في العاصمة الأميركية جهودها لحمل الإدارة الأميركية على إدراج «الإخوان المسلمين» على لائحة التنظيمات الإرهابية، وعقدت في هذا السياق «لجنة مراقبة الحكومة» في الكونغرس جلسة استماع شارك فيها عدد من الخبراء ممن قدموا آراءهم حول «خطورة التنظيم وضرورة تصنيفه إرهابياً»، وبعضهم الآخر ممن عارضوا خطوة من هذا النوع.
ويمكن تلخيص رؤية مطالبي الإدارة بإدراج «الإخوان» على لائحة الإرهاب بما ورد في شهادة كبير الباحثين في معهد هدسون هيلل فرادكن، الذي قال إن التنظيم نشأ في مصر، وتحوّل فيها اليوم إلى «تنظيم مهزوم، ولكن سبق للتنظيم أن استوعب هزائم في السابق، جزئياً عبر إيجاد قواعد له في أماكن اخرى». وأضاف فرادكن: «في ستينات القرن الماضي، (نقل) التنظيم قواعده البديلة إلى السعودية، واليوم (نقلها) إلى تركيا وقطر».
واعتبر فرادكن أن «الحديث عن سلمية التنظيم بعد وصوله الى السلطة أثبت خطأه، وأن صعوده الى السلطة بعد ثورة مصر في العام 2011 أظهر أن طموح الاخوان هو إقامة نظام في مصر يتطابق إلى حد ما مع رؤيتهم التأسيسية المتطرفة». 
واقتبس فرادكن من خطاب أدلى به نائب مرشد «الاخوان» خيرت الشاطر أمام المحازبين، وقال فيه إن «الساعة التي تنبأ بها (حسن) البنا(مؤسس الإخوان) قد حانت».
ومثل فرادكن، شنّ الباحث في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»جوناثان شانزر هجوماً على التنظيم، واعتبره «خطراً على العالم والولايات المتحدة». واتهم دولة عربية بدعم فروع «الاخوان» في تونس، ورعاية «حركة النهضة»، وتجمع الإصلاح اليمني، والإسلاميين في ليبيا. 
على أن اللجنة عرضت كذلك آراء خبراء من المعارضين لإدراج «الإخوان المسلمين» على لائحة التنظيمات الإرهابية لوزارة الخارجية. من هؤلاء كان السفير السابق دانيال بنجامين، الذي سبق أن عمل منسقاً ضد الإرهاب في الخارجية. ومما قاله بنجامين إن التنظيم «لا يشكل خطرا دوليا»، وأنه على الرغم من أن حماس الفلسطينية المحسوبة على التنظيم مدرجة على لائحة الارهاب، إلا ان لحماس وثائق تأسيسية منفصلة وقيادة مستقلة وتاريخاً مختلفاً. 
وقال بنجامين: «قد تكون الولايات المتحدة تتمتع اليوم بعلاقات أفضل مع بعض الدول العربية، لكن سمعتها بين المسلمين عالميا في أدنى مستوياتها بسبب حظر السفر (الذي فرضه) الرئيس (دونالد) ترامب، وحديثه الفضفاض عن منع المسلمين وإدراجهم في قاعدة بيانية». وختم بالقول إن «الولايات المتحدة تواجه تهديدا مستمرا من عنف الإرهابيين الجهاديين» وإن «خطوات غير حكيمة مثل إدراج مجموعات الإخوان المسلمين (على لائحة الإرهاب) ستعمق العداء ضد أميركا، وعلينا ألا نقوم بأي ما من شأنه ان يساعد أعداءنا في تجنيد المزيد». 
ومع جلسة الاستماع والتغطية الإعلامية التي حازتها، من المتوقع أن يتحرك بعض أعضاء الكونغرس لدى الإدارة الأميركية لحملها على الايعاز لوزارات المالية والخارجية والعدل والدفاع على البدء بعملية قد تفضي الى إدراج التنظيم على لائحة التنظيمات الإرهابية لوزارة الخارجية، وهو تحرك تشريعي قد يلقى آذاناً صاغية لدى الإدارة، خصوصاً في ظل النفوذ الذي يتمتع به حالياً جناح الصقور بقيادة مستشار الأمن القومي جون بولتون وفريقه داخل البيت الأبيض.

الثلاثاء، 10 يوليو 2018

واشنطن: حل الأزمة الخليجية يمنع تهرب إيران من العقوبات

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علمت «الراي» من مصادر رفيعة المستوى في العاصمة الأميركية واشنطن أن وزير الخارجية مايك بومبيو يسعى لإقناع المسؤولين الخليجيين بضرورة سرعة التوصل إلى تسوية للازمة الخليجية «لوقف تطور العلاقات الاقتصادية والمالية بين الدوحة وطهران، وهو ما من شأنه أن يفتح باباً يسمح لإيران بالتهرب من العقوبات الأميركية» التي تدخل حيز التنفيذ على دفعتين هذا الشهر وفي نوفمبر المقبل. 
وذكرت المصادر أن بومبيو لفت إلى أن «المبادرات الكويتية المتكررة لحل الأزمة الخليجية يمكنها أن تقدم مخرجاً لائقاً يحفظ ماء وجه جميع المعنيين».
وكان بومبيو زار دولة الامارات العربية المتحدة، والتقى أمس ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد ومسؤولين إماراتيين، وعرض وجهة النظر الأميركية القائلة بضرورة إقفال كل المنافذ الاقتصادية والمالية في وجه إيران، مع حلول مطلع نوفمبر.
يذكر ان مسؤولين أميركيين اعربوا عن قلقهم من «التحسن الكبير الذي طرأ في العلاقات بين الدوحة وطهران منذ نحو عام». ولفتوا إلى أن صادرات إيران إلى الدوحة تضاعفت، وسجلت أرقاما قياسية، وبلغت 75 مليون دولار مع نهاية الربع الأول لهذه السنة، أي بمعدل 20 مليون دولار في الفصل الواحد. 
ويعتقد المسؤولون أن هذا الرقم في ارتفاع، وأنه «من شبه المستحيل إقناع الدوحة بإقفال هذا الخط التجاري، الذي صار يعود بالملايين على إيران، مع استمرار مقاطعة قطر».
كما أبدى المسؤولون الأميركيون قلقهم من أن «يتوسع التعاون التجاري بين قطر وإيران ليشمل القطاع المصرفي». وأشار مراقبون أميركيون إلى أنهم رصدوا «تحويلات بين مصارف ايرانية ونظيرتها القطرية»، ويخشون من أن «تتخذ إيران من الدوحة بديلاً عن مدن عربية أخرى قاربت إقفال مصارفها في وجه الإيرانيين».
وأشاد المسؤولون الاميركيون «بإجراءات اتخذتها الإمارات لوقف النشاطات المالية والتجارية الايرانية عبر مصارفها ومؤسساتها، في الوقت الذي تمارس فيه واشنطن ضغوطاً كبيرة على بغداد وبيروت لمنع تحويل أي من هاتين المدينتين إلى واجهة للنشاطات الاقتصادية الايرانية السرية».
هذه المخاوف الاقتصادية هي التي نقلها بومبيو إلى المسؤولين الخليجيين طالبا «التعامل مع الأزمة القطرية مع الأخذ بعين الاعتبار الأهمية الاستراتيجية للإطباق على الاقتصاد الايراني». 
وأشارت المصادر إلى أن بومبيو «كرّر للإماراتيين تعهد واشنطن بانتهاء أي تمويل قد يكون مصدره قطر لأي مجموعات إرهابية»، وأنه أيضاً «أشار إلى مبادرات التسوية الكويتية المتكررة كمخرج لائق يحفظ ماء الوجه لجميع المعنيين».

لما لا يمول 'أصدقاء الفلسطينيين' الأونروا؟

حسين عبدالحسين

يبدو أن كل الحديث عن القوى العظمى البديلة، التي يفترض أنها ستملأ الفراغ الأميركي حول العالم ـ من الصين الصاعدة إلى روسيا الواعدة، فدول "بريكس" و"محور المقاومة" ـ كلام فارغ.

خفضت الولايات المتحدة مساهمتها في الميزانية السنوية لـ"وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) من 364 مليون دولار إلى 60 مليونا، فقلصت الوكالة من تقديماتها إلى اللاجئين الفلسطينيين بشكل جذري صار يثير تظاهرات دورية في صفوف عاملي الوكالة واللاجئين. ثم التقت قوى العالم لسد الفراغ الأميركي، فقدمت مجتمعة 54 مليون دولار وبقيت الوكالة بحاجة إلى 250 مليونا إضافية.

الظريف في الأمر أنه حتى بالنسبة للعاملين في حقل الإعلام والسياسة، لم تكن غالبية هؤلاء على دراية بحجم المساهمة الأميركية السنوية في ميزانية الأونروا، فلا واشنطن كانت تعلن هذه الأرقام لمحاولة الإفادة منها سياسيا ولا غالبية الفلسطينيين أبدت يوما أي شكر أو تقدير للأميركيين وأموالهم، بل قد يكون الفلسطينيون من أكثر من يكيلون الشتائم للولايات المتحدة. جزء من شتائم الفلسطينيين لأميركا سببه تحالف أميركا مع إسرائيل، وجزء آخر سببه خطاب معاداة الإمبريالية السائد خارج الغرب.

من الخطوة الأميركية تجاه الأونروا ونتائجها يمكن استخلاص بعض الدروس؛ أولها أن الزعامة الأميركية للعالم لا تزال من دون منازع وأن الحديث عن قوى بديلة، مثل الصين أو روسيا أو غيرها، هو من باب الترفيه والدردشة فحسب، فإما أن هذه القوى البديلة غير قادرة على سد الفراغ الأميركي أو أن هذه القوى قادرة ولا تكترث بالفلسطينيين والعرب ولا مصالحهم على الرغم من علاقة الود بين هذه القوى البديلة والعرب والفلسطينيين.

اقرأ للكاتب أيضا: الحاج زياد الرحباني

ثاني الدروس أن أميركا لم تكن غافلة عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين يوما منذ اندلاع أزمتهم قبل نحو 70 عاما، والدليل هو السخاء الأميركي الذي لا تضاهيه أي من تبرعات الشعوب الأخرى تجاه اللاجئين الفلسطينيين وشؤونهم واستشفائهم وتعليمهم، وهو ما يعني أن كل هذه العقود من الحديث عن التآمر الأميركي ضد الفلسطينيين هو ثرثرة سياسية.

ثالث الدروس هو أن على العالم أن يعي أن أميركا كفلت النظام العالمي على مدى عقود ومولته ودافعت عنه اعتقادا منها أن هذا النظام يصب في مصالحها الاستراتيجية. لكن عندما تصبح مؤسسات الأمم المتحدة ألعوبة في أيدي الدول المعادية لأميركا وعندما يصبح من يثيرون السخرية أعضاء في لجان المنظمة الدولية، مثل ترؤس "سورية الأسد" للجنة مكافحة الأسلحة الكيماوية والنووية، أو عندما تكون الدول الأعضاء في "مجلس حقوق الإنسان"، مثل الصين وكوبا، هي في طليعة الدول التي تمعن في تجاوز هذه الحقوق، وقتذاك يعني أن أميركا تنفق أموال دافعي ضرائبها هباء والأجدى إعادة النظر في المنظومة العالمية ومنظمتها.

لا شك أن منظمة الأمم المتحدة هي فكرة رائدة وطليعية، لكن تجربتها لم ترتق إلى الطموحات التي انعقدت عليها وهو ما يتطلب إصلاحها وإصلاح النظام الدولي العالمي المريض بأسره، فإما أن تتكاتف دول العالم وتمتثل للقوانين الدولية وفي طليعتها تسديد ما عليها لتأمين حسن سير المنظمة، أو لا مصلحة لأميركا في الاستمرار في تمويل مؤسسة جل ما تفعله هو محاولة إدانة الولايات المتحدة وتصويرها كوحش عالمي كاسر.

أما اللاجئون الفلسطينيون، فقد لا يضيرهم كلمة لطيفة تجاه الدول المانحة للأونروا، وفي طليعتها أميركا، فهذه هي الآداب التي تحكم العلاقة بين المانحين ومتلقي المنح إذ لا يعقل أن يستمر الشعب الأميركي بالتمويل، وبسخاء، عمل مدارس تنجب طلبة متمرسين في معاداة الولايات المتحدة.


في الفترة القصيرة التي ترأس فيها محمد مرسي مصر، أنفق جل وقته وتصريحاته في الحديث عن نية حكومته نقل مصر من معسكر الولايات المتحدة إلى معسكر القوى البديلة، وكرر أن مصر تنوي الانضمام إلى "بريكس". وتلا مرسي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يزور موسكو بين الحين والآخر لاعتقاده أنه يمكنه بذلك إثارة غيرة واشنطن، وسط حديث عن إمكانية منحه روسيا حقوق إقامة قواعد عسكرية في مصر. المسألة هنا سهلة، إذا أراد السيد السيسي الانتقال إلى معسكر روسيا فلتقدم روسيا له ملياري دولار سنويا كمساعدة.

يمكن للسيد السيسي، أو لأي من العرب ممن يستخفون بصداقتهم مع أميركا، النظر إلى الأونروا والحكم بأنفسهم: أين هي القوى البديلة التي ستسندهم في حال تخليهم عن الولايات المتحدة؟ ولما لا يمول "أصدقاء الفلسطينيين" الأونروا للتعويض عن تخفيضات (لا وقف) أميركا مساهمتها؟

كافة الخطط الاقتصادية اللبنانية ستبوء بالفشل ما لم تنجح الحكومة في السيطرة على نفوذ حزب الله

حسين عبدالحسين

قامت شركة “ماكنزي” للاستشارات الإدارية بتقديم خطة اقتصادية للحكومة اللبنانية مدتها 5 سنوات، ومن المُتوقّع لتلك الخطة أنها ستكون نواة برنامج الحكومة القادمة التي سيقوم سعد الحريري بتشكيلها، وعلى أي حال فإن تفاصيل الخطة لم يتم الكشف عنها بعد، لكن الخطة بالعموم تقترِح تخفيض نفقات القطاع العام من 40% إلى 15%، ونصحت شركة “ماكنزي” الحكومة اللبنانية بتوجيه الاستثمارات للقطاعات الإنتاجية، مثل شركات التكنولوجيا الناشئة والخدمات والسياحة والقطاع الصناعي، وبعيداً عن أن تلك الخطة ربما كانت مستوحاة من هواجس جيل الألفية، فإنه يجب وضع حلول جذرية للمشكلة الاقتصادية اللبنانية خاصة وأن البلاد تُعاني من ظروفاً خاصة، وما لم يتم وضع تلك الحلول فإن تلك الخطة سيكون مصيرها الفشل.

وبناء على طلب الحكومة، فإن شركة “ماكنزي” أهملت الآثار السياسية التي من الممكن أن تطال الاقتصاد، وبدلاً من التركيز على تبعات الأنشطة العسكرية المستمرة لحزب الله في المنطقة؛ فإن شركة “ماكنزي” عمدت إلى الاكتفاء بالنصح باتخاذ خطوات إدارية من أجل إخراج لبنان من أسوأ الأزمات المالية والاقتصادية التي واجهت لبنان منذ الإعلان عن استقلال البلاد في العام 1943.

والحقيقة أن شركة “ماكنزي” أضرّت بلبنان بسبب تجاهُل نتائج أنشطة حزب الله على الاقتصاد اللبناني، وكانت دراسة صادرة عن البنك الدولي قد أكّدت على أن مُعظم المؤسسات الاقتصادية ترى أن العقبة الكبرى التي تقف أمام تنمية الاستثمار في لبنان تعود إلى “عدم الاستقرار السياسي”، وقال أكثر من ثلثي رجال الأعمال الذين شملتهم الدراسة أن الفوضى السياسية تعُد العقبة الرئيسية أمام قيامهم بمشروعات استثمارية في لبنان، ويجب على شركة “ماكنزي” أن تتيقّن من أن الخطة الاقتصادية المُزمعة التي تمتد لخمس سنوات، والتي تعتمد على خفض النفقات الحكومية فقط قد لا يُكتب لها النجاح.

والحقيقة أن مسألة الفصل بين السياسة والاقتصاد طالما كانت مطلباً أساسياً لحزب الله، خلال مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية؛ وحينما كانت البلاد تحت الوصاية السورية تم إيكال مهمة إعادة إعمار لبنان لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وحينها كان حزب الله يُصنّف على أنه حركة مقاومة وطنية، واتهم المعارضون رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري بالإفراط في الاستدانة من أجل تنفيذ خطة إعادة الأعمار حتى وصلت الديون إلى سبعة مليارات دولار.

ولم يكُن من خيار آخر أمام الحريري سوى الاقتراض من أجل إعادة إعمار البلاد الي دمرتها الحرب وإصلاح بنيتها التحتية، والواقع أن حزب الله اختار طريق المواجهة العسكرية مع إسرائيل بدلاً من التفاوض، وهذا أدّى بدوره إلى إجبار الحكومات المتعاقبة التي قام الحريري بتشكيلها على اقتراض الأموال بمعدلات فائدة مرتفعة بسبب تكلفة الحرب المستمرة مع إسرائيل، وأيضاً فقد أُجبِر الحريري على إصلاح بعض المنشآت مثل محطات الكهرباء مرّات عديدة، حيث أن تل أبيب غالباً ما كانت تُعاقِب حزب الله عبر قصف البنية التحتية اللبنانية.

الخميس، 5 يوليو 2018

غياب خطة حكومية لمواجهة تهديدات إيران... النفطية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في وقت دعا عدد من النواب الحكومة إلى التعامل بجدية مع التهديدات الإيرانية بمنع شحنات النفط من الدول المجاورة، إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في إجبار الدول كافة على وقف شراء النفط الإيراني، وأشاروا إلى انه لا توجد، للأسف، خطة حكومية للتعامل مع هذه التهديات، لو نفّذت، أكدت الولايات المتحدة «استعداد» قواتها والحلفاء «لضمان حرية الحركة وتداول التجارة الحرة» في الخليج العربي، في حين جدّد الرئيس دونالد ترامب اتهامه منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بدفع أسعار الوقود للارتفاع، وحضَّ أعضاءها على عمل المزيد. 
واعتبر عضو لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية النائب الدكتور عادل الدمخي، تهديد قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني قاسم سليماني بأنه «خطير»، لافتاً إلى أنه سبق أن طلب غير مرة بعقد جلسة خاصة للتعرف على جهوزية الحكومة أمام الأخطار المحدقة.
وقال الدمخي لـ«الراي»: «إن ما تلفّظ به سليماني وتهديده بعرقلة صادرات النفط الخليجي خطير، وبمثابة تهديد للاقتصاد الخليجي على وجه العموم والكويتي على وجه الخصوص»، لافتاً إلى أن «هذا التهديد ستكون له تبعاته على الأمن الوطني للدول الخليجية».
وحضّ الحكومة على اتخاذ الإجراءات الاحترازية الكافية، مطالباً بافتراض الاحتمالات كافة، وأن تضع الاستعدادات والتجهيزات لكل احتمال، داعياً دول الخليج قاطبة إلى التوحد في مواجهة هذه التهديدات على اقتصادها.
وأشار الدمخي إلى تقديمه سؤالاً برلمانياً عن استعدادات الدولة للأخطار الإقليمية ومدى جهوزية الحكومة بكل مؤسساتها لحالة الطوارئ، «ودعونا مع نواب لتخصيص جلسة للتعرف على جهوزية الحكومة لمواجهة الأخطار».
وقالت عضو لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية النائب صفاء الهاشم لـ «الراي»: «يتملكني اليقين التام، أن ما يجري في المنطقة من حروب مستمرة وقتل، وتحديداً في منطقتنا الخليجية والعربية مخطط له وليس وليد اللحظة، ما يحدث راهناً خطة واضحة ممنهجة، وتطبخ على نار هادئة»، متسائلة «هل يوجد إقليم على كوكب الأرض يغلي سياسياً كما هو الحال في منطقتنا الخليجية والعربية؟ حتى أفريقيا ظلت تعاني من القلاقل لسنوات ثم تعدلت أوضاعها، لذا علينا الانتباه وتدارك أنفسنا».
وأوضحت الهاشم: «أما السؤال عن خطة طوارئ، فأقول لكم... لا نملكها، ولن يتم الاعلان عنها، ولا توجد خطط»، منوهة بتحذيرات «حكيمنا وكبيرنا سمو الأمير حفظه الله الدائمة بالمحافظة على ترابطنا الداخلي وتكاتفنا لأننا نعيش وسط إقليم سياسي ملتهب».
وقال عضو اللجنة المالية البرلمانية النائب أسامة الشاهين لـ «الراي» ان «التهديدات المنسوبة لقاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق القدس المصنف إرهابياً، هي تهديدات مزعجة ومظهر جديد من مظاهر العدوانية الايرانية، فعلى الرغم من ان الخلاف أميركي - ايراني إلا ان تهديداته انصبت على دول الخليج مباشرة دون مراعاة لشعوبها قبل أنظمتها، وفيه انتهاك جديد لحقوق الجيرة، وهو ما سبق للكويت قيادة وشعباً أن أكدت التنبيه عليه مراراً وتكراراً ولكن بلا أصداء إيجابية من الجانب الإيراني».
إلى ذلك (وكالات)، أكد الناطق باسم القيادة الوسطى في الجيش الأميركي بيل أوربان، أمس، إنّ «القوات البحرية الأميركية والحلفاء الإقليميين جاهزون لضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للبضائع حيثما يتيح القانون الدولي (في الخليج العربي)».
وجاء تعهد الجيش الأميركي رداً على تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارته لسويسرا، الذي هدد فيها بمنع صادرات نفط دول المنطقة إذا تم منع طهران من تصدير النفط، والتي أشاد بها قائد «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري» قاسم سليماني، قائلاً إن «الحرس الثوري مستعد لتطبيق سياسة تمنع صادرات النفط الإقليمية إذا تم حظر مبيعات الخام الإيرانية»، فيما انضم قائد آخر وهو إسماعيل كوثري إلى درب التهديدات المعلنة.
لكن طهران تراجعت أمس، عن تهديداتها (وكالات)، وقال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، حشمت الله فلاحت بشه، في حديث مع وكالة البرلمان «خانه ملت»، إن إيران «لا يمكنها إغلاق مضيق هرمز».
وفي شأن تهديدات روحاني، وإشادة سليماني بها، أوضح بشه إن الرئيس لم يقصد بكلامه عن عدم إمكانية تصدير نفط المنطقة، «إغلاق مضيق هرمز».
في المقابل، قدم تهديد روحاني، فرصة لعدد من المسؤولين الأميركيين للبدء بقرع طبول الحرب والمواجهة، على الأقل في مجالسهم الخاصة.
وعلمت «الراي» من مصادر رفيعة المستوى انه منذ مايو، أي منذ يوم إصدار ترامب مرسوماً تنفيذياً طلب فيه من وزارة الدفاع الاستعداد لمنع حيازة ايران سلاحاً نووياً، تعمل القيادة العسكرية - بالاشتراك مع الحلفاء في الخليج والشرق الأوسط عموماً - على إعداد السيناريوات المتعددة لاندلاع حرب مفتوحة مع الايرانيين على أكثر من جبهة، بما في ذلك احتمال محاولة ايران إقفال الممرات المائية التي تعبرها ناقلات الطاقة الخليجية، وقيام الميليشيات الموالية لايران بشن هجمات ضد جنود أميركيين في العراق وسورية، وضد اسرائيل، وضد مصالح اخرى تابعة للولايات المتحدة وحلفائها.
وكان صديق الرئيس ومحاميه عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، أبلغ حشداً من منظمة «مجاهدين خلق» الايرانية المعارضة توقعاته ان نظام الجمهورية الاسلامية سينهار في غضون عام. ورفض المسؤولون الأميركيون نفي تصريحات جولياني أو التعليق عليها، واكتفوا بالاشارة إلى ان لا صفة رسمية للرجل للتحدث باسم الادارة الاميركية، وان ما ادلى به يعبر عن رأيه الشخصي.
لكن تفادي إدارة الرئيس ترامب التعليق على تصريحات جولياني حول قرب الاطاحة بالنظام الايراني لم يقدم تطمينات لازمة لمعارضي الحرب.
ويتداول معارضو أي حرب أميركية ممكنة ضد إيران تقارير مفادها بان القيادة العسكرية عقدت لقاءات مكثفة مع نظيراتها في الخليج والشرق الاوسط، ووضعت خططاً واستعرضت سيناريوات المواجهة. وقال بعض المعارضين انه على عكس السياسيين، فان القيادة العسكرية الأميركية لا تناور، وان تصرفاتها تشي بأنها ترجح اندلاع حرب أميركية مع ايران.
وفي سياق متصل، عمدت الديبلوماسية الاميركية - على مدى الايام الماضية - بالاتصال بالحلفاء الاوروبيين المعارضين لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع ايران، ولفت نظر هؤلاء الحلفاء إلى محاولة النظام الايراني القيام بتفجير يستهدف معارضين ايرانيين مقيمين على الاراضي الأوروبية. وحاول الديبلوماسيون الأميركيون تذكير نظرائهم الاوروبيين بان «ايران دولة راعية للارهاب، وان تصرفها الأخير يؤكد انها لم تتوقف عن رعاية الارهاب والارهابيين حول العالم، حتى بعد التوصل لاتفاقية نووية معها».
من ناحية ثانية، كتب ترامب على «تويتر» في وقت متقدم من ليل الأربعاء: «يجب على (أوبك) المحتكرة أن تتذكر أن أسعار البنزين مرتفعة، وأنهم لا يفعلون شيئاً يذكر للمساعدة. هم يدفعون الأسعار للارتفاع، بينما الولايات المتحدة تدافع عن الكثير من أعضائها (أوبك) مقابل القليل جداً من الدولارات. هذا يجب أن يكون طريقاً في اتجاهين. خفضوا الأسعار الآن».
وقال محافظ إيران لدى «أوبك» حسين كاظم بور أردبيلي، إن ترامب تسبب في رفع أسعار النفط بتغريداته على «تويتر».
ونقل الموقع الإخباري لوزارة النفط الإيرانية على الإنترنت (شانا) عن أردبيلي: «تغريداتك تسبّبت في زيادة الأسعار بما لا يقل عن عشرة دولارات. من فضلك كف عن هذا الأسلوب»، مشيراً إلى أن ترامب يسعى لزيادة حدة التوترات بين إيران والسعودية.

الأربعاء، 4 يوليو 2018

تسابُق روسيا وإيران من أجل السلطة في سوريا من خلال وكلاء حزب الله والجماعات الشيعية

حسين عبدالحسين

يتصاعد التوتُر في سوريا بين الميليشيات الموالية لروسيا وتلك الموالية لإيران، وسط علامات على أن موسكو وطهران تتسابقان من أجل تجنيد العشائر المحلية، في الشهر الماضي أطلق أفراد من عشيرة الجمال اللبنانية الصغيرة الموالية لحزب الله الرصاص على مقاتل من عشيرة الجعفري الموالية لروسيا على الجانب السوري من حدودها مع لبنان مما أسفر عن اشتباكات دموية بين القبائل، وبينما يبدو الأمر وكأنه ثأر تقليدي في وادي البقاع، إلا أنه يعكس شقاقا مُتنامِياً بين روسيا وإيران، ففي الوقت الذي تحاول فيه موسكو تجنيد العشائر وإنشاء ميليشيات لبنانية –سورية؛ يحاول حزب الله إظهار نفسه على أنه من يملك اليد الطولي فعلياً في البقاع، حيث تحافظ العشائر على الأعراف القبلية.

فمنذ تأسيسه عام 1982؛ تنصّل حزب الله من العشائر الشيعية اللبنانية الكبرى في البقاع كعشائر آل جعفر (الجعافرة) وآل زعيتر وآل المصري وآل دندش وآل شمص، وعلى الرغم من أن قائمة قادة حزب الله والمشرعين ووزراء الحكومة تضم شخصيات من وادي البقاع إلا أن أياً منهم لا ينحدر من تلك العشائر الكبرى.

وحينما كان نظام الأسد يسيطر على لبنان؛ تمكّن رئيس الاستخبارات غازي كنعان من إخضاع تلك العشائر من خلال منحهم امتيازات في الدولة اللبنانية مقابل ولائهم إلا أنه ومنذ الانسحاب السوري وحتى عام 2015 تُرِكت تلك القبائل تواجه مصيرها بنفسها، ثم بدأت روسيا تلجأ إلى تلك القبائل في محاولة لإحياء شبكة كنعان، فمثلما استخدم بشار الأسد هذه العشائر في السابق كقوة مناوئة لحزب الله؛ يبدو ان موسكو ماضية بكل عزم في ذات الطريق بل وبصورة أقوى مما فعله بشار الأسد.

لقراءة المقالة كاملة انقر هنا

Since December 2008