الاثنين، 29 فبراير 2016

لماذا ثارت السعودية على لبنان وكيف يمكن اصلاح العلاقة؟

حسين عبدالحسين

حيّرت المواقف التصعيدية السعودية اللبنانيين، وراح وزراء ونوّاب يتساءلون: “نعتذر من المملكة على ماذا؟” والواقع ان حيرة اللبنانيين هي جزء من الاداء الديبلوماسي اللبناني الرثّ عموما، والذي اوصل العلاقة بين بيروت والرياض الى ما هي عليه.

وعلى عكس ما يتصور كثيرون، ليس “حزب الله”، ولا شتائمه، ولا قتاله في سوريا هي الاسباب خلف الغضب السعودي، فالرياض معتادة على هذا الحزب وحروبه. حتى يوم احتل الحزب بيروت والجبل في ايار ٢٠٠٨، لم تبادر السعودية الى التصعيد او التهديد.

الانهيار في العلاقة اللبنانية - السعودية يرتبط بانهيار مفهوم الدولة عند اللبنانيين. في الماضي، حتى في خضم الحرب الاهلية اللبنانية، عرف الجيل القيادي الماضي اهمية الحفاظ على وجه ديبلوماسي لبناني لبق، واستمر في صناعة الديبلوماسية اللبنانية كبار ممن تمرسوا فيها، من امثال الراحلين فؤاد بطرس وغسان تويني.

ثم آلت الحكومة اللبنانية الى الميليشيات وامراء الحرب، واستفحلت المحسوبية على حساب الكفاءة، ودرج اللبنانيون على عادة تسليم حقيبة وزارة الخارجية لـ “الصهر”، حتى وصلت الى ايدي هواة ذوي اداء فضائحي، من قبيل انتشار فيديو يظهر احدهم وهو يتحدث الى نظيره، وزير خارجية دولة خليجية، عن ديبلوماسية لبنانية مع ايحاءات جنسية، ثم يطلب منها الحضور والمشاركة في الجلسة.

هذا المستوى الهابط في السياسة والديبلوماسية اخذه اللبنانيون معهم الى اجتماع “جامعة الدول العربية” الذي تم تخصيصه لادانة الاعتداءات الايرانية على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد. ببلاهة ديبلوماسيتهم وقلة اختصاصهم، لم يع اللبنانيون جدية الموضوع، واعتقدوه حفلة تصريحات مثل التي يطلقونها في جلسات “الحوار الوطني” واجتماعات مجلس الوزراء.

لكن لو تلفت الوفد اللبناني حوله، لرأى ان الدول العربية الثلاث الاكثر قربا من ايران، وهي العراق وعمان والجزائر، لم تتوان ولا لحظة عن التصويت لمصلحة قرار الادانة، مع تحفظ شكلي من الجزائر كان يهدف الى توضيح ان تبنيها القرار لا يعني التزامها بالبند الخامس، الذي يؤيد قيام السعودية بقطع علاقاتها مع ايران. 

"وقع الفاس بالراس"، وخرج لبنان وحيدا عن الاجماع العربي في ادانة الاعتداءات ايرانية على المقرات الديبلوماسية السعودية، وهي اعتداءات ادانها مسؤولون ايرانيون كبار في طليعتهم الرئيس حسن روحاني.

على الرغم من اعتقادهم انهم اذكياء ويتلاعبون بالقوى الاقليمية لمصلحتهم، يبقى اللبنانيون هواة، ولو لم يكونوا كذلك، لما كان بلدهم دارا من دون ابواب، يعاني في زمن الحرب كما في زمن السلم. 

قد يكون تسليم الديبلوماسية اللبنانية لمهندسين غير مختصين بالديبلوماسية والشؤون الدولية مشكلة. وقد تكون المشكلة الاكبر ان وزراء خارجية لبنان غير المختصين يحيطون انفسهم بديبلوماسيين حازوا على مناصبهم عن طريق “المناصفة”، ثم تقربوا من وزيرهم بالتطييب له، وصاروا يقدمون له النصح.

وحتى لا نستثني، يمكن تعميم تدني الفطنة السياسية لدى المسؤولين اللبنانيين عموما. حتى الذين حاولوا تدارك الأزمة اللبنانية مع السعودية قدموا اداء باهتا، من قبيل عرائض وتصريحات مكررة، كان الافضل لو انهم لم يقدموا شيئا.

ربما حان الوقت كي يدرك اللبنانيون مكامن الخلل المتمثل في ثقافتهم السياسية الزجلية، وفي انحطاط مستوى قادتهم الفكري، وخصوصا القيمين منهم على علاقات لبنان مع الدول الاخرى.

ربما حان الوقت كي يعرف اللبنانيون ان اصلاح الخطأ يكون بالعودة عنه، وقد يتطلب ذلك العودة الى قوانين الجامعة العربية، التي قد تسمح بتغيير التصويت اللبناني والعودة الى الاجماع العربي. كل ما عدا ذلك، من قبيل الحديث عن العروبة والفرس، هو شعر لا يغني ولا يسمن.

كلينتون تكتسح ساندرز في ساوث كارولاينا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

جان ماري لوبن يدعم الملياردير الأميركيلم تكد صناديق اقتراع الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي تغلق ابوابها في ولاية ساوث كارولاينا حتى اعلنت وكالة «اسوشيتد برس» انها تتوقع فوز وزيرة الخارجية السابقة المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون على منافسها السناتور بيرني ساندرز، لتحرز كلينتون فوزها الثاني على التوالي والثالث في اربع ولايات منذ بدء الانتخابات الحزبية.

وكانت استطلاعات الرأي تشير الى حتمية فوز كلينتون في ساوث كارولاينا، وهو ما حدا بساندرز الى ترك الولاية والتوجه الى ولاية تكساس لحشد التأييد هناك.

الا ان اداء كلينتون الكبير فاجأ المرشحة نفسها والعاملين في حملتها، فالنتائج اشارت الى حصولها على 75 في المئة من الاصوات، مقابل 25 في المئة فقط حاز عليها منافسها.

واظهر الفرز ان كلينتون حققت فوزا تاريخيا بسبب الاقتراع الكثيف لمصلحتها بين الاميركيين من اصل افريقي، بنسبة فاقت اجمالي الاصوات التي حاز عليها الرئيس باراك أوباما - اول رئيس اميركي من اصل افريقي - العام 2008.

وبسبب الاقتراع الكثيف لهذه الفئة الناخبة، اكتسحت كلينتون الولاية، واضافت الى رصيدها من الموفدين الانتخابيين 39 من 55 ممكنة، فصار مجموع موفديها 542 مقابل 83 لساندرز. ويحتاج مرشح الحزب الديموقراطي الى الرئاسة الى 2383 من اصل 4140 موفدا ممكن جمعهم في الانتخابات والمؤتمرات الحزبية في الولايات الخمسين.

وفور انتصارها، بدت كلينتون وكأنها افردت اهتمامها الى متصدر المرشحين الجمهوريين الملياردير دونالد ترامب، فهاجمته من دون ان تسميه، وهاجمت شعار حملته القائل «باعادة اميركا عظيمة مرة ثانية». وقالت كلينتون في خطاب انتصارها في ساوث كارولاينا: «على رغم مما تسمعونه، لا نحتاج لجعل اميركا عظيمة مرة ثانية، فاميركا لم تتوقف عن كونها عظيمة، لكننا نحتاج الى لمّ شمل اميركا، وبدلا من بناء جدران، نحتاج الى اسقاط الحدود بيننا». وتابعت: «لا شك لدي ان احسن سنوات اميركا مازالت امامنا».

ومع انتهاء انتخابات ساوث كارولاينا التمهيدية، تتوجه انظار الحزب الديموقراطي الى انتخابات يوم «الثلاثاء العظيم»، الذي ستقترع فيه 11 ولاية، تمثل ما مجموعه 500 صوت انتخابي.

وفي مدينة هيوستن في ولاية تكساس، وامام حشد غفير بلغ 10 الاف مؤيد، خطب ساندرز ووعد بمحاولة الحصول على «اصوات كثيرة جدا جدا من الاصوات الخمسمئة الممكنة يوم الثلاثاء».

وتظهر استطلاعات الرأي تقدم كلينتون في 6 من الولايات الاحدى عشرة، ولهذه الولايات وزن اكبر بكثير على صعيد عدد الموفدين الانتخابيين من الولايات الخمس التي يتقدم فيها ساندرز، الذي تقدم بالتهنئة إلى منافسته هيلاري على فوزها في ساوث كارولاينا.

وفي باريس(ا ف ب)، أعرب الزعيم التاريخي السابق لليمين المتطرف الفرنسي جان ماري لوبن عن دعمه لدونالد ترامب.

وكتب النائب الاوروبي مؤسس حزب «الجبهة الوطنية» البالغ من العمر 87 عاما في تغريدة على «تويتر»: «لو كنت أميركيا، كنت لاصوت لدونالد ترامب (...) فليحفظه الرب!».

السبت، 27 فبراير 2016

الطريفي: الحرس الثوري وراء تفجير مسجد للشيعة في السعودية والسلطات رصدت رسائل خلوية من النجف إلى منفذّي الهجوم

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
جريدة الراي

أكد وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي أن «ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يشبه كثيرا والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الشكل والأخلاق والطباع»، مضيفاً أن «العلاقة بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان وثيقة جداً».

وخلال جلسة في «مركز أبحاث كارنيغي» كانت مصممة كجلسة مغلقة، لكن الحضور الكبير الذي شهدته، خصوصاً من قبل كبار الاعلاميين الأميركيين، أجبر المنظمين على تحويلها إلى جلسة مفتوحة، قال الطريفي ان «السعودية ينقصها مسرح وطني، ومعارض فنية دائمة وان اقامة صروح ثقافية من هذا النوع هي من أولويات الوزارة.«

وفي وصفه لولي العهد ولولي ولي العهد، أفاد الطريفي بأنه يتعلم منهما الكثير، وقال ان سمو ولي ولي العهد «يتمتع بذاكرة ثاقبة»، وانه «ينوي تحويل السعودية تحت قيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده في أسرع وقت ممكن الى حكومة ذات ادارات تتمتع بكفاءة عالية»، وان الأمير «يضع أمامه الترتيبات العالمية في الشؤون المختلفة»، وانه «ينوي الدفع بالسعودية الى الصدارة فيها كلها.«

وتابع الطريفي ان «القيادة الجديدة في السعودية ساهمت منذ قدومها بتغيير اللغة السائدة في الدوائر الحكومية، وصار النقاش حول شؤون الادارات يتضمن مفردات حديثة مثل (مؤشرات الأداء الأساسية)».

وسأل مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» جاي سولومون ما إذا كانت السعودية تسعى الى استخدام النفط كسلاح في سياستها الإقليمية، فنفى المسؤول السعودي ذلك، وقال ان «المنافسة الاقتصادية مشروعة حتى بين الدول الصديقة»، متابعاً ان «أحد اهداف القيادة السعودية الحالية هو تقليص الاعتماد على النفط، عن طريق تحويل الاقتصاد، وهو ما يعني ان المملكة ستعمد في المستقبل القريب الى سن سياساتها بغض النظر عن أسعار النفط العالمية».

من ناحية أخرى، اتهم وزير الثقافة والإعلام السعودي «الحرس الثوري» باختراق داعش والتحالف مع القاعدة مما ساهم بتدبير التفجيرات التي طالت المملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة، مضيفاً أن بلاده لم تشنّ حرباً في اليمن لأن الحوثيين نفذوا انقلاباً على الشرعية واستجابة لطلب الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي فقط،، بل لأن من الأسباب الأخرى المهمة ان الرياض رصدت حركة صواريخ باليستية في اليمن مصوّبة نحو السعودية، وهو ما اوجب علها على التحرّك لقيادة التحالف لدعم الشرعية، كان عنوانها الاول «عاصفة الحزم»، والثاني «إعادة الأمل» لليمنيين.


وقال الطريفي إن «السلطات السعودية رصدت رسائل تجنيدية عبر الهواتف المحمولة من جنوب العراق إلى منفذّي تفجيرات ضد مسجد للشيعة في السعودية»، في اشارة الى ان «الحرس الثوري الايراني» هو الذي يقف خلف الاضطرابات كافة في المنطقة.

ولفت الوزير السعودي إلى ان بلاده «تحترم ايران والايرانيين، ومشكلتها هي مع النظام الذي اغلق ايران وحوّلها الى ما هي عليه اليوم»، معتبراً ان «مطالب السعودية تجاه ايران بسيطة، وهي ألا يحرقوا سفاراتنا»، وهو تعليق أثار ضحك الحاضرين.

وأكد أن «المفارقة تكمن في ان علاقة الرياض بطهران كانت أفضل بكثير في زمن الرئيس الإيراني السابق المحافظ محمود أحمدي نجاد، الذي زار المملكة 3 مرات أو اكثر، وأن العلاقة في عهد الرئيس الإصلاحي حسن روحاني تراجعت، رغم المحاولات السعودية المتكررة لإقامة صداقة معه ومع حكومته، عبر توجيه دعوات له للمشاركة في الحج».




وأكمل ان «الرياض تعارض بشدة توظيف الخطاب الطائفي والتحريض بين السنّة والشيعة في المنطقة»، موضحاً ان «الطائفية تؤذي السعوديين وتؤدي الى توترات بين المواطنين».




وتابع: «إثر التفجيرات التي طالت مساجد سنية و شيعة، كان السعوديون السنّة والشيعة متضامنون مع بعضهم البعض كمواطنين وأقاموا مراسم عزاء مشتركة». واشار الى حرص المملكة على علاقة طيبة مع جيرانها، في لفتة الى ان الرياض افتتحت سفارتها في بغداد في ديسمبر الماضي، للمرة الاولى منذ 26 سنة، وأن الاتصال بين الرياض وبغداد صار مباشراً.




وحول لبنان، أكد الطريفي انه «لطالما وقفت السعودية الى جانب اللبنانيين، ورعت إنهاء حربهم الاهلية في (اتفاق الطائف)، وساندتهم، لكن يبدو ان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل يتصرّف بغض النظر عن إرادة اللبنانيين أو رئيس الحكومة الذي نحترمه كثيراً». وتابع: «إذا كانت حكومة لبنان غير قادرة على ضبط وزير خارجيتها، فكيف يمكن للسعودية ان تأمن أن الاموال التي كانت خصصتها لتسليح الجيش اللبناني ستصل الى الأيدي المطلوب ان تصل اليها، من دون ان يتسلمها (حزب الله) الذي نعتبره منظمة إرهابية؟».

الجمعة، 26 فبراير 2016

سوريا وغرور أوباما

حسين عبدالحسين

لطالما اعلنت الولايات المتحدة ان “مصالحها القومية” هي المحرك الاول لسياساتها. لكن سوريا تبدو استثناء، اذ ان السياسة الاميركية تجاه الثورة السورية ضد بشار الأسد في بداية الامر، ثم الحرب التي شنها الأسد على شعبه في ما بعد، تبدو اكثر ارتباطا بالصورة التي رسمها لنفسه الرئيس الاميركي باراك أوباما منها الى المصالح الاميركية.

ومنذ الاسابيع الاولى للثورة السورية، التأم فريق أوباما بمشاركة أركانه من امثال مسؤول الشرق الاوسط السابق في “مجلس الأمن القومي” ستيف سايمون (الذي كتب في “نيويورك تايمز” هذا الاسبوع ان “على أميركا ان لا تحارب الأسد”). يومذاك، قرر الفريق الرئاسي الاميركي ان سوريا “ليست في صلب المصالح القومية للولايات المتحدة”. 

منذ ذلك الحين، والسياسة الاميركية تجاه سوريا تتلخص بمحاولة أوباما الحفاظ على صورته رئيساً حكيماً، خصوصا في السياسة الخارجية، لا يقحم بلاده في صراعات حول العالم، بل يحرز الانتصارات بحكمته وسؤدد قرارته واعتماده الديبلوماسية دون سواها.

وعلى مدى العامين الماضيين، قدم أوباما رؤية مفادها انه على عكس ما يعتقد كثيرون، فان روسيا وايران ضعيفتان في سوريا، وان وقف الحرب السورية هو في مصلحة هاتين الدولتين، ما يعني ان كل ما على أوباما فعله هو انتظار إتصال من موسكو او طهران تعلنان فيه قبولاً غير مشروط لحل سياسي في سورية يكون بمثابة مخرج لهما من المستنقع العسكري هناك.

الصيف الماضي، قال أوباما انه تلقى اتصالا من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وان مبادرة الرئيس الروسي كانت تشي بخوف موسكو من قرب انهيار قوات الأسد، وهو ما دفعها الى محاولة انقاذه بالاتصال بواشنطن. بعد الاتصال باسابيع، زار بوتين نيويورك للمشاركة في الاعمال السنوية للجمعية العامة في الأمم المتحدة، وأراد لقاء ثنائيا مع أوباما للحديث حول سوريا، لكن أوباما اعتقد ان بوتين يحاول التواصل معه من موقع ضعف، فلم يول الرئيس الاميركي سعي نظيره الروسي للقاء اهمية تذكر.

ولم يكد بوتين يعود الى بلاده حتى باشرت روسيا بشن حربها الجوية المدمرة على السوريين. 

هذا الاسبوع، تحادث أوباما وبوتين هاتفيا حول تطبيق اتفاقية “وقف الاعمال العدوانية” في سوريا، ولم يفت البيت الابيض ان يشير، في بيان، الى ان بوتين هو من بادر الى الاتصال، في تكرار لتصور أوباما ان روسيا تغرق في سوريا، وانها تتصل بأميركا كي تستجدي مخرجاً سياسياً يحفظ لها ماء الوجه.

لكن ما فات أوباما هو ان مبادرة بوتين للاتصال هذه المرة، بعدما حولت مقاتلاته سوريا الى ركام، يختلف عن المرة التي اراد فيها بوتين دفع الكأس المرة عن حليفه الأسد. ولم يتنبه أوباما أنه لو كان بوتين يعتقد نفسه يستجدي رئيس أميركا، لما اتصل بسلسلة من زعماء الدول المعنية بسوريا، بعد إتصاله بأوباما.

بوتين يرى نفسه مهندس الحرب السورية وكيفية انهائها، وهو يعتقد — ربما محقا — انه يتصل بأوباما لاعطائه العلم فقط حول كيفية تطبيق الهدنة الجزئية، ان تم تطبيقها. ثم انه بإتصاله بأوباما وبالزعماء الآخرين، يرسل الرئيس الروسي رسالة مفادها انه يساوي بين واشنطن وعواصم العالم، وانه لا يولي أميركا الاهمية التي يوليها الاميركيون لأنفسهم.

كل رسائل بوتين فاتت أوباما، او ان الاخير فهمها وأصرّ على تجاهلها، فسياسة أوباما حوّلت اميركا الى متفرج في الأزمة السورية، وحولت وزير خارجيتها جون كيري الى ساعي بريد بين الاطراف المتحاربة. لكن غرور أوباما يدفعه الى التمسك بالصورة التي رسمها لنفسه وللاميركيين، والتي يريد بموجبها ان تبدو الولايات المتحدة وكأنها محور العالم، وان الحلول تمّر عبرها حتى لو هي انكفأت على نفسها.

اما الواقع فهو ان سوريا وحربها تجاوزت أوباما، وان كل توقعاته الماضية حول ما سيجري في سوريا خابت، وان خيبته كلفت السوريين، ومازالت تكلفهم الكثير.

قد يحاول أوباما تصوير نفسه حكيماً في التعاطي مع سوريا، لكن السوريين سيتذكرونه كمتواطئ مع المُصاب الذي ألّم بهم، وسيتذكرونه كرئيس مغرور اجبره غروره على تصديق روايته والتمسك بها، حتى بعدما خابت كل توقعاته وتحليلاته للوضع السوري.

الخميس، 25 فبراير 2016

أوباما لملك الأردن: روسيا وإيران والأسد غير قادرين على الحسم العسكري في سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

علمت «الراي» من مصادر مطلعة على مجرى لقاء القمة بين الرئيس باراك أوباما والعاهل الاردني عبدالله بن الحسين، ان أوباما قدم استنتاجا مفاده انه «يستحيل الحسم العسكري في سورية»، وان المعارك الدائرة حاليا هي بمثابة تشتيت للانتباه عن المعركة الأهم وهي المعركة ضد التنظيمات المتطرفة، خصوصا تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).

واضافت المصادر ان الملك الاردني سمع، اثناء اللقاء الذي انعقد في البيت الابيض اول من امس، اعتقاد واشنطن انه «على الرغم من التقدم الذي احرزه تحالف روسيا وايران و(الرئيس السوري بشار) الأسد»، الا ان «الولايات المتحدة مازالت تشكك في مقدرة هذا التحالف حسم الحرب لمصلحته والقضاء على المجموعات المسلحة المعارضة للأسد، المعتدلة والمتطرفة على حد سواء».

ولفتت المصادر الى انه فيما كان لقاء القمة منعقدا بين الرجلين، كانت قوات الأسد وروسيا وايران تجهد لاستعادة طريق الامداد الحيوي خناصر - اثريا، الذي انتزعه «داعش» قبل ايام، والذي يربط قوات النظام في حماة بمدينة حلب.

واكدت المصادر الاميركية انها ليست المرة الاولى التي ينتزع فيها تنظيم «داعش» طريق الامداد هذا، وانه في المرة الاولى كلّفت استعادته تحالف الأسد موارد بشرية ومادية كبيرة، متوقعة ان تتكرر الخسائر في صفوف الأسد اثناء معركة استعادة الطريق للمرة الثانية.

وتعتقد المصادر الاميركية ان مشكلة الأسد مازالت هي نفسها، وتتعلق بنقص في عدد المقاتلين، رغم مشاركة قوات شيعية لبنانية وعراقية وافغانية في صفوفه. وتضيف ان «ما فعلته روسيا هو انها ضاعفت القوة النارية للأسد، لكن الأسد كان متفوقا اصلا بالقوة النارية قبل بدء الحملة الجوية الروسية» في 30 سبتمبر الماضي.

كذلك، تشير المصادر الى ان خسائر الأسد ارتفعت كثيرا بسبب الاسلوب الجديد الذي فرضه عليه الروس، والذي يقضي بقيام قوات راجلة باقتحام المناطق بعد ان تدكها المقاتلات والمروحيات الروسية، بدلا من استخدام دبابات ومدرعات في الاقتحام. سبب اعتماد المشاة للاقتحام هو نجاح المعارضين السوريين بتكبيد قوات الأسد المدرعة خسائر فادحة باستخدامها صواريخ «تاو» الاميركية المضادة للدروع، وهو ما اجبر الروس على تعديل خطة الاقتحام والاستناد الى المشاة، لكن هذا يعني خسائر برية اكبر في صفوف المهاجمين.

هذا هو التقييم الذي سمعه الوفد الاردني الذي زار العاصمة الاميركية على مدى الايام الثلاثة الماضية برئاسة الملك عبدالله وعضوية نجله ولي العهد الحسين، الذي شارك في اللقاء مع أوباما في المكتب البيضاوي.

وقالت المصادر ان الاردنيين سمعوا من الاميركيين ان الرئيس أوباما مازال متمسكا برؤيته القائلة ان الرئيس فلاديمير بوتين يتصرف في سورية من موقع ضعف، وان بوتين يدرك ان الأسد يعاني عجزا كبيرا يقارب الانهيار، وأن الحملة الجوية الروسية بامكانها المساهمة في صمود قوات الأسد لأجل محدد، لكن ذلك يتغير في غضون أشهر.

وتابعت المصادر الاميركية ان أوباما أبدى امام ضيفه الاردني اعتقاده ان «كل حملة عسكرية تتمتع بمكاسب في المراحل الاولى من هجومها، فيما يراقب المدافعون اسلوب المهاجمين ويطوّرون وسائل دفاعية جديدة مضادة تكبح الهجوم في ما بعد وتحوله الى مستنقع».

ربما يعلم بوتين ذلك ويخشاه ويحاول التوصل الى حل سياسي، في وقت يبدو وكأنه في قمة ادائه العسكري. «ولكن ما لم يتوقف القتال، لا يمكن تأكيد بقاء الأسد او استمرار الحملة الجوية الروسية بالكثافة الحالية الى ما لا نهاية»، هذا هو الاستنتاج الذي قدمه أوباما الى العاهل الاردني، حسب المصادر المتابعة للقاء.

هل يرى بوتين ما يراه أوباما في سورية، وهي الرؤية التي استعرضها امام ضيفه الاردني؟ ام ان بوتين يعتقد انه يمكن لتحالفه ان يحسم المعركة في سورية وان يجبر المعارضة وحلفاءها الدوليين على الاستسلام، ان كان بالديبلوماسية ام بالقوة العسكرية؟

هل يمكن إيقاف ترامب؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تحوّل المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية الملياردير دونالد ترامب من أضحوكة في عالم السياسة الى حالة شعبية يتهافت عليه الانصار والمؤيدون في تنقلاته ويحاولون لمسه أو أخذ صور «سلفي» إلى جانبه.

ومع فوزه في ثالث انتخابات تمهيدية حزبية على التوالي في ولاية نيفادا، التي تلت اقتناصه ولايتي نيوهامبشر وساوث كارولاينا وحلوله ثانياً في ولاية آيوا، أصبح رصيد ترامب من الموفدين الى مؤتمر الترشيح الرئاسي 81، أي نحو ضعف ما حصده منافسوه الأربعة، تيد كروز وماركو روبيو وجون كايسيك وبن كارسون، مجتمعين.

ويتقدم ترامب بفارق 64 موفداً على كروز وروبيو، اللذين يتقاسمان المركز الثاني برصيد 17 موفداً لكل منهما، ما يعني ان ترامب يستعد بهدوء لانتخابات الثلاثاء، المعروفة بيوم «الثلاثاء العظيم» نظراً لاقامة 12 ولاية انتخاباتها التمهيدية الحزبية.

وتظهر استطلاعات الرأي تصدر ترامب المرشحين الجمهوريين في 8 من أصل الولايات الـ 12 المقررة الانتخابات فيها الثلاثاء، وهذه الولايات تمنح، مجتمعة، 595 موفداً انتخابياً، أي ربع اجمالي عدد الموفدين الممكن جمعهم. ويحتاج المرشح لنيل بطاقة الحزب الانتخابية الرئاسية، الى 1237 موفداً.

على ان تقدم ترامب يحيّر غالبية المتابعين، خصوصاً قياديي الحزب الجمهوري، فترامب يبدو أرعن، وهو يشتم ويتعدى كلامياً على النساء والمعوقين والأقليات العرقية، كالسود والمسلمين والأميركيين من جذور اميركية جنوبية. وتارة يصف مؤيديه بالخراف الذين يتبعونه مهما فعل، وطوراً يقول انه لو وقف على الجادة الخامسة في مدينة نيويورك وراح يطلق النار على الناس، لن يخسر أياً من شعبيته أو اصوات مؤيديه.

مع ذلك، يبدو أن ترامب خلق حالة تأييد شعبية عارمة، تتراوح من بيض الشمال الشرقي الذين يعيشون في ضواحي ولاية نيوهامبشر، الى البيض المسيحيين الانجيليين اليمينيين ممن يسكنون في ولاية جورجيا الجنوبية. ولا تشير أرقام الاستطلاعات الى ان شعبية ترامب في تراجع، في وقت نشرت صحيفة «بوليتيكو» مقالة حاولت فيها التحري عن أسباب تفادي كبار ممولي الحزب الجمهوري تمويل حملات اعلامية هجومية ضد المرشح ترامب. هكذا، تحول ترامب الى قوة لا تقهر، فأطاح بأركان الجمهوريين من امثال محافظ فلوريدا السابق جب بوش، سليل عائلة بوش الجمهورية ذات الوزن، فأعلن الأخير انسحابه اثر خسارته في انتخابات ساوث كارولاينا المحسوبة من المعاقل المؤيدة شعبياً لعائلته.

ومع تساقط خصومه أمامه، تحول سؤال «هل يمكن ايقاف ترامب؟» الى سؤال يردده الاعلاميون والخبراء الأميركيون بغالبيتهم، فيما يسعى المحللون الجمهوريون الى تقديم السيناريوات التي ربما يمكنها ايقاف «الزحف الترامبي».

لكن بعض الخبراء الأميركيين يعتقدون انه قد يكون سبب صعود ترامب وصدارته مرتبطين بتغيير في المزاج طال القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري، التي تقترب أكثر فأكثر من اليمين المتطرف سياسياً، وان قيادة الحزب منفصلة عن مزاج قاعدتها ولم تعد تعكسه منذ فترة. ويضرب هؤلاء امثلة منها سقوط جب بوش، ومنها سقوط رئيس الكونغرس السابق جون باينر، الذي على رغم يمينيته، وجد نفسه مضطراً للاستقالة قبل شهور، أمام الضغط اليميني الذي كان يرى باينر «ليّناً» ومماشياً لمطالب الرئيس الديموقراطي باراك أوباما واجندته.

ويقفز خبراء آخرون لاستنتاجات مفادها ان تقدم اليمين المتطرف ليس حكراً على الولايات المتحدة، بل هي موجة تجتاح دول العالم الغربي، مثلما حصل في فرنسا حيث اظهرت الانتخابات المحلية أخيراً حلول مرشحي الجبهة اليمينية التي تقودها المتطرفة مارين لوبن في الصدارة، قبل ان ينسحب اليساريون تماماً ويدلون بأصواتهم ليمين الوسط لمنع نظيره المتطرف من تحقيق الانتصار. على أن السياسة في الولايات المتحدة قد تكون مختلفة، ففي حال فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، قد يجد الجمهوريون صعوبة في الفوز بأصوات غير أصوات اليمينيين من البيض، وهي كتلة غير كافية لحسم الرئاسة لمصلحة ترامب. لكن الملياردير الأميركي قد يحالفه الحظ في حال لم يستفز ترشيحه خصومه من البيض والأقليات، فان لم يظهر هؤلاء رغبة في الاقتراع بكثافة، يمكن للكتلة اليمينية من البيض حسم الانتخابات وحدها وفتح أبواب البيت الأبيض أمامه.

كذلك، يستبعد الخبراء الاميركيون أن يقف اليمين الاميركي المعتدل الى جانب المرشح الديموقراطي لحرمان ترامب من الرئاسة، فاليمين المعتدل الأميركي يكره ترامب، لكنه في مطلق الأحوال يكره أكثر بكثير مرشحي الحزب الديموقراطي وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والسناتور بيرني ساندرز، وهو ما يصب في مصلحة ترامب أكثر وفي مصلحة تحويله من نجم برامج تلفزيونية هابطة الى زعيم واحدة من أقوى الدول في العالم.

الأربعاء، 24 فبراير 2016

«الراي» تكشف تفاصيل المفاوضات الأميركية - الروسية حول الهدنة


وسط تشكيك شبه تام بين المراقبين الاميركيين في امكانية التزام الاطراف المتحاربة في سورية «وقف الاعمال القتالية»، سعت وزارة الخارجية الاميركية الى تصوير الاتفاق مع موسكو على انه «يختلف عن الاتفاقات السابقة».

وعلمت «الراي» ان ديبلوماسيي أميركا وروسيا والأمم المتحدة عقدوا لقاءات مكثّفة في جنيف «لرسم الآلية المطلوبة لتحديد المجموعات الارهابية ومناطق انتشارها، وتعيين المراقبين الامميين المخولين مراقبة وقف اطلاق النار والفصل في اي اختراقات محتملة».

وقالت مصادر اميركية انه على مدى عطلة نهاية الاسبوع، تعثرت المفاوضات الاميركية - الروسية الأممية مرات متعددة، ما استدعى اجراء اتصالات مباشرة بين وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف «لتذليل العقبات». واجرى الوزيران ما مجموعه ثلاثة اتصالات اثناء المحادثات بين ديبلوماسييهما، وكان الوزيران «على اتصال بحلفائهما، خصوصا المتحاربين منهم على الارض او مع عواصم مقربة من المتحاربين».

ومع حلول صباح اول من امس، توصل كيري ولافروف لاتفاق حول كيفية وضع «وقف الاعمال القتالية في سورية موضع التنفيذ». وقرر الرجلان احالة المسودة التي توصلا اليها الى رئيسيهما، والعمل على اجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين الاميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين للمصادقة على ما تم الاتفاق عليه.

ومع حلول الظهيرة في واشنطن، تحادث أوباما وبوتين عبر الهاتف في اتصال استغرق نصف ساعة، وتم تخصيص معظمه للحديث في الشأن السوري، بما في ذلك تفاصيل تنفيذ وقف الاعمال القتالية في سورية، وآلية تطبيق ذلك ومراقبته، وامكانية البناء على الايجابية المتولدة منه للقيام بالمزيد من اعمال الاغاثة الانسانية، وفي نفس الوقت المضي قدما في العملية السياسية بين نظام الرئيس السوري بشار الاسد ومعارضيه.

وبعد ظهر اول من امس، وزّع البيت الابيض بيانا جاء فيه ان الرئيسين تحادثا هاتفيا.

وشدد البيت الابيض، في اشارة لم تخف على المتابعين، ان الاتصال «جاء بناء على طلب الكرملين من اجل مناقشة مجهود وقف الاعمال العدائية في عموم سورية، بين النظام السوري وحلفائه من ناحية، والمعارضة المسلحة من ناحية اخرى».

واضاف البيان ان «الرئيس أوباما رحب بالاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الولايات المتحدة وروسيا والشركاء الآخرين في المجموعة الدولية لدعم سورية، خصوصا لناحية التوصل الى آليات لوقف الاعمال العدائية». وتابع البيان الاميركي، في نبرة لا تخلو من الثقة بأن وقف القتال في سورية سيتم لا محالة، وان «الرئيس أوباما شدد ان الاولوية الآن اصبحت في تأكيد التعامل الايجابي من قبل النظام السوري والمعارضة المسلحة، كذلك تعاون كل الاطراف لرفع المعاناة عن الشعب السوري، واعادة تنشيط العملية السياسية بقيادة الامم المتحدة، والتركيز على إلحاق الهزيمة بداعش».

وفور انتهاء الحوار بين الزعيمين الاميركي والروسي، اندلعت نقاشات واسعة في العاصمة الاميركية حول السيناريوات المتوقعة.

وفي الكونغرس، عقد عدد من متابعي الشأن السوري لقاء مغلقا للتباحث في «ما يمكن توقعه»، واعتبر بعض المشاركين ان «الادارة تكتمت على الآليات المذكورة لتطبيق ومراقبة الهدنة في سورية». ورجح هؤلاء ان يكون مصدر التكتم الحكومي الاميركي مرده الخوف من الانتقادات العلنية لهذه الآلية.

وفي نفس الوقت، اعتبر المتابعون في الكونغرس ان قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي ينص على وقف الاعمال القتالية، يحمل في طياته تناقضات تسمح لروسيا باستمرارها بالقتال، من قبيل استثناء القرار تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من الهدنة. وقال احد المشاركين ان استثناء داعش «امر سهل نسبيا، فروسيا ليست منخرطة في القتال ضد هذا التنظيم، المتواجد شرق الفرات بشكل عام».

لكن استثناء «النصرة» هو الأمر الاكثر تعقيدا، حسب مصادر الكونغرس، التي رجحت ان «تتولى الأمم المتحدة تحديد من هم مقاتلو النصرة واماكن انتشارهم، وكل مجموعة تعلنها الامم المتحدة خارج تصنيف داعش والنصرة ستتمتع بحماية القرار 2254 وتجبر قوات الاسد وروسيا وايران على عدم استهدافها».

وقال بعض المراقبين الاميركيين انه «لا يمكن استبعاد ان قوات روسيا وايران والأسد اصابها الانهاك وتسعى لوقف القتال ايضا، وهو ما قد يفسر هجومها الواسع الاخير لاستعادة ما امكنها من اراض، خسرها الأسد في الماضي، قبل وقف القتال».

الاثنين، 22 فبراير 2016

روسيا توسّع تعاونها مع الارهابيين.. وكيري متفائل

حسين عبدالحسين

منذ بدء الحرب الروسية على سوريا في ٣٠ ايلول/سبتمبر الماضي، دأب وزير الخارجية الاميركية جون كيري على التمسك بتفاؤله. اسبوع بعد آخر، يعرب كيري عن أمله بأن الحل ممكن في وقت اقرب مما نتصور، وكلّما تصاعدت المواجهات على الارض السورية، يطّل الوزير الاميركي ليتحدث عن وقف ممكن للاعمال القتالية "خلال أيام". لكن، ايام بعد ايام، واسابيع بعد اسابيع، وشهور بعد شهور، والحرب الروسية - الايرانية مستمرة على السوريين، فيما كيري مستمر بتفاؤله.

والطريف ان كيري ينفرد بتفاؤله، فتركيا حشدت قواتها على حدودها الجنوبية مع سوريا، ووزير خارجية السعودية عادل الجبير تحدث عن رغبة السعودية بتزويد المعارضة السورية بأسلحة مضادة للطائرات، وروسيا قدمت قراراً في مجلس الأمن لإدانة اي تدخل عسكري تركي محتمل، والرئيس السوري بشّار الأسد وعد بأن "قواته" ستعامل أي جيوش سنية تدخل الاراضي السورية كإرهابيين (الأسد استعمل عبارة اجنبية لكن مع وجود قوات ايرانية ولبنانية وعراقية وافغانية وروسية على اراضيه، يصبح لزاماً توضيح مقصده).

في وسط الحرب الطاحنة في سوريا، واصرار روسيا على تلقين تركيا درساً، ومتابعة ايران توسيع رقعة سيطرتها في المنطقة، وسعي السعودية لمنع انهيار المعارضين، ومحاولة الاكراد اقامة دولة لهم على الحدود مع تركيا، يعتقد كيري ان توقف الاعمال القتالية في سوريا يحتاج فقط الى المزيد من الاتصالات الديبلوماسية.

قد تتوقف الاعمال القتالية في بعض المناطق السورية، ربما كاستراحة محاربين أو حتى يتسنى لقوات الأسد والقوات المتحالفة معها التقاط انفاسها في منطقة، وتعزيز سيطرتها عليها قبل ان تنقضّ على منطقة اخرى، لكن الواقع يبقى ان المواجهة العالمية على الأرض السورية مازالت في بداياتها، وهي مواجهة تختلط فيها الحسابات الاستراتيجية مع شؤون مكافحة الارهاب، وتصفية حسابات مشكلة شبه جزيرة القرم، ومحاولة بوتين تفتيت الاتحاد الاوروبي وتحالف الاطلسي، بالاستمرار بزعزعة أمن اوروبا الاجتماعي أمام تدفق اللاجئين العرب من سوريا والعراق.

وفي الوقت الذي يهزأ فيه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، للمرة الالف، من كيري، ويعده بتنفيذ وقف اطلاق النار بينما تكثّف المقاتلات الروسية غاراتها ضد اهداف المعارضة السورية والمدنيين السوريين، تكشف موسكو عن حقيقة موقفها في ما تراه مواجهتها العالمية ضد واشنطن لاستعادة مكانة روسيا كقوة عظمى.

هذا الاسبوع، في افغانستان، أعلن الروس للمرة الاولى منذ ١٤ عاما تعليق مشاركتهم في المحادثات التي تشترك فيها الحكومة الافغانية وطالبان وأميركا وباكستان والصين. واستعاضت موسكو عن ذلك، حسب صحيفة "نيويورك تايمز"، بفتح قنوات مباشرة مع طالبان بشكل يقوض سيادة حكومة كابول.

وتحدثت الصحيفة الاميركية عن قيام موسكو بانفاق 1,2 مليار دولار على تسليح جيش طاجيكستان — فضلاً عن التنسيق مع طالبان — لمواجهة مجموعات تسميها روسيا ارهابية تتألف من مقاتلين طاجيك واوزبك وكازاخ وشيشان وأويغور صينيين.

وكما في سوريا، تزعم موسكو ان هذه المجموعات، التي تعارض في الغالب حكامها المتحالفين مع روسيا او تسعى، كما في حال الأويغور، الى تحقيق استقلال ما، هي مجموعات ارهابية ويتحتم قتالها. وكما في سوريا حيث لا تمانع موسكو التعاون مع تنظيم "داعش" للقضاء على معارضي حليفها الأسد، لا تمانع موسكو من التعاون مع طالبان للقضاء على معارضي حلفائها في آسيا الوسطى.

أما ثمن عودة روسيا الى التعاون مع اميركا في رعاية حوار بين حكومة افغانستان وطالبان فهو، بحسب ما نقلت الصحيفة الاميركية عن مسؤولين في موسكو، قيام واشنطن برفع العقوبات التي فرضتها في العام 2014 على مستشار الرئيس فلاديمير بوتين لمكافحة الارهاب فيكتور ايفانوف، على اثر ابتلاع روسيا القرم.

وكما في افغانستان حيث يبدو أن روسيا تعرض تعاوناً، وإن شكلياً، على أميركا لرعاية حوار سياسي، يبدو أن ثمن التعاون الروسي في سوريا هو تنازلات أميركية للروس، خصوصاً في شبه جزيرة القرم.

روسيا متمسكة بلعبتها الاستراتيجية. أما كيري، فمتمسك بتفاؤله المشوب بالهبل.

الأحد، 21 فبراير 2016

تألّقَ ترامب في ساوث كارولاينا ... فانسحب بوش وكلينتون حقّقت فوزها الثاني في نيفادا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

استمر المرشح الرئاسي الملياردير دونالد ترامب في التألق، فاكتسح أكثر من ثلث الاصوات في انتخابات الحزب الجمهوري في ولاية ساوث كارولاينا، معقل عائلة بوش، فلم يحصل محافظ فلوريدا السابق جب بوش على اكثر من 7.5 في المئة من الاصوات، ما اجبره على تعليق حملته المتعثرة منذ انطلاقتها رغم تكلفتها التي بلغت 150 مليون دولار.

وكان لافتا بين الجمهوريين اداء السناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، الذي حل في المركز الثاني بفارق ضئيل عن زميله السناتور عن ولاية تكساس تد كروز، ونال كل منهما نحو 22.5 في المئة من الاصوات.

وهذا هو الفوز الثاني على التوالي لترامب بعد اقتناصه ولاية نيوهامبشر الشمالية الصغيرة وحلوله ثانيا في آيوا، وبه عزز صدارته لعدد الموفدين الحزبيين الى مؤتمر الترشيح باضافته 44، ليصبح مجموعه 55 موفدا من اصل 1237 يحتاجها للفوز بترشيح الحزب الى الرئاسة في الانتخابات المقررة في نوفمبر.

على انه على رغم صدارته، يعتقد اركان الحزب الجمهوري، الذين يعارضون ترشيح ترامب ويعتبرونه شخصية مثيرة للجدل وغير قادرة على الفوز في الانتخابات العامة ضد الديموقراطيين، ان حظوظ مرشحهم روبيو لاتزال كبيرة، اذ ان ترامب وكروز ينالان اصوات المتطرفين في الحزب، فيما يتقاسم كل من روبيو وبوش وجون كايسيك اصوات المعتدلين الجمهوريين. ويعتقد كبار الحزب انه مع انسحاب بوش - على أمل ان ينسحب كايسيك قريبا - يتحول السباق الى ثلاثي بين ترامب وكروز وروبيو، على أمل ان ينجح الاخير في اقتناص بطاقة الترشيح الحزبية.

وبعد فوزه بساوث كارولاينا، يتوجه ترامب الى نيفادا، التي تظهر آخر استطلاعات الرأي تقدمه فيها بواقع 40 في المئة من الاصوات، فيما يحل كروز ثانيا بـ 20 في المئة من الاصوات، وروبيو ثالثا بـ 19.

وكان الحزب الديموقراطي انهى، اول من امس، مؤتمراته الحزبية في ولاية نيفادا، التي شهدت تقدما مقنعا - وان غير كاسح - لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على منافسها السناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز.

وحتى ساعة متقدمة من الليل، كانت صناديق الفرز تظهر حصول كلينتون على 52.6 في المئة من الاصوات، وتاليا 22 من 35 موفدا انتخابيا الى مؤتمر الحزب الديموقراطي الترشيحي، ليصبح مجموع موفديها 502 من اصل 2383 تحتاجها للفوز بترشيح الحزب. اما ساندرز، فحصد 47.3 في المئة من اصوات نيفادا، وتاليا 16 موفدا، ليصبح مجموع موفديه 70.

واظهرت الارقام الاولية ان كلينتون حصدت 57 في المئة من التأييد بين النساء في الحزب الديموقراطي في نيفادا، وانها حصلت على تأييد غالبية كبيرة من الاميركيين من اصل افريقي الذين منحوها 76 في المئة من اصواتهم، و74 في المئة من المتقاعدين من اعمار 65 فما فوق.

بدوره، تقدم ساندرز على كلينتون عند الكتلة الناخبة من اصول اميركية جنوبية، وحاز على اصوات 53 في المئة منهم.

وفور انتهاء انتخابات الحزب في نيفادا، طار المرشحان كلينتون وساندرز الى ساوث كارولاينا، التي تجري انتخاباتها التمهيدية الرئاسية الجمعة المقبل. وتظهر آخر استطلاعات الرأي تقدما كبيرا لكلينتون في هذه الولاية بفارق يتراوح بين 18 في المئة و28 في المئة امام ساندرز.

ويبدو ان كلينتون، التي تتمتع بدعم الاميركيين من اصل افريقي، حسبما بدا جليا في مؤتمرات نيفادا، تعول على هذه الكتلة الناخبة الموجودة بكثافة في ساوث كارولاينا، وهي الولاية الاكبر بعدد الموفدين بين الولايات الاربعة الاولى بـ 53 موفدا.

وفي حال حققت كلينتون فوزها الثالث في ساوث كارولاينا، بعد فوزها بآيوا ونيفادا وخسارتها في نيو هامبشر، فهي ستجد نفسها في موقع جيد لاضافة الاباما، التي تظهر الاستطلاعات تقدمها على ساندرز فيها بعشرين نقطة مئوية. ومن شأن فوز كلينتون اربعة من الولايات الخمس الاولى ان يساهم في اعطائها المزيد من الدفع في وجه منافسها.

الجمعة، 19 فبراير 2016

محاربة أميركا لـ «داعش» في مصلحة روسيا والأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد فضيحة تلاعب القيادة الوسطى في الجيش الاميركي بتقاريرها الاستخباراتية التي ارسلتها إلى الرئيس باراك أوباما لاطلاعه على مجريات الحرب على تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، فجّرت صحيفة «ذا دايلي بيست» فضيحة جديدة بكشفها ان «العاملين في (دائرة الاستخبارات القومية) قدموا شكوى حول تحوير يطال تقاريرهم قبل ان تصل إلى البيت الابيض».

وقال العاملون في الاستخبارات أصحاب الشكوى إن «اسباباً سياسية» وراء محاولة المسؤولين عنهم تصوير التنظيم وكأنه في طريقه الى الهزيمة، على عكس الواقع، «تماشياً مع الاهداف المعلنة للادارة الحالية».

وما عزز الانطباع بأن قادة الاستخبارات الأميركية يتلاعبون بالتقارير حول الحرب على «داعش» قيام الأمم المتحدة بإصدار تقرير حول التنظيم، أظهر انه «مازال متماسكاً ومتمكناً وقادراً على جني الاموال وتجنيد مقاتلين أجانب».

وذكر التقرير أن «من المتوقّع أن ينجح (داعش) في تجنيد عدد قياسي من المقاتلين في العام الجاري»، موضحاً ان «عدد المقاتلين مع التنظيم يبلغ حالياً 135 ألفاً»، وان هؤلاء «يتحدّرون من 35 دولة».

واستبعد التقرير الأممي إمكانية إلحاق الهزيمة بالتنظيم عسكرياً فحسب، وربط بين القضاء عليه وانهاء الصراع في سورية، عبر التوصّل الى حل سياسي، مردفاً ان «النـزاع السوري له أثر مباشر في العوامل التي تساعد (داعش) على تجنيد المقاتلين الإرهابيين (...) يجب أن تكون الإجراءات التي تتخذها الدول الأعضاء والأمم المتحدة ذات بعد إستراتيجي، ومتّسقة في التصدّي للأسباب السياسية والاجتماعية و الاقتصادية، الكامنة وراء النـزاع السوري وتجنيد المقاتلين».

وقدم التقرير إستراتيجية مبنيّة على 3 مراحل للقضاء على «داعش»، قصيرة الأمد، وأخرى متوسطة، وثالثة طويلة، وهو ما يناقض المحاولات المتكررة للادارة الأميركية بتصوير القضاء على التنظيم وكأنه وصل إلى مراحله الاخيرة.

وكان اللافت في التقرير الاممي تمسّكه بمقررات «جنيف - 1»، القاضية بالمباشرة بعميلة انتقال سياسية في سورية ينبثق عنها حكم انتقالي موقت، يقود البلاد نحو دستور جديد والاشراف على اقامة انتخابات. ومما جاء في التقرير انه «من أجل التصدي للتهديد الخطير للتنظيم، من الضروري إيجاد حل سياسي للنزاع السوري»، وهي عملية حسب الأمم االمتحدة «ستتطلّب التزاماً دولياً متواصلاً وراسخاً وتنفيذاً فعّالاً لقرار مجلس الأمن 2254 (2015) الذي يرسم الطريق نحو مفاوضات رسمية بين السوريين في شأن عملية انتقال سياسي، عملاً ببيان جنيف لعام 2012، في موازاة وقف للنار في جميع أنحاء البلد».

ويفترض التقرير أن إنهاء «داعش» يتطلّب كذلك أن «تُرد المظالم التي يستغلها التنظيم لكسب دعم بعض المجتمعات المحلية لوجوده بين ظهرانيها» في سورية والعراق.

وفي هذا السياق، يعتقد الخبراء الاميركيون ان ادارة الرئيس أوباما «تتخذ من حربها المتعثرة ضد (داعش) ذريعة لعدم التدخّل في سورية». ويقول المسؤول السابق عن سورية في وزارة الخارجية، والباحث في «مركز رفيق الحريري» التابع لـ «مركز الاطلسي» فرد هوف: «لخرافة ان (داعش) هو عدو مشترك» لاميركا وروسيا وايران «دور ديبلوماسي يستغله (وزير الخارجية) جون كيري»، لكن الواقع هو ان «ما نراه في سورية هو تعاون عسكري يتضمن روسيا وايران و(داعش) و(الرئيس السوري بشار) الأسد».

ويتساءل هوف: «إذا نجح الاربعة في القضاء على البدائل الوطنية السورية للأسد و(داعش)، فهل يستدير الأسد وحلفاؤه حينها ليقاتلوا الخليفة» أبا بكر البغدادي؟.

ويختم المسؤول السابق، في مقالة نشرها على موقع «ديفنس نيوز» أنه في جميع الاحوال «تأمل موسكو أن تجبر واشنطن على العودة زحفاً لاستجداء صداقة عميلها السوري»، وهو ما يقدم «إمكانية انتصار لروسيا وإذلال للولايات المتحدة».

الاميركيون في طهران

حسين عبدالحسين

كشفت الزيارة التي قام بها المدير التنفيذي لدائرة النفط والغاز في شركة “جنرال الكتريك” الاميركية لورنزو سيمونيلي الى طهران ان عودة العلاقات الاميركية - الايرانية لم يعد مرتبطا بالرئيس باراك أوباما، او بادارته، او بمناصري الجمهورية الاسلامية في العاصمة الاميركية، بل ان هذه العلاقات بدأت تتحسن بعيدا عن الاضواء بشكل سريع ومضطرد، في عملية تشمل الاميركيين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري.

والمعروف ان أوباما يعتقد ان الضمانة الافضل لتعميق صداقة بلاده مع النظام الايراني تتمثل بالاسراع في شبك مصالح البلدين التجارية، وانه كلما ازداد عدد الشركات الاميركية التي تجني ارباحا من السوق الايرانية، كلما صار اصعب على الرئيس المقبل ابطال مفاعيل الاتفاقية النووية مع ايران او مواجهة طهران في الشؤون الشرق اوسطية الاخرى.

ويمكن للشركات الكبرى مثل “جنرال الكتريك” ان تستخدم نفوذها الواسع في الكونغرس لثنيه عن فرض اي عقوبات على طهران مستقبلا، حفاظا على اي مكتسبات قد تجنيها في السوق الايرانية. اما اذا تعددت الشركات الاميركية العاملة في ايران والمستفيدة منها، يصبح من الاكثر صعوبة على الادارة المقبلة او الكونغرس مواجهة ايران، اذ ان “المصالح القومية” للولايات المتحدة تصبح تحت رحمة ابقاء العلاقة مع الايرانيين جيدة.

اما اللافت في زيارة سيمونيلي الى طهران، التي اختتمها يوم الاثنين، فيكمن في هوية رئيس شركة “جنرال الكتريك” جيفري ايميلت، وهو مليونير ينتمي للحزب الجمهوري المعارض لأوباما الديموقراطي. وكان أوباما جنّد ايميلت في العام ٢٠١١ عن طريق ضمه الى “مجلس الوظائف” الذي انشأه البيت الابيض، وهو ما يعني ان زيارة سيمونيلي الى طهران، والتي كشفت عنها صحيفة “وال ستريت جورنال” اليمينية المعارضة لتحسين العلاقات مع ايران، تمت بمعرفة احد اركان الجمهوريين والمقرّب في الوقت نفسه من الرئيس الديموقراطي أوباما.

صحيح ان سيمونيلي هو مدير دائرة “النفط والغاز”، لكن “جنرال الكتريك” تسعى الى بيع الايرانيين سلّة من الصناعات الاميركية الكهربائية والميكانيكية والتكنولوجية. وتسعى الشركة الاميركية لغزو السوق الايرانية، فتبيع الايرانيين سيارات وبرادات وغسالات وادوات منزلية، وتبيع شركات الطيران الايرانية محركات وتقنيات طيران، وتبيع المزارعين الايرانيين توربينات ومضخات مياه ومعدات زراعية، وتبيع الحكومة الايرانية معدات حديثة لاستخراج النفط، او تتولى “جنرال الكتريك” نفسها التزام انتاج النفط الايراني وتصديره باسم حكومة الجمهورية الاسلامية.

ومن يتابع الشؤون الاقتصادية الاميركية يعرف ان “جنرال الكتريك”، بقيادة ايميلت والتنسيق مع أوباما وفريقه، تمثل في ادائها الانعطافة نفسها الجيواقتصادية التي قام بها الرئيس الاميركي منذ تسلمه الحكم في العام ٢٠٠٩. فأوباما يعتقد ان سرّ التفوق الاميركي العالمي يتمثل بتخفيف اعتماد بلاده على اقتصاد الخدمات، وخصوصا المالية، والعمل على اعادة البريق للصادرات الاميركية بمساعدتها على غزو اسواق العالم ومنافسة الدول الصناعية الاخرى. 

وفي سياق مشابه، يعمل ايميلت منذ تسلمه قيادة الشركة، مطلع العقد الماضي، على بيع فروع الخدمات مالية واعادتها الى الصناعة والتصدير والعمل في مجالات استخراج الطاقة.

وفيما يسعى أوباما لاقتناص الاسواق في كوبا وميانمار وايران، تسعى الصين لاعادة احياء “طريق الحرير” الاسطوري — محرك الصراعات الامبراطورية عبر التاريخ — فتتنافس الصين مع اميركا للفوز بحظوة ايران بعدما نجحت واشنطن باقامة اتفاقية سوق حرة مع كل جيران الصين الذين يعادونها. 

في عهد أوباما، عادت أميركا الى مركنتيلية القرنين التاسع عشر والعشرين، وصادفها حظ موفق لناحية اكتشاف تقنيات ساعدت على اغراق السوق العالمية بالطاقة وتاليا تخفيض اسعارها، وهو ما اوقف تراجع الصناعات الاميركية وأعادها للازدهار.

اما المذابح في سوريا او العراق او ليبيا، فهذه شؤون للأمم المتحدة لتلهو بها وتناقشها وتكتب التقارير عنها، فالامبراطوريات عندما تتنافس على الاسواق، تتحول الشعوب وقود لهذا السباق.

الأربعاء، 17 فبراير 2016

انقلاب جذري في موقف ألمانيا: تأييد التدخل العسكري في سورية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لفتت مصادر أميركية رفيعة المستوى، الى انقلاب جذري في موقف ألمانيا من الأزمة السورية، ابتعدت بموجبه برلين عن الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الاكراد، واقتربت من تركيا وحلفائها الاكراد.

وأوضحت المصادر ان برلين «عملت منذ اندلاع الثورة السورية العام 2011 على إقناع الغرب بالتسامح مع الأسد، وان وزير خارجيتها فرانك شتاينماير كان يسعى، حتى الأمس القريب، الى إعادة العلاقات معه (الرئيس السوري) وتقريب وجهات النظر بينه وبين عواصم العالم».

إلا انه يبدو ان المانيا «تخلّت عن موقفها اللين تجاه الأسد، واستبدلته بموقف أكثر صلابة»، حسبما بدا في آخر تصريحات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، التي قالت فيها انها تؤيد اقامة «منطقة آمنة» داخل سورية.

وأدى التغير في الموقف الالماني، المؤيد للأسد سابقاً، الى التقارب مع تركيا، التي كانت برلين تتهمها بالتواطؤ مع التنظيمات الاسلامية، بما فيها تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).

ويبدو ان التغيير في الموقف الالماني جاء بعد ان ايقنت برلين ان سياسية روسيا في سورية لا تسعى إلى مكافحة الارهاب عن طريق إبقاء الأسد، بل تحاول موسكو «استغلال الازمة السورية لمكاسب استراتيجية أبعد، خصوصاً لناحية مواجهتها مع اوروبا واميركا في اوكرانيا ومنطقة البلطيق».

واعتبرت المصادر الاميركية ان «التحول الكبير في الموقف الالماني جاء بعدما وجدت ألمانيا نفسها تواجه موجة نزوح سورية باتجاه الاراضي الاوروبية».

ويعتقد الخبراء الأميركيون ان احد الاسباب الرئيسة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى شن حملة عسكرية جوية في سورية هو اعتقاده ان فرار المزيد من اللاجئين السوريين الى اوروبا من شأنه ان يلوي ذراع الاوروبيين ويضعف مواقفهم في مواجهته في الموضوع الاوكراني.

وكان المعلق المعروف في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان والملياردير المقرّب من الحزب الديموقراطي الاميركي جورج سوروس، كتبا مقالَي رأي، الاسبوع الماضي، اوردا فيهما انهما يعتقدان ان بوتين يدك المدن السورية حتى يؤدي غزو اللاجئين السوريين الى تفكيك الاتحاد الاوروبي، وتالياً إضعاف احد اقوى حلفاء الولايات المتحدة.

وأدى الانقلاب في الموقف الالماني الى تطابق مواقفها مع الدول الداعمة لمعارضي الاسد، وفي طليعتها تركيا والسعودية وقطر. وراحت هذه الدول الاربع تطلب من الولايات المتحدة «بحث الخيارات العسكرية المتاحة» لمنع انهيار المعارضة السورية امام تقدم قوات الأسد وحلفائه، من جهة، وتقدم الاكراد من جهة اخرى.

ونقلت المصادر الاميركية عن مسؤولين سعوديين قولهم إنه «اذا كانت اميركا مستعدة لدعم مقاتلين اكراد لقتال داعش غرب الفرات، فالسعودية وتركيا مستعدتان لقتال داعش كذلك».

واعتبر المسؤولون الاميركيون التصريحات السعودية بمثابة غمز من قناة ان الاكراد يحصلون على دعم اميركي لقتال «داعش» ولكنهم ينفذون اجندتهم الخاصة بالتواطؤ مع الأسد وقتال المعارضة، لذا، لا مانع من ان تتدخّل قوات عسكرية لمصلحة المعارضة، في الشمال السوري، وان تدّعي انها ستقاتل «داعش» فتحصل على دعم اميركي.

وفي ظل الصورة الدولية والسورية المعقدة، ذكرت المصادر الاميركية ان ألمانيا وتركيا والسعودية اثارت مع الولايات المتحدة إمكانية التدخّل العسكرية المباشر لمصلحة المعارضة السورية، لكن الاميركيين استمهلوا حلفاءهم حتى يقوم وزير الخارجية جون كيري بديبلوماسية «الساعة الأخيرة».

وبعد صدور «بيان ميونيخ» القاضي بوقف الاعمال القتالية وإدخال المساعدات الانسانية، الاسبوع الماضي، أبلغت اميركا حلفاءها انه يمكن للديبلوماسية تفادي تطورات عسكرية، من شأنها ان تؤدي الى مضاعفات ومواجهات مسلحة مباشرة إقليمية ودولية.

على انه بعدما صار مؤكداًَ انه لا هدنة في سورية في اسبوع، على الأقل على حسب تصريحات الأسد، عاد حلفاء أميركا يطلبون منها التنسيق حول تدخل عسكري مباشر شمال سورية يمنع انهيار المعارضين.

وتضيف المصادر الاميركية انه من الافكار التي تم تداولها إقامة شريط آمن بعمق 60 كيلومتراً داخل الاراضي السورية، وهو المدى الذي يمكن ان تصله المدافع الارضية المرابضة على الحدود التركية. ويبدو ان السعودية وتركيا تعتقدان انه يمكن معادلة القوة النارية الروسية الجوية بقوة نارية ارضية مشابهة لمنع تقدم قوات الأسد والاكراد، وتسمح للمعارضين بالعودة الى مواقعهم فور توقف الغارات الروسية.

بكلام آخر، تقول المصادر الاميركية ان التفكير الاوروبي - العربي يقضي بمعادلة القوة النارية الروسية، ما من شأنه إلغاء مفعولها وتعديل ميزان القوى.

لكن واشنطن مازالت تطلب من حلفائها تفادي المواجهة مع الروس. وتشير المصادر الاميركية الى ان «حلفاءنا يعلمون انهم لن يقدموا على خطوات عسكرية من دون موافقتنا».

كذلك، تكمل المصادر الاميركية ان واشنطن اقترحت، كبديل عن اقامة المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية، ان تقيم المعارضة السورية، بدعم عربي واوروبي واميركي، منطقتها الآمنة على أنقاض داعش غرب نهر الفرات. هناك، يمكن التدخّل العسكري من دون اقامة اي حساب للمقاتلات الروسية إذ إن الاراضي السورية غرب الفرات تخضع لسيطرة مقاتلات أميركا وحلفائها.

غربستان وشرقستان، هو السيناريو الذي سبق ان نقلته «الراي» قبل ايام عن غرفة العمليات المشتركة بين روسيا وايران والأسد و«حزب الله»، وهو السيناريو الذي يبدو ان الولايات المتحدة تؤيده.

الاثنين، 15 فبراير 2016

روسيا أوقعت أميركا في فخ ميونيخ

حسين عبدالحسين

للمرة المائة خلال ثلاث سنوات، يتغلب وزير الخارجية الروسية المحنك سيرغي لافروف، على نظيره الاميركي الساذج جون كيري. 
منذ أسابيع، دأب كيري على أن يتصل بموسكو ويستجديها وقف قصف المناطق المدنية في سوريا والمعارضين المعتدلين. وبعدما رفض لافروف الخوض في الأمر لاسابيع، أبدى فجأة استعداداً للتباحث فيه.

وكالعادة، اعتقد كيري ان فطنته افضت الى واحدة من اختراقاته الديبلوماسية العديدة المتخيلة، فوافق على لقاء لافروف على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن. وبعدما طالب كيري بشدة بضرورة إلتزام روسيا تطبيق قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤، أيده لافروف، وقال إن روسيا توافق على تطبيق الاتفاق بحذافيره: "وقف اطلاق النار في المناطق السورية، ما عدا التي تسيطر عليها التنظيمات الارهابية".

ووافق لافروف ان تناط بالأمم المتحدة مهمة تحديد المجموعات الارهابية، وهو ما بدا تراجعاً للوزير الروسي، الذي كان يصرّ حتى الأمس القريب على اضافة مجموعات مثل "جيش الاسلام"، و"احرار الشام" في خانة الارهاب.

إلا أن تراجع لافروف كان بمثابة "كش ملك" لكيري، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب من واشنطن، في الاسابيع الاولى للحملة العسكرية الروسية في سوريا والتي انطلقت في ٣٠ ايلول/سبتمبر، تزويده خريطة انتشار مقاتلي "الجيش السوري الحر" أو المعارضة المعتدلة.

وبعد نقاش داخلي، توصل الاميركيون الى ان طلب بوتين لائحة حلفاء اميركا في سوريا هو بمثابة "حق يراد به باطل"، إذ يمكن لبوتين استخدام اللائحة، لا لتفادي قصف المعارضين المعتدلين، بل لتأكيد قصفهم والقضاء عليهم تماماً. أما في حال حاولت أميركا تزويد بوتين بلائحة جزئية، فإن ذلك يعني أن كل من تركتهم أميركا خارج لائحتها هم في مصاف الارهابيين، الذين ينص قرار مجلس الامن ٢٢٥٤ على القضاء عليهم بإجماع مجلس الأمن.

الخريف الماضي، تجاهلت واشنطن طلب بوتين تزويده لائحة بالمعارضين المعتدلين داخل سوريا، فثارت ثائرته علناً، وإتهم الاميركيين بالجنون. لكن الايام دارت، وبدا ان بوتين نجح في إجبار الاميركيين على استجدائه، فأعاد بدفع طلبه المحرج اليهم.

في ميونيخ، جاء في البيان الختامي أن الأمم المتحدة هي التي تحدد من هي المجموعات الارهابية ومن هي المعتدلة. ومن نافل القول إن الأمم المتحدة ستقدم لائحتها بناء على المعلومات التي تحصل عليها من دول ميونيخ الـ١١، وفي طليعتها أميركا. هكذا، يجبر ميونيخ أميركا على تنفيذ طلب بوتين الذي رفضته قبل اشهر.

وبينما كان الروس يتلاعبون بالساذج كيري في ميونيخ، كان رئيسه باراك أوباما يتناول طعام العشاء مع المخرج ستيفن سبيلبرغ في لوس انجلوس على شاطئ اميركا الغربي، ويشغل نفسه بجمع التبرعات الانتخابية لحزبه.

ثم عاد أوباما الى واشنطن، واستفاقت الادارة الاميركية على واقع مفاده أن ميونيخ هو "كلام بكلام"، وأن الروس لا ينوون وقف حملتهم العسكرية قبل القضاء على المعارضة السورية، والابقاء على "داعش"، الذي يتحول الى مبرر لاعادة تعامل العالم مع الأسد في "القضاء على الارهاب".

كيري المخدوع في ميونيخ أثار الأمر مع أوباما، الذي يؤمن بمواهبه الديبلوماسية اكثر من كيري، فما كان من الرئيس الاميركي الا ان إتصل بنظيره الروسي بوتين بعدما وردت التقارير من الأمم المتحدة تشير الى استحالة البدء بتوزيع المساعدات الانسانية مع حلول يوم الخميس، حسب ما ورد في ميونيخ. وجاء في الاتصال، بحسب البيت الابيض، ان اوباما "شدد على اهمية لعب روسيا دوراً بناء بوقف حملتها الجوية ضد قوات المعارضة المعتدلة في سوريا".

الخريف الماضي، قبل شن موسكو حملتها في سوريا، اتصل بوتين بأوباما للتحادث حول الشأن السوري. اعتبر أوباما ان مبادرة بوتين كانت تشي بضعف حليفه الأسد، وان بوتين يتصل ليستجدي، وانه ان لم يوافق بوتين على رحيل الأسد في وقته، فإنه سيوافق قريباً، وما مبادرته الاتصال بواشنطن الا دليل على ذعر بوتين من انهيار حليفه.

هذه المرة، كان أوباما هو الذي بادر الى الاتصال ببوتين لاستجدائه تحييد المعارضة المعتدلة عن القصف الروسي، بعدما أدركت اميركا أن روسيا نصبت لها فخاً جديداً في ميونيخ.

بالطبع، بوتين لا يقيم لأوباما ولا لاتصاله وزناً، فالرئيس الروسي أخذ مقاسات نظيره الأميركي بعدما تراجع الاخير عن توجيه ضربة للأسد صيف ٢٠١٢ وسحب سفنه الحربية. أوباما وضع خطوطاً حمراً لم يلتزم بها، وبوتين نفى إرساله قوات الى سوريا ليكتشف العالم ان مقاتلاته في السماء تدك المدن السورية على رؤوس أصحابها. أوباما تكلم ولم يفعل، وبوتين فعل ولم يتكلم، ومن الواضح من ينصب الفخ لمن، ومن يغلب من.

الأحد، 14 فبراير 2016

هل يحوّل ساندرز أميركا إلى الاشتراكية؟

حسين عبدالحسين - واشنطن 

مرات قليلة هي التي تقدّم بها مرشح «اشتراكي» إلى الرئاسة الأميركية. السيناتور بيرني ساندرز، الذي يحاول الفوز بترشيح «الحزب الديموقراطي»، على رغم كونه عضواً في «الحزب الاشتراكي الديموقراطي»، يَعِد المرشحين بتنفيذ برنامج اقتصادي لم يعتده الأميركيون.

في تسع نقاط، يقدم موقع ساندرز البرنامج الاقتصادي الموعود، الذي يظهر أن في حال انتخاب ساندرز رئيساً، ستقوم الحكومة الفيديرالية بتحصيل نحو 37 تريليون دولار من الجباية الإضافية على مدى العقد المقبل. ويعد ساندرز بإنفاق هذه الأموال على برنامج رعاية صحية واجتماعية، وتمويل دراسات جامعية ومشاريع بنى تحتية.

وتلقف الباحثون المؤيدون للمدرسة الاقتصادية «الكينزية» برنامج ساندرز وأغدقوا المديح عليه، وقدم بروفسور الاقتصاد في جامعة «ماساشوستس أمهرست» جيرالد فريدمان، دراسة جاء فيها أن في حال وصول ساندرز إلى الرئاسة وتطبيق برنامجه، سيرتفع معدل مدخول العائلة الأميركية إلى 82 ألف دولار سنوياً عام 2026، وهو معدل أعلى بكثير مما يتوقعه «مكتب الموازنة» التابع للكونغرس والذي يقدر وصول المعدل إلى 59 ألفاً و300 دولار.

واعتبر فريدمان أن بموجب خطة ساندرز، سينمو الناتج المحلي الأميركي بواقع 3.5 في المئة سنوياً، بدلاً من 1.2 في المئة، وهو المعدل السنوي للنمو الأميركي على مدى العقدين الماضيين. وقال إن معدل الفقر بين السكان سينخفض من 9.13 إلى 6 في المئة. وتوقع أن ترتفع نسبة المشاركين الأميركيين في سوق العمل من 59.6 إلى 64 في المئة. ويُعتقد أن سبب النهضة الاقتصادية الأميركية في عهد ساندرز سيكون إنفاق الحكومة مبلغ 14 تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة.

لكن توقعات فريدمان تشوبها أخطاء، لأن المبالغ التي يَعِد ساندرز بجمعها وضخها سنوياً تفوق بكثير 14 تريليون دولار، وهو مبلغ يساوي 78 في المئة من حجم الاقتصاد الأميركي أصلاً. كما أن مشاركة الأميركيين في سوق العمل تبلغ، وفق تقرير الشهر الماضي، 62.7 في المئة وليس 59.6 في المئة.

وقيام الحكومة الفيديرالية بجمع مبلغ 14 تريليون دولار وضخها في السوق عملية شبه مستحيلة، إلا إذا كان السيناتور ساندرز ينوي الضغط على مجلس الاحتياط الفيديرالي لتشغيل مطابعه. لكن من شأن خلق هذه الكمية من الثروة الورقية، أن يؤدي إلى انفلات التضخم من عقاله، وهو يعني أن ارتفاع معدل دخل الأسرة الأميركية بواقع 20 ألف دولار سنوياً، لن يكون تأثيره فعلياً، كما يعد ساندرز ومؤيدوه.

ومن يطالع موقع ساندرز، يجد أن المرشح الرئاسي قدم عدداً من الاقتراحات لجمع هذا المبلغ وضخه في الاقتصاد الأميركي. أكبر مصادر التمويل التي يقدمها ساندرز هي إلغاء الإعفاء الضريبي على الفائدة المدورة، ما من شأنه أن يدر على الاقتصاد مبلغ 6.15 تريليون دولار في عشر سنوات.

المصدر الثاني هو رفع الضريبة المخصصة للتأمين الصحي على المؤسسات والأفراد، ليجني 9.13 تريليون في عشر سنوات. المصدر الثالث هو فرض ضريبة على المضاربات في أسواق الأسهم المالية، التي ستؤمن ثلاثة تريليونات دولار. أما المصدر الرابع، فهو رفع ضريبة الدخل على مَن يجنون أكثر من 250 ألف دولار سنوياً، وهو ما من شأنه تحصيل 1.2 تريليون في العقد المقبل. المصدر الخامس هو فرض ضريبة على عائدات الشركات الأميركية في الخارج، ما يولّد مبلغ تريليون دولار مع حلول عام 2026. أما الاقتراحات الأربعة الأخرى لزيادة جباية الخزينة الأميركية، فهي تدر على الحكومة عائدات أقل بكثير من المذكورة أعلاه.

نظرياً، قد تبدو وعود ساندرز مغرية، لكن الواقع يشير إلى سلسلة من الأخطاء، أهمها أن القطاعات التسعة التي يعد ساندرز باستثمار الأموال الإضافية فيها ليست ذات مردود عال، إذ باستثناء إنفاق تريليون دولار على مدى العقد المقبل على مشاريع البنية التحتية، يعد ساندرز باستثمار 9.16 تريليون دولار في توسيع الضمان الصحي وصندوق الضمان الاجتماعي، وتمويل صناديق التقاعد، وهذا مبلغ كبير لإنفاقه على هذه القطاعات الثلاثة غير المنتجة، والتي لا تعود على الاقتصاد بغير استهلاك أصحابها في السوق.

ثم يعد ساندرز بإنفاق 2.25 تريليون دولار على برنامج جديد ينوي خلقه ويحمل اسم «توظيف الشباب الأميركيين». ومن غير الواضح من يوظف هؤلاء الشباب وما الذي تجنيه الحكومة في رفع ضرائبها وإنفاقها على مرتبات إضافية، بدلاً من حفز القطاع الخاص على التوظيف.

ختاماً، يرتكب ساندرز خطأ اقتصادياً نظرياً شبيهاً بالذي دأب على ارتكابه اقتصاديو الحزب الجمهوري ومرشحوه، الذين يعتقدون أن خفض الضرائب ينعش الاقتصاد لأنها ترفع النمو. ساندرز يعتبر أن في حال فرضت الحكومة الأميركية ضريبة على أموال الشركات الأميركية في الخارج، فإن هذه الشركات ستمتثل، في وقت يتوقع البعض أن تتخلى الشركات عن «أميركيتها»، وتنقل أعمالها إلى دول أخرى، وهو ما حدث مثلاً عندما وقفت الحكومة الألمانية في صف نقابات العمال ضد شركة «مرسيدس»، فما كان من الأخيرة إلا أن هددت بنقل معاملها من ألمانيا عبر الحدود إلى بولندا، فتراجعت برلين والنقابات.

يُذكر أن الضريبة على الشركات هي الأعلى في أميركا، إذ تبلغ 35 في المئة، وهو ما يحمل المرشحين عادة على الوعد بخفضها لإبقاء الاقتصاد الأميركي تنافسياً مقارنة بالاقتصادات العالمية. كذلك لا يبدو أن ساندرز يعتقد بأن فرض ضريبة على الفوائد المدورة من شأنه أن يدفع أصحاب المال إلى سحب أموالهم من المصارف واستثمارها في مجالات أخرى لا ضريبة عليها، مثل الذهب المخزن أو الشركات الوهمية.

برنامج ساندرز جديد من نوعه على الأميركيين، وساندرز هو من المرشحين الرئاسيين النادرين ممَّن يعدون برفع الضرائب ويتوقعون الفوز بتأييد شعبي في ذلك. وهذه خطة اقتصادية سبق أن أطاحت بمرشحين في الماضي، ومن غير الواضح كيف يمكنها تعزيز فرص انتخاب الاشتراكي ساندرز في الأشهر المقبلة.

الجمعة، 12 فبراير 2016

الجبير: إسقاط الأسد هدف... سنحققه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تسارعت امس تطورات الموقف في سورية مع كشف وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر احتمال مشاركة قوات خاصة من السعودية والإمارات على الارض لمحاربة «داعش»، الامر الذي حذر منه رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف معتبرا ان ذلك لو حصل ينطوي على خطر اندلاع «حرب عالمية جديدة». لكن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بدا غير معني بهذا التحذير مؤكدا للاعلاميين المواكبين لاجتماع ميونخ للأمن في المانيا ان «هدفنا هو إزاحة (الرئيس السوري بشار) الأسد في سورية... وسنحقق هذا الهدف لاعادة الاستقرار لان داعش لن يهزم الا باسقاطه».

واعتبر الجبير في مؤتمر صحافي في ميونخ امس أن «الأسد ساهم في ظهور تنظيم (الدولة الإسلامية) داعش بإخراجه المجرمين من سجونه»، مؤكدا أن «بيئة داعش الخصبة في سورية ستزول مع رحيل الاسد»، وان «داعش هو منظمة إرهابية لا تقوم على أي دين او اخلاق، والقول بأنها منظمة إسلامية مناف للحقيقة».

وتقاطع كلام الجبير مع اعلان الأسد للمرة الاولى ان التدخل العسكري البري التركي والسعودي في سورية ممكن، مشيرا الى ان قواته ستواجه هذا التدخل.

واضاف الاسد في مقابلة حصرية مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في مكتبه في دمشق: «المنطق يقول إن التدخّل غير ممكن لكن الواقع يتناقض أحياناً مع المنطق، خصوصاً عندما يكون لديك أشخاص غير عاقلين في قيادة دولة ما، فهذا احتمال لا أستطيع استبعاده لسبب بسيط وهو أن (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان شخص متعصّب، يميل للإخوان المسلمين ويعيش الحلم العثماني». وهاجم المملكة العربية السعودية مشيرا الى إن مثل هذه العملية «لن تكون سهلة بالنسبة لهم بكل تأكيد وبكل تأكيد سنواجهها».

وأوضح ان «المعركة الآن في حلب ليست لاستعادة حلب لأننا كدولة موجودون فيها، ولكنها لقطع الطريق بين حلب وتركيا»، مشيراً الى ان «تركيا هي الطريق الأساسي للإمداد الآن بالنسبة للإرهابيين»، مضيفا ان «الحالة الحالية المتمثلة في الإمداد المستمر للإرهابيين عبر تركيا، وعبر الأردن تعني بشكل بدهي أن يكون زمن الحل طويلاً، والثمن كبيراً».

وفي بروكسيل، قال كارتر بعد محادثات مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين، في بروكسيل، : «سنحاول أن نتيح الفرص والقوة، وخصوصاً للعرب السنّة في سورية، الذين يريدون استعادة أراضيهم من داعش، لا سيما الرقة. لا نبحث عن بديل لهم (المعارضة السورية) كما أننا لا نبحث عن بديل للقوات العراقية. لكننا نتوق إلى تمكينهم بقوة وأن نساعدهم في تنظيم أنفسهم».

واضاف ان «الرياض وأبو ظبي ستستأنفان مشاركتيْهما في الحملة الجوية التي تقودها واشنطن ضد (داعش) والإمارات يمكن أن تقوم بدور مهم في العراق بأن تساعد في تدريب القوات المحلية وخصوصاً البيشمركة».

وتزامن تصريح كارتر، مع تحذير خطير من التدخّل العسكري الخارجي في سورية، أطلقه مدفيديف، موضحاً أن تلك الخطوة تنطوي على خطر اندلاع «حرب عالمية جديدة»، و في تصريحات لصحيفة «هندلزبلات» الألمانية، قال رئيس الوزراء الروسي: «يجب أن يفكر الأميركيون وشركاؤنا العرب ملياً... هل يريدون حرباً دائمة؟ سيكون من المستحيل كسب حرب كهذه بسرعة، لاسيما في العالم العربي حيث يقاتل الجميع ضد الجميع. على كل الأطراف الجلوس إلى طاولة التفاوض بدلاً من إطلاق حرب عالمية جديدة».

بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ان هجوماً برياً لقوات محلية وأخرى قادمة من دول عربية، سيكون «حاسماً» للقضاء على «داعش» في سورية والعراق.

إلى ذلك، وبعد يوم طويل وشاق من المفاوضات، التي شاركت فيها 16 دولة، صدر أول من أمس، بيان ميونيخ الختامي، متضمناً 3 محاور، أولها «تأكيد وصول المساعدات الانسانية» إلى السوريين المحاصرين بسبب الأعمال القتالية، وثانيها التوصّل الى «وقف للاعمال العدوانية» في عموم سورية في غضون أسبوع، باستثناء تنظيميْ «الدولة الإسلامية» (داعش) و«جبهة النصرة» والمناطق الخاضعة لهما، التي أكد البيان أن الأمم المتحدة ستحدّدها وتبيّن الجهات التي ستصنّف «إرهابية» ليستمر قصفها، وثالثها «دفع عملية الانتقال السياسية» قُدماً.

وأمس، قال ناطق باسم الأمم المتحدة أحمد فوزي، إن المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا «حريص أشد الحرص على عقد جولة جديدة من محادثات السلام»، لكنه أشار إلى أن خطط استئناف المحادثات لا تزال «غائمة».

وتابع أن الحبر «لم يجف بعد» على اتفاق ميونيخ «والوضع غائم للغاية»، موضحاً أن دي ميستورا سيُطلع مجلس الأمن على أحدث التطورات في 17 الجاري.

Since December 2008