الأربعاء، 29 يناير 2020

«الشيطان» في التفاصيل الغائبة عن «خطة السلام»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

سرق حضور ثلاثة سفراء من دول مجلس التعاون الخليجي، الأضواء أثناء الحفل الذي أقامه البيت الأبيض للإعلان عن «رؤية السلام» الفلسطيني - الإسرائيلي، والذي تكلم فيه الرئيس دونالد ترامب ورئيس حكومة إسرائيل المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، في غياب تام للفلسطينيين. 
وبعد أكثر من عامين من الحديث عن «صفقة العصر»، قدم ترامب، خطته «الأفضل»، بحسب قوله، لإنهاء عقود من الصراع في منطقة الشرق الأوسط، واصفاً إياها بانها الفرصة الاخيرة للفلسطينيين، ومثنياً على الإسرائيليين لقبولهم بخريطة فيها تنازلات عدّها ترامب غير مسبوقة. 
كما أخذ يشدد على انه اكثر رؤساء أميركا صداقة للدولة العبرية، وانه اعترف بسيادتها على القدس وبضمها الجولان السوري المحتل. 
ومما قاله الرئيس الأميركي، في البيت الأبيض، ليل الثلاثاء - الأربعاء، وإلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، إن «رؤية السلام» التي قدمها تصلح لأن تكون نقطة بداية لمفاوضات. على ان المشكلة تكمن في ان اسرائيل لم تعتبر الوثيقة نقطة بداية، بل اعلان مكتمل، اذ هي سارعت الى القول انها تستعد لضمّ اجزاء من الضفة الغربية، خصوصاً في وادي الاردن، وهي اجزاء صارت تعتبرها خارج المفاوضات.
وفي هذا السياق، أشار ديفيد داود، وهو يهودي لبناني أميركي، إلى تفادي الخطة ذكر كلمة «مستقلة» عند الحديث عن «دولة فلسطين»، وان «كلمة سيادة المستخدمة ما هي إلا حكم ذاتي». 
داود، الذي يعمل باحثاً في مركز «متحدون ضد ايران نووية»، لفت إلى ان خطة ترامب «تسمح لاسرائيل بإعادة رسم حدودها للتخلي عن مساحات اسرائيل التي تسكنها غالبية عربية وجعل هذه المناطق جزءاً من الدولة الفلسطينية مستقبلاً»، وهذا ما يمثل مطلب (وزير الدفاع السابق ورئيس كتلة «إسرائيل بيتنا» في الكنيست) افيغدور ليبرمان. 
ولفت داود، في حديث لـ «الراي»، إلى ان الخطة تنص على أن المناطق التي يسكنها فلسطينيون، والتي ستكون منفصلة عن دولة فلسطين، سترتبط بفلسطين بخطوط مواصلات. الا ان هذه المناطق، كما خطوط المواصلات، ستكون تحت السيطرة الاسرائيلية، وهو ما يكرس الوضع القائم. 
وتابع: «حتى نتنياهو نفسه سبق ان قال ان الفلسطينيين سيرفضون هذا الترتيب في حال السلام الدائم». 
بدورها، قالت سارة يائيل هيرشورن الدكتورة في جامعة نورث ايسترن ومؤلفة كتاب «مدينة على رأس تلة: اليهود الأميركيون وحركة الاستيطان اليهودية»، إن ما قدمه ترامب لا يرقى ليكون «خطة سلام اسرائيلية - فلسطينية، بل هي خطة اميركية - اسرائيلية لادارة الصراع ولضم احادي لاراض فلسطينية». 
واضافت، في سلسلة من التغريدات، ان طمن دون أن نرى خطة تفصيلية، لا نزال لا نعرف اين ستقوم الدولة الفلسطينية، أي المناطق، أ او ب او ج، وكم من مساحة المنطقة ج سيتم ضمّها لاسرائيل. 
وتشكل المنطقتان أ وب، 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية البالغة 5650 كلم مربع، او ما يعادل 2250 كلم مربع، وتؤويان نحو ثلاثة ملايين فلسطيني، وتدير شؤونهما السلطة الفلسطينية في رام الله. اما المنطقة ج، فمساحتها 3400 كلم مربع، او ما يعادل 33 في المئة من مساحة اسرائيل القابلة للسكن، اذ تبلغ مساحة الدولة العبرية نحو 22 ألف كلم مربع، 12 الفاً منها تشكّل صحراء النقب الجنوبية الجافة التي يصعب العيش فيها. 
وأشارت هيرشورن الى تعمّد سكوت الخطة عن ذكر كلمة «القدس موحدة»، على الرغم من مطالبة اسرائيل بذلك. ومع ان ترامب أعلن ان عاصمة فلسطين ستكون في القدس الشرقية، وكذلك السفارة الاميركية في اسرائيل، فان ما يعنيه ذلك هو ان الفلسطينيين سيحصلون على الجزء الشمالي الشرقي من القدس، وهو ما اعتبرته هيرشورن نفس الترتيب الذي تم التوصل اليه في اتفاقية اوسلو، مع فارق ان أبو ديس، الجزء الفلسطيني من القدس، «صار الآن خلف الجدار الفاصل ومحاطا بمستوطنات لم تكن موجودة اثناء أوسلو في التسعينات». 
ورغم رفض الفلسطينيين للخطة، والفتور العالمي الذي لاقته بشكل عام، إلا ان داود حذّر من اعتبارها «خطة مارقة» أو بمثابة «مناورة سياسية». 
وقال إنه بوجود ثلاث دول من مجلس التعاون لدى إعلان الخطة (الامارات والبحرين وسلطنة عُمان)، ومع عدم صدور موقف سعودي رافض، فإن حظوظ تنفيذها تصبح مرتفعة. 
لكن نص «رؤية السلام» يشير إلى انها ترتكز على عدد من الامور، يضع امكانية تنفيذها في أيدي الفلسطينيين وحدهم، اذ انها تشترط موافقتهم عليها كـ«حل نهائي»، مقابل حصولهم على حكم ذاتي، واستثمارات موعودة بقيمة 50 مليار دولار. وفي الصفقة شروط تجعل من تنفيذها من شبه المستحيلات، اذ هي تطلب حل حركة «حماس» في غزة وسيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع.
ويعتقد داود وهيرشورن، ان عقبات اسرائيلية تعترض تنفيذ الخطة كذلك، بسبب رفض اليمين لأي تنازلات، حتى ولو حكم ذاتي، للفلسطينيين. 
ويتساءل داود عن مدى «واقعية اقتلاع المستوطنين»، مشيراً إلى صعوبة اقتلاع مستوطنة غوش قطيف (كانت في غزة) وكان يسكنها ثمانية آلاف مستوطن فقط. ويقول: «من دون اقتلاع عدد كبير من المستوطنات الحالية في الضفة، فإن أي دولة فلسطينية مزمع قيامها ستشبه الجبنة السويسرية (الممتلئة بالتجويفات)». 
اما هيرشورن، فترى انه يمكن لاسرائيل اقتلاع بعض، لكن ليس كل، المستوطنات، وتشير الى نحو 15 منها، مثل مستوطنة «يزهار»، التي تصفها بـ«العنيفة». 
وتختم انه «بغض النظر عن المشاكل الواضحة في الخطة، إلا أن الشيطان يكمن في تفاصيل مصير المنطقة ج، والخرائط التي قدمها البيت الابيض لا تخبرنا ما يكفي لنعرف ما يحصل فيها».

الثلاثاء، 28 يناير 2020

ترامب يطلق «صفقة القرن» بـ «حل واقعي بدولتين»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، خطته لتسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، والتي تقوم على «حل واقعي بدولتين»، مشدّداً على أن القدس ستبقى «عاصمة إسرائيل غير القابلة للتجزئة»، وأن الدولة الفلسطينية المقبلة ستكون «متصلة» الأراضي.
وقال ترامب وبجانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، إن «الفلسطينيين يستحقون حياة أفضل بكثير»، وذلك خلال مؤتمر صحافي أعلن خلاله «صفقة القرن» التي تتألف من 80 صفحة والتي اعتبرها «الأكثر تفصيلاً» على الإطلاق.
وأضاف ان الدولة الفلسطينية المستقبلية «لن تقوم إلا وفقاً (لشروط) عدة بما في ذلك رفض صريح للإرهاب». ويمكن ان تكون هناك «عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية». وتابع ان واشنطن «مستعدة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أراض محتلة» لم يحددها. 
وأكد البيت الأبيض، إن خطة ترامب تنص على دولة فلسطينية «منزوعة السلاح». 
وقال ترامب إنه وجّه رسالة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في شأن خطة السلام، وأعلن حضور سفراء سلطنة عُمان والإمارات والبحرين إعلان خطته.
وفي إطار عرض خطّته، تطرّق ترامب إلى عاصمة لدولة فلسطينية في القدس الشرقية، واقترح تجميد البناء الإسرائيلي لأربع سنوات في المنطقة المقترحة للدولة الفلسطينية، وقال إن اقتراحه لحل النزاع قد يكون«آخر فرصة»للفلسطينيين.
ووصف ترامب خطّته بأنها «فرصة تاريخية» للفلسطينيين لكي يحصلوا على دولة مستقلة، مضيفاً «قد تكون هذه آخر فرصة يحصلون عليها».
وقال إن «الفلسطينيين يعيشون في الفقر والعنف، ويتم استغلالهم من قبل من يسعون لاستخدامهم كبيادق لنشر الإرهاب والتطرف».
وشدد ترامب، على أن القدس ستظل «عاصمة غير مقسمة، ومدينة آمنة ومفتوحة لكل الديانات»، من دون أن يوضح بالتفصيل الحدود التي تصورها لهذه العاصمة.
وأضاف ترامب، أن نتنياهو، أبلغه أن «الخطة المقترحة ستكون منطلق المفاوضات المباشرة».
وكشف أن الخطة تتضمن «العمل على تحقيق اتصال جغرافي بين أراضي الدولة الفلسطينية»، وكذلك «ربط الدولة الفلسطينية بطرق وجسور بين غزة والضفة الغربية».
وذكر ترامب أنه أكد لعباس، في رسالة، أمس، عن «وقوف واشنطن إلى جانبه إذا قرر المضي بالخطة».
وقال: «اليوم نخطو خطوة كبيرة في اتجاه السلام»، مشيراً إلى أن خطته للسلام «مختلفة جوهرياً عن الخطط السابقة».
وأكد أن «الشعب الفلسطيني يستحق فرصة لتحسين مستقبله»، وأنه يريد من هذه الخطة أن«توفر للفلسطينيين فرصة تاريخية في إنشاء دولتهم».
وأوضح الرئيس الأميركي أن «صياغة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين مهمة صعبة ومعقدة».
وأعلن أن «الخطة الجديدة ستوفر 50 مليار دولار للفلسطينيين».
وأعرب الرئيس الأميركي، عن شكره الإمارات والبحرين وسلطنة عمان على دعم خطة السلام، وإرسال سفرائها لحضور مراسم الكشف عن المبادرة.
وأكد أن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع الدول الأخرى على تطبيق الخطة.
وحول طهران، أعلن الرئيس الأميركي أن «الخروج من الاتفاق النووي مع إيران يشكل أهم إنجازاتي». وأضاف أن «النظام الإيراني ضعف كثيرا، بعد أن تخلصنا من قاسم سليماني، أكبر إرهابي في العالم».
وكشف الرئيس الأميركي أن «خطة السلام تتألف من 80 صفحة، وهي الأكثر تفصيلاً على الإطلاق».
وفي ختام كلمته، ناشد «القادة الشجعان على إنهاء الصراع والعمل من أجل السلام».
بدوره، أعرب نتنياهو عن سعادته بالتواجد في البيت الأبيض في «هذا اليوم التاريخي» مع سفراء الإمارات والبحرين وسلطنة عمان.
وقال: «وفي هذا اليوم أيضاً، رسمت مستقبلا مشرقاً للإسرائيليين وللفلسطينيين وللمنطقة من خلال طرح طريق واقعي لسلام دائم».
وأضاف ان«واشنطن ستعترف بالمستوطنات كجزء من اسرائيل»، مشيراً إلى أن الخطة «لا تلحظ عودة لاجئين فلسطينيين الى اسرائيل».
وأكد أن اسرائيل «ستحتفظ بالسيادة على غور الأردن بموجب خطة السلام».وأعلن نتنياهو، استعداده التفاوض مع الفلسطينيين على «مسار من أجل دولة مستقبلاً».
وقد عمل على تفاصيل «صفقة القرن»، كبير مستشاري ترامب وصهره جاريد كوشنر، بمساعدة المقربين منه مبعوث السلام جايسون غرينبلات والسفير الاميركي لدى اسرائيل دايفيد فريدمان. والثلاثة من اليهود الارثوذوكس المحافظين.

ماذا يريد العرب من أميركا؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كتب صديق يعمل أستاذا للاقتصاد في "الجامعة الأميركية في بيروت" تغريدة شكا فيها همجية حكام لبنان وعنفهم الذي أوقع مئات الجرحى وتزامن مع اعتقال مئات الناشطين: "كما في الدول الأخرى المحيطة بنا، يتم ترك الناس وحدهم لمواجهة أنظمتهم الوحشية".

أجبت صديقي: "عندما يأتي العالم، أي الولايات المتحدة، لنجدتكم، تتحولون إلى التظاهر ضد تدخلها… حبذا لو تحددون بالضبط ما الذي تريدونه من أميركا، وإن أردتم تدخلا، فلا ضير من إظهار بعض الممنونية للأميركيين لتقديمهم يد العون".

في العقل العربي كابوس غير مبرر اسمه أميركا. ربما هي عقود من الخطاب القومي العربي، المستند إلى كسل فكري وتخلّف عن الإنتاج جعل العرب عالما منشغلا بالمسلسلات الرمضانية وببرامج الصراخ السياسي عبر الفضائيات، وجعل العرب عالما لا يكتب، ولا يقرأ، وجعله عالما تقتصر نقاشاته على شائعات فاقعة يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونظريات مؤامرة خرافية يرددونها بلا خجل.

لا ضير من تعاون نخب العرب وإيران مع حكومات العالم الديمقراطية للتخلص من الطغيان والفساد

الفشل الذاتي غالبا ما يدفع أصحابه إلى إلقاء الملامة على الآخرين. وفي الحالة العربية، المسؤول عن مشاكل العرب هي إسرائيل، أو أميركا، أو الاثنين معا، مع إضافة الماسونية أو الفرس الصفويين إلى لائحة المتآمرين. هذه السطحية في تشخيص مكامن الفشل، واستنباط إمكانيات الحل، لا تقتصر على البسطاء والسذج، بل طالت النخبة، التي تبدو وكأنها تخلت عن دورها في تثقيف الأقل علما، بل صارت تستخدم علمها لتبرير النظريات الشعبية الخاطئة، ولتكريس خطاب معاداة الإمبريالية، واستخدامها كورقة تين لستر عورة الفشل المدقع الذي يغرق فيه العرب منذ قرون.

وحتى نشعل شمعة بدلا من أن نلعن الظلام، لا بد من محاولة تفسير معنى "المصالح الأميركية"، التي تدفع أميركا، من حين لآخر، للتدخل في شؤون هذه الدولة أو تلك.

بعدما تحول الاقتصاد الأميركي إلى الأكبر في العالم، مع بداية القرن الماضي، وبعدما أنقذت أميركا الديمقراطية في حربين كونيتين، ظهرت الولايات المتحدة كأقوى قوة اقتصادية وعسكرية بدلا من الإمبراطوريات الأوروبية التي سبقتها.

لكن على عكس الإمبراطوريات الأوروبية ذات المساحة الضيقة، لا تحتاج الولايات المتحدة، ذات المساحة والموارد الطبيعية الضخمة، لاحتلال أراض أجنبية والاستيلاء على مواردها لتغذية الصناعات الأميركية. حتى في الفترة التي احتاجت فيها أميركا نفط العرب، لم تسع للاستيلاء عليه، بل للحفاظ على تدفقه على السوق العالمية لضمان استقرار سعره، لأن ارتفاع السعر يؤذي الاقتصادات الصناعية، ومنها أميركا وأوروبا. وكان ذلك في السبعينيات.

منذ ذلك الوقت، اكتشفت السوق النفطية مصادر طاقة متنوعة، قسم كبير منها في القارة الأميركية، في فنزويلا (صاحبة أكبر احتياطي في العالم) والبرازيل والمكسيك، وعادت روسيا إلى السوق العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحولت الصين ودول آسيا إلى اقتصادات صناعية بحاجة للنفط والغاز، وصارت الحكومات المصدرة تستميت لبيع إنتاجها لتغذية موازناتها. وفي العقد الماضي، طوّرت أميركا تقنيات سمحت لها باستخراج مخزونات كانت عصية في الماضي، فتصدرت الولايات المتحدة دول العالم في إنتاج النفط والغاز.

لهذا السبب، لا لضعف القوة الأميركية، لم تعد لمنطقة الشرق الأوسط أهمية استراتيجية، ولم تعد الحروب تؤثر في سعر الطاقة العالمي: لا حرب ليبيا، ولا تهديد إيران بإغلاق الخليج، ولا هجوم طهران على حقول نفط سعودية.

وفي ظل الفقر الذي تعيش فيه معظم شعوب الشرق الأوسط، حتى الغنية منها بالطاقة مثل العراق وإيران، لا أسواق تدفع القوى العالمية للتسابق عليها، بل إن أميركا نفسها هي أكبر سوق في العالم، تستجدي دخوله كل دول العالم الأخرى، وفي طليعتها الصين، التي أتت إلى واشنطن زاحفة، ووافقت على تعديل اتفاقيات التجارة بين البلدين.

وبدون أهمية مواردها الأولية، ومع انعدام القدرة الشرائية لسكانها، لا أهمية تذكر لمعظم دول الشرق الأوسط، ما عدا تفصيل واحد يقلق أميركا منذ عقدين، وهو الإرهاب، الذي ينطلق من دول فاشلة، ضد أميركا وديمقراطيات العالم. لهذا السبب وحده ترابط قوات أميركية في الشرق الأوسط. ومع أن البعض يعتقد أن هذه القوات تحمي إسرائيل، لكن الأخيرة أثبتت أنها قادرة على ضرب أهداف إيرانية في عمق سوريا والعراق، بدون حاجة فعلية للقوة الأميركية.

وقد يكون ثاني من اكتشفوا انعدام أهمية الشرق الاوسط رئيس روسيا فلاديمير بوتين، الذي استولى على سوريا وأقام فيها بعض القواعد العسكرية. لكنها قواعد ضد من؟ وما فائدة سيطرة روسيا على دولة من الركام، مثل سوريا، لا موارد طبيعية فيها، ولا سوق استهلاكية، مع اقتصاد يواصل تهاويه؟

ربما حان وقت إعادة النظر في سذاجة "لا إيران ولا أميركا"

نقطة وحيدة قد تحرّك أميركا لاستخدام قوتها لدعم الحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية في إيران والعراق ولبنان هي أن الديمقراطية تنهي ظاهرة الدول الفاشلة، مثل العراق ولبنان، وهو ما يسمح بسحب القوات الأميركية ومحاربة الإرهاب بتكاليف أقل بكثير.

ثم أن في العقل الاميركي تماهي بين ثورات العالم المطالبة بالحرية وثورة الولايات المتحدة التي أقامت ديمقراطية مستقلة عن ملك بريطانيا، قبل قرنين ونصف، وهي ثورة لم تكن لتنجح لولا تصميم الأميركيين ودعم القوى العالمية المنافسة لبريطانيا، مثل فرنسا وإسبانيا وغيرها.

لا ضير من تعاون نخب العرب وإيران مع حكومات العالم الديمقراطية للتخلص من الطغيان والفساد. والتعاون لا يعني ارتهانا ولا تطابقا في المواقف مع أميركا، وهذه ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تستضيف قواعد عسكرية أميركية، وتتفق مع أميركا على التمسك بالديمقراطية، لكنها تتنافس معها سياسيا واقتصاديا.

ربما حان وقت إعادة النظر في سذاجة "لا إيران ولا أميركا"، وحان وقت تقديم النخب العربية والإيرانية صورة واضحة عن نيتها الانضمام لمجموعة الدول الديمقراطية حول العالم، التي قد تأتي لإنقاذ طالبي الديمقراطية، وإقامة علاقات طيبة مع الحكومات التي سيبنونها مستقبلا.

الأحد، 26 يناير 2020

مصادر أميركية لـ«الراي»: «قانون ماغنيتسكي» لن يطول لبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ردت مصادر أميركية مطلعة لـ «الراي»، على ما تردد في وسائل إعلام حول نية الولايات المتحدة تطبيق «قانون ماغنيتسكي» لملاحقة فساد مسؤولين لبنانيين، بالقول إن هذا القانون ليس مخصصاً لملاحقة فساد المسؤولين في دول العالم، بل لملاحقة من يرتكبون تجاوزات في اطار «حقوق الانسان».
وأوضحت ان القانون غالباً ما يقوم بفرض عقوبات مالية على مسؤولين متورطين في قتل او تعذيب مواطنيهم، وعلى رجال الاعمال ممن يثرون من علاقاتهم مع هؤلاء المسؤولين.
وأشارت المصادر إلى أن في لبنان أسباباً متعددة لفرض عقوبات مالية على شخصيات سياسية وكيانات، لكنها عقوبات ترتبط بتبييض الاموال والارهاب الدولي، وان لا مسؤولين معروف عنهم تورطهم بتجاوزات في قضايا حقوق الانسان.«ربما ينطبق القانون على مسؤولين في سورية والعراق وايران، لكن لبنان لا يندرج تحت الاطار نفسه»، بحسب المصادر.
على أن وزارة الخزانة الاميركية تفرض رقابة لصيقة على عددٍ من الشخصيات اللبنانية، بسبب امكانية تورطها في تعاملات مالية مع جهات حكومية عليها عقوبات، مثل في سورية أو في إيران، أو مع جهات حكومية أو غير حكومية مصنفة على انها «إرهابية»، وهو ما يعني ان فرض عقوبات على اي مسؤولين أو شخصيات في لبنان سيكون في الغالب مرتبطاً بشؤون الارهاب أو التعامل مع حكومات عليها حظر اميركي، لا بسبب حقوق الانسان، وفق ما ينص «قانون ماغنيتسكي».
وكانت أوساط مصرفية وسياسية، تداولت معلومات مؤكدة عن عزم واشنطن فرض عقوبات نوعية على عددٍ من الوزراء السابقين والمسؤولين في لبنان، ورجال أعمال ومتعهدي أشغال تتهمهم الإدارة بالفساد واستغلال السلطة.
وتفيد المعلومات بأن «اللائحة» باتت جاهزة، وقد يعلن عنها في غضون شهر، وتتضمّن «أسماء دسمة» المقرّبة من موقع القرار. وسيكون لها في حال تنفيذها، صدى واسع في وسط مجتمعي السياسة والأعمال في لبنان، خصوصاً لناحية شمولها شخصيات ذوي انتماءات سياسية متنوعة ومتعهدي أشغال ومقاولين ومستوردي محروقات ومتعهدين في قطاع الكهرباء.
العقوبات لو صدرت بالفعل، ستحدث إرباكاً كبيراً على المستوى السياسي، والإجراءات المفترضة حكماً تُلقى على عاتق السلطات الحكومية المعنية بمكافحة تبييض الأموال. إذ إن لبنان اضطرّ في ضوء العقوبات الاقتصادية والمالية على «حزب الله» إلى اقتفاء أثر تلك العقوبات وإقصاء الحزب عن الجهاز المصرفي وحظر التعامل معه من رجال أعمال وكيانات في لبنان والخارج.

فيلتمان: «صيد الساحرات» في لبنان يستهدف الحريري والسنيورة وجنبلاط وحلفاءهم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

استخدم جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة لشؤون الشرق الأدنى، المصطلح الذي دأب الرئيس دونالد ترامب على ترداده للطعن في التحقيقات وقانون العزل والمحاكمة التي يخضع لها في مجلس الشيوخ «صيد الساحرات». لكن فيلتمان توقع ان تقوم السلطات اللبنانية بممارسة «صيد الساحرات» ضد الزعماء السياسيين ممن لم يلتحقوا بحكومة رئيس الوزراء الجديد حسان ديّاب. 
وفي مطالعة له على موقع بروكنغز، حيث يعمل زميلاً باحثاً، توقع السفير السابق لدى لبنان، ان«يتم استهداف رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وحلفاءهم». اما «وزير الخارجية المنتهية ولايته جبران باسيل ورفاقه، ورئيس البرلمان نبيه بري ومعهم الآخرون المرتبطون بمحور (الرئيس ميشال) عون - حزب الله - دمشق، فلن يطولهم التحقيق»، بحسب ما أضاف. 
وتابع فيلتمان:«لن تطول التحقيقات اللبنانية جدياً صفقات الوقود والكهرباء التي أبرمها وزراء من حزب التيار الوطني الحر، بما في ذلك الرئيس عون و(وزير الخارجية الأسبق جبران) باسيل، ولن يضطر حزب الله إلى دفع الضرائب على أنشطته الاقتصادية الواسعة، أو فتح دفاتره حول نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية السري، وعمليات التهريب».
وتطرق فيلتمان الى المقابلة التي أجرتها الصحافية هادلي غامبل، من شبكة «سي ان بي سي»، مع باسيل، اثناء مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي، الاسبوع الماضي، وقال ان المقابلة كشفت«عن جهل باسيل في تدابير مكافحة الفساد». 
وكانت غامبل سألت باسيل حول كيفية تأمين تكاليف مشاركته في المؤتمر، خصوصا تكلفة السفر بالطائرة الخاصة إلى المنتجع السويسري، فيما يعاني لبنان من أزمة مالية حادة. 
ويتابع فيلتمان:«حاول باسيل تقديم تفسيرات عديدة، قبل أن يشير في النهاية إلى ان أصدقاء مجهولين كرماء هم الذين تكفلوا التكاليف». 
هنا تدخلت وزيرة التجارة الخارجية والتنمية الهولندية سيغريد كاغ، التي كانت تشغل منصب منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان، وقالت إن «من غير المسموح للوزراء بمثل هؤلاء الأصدقاء المجهولين». 
وختم فيلتمان انه رغم خروج باسيل من الحكومة، إلا ان «الشفافية الكاملة ستنطبق على الآخرين، من دونه».

الخميس، 23 يناير 2020

أبناء المسؤولين الإيرانيين يثيرون الريبة في أميركا

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أثار قيام السلطات الأميركية بترحيل الطالب الإيراني شهاب دهقاني، إثر وصوله الى مطار لوغان في بوسطن، استياء عدد من السياسيين الاميركيين و«أصدقاء إيران»، وسلّط الضوء على نشاطات هؤلاء الايرانيين السياسية، وعلى تمسك عدد ممن ينالون الجنسية الاميركية بولائهم للنظام الايراني، وانخراطهم في نشاط سياسي قد يصل احياناً حد تنفيذ عمليات استطلاع أو تخريب أمنية.
في سياق متصل، واعتباراً من يوم أمس، حظرت الولايات المتحدة، دخول الإيرانيين بتأشيرات التجارة والاستثمار.
وعزت دائرة خدمات الجنسية والهجرة التغيير إلى إنهاء معاهدة صداقة في أكتوبر 2018 مع إيران.
وتسمح تأشيرات إي-1 وإي-2، التي تُمنح لغير المهاجرين، لمواطني دول أخرى بدخول الولايات المتحدة من أجل التجارة الدولية أو استثمار قدر كبير من المال.
وجرى توقيع المعاهدة، التي لم يكن الضوء مسلطاً عليها، قبل فترة طويلة من الثورة الإسلامية عام 1979.
وفي سياق متصل، لم يسمح الأمن في مطار لوغان الدولي، للطالب في جامعة «نورث ايسترن» في ولاية ماساشوسيتس، بالدخول، وأعاده الى باريس، من حيث أتى قادماً من طهران. وبرر خطوته بأن قرابة تجمع دهقاني مع أركان النظام، ومنهم من الممنوعين من السفر الى اميركا او فرضت عليهم عقوبات مالية.
وفور شيوع الخبر، نظمت الشبكات الإيرانية - الأميركية الموالية لطهران تظاهرات في المطار، ونفت ان يكون لدهقاني ارتباطات بالنظام. وأصدرت السناتور الديموقراطية عن ماساشوسيتس والمرشحة للرئاسة إليزابيث وارن، بيانا دانت فيه القرار، وقالت إن الشاب يحمل تأشيرة دخول طالب، وان على إدارة الرئيس دونالد ترامب التخلي عن عنصريتها ضد غير الاميركيين.
على ان المعارضين للنظام تحركوا بدورهم، وأطلقوا هاشتاغ «اطردوا الباسيج». وكشفوا ان ترحيل دهقاني هو نجل النائب كمال دهقاني فيروز ابادي، الذي تربطه بأركان النظام علاقات وثيقة. وتظهره احدى الصور مع الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله.
وهاجم المعارضون، الإدارة، لمنحها مثل هذه التأشيرات، وقالوا انه في وقت يتضور الايرانيون جوعاً، يتمتع ابناء المسؤولين، المعروفين في الداخل بلقب «آغازاده»، بحياة رفاهية في دول الغرب، ومنها أميركا.
وكانت انتشرت العديد من الصور التي تظهر نجل وزير الخارجية محمد جواد ظريف، يعيش حياة باذخة في ايران وخارجها.
ولا يبدو ان ترحيل دهقاني جاء صدفة، فقد سبق لمسؤول الملف الايراني في وزارة الخارجية برايان هوك، ان قال للخدمة الفارسية لـ «صوت اميركا»، الشهر الماضي، ان ادارة ترامب تعيد النظر في تأشيرات الدخول التي تمنحها للطلبة الايرانيين، وانها لا تريد ان تمنعهم من الدراسة، لكنها تسعى الى تحقيق العدالة، اذ ان ابناء المسؤولين يفيدون من اموال غير متاحة لعامة الطلبة الايرانيين.
وفي الحملة التي شنها معارضو النظام، اعادوا نشر تغريدات تظهر ان معظم هؤلاء الطلبة يعبرّون عن دعمهم للنظام ورموزه، وآخرها كان تعبير بعضهم عن الحزن بسبب مقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني.
وكان سليماني مصنفاً على «لائحة الارهابيين»، وهو ما يضع أي مؤيدين له في اميركا تحت ضوء الاتهام. كما ينظم الطلبة الايرانيون نشاطات يرفعون فيها صور الخميني وخلفه المرشد الأعلى علي خامنئي.
وتعدى النقاش ابناء المسؤولين ليصل إلى الإيرانيين الاميركيين، وحتى بعض المسؤولين الاميركيين أنفسهم، اذ نشر موقع «برايتبارت» اليميني المتطرف، الذي كان يرأسه مستشار ترامب السابق ستيف بانون، مقالة أشار فيها الى احتمال وجود ارتباط بين وارن، والايرانيين، عن طريق زوج ابنتها سوشيل تياغي، الذي سبق ان انتج افلاماً سينمائية من إخراج الايراني مجيد مجيدي، وبتمويل من «المنظمة الثقافية والفنية في طهران» و«منظمة الرعاية الاجتماعية»، التابعتين لحكومة طهران.
وتتبنّى وارن مواقف متشددة ضد قتل سليماني، وضد عقوبات ترامب على طهران، وتدعو إلى اعادة العمل بالاتفاقية النووية ورفع العقوبات عن إيران.
ومثل وران، يتبنى سناتور ديموقراطي آخر المرشح للرئاسة بيرني ساندرز، مواقف تنحاز لطهران. ويعلل رفضه أي ضغط على إيران بمعارضته للحروب الاميركية حول العالم بشكل عام. لكن قد يكون وراء الاكمة ما وراءها، اذ سبق ان عيّن ساندرز عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا، رو خانا، مديراً لحملته الانتخابية.
وخانا، أميركي من اصل هندي، وهو أحد اكثر المؤيدين لايران ممن يهاجمون المملكة العربية السعودية، كما في اقتراحه لقانون منع الادارة من بيع اسلحة للرياض. وسبق لخانا ان هاجم دولة الامارات في مقالة في صحيفة اميركية معروفة. وبعد مقتل سليماني، كتب خانا في مجلس النواب مشروع قانون يمنع ترامب من الانخراط في حرب مع ايران، او من استهداف اي مواطن ايراني حول العالم. واستخدم نسخة مشروع القانون لاستصدار قانون مماثل في مجلس الشيوخ.
وقد يبدو غريباً الدعم المطلق من هندي اميركي مثل خانا لايران، لكن الامر قد يرتبط بأن دائرة كاليفورنيا 17 التي يمثلها خانا، في سان فرانسيسكو، يسكنها عدد كبير من الايرانيين الاميركيين، الذين أعلن 15 منهم من كبار المتمولين والعاملين في سيليكون فالي، عاصمة التكنولوجيا الاميركية، دعمهم لخانا.
ومثل خانا، في دائرة رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي - كاليفورنيا 5، وهي في مدينة سان فرانسيسكو كذلك، عدد من الايرانيين الاميركيين ممن يساهمون في انتخابها كل عامين، وابرزهم الملياردير بيار عوميديار، مؤسس موقع «اي باي» التجاري وصاحب موقع «ذا انترسبت»، المعروف بتأييده لنظام ايران.
ومن ايرانيي الدائرة 5 الاميركيين، الصحافي في «واشنطن بوست» جايسون رازايان، والذي رغم اعتقاله في ايران والافراج عنه في صفقة تبادل سجناء مع واشنطن، الا انه من اشد مؤيدي النظام، وكتب يعارض تصنيف ترامب «الحرس الثوري» تنظيماً ارهابياً. لذا، تصدرت بيلوسي الهجوم على ترامب ضد مقتل سليماني، وتسعى إلى تقييد يدي اي رئيس لمنعه من الانخراط في اي مواجهة عسكرية ضد ايران.
الشبكة الموالية للنظام الايراني في أميركا، والتي يبدو انها ابتلعت سياسياً معظم الحزب الديموقراطي ومرشحيه للرئاسة، يبدو انها صارت تحوز على اهتمام الادارة والوكالات الامنية، وما ترحيل دهقاني إلا بداية مواجهة من المرجح ان تكون بقسوة المواجهة التي يخوضها ترامب في وجه نظام «الجمهورية الاسلامية».

الثلاثاء، 21 يناير 2020

كيف أطاح أوباما باستقرار الشرق الأوسط؟

حسين عبدالحسين

في الرواية المعتمدة، خط مستقيم يربط الاجتياح الأميركي للعراق بكل مصائب الشرق الأوسط اليوم، وكأن الشرق الأوسط كان واحة من الأمن والرخاء والاستقرار قبل حرب العراق، إلى أن ارتكب الرئيس السابق جورج بوش خطيئة العصر بإطاحته بالرئيس العراقي صدام حسين ونظامه.

لكن الحقيقة عكس ذلك، فبوش هو الذي ثبّت أمن العراق واستقرار المنطقة قبل رحيله. وهو استقرار تباهى به خلفه باراك أوباما، إلى أن هزّت قلّة حنكة أوباما الاستقرار، وأدت لفوضى اليوم.

خطيئة بوش كانت الاعتقاد أن لدى العراقيين من الوعي ما يكفي لتحويل دولتهم إلى ديمقراطية، ليتبين أن لا دولة في العراق أصلا، وأن حكم صدام كان يقتصر على أجهزة أمنية استخباراتية مرعبة، انهارت، فانهار العراق، وبانت ضحالة غالبية السياسيين العراقيين الفكرية وخواءهم، وهو خواء ملأه نظام إيران بأفكارهم عن "الجمهورية الإسلامية"، القائمة على بطش الاستخبارات، وعلى قبلية وعشائرية تناهز دموية صدام وفساده، فانتقل العراق من حكم "الحرس الجمهوري" إلى حكم "الحرس الثوري"، وصار "الجيش الشعبي" ميليشيا "الحشد الشعبي".

لكن قبل رحيله، فطن بوش إلى حلّ، فأمر بتنفيذ "خطة زيادة القوات" في العام 2007، على الرغم من معارضة غالبية الأميركيين، الجمهوريين من حزب بوش قبل الديمقراطيين. ومع حلول العام 2009، أدّت خطة بوش إلى خفض معدلات العنف في العراق إلى أدنى مما كانت عليه قبل الحرب في العام 2003.

في نفس الأثناء، استغل بوش قنوات اتصال سرية مع إيران، كان هدفها التنسيق في حربي أفغانستان والعراق، لإقناعها بضرورة "تغيير تصرفاتها" في المنطقة. وقبل رحيل بوش بقليل، تنازل عن وقف إيران تخصيب اليورانيوم كشرط لحوار معها، وشارك وكيل وزارة الخارجية آنذاك بيل بيرنز في مفاوضات الأوروبيين مع إيران، وكان أرفع مسؤول أميركي يلتقي إيرانيين حتى تاريخه، وكان الهدف التوصل إلى تسوية مع طهران تتضمن وقفها النووي ووقفها نشاطاتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، مقابل رفع العقوبات الدولية عنها.

وتسلّم أوباما الرئاسة مطلع 2009، ولم يسحب الجيش الأميركي من العراق بعد ستة أشهر على انتخابه، حسب وعده، فأبقى على ترتيبات بوش، وسحب القوات الأميركية من العراق نهاية 2011.

وبين 2010 و2014، وقف أوباما يتباهى بالاستقرار الذي تحقق في العراق والمنطقة، وراح ينسبه إلى نفسه. على أن مفاعيل سياسات بوش كانت في طريقها إلى زوال، وبدأت سياسات أوباما تؤتي ثمارها، وراح الاستقرار ينهار.

أولا، في العراق، كان من المفروض سحب القوات الأميركية، لكن من دون إدارة أميركا ظهرها سياسيا وديبلوماسيا. بدلا من تسليمها البلاد إلى أكثر رئيس حكومة طائفي عرفه العراق، أي نوري المالكي، كان الأجدر بأوباما أن يحافظ على علاقات واشنطن بكل الأطراف العراقية، وأن يواصل تسديد رواتب "قوات الصحوات" السنية، وأن تستمر أميركا في الضغط على بغداد للالتزام بالدستور العراقي، الذي ينصّ على دولة فدرالية لا مركزية، تعطي الأقاليم استقلالية مالية وأمنية وسياسية.

لكن ملل أوباما من العراق دفع المالكي إلى الانخراط في سباق مع منافسيه الشيعة لقمع المكونين الكردي والسني، وهو ما أدى إلى انهيار الاستقرار، وسمح للتطرف السني بالعودة على شكل "داعش" الإرهابي، الذي ـ بالتزامن مع الفساد المدقع الذي كانت دولة المالكي وجيشه تغرقان فيه ـ استولى على الموصل صيف 2014، وأجبر القوات الأميركية على العودة إلى العراق، وفتح الباب لتشريع عمل الميليشيات الإيرانية، التي تظاهرت أنها تحارب "داعش"، فيما عملت في الحقيقة كذراع إيران في العراق وسوريا، وراحت تحارب في حلب، وتقمع تظاهرات العراق، وتغتال ناشطين عراقيين.

ثانيا، في إيران، ارتكب أوباما خطأ فادحا. في جولة مفاوضات في بغداد في ربيع 2012، سأل رئيس الوفد الإيراني سعيد جليلي "ماذا عن سوريا؟". كان الإيرانيون يعتقدون أنه يمكنهم تحصيل تنازلات من الغرب لإتمام صفقة كبرى نووية وإقليمية.

أجاب الغربيون: "تعليماتنا هي بالتفاوض حول النووي فقط". ذاك كان خطأ أوباما المميت الذي استغلته إيران. صارت المفاوضات للنووي وحده، وراحت إيران تماطل حتى ترفع من شأن الاتفاقية المتوقعة. وقال أوباما علنا إنه يعتقد أن اتفاقية نووية مع إيران ستولّد إيجابية يمكن البناء عليها لإنهاء نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. حتى تجارب الصواريخ الباليستية الايرانية تم الاتفاق على وقفها، ولكن شفهيا فقط.

هكذا، لم يكد حبر الاتفاقية النووية يجفّ، ولم تكد إيران تباشر حصد مليارات الدولارات من رفع العقوبات، حتى استأنفت تجاربها الصاروخية، معللّة خطوتها بغياب نص في الاتفاقية يمنع ذلك، وهو ما حمل الغرب على القول إن إيران اخترقت روحية الاتفاقية لا نصّها.

وهكذا تلاعبت إيران بالغرب، وراحت تستخدم أموالها في توسيع نفوذها، فانفجر اليمن. وراحت طهران تزكي نار الحربين العراقية والسورية، إلى أن وصل الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة، ووافق على وساطة أوروبية مع الإيرانيين، لكن ضعف أوباما كان أوهم ملالي إيران أن أميركا ضعيفة فعليا، فأمعنت إيران في تعنتها، إلى أن سحب ترامب البساط من تحت قدميها، فبانت الولايات المتحدة كقوة عظمى: لم تستطع الصين وروسيا وأوروبا مجتمعة الوقوف في وجه العقوبات الاقتصادية الأميركية التي دفعت اقتصاد إيران للانهيار.

وعندما اعتقد جنرال إيران قاسم سليماني أن بإمكانه ابتزاز أميركا بقتل قواتها في العراق لإجبارها على التراجع، بدا الفارق واضحا بين قوة أميركا وإيران ـ النمر الورقي. بصاروخ واحد أطاحت أميركا بسليماني، الذي كان يظن نفسه خطا أحمر لا يقهر، ويظن أن مقتله سيشعل المنطقة.

عرف الملالي أن أميركا لا تمزح، فاكتفوا برد مسرحي، وتمسكوا بنصيحة وزير خارجية أميركا السابق جون كيري لهم: انتظروا نهاية رئاسة ترامب. وإلى أن تنتهي رئاسة ترامب وتعثر إيران على فرصة، ستبقى مختبئة في جحرها تقتل الإيرانيين الذي يموتون، إما جوعا أو قمعا لصراخهم ضد نظام التجويع الإسلامي.

بوش أورث أوباما منطقة مستتبة نسبيا، وأوباما هو الذي قوّض استقرارا لم يفهمه. ثم جاء ترامب، وأعادنا إلى زمن صارت نشاطات إيران مكلفة لها، فاستعادت المنطقة بعض التوازن الإقليمي المفقود.

الأربعاء، 15 يناير 2020

المواجهة بين أميركا وإيران تشتعل ديبلوماسياً وسياسياً في واشنطن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعدما خبت المواجهة العسكرية بينهما، توسّع الصراع بين الولايات المتحدة ليصل أروقة الديبلوماسية الدولية، في وقت اشتعلت جبهة الكونغرس الاميركي بين معارضي طهران واللوبي المؤيد لها. 
ولم يكد الرئيس دونالد ترامب يعلن خروجه منتصراً من معركة مقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، والتي انتهت بلا ضحايا أميركيين، حتى اعلن في المؤتمر الصحافي نفسه، فرض رزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الاسلامية.
وفيما انهمكت وزارة الخزانة في تطبيق العقوبات الجديدة، ومراقبة القائمة، والبحث عن امكانية فرض اخرى، كان الديبلوماسيون الاميركيون يحققون انتصاراً باقناعهم حلفاء واشنطن الاوروبيين، لندن وباريس وبرلين، باحالة التجاوزات النووية الايرانية، رداً على العقوبات الاميركية، على الأمم المتحدة، بموجب بند التحكيم.
والبند المذكور خال من التعقيدات، ويمكنه ان يؤدي، تلقائيا ومن دون الحاجة الى تصويت في مجلس الأمن، الى عودة العقوبات الدولية التي كان يفرضها المجلس على طهران، قبل التوصل لاتفاقية نووية تم إقرارها في القرار الرقم 2231. 
على ان الاعلان الاوروبي استفز اصدقاء إيران في العاصمة الاميركية، الذين عمدوا الى تهديد الاوروبيين بأن خطوتهم قد تؤدي الى انسحاب طهران من معاهدة حظر انتشار اسلحة الدمار الشامل. وقال سينا طوسي، الباحث في المجلس القومي الايراني - الاميركي، وهو احد أبرز المجموعات المؤيدة للنظام الايراني، انه «بموجب المادة 36 من الاتفاقية النووية، اذا شعرت ايران بوجود تلكؤ جدي من قبل الاطراف الاخرى في تنفيذ الاتفاق، يمكنها استخدام ذلك كأرضية لوقف العمل بالتزاماتها، كليا او جزئيا، حتى يعود الاخرون الى الاتفاقية». 
واضاف في تغريدة، ان «آلية عودة العقوبات»، التي قد تنجم عن التحكيم الذي طالب به الاوروبيون، «مُصممة لمنع ايران من ارتكاب تجاوزات أساسية للاتفاقية، وليس لمنعها من اتخاذا الآليات القانونية المنصوص عليها في الاتفاقية والمخصصة لمساعدة طهران على حمل الاطراف الاخرى على الالتزام». 
وختم طوسي مُنذراً الاوروبيين بان القارة العجوز «ستدفع ثمناً باهظاً لأي صراع اقليمي مع إيران»، بما في ذلك تدفق اللاجئين الى اراضيها. 
على أن تهديدات «لوبي ايران»، لأوروبا، وهجومه على المعارضين للنظام في العاصمة الاميركية، واتهامه اياهم بأنهم من هواة توريط أميركا في الحروب، لم يمر مرور الكرام، مع توجيه ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريون - تيم كوتون وتيد كروز ومايك براون - رسالة الى وزارة العدل طالبوها بتحري أمر «المجلس القومي»، واتهموه بالعمل لصالح نظام طهران. وحضوا الوزارة على أن تجبر المجلس على حيازة ترخيص «عميل أجنبي».
وسبق لمحكمة فيديرالية ان اجبرت «المجلس القومي» على دفع غرامة قدرها 180 ألف دولار لمعارضين ايرانيين كانوا اتهموا المجلس بالعمل لمصلحة النظام، فأقام عليهم دعوى قدح وذم، وخسرها. وذكرت المحكمة ان اتهام المعارضين للمجلس «لا يتنافى وفكرة انه يعمل لمصلحة النظام الايراني أولا وأخيراً». 
وما أثار حفيظة الشيوخ الجمهوريين، قيام اللوبي الايراني بتنظيم مؤتمرات عبر الهاتف لمؤيديهم مع المرشحين للرئاسة الديموقراطيين بيرني ساندرز واليزابيث وارن، فيما يطلّ مسؤولو المجلس بشكل شبه يومي عبر شبكات الاعلام المحسوب على الديموقراطيين، وفي طليعتها شبكتي «سي ان ان» و«ام ان بي سي». 
ويُساند اللوبي الايراني، العديد من المسؤولين السابقين ممن عملوا في ادارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، من أمثال جون كيري وسوزان رايس ووندي شيرمان وبن رودز.
على انه ليس كل مسؤولي أوباما من «اصدقاء» ايران، وكان بارزاً في هذا السياق ما أدلى مستشار الأمن القومي السابق الجنرال جيم جونز، الذي قال ان ترامب «كان محقاً تماماً» في تصفيته سليماني، وهو تصريح استدعى «تغريدة شكر» من الرئيس الاميركي. ومما قاله جونز ايضاً ان النظام الايراني «في أضعف حالاته، ويقارب الانهيار».

الثلاثاء، 14 يناير 2020

عن انحيازنا لوطننا الأميركي

حسين عبدالحسين

يستغرب قراء عرب كثيرون نصوصنا التي تظهر انحيازنا لوطننا الأميركي. يعتقدون أننا مهاجرون نعيش في الولايات المتحدة، ونحمل جواز سفرها لأنه يسهّل مرورنا في مطارات العالم، ويمنحنا رعاية دولة عظمى في ترحالنا. بعضهم الآخر يعتقد أننا نكتب نصوصا مؤيدة للسياسة الأميركية بسبب "حفنة دولارات" نتقاضاها من الحكومة مقابل مواقفنا.

ما لا يعرفه القراء الأعزاء أن الولايات المتحدة دولة تختلف عن معظم دول العالم في تعريفها لمن هو الأميركي. قد يكون السبب أنها دولة يافعة نسبيا، عمرها أقل من ثلاثة قرون، تأسست على أيدي خليط من الأعراق والأجناس والمذاهب، ما جعل من المواطنية فيها مبنية على الولاء للأفكار المؤسسة للجمهورية، لا الولاء لقبيلة أو لعرق أو لمكان جغرافي.

والأميركي هو كل من أقسم الولاء للجمهورية ودستورها، ومطلعه "نحن الشعب"، وتمسك بتعديلاته، وأولها حرية الرأي والمعتقد. والدستور الأميركي هو وليد الثورتين الأميركية والفرنسية، اللتين ثارتا على آلاف السنين من المبادئ التي تبني شرعية الحاكم على اختيار إلهي، يتمثل غالبا بمراسم يسبغها الهيكل على الملك. وفي الفلسفة اليونانية القديمة أن الفيلسوف، أي الأكثر علما، هو الملك، وهو من يجمع عنصري الحياة الأساسيين: الحكمة والقوة.

أميركا هي فكرة، إذن، مفادها أن الناس ولدوا أحرارا، وأن الحكومة التي يختارونها ويقسمون الولاء لها تكفل استمرار هذه الحرية، مع محاولة التوفيق بين الحرية الشخصية ومقتضيات الحيز العام (مثلا يصعب تجول الفرد عاريا في المساحات العامة، على الرغم أن هذا يندرج في خانة الحرية الفردية).

أما في نطاق الرأي، فالحرية في أميركا مطلقة، ولا يحدها إلا التحريض على العنف. وغالبا ما يختلط على غير الأميركيين الحرية المطلقة في أميركا مع المقيدة بعض الشيء في أوروبا. مثلا، يعاقب القانون في فرنسا كل منّ ينكر حصول المحارق اليهودية. لكن في أميركا، الحرية مطلقة، حتى في إنكار المحارق، لا مسؤولية قانونية أو جزائية على من ينكرها، أو على من يجدّف بالأديان، أو على من يتعبد لأي إله أو بأي شكل.

هذه الحرية ترفع من تقدير المواطن لنفسه، وتعلي من شأن رأيه الذي لا ينصاع بالضرورة لرأي الجماعة، وتجعله فخورا بمواطنيته التي تساويه بعلية القوم، حتى برئيس الدولة نفسه. وهذه الحرية تفتح باب الابتكار، في العلوم والتكنولوجيا والسياسة والأدب والفن. وغياب القمع، بدوره، يساهم في تعزيز الاستقرار الأمني والمجتمعي.

يقول بعض المهاجرين إلى أوروبا إنهم على الرغم من نيلهم الجنسية، ما يزالون يعانون من تمييز الأوروبيين الأصليين ضدهم. هذا أمر لا يحصل في أميركا، وإن حصل، فبنسب منخفضة جدا. لهذا، يشعر المهاجرون إلى الولايات المتحدة بملكيتهم لوطنهم الجديد، ما يدفعهم للحرص عليه والدفاع عنه، أكثر من نظرائهم الأوروبيين.

أميركا الفكرة أنجبت دولة تتربع على عرش العالم على مدى أكثر من قرن: أكبر اقتصاد، أكثر الجيوش تطورا، أكبر عدد من براءات الاختراع، ريادة في الثقافة والفن، ريادة في التغييرات المجتمعية.

وكالفكرة الأميركية المتجددة، كذلك الحكومة، فالنظام الأميركي يصرّ على تغيير رئيس الدولة وفريقه كل ثماني سنوات، وهو تغيير له تأثيرات إيجابية لا تحصى، إذ هو يضخ أفكارا جديدة في الحكم، ويسمح بتجربة السياسات بشكل مستمر، وانتقاء الجيد منها، والتخلي عن السيء.

انحيازنا لأميركا هو بسبب تجربتنا الشخصية التي لا تضاهى، وهي تجربة نعيشها في وطن يمنحنا كرامة فردية لم نحس بها في أوطاننا الماضية، حيث الكرامة جماعية دائما، وبتصرف القائد وحده.

ووطننا الاميركي يمنحنا حرية شخصية تسمح لنا أن لا نخفي أهواءنا أو أخطاءنا، وتسمح لنا أن نطلق عواهن مخيلاتنا، قولا وفعلا، وأن نكون من نريد أن نكون، وقت نشاء، بلا ضرورات أمنية وقومية، وبلا محظورات مجتمعية، وبدون تخوين، أو تعييب، أو قمع.

هي كرامة وحرية فردية تخلص الفرد من قيود الجماعة وظلمها، فالأمة ليست كائنا متجانسا، بل مجموعة أشخاص مختلفين في كل شيء، لا يجمعهم ـ كما في الحالة الأميركية ـ إلا احترامهم لحرية الآخرين، وللديمقراطية، وللمساواة.

التجربة الأميركية هي تجربة نتمناها لإيران، وللعراق، وللبنان، ولسوريا، ولكل دول العالم. هي تجربة يمكن لأميركا دعمها معنويا، وسياسيا، ولكن ـ منذ تجربة العراق ـ لا يمكن للقوة العسكرية الأميركية فرضها أو هندستها، إذ على قول المثل الإنكليزي، "يمكن أن تأخذ الحصان إلى النهر، ولكن لا يمكن أن تجبره أن يشرب".

اخرجوا إلى الشارع، قولوا ما شئتم، أحبوا من شئتم، اشتموا من شئتم

والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الولايات المتحدة يشي بنجاح تجربة الديمقراطية الأميركية، وضرورة تكرارها في دول العالم، خصوصا الدول التي ما تزال تعيش في ظل أنظمة قروسطوية، مثل إيران، التي ينص دستورها على أنها دولة الشيعة الاثني عشرية، ما يحصر قيادتها بمواطنين من مذهب واحد، ويحرم الإيرانيين من مذاهب أخرى من ملكية وطنهم بشكل كاف، والطموح لقيادته يوما.

لن تأتي حرية اللبنانيين، ولا العراقيين، ولا الإيرانيين، ولا حقوق نسائهم، إلا بتضحياتهم، وأصوات صراخهم، وثوراتهم، لا على الطغاة فحسب، بل على موروثات المجتمع البالية والتقاليد: اخرجوا إلى الشارع، قولوا ما شئتم، أحبوا من شئتم، اشتموا من شئتم، عادوا إسرائيل، صالحوها، صلّوا، اكفروا، تعلموا من تجاربكم، واسعوا لسعادتكم، شخصيا لا جماعيا.

هي حياتكم، وهي حريتكم، وليس ابن الأسد أحسن منكم في شيء، ولا بنات عون، ولا صهر إردوغان. هو وطنكم، هي تجربتكم، عيشوها أحرارا، أو لن تعيشوها أبدا.

الاثنين، 13 يناير 2020

مقتل سليماني يعزّز فرص فوز ترامب بولاية ثانية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

عززّ الرئيس دونالد ترامب تفوقه على منافسيه الديموقراطيين، في السياسة الخارجية، واضاف ذلك إلى تقدمه عليهم، في عيون الناخبين الاميركيين، في شؤون الاقتصاد، ليرفع من حظوظ فوزه بولاية رئاسية ثانية، في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.
وأظهرت نتائج «مجموعة نقاش»، عقدتها مؤسسة «انجاجيوس - اف بي جي»، ان «غالبية الناخبين المتأرجحين في ولاية بنسلفانيا يساندون قرار ترامب بتوجيه الضربة» التي أدت الى مصرع قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، اثناء وجود الاخير في العاصمة العراقية بغداد.
واللافت في نتائج الاستطلاع انها سبقت الرد على مقتل سليماني، وهو الرد الذي جاء على شكل عدد من الصواريخ اطلقتها إيران من اراضيها واستهدفت فيها قاعدة عين الأسد في الانبار، غرب العراق، وقاعدة حرير في كردستان، اللتين تستضيفان قوات أميركية.
وحاول معارضو ترامب من الحزب الديموقراطي، خصوصاً اثناء الفترة التي تلت مقتل سليماني وسبقت الرد الايراني عليه، الى التهويل على الاميركيين بالقول ان تهور الرئيس وغياب اي استراتيجية له تجاه ايران، بما في ذلك استهدافه قائد «فيلق القدس»، من شأنه ان يؤدي الى تصعيد عسكري، وان يورط الولايات المتحدة في حرب شرق اوسطية جديدة ستكون مكلفة بشرياً ومالياً. على ان الرد المحدود ساهم في تقوية موقف ترامب، واضعاف موقف الديموقراطيين.
وتبين في ما بعد، ان مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي اي) جينا هاسبل، كانت أبلغت ترامب ان رد ايران على مقتل سليماني هو اقل خطرا على حياة الجنود الاميركيين من بقاء سليماني حياً. وتوقعت ان يكون الرد هجمات صاروخية من الاراضي الايرانية فقط، من دون ان تتطور المواجهة الى مواجهة عسكرية اوسع بين الطرفين، وهو ما حصل فعلا، واظهر ان في ادارة ترامب محترفون، وان الحزب الديموقراطي عديم المعرفة في الشؤون الخارجية.
ويضاف تفوق ترامب على الديموقراطيين في السياسة الخارجية، في عيون الناخبين في ولاية بنسلفانيا، الى تفوقه على كل مرشحيهم في الولاية نفسها، حسب استطلاع سابق للرأي اجرته، الشهر الماضي، مؤسسة «اوبتيمس»، المحسوبة على الجمهوريين.
وبنسلفانيا كانت إحدى مفاجآت الانتخابات الرئاسية في العام 2016، اذ هي كانت محسوبة من الولايات الزرقاء التي تؤيد الديموقراطيين منذ العام 1992، لتنقلب وتصوّت لمصلحة ترامب، بفارق بسيط عن منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، ومثلها فعلت ولايتا ميتشيغن وويسكونسن، المحسوبتان عادة على الحزب الديموقراطي. ويعتقد الخبراء، ان في انتخابات هذا العام، من شبه المستحيل ان يستعيد الديموقراطيون البيت الابيض من دون استعادتهم هذه الولايات، وفي طليعتها بنسلفانيا.
وبسبب أهمية بنسلفانيا، قام المرشح الديموقراطي للرئاسة، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، باتخاذها مقراً رئيسياً لحملته الانتخابية، على الرغم ان بايدن أمضى أربعة عقود في مجلس الشيوخ ممثلا لولاية ديلاوير المجاورة. وراح بايدن يروي كيف ولد في بنسلفانيا، وكيف انتقل ابواه في طفولته الى ديلاوير.
وأظهر استطلاع «اوبتيمس» تقدم ترامب في بنسلفانيا على المرشحين الديموقراطيين للرئاسة: مايكل بلومبيرغ بأربع نقاط مئوية، وبايدن بخمس نقاط، وبيت بوتجاج بست، واليزابيث وارن بسبع، وبيرني ساندرز بعشر نقاط. كما اظهر الاستطلاع تقدم ترامب على كل المرشحين الديموقراطيين في ويسكونسن، بفارق أكثر من عشر نقاط مئوية، باستثناء بايدن، الذي أظهر الاستطلاع تأخره عن الرئيس بتسع نقاط مئوية في الولاية المذكورة.
وجاء تقدم ترامب على المرشحين الديموقراطيين في الولايات الثلاثة المحسوبة عليهم حتى قبل مقتل سليماني، وهي العملية التي عارضها الديموقراطيون، فظهروا بمثابة المدافعين عن اعداء الولايات المتحدة، وظهر ترامب بمثابة الرئيس الحاسم وصاحب الرؤية الاستراتيجية.
وان حافظ المقترعون المتأرجحون على ميلهم لانتخاب ترامب، بسبب سياسته الخارجية، هذا يعني أن أزمة الديموقراطيين ستزداد عمقاً، وان حظوظهم في استعادة البيت الابيض شبه منعدمة، في حال «جرت الانتخابات غداً»، حسب التعبير الاميركي.
كما جاء تقدم ترامب على الديموقراطيين في وقت تظهر استطلاعات رأي الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديموقراطي تقدم ساندرز على منافسيه، وخصوصا بايدن، وهو ما يعني اندفاع الحزب بعيدا عن يسار الوسط ونحو اليسار المتطرف، وهو ما يجعل من الاصعب على الحزب انتزاع الوسطيين والمتأرجحين من قبضة ترامب.
هكذا، ساهم مقتل سليماني في تعزيز وضع ترامب الانتخابي لولاية ثانية، وهو ما يعني ان إيران، التي تراهن على انتظار خروجه من البيت الابيض، حسب نصيحة وزير الخارجية السابق جون كيري الى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، ستجد نفسها في ورطة، اذ سيكون من الاصعب عليها الاستمرار في ظل العقوبات الاميركية القاسية، والاستمرار في الوقت نفسه في رفض الانخراط في محادثات غير مشروطة مع الرئيس الأميركي، اذ تشترط طهران رفع العقوبات عليها قبل عودتها إلى أي مفاوضات.

الخميس، 9 يناير 2020

دروس أميركية من المواجهة مع إيران... عودة «قوة الردع»

واشنطن - من حسين عبدالحسين


في الجلسات التي خصصتها دوائر القرار في العاصمة الأميركية لتقييم سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران، توصل بعض المتابعين الى ان الرئيس السابق باراك أوباما كان على حق، لا لأنه وقّع على اتفاقية نووية مع طهران، بل لأنه كان يرى أن النظام الإيراني ليس متهوراً، وأنه يقرأ الاوضاع الدولية بشكل دقيق ويقوم بحسابات جيدة.
ولأن طهران تقرأ تطورات الاحداث، فهي تتمدد عندما تبدي أميركا تهاوناً، وتتراجع عندما تظهر أميركا قسوة، وهو ما يعني ان مع الرئيس الحالي، خيار إيران الوحيد هو الانكفاء وانتظار نهاية رئاسة ترامب، وهي نصيحة يعتقد المعنيون الأميركيون أن وزير الخارجية السابق جون كيري اسداها لصديقه وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف.
هكذا استعاد ترامب «قوة الردع»، ورسم خطوطاً حمر صارت إيران تعرفها، وتفادتها مرتين على الأقل، قبل مقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري قاسم سليماني، وبعد مقتله. وتتوقع واشنطن ان تلتزم طهران هذه الخطوط حتى اشعار آخر.
وللخطوط الحمر قصة عمرها أشهر، اذ هي بدأت منذ راحت إيران تتحرش بناقلات النفط بالخليج، من دون رد أميركي، ثم اسقطت طائرة أميركية من دون طيار سعرها اكثر من مئة مليون دولار، وفيما كانت البحرية الأميركية في طريقها لضرب القاعدة الإيرانية التي انطلق منها الصاروخ، ألغى ترامب الأمر، وأعلن انه تراجع لأن الإيرانيين لم يقتلوا أي أميركيين: اذن، خط ترامب الاحمر لإيران، هو حياة الأميركيين.
ثم واصلت طهران تجاربها حتى تتأكد أين هي خطوط ترامب الحمر، فشنّت هجوماً، تنصّلت من مسؤوليته، ضد منشآت النفط السعودية. ثم امتحنت ترامب بايعازها لتنظيم «كتائب حزب الله» العراقي الموالي لها بشن هجوم ضد قاعدة اربيل، التي يسكنها أميركيون، فقتل الهجوم حميد نورس، وهو أميركي مسلم من أصل عراقي.
ورغم ان «الحشد الشعبي» سارع الى التنصل من الهجوم، وحاول القاء المسؤولية على «فلول داعش»، الا ان شظايا الصواريخ التي سقطت في القاعدة أكّدت انها إيرانية الصنع من التي تزودها «طهران» لـ«الحشد»، اذ ذاك سارع ترامب الى اصدار اوامره بمعاقبة المرتكبين، فأغارت قواته على قواعد «كتائب حزب الله»، وقتلت قرابة 30 عنصراً.
وللرد على الرد الأميركي، ارسلت إيران «الحشد»، بقيادة حلفائها ابومهدي المهندس وهادي العامري وفالح الفياض، لقيادة تظاهرة اعتدت على النقاط الامامية لسور السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء. ويبدو ان طهران فهمت الخطوط الحمر، اذ لم تحاول الميليشيات العراقية الموالية لها اقتحام السفارة في بغداد او التسبب في سقوط اي ضحايا.
يقول المتابعون ان ترامب اعتبر الهجوم على السفارة شخصياً ضده، ورأى ان الصور التي بثتها شبكات التلفزة الأميركية تلطخ صورته وتجعله يبدو مثل أوباما، الذي وقف عاجزا أمام مقتل اربعة أميركيين في هجوم على السفارة في مدينة بنغازي الليبية. وعندما طلب الرئيس الأميركي من جنرالاته سيناريوهات للرد على إيران، زوده العسكر بسلسلة من الخيارات، ووضعوا قتل سليماني بمثابة العقوبة الاقصى، وهو ما اختاره ترامب.
على ان طهران لم تفطن الى ان ترامب لم يكن قد انتهى من عقابه. وعندما توعد الرئيس الأميركي، إيران، رد عليه مرشد الثورة في تغريدة بتسميته «ذاك الرجل يهددنا، لكن لا يمكنه ان يفعل شيء». في اليوم التالي لتغريدة علي خامنئي، قتل ترامب سليماني، ومعه المهندس.
وبعدما ثارت ثائرة الإيرانيين، على الأقل اعلامياً، ورصدت أميركا تحركات لوحدات إيران الصاروخية، تبنى ترامب شعار «الاستعداد للحرب هو افضل سبيل للسلام»، وراحت القوات الأميركية تعزز وجودها في المنطقة حتى وصل عددها إلى اكثر من 50 الفاً، بالتزامن مع نشر قاذفات «بي 52» الاستراتيجية المرعبة في مطارات تجعل إيران في متناولها.
كان التفكير الأميركي، حسب المشاركين في جلسات التقييم، ان أي حرب مع إيران ستكون على شاكلة حرب تحرير الكويت في العام 1991، وهي حرب يجمع الأميركيون على انها كانت انتصاراً باهراً، وهو ما يعني ان أميركا كانت تنوي شن حملة جوية، قد تستغرق اسبوعاً، تدمر خلالها معظم المواقع العسكرية الإيرانية، فضلا عن المواقع النووية، وربما البنية التحتية، وهو ما يشل إيران، التي يعاني اقتصادها اصلا من انهيار شبه كامل بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها.
وعلى مدى العقد الماضي، افادت طهران من حملة دعائية، بالمشاركة من قطاعات واسعة من الحزب الديموقراطي، مفادها أن أي حرب أميركية ضد إيران ستكون على شاكلة كابوس 2003، وهو ما يحرّض الأميركيين ضد اي مواجهة عسكرية مع إيران. لكن يبدو ان ادارة ترامب اعتبرت انها حتى لو خاضت حربا مع الإيرانيين، فهي ستشل النظام، لكنها لن تسعى لاسقاطه، وهو ما يجعل من النظام الإيراني ضعيفا، وتاليا منكفأ ومنشغلا بمشاكله، مثل رئيس العراق الراحل صدام حسين بعد العام 1991.
يبدو ان إيران ادركت التغيير الحاصل في السياسة الأميركية، فردّت بهجوم صاروخي على قواعد أميركية لم يوقع ضحايا، فحفظت ماء وجهها، الى جانب احترامها خطوط ترامب الحمر. هذا هو الدرس الذي استخلصه المسؤولون في العاصمة الأميركية، وهو درس اشعرهم بأن كابوس حرب الاطاحة بصدام حسين صار وراءهم، وانهم حققوا أول انتصار على إيران منذ فترة، واعادوا الردع في وجهها. لذا، بدا ترامب مزهواً في مؤتمره الصحافي، وحدد شروطه: لا نووي لإيران، ولا انسحاب أميركي من العراق.

الأربعاء، 8 يناير 2020

ترامب: إيران تخفف من حدة موقفها

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، ان طهران «تخفف من حدة موقفها على ما يبدو» بعد الضربات الصاروخية الإيرانية على قاعدتين يتمركز فيهما جنود أميركيون في العراق، فجر أمس.
وذكر ترامب، الذي أحجم عن توجيه أي تهديد مباشر بعمل عسكري ضد إيران، في البيت الأبيض: «جميع جنودنا بخير ولم يلحق سوى ضرر طفيف بقواعدنا العسكرية. قواتنا الأميركية العظيمة مستعدة لكل شيء»، مضيفاً «يبدو ان ايران تخفف من حدة موقفها وهو أمر جيد لجميع الأطراف المعنيين وللعالم. لم نخسر أي أرواح أميركية أو عراقية».
واعتبر الرئيس الأميركي، أن دول العالم «تسامحت على مدى وقت طويل للغاية، منذ العام 1979، مع تصرفات إيران المضرة والمزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه، لكن تلك الأيام انتهت... كانت إيران أكبر ممول للإرهاب وسعيها للحصول على أسلحة نووية يهدد العالم المتحضر».
وأضاف: «الجيش الأميركي قضى على قاسم سليماني أكبر إرهابي في العالم»، مشيراً إلى أن الأخير «درب تنظيم حزب الله الإرهابي وتسبب بقتل وإصابة جنود أميركيين كثر».
وتابع: «يدا سليماني ملطختان بدماء العراقيين والإيرانيين على السواء».
كما أشار الرئيس الأميركي، إلى أن إيران استولت على سفن في الخليج وشنت اعتداءات على منشآت نفطية سعودية، وتسببت بأضرار هائلة في اليمن ولبنان وسورية، مؤكدا أن بلاده ستفرض عليها مزيداً من العقوبات.
وذكر أن إيران رفعت شعار «الموت لأميركا» في اليوم الذي وقع فيه الاتفاق النووي في العام 2015، لافتاً إلى أنه «علينا جميعا العمل معا نحو إبرام اتفاق مع إيران يجعل العالم أكثر أمناً وأكثر سلماً».
وبينما أنذر الرئيس الأميركي، طهران، بالصواريخ «الكبيرة والسريعة والدقيقة والمميتة»، قال إنه سيطلب من حلف شمال الأطلسي، أن يكون حاضراً في شكل أكبر في الشرق الأوسط، منوهاً في الوقت ذاته بأن الولايات المتحدة مستعدة للسلام مع من يريدونه.
وفي طهران (وكالات)، دعا الحرس الثوري الإيراني، الذي أعلن تنفيذ عملية «الشهيد سليماني»، واشنطن إلى سحب قواتها من المنطقة «منعاً لوقوع المزيد من الخسائر ولعدم السماح بتهديد حياة المزيد من العسكريين الأميركيين».
كما هدّد بضرب «إسرائيل» و«حكومات حليفة» للولايات المتحدة في المنطقة.
وأعلن الحرس الثوري في بيان، أنه جرى استخدام صواريخ بالستية بمدى 800 كيلومتر، لضرب قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير في أربيل.
وأفاد التلفزيون الحكومي، بأن الضربات أسفرت عن مقتل «80 أميركياً»، نقلاً عن «مصدر مطلع» في الحرس الثوري. وأضاف أن طائرات مسيرة ومروحيات ومعدات عسكرية أخرى تضررت.
وتحدث مصدر التلفزيون الحكومي في الحرس الثوري، عن 140 هدفاً للأميركيين وحلفائهم في المنطقة، في مرمى إيران «إذا ارتكب الأميركيون خطأ مماثلا من جديد».
من ناحيته، قال المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، إنه تم توجيه «صفعة» للولايات المتحدة.
وأكد أن «هذه الضربة وحدها لا تكفي بل لا بد أن يتواصل العمل لاخراج القوات الاميركية من المنطقة».
واستبعد المرشد، استئناف المحادثات مع واشنطن بشأن الاتفاق النووي.
وفي بغداد، ذكرت خلية الإعلام الأمني العراقية في بيان: «تعرض العراق من الساعة 1:45 ولغاية الساعة 2:15 من فجر الأربعاء (امس) لقصف بـ 22 صاروخاً، سقطت 17 منها على قاعدة عين الأسد الجوية من ضمنها صاروخان لم ينفجرا في منطقة حيطان غرب مدينة هيت».
وأضافت: «سقطت خمسة صواريخ على قاعدة حرير في أربيل، جميعها على مقرات التحالف، ولم تسجل أي خسائر في صفوف القوات العراقية».
وأكدت البنتاغون، في بيان، إطلاق طهران 12 صاروخاً، فيما نقلت شبكة «فوكس نيوز» عن مسؤول إن عدد الصواريخ بلغ 15.
وأعلنت ألمانيا والدنمارك والنروج وبولندا أنه لم تقع أي إصابات بين قواتها في العراق. ودانت بريطانيا، التي تنشر قوات في العراق كذلك، الهجوم الإيراني، ورأت أنه «ينبغي ألا تكرر إيران تلك الهجمات المتهورة والخطيرة».
وقالت مصادر حكومية أميركية وأوروبية مطلعة على تقديرات الاستخبارات، إن من المعتقد أن إيران سعت عمداً إلى تجنب وقوع أي خسائر في صفوف الجنود الأميركيين.
وأضافت المصادر، التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، أمس، أنه من المعتقد أن الإيرانيين تعمدوا أن تخطئ الهجمات القوات الأميركية للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة، مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران.
وذكرت ثلاثة مصادر، أنه يُعتقد أن إيران حاولت ضرب أجزاء معينة في القاعدتين لتقليل الخسائر البشرية إلى أدنى حد ولتفادي قتل أميركيين على وجه الخصوص. وأضافوا أن التقدير تضمن بعض معلومات الاستخبارات من داخل إيران تؤكد طبيعة خطة الهجوم.
وقال مصدر أميركي: «أرادوا الرد مع عدم التصعيد بشكل يقترب من اليقين».
وفي السايق، كشف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن طهران وجهت رسالة لواشنطن عبر سويسرا التي ترعى مصالحها فور البدء بشن الهجوم الصاروخي على القاعدتين، مصدر الهجوم على سليماني.
وأخذ اعضاء الكونغرس الأميركي والخبراء يشيرون الى تغريدة جواد ظريف، التي قال فيها ان بلاده «لا تسعى الى التصعيد او الى الحرب»، معتبرا ان الهجوم الايراني كان «متناسباً» وحجم الهجوم الاميركي الذي اودى بحياة سليماني.
وعلّق عضو الكونغرس الديموقراطي عضو لجنة الاستخبارات جيم هايمس، قائلاً ان ايجابية ترامب، في عدم توجيهه رد عسكري فوري ضد ايران، وايجابية ظريف في تغريدته، هما بمثابة فرصة لفتح قنوات الاتصال الديبلوماسية، وان عبر قنوات غير مباشرة. والحديث عن فرصة للديبلوماسية هو ما اجمع عليه الديموقراطيون، الذين دأبوا على انتقاد طهران على مدة اسبوع منذ بداية التصعيد وقصف قواعد «كتائب حزب الله»، وما تلاها من هجوم عراقي في محيط السفارة الاميركية واستهداف سليماني.
في صفوف الجمهوريين، شعور بالانتصار على ايران، اذ بدا وكأن طهران رمت صواريخها من دون استهداف اميركيين لحفظ ماء الوجه، وان ترامب نجح في القضاء على سليماني من دون الانخراط في مواجهة عسكرية واسعة. على انه على عكس الديموقراطيين، الذي يسارعون للدعوة الى حوار، من غير المرجح ان يتراجع الرئيس الاميركي عن مواقفه تجاه ايران.

الثلاثاء، 7 يناير 2020

الانسحاب الأميركي من العراق... مشكلة «الصياغة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

أثارت رسالة الجنرال الاميركي وليام اتش سيلي، أحد قادة التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم «داعش»، الى نظرائه العراقيين، زوبعة في أروقة السياسة الاميركية. وورد في الرسالة انه تجاوباً مع موقفي مجلس النواب العراقي ورئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، بدأ الجيش الاميركي عملية «مناقلات» استعدادا للرحيل من العراق.
ولم تمض ساعات حتى بدأت وسائل الاعلام الاميركية تتحدث، باستغراب، عن قرار الانسحاب المفاجئ. وزاد في الطين بلة التباين في نصي الرسالة الانكليزي، الذي يقول فيه الاميركيون للعراقيين «نحترم قراراكم السيادي في ان تأمروا انسحابنا»، والترجمة العربية، التي ورد فيها «نحترم القرار السيادي والذي طالب برحيلنا».
في النص الانكليزي، بدا ان الجيش الاميركي يضع أمر انسحابه بين أيدي الحكومة العراقية، فيما بدا في النص العربي ان بغداد طالبت فعلياً بالانسحاب، وان الجيش الاميركي في طريقه لتنفيذ الطلب.
وأقر عبد المهدي بان النسختين العربية والإنكليزية غير متطابقتين، وأعلن انه طلب توضيحات.
وبعد ساعات من الارتباك، أطلّ وزير الدفاع مارك إسبر لينفي قرار الانسحاب. واوضحت القيادة الاميركية في العراق ان الرسالة كانت مسودة، وانها لم تكن معدّة للنشر العلني.
وصرح رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي: «كان خطأ، حدث عن غير قصد، مسودة رسالة غير موقعة، لأننا نحرك قواتنا في المكان».
كما نأى إسبر بنفسه عن تهديدات الرئيس دونالد ترامب بقصف مواقع ثقافية في إيران. وقال: «سنحترم القوانين المتعلقة بالنزاعات المسلحة» التي تحظر ضرب مواقع ثقافية.
وعندما سألته صحافية عمّا إذا كان جوابه «يعني كلا، لأنّ استهداف موقع ثقافي يُعدّ جريمة حرب؟». أجابها إسبر «هذا هو قانون النزاعات المسلّحة».
وفيما أخذت وسائل الاعلام تسخر من إدارة ترامب، وتشير الى ارتباك في الرأي وتضارب في المواقف، حاول المعنيون في الادارة التحري عمّا حصل، فتوصلوا الى ان الجيش قدم رسالة الى العراقيين للتأكيد لهم ان الوجود الاميركي في العراق ليس احتلالاً، حسب الدعاية الايرانية، وانه وجود مرهون بارادة الدولة العراقية. ويبدو ان احد المسؤولين العراقيين قام بتسريب الرسالة الى «وكالة فرانس برس»، التي نشرتها.
ويرى المسؤولون الاميركيون ان «ايران تعوّل كثيراً على رسم صورة، وان غير واقعية، عبر الاعلام». ويعتقد المسؤولون ان المحاولات الايرانية قد تكون جزءاً من محاولة انقاذ ماء الوجه، على اثر اغتيال الولايات المتحدة قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني في بغداد فجر الجمعة.
ويقول بعض المسؤولين الاميركيين، من المولجين رصد الاعلام الاجنبي، ان وسائل الاعلام المؤيدة لايران بالغت في وصف تصويت البرلمان العراقي على قرار لاخراج القوات الاميركية، وجعلته يبدو قانوناً ملزماً، فيما هو قرار غير ملزم. في السياق نفسه، حاولت ايران الافادة من الرسالة الاميركية، للجيش العراقي بتصويرها قراراً اميركيا بالانسحاب، على الرغم من ان لا قرار اميركي بذلك.
وسعي أميركا لدعم دولة العراق، بما في ذلك الكتلتان السنية والكردية وعدد كبير من السياسيين الشيعة، سببه الاعتقاد بأن عبدالمهدي صادق في مسعاه لحلّ ميليشيات «الحشد الشعبي»، ودمجها بالقوات الامنية، وتعديل عقيدتها القتالية وولائها، من ولاء لمرشد الثورة الايرانية الى ولاء للمؤسسة العسكرية العراقية والقائد الاعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الحكومة، حسب الدستور العراقي.
وكان عبدالمهدي اصدر قرارا، في اول يوليو الماضي، قضى بدمج فصائل «الحشد» في القوات النظامية، وإغلاق كل المقرّات التي تحمل اسم أي من هذه الفصائل. كما خيّر رئيس الحكومة «الحشد» بين الانضمام للقوات المسلحة، أو الانخراط في العمل السياسي وفق قوانين الأحزاب. وامهل الفصائل حتى نهاية يوليو للالتزام بقراره.
لكن «الحشد» تمرد على عبدالمهدي وقراره. ويقول المسؤولون الاميركيون انهم سمعوا من «اصدقاء عراقيين» ان جدالا اندلع بين عبدالمهدي ومؤيديه، من ناحية، وقادة «الحشد»، من ناحية ثانية، وان قادة «الحشد» رفضوا حلّ ميليشياتهم قبل خروج القوات الاميركية من العراق.
لهذا السبب، يحاول رئيس الحكومة المستقيل مقايضة «الحشد»: في مقابل حلّ الميليشيات، يتم اجبار القوات الاميركية، على البقاء في قواعدها، والتزامها مهمة التدريب وتقديم النصح على مستوى قيادات الألوية، أي من دون المشاركة على خطوط القتال لطلب الدعم الجوي الاميركي للمعارك، كما كان يحصل اثناء الحرب ضد «داعش».
«الحشد» رفض المقايضة، وابلغ عبدالمهدي انه يحلّ نفسه بعد خروج الاميركيين.
في هذا السياق، رصدت الولايات المتحدة حركة سليماني، الذي عقد اجتماعات في بغداد بهدف رفع نوعية تسليح «الحشد»، وتحريكه لبدء شن هجمات ضد القواعد الاميركية، وهو نشاط كان المأمول منه مواصلة «حروب الحشد».
الوضع معقد في العراق، سياسياً وامنياً واقليمياً، حسب المسؤولين الاميركيين، الذين يرددون انهم لا يعرفون ما سيحصل، ولكنهم مستعدون «لدعم كل العراقيين الذين يسعون لسيادة حكومتهم، واستقلال دولتهم، واستقرار امنها، وبحبوحة اقتصادها».

"الحشد الشعبي" حسب الدعاية الإيرانية الكاذبة

حسين عبدالحسين

لم تتشكل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق على إثر ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، بل هي سابقة لـ"داعش"، ظهرت في نسختها الأولى على شكل كتائب عراقية مقاتلة في صفوف إيران ضد العراق، أثناء الحرب بين البلدين (1980 ـ 1988). وفي العام 1982، تشكّل "المجلس الإسلامي الأعلى"، وجناحه العسكري "ألوية بدر" بقيادة هادي العامري، الذي انشق في ما بعد ليصبح زعيم "منظمة بدر"، وهي اليوم إحدى فصائل "الحشد الشعبي".

وإبان عودة الإيرانيين من أصل عراقي إلى العراق، بعد أن اختبأوا في إيران لعقود هربا من بطش الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، انخرطت بدر في معارك ضد "جيش المهدي"، التابع لمقتدى الصدر، أحد أكثر السياسيين العراقيين تقلبا في المواقف والتصريحات.

وبسبب قيام الصدر بحلّ "جيشه"، انشق عنه قيس الخزعلي وأسس ميليشيا "عصائب أهل الحق"، التي شاركت مع الميليشيات الشيعية الأخرى في حرب ضد القوات الأميركية، بعد أن خلع الاميركيون صدام وسلموه لهذه الميلشيات. واعتقلت القوات الأميركية الخزعلي وسجنته. ثم أفرجت عنه.

ومثل العامري، عاد الإيراني من أصل عراقي جمال جعفر، المعروف بأبي مهدي المهندس، إلى العراق، تحت لواء "بدر"، ثم أسس "كتائب حزب الله". وللمهندس تاريخ طويل في الإرهاب، إذ سبق أن قاد تفجيرات ضد سفارتي أميركا وفرنسا في الكويت في 1983، باسم "حزب الدعوة" العراقي، في نفس الوقت الذي كان نظيره اللبناني الراحل عماد مغنية يفجّر سفارة أميركا ومقر المارينز والقوات الفرنسية في بيروت.

وبعدما قتلت ميليشيات الإيرانيين العراقية، بإمرة جنرال "الحرس الثوري" قاسم سليماني، ألف من أربعة آلاف جندي أميركي سقطوا في العراق، وبعدما نجحت "خطة زيادة القوات" في خفض العنف في العراق إلى معدلات ما قبل حرب 2003، ما سمح بانسحاب أميركا، انخرطت الميليشيات الشيعية والقوات النظامية بإمرة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي في سباق للتنكيل بالسنة العراقيين، فانهارت التسوية والاستقرار الذي كانت أميركا عملت جاهدة لتحقيقهما، وانقلب بعض بعثيي صدام إلى إسلاميين متطرفين وشكّلوا "داعش".

وبسبب فساد قوات المالكي وميليشيات سليماني، احتل "داعش" الموصل بلا عناء، وكاد يجتاح بغداد، لولا أن تسلل قائد الأركان السابق مارتن ديمبسي إلى الليموزين الرئاسية وأقنع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بضرورة العودة إلى العراق، فعادت أميركا، وبمساعدة القوات الكردية، دمّرت "داعش". أما الميليشيات الشيعية، فاستغلت الحرب على "داعش" لتشكيل "الحشد الشعبي" بفتوى من علي السيستاني، وتمويل حكومي عراقي يبلغ مليار ومئتي مليون دولار سنويا

وبلغت الوقاحة الإيرانية أن أعلنت أن "الحشد" هو الذي قضى على "داعش"، فيما الواقع أن المعارك خاضها الكرد بإشراف قوات خاصة أميركية ودعم قوات نظامية عراقية. أما "الحشد الشعبي"، جيش إيران في العراق بإمرة سليماني ومعاونيه المهندس وفالح فياض وهادي العامري، فراح يقاتل ضد المعارضة السورية، من غير الإسلاميين و"داعش"، في حلب ومناطق سوريا الأخرى، حتى أن الخزعلي ظهر يوما على حدود لبنان مع إسرائيل، وكأن "داعش" في إسرائيل.

وبعدما فرغت القوات الأميركية من القضاء على "داعش" وحافظت على انتشار محدود لها في العراق لضمان عدم عودته، رأى سليماني الفرصة سانحة لإعادة استئناف حرب الميليشيات الشيعية ضد القوات الأميركية، خصوصا بعد غرق إيران اقتصاديا بسبب عقوبات أميركا.

ولسيطرة إيران على العراق فائدة اقتصادية هائلة، إذ أن العراق في طليعة الدول المصدرة للنفط، ويمكن استخدام احتياطه الأجنبي من عائدات النفط للتخفيف من حدة الانهيار الإيراني.

وبسبب المقالات المتكررة في الإعلام الأميركي التي تحدثت عن إحجام الرئيسين السابقين جورج بوش وباراك أوباما عن إصدار الأمر بتصفية سليماني، شعر الجنرال الإيراني بثقة دفعته إلى التحرك بحرية في العراق لتسليح ميليشياته وتحريضها ضد أميركا، إلى أن قررت واشنطن أنه يشكل خطرا على أمن قواتها، فقتلته بصاروخ أظهر أن أميركا لا تخشى إيران، ولا تجد عناء في اصطياد قادتها.

على عكس الدعاية الإيرانية الكاذبة، لم تقم الميليشيات الشيعية ردا على "داعش"، بل هي سبقته بزمن، ولا أميركا خلقت "داعش" أو دعمته، بل هي التي قادت حرب القضاء عليه.

وأميركا هي التي أنهت، قبل "داعش"، طغيان صدام، ومنحت الإيرانيين من أصل عراقي فرصة للعود إلى بلادهم وممارسة الديمقراطية، فعادوا ليقلبوا العراق من نموذج الطغيان الصدامي إلى نموذج الطغيان الخميني، وفي الحالتين، يستسهل عراقيون كثيرون شتم أميركا وعض اليد التي امتدت لمساعدتهم، في وقت تستميت دول العالم، من روسيا إلى الصين فإيران وسوريا بشار الأسد، إلى مصادقة الولايات المتحدة وفتح قنوات الاتصال معها.

ختاما، كلمة عن البلادة الفكرية لدى بعض العراقيين ممن يشتمون "الاحتلال الأميركي" لقتله سليماني، بدون أن يتساءل هؤلاء: أليس وجود جنرال إيراني في عاصمة العراق احتلالا إيرانيا؟ وكيف يقبل العراقيون أن تقسم ميليشيات الحشد الشيعي الولاء لمرشد إيران علي خامنئي، بدلا من أن ينخرط مقاتلوها في القوات الأمنية العراقية التابعة لبرلمان منتخب يمثل، إلى حد ما، إرادة العراقيين.

أما المقارنة بين الاحتلالين الأميركي والإيراني للعراق، فسهلة. الدول التي تستضيف قواعد أميركية، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، كلها دول تتمتع بحكومات ديمقراطية مستقرة، وبحبوحة اقتصادية، وعيش كريم.

أما الدول التي يتجول فيها جنرالات الحرس الثوري الإيراني من أمثال سليماني، كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، فموت مجاني، وحروب متواصلة، وانهيار اقتصادي، وهروب الناس إلى اللجوء والشتات.

السبت، 4 يناير 2020

واشنطن تستبق «الحرب غير النظامية» ضد قواتها

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قال مسؤولو إدارة الرئيس دونالد ترامب، إن إيران كانت تنوي رفع وتيرة «الحرب غير النظامية» ضد القوات الأميركية المنتشرة في العراق وسورية، ودفع هذه القوات الى الرد، وهو ما يقدم ذريعة لحلفاء طهران في حكومة العراق وبرلمانه على المضي في إلغاء الاتفاقية المعقودة بين بغداد واشنطن والراعية لانتشار وعمل القوات الأميركية في العراق.
وفي الجلسات المتعددة التي عقدها مسؤولو الإدارة مع باحثين وصحافيين وديبلوماسيين، قدمت الحكومة الأميركية تسلسل الأحداث الذي دفعها لتصفية قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني، وقالوا انه على مدى الاشهر العشرة الماضية، رفعت الميليشيات الموالية لإيران من وتيرة استهدافها لقواعد القوات الأميركية في العراق، والتي كان آخرها الهجوم الذي أدى الى مقتل متقاعد مع الجيش الأميركي في كركوك، الشهر الماضي.
وتسارعت الهجمات الإيرانية بعدما بدا ان ترامب رسى على قرار حول مصير القوات الأميركية المنتشرة في سورية، اذ بعد سحبها من الشمال الشرقي لإفساح المجال أمام اجتياح تركي، حافظت القوات الأميركية على انتشارها في جنوب سورية الشرقي، في قاعدة التنف ومحيطها، وعززت تحالفاتها مع العشائر السنية التي تعرضت لمجازر على أيدي «داعش».
بقاء القوات الأميركية في محيط التنف يعطيها قدرة مراقبة حركة المقاتلين والسلاح عبر الحدود العراقية - السورية، ويسمح لها بحرمان نظام الرئيس السوري بشار الأسد من حقوله النفطية. وفي خضم تصاعد وتيرة الهجمات الإيرانية التي كانت تهدد سلامة القوات الأميركية، رصدت الاستخبارات الأميركية حوارات بين سليماني ومساعديه العراقيين حول كيفية تفعيل الهجمات وإيقاع ضحايا في صفوف الأميركيين.
وحتى تتحرر أميركا من المشكلة التي تصف فيها قواتها وسفارتها بمثابة «البطّات الجالسة» في انتظار استهدافها من قبل الميليشيات الإيرانية، قررت الادارة القيام بخطوات لإنهاء الخطر الإيراني، فتوصلت الى ضرورة تصفية سليماني، لا للقضاء على اهم عقل استراتيجي لدى الإيرانيين، بل لابلاغ إيران ان أميركا لن تتغاضى من الآن وصاعدا عن «الحرب غير النظامية» التي تشنها ايران ضدها، وان أميركا ستعتبر اي نوع من الحروب الإيرانية ضدها، نظامية أو غير نظامية، بمثابة تهديدات ترد عليها أميركا، وان استباقيا، كما في اغتيال سليماني.
وزيادة في تأكيد نيتها استهداف أي موالين لإيران، وضعت واشنطن ميليشيات «عصائب اهل الحق» وزعيمها قيس الخزعلي على لائحة الإرهاب، وهو ما يسمح باستهدافه، على غرار سليماني ونائب قائد «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس.
هكذا، وافق ترامب على استهداف سليماني، منتصف الشهر الماضي على الأقل، حسب المعلومات المتوافرة في العاصمة الأميركية، واعطى الضوء الأخضر لقواته باغتيال الجنرال الإيراني فور توفر فرصة لذلك. وقبل أسبوع، علمت الاستخبارات الاميركية ان سليماني سيصل بغداد، فأبلغت اقرب حلفاءها ورفعت من حال جهوزية قواتها وبعثاتها الديبلوماسية في المنطقة، وقتلت سليماني.
«في سبتمبر، قام سليماني بالافادة مما اعتقده تراخياً أميركياً من خلال مهاجمة حقل نفط في السعودية، وهو إعلان حرب لم تتم الإجابة عنه، وتبع ذلك هجمات ميليشيات إيرانية ضد أميركيين»، يقول مايك دوران، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، لـ«الراي». ويضيف: «أعلنت إدارة ترامب بوضوح أن مهاجمة الأميركيين خط احمر، لكن سليماني كان سمع في الماضي تهديدات من القادة الأميركيين، واعتقد انه يستطيع ان يمحو خط ترامب الأحمر».
ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن التقارير المتكررة في الإعلام حول إبلاغ العسكر واشنطن ان سليماني في مرمى نيرانهم ويمكنهم تصفيته، ورفض واشنطن ذلك، ربما منح الجنرال الإيراني شعوراً بانه لا يقهر، وان أميركا تخشى استهدافه.
رحيل سليماني، يقول دوران، «سيجعل إيران أضعف بكثير، وسوف يشجع خصوم إيران الإقليميين - إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشكل أساسي - على متابعة مصالحهم الإستراتيجية بحزم أكبر. كما أنه سيزرع في المحتجين في إيران ولبنان، وخصوصاً العراق، الأمل في أن يستعيدوا حكوماتهم من مخالب الجمهورية الإسلامية».
اغتيال سليماني فاجأ أصدقاء إيران في واشنطن، فسارعوا للتشكيك في حكمة القرار، وانضم اليهم بعض الديموقراطيين المعارضين لترامب. ومع ان المعارضة الأميركية أجمعت على القول ان سليماني كان «رجلاً شريراً»، وان يديه كانتا ملطختين بالدماء الأميركية، إلا أن تصفيته قد تغرق أميركا في وحول الشرق الأوسط مجددا عبر حرب مع إيران.
واعتبر خبراء أميركيون ان سليماني سيترك فجوة برحيله، وان حلول نائبه إسماعيل قاآني مكانه لن يعوض خسارته، اذ رغم ان قاآني «يعرف عن كثب رؤية سليماني، وسيحاول على الأرجح مواصلتها»، كما يمكن لنواب سليماني في كل دولة أن يخفف من تأثير غيابه إلى حد ما حسب الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مايكل نايتس، الا ان «قاآني لا يتمتع بكاريزما سيلماني»، وهو ما يعني ان «وحدة القيادة التي كان سليماني قادرا على تحقيقها قد تتدهور في المستقبل، وستكون العمليات التي تجريها قوات الحرس الثوري، والجيش النظامي، ووزارة الاستخبارات أقل تنسيقاً، وقد تعود المنافسات بين هذه الفروع إلى الظهور»، وهو ما يضعف النظام.
وعلمت «الراي» ان واشنطن حرصت على قانونية خطوتها والتزامها بالقانونين الأميركي والدولي، فاغتيال سليماني لم يخترق سيادة إيران، اذ هو حصل على الأراضي العراقية، التي تعمل فيها القوات الأميركية باجازة من الدولة العراقية لمكافحة الإرهاب.

الجمعة، 3 يناير 2020

«الراي» كشفت خطط واشنطن لاغتيال سليماني والمهندس قبل يوم من التنفيذ

واشنطن - من حسين عبدالحسين

عندما أشارت «الراي»، في تقريرها أول من أمس حول ردود الفعل الأميركية على اقتحام مجموعات عراقية موالية لايران المحيط الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد، لم تكن تتوقع الجدية التي كان يتحدث بها المسؤولون الاميركيون حول «اعادة تأسيس توازن رعب» اميركي مع ايران.
وفي المقابلة مع مايكل بريغانت، قال المسؤول السابق في وزارة الدفاع لـ «الراي» انه «قدم عددا من الاقتراحات لزملائه العاملين في الادارة، ومنها تأسيس توازن رعب في العراق، بما في ذلك استهداف الشخصيات العراقية التي تعمل بإمرة (قائد فيلق القدس الايراني قاسم) سليماني، وفي طليعتهم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس وقائد ميليشيا بدر هادي العامري ورئيس الحشد الشعبي السابق فالح الفياض».
وأضاف بريغانت «ان المهندس، مثلا، هو على لائحة الشخصيات الارهابية، وهو ما يمنح ادارة ترامب المسوغ القانوني لاستهدافه».
ويبدو ان بريغانت كان يعكس نقاشا جديا داخل ادارة الرئيس دونالد ترامب، وهو نقاش صار جليا انه انتهى لمصلحة مؤيدي استهداف القياديين الايرانيين والتابعين لايران داخل العراق، بعد ان استهدفت اميركا في غارة جوية سليماني والمهندس وآخرين اثناء خروجهم بسيارتين من مطار بغداد الدولي.
وعلمت «الراي» ان واشنطن حرصت على قانونية خطوتها والتزامها بالقانونين الاميركي والدولي، فاغتيال اميركا سليماني لم يخترق سيادة ايران، اذ هو حصل على الاراضي العراقية، التي تعمل فيها القوات الأميركية بإجازة من الدولة العراقية لمكافحة الارهاب. وتقول المصادر الأميركية ان واشنطن استهدفت اشخاصا هم على لائحة الارهابيين الاميركيين.
وفي وقت اكتفى ترامب ببث تغريدة هي عبارة عن العلم الاميركي، اصدرت وزارة الدفاع «بنتاغون» بيانا حاولت فيه تصوير اغتيالها سليماني على انه خطوة استباقية لمنع هجمات مستقبلية كان يخطط سليماني القيام بها ضد القوات الأميركية في العراق.
وكانت ميليشيا «كتائب حزب الله» العراقية الموالية لايران استهدفت قاعدة عسكرية اميركية في كركوك، الاسبوع الماضي، ما ادى الى مقتل متعاقد عسكري اميركي، فردت اميركا باستهداف مواقع تابعة للميليشيا، ما ادى الى مقتل قرابة 30 شخصا، قيل ان منهم ضباطا في «الحرس الثوري الايراني».
وتحمّل الولايات المتحدة سليماني مسؤولية مقتل الف من اربعة الاف جندي اميركي لقوا حتفهم اثناء الحرب الأميركية في العراق، ويبدو ان واشنطن كانت تخشى ان يسعى سليماني للتصعيد ضد قواتها المنتشرة حاليا في العراق، لكن العارفين في العاصمة الأميركية يؤكدون ان حسابات اميركا الاستراتيجية في تصفية المسؤول الايراني هي اعمق وابعد بكثير من السبب المباشر المعلن.
وكان وزير الدفاع مارك اسبر قال في بيان، قبل وقت قصير من اغتيال سليماني، ما يلي: «الى ايران والميليشيات الموالية لها، لن نقبل الهجمات المتواصلة على قواتنا في المنطقة، والهجمات ضدنا سيتم التعامل معها بالرد في الوقت والشكل والمكان المناسب».
وختم بالقول: «نحض النظام الايراني على وقف نشاطاته الخبيثة».
وفي وقت حاول الديموقراطيون التشكيك في خطوة ترامب والتحذير من مغبة عواقبها وامكانية الانزلاق الى حرب مع ايران، أعلنت مصادر بنتاغون ان القوات الأميركية في عموم منطقة الشرق الاوسط رفعت من حالات التأهب في صفوفها لمواجهة أي تطورات.

الخميس، 2 يناير 2020

بريغانت لـ«الراي»: العراق حالياً هو إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في العاصمة الأميركية التي تحولت إلى مدينة أشباح بسبب قضاء معظم المسؤولين فيها عيد رأس السنة في ولاياتهم، بقي عدد قليل ممن تابعوا أحداث وتفاصيل التصعيد الإيراني - الأميركي في العراق، والذي كانت آخر فصوله قيام مجموعة من الموالين لإيران باقتحام محيط السفارة الأميركية في بغداد.
وكانت صواريخ إيرانية سقطت على قاعدة أميركية بالقرب من كركوك، الجمعة، أدت الى مقتل متعاقد عسكري أميركي، وهو ما دفع الرئيس دونالد ترامب الى الرد بشن غارات على قواعد ميليشيا «كتائب حزب الله»، التي تصنفها الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي. وأدت الغارات إلى مقتل قرابة 30 شخصاً، منهم عدد من القياديين والضباط في (الحرس الثوري الإيراني)، حسب التقارير الأميركية.
وللرد على الرد الأميركي، قامت مجموعات باقتحام محيط السفارة الأميركية في «المنطقة الخضراء» في بغداد، في وقت مبكر من صباح الثلاثاء بتوقيت العاصمة الأميركية، وهو ما استنفر المسؤولين والمتابعين، الذين كانت أول ردود فعلهم الإشارة إلى قيام الحكومة العراقية، الأسبوع الماضي، باستبدال مسؤول أمن المنطقة الخضراء بواحد من المقربين لقائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني، ومعروف باسم أبو منتظر الحسيني.
وفي حديث لـ «الراي»، علّق مايكل بريغانت، وهو من العاملين سابقاً في وزارة الدفاع الاميركية وممن شاركوا في تطبيق «خطة زيادة القوات»، وهو يعمل حاليا كباحث في معهد هدسون، بان اقتحام محيط السفارة الأميركية هو بمثابة إعلان إيراني أن من يمسك مقدرات الحكم في العراق هم رجال إيران - فالح الفياض، وهادي العامري، وأبومهدي المهندس - وهؤلاء ظهروا علنا ووجوههم مكشوفة بين المجموعة المقتحمة.
هؤلاء، يقول بريغانت، «يشكلون أكبر كتلة في البرلمان العراقي، ولديهم أوسع نفوذ في الحكومة، وهي ما يلغي التباين بين دولة العراق ودويلة إيران في العراق».
وتابع بريغانت أن الإعلام العالمي والأميركي، بما في ذلك قناتي «سي ان ان» اليسارية و«فوكس» اليمينية، ارتكب أخطاء فادحة باعتباره ان المقتحمين هم من المتظاهرين العراقيين. وأضاف أن المقتحمين «كانوا يلبسون بذّات عسكرية ويرفعون أعلام ميليشيات كتائب حزب الله، وهو ما يظهر بشكل جلي أن المقتحمين لم يكونوا في تظاهرة عفوية، بل عمل ميليشيوي منظم، وحتى من قاموا به لم يخفوا هوياتهم، بل أرادوا إعلانها بوضوح».
ويرى بريغانت أن رسالة إيران مفادها بأن السفارة الأميركية في بغداد هي رهينة في ايدي النظام الإيراني، مضيفاً أن «خطة إيران تقضي بمواصلة ميليشياتها مهاجمة قواعدنا في العراق، وهو ما يدفعنا للرد عليهم، فتستخدم إيران الرد الأميركي لحشد الرأي العام والبرلمان العراقي لطرد قواتنا وإغلاق قواعدنا في العراق». ويضيف: «لكن هذا لن يحصل».
وتابع المسؤول الأميركي السابق انه قدم عدداً من الاقتراحات لزملائه العاملين في الإدارة، ومنها تأسيس «توازن رعب» في العراق، بما في ذلك استهداف الشخصيات العراقية التي تعمل بإمرة سليماني، وفي طليعتها سليماني والمهندس والعامري وفياض. وأضاف أن المهندس، مثلا، هو على لائحة الشخصيات الإرهابية، وهو ما يمنح إدارة ترامب المسوغ القانوني لاستهدافه.
كما يعتقد بريغانت أن على واشنطن توسيع ردودها لتستهدف الداخل الإيراني، مع أنه يعرف أن توجيه ضربات داخل إيران يندرج حاليا ضمن سياسة أميركية تجاه إيران تتوخى تفادي العنف والتمسك بالعقوبات حصراً، وهي سياسة «الضغط الأقصى التي ينتهجها ترامب».
لكن المسؤول السابق لا يعتقد أنه يمكن أن يكون لدى واشنطن سياستين، واحدة تجاه العراق وأخرى تجاه إيران، «فالعراق حالياً هو إيران».
كذلك، يعتقد بريغانت أن العقوبات الأميركية يجب أن تتوسع في العراق، إذ «من غير المعقول أن الحكومة العراقية تنفق ملياراً و200 مليون دولار سنوياً على تمويل رواتب 60 إلى 80 ألف مقاتل في الحشد الشعبي تابعين لإيران».

Since December 2008