الأربعاء، 31 يناير 2018

ترامب في خطاب «حال الاتحاد»: لن نقفل «غوانتانامو»... وسنواصل قتال «داعش»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في خطابه السنوي الأول عن «حال الاتحاد» أمام الكونغرس مجتمعاً بغرفتيه، سلط الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضوء على ما أسماه إنجازاته الداخلية، فيما بدا وكأنه «كشف حساب» انتخابي أمام محازبيه وانصاره. وحاول ابتكار عنوان جديد لرئاسته، فأطلق عليها تسمية «اللحظة الأميركية الجديدة».
ومن الإنجازات التي تباهى بها ترامب في خطابه الذي تابعه عشرات ملايين المتفرجين مباشرة عبر التلفزيون، (فجر أمس بتوقيت الكويت)، مُصادقة الكونغرس على قانون تخفيض الضرائب، الذي قال الرئيس الاميركي إنه منح الطبقة المتوسطة والاعمال الصغيرة اقتطاعات كبيرة، مشيراً إلى أن التخفيضات دفعت كبرى الشركات لتقديم علاوات لثلاثة ملايين موظف أميركي.
وتوجه إلى مُشرّعي الحزب الديموقراطي بالقول إنه يمدّ يده إليهم للتوصل إلى المصادقة على قانون تمويل تطوير وتحديث البنية التحتية المتهالكة في البلاد بـ1.5 تريليون دولار على الأقل.
ودعا الحزبين الجمهوري والديموقراطي إلى الوحدة من أجل تحقيق مصالح الأميركيين، وقال إن بلاده تواجه منافسين مثل الصين وروسيا كما تواجه دولاً مارقة وتنظيمات إرهابية، حسب تعبيره.
ورغم تأكيد استعداده للتعاون مع الديموقراطيين من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الهجرة يُتيح لـ«الحالمين» الحصول على الجنسية على مدى 10 إلى 12 عاماً، غير أن ترامب تمسك بموقفه المتشدد من الهجرة، ووجه انتقادات إلى «الحدود المفتوحة» التي قال إنها سمحت لعصابات المخدرات بالتسلل إلى الولايات المتحدة.
ثم واصل التباهي بأمور اعتبر عدد من المراقبين أنها لم تحصل، فقال إن إدارته أنهت ممارسات التجارة غير العادلة بين أميركا وبقية دول العالم، في وقت لم تتغير أي من قوانين أو موازين التجارة الأميركية، وفيما وصل العجز التجاري الاميركي إلى معدلات لم يشهدها منذ العام 2012. 
وأعلن أيضاً أنه أنهى «الحرب على الفحم النظيف»، في إشارة منه إلى رفع بعض إجراءات الحماية البيئية ضد هذا القطاع، الذي استمر في المعاناة بسبب توافر موارد طاقة أقل تكلفة في السوق الأميركية.
وكدليل على الانقسام في الكونغرس، نصف الحاضرين كانوا ينهضون معاً خلال الخطاب فيما النصف الثاني كان يظل جالساً.
وعلى جاري عادة خطابات «حال الاتحاد»، لم يتطرق الرئيس الاميركي إلى سياسة بلاده الخارجية إلا الماماً، وأعلن، في تصريح بدا متناقضاً، إن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة هزم «داعش»، لكنه مع ذلك سيستمر في القتال. 
ومما قاله في هذا السياق: «العام الماضي تعهدت بالعمل مع حلفائنا من أجل محو (داعش) عن وجه الأرض... اليوم، بعد عام، أنا فخور بالقول إن التحالف للقضاء على (داعش) حرر مئة في المئة من الأرض التي كان يسيطر عليها هؤلاء القتلة في العراق وسورية. لكن مازال أمامنا الكثير لفعله. سنستمر في القتال حتى يتم إلحاق الهزيمة بـ(داعش)».
وسبب التناقض حول التغلب على التنظيم وفي نفس الوقت إعلان ترامب استمرار القتال، يرتبط بالاستراتيجية الدفاعية التي كانت وزارة الدفاع (البنتاغون) أعلنتها، قبل نحو أسبوع، واعتبرت فيها أن القضاء على «داعش» لا يتمثل باستعادة الاراضي من التنظيم فحسب، بل بإزالة الاسباب التي أدت الى قيامه، وفي طليعتها وجود الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، واستمرار إيران في القيام بنشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة. لهذا السبب، ستستمر أميركا في «الحرب ضد داعش»، على الرغم من اعلان رئيسها محو التنظيم من على وجه الأرض.
وأعلن ترامب في خطابه أنه وقع لتوه مرسوماً يقضي بإبقاء معتقل غوانتانامو مفتوحاً، ليسدل بذلك الستار على المحاولات الفاشلة والعديدة التي بذلها سلفه باراك أوباما لإغلاق المعتقل.
وقال على وقع هتاف الحاضرين «أنا أطلب من الكونغرس ضمان أن تبقى لدينا في المعركة ضد تنظيمي (داعش) و(القاعدة) صلاحية احتجاز الإرهابيين حيثما اصطدنا أو وجدنا أياً منهم، وفي كثير من الحالات فإن هذا المكان سيكون خليج غوانتانامو».
وطلب من الكونغرس أن يوفر التشريعات اللازمة لملاحقة أفراد «داعش» واعتقالهم، وتعهد بمواصلة المعركة «إلى أن يندحر التنظيم كاملاً».
وفي معرض انتقاده لكوريا الشمالية وللاتفاق النووي الموقع بين الدول الكبرى وإيران، قال ترامب إن «التجارب الماضية علمتنا أن التواطؤ والتنازلات لا تعود علينا إلا بالعدوان والاستفزازات. لن أكرر أخطاء الإدارات الماضية التي أوصلتنا الى هذا الوضع الخطير».
وعن وضع إيران الداخلي، قال ترامب: «عندما انتفض الإيرانيون ضد جرائم ديكتاتوريتهم الفاسدة، لم أقف صامتاً... أميركا تقف مع شعب ايران في صراعه الشجاع من أجل الحرية… وأنا أطلب من الكونغرس أن يعالج الأخطاء القاتلة في اتفاقية ايران الرهيبة». 
كما حذر من تقديم «تنازلات» أمام التهديد النووي الكوري الشمالي، واعداً «بعدم تكرار أخطاء الادارات السابقة التي وضعتنا في هذه الحالة الشديدة الخطورة».
وكرر الرئيس الأميركي ما سبق أن قاله في خطاباته السابقة، وآخرها في دافوس السويسرية، لناحية أن سياسته تقضي بإعادة بناء قوة أميركا وثقتها بنفسها في الداخل، وفي نفس الوقت استعادة قوتها ومكانتها في الخارج.
وجاء خطاب «حال الاتحاد» في وقت يعاني الرئيس الأميركي من تدني شعبيته في استطلاعات الرأي بشكل غير مسبوق في هذا الوقت من رئاسته، مقارنة بأسلافه.

ميلانيا عادت... لكن لوحدها

واشنطن - ا ف ب - شهد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «حال الاتحاد»، عودة ميلانيا التي ارتدت بذلة بيضاء الى الاضواء، بعد غيابها عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الاسبوع الماضي، وذلك على خلفية تساؤلات حول توتر محتمل بين الزوجين. الا أنها توجهت وحدها الى مقر الكونغرس خلافاً للتقليد.
في المقابل، تولى عضو شاب في الكونغرس هو جوزف كينيدي الثالث (37 عاماً) الحفيد الأصغر لأحد اشقاء الرئيس الراحل جون كينيدي، الرد على خطاب الرئيس باسم الديموقراطيين.
ورفض كينيدي المزاعم بأن التوتر في العام المنصرم كان نتيجة المناورات السياسية التقليدية، مندداً في المقابل بإدارة «تهاجم ليس فقط القوانين التي تحمينا بل أيضا فكرة اننا كلنا نستحق الحماية».

الثلاثاء، 30 يناير 2018

دعوات إلى مشاركة أكبر للمرأة الأميركية في سوق العمل

واشنطن - حسين عبدالحسين

تواجه سوق العمل الأميركية انخفاضاً تاريخياً في «نسبة مشاركة» الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و54 سنة، بتسجيلها نسبة 7.62 في المئة. إذ على رغم هبوط نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها في 17 عاماً، وبلوغها نسبة 1.4 في المئة، لا تزال «نسبة المشاركة» متدنية، وهو ما يشي بأن السوق الأميركية استهلكت معظم طاقتها من اليد العاملة، وأن الناتج المحلي لن يتجاوز نسبة 3 في المئة التي حققها على مدى العام الماضي، ما لم يتوافر مزيد من اليد العاملة.

وكانت «نسبة مشاركة» الأميركيين في سوق العمل بلغت ذروتها مع أواخر حكم الرئيس السابق بيل كلينتون عام 2000، إذ بلغت 3.67، ومع «ثورة السبعينات» وبدء انخراط المرأة في سوق العمل، ارتفعت النسبة بسرعة من 5.62 عام 1976 لتصل إلى ذروتها مع نهاية الألفية، ثم تباشر مسيرتها الانحدارية لتعود هذه السنة إلى ما كانت عليه قبل أكثر من أربعين عاماً.

وتشير أرقام «مكتب العمل» الحكومي الأميركي، إلى أن نسبة مشاركة الرجال في سوق العمل بلغت 2.69 في المئة عام 2016، فيما تنحفض النسبة بين النساء الى 8.56 في المئة للعام ذاته. وتوقع المكتب أن تصبح نسب المشاركة 2.66 للرجال و1.56 للنساء مع حلول عام 2026، بسبب الشيخوخة التي تصيب المجتمع الأميركي عموماً.

ويمكن مقارنة تدني «نسبة المشاركة» في سوق العمل الأميركية بنظيراتها في الاقتصادات المتطورة الأخرى حول العالم، إذ تبلغ «نسبة المشاركة» 5.78 في المئة في بريطانيا، و9.71 في فرنسا، و2.69 في روسيا. ويعتقد باحثون أن أحد أسباب ارتفاع النسبة في بريطانيا وفرنسا، يعود إلى مشاركة أوسع للمرأة في سوق العمل، ويعزون ذلك الى التسهيلات التي تقدمها حكومتا الدولتين الأوروبيتين، لجهة مجانية برامج تنظيم الأسرة والإنجاب، وبرامج الحضانة للأطفال، والتي تمنح المرأة حرية أكبر للانخراط في سوق العمل.

وكان أنغل غويرا، الأمين العام لمنظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية، لفت إلى أن النساء «هنّ من أقل الموارد الاقتصادية التي يتم الإفادة منها حول العالم».

وهكذا، دفع تدني «نسبة المشاركة» في سوق العمل الأميركية الشركات، إلى تقديم دراسات جدية تهدف الى رفع هذه النسبة، وهو ما يتطلب رفع نسبة المشاركة النسائية في سوق العمل. واعتبرت دراسة لمركز بحوث «إي أند بي غلوبال» التابع لسوق المال «اس اند بي ٥٠٠»، إمكان «إضافة 5 الى 10 في المئة إلى الناتج المحلي الأميركي، بإغراء مزيد من النساء للمشاركة في سوق العمل».

وذكرت الدراسة أن بين خريجي الاختصاصات المعروفة بـ «ستيم»، أي علوم وتكنولوجيا وهندسة ورياضيات، تبلغ نسبة العاملين 88 في المئة، لكن بين الخريجات من اختصاصات «ستيم» تصل نسبة العاملات إلى 14 في المئة فقط.

وكانت شركات التكنولوجيا في «وادي سيليكون»، مثل «غوغل» و«فايسبوك»، تنبهت لانخفاض نسبة النساء بين العاملين في صفوفها، وعكفت على تعديل سياساتها التوظيفية لفتح باب توظيف النساء وتشجيعهن على الانخراط في العمل في هذا القطاع الواعد. وفي وقت تشهد الحركة النسائية في الولايات المتحدة وحول العالم ثورة متجددة للمطالبة بحقوق أكثر للمرأة في سوق العمل، وبحمايات من التحرش الجنسي وبرواتب متكافئة مع الرجال، أظهرت دراسة «أس أند بي غلوبال»، أن العاملات الأميركيات يتقاضين 83 في المئة فقط مما يتقاضاه نظراؤهن من الرجال العاملين في المواقع الوظيفية ذاتها، ما يعني ان على المرأة العمل 44 يوماً إضافياً حتى تكسبن مرتبات مساوية لما يتقاضاه الرجال».

وعن مشكلة التباين في برامج رعاية الأسرة والطفل بين معظم اوروبا وكندا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، بيّنت الدراسة أن «25 في المئة من النساء العاملات في الولايات المتحدة يتوقفن عن العمل، بل يخرجن من سوق العمل كلياً، للتفرغ لحضانة أطفالهن او رعاية المسنين في عائلاتهن». أما النساء اللواتي يبقين في سوق العمل، فتستهلكن 39 في المئة من عطلهن المدفوعة لأسباب الحضانة ورعاية المسنين، فيما يستهلك الرجال 24 في المئة من عطلة العمل المدفوعة للأسباب ذاتها.

كل هذه التباينات باتت جزءاً من النقاش الأميركي الدائر حول ضرورة تحسين شروط عمل المرأة، وهو لا شك بدأ يؤتي ثماره مع بدء بعض مجالس الولايات بسن تشريعات في هذا الأطار، ما ينبئ بتوسع الحركة الأميركية لتشمل دولاً اكثر، في شكل ينعكس إيجاباً على الاقتصادين الأميركي والعالمي.

المصالحات العربية المطلوبة: الكويت نموذجا

بقلم حسين عبد الحسين

كيف يمكن دفن حقد بين المسلمين السنة ونظرائهم الشيعة عمره 1400 عام؟ كيف يمكن إقناع المسلمين أن اليهود ليسوا أعداء الله، وتاليا أعداء مسلميه، وأن أي صراع تاريخي يمكن أن ينتهي في لحظات إن توافر الصدق والنية الحسنة؟ كيف يمكن إقناع الأرمن أن الذي "فات مات"، وأن "عفى الله عما مضى"، وأن مطالبة أتراك اليوم بالاعتذار عما ارتكبه الأتراك قبل قرن أو أكثر هي مطالبة تغذي الحقد وتؤجج الصراع؟ كيف يمكن إصلاح اليمنيين مع بعضهم البعض، أو إعادة الوئام بين العراقيين، أو إعادة الود بين الليبيين؟

كتب المحللون، وكتبوا، على مدى العقدين الماضيين، أن منطقة الشرق الأوسط هي كبرميل البارود الذي كان يقارب الانفجار. ها قد انفجر البرميل، وأشعل نارا نعرف على من أتت وأحرقت، ولا نعرف من ستحرق مستقبلا؟

هي نار وقودها الناس والحجارة، بحسب الآية، تبتلع الشرق الأوسط وناسه، تحرق أعصابهم، وتراثهم، وثقافتهم، وحياتهم، ومستقبلهم، ومستقبل أولادهم. لكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، وهي فسحة تبرق هنا أو هناك: الكويت مثلا.

بحسب الثقافة السائدة في الشرق الأوسط، يتوجب على الكويتيين الإبقاء على الحقد والضغينة بحق عدد واسع ممن تسببوا بواحدة من أكبر مآسيهم في التاريخ الحديث، يتصدرهم العراقيون، الذين غزوا الكويت في العام 1990، وسلبوها، ونهبوها، وباعوا ساعات الرولكس الكويتية بأثمان بخسة في السوق العراقية. ثم قبل خروجهم، مجبرين تحت ضربات التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، أحرق جنود الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ثروة الكويت النفطية، فلوّثوا ماءها وهواءها وناسها.

لم يندم صدام حسين يوما على فعلته، ولم يندم مؤيدو "أبو عدي" العرب على تأييدهم له ولغزوه الكويت. راحوا يقولون إن الكويت استفزت صدام وابتزته، وطالبته بديون حرب إيران فورا، وضخت النفط لتخفيض سعر النفط العالمي، وتاليا مدخول حكومة العراق.

ثم أطل صدام نفسه، مغلولا أثناء محاكمته، ليشرح غزوه الكويت. لم يتحدث في السياسة! قال إن الكويتيين هددوه بأن "سعر الماجدات العراقيات سيصبح ١٠ دنانير في سوق الدعارة". صفق عرب كثيرون لأبو عدي، وهللوا لبطولاته الوهمية.


ليس هدف هذه السطور استعادة بشاعة غزو صدام للكويت. الهدف هو مقارنة هذه القباحة بحق الكويتيين بنبالتهم. الكويت ستستضيف مؤتمر إعادة إعمار العراق في الثاني عشر من شباط/فبراير، لجمع التبرعات الدولية بهدف إعادة تأهيل المناطق التي تعرضت لدمار شامل أثناء حرب استئصال تنظيم داعش الإرهابي من مناطق شمال وغرب العراق.

بدلا من أن يحقد الكويتيون على العراقيين، على حسب الأحقاد الدفينة المتنوعة في المنطقة بين السنة والشيعة والعرب واليهود والأرمن والأتراك، قام الكويتيون بالعفو عند المقدرة، وهو ما يدفعنا للتساؤل: ماذا لو حذا غالبية الشرق أوسطيين حذو الكويتيين؟ ماذا لو عفوا عن بعضهم البعض، وراحوا يتعاونون على بناء مستقبل أفضل لأولادهم، بدلا من المستقبل البائس الذي ينتظرهم جميعا؟

بدلا من أن يحقد الكويتيون على العراقيين، وقفوا عضدا لهم منذ اندثار نظام صدام في العام 2003: أسقطت الكويت ديونها المتراكمة على بغداد، وأبدت مرونة غير مسبوقة في ترسيم الحدود التي كان مختلفا عليها بين الدولتين الجارتين. ويوم قاطع عدد من زعماء العرب قمة بغداد العربية في العام 2012، كان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في مقدمة المشاركين.

مجددا، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. في سياسة الكويت تجاه جيرانها بارقة أمل مفادها أن الشعوب قادرة على الغفران والتسامح والنسيان، ومفادها أن الثأر يولد ثأرا، والدم يؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء، فيما التسامح يؤدي إلى المزيد من التسامح، والغفران إلى المزيد من الغفران، والحب إلى المزيد من الحب.

أليست الأديان هي التي نادت بالتسامح والحب، كما في قول السيد المسيح "أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم" أو كما في الآية القرآنية "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"؟

السبت، 27 يناير 2018

«التحقيق الروسي» يتحوّل دراما تلفزيونية أميركية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تسيطر على الإعلام الاميركي تغطية متواصلة لتطورات التحقيق في امكانية تواطؤ الرئيس دونالد ترامب، وأفراد عائلته، ومستشاريه، مع الحكومة الروسية، في محاولة لتقويض الحملة الانتخابية لمنافسته الى الرئاسة هيلاري كلينتون، قبل عامين.
آخر الانباء اشارت الى ان الرئيس الاميركي حاول طرد المحقق الخاص روبرت مولر في يوليو الماضي، لكنه تراجع عن الامر بعدما هدد اقرب محاميه، دون ماغان، بالاستقالة، في حال أصر ترامب على طرد مولر. 
ترامب، على عادته، يتبنى استراتيجية كسب الوقت والتحريض ضد مصداقية المحققين، بل ضد مصداقية المؤسسات الأمنية الاميركية برمتها، وهو تحريض تبناه اليمين المتطرف، خصوصاً قناة «فوكس نيوز»، التي أفردت تغطية خاصة مصممة للتصدي لـ«الدولة العميقة»، حسب زعمها. 
على ان الهجوم اليميني ضد المؤسسات الامنية الاميركية، التي يؤيدها الجمهوريون تقليديا تأييداً أعمى، أقلق أوساط الخط الوسطي بين الجمهوريين، فراح الوسطيون يحذرون المتطرفين من خطورة تلطيخ سمعة المؤسسات الامنية الاميركية، خصوصاً مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي)، معتبرين أن تقويض مصداقية هذه الاجهزة، ومحاولة إضعافها، من شأنه أن يؤثر في أمن البلاد بشكل عام، وأن يضعضع المؤسسات الامنية، ويفرغها من كوادرها وقادتها.
ووسط استمرار هجوم اليمين المتطرف على المؤسسات الأمنية الاميركية، استمر ترامب في ارتكاب هفواته، التي ما فتئت تتسبب له بالمشكلة تلو الأخرى في موضوع التحقيق الروسي، فهو أطل بشكل مفاجئ على صحافيي البيت الابيض ليدردش معهم بشكل ارتجالي، وعندما سأله هؤلاء عن موقفه من الخضوع لتحقيق مولر في مقابلة شخصية، قال انه يوافق على ذلك، حتى انه لا يمانع ان يدلي بمقابلة بعد ان يقسم اليمين. 
واحرجت تصريحات ترامب فريق محاميه، المنخرط منذ اسابيع في مفاوضات معقدة مع المحققين، في محاولة لحصر المقابلة بسؤالات واجابات خطية. 
وفهمت الاوساط القانونية، على الفور، ان ترامب رمى بنفسه في مأزق، ورجحت ان يقوم مولر بنصب أفخاخ للرئيس الاميركي في المقابلة وجهاً لوجه، إذ إنه يمكن لأي خطأ من ترامب ان يتسبب بوضعه في موقع من يكذب وهو تحت القسم، وهذه جريمة يعاقب عليها القانون الاميركي، وكافية للاطاحة برئاسة ترامب برمتها.
يقول احد مؤلفي الكتب عن سيرة ترامب، أثناء عمل الاخير رجلا للاعمال، ان الرئيس الحالي معروف بمناوراته التي يسعى من خلالها لكسب الوقت، من دون أن يكون لديه خطة بديلة. ويضيف انه في حالة مولر وتحقيقه، يبدو ان ترامب يتعمد الإثارة وخلق مشاكل جانبية، واطلاق تصريحات تستهلك وقت المحققين واهتمام المتابعين، ولكنها في الواقع معارك جانبية تهدف إلى كسب الوقت فقط.
لكن كم من الوقت يمكن لترامب ان يكسب لنفسه قبل أن ينقض عليه مولر؟ 
الاسابيع القليلة الاخيرة اظهرت ان المحقق الخاص صار قاب قوسين أو أدنى من إصدار قرار اتهامي بحق الرئيس الاميركي، وما طلبه مقابلة الرئيس للتحقيق معه إلا للتثبت مما توافر لديه من معلومات للوصول الى نهاية التحقيق، أو هذا ما تعتقده غالبية الاميركيين الملتصقين بشاشات تلفزيوناتهم وهواتفهم الذكية لمتابعة التحقيق المثير للاهتمام، والذي تحول «دراما تلفزيونية» تليق بالرئيس الاميركي الآتي من عالم الاثارة والتشويق في مسلسلات تلفزيون الواقع التي كان بطلها.

الجمعة، 26 يناير 2018

الولايات المتحدة تعود إلى الشرق الأوسط بـ... صمت

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد مرور عام على وصوله إلى البيت الأبيض، بدأت السياسة الخارجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب تتبلور أكثر فأكثر، وهي المدة المعتادة التي تتطلبها عملية إعداد سياسة أميركية خارجية لدى الإدارات المتعاقبة.
ومنذ مطلع هذا العام، نشطت الوكالات الحكومية الأميركية في عقد جلسات مغلقة مع الصحافيين والعاملين في مراكز الأبحاث، بالتزامن مع اعلان الادارة «استراتيجية الدفاع الوطني» للعام 2018.
في الجلسات المغلقة، بدا جلياً أن إدارة ترامب، على غرار الادارات السابقة، تعمد إلى تحويل الأهداف المعلنة الى أهداف مطّاطة، فتصبح حمّالة أوجه. مثلاً، تحت عنوان «الحرب على الإرهاب»، اجتاحت إدارة الرئيس السابق جورج بوش العراق، وأطاحت نظامه وحاولت إعادة هندسة دولته. أما إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فحاولت، تحت عنوان «التسوية النووية مع إيران»، إعادة العلاقات الديبلوماسية المقطوعة بين واشنطن وطهران منذ العام 1979، بل حاول أوباما استبدال حلفاء الولايات المتحدة الشرق أوسطيين بالجمهورية الاسلامية.
بدورها، تسعى إدارة ترامب إلى توسيع مفهوم الحرب ضد تنظيم «داعش»، من حرب القضاء على التنظيم وتسليم الأراضي المستعادة منه للحكومات المحلية، إلى حرب «منع عودة (داعش)». وسياسة «منع العودة» هذه حمالة أوجه، فالولايات المتحدة تحمّل نظام الرئيس السوري بشار الأسد مسؤولية قيام التنظيم أصلاً، وهو ما يعني أن رحيل الأسد جزء من استكمال الحرب على «داعش».
وفي جلسة مغلقة بوزارة الخارجية، قال مسؤولون أميركيون ان «الوجود العسكري في سورية، ونشاطاتنا العسكرية هناك، ودعم المجموعات الحليفة، كلها تهدف إلى إلحاق هزيمة دائمة بـ(داعش)»، أي تأكيد عدم عودته. 
وفي سياق ضمان عدم عودة التنظيم المذكور، لفت المسؤولون إلى وجوب حصول تغيير سياسي في دمشق، عبر «عملية سياسية تحت رعاية الامم المتحدة في جنيف، حسب مقررات قرار مجلس الأمن 2254».
واعتبر المسؤولون أنه من دون حصول الانتقال السياسي، «تصبح سورية مصدراً لتوليد التطرف مستقبلاً، وتتحول تهديداً مستقبلياً، ويعود الارهاب سواء تحت اسم (داعش) أو تحت مسمى آخر، وتعود الأمور الى ما كانت عليه في العام 2012»، على أن العودة الى ما قبل الانتصار على التنظيم «تهدد جيران سورية، وتهدد أوروبا، وتهددنا هنا في الداخل (الاميركي)»، حسب قول المسؤولين.
وتعتبر إدارة ترامب ان لإيران حصّة في قيام «داعش» العام 2012، وانه إذا لم تتم «مواجهة الطموحات التوسعية الايرانية»، فإن التنظيم سيعود مجدداً بصورة متكررة. «لايران أنشاطة خبيثة في سورية وعن طريقها»، يقول احد المسؤولين في الخارجية الاميركية، مضيفاً: «عن طريق سورية يعني الدعم الايراني النوعي لـ(حزب الله) والتهديدات في لبنان، ونحن قلقون حول نشاطات ايران الخبيثة في المنطقة بشكل عام».
واعتبر المسؤول الاميركي ان الايرانيين «يقومون بدور تدميري» في سورية، وانهم «يدّعون انهم ضامني وقف إطلاق النار، لكن لا يوجد شيء من هذا القبيل، بل هم يدعمون النظام، ويقومون بنشاطات مؤذية أكثر مما فعلوه للتسبب بقيام (داعش)، فهم يهددون دولاً في الاقليم، مثل اسرائيل والأردن، ويهددون المصالح الاميركية، ومصالح كل أصدقائنا وحلفائنا، ومصالح المجتمع الدولي».
ولا يقدم المسؤولون في الخارجية الخطة الاميركية المطلوبة لمواجهة ايران بهدف ضمان منع عودة «داعش»، لكن الاجابة قد تأتي من وزارة الدفاع، التي أعلن وزيرها جيمس ماتيس عن «استراتيجية الدفاع الوطني» للعام الحالي. وتشي الخطوط العامة للاستراتيجية عودة أميركية الى ما يعرف بـ «عقيدة كارتر»، نسبة الى الرئيس السابق جيمي كارتر، الذي اسست واشنطن في عهده «قوة تدخل سريع»، يمكنها خوض مواجهات حول العالم.
والسياسة الخارجية الاميركية في عهد ترامب ستكون مبنية على هذا النوع من القوة، التي ترتكز بدورها الى «القوات الخاصة»، مدعومة بالقوة الجوية الاميركية، ومعززة بقوات حليفة. 
ففي سورية، عكف المسؤولون الاميركيون، الذين استضافوا كوكبة من المعارضين السوريين على مدى الاسابيع الماضية، الى التنسيق معهم حول الدعم العسكري الممكن لواشنطن تقديمه إليهم، لناحية مساهمتها في تمويل وتدريب وتسليح قوات من المعارضة السورية. 
أما الفارق الاساسي بين استخدام ماتيس القوة العسكرية الاميركية واستخدام أسلافه القوة نفسها، فمبني على اعتبار وزير الدفاع الحالي ان «مفاتيح القوة» التي اختارها «يمكن دعمها على المدى الطويل»، أي أنه يمكن للولايات المتحدة الابقاء على ألفي عسكري، أو «مستشار عسكري» كما يحلو لواشنطن تسميتهم، في المناطق السورية شرق الفرات لمدة طويلة، فتكلفة نشر هؤلاء منخفضة، وامكانية وقوع ضحايا في صفوفهم منخفضة كذلك، بسبب تواجدهم في مناطق بعيدة عن المناطق ذات الاكتظاظ السكاني.
ومع دعم واشنطن مجموعات حليفة، وتقديمها غطاء جوياً يبدو عصياً على مقاتلات نظام الأسد وروسيا، يبدو أنه صار لواشنطن «حصان في السباق» السوري حسب التعبير المحلي، وهو حصان يمكنه تعطيل مخططات القوى المنافسة، أي روسيا وإيران، من دون أن تسعى واشنطن لفرض مخططاتها للتسوية، أي أنه يمكن لأميركا العرقلة، من دون أن تتكلف عناء فرض تسوية.
سياسة ترامب في الشرق الأوسط هي حتماً سياسة مواجهة، وإنْ كانت مواجهة على نار خافتة، وهو ما يعني أنه على عكس أوباما، الذي كرر مراراً أن بلاده انسحبت من الشرق الاوسط وفوّضت أمره الى اصحابه، عادت واشنطن في عهد ترامب الى المنطقة، ولكنها لا تبدو في عجلة من أمرها للاعلان عن ذلك، بل تبدو ميالة أكثر لعودة أميركية الى الشرق الاوسط بصمت يشبه هدوء وزير دفاعها، ويختلف كلياً عن شخصية رئيسها البعيد كلياً عن كل هذه التفاصيل.

الأربعاء، 24 يناير 2018

الاقتصاد الأميركي يسجل أطول فترة تعافٍ بعد ركود

واشنطن - حسين عبدالحسين

يمضي الاقتصاد الأميركي في تسجيل أطول فترة تعاف تلي الركود، إذ نجح في إضافة وظائف للشهر الـ٩٩ على التوالي، لتنخفض نسبة البطالة من ١٠ في المئة في تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩ إلى ٤.١ في المئة الشهر الماضي.

ومنذ العام ١٩٥٤، كانت أطول فترة نمو مشابهة شهدها البلد حصلت في زمن الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي ورث نسبة بطالة بلغت ٧.٨ في المئة في حزيران (يونيو) ١٩٩٢، وقاد البلد على مدى ٩٤ شهراً من النمو، لتنخفض نسبة البطالة بعد ثلاثة اشهر على خروجه من الحكم، أي في نيسان (أبريل) ٢٠٠٠، إلى ٣.٨ في المئة.

ولفترة اقصر، نجح الرئيس الراحل رونالد ريغان في خفض البطالة، على مدى ٧٦ شهراً، من 8.1 في المئة في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٢، إلى ٥ في المئة بعد شهرين من خروجه من البيت الأبيض، أي في آذار (مارس) ١٩٨٩.

على أن فارقاً كبيراً بين أطول ثلاث فترات نمو اقتصادي وانخفاض للبطالة، يكمن في الفارق بين معدلات نمو الناتج المحلي، الذي بلغ ٤.٧ في المئة أثناء «طفرة ريغان» على مدى ٧٦ شهراً في ثمانينات القرن الماضي، و٣.٨ في المئة اثناء «طفرة كلينتون» على مدى ٩٤ شهراً في التسعينات، لكنه لم يسجّل اكثر من معدل ٢.١ في المئة في فترة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي يمتد أثرها حتى السنة الثانية من رئاسة خلفه دونالد ترامب.

وتلقف الاقتصاديون من اليسار ومن الليبراليين، هذه الأرقام ليعتبروا أن التعافي الاقتصادي الأميركي، منذ العام ٢٠٠٩، مثابة «خدعة» في الأرقام. وقدم معهد روزفلت»، وهو مركز بحوث ذات ميول ليبرالية، دراسة قارن فيها نسب النمو المتوقعة التي أصدرها «مكتب موازنة الكونغرس» غير الحزبي منذ العام ٢٠٠٢. وأشار المركز إلى أن المكتب المذكور عمد إلى خفض توقعاته مع مرور الوقت، وأننا لو التزمنا توقعات المكتب منذ العام ٢٠٠٢، لوجدنا أن الاقتصاد الأميركي ينمو بنسبة ١٥ في المئة أدنى من المعدل الذي كان متوقعاً.

ويقول الليبراليون إن على رغم تدني نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها في عقد، لتصل الى ٤.١ في المئة، إلا أن جزءاً كبيراً من اليد العاملة يعمل إما بدوامات جزئية أو بوظائف متواضعة تتطلب أقل من مهاراتهم، وهذه من الأسباب التي زادت في اتساع الشرخ بين أصحاب المداخيل المرتفعة من الأميركيين ونظرائهم من أصحاب المتداخيل المتدنية.

ويشير المعهد إلى أن نسبة الأميركيين ممن يعتمدون على الرواتب لمدخولهم، تراجعت على مدى السنوات الـ15 الأخيرة، من ٦٣ في المئة إلى ٥٧ في المئة من الأميركيين، ما يعني في الوقت ذاته ارتفاعاً في نسبة الأميركيين ممن يعتمدون في مدخولهم على استثماراتهم، خصوصاً في أسواق المال، وهو انعكاس آخر لاتساع الشرخ بين الأثرياء والأقل دخلاً في عموم البلد.

ويرى الاقتصاديون من الوسط واليمين، مؤشرات إيجابية إلى نمو الناتج المحلي الأميركي المتواصل، ولو بنسبة متواضعة. ويشير هؤلاء إلى «توازن» في القطاعات التي تنمو، على عكس الطفرات الاقتصادية الماضية، التي كانت في الغالب مدفوعة بفقاعة مالية معينة، مثل فقاعة «دوت كوم» والإنترنت في زمن كلينتون، وفقاعة العقارات في زمن الرئيس السابق جورج بوش الابن.

هذه المرة، تستند مرحلة التعافي الاقتصادي المستمرة منذ ٢٠٠٩، إلى نمو متوازن بين أبرز القطاعات الاقتصادية، وفقاً لدراسة أعدّها اوليفييه بلانشارد وكولومب لاشارييه، من معهد «بيترسون» الاقتصادي مطلع السنة الجارية.

وقسّم الاقتصاديان القطاعات الاقتصادية الأميركية إلى سبعة قطاعات رئيسة هي الصادرات والواردات، والاستهلاك والعقارات الســـكنية، والعــقارات غير السكنية، وإنفاق الحكومة الفيديرالية. واعتبرا أن هذه القطاعات تنمو بنسب متقاربة لا تتعدى فارق ١ الى ٢ في المئة بينها، في طليعتها الصادرات، وتحلّ في المرتبة الأخيرة بينها، العقارات السكنية.

وكتب الباحثان أن مقارنة فترة النمو الحالية بفترة النمو الممتدة بين ٢٠٠١ و٢٠٠٩، تظهر تشابهاً، إذ إن الفترة الماضية كانت تبدو متوازنة، لكن ما لم يفطن له الكثيرون حينها هو انعدام التوازن في مداخيل المقبلين على شراء العقارات السكنية، إذ راحت البنوك تقرض بلا حسيب ولا رقيب، ما جعل الأميركيين يتساوون ظاهرياً في مداخيلهم، إلى أن وقعت الواقعة، وتبين أن عدداً كبيراً من المقترضين غير قادر على الوفاء بديونه. فانهارت السوق، وتبخرت السيولة فجأة، وأُجبرت الحكومة الفيديرالية على ضخ النقد في المؤسسات المالية والأسواق لمنع الانهيار التام والشامل.

وأضافا أن «غياب انعدام التوازن بين نمو القطاعات الاقتصادية، لا يضمن عدم الاصطدام بركود قريباً»، ليختتما بالقول إن «بعض الهزات قد تأتي، وبعضها قد يكون سيئاً، لكن النمو المتوازن هو خبر جيد على رغم أي شيء».

الأحد، 21 يناير 2018

مرشد المرشدين والاستعمار الإيراني للعرب

بقلم حسين عبد الحسين

نقلت وكالة فارس شبه الرسمية عن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، أن ”جامعة آزدا الإسلامية“ ستفتتح فروعا لها في المدن السورية. وقال ولايتي إنه تحادث مع أمين عام ”حزب الله“ اللبناني حسن نصرالله، في اللقاء الأخير بينهما في بيروت، حول تطوير فروع الجامعة الإيرانية نفسها في المدن والبلدات اللبنانية.

وقال ولايتي إن الجامعة، التي تدرّس اللغة الفارسية و"الثقافة الاسلامية"، تلاقي نجاحات واسعة، وإنه حتى الجامعات الغربية ”تعمل حاليا على تدريس اللغة الفارسية“.

إذاً هي جامعة لتعليم اللغة الفارسية خارج إيران، ولتدريس ”الثقافة الإسلامية“ بشكلها ”الثوري الايراني“، وهي ثقافة مبنية حول ”ولاية الفقيه“، الذي يتوجب على المسلمين، حول العالم، الإدانة له بالولاء لنيابته عن ”الإمام الغائب“، الإمام الشيعي الثاني عشر محمد المهدي المعروف بالمنتظر.

ونقول الثقافة الإسلامية بشكلها الثوري الإيراني لأنه يتعذر أن نصف هذه الثقافة الإسلامية بالشيعية، فالمذهب الشيعي مبني على الاجتهاد، والاجتهاد مبني على تعدد المجتهدين، فيما نظرية ”الحكومة الإسلامية“ و“الولي الفقيه“ تعاكس الفكر الشيعي، وتقدم فكرا بديلا ينسف تعدد المجتهدين ويستبدلهم بمجتهد واحد أوحد، أقواله حاسمة وتكليفه لاتباعه لا يقبل النقاش، تحت طائلة الوقوع في الخطيئة الدينية في حال الاعتراض.

افتتاح الجامعة الفارسية الإيرانية في الدول العربية يمثل ذروة ”الاستعمار الإيراني“ في منطقة الشرق الاوسط، فإيران لا تدرّب وتموّل وتدير ميليشيات موالية لها فحسب، بل هي تجتاح الدول العربية بمشروع غزو فكري ثقافي مذهبي طائفي، مبني على نشر — لا المذهب الشيعي التقليدي — بل نسخة مختلفة من التشيع على حسب رؤية مؤسس ”الجمهورية الإسلامية“ في ايران الراحل روح الله الخميني.

الاستعمار الإيراني للدول العربية ليس ميليشويا عسكريا فحسب، بل هو في صميمه مشروع نشر النفوذ الفارسي بتعميم الثقافة الفارسية، وهو ما يترافق مع تمويل إيران ورعايتها برامج اجتماعية وتعليمية وطبية.

هكذا، تقيم إيران مستعمرات من العرب المتفرّسين، وتتحول مستعمراتها إلى دويلات إيرانية داخل الدول العربية، وما تلبث أن تنتصر الدويلة على الدولة المضيفة، ويتحول قائد الميليشيا الموالية لإيران إلى المرشد الأعلى في دولته، مثل نصرالله، الذي تحول إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في لبنان، مع إناطته أدوارا هامشية لرئيس لبنان ميشال عون ورئيس حكومته سعد الحريري، على غرار الدور الشكلي في الحكم الذي يمنحه المرشد علي خامنئي للرئيس الإيراني حسن روحاني.

والمشروع الإيراني الذي اكتمل في لبنان، يقارب الاكتمال في العراق، وهو في بدايته في سوريا، وربما اليمن. في كل واحدة من هذه الدول العربية يقوم ”مرشد أعلى“ يدين بالولاء لـ ”مرشد المرشدين“ خامنئي في إيران، وهو الولاء الذي يكرره علنا نصرالله وعراقيو إيران، من أمثال هادي العامري وآخرين.

في الماضي الاستعماري الإيراني، أطلق حكام إيران تسميه شاهنشاه على أنفسهم. وكلمة شاه تعني ملك بالفارسية. اما كلمة شاهنشاه، فتعني ”ملك الملوك“.

مع استعادة إيران لإمبراطوريتها في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ العام ٦٢٨ ميلادية، هذه المرة بشكل أكثر إسلامية ولكن ليس أقل فارسية، يستعيد حكام إيران الشكل الذي حكموا فيه المنطقة، فأقاموا ملوكا تابعين لهم، ونصّب ملك إيران نفسه ملكا على هؤلاء الملوك. الترتيب نفسه يتكرر اليوم، مع فارق أنه بدلا من أن تنصب إيران ملوكا يدنون لها بالولاء، تنصّب مرشدين، فيصبح خامنئي ”مرشد المرشدين“، أي التتمة الطبيعية ”لملك الملوك“ أو شاهنشاه.

قد يبدو الاستعمار الإيراني للعرب نموذجا ناجحا، لكن كل تجارب الشعوب غير الديموقراطية تنطبق عليها نظرية ابن خلدون، فتأكل الثورات أبناءها، ويدب في جسدها الفساد بعد رحيل الجيل الأول، ونشوء جيل ثان فاسد ومفسد يتخاصم فيما بينه ويتحارب. وبوادر هذه الخصومات بادية في إيران، حيث الإقامة الجبرية لعدد من الرؤساء السابقين، وخارج إيران، حيث رمت إيران ببعض حلفائها إلى الهلاك، مثل رئيسي حكومة العراق نوري المالكي، وقريبا في الغالب حيدر العبادي، وفي لبنان، تخلصت من أمين عام ”حزب الله“ السابق صبحي الطفيلي.

قد تكون إيران ما تزال في مرحلة الصعود، ولكن بعد كل صعود هبوط، وكما زال الاستعمار الإيراني للعرب في الماضي، لا بد أن يزول في المستقبل.

الخميس، 18 يناير 2018

تيلرسون: لن نرتكب «خطأ 2011 العراقي» في سورية وسنبقي قواتنا لمواجهة «داعش» ونظام الأسد وإيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في ما بدا تحولاً في الاستراتيجية الأميركية في سورية، أعلن وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن القوات الأميركية لن تبقى في سورية بهدف تحقيق الهزيمة الكاملة لتنظيم «داعش» فحسب، بل أيضاً لمواجهة نفوذ إيران والمساعدة في نهاية المطاف على دفع الرئيس السوري بشار الأسد خارج السلطة.
وكرر التأكيد أن قوات بلاده، وقوامها ألفي مستشار عسكري، باقية في الأراضي السورية شرق الفرات، إلى أن يختار السوريون حكومة جديدة، تحوز على مصداقية دولية، بعدما تحول الأسد وحكومته إلى ألعوبة في أيدي إيران.
وجاءت تصريحات الوزير الاميركي في خطاب، عن السياسة الاميركية حيال الازمة السورية، ألقاه بجامعة ستانفورد المرموقة بولاية كاليفورنيا، مساء أول من أمس، تلته جلسة أسئلة وأجوبة أدارتها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس.
وإذ اعتبر أنه «أمر حاسم لمصلحتنا الوطنية أن نحافظ على وجود عسكري وديبلوماسي في سورية»، أوضح تيلرسون أن الهدف الاول للمهمة العسكرية سيبقى متمثلاً بمنع «تنظيم (داعش) من الظهور مجدداً»، لافتا الى أن «إحدى قدمَي التنظيم باتت في القبر، ومن خلال الحفاظ على وجود عسكري اميركي بسورية، ستُصبح له قدَمان» في القبر. 
ودعا تيلرسون الى عدم «ارتكاب الخطأ نفسه كما في العام 2011» عندما «سمح الخروج المبكر من العراق لتنظيم (القاعدة) بأن يبقى على قيد الحياة» في هذا البلد. 
ورأى أن «عدم الالتزام من جانب الولايات المتحدة» من شأنه أن يوفر لإيران «فرصة ذهبية من أجل أن تعزز بشكل إضافي مواقعها في سورية». 
وقال في هذا السياق: «يجب أن نتأكد من ان حل هذا النزاع (السوري) لن يسمح لإيران بالاقتراب من هدفها الكبير وهو السيطرة على المنطقة»، مضيفاً ان «الانسحاب التام» للأميركيين من سورية «في هذه المرحلة سيساعد الاسد على مواصلة تعذيب شعبه». 
وتابع انه «لسنوات، كانت سورية تحت حكم بشار الأسد دولة تابعة لايران»، وان «حكومة مركزية سورية لا يسيطر عليها الأسد سيكون لديها شرعية لتكرس سلطتها على البلد»، معتبرا ان «استعادة السيادة الوطنية (السورية) على أيدي حكومة جديدة، فضلاً عن خفض التوتر وتدفق المساعدات الدولية، مع عنف أقل، يعني شروطاً أفضل للاستقرار، وتسريع انسحاب القوات الاجنبية».
ولفت تيلرسون، إلى أن التدخل العسكري الأميركي في ليبيا، على نبالته، تسبب بمشكلة لأنه جاء من دون أن تواكبه أي خطوات سياسية وإنمائية تساهم في نقل الأمور من حالة المعارك الى حالة الاستقرار.
وشدد على أن قيام «سورية مستقرة وموحدة ومستقلة يتطلب بنهاية المطاف قيادةً لما بعد الأسد»، معتبراً أن «رحيل» الرئيس السوري في اطار عملية السلام التي تقودها الامم المتحدة «سيخلق الظروف لسلام دائم». 
وكرر تيلرسون في خطابه مراراً الحديث عن ضرورة «رحيل» الرئيس السوري وعن سورية «ما بعد الاسد»، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تعطي دولاراً واحداً لإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وأنها تشجّع حلفاءها أن يحذوا حذوها. وأضاف: «في المقابل سنشجّع على مساعدة دولية من أجل إعادة اعمار المناطق التي حرّرها» التحالف بقيادة واشنطن وحلفائها من قبضة تنظيم «داعش».
وعبّر عن أمل بلاده بأن تكون «الرغبة بالعودة الى الحياة الطبيعية»، دافعاً للسوريين ومَن هم في داخل النظام، إلى دفع الاسد خارج السلطة. 
ورغم أن رحيل الأسد لم يعد شرطاً مسبقاً للولايات المتحدة، فإن تيلرسون شدد على أنه مقتنع بأن انتخابات حرة وشفافة بمشاركة المغتربين وجميع الذين فروا من النزاع السوري «ستؤدي الى رحيل الاسد وعائلته من السلطة نهائيا»، لافتاً إلى أن ذلك سيستغرق «وقتا» و«لكن هذا التغيير سيحدث في نهاية المطاف». 
ودأب مسؤولو إدارة الرئيس دونالد ترامب على القول انهم يمولون عمليات «تثبيت الاستقرار» في سورية، وهي عمليات تُعنى برعاية الشؤون المدنية للمناطق المحررة من «داعش». لكن المسؤولين الأميركيين يتفادون الحديث عن تمويل إعادة الإعمار خشية أن توحي تصريحاتهم للأميركيين بأن واشنطن عادت الى مشروع «بناء الأمم» الذي حاولت القيام به، مع فشل ذريع ما زال يفرض تراجعاً على الدور الاميركي حول العالم.
وفي قراءة لخطاب تيلرسون، قال الزميل في قناة «سي ان ان» مايكل وايز أن ما قاله الوزير الأميركي فعلياً هو التالي: «الأسد صار بضاعة منتهية الصلاحية، ونحن لم نقم بتنظيف الفوضى التي خلقها لنا (الأسد) حتى نسلمه سورية مجدداً ليخلق لنا فوضى. وكذلك لم نهزم (داعش) حتي يقيم (قائد«فيلق القدس»في«الحرس الثوري»الإيراني قاسم) سليماني جسراً برياً (من ايران الى لبنان)». 
واضاف وايز انه فهم من خطاب تيلرسون ان أميركا تركت العراق فعاد تنظيم «القاعدة»، وأنها «لن تكرر هذه الغلطة مجدداً»، لافتاً إلى أنه على عكس الرئيسين السابقين جورج بوش الاب والابن، اللذين استخدما القوة العسكرية في محاولة لاعادة هندسة الشرق الاوسط، تلجأ إدارة ترامب الى نشر قوات أميركية للإبقاء على «آذان وعيون» الأرض، ولدعم الحلفاء، وللدفاع عن المصالح الاميركية، بغض النظر عن مجريات الأحداث الأخرى على الأرض السورية أو العراقية أو غيرها.
وفي أول رد فعل، رحب القيادي في المعارضة السورية هادي البحرة بخطاب تيلرسون، قائلاً لوكالة «رويترز» إن هذه هي المرة الأولى التي تصرح فيها واشنطن بأن هناك مصالح أميركية في سورية وأنها مستعدة للدفاع عنها.
لكنه أشار إلى الحاجة لمزيد من الوضوح بشأن كيفية فرض واشنطن تنفيذ العملية السياسية وكيف ستجبر نظام الأسد على القبول بتسوية سياسية تؤدي إلى توفير مناخ آمن ومحايد يؤدي إلى انتقال من خلال انتخابات حرة ونزيهة.

الأربعاء، 17 يناير 2018

شعب لبنان العظيم ودولته البائسة

حسين عبد الحسين

يتغنى اللبنانيون بما يخالونه تفوقاً على شعوب الشرق الأوسط، بل شعوب العالم قاطبة، ويتباهون بما يقارب الغرور. وللبنانيين بعض الحق في تباهيهم، فهم يحافظون على تقاليد تعود إلى أكثر من ألف عام، وهي تقاليد تدفعهم إلى السعي للرزق في أصقاع الأرض، بسبب تواضع موارد بلادهم الطبيعية.

في سعيهم هذا، أقام اللبنانيون إمبراطوريات فينيقية في حوض المتوسط وبعض سواحل الأطلسي، وقدّموا معارف إلى الحضارة البشرية تنوعت بين الإبحار والكتابة والتجارة.

لكن "الدني دوّارة"، حسب المثل اللبناني، ومنذ اندثار عاصمة إمبراطورتيهم البحرية قرطاج، في القرون الأولى للميلاد، توقف اللبنانيون عن التألق، لكنهم حافظوا على روح مبادرة فردية وهاجروا إلى حيث يرزقون، فأدت هجرتهم المتواصلة، منذ قرابة قرنين، إلى انتشارهم في أنحاء المعمورة، وحقق بعض مهاجريهم نجاحات قلّ نظيرها.

لكن نجاح المهاجرين لا يعود فضله للبنانيتهم، بل لبلدانهم الجديدة وللفرص التي قدمتها لهم. توطّن اللبنانيون في هذه الدول، وأصبحوا جزءا لا يتجزأ منها، ومن نسيجها الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي.

ويبدو أن من بقي في لبنان لا يدركون كم تتلاشى العلاقة بين غالبية مغتربي لبنان ووطنهم الأم، خصوصاً المغتربين ممن سنحت لهم فرصة الاستيطان. هكذا، تعتقد الحكومات اللبنانية المتعاقبة أن اللبنانيين يتحينون فرصة عودتهم إلى لبنان، فقط بسبب الارتباط القديم والجذور، وهذا اعتقاد خاطئ.

يمكن عودة مغتربي لبنان ممن يستحيل عليهم الاستيطان، مثل اللبنانيين في الخليج، وهؤلاء لم يتخلوا عن جنسيتهم اللبنانية أصلاً. ويمكن عودة لبنانيين ممن يعملون في دول بشروط صعبة يمكن ان تتوفر شروط أفضل منها في وطنهم الأم. لكن الجيل الثاني والثالث من المغتربين اللبنانيين، خصوصا من المقيمين في الدول المتقدمة، يصعب أن يعودوا إلى دول نامية، وفاشلة في الغالب، على غرار الوطن اللبناني.

على أنه يبدو أن حكومة لبنان لا تعرف ذلك، بل تعتقد وزارة خارجيتها أن الاغتراب اللبناني سيتهافت على أول فرصة استعادة الجنسية اللبنانية. ولأن غالبية المغتربين من المسيحيين، اعتقدت وزارة الخارجية اللبنانية أن عودتهم من شأنها أن تؤدي إلى ترجيح كفة الأحزاب المسيحية في الانتخابات البرلمانية المقررة في أيار/مايو المقبل.

وبعد حملة انتخابية شنها حزب مسيحي لبناني في السلطة، باستخدامه موارد حكومية لحشد تأييد لبنانيي الخارج ودفعهم للاقتراع لمصلحته، بالكاد بلغ عدد المغتربين اللبنانيين المسجلين للانتخاب خارج البلاد ٩٣ ألفا، من قرابة ٨٠٠ ألف لبناني ينتشرون في القارات الخمس.

أما عدد مستعيدي جنسيتهم اللبنانية من المغتربين، منذ إقرار حكومة لبنان القانون ٤١ في خريف ٢٠١٥ وحتى خريف ٢٠١٧، فبلغ ٢٩ مغتربا فقط.

لم تنجح حذاقة وزارة خارجية لبنان، ومحاولتها إطلاق حملة شكلها شبابي، بما في ذلك تعميم هاشتاغ "لبانتي"، في إقناع المغتربين، الذين يقدر عددهم بأكثر من ١٠ ملايين، في استعادة جنسيتهم اللبنانية. على الرغم من "الشكل الشبابي" للحملة، لم تفطن وزارة الخارجية اللبنانية للأخطاء اللغوية في الموقع الذي أطلقته بالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية.

ولم تفطن وزارة الخارجية لفحوى النص المزري الذي حاولت تسويقه امام المغتربين اللبنانيين، فورد على الموقع بالإنكليزية ما ترجمته ان وزارة الخارجية، لا حكومة لبنان كما تقضي الاصول، أقامت الموقع حتى يتقدم من ينحدرون من جذور لبنانية للحصول على جنسية لبنانية و"للإفادة من حقوق الاعمال والمالية والقنصلية والشخصية والاجتماعية كلبنانيين، أينما كانوا".

على سطحية هذه العبارة، لا بد أن المغتربين يعرفون أن وطن أجدادهم يعاني من فقدان كل أنواع الحقوق، فالزواج المدني غير متوفر في لبنان، وثقة العالم بحكومة لبنان متدنية إلى حد تجعل من "الحقوق القنصلية" أضحوكة، وتجعل من حاملي جواز السفر اللبناني موضع شكوك في كل مطارات العالم. أما "الحقوق الاجتماعية"، فمن نافل القول إنه لا يمكن لداكني البشرة ارتياد غالبية المنتجعات البحرية في لبنان.

ثم تقدّم وزارة خارجية لبنان جوهرتها في تحديدها من يحق له من المغتربين اللبنانيين استعادة جنسيتهم، وهم من ينحدرون من أب أو جد لبناني، أو الاجنبية زوجة اللبناني. اما المغتربين ممن ينحدرون من أم لبنانية وأب غير لبناني، فغير مرحب بهم في الوطن اللبناني العظيم.

في تقديمها لبنان لمغتربيه، قدمت وزارة الخارجية اللبنانية أمراض لبنان السياسية والاجتماعية والقنصلية، وذكّرت المغتربين اللبنانيين بالسبب الذي دفعهم للاغتراب أصلاً. لذا، لم يكن مستغربا أن يستعيد ٢٩ مغتربا، من أكثر من ١٠ ملايين مغترب، جنسيتهم اللبنانية. أما باقي المغتربين، فالأرجح انهم يتأملون تفاهة الدولة اللبنانية، ويتأسفون.

عن مارتن لوثر كينغ وحلمه

حسين عبدالحسين

بعد خمسين عاماً على مقتله على يدي متطرف من البيض، احتفلت الولايات المتحدة بالذكرى الـ89 لميلاد القس مارتن لوثر كينغ الابن. والذكرى هي يوم عطلة رسمي في البلاد تكريماً للرجل الذي تحول الى ايقونة النضال السلمي والحقوق المدنية.


ويمكن تلخيص نضال القس، المعروف اليوم بـ"إم إل كاي" اختصاراً، بخطابه الشهير "لديّ حلم"، الذي أدلى به في العاصمة الأميركية العام 1963 أمام تمثال بطل تحرير العبيد الرئيس ابراهام لينكولن. 

واختيار كينغ عنوان "لديّ حلم" كان تماهياً مع مقولة الحلم الأميركي، وهو الحلم الذي دفع الناس من أرجاء المعمورة الى الهجرة الى الولايات المتحدة سعياً إلى حياة أفضل لهم ولأولادهم، وطلباً للحرية من الطغيان، والعيش الكريم في سعادة وبحبوحة.

الأميركيون من ذوي البشرات الداكنة هم وحدهم من لم يفدوا أميركا بملء ارادتهم، بل اقتيدوا في إغلال من القارة الإفريقية، ليعملوا في مزارع التبغ والقطن، في ظروف معيشية تشبه ظروف الماشية والدواب، رغم أن الوثائق المؤسِّسة لقيام الجمهورية، خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، تبنت مبادئ التنوير، خصوصاً لناحية الحرية الفردية.

بعد أقل من 75 عاماً على قيام أميركا، انقسمت البلاد بين شمال صناعي أراد تحرير العبيد، وجنوب زراعي رأى في تحريرهم تهديداً لاقتصاده، فانفصلت الولايات الجنوبية عن الفيدرالية، وأسست كونفيدرالية لا تلتزم بقرار الشمال إنهاء العبودية، وكانت الحرب الأهلية التي انتصر فيها الشمال، وأعاد وحدة البلاد، وحرر العبيد.

لكن حرية الأميركيين من أصول إفريقية لم تعن لغالبية البِيض، جنوبيين كانوا أو شماليين، اختلاطاً حتمياً بين العبيد السابقين وأسيادهم. فمنع البِيض الاختلاط، وأجبروا السُّود على الانكفاء الى مناطق مخصصة لهم، تحولت إلى أحزمة فقر وبؤس. أما الأسباب التي ساقها البِيض للحفاظ على الفصل العنصري، فكانت أبرزها عبارة "متساوون لكن منفصلون"، وثانيها أن حرية البِيض لا تجبرهم على الاختلاط مع السود.

هكذا، أمضت الولايات المتحدة القرن التالي لحربها الأهلية وهي تعيش في ظل توتر عنصري، تَوَّجَه كينغ بحركة التمرد السلمي والمطالبة بالحقوق المدنية، الى ان نجح في حمل الرئيس ليندون جونسون، خلال النصف الثاني من الستينات، على إصدار مرسوم الحقوق المدنية والمساواة.

على أن السود، كما معظم حركات "الحقوق المدنية" في الولايات المتحدة اليوم، ترفع مطالب مناقضة لأهداف كينغ، على الرغم من تنصيبه أيقونة لنضالها. ذلك أن "إم إل كاي" لم يطالب بتعويضات عن العبودية، ولا هو طالب بمعاملة خاصة لمجموعة السود، ولا هو سعى الى تكريس هوية إفريقية منفصلة عن الهوية الأميركية كما كرّسها المؤسسون البِيض. بل إن كينغ تمسك، في خطابه "لديّ حلم"، بأبرز مبادئ الجمهورية، خصوصاً المساواة، وشعار "الحياة والحرية والسعي الى السعادة" الوارد في "إعلان الاستقلال". 

مع بداية عقد السبعينات، المعروف بين الأميركيين بـ"عَقد الأنا"، بدأت المجموعات الأميركية المختلفة تسعى إلى تكريس هويتها وإعادة تقديم تراثها كما تتخيله. هي العودة إلى الجذور الإيطالية التي أعطت العالم فيلم "العرّاب" الشهير، وهي العودة الى الجذور التي أعادت تسريحة الشعر المعروفة بـ"آفرو" بين السود، ودفعتهم إلى أن يطلقوا على أنفسهم تسمية "أفارقة أميركيين"، وتبني أزياء ملونة على الطراز الإفريقي.

وفيما راحت الأقليات تعود إلى جذورها، عاد البِيض الى المسيحية كعنصر رئيس في هويتهم، فكان "الحزام الإنجيلي" الذي يمتد عبر الولايات الجنوبية المحافظة. ومع عودة هذا "الحزام"، كانت عودة الى المطالبة بانفصال الجنوب، وإعادة الفصل العنصري، قبل ان يكتسح رونالد ريغان و"النيوليبرالية" الاقتصادية الثمانينات، وتفوز أميركا في الحرب الباردة، و"ينتهي التاريخ" بحسب فرانسيس فوكوياما، وهو تاريخ يبدو انه انتهى مع الانهيار المالي في البلاد في خريف 2008.

منذ ذلك التاريخ، سعت الولايات المتحدة إلى إعادة تعريف نفسها. الأقليات، التي تسمي نضالها دفاعاً عن "الحقوق المدنية"، لا تشبه كينغ كثيراً، بل هي تشبه المحاصصة الطائفية في لبنان والعراق. إذ تطالب الأقليات المكونة للحزب الديموقراطي — وأحدثها مجموعة الأميركيين المسلمين الصغيرة جداً — بحصص مكفولة لها، بغض النظر عن الكفاءة، تعويضاً عن ماض جائر بحقها ولتحسين أوضاعها امام البِيض. 

أما البيض، فيعتبرون أنفسهم "حماة الجمهورية" والمساواة، لكنها جمهورية كما يُخيّل إليهم أنهم صنعوها. جمهورية مبنية على المبادىء "يهو-مسيحية"، حيث المساواة لا تعني مساواة للمثليين جنسياً، ولا لغير المسيحيين، ولا لغير البِيض.

احتفلت أميركا بمارتن لوثر كينغ، وما أحوجها إليه اليوم، على الأقل كي ينتزع أسطورة المساواة في الحقوق المدنية من أيدي اصحاب المحاصصة، وكي يذكّر البِيض بالمبادئ التي قامت عليها الجمهورية أصلاً.

الثلاثاء، 16 يناير 2018

اللوبي الإيراني في أميركا لنظيره الإسرائيلي: لا تُصدّقوا دعايتنا ضد تل أبيب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

على عكس الدعاية الإيرانية وما يقوله المسؤولون الايرانيون، ليس الصراع بين إيران وإسرائيل عقائدياً، بل هو صراع تحركه «عوامل جيوبوليتيكية»، حسب رأي رئيس «المجلس القومي الإيراني - الأميركي» تريتا بارسي، الذي كتب مقالاً في «واشنطن بوست»، حمل عنوان «دحض خمسة أوهام حول إيران».
وبارسي من المقربين من النظام الإيراني، وخصوصاً وزير الخارجية جواد ظريف، منذ كان الأخير يعمل موفداً دائماً لبلاده لدى الأمم المتحدة في نيويورك. 
وأظهرت مراسلات إلكترونية، كشفتها محكمة أميركية، أن بارسي كان يعمل بالتنسيق مع ظريف لتنظيم وتمويل رحلات لأعضاء في الكونغرس ومستشاريهم إلى إيران لاستمالتهم وتحويلهم حلفاء لطهران داخل الكونغرس.
وكتب بارسي في «واشنطن بوست» انه «تاريخياً، تمتعت إيران وإسرائيل بعلاقات قوية مدفوعة بالمخاطر المشتركة التي واجهتهما، من الاتحاد السوفياتي والدول العربية القوية، مثل مصر والعراق»، و«على الرغم من أن قادة إيران انقلبوا على إسرائيل لفظياً مع ولادة الدولة الدينية الايرانية في العام 1979، إلا أن الحقيقة الاستراتيجية لم تتغيّر، واستمرت الدولتان في التعاون خلف الكواليس».
واضاف بارسي، انه أوضح بالتفصيل في كتابه «التحالف الغادر»، كيف أن إسرائيل أوعزت للوبي المؤيد لها لحمل واشنطن على الحديث مع إيران وبيعها أسلحة، كما في فضيحة «إيران كونترا»، وكيف أن اللوبي الإسرائيلي طلب من واشنطن تجاهل الخطاب الإيراني المعادي للغرب.
وكتب بارسي أن القادة الإيرانيين يحاولون تصوير صراع إيران مع إسرائيل في إطار عقائدي، حتى يتمكنوا من الظهور بمظهر المنتصرين لفلسطين والمدافعين عن الإسلام في وجه الغرب. 
وأشار إلى «وهم آخر» ينتشر بين الأميركيين ويتوجب دحضه، مفاده أن «إيران تكره أميركا». 
وفي هذا السياق، كتب رجل طهران في واشنطن، أنه على الرغم من العداء المتبادل بين الحكومتين، إلا أن الشعب الإيراني يحب نظيره الأميركي، ويحب الثقافة والمبادئ الأميركية، لافتاً إلى أن الإعجاب الايراني لا يشمل سياسة الحكومة الأميركية.
أما الأوهام الثلاث الأخرى، التي حاول بارسي دحضها، فأولها أنه على عكس الاعتقاد السائد، خصوصاً بين أصدقاء إسرائيل في واشنطن، بأن الاتفاق النووي «يؤجّل فقط» حتمية وصول إيران إلى انتاج سلاح نووي، فإن الاتفاق يحرم الايرانيين من إمكانية صناعة هذا النوع من الاسلحة. 
أما الوهمان الثاني والثالث، حسب بارسي، فهما الاعتقاد الأميركي بأن إنهاء الاتفاق النووي من شأنه أن يدعم المتظاهرين الإيرانيين، الذي وصفه بأنه اعتقاد خاطئ، وكذلك الاعتقاد بأن «الحركة الخضراء» التي قامت في العام 2009 انتهت إلى فشل، معتبراً أنها نجحت وتجلّى نجاحها بفوز حسن روحاني بالرئاسة الإيرانية.
بعدما أمضى بارسي واللوبي الإيراني في واشنطن، ولايتي الرئيس باراك أوباما وهما يهاجمان إسرائيل وأصدقاءها، بسبب الخلاف الذي كان سائداً آنذاك بين الرئيس الاميركي وتل أبيب، انقلب بارسي ولوبي إيران في موقفيهما، وراحا يسعيان لمصادقة اللوبي الإسرائيلي لعلمهما أن الأخير بات يتمتع بنفوذ أوسع بكثير مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيض الابيض، وأن المحرك الأكبر لمواقف ترامب ضد ايران هو اللوبي الاسرائيلي، وبالتالي، فإن مصادقة هذا اللوبي قد تعفي النظام الإيراني من الضغط الكبير الذي يتوعد به ترامب الحكومة الإيرانية. 
أما العدو الدائم لايران وبارسي واللوبي الايراني في أميركا، على الرغم من تغيّر الرؤساء الاميركيين، فهي «الدول العربية القوية»، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، أو هذا ما يبدو على الأقل من مقال قائد لوبي طهران في واشنطن.

الاثنين، 15 يناير 2018

واشنطن "ترفع الحرارة" ضد الروس في سوريا

حسين عبدالحسين

حملت الطائرات المتفجرة من دون طيار، التي انهالت على قاعدة حميميم الروسية في الداخل المحصن لمناطق الرئيس السوري بشار الأسد، رسالة واحدة الى موسكو، مفادها أن القوات الروسية أضعف مما تخال نفسها في سوريا.

وجاء الهجوم الغامض على القاعدة الروسية، بعد أقل من ست أسابيع على توقيع الرئيس الاميركي دونالد ترامب على تمويل وتدريب قوات "المعارضة السورية" بمبلغ 393 مليون دولار أميركي.

اختراق الدفاعات الروسية في حميميم لم يحمل بصمات أميركية، بل الصمت المطبق الذي رافق الهجوم كان صمتاً يشبه الإعلان، فالفصائل السورية المعارضة أو "داعش" تسابقت على مدى السنوات السبع الماضية على تبني هجمات، وحتى أحداث وانفجارات عرضية عن طريق الخطأ، لاعتقادها أن أي استعراض قوة يحسّن موقعها في نظر المانحين، ويساهم في التحاق المقاتلين بها.

الهجوم على قاعدة حميميم، والذي أشارت تقارير غير مؤكدة إلى نجاحه في تعطيل سبع مقاتلات روسية كانت جاثمة على أرض المطار العسكري في القاعدة، هو الأهم عسكرياً واستراتيجياً. ومع ذلك، لم تتبناه أي من الفصائل السورية المعارضة أو "داعش"، وهو ما يشي أن من يقف وراءه، يعمل بانضباط وتعليمات من جهة لا يناسبها أن تتحمل مسؤولية الهجوم علناً، ولكن لا يضيرها في الوقت نفسه أن يشتبه الروس في ضلوعها في الهجوم.

الروس، بدورهم، سارعوا لاتهام الأميركيين، أولاً بسبب المدى البعيد لهذه الطائرات، وثانياً بسبب تحليق طائرة تجسس أميركية في السماء السورية، أثناء الهجوم، يعتقد أنها زودت المهاجمين بإحداثيات المقاتلات الروسية، أو ساهمت في توجيه الطائرات المتفجرة.

وإن صحّت الاتهامات الروسية لأميركا بالتورط في الهجوم، وبما أن الهجوم يلي موافقة ترامب — البخيل في مصروفه عالمياً عادة — على تمويل المعارضة السورية، وبما أن الأحداث التي لا تصب في مصلحة القوى المنافسة للولايات المتحدة، من قبيل اندلاع تظاهرات شعبية مفاجئة في إيران، بدأت تحصل، لا بد من الاعتقاد أن واشنطن دونالد ترامب قررت التخلي عن حذر سلفه باراك أوباما، و"إعادة أميركا إلى عظمتها مجدداً"، حسب شعار ترامب.

وشعار ترامب هذا مأخوذ من شعار سلفه، ومثله الأعلى بين الرؤساء، الراحل رونالد ريغان، الذي كان معروفاً بموافقته على تزويد ميليشيات حول العالم بأموال ودعم لإلحاق الهزائم بخصومه، وكان في طليعتهم الاتحاد السوفياتي، الذي عانى من دعم أميركا للجهاديين الأفغان، والعقوبات الأميركية بسبب الاجتياح السوفياتي لأفغانستان. ولم تكد موسكو تخرج من المستنقع الافغاني حتى انهار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية بأكملها.

ترامب يحاول تكرار كل ما قام به ريغان اعتقاداً منه أن الرئيس الراحل اكتسب سمعة اسطورية بسبب انجازاته في السياستين الاقتصادية والخارجية. لكن على عكس ريغان، الذي اطلق تسمية امبراطورية الشر على روسيا، يتمتع ترامب بعلاقة وطيدة مع موسكو، يعتقد البعض أنها علاقة دولة (روسيا) بعميلها الاستخباراتي (ترامب).

ترامب، المتعاطف مع روسيا لألف سبب وسبب، يعتقد أنه وجد ضالته في إيران، التي يسعى لإلحاق الهزيمة بها وتدوين اسمه في كتب التاريخ، مثل ريغان، وهو ما يعني أن موافقته على تمويل المعارضة السورية المسلحة هو لاعتقاده انه تمويل لهزيمة ميليشيات ايران وحليفها الأسد. لكن الموافقة على تمويل المعارضة السورية شيء، وقيام وزارة الدفاع الاميركية بتحديد الخصم من الحليف داخل سوريا شيء آخر.

والمعروف عن ترامب أنه معجب بالعسكر والجنرالات، وانه يؤيد اطلاق أيديهم في السياسة الدولية والعسكرية، ولا بد أنه أطلق أيديهم في سوريا.

الجنرالات، بدورهم، نشأوا في زمن كانت أميركا ترى فيه روسيا كتهديد وجودي، ولا شك أن نظرتهم تجاه موسكو ماتزال سلبية، وهو ما يكرره رئيس الاركان مارك مايلي دورياً، مثل في قوله في مقابلة لمجلة الجيش الاميركي، إن روسيا هي تهديد وجودي للولايات المتحدة، وإنه بالحكم على "تصرفاتها في السنوات الاخيرة، في اعادة تنظيم جيشها، وزيادة قدراتها، وتبنيها سياسية خارجية عدائية"، روسيا هي العدو الأول لأميركا.

احجية مصدر الطائرات المتفجرة على حميميم قد تبقى من دون إجابة، لكن تطورات الأحداث في واشنطن قد تشي بأن الولايات المتحدة في طريقها "لزيادة الحرارة" تحت أقدام الروس في سوريا.

الأحد، 14 يناير 2018

خطاب ترامب يخفّض عدد الأجانب المتقدمين للدراسة

واشنطن - حسين عبدالحسين

في مسعاها إلى انتزاع الصدارة من الولايات المتحدة في حقول اقتصادية وصناعية وتكنولوجية، حاولت الصين وعلى مدى العقدين الماضيين زيادة الإنفاق على جامعاتها لمنافسة نظيراتها الأميركية. وعمد الصينيون أيضاً إلى إغداق التمويل على البحوث، والانخراط في سباق مع الأميركيين لرفع مستوى بحوثهم وتحويلها مرجعاً للبحوث الدولية.

وفي هذا المجال تصدرت الولايات المتحدة العالم بواقع ٦٠١٩٩٠ وثيقة بحث لعام ٢٠١٦، بحسب مركز سكيماغو، تلتها الصين بواقع ٤٧١٤٧٢ بحثاً. وللمقارنة، حلّت السعودية الأولى عربياً وفي المركز ٣٢ عالمياً بإصدارها ١٩٩١٨ بحثاً في العام ذاته، تلتها إسرائيل في المركز ٣٣ و١٩٦٢٩ بحثاً.

المزيد من الدلالات على تفوق أميركا أكاديمياً، بما لا يقاس على دول العالم، تأتي من جائزة نوبل السنوية المرموقة، والتي يتصدر فيها الأميركيون بفوزهم بـ ٣٦٨ جائزة منذ انطلاق المسابقة عام ١٩٠١، يليهم البريطانيون والألمان والفرنسيون والسويديون والسويسريون، وقد حصد هؤلاء الأوروبيون سوياً ٣٥٧ جائزة نوبل.

التفوق الأكاديمي الأميركي حوّل الولايات المتحدة قبلة طلاب العالم، الذين راحت أرقام توافدهم على الجامعات الأميركية تتصاعد على مدى نصف القرن الماضي، من ٢٥٤٦٤ عام ١٩٤٨، إلى مليون و٧٩ ألفاً العام الماضي، بحسب مركز بحوث «آي آي إي». ويشير هذا المركز إلى أن الطلاب الأجانب يمولون ٦٧ في المئة من تكاليف دراستهم وإقامتهم، ما يعود على الولايات المتحدة بقرابة ٤٠ بليون دولار سنوياً، وهو مبلغ يوازي الناتج المحلي السنوي للأردن.

قصة النجاح الباهر لقطاع الجامعات الأميركية استمرت منذ عقود وحتى وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم مطلع العام الماضي، إذ ساهم الخطاب المتشدد الذي تبناه الرئيس الأميركي ضد غير الأميركيين المقيمين في الولايات المتحدة، وهو خطاب وصل حد التحريض أحياناً، إلى انخفاض في عدد الأجانب المتقدمين للدراسة في جامعات الولايات المتحدة.

وساهم تطرف ترامب أيضاً في الإحجام عن منح تأشيرات إقامة للدراسة أو العمل في الولايات المتحدة في انخفاض عدد المتقدمين للدراسة، ممّن يأملون في أن يلمعوا في حقول دراستهم، ما يفتح أمامهم باب الوظائف الأميركية، وتالياً الهجرة إلى الولايات المتحدة والإقامة فيها والحصول على جنسيتها.

هكذا، دقّت مراكز البحوث المتخصصة بشؤون الثقافة والجامعات ناقوس الخطر، بعدما أظهرت أرقام مركز بحوث «آي آي إي» انخفاضاً في إقبال الطلاب الأجانب على الجامعات الأميركية بواقع ٧ في المئة، مع بدء العام الدراسي الخريف الماضي. وأشار المركز إلى أن ٤٥ في المئة من ٥٠٠ جامعة شملها الإحصاء، أفادت بأنها شهدت تراجعاً في عدد الطلاب الأجانب المنتسبين إليها.

ويعزو الخبراء التدني في عدد الطلاب الأجانب في أميركا إلى عوامل كثيرة، منها إحجام واشنطن عن منح تأشيرات لبعض الدول ذات الغالبية السكانية المسلمة، فضلاً عن تخوف الطلاب المسلمين من حول العالم من ردود فعل محتملة بين الأميركيين، بسبب الخطاب المشحون الذي يبثه الرئيس الأميركي.

ويشير مركز بحوث «آي آي إي» إلى انخفاض في عدد الطلاب الآتين من الشرق الأوسط بواقع ٨,٤ في المئة، ليبلغ ٩٢,٤٧٠ طالباً.

وليس متوقعاً أن يعود أرقام الطلاب الشرق أوسطيين إلى الارتفاع، خصوصاً بعد إصدار «مجلس الأمن القومي» الأميركي وثيقة أشارت إلى نية الإدارة الأميركية زيادة التدقيق في خلفيات الطلاب المتقدمين للانتساب إلى الجامعات في الولايات المتحدة، خصوصاً الطلاب الذين ينوون دراسة أي من الاختصاصات المرتبطة في الحقول المعروفة بـ «ستيم»، وهو تلخيص لحقول العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وتعتبر الحكومة الأميركية هذه الحقول مرتبطة بالأمن القومي للولايات المتحدة، وأن الطلاب الذين يتخصصون بها يمكنهم نقل تقنيات أميركية حساسة إلى دول قد يكون بعضها منافساً لأميركا، ما يتطلب وضع بعض هؤلاء الطلاب تحت المراقبة الحكومية الأمنية.

اختلاط الأمن القومي بالمجال الأكاديمي، أنتج خطاباً سياسياً أميركياً تحريضياً ضد الطلاب الأجانب المنتسبين أو ممن ينوون الانتساب، إلى الجامعات في الولايات المتحدة، وهذا يمكن أن يؤثر بدوره على التنوع في الجسم الطلابي الأميركي، كما يحرم الجامعات الأميركية المرموقة نسبة لا بأس بها من المداخيل التي ترد البلاد من الخارج.

فهل تستمر إدارة الرئيس ترامب بخطابها الذي أدى إلى إحجام عالمي عن الجامعات الأميركية؟ أم تؤدي ضغوط الجامعات الأميركية على الحكومة إلى تراجع الإدارة الأميركية بعض الشيء، وتسهيل توافد الطلاب الأجانب إلى البلاد وإقامتهم وإمكان توظيفهم؟

ويجمع الخبراء على أن في بقاء الطلاب الأجانب المتفوقين في أميركا، تعزيز للإمكانات البشرية المتوافرة في الولايات المتحدة عموماً، على المديين المتوسط والطويل، وهو في مصلحة أميركا والأميركيين، وهو أمر لا يبدو أن الرئيس الأميركي الحالي يعيره الكثير من الاهتمام.

«التحقيق الروسي» يُضيِّق الخناق على ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأ المحقق الخاص روبرت مولر بتضييق الخناق على الرئيس دونالد ترامب ومساعديه في التحقيق بشأن إمكانية تورطهم مع روسيا في اختراق حسابات البريد الالكتروني لمنافسي ترامب الديموقراطيين في انتخابات العام 2016.
وعقد فريق مولر سلسلة من اللقاءات مع فريق المحامين المكلفين الدفاع عن ترامب من دون التوصل إلى نتيجة. ومن المتوقع أن يلتقي الفريقان يوم غد لمتابعة البحث في كيفية التحقيق مع الرئيس. 
وحاول فريق الدفاع حصر أسئلة لجنة التحقيق بأسئلة مكتوبة يجيب عنها الرئيس خطياً كذلك، لكن التحقيق لم يوافق على هذا النوع من الاستجواب، وطالب بعقد لقاء وجهاً لوجه مع الرئيس.
ويتمحور التحقيق في امكانية تورط ترامب مع الروس حول محورين: الاول امكانية تعاونه مع الروس ضد الديموقراطيين في العام 2016، وهي تهمة بمثابة الخيانة الوطنية في حال ثبوتها. والثاني احتمال قيام ترامب بمحاولة عرقلة مسار العدالة مرات عدة بعد توليه الرئاسة مطلع 2017، من خلال خطوات أبرزها طرد مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) جيمس كومي، بعدما رفض الأخير تعطيل التحقيقات في الموضوع الروسي، واخرى في قيام ترامب، وهو على متن الطائرة الرئاسية، بتدبيج نص بيان، أصدره ابنه دونالد جونيور، وحاول فيه تضليل الرأي العام حول ما دار في لقاء بين الابن ومجموعة من الروس من المقربين من الكرملين، في برج ترامب في نيويورك صيف العام 2016.
ولطالما سعى ترامب والجمهوريون إلى تشتيت الانظار عن احتمال تورط الرئيس مع موسكو، وحاولوا ابتكار ما اعتبروها فضائح لناحية تعاون مزعوم للمرشحة الديموقراطية السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون مع الروس. وبلغ الضغط الجمهوري في الكونغرس والبيت الابيض حدا دفع وزارة العدل، التي تعمل عادة باستقلالية عن الحكومة، الى اعادة فتح «ملف البريد الالكتروني» لكلينتون، وكذلك البحث في امكانية تقاضي «جمعية كلينتون» مبالغ من جهات خارجية أثناء عملها وزيرة للخارجية للانحياز لهذه الجهات. لكن التحقيقات في كل الامور المتعلقة بكلينتون جرت على مدى أعوام، ومعظمها تم إغلاقه من دون العثور على أي عمل جرمي، وهو ما يعني أن إعادة وزارة العدل فتح هذه الملفات هو محاولة أخرى من الجمهوريين لتشتيت الانظار عن مشاكل ترامب القضائية مع تحقيق مولر.
وكان الجمهوريون وترامب حاولوا الانتقاص من مصداقية التحقيق بالاشارة الى ان محققي «اف بي آي» باشروا التحقيق في امكانية تورط ترامب مع الروس على اثر تسلمهم ملفاً من شركة تحريات خاصة، هي «فيوجن جي بي اس»، التي كانت وظّفت عميل استخبارات بريطاني سابق يتمتع بعلاقات وثيقة داخل روسيا، يدعى مايكل ستيل.
واستدعت لجنة العدل في مجلس الشيوخ رئيس الشركة غلين سمبسون في محاولة لاستخلاص ما يمكن استخدامه لادانته والتحقيق بأكمله، لكن شهادة رئيس الشركة، التي استمرت عشر ساعات، انقلبت على الجمهوريين، إذ أظهرت صحة معظم مزاعم تحقيقات الشركة، فعمد رئيس اللجنة السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي الى حظر نشر محاضر جلسة الاستماع المغلقة.
وشن الجمهوريون إذ ذاك حملة ضد التحقيق، فما كان من كبيرة الاعضاء الديموقراطيين في اللجنة السيناتور دايان فاينستاين إلا أن قامت بنشر محاضر الجلسة المغلقة مع سمبسون، وهو ما دحض الكثير من مزاعم الجمهوريين عن تحقيقات ستيل و«فيوجن جي بي اس».
في هذه الاثناء، حاول ترامب الايحاء بأنه لن يوافق على المثول أمام لجنة التحقيق في مقابلة وجهاً لوجه، لكنه لم يجزم بأنه لن يوافق على المقابلة، على الأرجح بناء على نصيحة محاميه بتفادي اتخاذ أي مواقف من التحقيق قد ينجم عنها عواقب قانونية سلبية ترتد على الرئيس الاميركي في ما بعد.
وفي وسط الضجيج حول نية ترامب تعديل الاتفاق النووي مع ايران، والضجيج الذي أثاره إطلاق ترامب تسمية «حثالة» أو «قذارة» على بعض الدول التي يفد منها مهاجرون الى الولايات المتحدة، ووسط عدد كبير من التغريدات الاستفزازية التي تبقي وكالات الانباء الاميركية مشغولة بأقوال الرئيس المثيرة للجدل دائماً، هناك ثابتة واحدة لم تتغير منذ وصول ترامب الى السلطة، هي التحقيقات في مدى تورطه مع الحكومة الروسية، ولاحقاً في إمكانية قيامه بعرقلة مسار هذه التحقيقات. 
هذه الثابتة هي التي تشغل بال ترامب بشكل متواصل، وتدفعه بين الحين والآخر الى مهاجمة التحقيق، ووصفه بالتحقيق المنحاز الذي يستهدفه ورئاسته، ودعوة الجمهوريين في الكونغرس الى التصدي للتحقيق، وربما طرد مولر. لكن حتى الآن، ما زال مولر يعمل، وما زال الخناق يشتد حول عنق الرئيس الاميركي، ومازال ترامب يثير جدالات في تصريحاته وسياساته، في الغالب لإبعاد كأس التحقيق المرة عنه وعن عائلته.

السبت، 13 يناير 2018

مطالب ترامب الأربعة تحسم مصير «النووي الإيراني»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

للمرة الثالثة منذ دخوله البيت الأبيض مطلع العام الماضي، مدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعفاء الذي منحته إدارة سلفه باراك أوباما لإيران، بموجب الاتفاق النووي الموقع بين طهران والدول الست الكبرى في يوليو 2015.
لكن الجديد هذه المرة، إعلان إدارة ترامب أن التمديد سيكون «الأخير»، ما لم يتم التوصل خلال 120 يوماً إلى إدخال تعديلات على الاتفاق الذي يصفه الرئيس الاميركي بـ «الأسوأ في التاريخ».
وتزامناً مع إعلان ترامب ليل أول من أمس، فرض «مكتب مكافحة الأصول الإرهابية» التابع لوزارة الخزانة عقوبات جديدة على 14 فرداً وكياناً إيرانياً (أبرزهم رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني) بتهم متنوعة، تراوحت بين انتهاكهم حقوق الانسان ومشاركتهم في جرائم معلوماتية.
«النظام الإيراني هو أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم»، قال ترامب في بيان صادر عن مكتب الناطق باسم البيت الابيض، وحدّد رعايتها الإرهاب بقوله انها تدعم «حزب الله» اللبناني و«حركة حماس» الفلسطينية، و«تموّل وتسلّح وتدرّب 100 ألف مسلح ينشرون الدمار في عموم الشرق الأوسط»، وتدعم «النظام المجرم لـ (الرئيس السوري) بشار الأسد، وساعدته في ارتكاب مذابح بحق شعبه». 
وإذ لفت إلى أن صواريخ إيران تهدد «دول الجوار والملاحة العالمية»، اعتبر ترامب انه في «داخل ايران، يقوم المرشد الاعلى (علي خامنئي) و(الحرس الثوري) باعتقال وتعذيب وقمع وإسكات شعب ايران». ثم هاجم أوباما لعدم دعمه «الثورة الخضراء» في العام 2009، ولسكوته عن مواصلة إيران دعم الإرهاب والتجارب الصاروخية.
وبعد المقدمة الطويلة، أشار بيان ترامب الى الاتفاق النووي، وقال انه على الرغم من معارضته له، فهو لم ينسحب منه بعد، بل قدم خياراً يقضي «إما بإصلاح الثغرات الكارثية فيه (خلال 120 يوماً)، وإما تنسحب الولايات المتحدة» منه، وتعيد فرض العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي، الأمر الذي يعني نهاية الاتفاق.
وحدد بيان ترامب مطالب بلاده على الشكل التالي:
أولاً، يطالب الأميركيون بأن تسمح ايران بتفتيش «سريع وكافٍ وفوري» لكل المنشآت النووية التي تطلب وكالة الطاقة النووية الذرية الكشف عليها.
ثانياً، على إيران التأكيد، بشكل مستمر، بقاء برنامجها النووي على بعد أكثر من عام من صناعة سلاح نووي.
ثالثاً، تطلب الولايات المتحدة إلغاء البند الذي يسمح بانقضاء التفتيش الدولي على البرنامج النووي الايراني في مهل تتراوح بين 10 و15 عاماً، حتى يصبح الاتفاق ساري المفعول الى الأبد. 
رابعاً، تطلب إدارة ترامب تعديل نص الاتفاق النووي ليصبح مطابقاً للقوانين الأميركية، التي لا تفصل بين برنامج إيران للصواريخ البالستية طويلة المدى وبرنامجها النووي.
تحذير ترامب من أن تمديده الاعفاءات هذه المرة سيكون الأخير، بالتزامن مع العقوبات الجديدة، ربما بدا وكأنه تصعيد أميركي ضد طهران. لكن المتابعين في العاصمة الاميركية لم يسعهم إلا ملاحظة التخبط الذي تغرق فيه إدارة ترامب، التي - على جاري العادة - عقدت جلسة مغلقة للصحافيين قبل إصدار البيان الرئاسي. والجلسة التي كانت مقررة لمدة 45 دقيقة، استغرقت 11 دقيقة فقط، إذ بدا المسؤولون مرتبكين، ومعلوماتهم حول الموضوع الايراني وكيفية مواجهته ضعيفة ومفككة.
بداية، افتتح المسؤول الأول الجلسة بالقول ان وزارة الخزانة ستفرض عقوبات على 14 كياناً إيرانياً، من دون أن يقدم أسباباً للعقوبات الجديدة، قبل ان ينتقل الى الحديث عن الاتفاق النووي، الذي قال ان اميركا ستطلب من الاوروبيين - من دون أن تشارك في مفاوضات مباشرة مع ايران - أن يتوصلوا الى اربعة تعديلات في بنوده. ثم أدلى المسؤول حرفياً بالمطالب الاربعة التي وردت في الخطاب الرئاسي. 
والحال انه إذا كانت هذه مطالب الولايات المتحدة، فإن قيام واشنطن بفرض عقوبات جديدة على ايرانيين بتهم تجاوز حقوق الانسان وزعزعة استقرار منطقة الشرق الاوسط لا تتناسب ومطالبة أميركا بتعديل الاتفاق النووي. كذلك لا تتناسب العقوبات الاميركية الجديدة مع نفسها، فالجهة الاميركية التي قامت بفرض العقوبات على الايرانيين هي «مكتب مكافحة تمويل الارهاب» في وزارة الخزانة، في وقت لا يبدو أن أياً من الايرانيين ممن تعرضوا لعقوبات متهمون بارتكابات تتعلق بالارهاب.
وهنا يصبح السؤال: هل تسعى أميركا الى تعديل الاتفاق النووي مع نظام طهران؟ أم أنها تسعى للاطاحة بالنظام الايراني الذي يقمع المتظاهرين؟ إذ ذاك لا جدوى من تعديل الاتفاق النووي مع النظام نفسه. وما علاقة «مكتب مكافحة الارهاب» بالاتفاق النووي مع ايران او بتجاوزات مسؤولين ايرانيين لحقوق الانسان، مثل رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، شقيق رئيس البرلمان علي لاريجاني، الذي ورد اسمه من بين من فرضت عليهم واشنطن عقوبات جديدة.
«العقوبات اليوم ستصل سياسياً لقمّة النظام، وسترسل رسالة قوية جداً (مفادها) أن الولايات المتحدة لن تتحمل استمرار تجاوزاتهم واختراقهم لحقوق مواطنيهم»، ختم أحد المسؤولين الأميركيين الجلسة المغلقة. 
من جهته، قال المحلل ريتشارد نيفيو إن تحقق شروط ترامب سيعتمد على ما إذا كان يريد سبيلاً لحفظ ماء الوجه مع الإبقاء على الاتفاق النووي بغطاء سياسي يتمثل في تشريع أميركي صارم من الكونغرس أم أنه يريد حقاً إعادة صياغة الاتفاق.
واعتبر نيفيو، وهو خبير سابق في عقوبات إيران بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، أن من المستحيل أن تقبل إيران بعمليات تفتيش دولية غير مقيدة أو بعدم وجود حدود زمنية لقيود الاتفاق النووي، مضيفاً «إذا كنا نسير على الحافة من قبل فإننا الآن نسير على حبل مشدود».

الأربعاء، 10 يناير 2018

واشنطن تعتبر غيابها العسكري في سورية «نقطة قوة» وليست مستعجلة على الحل السياسي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اشتعلت ماكينات اللوبي المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد في واشنطن، وشنت حملة علاقات عامة تهدف لإقناع الإدارة بأن الخيار الاميركي الوحيد في سورية يكمن في توكيل الملف السوري للروس، وهي دعوة تتوافق مع ما يحاول المسؤولون المتبقون من زمن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تسويقه بين صفوف زملائهم الجدد المعنيين بشؤون الشرق الاوسط وسورية.
ومما يعزز موقف الأسد، إلى انتصاراته وحلفائه عسكرياً على الأرض، انحياز عدد من الديبلوماسيين الدوليين المعنيين بالشأن السوري لناحيته ولناحية روسيا، على غرار موافقة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على المشاركة في مؤتمر سوتشي، نهاية الشهر الجاري، وهي موافقة نسفها أمين العام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، بايعاز من واشنطن وحلفائها الدوليين والاقليميين.
وكتب الباحث في «جمعية سنشري» سام هلر ان النفوذ الروسي يجعل من المتعذر على الولايات المتحدة تحقيق أهدافها بالانتقال الى سورية خالية من الأسد، ونصح واشنطن بأن تحذو حذو تركيا، التي رأت أن تحقيق مصالحها، خصوصاً لجهة تحجيم الدور الكردي، يمرّ في موسكو، فقررت أن «تلبس بذلة روسية». 
ومثل تركيا، لحلفاء أميركا الآخرين علاقات مع روسيا، مثل الأردن واسرائيل، اللتين توصلتا مع الروس لاتفاقية لضمان مصالحهما في الجنوب السوري، حتى بعد التسوية وبقاء الأسد.
لكن مشكلة الروس، الذين يسعون لعملية انتقالية من حالة الحرب إلى بقاء الأسد، تكمن في أن الشرعية الدولية محصورة بالقرار 2254 ومقررات جنيف، وهذه الاخيرة تتمحور حول العملية الانتقالية في دمشق، ولا تلتفت الى التفاصيل الاخرى على الأرض السورية، مثل وضع الأكراد في الشمال الشرقي في حال انسحاب القوات الاميركية. ولا تنص القرارات الدولية كذلك على كيفية تنظيم الجنوب السوري، حيث تتنافس أكثر من قوة اقليمية وعالمية.
ولفت هلر إلى أنه بسبب عدم مقدرة الروس على الحصول على الشرعية المحصورة بمقررات جنيف، تسعى موسكو للتوصل الى سلسلة من الاتفاقيات، مثل اتفاقيات الهدنة، التي تصب تالياً في جنيف.
على أن ما لم يكتبه هلر هو سعي روسيا، لا إلى رفد جنيف بمقررات سوتشي وأستانة، بل لاستبدال مقررات جنيف، خصوصاً المتعلقة منها بالعملية الانتقالية، بسيناريو بديل يتمحور حول قيام حكومة وحدة وطنية، تحت رئاسة الأسد، وإجراء تعديلات دستورية، تليها انتخابات بإشراف الامم المتحدة (بدلاً من أن تكون من تنظيم الامم المتحدة).
ويبدو ان المصادر الاميركية المعارضة لسيطرة روسيا على سورية تعي ما تسعى إليه موسكو، وترد على اللوبي الذي يعمل لمصلحة الأسد والروس في واشنطن بالقول ان «لواشنطن نقاط قوة متعددة، حتى لو لم تكن ممسكة عسكرياً في الأرض السورية».
وتقول هذه المصادر ان «الغياب العسكري الاميركي عن سورية هو نقطة قوة وليس نقطة ضعف، إذ أن روسيا وايران والأسد يستعجلون التسوية لتقليص تكاليف عملياتهم العسكرية مالياً وبشرياً، فيما الولايات المتحدة ليس على عجلة من أمرها، ولا يكلفها رفض التخلي عن مقررات جنيف الكثير».
ثانياً، تضيف المصادر الاميركية، «صار محسوماً أن أي تسوية في سورية تحتاج الى توافق ديبلوماسي وموافقة أميركا وحلفائها، وانه يمكن لروسيا وايران والأسد الحسم عسكرياً على الأرض، ولكنهم لن يتمكنوا من إعادة تأهيل نظام الأسد دولياً أو رفع العقوبات الأممية عنه، وهو ما يجعل (سورية الأسد) دولة مارقة وخارجة على القانون الدولية، ويحجب عنها الأموال المطلوبة لإعادة الاعمار». 
وفي واشنطن إجماع على أن موسكو وطهران لا تقدران على تسديد تكاليف إعادة إعمار سورية، فيما يتفادى المسؤولون الاميركيون الحديث عن الخطط الاميركية المستقبلية في سورية. 
للمستقبل المنظور، أصدرت واشنطن تعليمات تشي بأن القوات الاميركية باقية شرق الفرات لعامين على الأقل، ورصدت مبالغ لتمويل عملية «تثبيت» المناطق التي تتم استعادتها من «داعش». وعملية «التثبيت» تختلف بشكل واسع عن «إعادة الاعمار»، وهدفها موقت، حتى يتم التوصل لتسوية تسمح بالمباشرة بإعادة الاعمار.
كذلك، يتفادى الاميركيون الحديث عن 400 مليون دولار وافق البيت الابيض على انفاقها لتسليح «المعارضة السورية المعتدلة»، وهي خطوة تشي بأن أميركا تنوي «رفع الحرارة»، وزيادة الضغط على روسيا وإيران والأسد عسكرياً على الأرض، علماً أن حلفاء الأسد على عجلة من أمرهم أكثر للتوصل الى تسوية، فيما أميركا قلصت عدد مستشاريها العسكريين في سورية، وسلّمت مساحات واسعة للميليشيات الحليفة.
ختاماً، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان «موسكو تلقت الرسالة حول جديتنا بالدفاع عن حلفائنا السوريين وتثبيتهم في الارض التي يسيطرون عليها شرق الفرات»، وهو ما بدا جليا في تصدي مقاتلتي «اف 22» أميركية لمقاتلتي «سوخوي» روسيتين حاولتا التحليق شرق الفرات، الشهر الماضي. 
كذلك، تقول المصادر الاميركية ان روسيا حاولت امتحان أميركا بالسماح لمقاتلين من «داعش» باستهدافها شرق الفرات بالقصف المدفعي من مناطق يسيطر عليها الروس والأسد، فما كان من أميركا وحلفائها الا أن ردت على مصادر النيران بمدافعهم، في رسالة ثانية مفادها أن واشنطن لن تتوانى عن استخدام القوة لابقاء الروس في أراضي الأسد، بعيداً عن أماكن انتشار حلفاء أميركا ومستشاريها.

إيران وسطحية 'نيويورك تايمز'

بقلم حسين عبد الحسين

لم يحد ليبراليو الغرب عن الموقف الذي كان متوقعا منهم حيال التظاهرات الشعبية في إيران ضد نظام "الجمهورية الإسلامية"، فأوروبا، التي ثارت ثائرتها ضد قرار نقل مبنى السفارة الأميركية إلى القدس، التزمت الصمت حول إيران، فيما قام ليبراليو الولايات المتحدة، ممن لا يفوّتون فرصة لانتقاد حلفاء أميركا حول العالم بسبب ممارساتهم التي ينتهك بعضها حقوق الإنسان، بدعوة الإدارة الأميركية لالتزام الصمت وعدم إبداء أي دعم للمتظاهرين الإيرانيين.

وتجلى الانحطاط الأخلاقي، في دوائر الليبراليين الغربيين، تجاه أحداث إيران، في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في الثالث من الشهر الجاري، بعنوان "الإيرانيون مثل قادتهم، يرون أياد غربية خلف التظاهرات".

وقبل الولوج في الضحالة الفكرية للمقالة، لا بد من الإشارة إلى وضاعتها المهنية، فالعنوان يشي بأن مراسلة الصحيفة تحدثت إلى إيرانيين من العامة ووقفت على رأيهم، الذي جاء مشابها لرأي قادتهم، لكن المراسلة لم تفعل ذلك، بل إن الإيرانيين ممن تحدثت إليهم كانوا من المقيمين خارج إيران، وهم أدلوا بآراء لا تتفق مع عنوان المقالة.

ولا يضاهي لا مهنية "نيويورك تايمز" في تغطيتها تظاهرات إيران إلا الضحالة الفكرية لدى العاملين في الصحيفة، وتبنيهم وتبني اليسار الغربي عموما، الخطاب المتهافت نفسه الذي تبثه دعاية "مرشد الثورة الولي الفقيه" علي خامنئي، باعتبار أن كل مصائب إيران سببها الإمبريالية وتدخل الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة، في الشأن الإيراني.

و"نيويورك تايمز" ليست الأولى في معسكر ليبراليي أميركا ممن يلقون باللائمة في مصائب إيران على "انقلاب ١٩٥٢"، الذي دعمته بريطانيا وأميركا للإطاحة برئاسة حكومة محمد مصدق وإعادة الشاه رضا بهلوي إلى الحكم. قبلها، تبنت هوليوود الدعاية الإيرانية التافهة نفسها، عن محورية انقلاب ١٩٥٢، في مقدمة فيلم آرغو الشهير، والذي صوّر فرار عدد من الديبلوماسيين الأميركيين من قبضة الأمن الإيراني، الذي كان اجتاح مبنى السفارة الأميركية واعتقل كادرها في خريف ١٩٧٩. واستمر الاعتقال ٤٤٤ يوما فيما عرف بـ"أزمة الرهائن". هكذا صوّر الفيلم "بربرية" ثوار إيران، لكنه بررها بإلقاء اللوم على الانقلاب ضد مصدق.

هذه المرة، تضيف مراسلة "نيويورك تايمز" تفاهة جديدة من الدعاية الإيرانية المعادية للغرب، فتكتب التالي: "المخاوف الإيرانية من التدخل الأجنبي عميقة، وتعود إلى زمن الإسكندر الكبير، الذي اجتاح الإمبراطورية الفارسية حوالي ٣٣٠ قبل الميلاد".

لا نعرف كيف توصلت الكاتبة إلى أن الإيرانيين في زمن الإسكندر كانوا يخافون التدخلات الخارجية، لكن ما نعرفه هو التناقض المريب في هذه الجملة الواحدة: الإيرانيون كانوا إمبراطورية يحكم فيها الفرس شعوبا أخرى، ولكنهم كانوا يخشون أن تحكمهم شعوب أخرى.

ربما لا تعرف الكاتبة، ولا صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الاجتياح اليوناني، ثم الحكم الروماني، جاء بعد اجتياح الإيراني قورش الكبير للمنطقة في العام ٥٤٥ قبل الميلاد، وقبل الاجتياح الإيراني الثاني للمنطقة بقيادة الساسانيين في العام ٢٢٤ ميلادية، أي أن احتلال الإيرانيين لشعوب المنطقة سبق اجتياح الإسكندر، وتلاه. مع ذلك، تنشر الصحيفة نصا تاريخيا مجتزأ يناسب الدعاية الإمبريالية الإيرانية ويهاجم الآخرين.

وتمضي الكاتبة، كما صحيفتها واليسار الغربي عموما، في السرد الانتقائي، فتشير الى "تدخلات" أجنبية أخرى في إيران، من قبيل قيام الولايات المتحدة بقرصنة برنامج إيران النووي، أو حوادث القتل التي تعرض لها علماء إيرانيون يعتقد البعض أنها عمليات يقف خلفها الموساد الإسرائيلي.

وكما صحيفتها واليسار الغربي عموما، لا ترى الكاتبة أن محاولة إيران قتل السفير السعودي السابق في واشنطن مشكلة تستأهل الذكر في مقالة عن "تدخل الغرب في إيران"، ولا ترى تدخلات إيران العسكرية والسياسية في لبنان وسورية والعراق واليمن مشكلة. التدخل الأجنبي في إيران في اتجاه واحد، حسب اليسار الغربي و"نيويورك تايمز"، وإيران دائما ضحية بريئة تحاول العيش بسلام، ولكن الإمبريالية القذرة لا تسمح لها بذلك.

معلومات ضحلة، ونصوص انتقائية، وذاكرة مثقوبة، وانحياز أعمى، لا لحضارة إيران وشعبها العظيم، بل للعصابة التي تحكمه بحجة مكافحة الإمبريالية. هذا هو موقف اليسار الغربي عموما، والأميركي خصوصا، من تظاهرات إيران الشعبية العفوية المطالبة بالعيش الكريم والحرية.

كتاب لمنع انزلاق ديمقراطية أميركا الى الديكتاتورية

حسين عبدالحسين

بعد ان ورث بشار عرش ابيه حافظ الأسد رئيسا لسوريا، أوحى انه ينوي الانفتاح وتخفيف القيود. وقتذاك انتشرت فكاهة مفادها انه في احدى الجلسات التي كانت مخصصة للتباحث في شؤون الحرية، سأل احد المشاركين: "وين هي الحرية؟ وين ابي (المعتقل)؟ وين اخي (المعتقل)". آخر سؤال أدلى به المشارك المذكور كان: "وين آخذيني؟"

حضرتني هذه الفكاهة اثناء قراءتي كتاب تيموثي سنايدر "عن الطغيان"، الكتاب الذي تصدر قائمة الكتب الاكثر مبيعاW في الولايات المتحدة على مدى اربعين اسبوعا. وسنايدر يتمتع بشهرة كأحد أبرز المؤرخين المتخصصين بشؤون أوروبا، بما في ذلك المانيا في زمن النازية، وروسيا في زمن السوفيات. ويقول في مقدمة كتابه ان التاريخ لا يعيد نفسه، لكن يمكن الافادة من دروس الماضي، فكان العنوان الثانوي لكتابه "عشرون درساً من القرن العشرين".

يوحي عنوان الكتاب أن مؤلفه سيناقش تجربة عشرين من طغاة القرن الماضي، لكن الكتاب يقدم فعلياً عشرين بنداً يعتبر ان عدم التنبه لها يمكن ان يحوّل اي ديمقراطية في العالم، بما فيها الاميركية، الى ديكتاتورية. 

ويبدو ان سنايدر استقى عشرين من ممارسات الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وقدم خطوات توازيها من التاريخ الاوروبي، للقول ان خطوات ترامب، الذي يتفادى سنايدر ذكر اسمه في الكتاب ويكتفي بالاشارة اليه بعبارة "الرئيس"، هي في معظمها خطوات تهدف الى تقويض الديمقراطية واستبدالها بديكتاتورية.

ويخرج سنايدر، البروفسور في جامعة يال المرموقة، عن دوره مؤرخاً، ويتحول الى ناشط، اذ يقدم مع كل واحدة من دروسه العشرين حلولا يدعو القراء الى تبنيها لحماية الديموقراطية الاميركية. 

الدروس التي يقدمها سنايدر يستوحيها من تجربة الأوروبيين، الماضية والحاضرة، بما في ذلك ممارسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يتهمه الاكاديمي الاميركي بأنه نجح في اقامة ديكتاتورية على انقاض الشيوعية، وان بوتين يسعى الى تعميم نموذجه الروسي على حكومات العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. 

ويكتب سنايدر ان "التاريخ، الذي بدا لوهلة وكأنه ينتقل من الغرب الى الشرق"، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبدء برنامج الغرب لنشر الديمقراطية في الشرق، يبدو اليوم "وكأنه ينتقل من الشرق الى الغرب".
لكن الدروس الأوروبية في الطغيان ليست حصراً على أوروبا، بل يمكن دراستها في معظم دول العالم الاخرى، وفي طليعتها إيران والكثير من الدول العربية.

اول درس يقدمه سنايدر هو بعنوان "لا تطيعوا الأوامر مسبقا". ويستذكر سنايدر قصص بعض الاوروبيين ممن ساعدوا ضحايا اليهود من بطش النازيين. وفي درس آخر، يدعو سنايدر القراء الى "التمايز" عن الآخرين وعدم الانسياق خلف المجموعة بلا تفكير. 

دعوات سنايدر هنا تعاني من انعدام خبرته في مدى بطش الطغاة، وهو اما يكتب على خلفية تمتعه بالحرية الاميركية، او متأثرا بافلام هوليوود التي تحول معارضي الطغيان الى ابطال اسطوريين. 

لكن سنايدر لو عاش في دنيا العرب، مثلا، لأدرك ان عواقب التمايز تكون في الغالب السجن الفوري والتعذيب والقتل، لا بحق مرتكبها فحسب، بل في حق أهله وعشيرته وديرته والبلدة التي ينحدر منها بأكملها، مثلما حصل يوم قررت غالبية السوريين التمايز عن طاغيتها ونظامها، فدكّ الأسد بلدات المتمايزين فوق رؤوسهم. 

لو كان لسنايدر معرفة بعالم طغاة العرب والفرس، لأدرك ان الاختلاف عن المجموعة ينجم عنه ضغط اجتماعي ومعيشي هائل يجعل من المستحيل على صاحبه الاختلاف عن محيطه.
الدروس الاخرى التي يقدمها سنايدر تصف الواقع الديكتاتوري الاوروبي، وتشير بدقة الى تماهيه مع بعض ممارسات ترامب وحزبه الجمهوري. من هذه الممارسات العمل على تقويض المؤسسات، مثل في الحرب التي يشنها ترامب ضد اجهزة الاستخبارات، التي تحقق في امكانية تورطه مع الحكومة الروسية للتلاعب بنتائج الانتخابات التي جعلته رئيسا في العام ٢٠١٦. 
كما يحذّر سنايدر من التنظيمات العسكرية الخارجة عن سيطرة الحكومة، ويدعو الاميركيين الى التحقق مما يقرأونه، ويدعوهم الى الانفاق على المواد الاخبارية التي يستهلكونها، ويكتب ان المواطن يسدد تكلفة السمكري لاصلاح انابيب منزله وتكلفة ميكانيكي اصلاح جهاز التبريد، فلماذا يتوقع المواطنون الحصول على المواد الصحافية من دون تسديد ثمن الصحف وما تقدمه وسائل الاعلام؟

ويعتبر الاكاديمي الاميركي ان سعي المواطنين للوصول الى الحقيقة وحده يحمي الديموقراطية، وان مهمة أي طاغية تكمن في تمييع الحقائق وخلق عالم مزيف يمحي فيه الفارق بين المقبول والمرفوض.

كتاب سنايدر، وهو قصير وأقرب لكونه كتيب، ممتع ويصلح كبرنامج عمل في اي دولة يسعى مواطنيها للتخلص من الطغيان الذي يرزحون تحت نيره.

الاثنين، 8 يناير 2018

زرّي أكبر من زرّك

حسين عبدالحسين

بلغت السياسة الدولية مراحل عبثية قلّ مثيلها. آخر تجليات هذه العبثية قول الرئيس الاميركي دونالد ترامب لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ اون "زرّي أكبر من زرّك"، في مبارزة كادت تكون مضحكة، لو انها ليست مبارزة حول "الزرّ النووي"، الذي يمكن لأي من الزعيمين الضغط عليه للانخراط في حرب نووية تؤدي الى مقتل عشرات الملايين في دقائق.

هذه العبثية، الممزوجة بنرجسية ترامب وسائر امراضه النفسية، حوّلت البيت الابيض، محور النظام العالمي، الى مصحّ عقلي، نجح الصحافي مايكل وولف في وصفه بتفاصيله الدقيقة، في كتابه الصادر الاسبوع الماضي بعنوان "النار والغضب"، وهي العبارة التي استخدمها ترامب لتهديد كوريا الشمالية في حال استمرارها في تجارب صواريخها الباليستية العابرة للقارات.

ويرسم وولف صورة قد تشرح اسباب الاضطراب الذي يعاني منه ترامب، وتاليا العالم بأكمله، فالرئيس الاميركي مثل صغار السن، صبره قليل، وحاجته للمديح كبيرة. ويعرف الفريق المحيط بترامب، من دون استثناء، انه رئيس يعاني من جنون العظمة وحب الظهور، الى جانب عدد من الامراض العقلية الاخرى التي تشكك في قدراته على ادارة، لا أكبر اقتصاد وأقوى قوة عسكرية في العالم، بل تشكك في قدراته على ادارة الحلقة الضيقة المحيطة به.

ويقول وولف، إن ترامب يأوي للفراش في السادسة والنصف مساء كل يوم، حيث يأكل سندويش "تشيزبرغر"، محاطا بثلاث شاشات تلفزيونية يشاهد عليها، بنهم، كل البرامج السياسية، ويسجّل كل كلمة يقولها عنه مقدمو البرامج السياسية وضيوفهم، السلبية منها والايجابية. والى جانب جهاز التحكم عن بعد و"التشيزبرغر"، يأخذ ترامب معه الى الفراش هاتفه الخليوي، ويجري عددا من الاتصالات بأثرياء الولايات المتحدة من اصدقائه من اصحاب المليارات، ليستمع لآرائهم. ولا شك ان هؤلاء يغدقون عليه المديح والاطراء، ما يدغدغ شعوره بالعظمة، ويمنحه بعض السعادة، التي لا ينغّصها عليه الا الاعلام المعارض، فيقوم ترامب في اليوم التالي بشتم هذا الاعلام، في تغريداته عبر "تويتر".

وبربطنا روتين رئيس أقوى دولة في العالم، الدولة التي يفترض انها تحرس النظام العالمي وتسهر على حسن سيره، بالاحداث العالمية، يصبح مفهوماً حجم الاختلال الذي تعاني منه المعمورة، واعتقاد بعض الدول انها اكثر عظمة مما هي عليه، واعتقاد بعض زعماء الدول انهم اكثر موهبة مما هم عليه، وانه يمكنهم تسيير شؤون اقاليم بأكملها، ففي اختلال توازن القوة الرئيسية العالمية، تطفو الى السطح القوى الهامشية، وتتصرف وكأنها عظمى، او على القول المثل العامي "غاب القط، العب يا فأر".

هذا الرئيس الاميركي، الذي تسببت رعونته بإعلان افلاسه ست مرات في سنواته السبعين، والذي حيدته روسيا والصين بقيام زعيميها بإطرائه ببعض الكلام المعسول، هو الذي تعول عليه شعوب العالم، وبعض الحكومات، لالحاق الهزيمة بقوى اقليمية، مثل إيران، التي يديرها قادة راكموا خبرة على المسرح الدولي منذ انخراطهم في المعترك السياسي في زمن الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان.

وهذا الرئيس الاميركي، الذي انقلب عليه أول من عينهما في ادارته — مستشاره للأمن القومي مايكل فلين ومستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون — هو الذي أمل بعض السوريين، والعرب، في ان يخلصهم من خمس سنوات من لا مبالاة واشنطن، بقيادة الرئيس السابق باراك أوباما، تجاه المقتلة السورية.

وهذا الرئيس الاميركي، الذي يعول عليه بعض العرب للتوصل الى سلام عربي اسرائيلي، هو الذي وصل الى "سلام" كانت أولى بوادره قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد أميركا واسرائيل، وثاني بوادره اندلاع أزمة غير مسبوقة بين واشنطن والسلطة الفلسطينية قد تؤدي الى قيام الاولى بحجب مساعداتها المالية عن الثانية.

هذا هو الرئيس الاميركي الذي تتوقع منه المعمورة أن يسير شؤون العالم. هو يغرق في تفاهاته، وبعض النميمة، وشبقه للاهتمام ومديح الآخرين، وهو ما يفسر الخراب الذي تعيشه الكرة الارضية، في دوامة لا يعرف احد متى سيخرج العالم منها.

Since December 2008