السبت، 29 يونيو 2019

تيلرسون يكشف انعدام خبرة كوشنر وتشكيك في إمكانية نجاح «السلام الاقتصادي»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تثر «ورشة العمل» التي انعقدت في المنامة اهتمام الأميركيين، ولم يتوقف عندها إعلامهم كثيرا، بل كأنها لم تكن، حتى ان «صفقة العصر» للسلام المزمع عقده بين العرب وإسرائيل، والتي أعاد مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر تسميتها بـ«فرصة العصر»، صار من شبه المؤكد أنها منيت بفشل ذريع. 
وصادف فشل كوشنر في صفقته، التي ما فتئ يتحدث عنها منذ اكثر من عامين، مع افراج الكونغرس عن وقائع جلسة مغلقة كان عقدها، الشهر الماضي، وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، أمام العاملين في لجنة الشؤون الخارجية، واستمرت ست ساعات، وتحدث فيها عن تجربته في إدارة ترامب في السنة التي عمل فيها وزيرا، حتى خروجه من منصبه في مارس 2018. 
ووصف تيلرسون ترامب وإدارته، فقال إن الرئيس الأميركي لا يلمّ بالتفاصيل، ولا يحب أن يسمع مداخلات مطولة، ولا يقرأ، وان آراء ترامب مبرمة تجاه كل المواضيع، وهو يقول للمحيطين به انه يمكنهم أن يحاولوا إقناعه بتعديل رأيه، لكنهم لن ينجحوا. 
وأضاف تيلرسون ان ترامب لا يتوقف عند التفاصيل، بما فيها الشؤون القانونية المحيطة ببعض القضايا، وان الرئيس الأميركي غالباً ما يجيب مساعديه ممن يقدمون له خيارات بالقول: «قم بذلك... افعله... قم به».
وإلى جانب الرئيس الذي لا يلم بأي تفاصيل، أفراد عائلته، وفي طليعتهم ابنته ايفانكا وزوجها كوشنر، الذي وصفه تيلرسون بأنه عديم الخبرة، وبأنه يتدخل بكل الملفات المطروحة أمام ترامب، في الشؤون الداخلية والخارجية، من دون ان يحترم التراتبية الإدارية أو الأقدمية. 
وروى تيلرسون انها كان يتناول طعام العشاء في مطعم في واشنطن، فتعرف عليه المدير، واخبره ان نظيره المكسيكي يتناول الطعام في المطعم نفسه، وأنه يمكنه أن يأخذه إليه لإلقاء التحية، ولما ذهب تيلرسون الى طاولة الوزير المكسيكي، رآه جالسا بصحبة كوشنر. ولم يكن تيلرسون ولا وزارته على علم بزيارة وزير خارجية الدولة الجارة، ولما عاتب تيلرسون المكسيكيين، ردوا بالقول انهم كانوا يعتقدون أن كوشنر كان ابلغ وزارة الخارجية عن الزيارة. 
الصورة التي رسمها تيلرسون أمام الكونغرس تؤكد تقارير سابقة عن النفوذ غير المحدود الذي يمارسه صهر الرئيس في الحكم، حتى يكاد يكون هو الحاكم. على أن المشكلة تكمن في انعدام خبرة كوشنر، وفي الوقت نفسه تمتعه بثقة زائدة بالنفس. 
هكذا، ذهب كوشنر الى «ورشة عمل المنامة» ليقدم ما يخاله رؤيته التي لم يسبقه إليها احد حول سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي تسوية يسبقها «سلام اقتصادي» يمهد للسلام السياسي بينهما والتسوية النهائية. ألا أن تجربة كوشنر قديمة، سبق أن حاول الإسرائيليون تسويقها، وسبق ان صدّقهم فلسطينيون وحاولوا البناء على الوعود بتقديم الحل الاقتصادي على السياسي، ليكتشفوا انه يستحيل ان ينهض اقتصاد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بلا استقرار سياسي. 
وفي هذا السياق، أشارت ترودي روبن، المعلقة في صحيفة «فيلاديلفيا انكوايرر»، الى ان ما قدمه كوشنر هو إعادة اقتراح مشاريع سبق أن تم اقتراحها، وفشلت، لا بسبب فساد السلطة الفلسطينية فحسب، بل لأسباب سياسية، منها أن إسرائيل رفضت، ولا تزال ترفض، إقامة ممر يبلغ طوله 40 كيلومترا ويربط الضفة وغزة، ومنها إحجام المستثمرين عن الإقبال على مناطق فلسطينية تعاني من عدم استقرار سياسي، مثل شركة نفط بريطانية رفضت تطوير آبار غاز في البحر الأبيض المتوسط تابعة لغزة، بسبب خوفها من حروب مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين. 
ولفتت روبن إلى أن المصارف الفلسطينية تكدس رؤوس الأموال ولا تحتاجها، لكن مشكلة الإقراض، خصوصاً للمشاريع الإلكترونية الصاعدة، سببها المخاطر العالية بسبب غياب الاستقرار، بالتزامن مع سيطرة إسرائيلية على كل الموارد الأولية والأذونات التي يحتاجها الفلسطينيون. وضربت الكاتبة الأميركية مثالاً بالقول إن الضفة استغرقها 12 عاماً من المفاوضات مع الإسرائيليين حتى حصلت على إذن تطوير شبكة الاتصالات الى الجيل الثالث، مع استحالة حصول الفلسطينيين على الجيل الرابع الذي يتطلبه قيام اي قطاع فلسطيني معلوماتي. 
قبل كوشنر، حاول رئيس حكومة السلطة السابق سلام فياض خوض غمار السلام الاقتصادي، واشرف على مشروع إقامة الروابي، وهي مدينة عصرية فاخرة في الضفة الغربية تتسع لـ40 ألف فلسطيني، وفيها مكاتب ومولات، وبلغت تكلفة بنائها مليارا ونصف مليار دولار. لكن غياب التسوية السياسية، واستمرار إسرائيل في عرقلة حركة الفلسطينيين، سمح لأربعة آلاف فلسطيني فقط بالعيش فيها، ما حولها الى «مدينة أشباح». 
ونقلت روبن عن فياض ان «بعض المسؤولين الإسرائيليين قد يتحدثون عن السلام الاقتصادي كترياق، لكن الحل لن يحصل ابدا كبديل عما يتوجب حصوله سياسيا». 
إذن، أفكار كوشنر حول سلام اقتصادي يؤدي الى تسوية سياسية ليست أفكاراً جديدة لامعة حسب ما يتصورها، بل هي أفكار قديمة وبالية، سبق أن تمت تجربتها وفشلت فشلا ذريعاً. ربما لا يعرف كوشنر ذلك بسبب انعدام خبرته، وربما هو يضمر انحيازاً لإسرائيل يقضي بتقديم أفكار - من قبيل ذر الرماد في العيون - في ما يعلن عمّه موافقته على ضم إسرائيل لكل القدس والجولان السوري المحتل إليها، فيما يصرّح سفير أميركا لدى إسرائيل ديفيد فريدمان أن لإسرائيل الحق في ضمّ أراض في الضفة، ويدعو سفير إسرائيل في الأمم المتحدة دان دانون الفلسطينيين الى الاستسلام، لان إسرائيل انتصرت، وتسليم الأراضي التي يصنفها المجتمع الدولي فلسطينية إلى الإسرائيليين، فيحلّ اذ ذاك السلام.

الأربعاء، 26 يونيو 2019

ترامب... إلّا الدّم الأميركي!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أعرب عدد من متابعي سياسة أميركا الخارجية، عن عجزهم عن تفسير السيل الجارف من المواقف التي يطلقها مسؤولو حكومتي الولايات المتحدة وإيران، وهي مواقف متضاربة، تتغير مع مرور الدقائق، وتجعل من الصعب رصد أنماط معينة تسمح بتفسير تفكير هذه الجهة أو تلك. 
وفي جلسة جمعت عدداً من المسؤولين السابقين، من الجمهوريين والديموقراطيين، رددت غالبيتهم بأن المواجهة الأميركية - الإيرانية صارت تبدو مثل «مباراة في الصراخ» يصعب فيها تحديد ماذا يريدان. 
في القواسم المشتركة بين الاثنين، تعلن كل من أميركا وإيران أنها لا تريد الحرب، ولكنها تردد أنها ستلقن المعتدي درساً. كما تعلن الحكومتان نيتهما التفاوض بلا شروط، لكن الجمهورية الإسلامية تشترط رفع العقوبات الأحادية عليها، فيما تتراوح طلبات واشنطن بين منع طهران من حيازة أسلحة نووية، وبين مطالبتها بوقف تجاربها الصاروخية و«نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة». 
يقول الرئيس دونالد ترامب، إنه لا يريد حرب، وإنه ينتظر إيران على طاولة المفاوضات صباحاً... ويغرد مساء بأنه ينوي «محو» إيران عن وجه الأرض. ومثله يفعل المسؤولون الإيرانيون، الذين يصرّون على أن طهران لا ترغب في التفاوض، ثم يكررون أن المفاوضات هي الطريق الوحيد لأميركا لأن الحرب لا تجدي. 
وفيما يقول الرئيس حسن روحاني إن إيران ليست مهتمة بالعقوبات، التي لا تؤثر بالمرشد علي خامنئي، يعلن وزير خارجيته محمد جواد ظريف أن العقوبات هي «إرهاب اقتصادي»، وبمثابة حرب، وأن إيران لن تسكت في وجه أي اعتداء عليها. 
وفي وسط السيل الجارف من التصريحات، والتصريحات المضادة، والتصريحات المتضاربة من الجانبين، اعتبر المسؤولون الأميركيون السابقون والخبراء، أن ما جرى حتى الآن - بما في ذلك قيام طهران بإسقاط طائرة استطلاع أميركية في الخليج، وتراجع ترامب عن الرد عسكرياً في اللحظة الأخيرة - رسم «قواعد للمواجهة». 
من هذه القواعد أن أحدث «الخطوط الحمراء» التي رسمها سيد البيت الأبيض في وجه الإيرانيين، هي «الدماء الأميركية»، أي أنه يمكن لطهران ضرب أي أهداف تابعة للولايات المتحدة أو لحلفائها في المنطقة، من دون أن تقلق من إمكانية رد عسكري، باستثناء في حالة واحدة، وهي وقوع إصابات في صفوف الأميركيين أو سقوط ضحايا. وقتذاك، يصبح الرد «محسوماً». 
وفي مقابلة، لخص السناتور الجمهوري عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ ماركو روبيو، سياسة ترامب تجاه إيران على الشكل التالي: «إستراتيجيتنا تجاه إيران هي أقصى الضغط الاقتصادي، ورد عقابي إذا ما هاجمت إيران، أميركيين في المنطقة». 
ويوافق الخبراء الأميركيون والمسؤولون السابقون، روبيو، ويعتقدون أن «الوقت هو في مصلحة أميركا وعقوباتها القاسية، إذ يمكن لواشنطن الانتظار، لكن الاقتصاد الإيراني لا يحتمل الانتظار». 
أما ترامب، فبدت سياسته تجاه إيران مشابهة لسياسته تجاه كوريا الشمالية، التي سبق للرئيس الأميركي أن هدد زعيمها كيم جونغ أون بالقول إن «زرّي النووي أكبر من زرّك». كما هدد بيونغ يانغ بـ«النار والغضب»، قبل أن «تتطور» الأمور إلى لقاء شخصي بين الرجلين، وإصرار ترامب على أن التسوية مع الشمال أنجزت، وأن كيم يرسل إليه «رسائل حب»... لكن لا كوريا الشمالية تخلت عن ترسانتها النووية، ولا أميركا والعالم رفعا العقوبات عنها. 
ربما يعتقد ترامب أن خطابه التهديدي سيفضي للقائه نظيره الإيراني حسن روحاني وجهاً لوجه، لكن في الحالة الإيرانية، يبدو أن عدداً من أقرب حلفاء الولايات المتحدة لن يوافقوا على «التظاهر» بأن الأزمة النووية، وغير النووية، وصلت خواتيمها.

الثلاثاء، 25 يونيو 2019

مظلومية مرسي وظلامية 'الإخوان'

حسين عبدالحسين

لم يستحق رئيس مصر الراحل محمد مرسي السجن، ولم يكن مبررا حبسه في ظروف سيئة وحرمانه الرعاية الصحية التي كان يحتاجها. مرسي مات مظلوما، ككثيرين في سجون الاستبداد حول العالم، من الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى، إلى إيران، ودول عربية، ودول في الأميركيتين الوسطى والجنوبية.

على أن مظلومية مرسي لا تلغي ظلامية "الإخوان المسلمين"، ولا تبرر رؤيتهم السياسية الإقصائية لكل من يعارضهم. كذلك، لا تبرر مظلومية مرسي الأساليب الملتوية والمخادعة التي يتبناها التنظيم لتحقيق حكم إسلامي بطريقة مرحلية، على طريقة النازية، أي عن طريق الاستيلاء على الحكم ديمقراطيا، ثم تقويضه رويدا رويدا، حتى إقامة دولة إسلامية قروسطوية. ومن لا يصدق خداع التنظيمات الإسلامية، ما عليه إلا النظر إلى إيران وتركيا.

لم تكن الثورة في إيران إسلامية، بل كانت ثورة متنوعة، برز فيها اليسار الإيراني العلماني، وفي صفوفه "حزب توده" الشيوعي، وهو ما أرعب الغرب، الذي سارع إلى مواجهة ما كان يعتقده مدا شيوعيا، بنفس الطريقة التي كان واجه بها الشيوعية في اليمن، وبعد اليمن في أفغانستان، فعاد رجل الدين روح الله الخميني من باريس، واستولى على الثورة تدريجيا، وصفى رموزها من غير الإسلاميين. وحتى يبعد الخميني عن نفسه شبهة العمالة للغرب ويتفوق على الشيوعيين الإيرانيين، أمر جماعته باجتياح السفارة الأميركية واعتقال ديبلوماسييها، وهي الانعطافة التي أدت إلى ثأر، ما زال قائما بين إيران وأميركا حتى اليوم.

في تركيا، ناضل الإسلاميون ضد طغيان العسكر والأحزاب العلمانية، وسكنوا السجون، وصبروا، وقدموا نموذجا حميدا في النضال السلمي، إلى أن تسنى لهم السيطرة على مقادير الحكم، فلم يحيدوا عن الطموح السياسي الإسلامي القاضي بالسيطرة على الدولة تدريجيا، وتحويلها إلى ديكتاتورية إسلامية.

فراح رجب طيب أردوغان يعدل الدستور، مرة بعد مرة، حتى صار حاكم البلاد الأوحد، واستغل موارد الدولة والدين العام في تمويل زعامته، وراح يبسط جناحيه كالسلطان العثماني، منصبا نفسه راعيا للمسلمين السنة في الدول العربية والعالم.

معارضو أردوغان، بدورهم، سكنوا السجون بدلا منه، وأقفلت الحكومة مواقع إعلامية على الإنترنت، وراحت تصطاد من يتفوه حتى بكلمة واحدة لا تطيب لرجب طيب، حتى لو من السيّاح. والغالب أن يلجأ أردوغان إلى الأسلمة أكثر فأكثر كتدبير شعبوي لامتصاص النقمة الشعبية المتوقع تصاعدها مع اهتزاز الاقتصاد.

لم يحد "الإخوان المسلمون" في مصر عن الرؤية الإسلاموية في استغلال الديمقراطية للاستيلاء على الحكم في مصر بهدف تغييره. الخداع كان من اليوم الأول. السيد مرسي أعلن إقامة حزب، وقال إنه وحزبه ليسا في "الإخوان". مات مرسي فدفنوه في مقابر "مرشدي الجماعة" وأقامت فروع التنظيم حول العالم صلاة الغائب على روحه.

في رئاسته، لم يناد مرسي يوما بحريات فردية ولا ديمقراطية، بل هو سعى لمصادقة طغاة العالم والانخراط في "مجموعة بريكس"، بزعامة الصين وروسيا، كبديل عن تحالف مصر مع أميركا، فيما راح الإخوان يعيثون فسادا في الدستور المصري في محاولة، كالعادة، لتشريع "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وتخفيض سن الزواج، والتضييق على غير المسلمين. كل ذلك كان بذريعة "رغبة الأكثرية"، مع أن الاكثرية المطلوبة عادة لتعديل دساتير الدول هي الثلثين أو أكثر، فيما لم يتمتع الإخوان في مصر، ولا في تركيا، بأكثر من النصف بكثير.

واللافت أن "الإخوان" في مصر حتى اليوم، ومع المظلومية التي لحقتهم بسبب آرائهم السياسية، ما يزالون يسعون إلى استبدال نظام الحكم، لا بديمقراطية، بل بدولة إسلامية.

من سجنه، يدعو الناطق باسم التنظيم أحمد عارف المصريين "أن نستمر، أن نبقى، أن نواصل ما بدأناه، وسرنا فيه، وخضنا من أجله كل هذه المسيرة للوصول إلى حكم رشيد". طبعا لا يقول عارف علانية إنه يسعى لإقامة دولة إسلامية، لكن "الحكم الرشيد" في أدبيات الإسلاميين تعني شيئا واحدا فقط، وهو إعادة إحياء دولة الخلفاء الراشدين الأربعة من القرن الميلادي السابع.

وفي منفاه في تركيا، يكتب الإخواني المصري عطية العدلان على موقع "المعهد المصري للدراسات"، التابع للتنظيم، أن السيطرة على الدولة هي وسيلة، ويقول: "وهل ينكر أحد أن الدولة وسيلة لا غاية؟ لكن أي وسيلة هي؟ إنها وسيلة إلى إقامة الدين".

ومثل عارف وعدلان، يدعو حسين شحاتة على موقع "الإخوان" إلى "دوام المرابطة في سبيل نصرة دين الله"، و"المحافظة على التربية الروحية والبدنية والعتادية"، مستندا إلى الآية "وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم".

هذا هو تنظيم "الإخوان المسلمين"، في مصر، وفي تركيا، وحول العالم، لا يعترف بسيادة، ولا يؤمن بالديمقراطية. هو تنظيم يعيش أفراده حلم إقامة دولة إسلامية، فيها خليفة يعينه "أهل الحل والربط"، وفيها "شورى" ينتخبهم المسلمون وحدهم، وهي دولة قائمة على الشرع، وحكومتها قائمة على السيادة الشعبية. هذا هو بالضبط شكل "الجمهورية الإسلامية في إيران": ولي فقيه يعينه "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، ورئيس ومجلس شورى ينتخبهما الشعب، وللولي وجماعته الكلمة العليا، أي ثيوقراطية (ديكتاتورية دينية) مكتملة الأوصاف.

ثم يخرج علينا "الإخوان" ومناصروهم، ويتظاهرون بأنهم منخرطون في العملية الديموقراطية، وأن إقصاءهم هو طعنة لهذه الديمقراطية، وكأننا لا نقرأ ما يكتبون في سرّهم، ولا نسمع ما يقولون في خفائهم.

لمرسي الرحمة وللسجناء السياسيين من "الإخوان" الحرية، فالمواجهة السياسية لا تستدعي عنفا ولا قمعا. ولكن مع تمنياتنا للإخوان بالحرية والرفاه، لن نتمنى لهم الحكم، ولن نراهم بديلا أفضل من العسكر، ولن نعتقدهم ديمقراطيين، ولن نخلط بين المظلومية التي يتعرضون لها كأفراد ومواطنين، والمظلومية التي يعدّونها لكل البشر في حال قيض لهم أن يحكموا.

الأحد، 23 يونيو 2019

ترامب للإيرانيين: لا أسعى إلى حرب إن وقعت فستكون محواً لم تروه... أبداً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قبل دقائق من بدء انطلاق سلسلة من صواريخ كروز «توماهوك» اميركية في الخليج لاستهداف قواعد عسكرية داخل ايران لتدمير رادارات وبطاريات صواريخ دفاع ارض - جو، رداً على اسقاط طائرة استطلاع من دون طيار اميركية، تراجع الرئيس دونالد ترامب، واصدر اوامره بتعليق الهجوم حتى اشعار آخر. 
وقال مقربون من الادارة ان تراجع ترامب كان سببه «مبادرة عُمانية» لاحت في ربع الساعة الاخير، ما حمل الرئيس الأميركي على «اعطاء الديبلوماسية العمانية فرصة اخيرة» للتوصل الى تسوية. 
وفي السياق، نشرت وكالة «رويترز»، نقلاً عن مسؤولين ايرانيين، انهم سمعوا من نظرائهم العمانيين ان واشنطن تسعى للحوار، وان هؤلاء المسؤولين وعدوا بايصال الرسالة الى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي. لكن وسائل اعلام عربية وايرانية نقلت، عن مصادر في طهران، عدم تسلم أي رسالة من العُمانيين. 
وفي واشنطن، ذكر المقربون من ادارة ترامب ان واشنطن لم تكن هي من بادرت الى اعادة احياء «قناة الديبلوماسية العُمانية»، بل مسقط هي التي بادرت، وعندما سمع ترامب، وافق على الغاء الضربة التي كانت في طريقها لاستهداف الداخل الايراني. 
وكتبت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس عبر «تويتر» مساء الجمعة: «التقارير التي تتحدث عن نقل رسالة إلى الإيرانيين عبر قناة خلفية عمانية عارية من الصحة تماما، وهي دعاية إيرانية بحتة».
وأضافت أن «على إيران أن تواجه ديبلوماسيتنا بالديبلوماسية». 
واضافت مصادر الادارة ان ترامب ارفق موافقته بتحذير الايرانيين بان الولايات المتحدة ستبقى جاهزة للرد على اسقاط ايران طائرة الاستطلاع «ار كيو 4»، وهي واحدة من اكثر القطع العسكرية الأميركية تطورا وتبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 130 مليون دولار. 
وفاجأت خطوة الرئيس الأميركي غالبية المعنيين في العاصمة الأميركية. وكانت البنتاغون ابلغت وسائل الاعلام ان يستعدوا لتغطية الضربة مع اقتراب موعد الفجر بتوقيت طهران. وبعد مرور الوقت المتوقع، استغرب الاعلاميون التأخير، ونجحت صحيفة «نيويورك تايمز» في الحصول على تفسير، عبر مصادرها العسكرية، ومفاده بأن السفن الأميركية كانت في موقعها المقرر، وان القوات في الخليج كانت في حالة تأهب، وقبل وقت قصير جدا على موعد انطلاق الصواريخ، سمعت القيادة العسكرية اوامر مباشرة من البيت الابيض، طلبت الغاء الهجوم. 
وكان قرار ترامب جاء بعد يوم طويل في واشنطن، تباحث فيه اركان الادارة، وتوصلوا الى قرار الرد العسكري. وبعد قرارهم، ارسل البيت الابيض في طلب قادة الكونغرس من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وعقد اركان الادارة لقاء مع المشرعين في «غرفة الاوضاع» واطلعوهم على التقارير السرية، وعلى خطة الرد. ودعم قادة الحزبين، ترامب، في خطوته، وادلت رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي بتصريح لفتت فيه الى سلوك ايران «الخطير»، في اشارة واضحة على وقوف الحزبين خلف الخطة الرئاسية. 
ثم تراجع ترامب في الليل، واستفاقت واشنطن على بلبلة: هل بدأت الديبلوماسية مع الايرانيين؟ هل هناك موعد نهائي لرد ايراني، قبل ان تعود اميركا الى الرد العسكري؟ اسئلة لا تزال في انتظار اجابات من واحد من اكثر الرؤساء الاميركيين ممن يصعب التكهن بكيفية تفكيره او ماهية خطوته المقبلة. 
ووسط هذه الأسئلة، بدأ ترامب في سلسلة تغريدات ومقابلات، راوحت بين قرب فرض عقوبات إضافية، وإن العمل العسكري لا يزال مطروحا على الطاولة... لكن في حال تخلى الايرانيون عن برنامجهم النووي فانه سيكون «أفضل اصدقائهم». 
وقال في حديقة البيت الابيض، أمس، «لن نسمح لايران بحيازة سلاح نووي وحين يقبلون بذلك، سيكون لديهم بلد غني، وسيكونون سعداء جدا وسأكون أفضل اصدقائهم. آمل أن يحدث ذلك». 
وأعاد الرئيس الأميركي إلى الأذهان شعاره الانتخابي «لنجعل أميركا عظيمة من جديد»، ليقول أمس: «لنجعل إيران عظيمة من جديد». 
وأضاف قبل توجهه الى المقر الرئاسي في كامب ديفيد حيث سيبحث هذه الازمة مع العديد من المسؤولين «ولكن اذا تصرف المسؤولون الايرانيون بشكل سيء، فانهم سيمرون بفترة بالغة السوء».
وتابع «لنأمل أن يكونوا اذكياء... واذا تمكنا من إعادة ايران الى سكة اعادة الاعمار الاقتصادي، سيكون ذلك أمرا رائعا».
بيد أنه في الانتظار «سنواصل ونفرض عقوبات اضافية». 
وقال ترامب الجمعة إنه تخلى في آخر لحظة عن توجيه ضربات انتقامية بعد اسقاط طهران طائرة أميركية مسيرة.
وعلق أمس مازحاً «الجميع كان يقول عني إنني اهوى الحروب والآن يقولون إنني حمامة».
وأوضح أنه لم يتقرر أي شيء حتى الان بشأن ايران، مشيرا الى أنه محاط بمستشارين يدلون بوجهات نظر متباينة جدا.
واذا كان جون بولتون مستشار الامن القومي من «الصقور» وكثيرا ما يدافع عن «سياسة متشددة»، فان آخرين «يتبنون سياسة أخرى» و»الوحيد الذي سيتحمل (المسؤولية) هو أنا»، بحسب ترامب.
وكان ترامب غرّد بإن «الاتفاق النووي الفظيع الذي وقعه باراك أوباما أنقذ إيران». 
وأضاف أن «الاتفاق النووي منح إيران 150 مليار دولار، وفتح طريقها أمام انتاج السلاح النووي». 
والجمعة، أكّد الرئيس الأميركي، أنه ألغى في اللحظة الأخيرة الضربات لتفادي سقوط خسائر بشرية فادحة.
وروى في سلسلة تغريدات صباحية ما جرى مساء الخميس بالتفصيل، في واقعة غير مسبوقة بالنسبة إلى رئيس أميركي.
وكتب: «كنا مسلّحين وجاهزين للردّ الليلة الفائتة (عبر استهداف) ثلاثة مواقع مختلفة حين سألت عن عدد الأشخاص الذين سيقتلون. وكان الجواب من أحد الجنرالات: 150 شخصاً سيدي. قبل عشر دقائق من الضربة أوقفتها، كان ذلك غير متكافئ بالنسبة إلى هجوم على طائرة مسيّرة».
وفي مقطع من مقابلة مع قناة «ان بي سي»، أكد ترامب أن الطائرات الأميركية لم تكن قد أقلعت حين اتّخذ قراره، وقال «لكنها كانت قادرة على التحليق سريعاً. وكانت الامور ستحصل إلى درجة لن نكون قادرين على التراجع».
وصرح في مقابلة مساء الجمعة مع شبكة «إن بي سي»، مخاطباً الزعماء الإيرانيين: «لا أسعى إلى حرب إن وقعت فستكون محوا لم تروه من قبل أبدا. غير أنني لا أسعى إلى فعل ذلك». 
وتشاور ترامب هاتفيا الجمعة مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وطلبت الولايات المتحدة ان يعقد مجلس الامن، غداً، اجتماعاً يبحث فيه آخر التطورات. 
وأعلن البيت الأبيض في بيان، أنّ ترامب وبن سلمان «ناقشا دور السعودية الكبير في ضمان استقرار الشرق الأوسط وسوق النفط العالمية. كما بحثا التهديد الذي يشكّله السلوك التصعيدي للنظام الإيراني».

الخميس، 20 يونيو 2019

المواجهة... اقتربت

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد إسقاط إيران طائرة أميركية من دون طيار، وتهديد الرئيس ترامب برد قريب معتبراً أن طهران «ارتكبت خطأ كبيراً»، تحبس منطقة الخليج أنفاسها مترقبة إيقاع المواجهة.
فبعد نقاش صاخب داخل الإدارة الأميركية، ساد الصمت مساء، ورفض ترامب تحديد شكل الرد الأميركي وهو أمر معتاد تفرضه السرية العسكرية والحفاظ على عنصر المفاجأة، خصوصاً أن ترامب دعا قادة الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الكونغرس الى اجتماع في غرفة الاوضاع في البيت الابيض وهو ما يعني بالنسبة إلى المراقبين أن المواجهة صارت قاب قوسين او ادنى.
ومما رشح عن المداولات داخل الادارة هو إجماع مسؤوليها أن ايران والعالم يراقبان ردة الفعل الأميركية، وانه على غرار «خطوط أوباما الحمراء» حول سورية، والتي أعطت اشارة للعالم ان الرئيس السابق لا ينفذ وعوده باستخدام القوة العسكرية، تعتقد هذه الادارة أن التزامها كلمتها هو في أساس الصورة التي ترسلها للعالم عن عزمها وقوتها.
وسبق لنائب رئيس الاركان بول سيلفا ان أطل على الصحافيين قبل ايام ليؤكد ان أميركا لا ترواغ ايران، وانها أرسلت عبر الوسطاء السويسريين والعراقيين رسائل واضحة للايرانيين مفادها ان واشنطن جدية، وانه سترد ضد اي تحرّش او استهداف ايراني لأهداف اميركية.
وفي صلب المداولات الاميركية كانت الأهمية الاستراتيجية لطائرة التجسس بدون طيار التي اسقطتها ايران، وهي طائرة ثمنها عشرات ملايين الدولارات. ونقلت مصادر عن الأوساط العسكرية الاميركية انه تحت تعليمات الرئيس ترامب، لم تغير القوات الاميركية من روتينها في الخليج حتى تتفادى استفزاز الايرانيين أو ايهامهم أنها تسعى لحرب، لذلك، أبقت القيادة العسكرية الأميركية على طائرات التجسس بلا حماية، خصوصاً اثناء تحليقها في الأجواء الدولية. والطائرة التي تم إسقاطها كانت غادرت الولايات المتحدة يوم السبت، متوجهة الى قاعدة الظفرة في الخليج.
الانطباع الأولي السائد في العاصمة الأميركية ان واشنطن سترد بتدميرها القاعدة التي أطلقت منها إيران صاروخ أرض جو، الذي أسقط طائرة الاستطلاع الأميركية. والأرجح ان إدارة ترامب أعدّت لائحة من التصعيد التدريجي، تقوم بموجبها بالرد على أي رد ايراني. وتداول بعض المعنيين أنباء غير مؤكدة تشير الى ان واشنطن مستعدة للانخراط في مواجهة تصل حد تدميرها الدفاع الجوي الإيراني بأكمله.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تصريحات للصحافيين في البيت الأبيض، إن «الطائرة المسيرة كانت غير مسلحة وكانت في المياه الدولية بصورة واضحة ولدينا ما يوثق ذلك، والأمر كان سيختلف كثيراً لو كانت مأهولة».
وبعدما كتب في تغريدة لا تخلو من تهديد، أن «إيران ارتكبت خطأ جسيماً!»، قال رداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستضرب إيران ردا على إسقاط الطائرة «ستعرفون قريباً».
وأشار إلى أنه لا يشعر أن إدارته تدفعه نحو الصراع، بل انها تفعل «عكس ذلك تماماً في بعض الحالات».
في المقابل، أعلن «الحرس الثوري» الإيراني أن دفاعاته «أسقطت طائرة تجسس أميركية مسيرة» بعد اختراقها المجال الجوي للجمهورية الإسلامية في محافظة هرمزكان المحاذية لمضيق هرمز الاستراتيجي. 
وقال القائد العام لـ«الحرس» اللواء حسين سلامي، إن «انتهاك حدود جمهورية إيران الإسلامية يمثل خطنا الأحمر... إيران ردت وستواصل الرد دوما بقوة على أي دولة تنتهك مجالنا الجوي».

واشنطن: الكويت تقوم بجهود لافتة لمكافحة الإتجار بالبشر

واشنطن - من حسين عبدالحسين

رغم اعتبارها أن «الحكومة الكويتية لا تتمتع بالمعايير اللازمة» للقضاء على آفة الاتجار بالبشر، رفعت وزارة الخارجية الأميركية تصنيف الكويت الى الفئة الثانية، حيث اعتبرت ان الكويت «تقوم بجهود لافتة في هذا السياق… مقارنة بالفترات الماضية».
وجاء في تقرير الخارجية السنوي، الذي صدر أمس، ان «الحكومة الكويتية نشرت وحدة متخصصة بمكافحة الاتجار، وأحالت حالات كثيرة على التحقيقات الجنائية في الجرائم المحتملة بموجب قانون مكافحة الاتجار بالبشر»، مشيراً إلى أن الحكومة تسعى لحماية حقوق مئات عاملات المنازل، وتطبيق قانون العمل.
مع ذلك، اضاف التقرير: «لم تحقق الكويت المعايير المطلوبة في العديد من المجالات، إذ بدلاً من ملاحقة المجرمين المحتملين للإتجار بالبشر، واصل المسؤولون استخدام التحكيم والعقوبات الإدارية بشكل روتيني لحل المظالم المقدمة من العمال المهاجرين، بدلاً من التحقيق في قضايا جرائم الاتجار، والانخراط في عملية قضائية مفصّلة». 
وأشار إلى ان استئناف القضايا أمام القضاء «دفع معظم الضحايا إلى الامتناع عن رفع دعاوى قضائية. وبسبب عدم إخضاع المتاجرين للمساءلة الجنائية ولعقوبات صارمة، سمحت الحكومة بتفشي ثقافة الافلات من العقاب، وهو ما ادى الى تساهل، وقوّض عملية ردع الجرائم المستقبلية». 
وورد في التقرير الاميركي أن نظام الكفيل، الذي يربط الاقامة القانونية للعامل المهاجر برب عمله، «يحد من حرية حركة العمال ويعاقبهم إذا ما حاولوا ترك أرباب عملهم ممن يقومون بإيذائهم، وان العمالة المنزلية هي الاكثر عرضة للايذاء داخل المنازل، وهو ما يسمح أحياناً باستغلال العمال الاجانب». 
وتابع التقرير ان «عدداً لا بأس به من العمال يتحدثون عن شروط عمل مختلفة عن التي وقعوا عليها في عقود عملهم، كما ظهر أن عدداً كبيراً من العمال، وخصوصا العاملات ممن يهربن من المنازل، يقعن ضحية وكلاء ومجرمين ممن يجبرونهن على العمل في البغاء».
وقدّم التقرير السنوي عدداً من التوصيات للحكومة الكويتية، جاء في طليعتها ضرورة «التحقيق والمحاكمة، بلا تساهل، في حق كل من يساهمون في الاتجار بالبشر، وإدانة ومعاقبة كل من يثبت تورطهم في عمليات إتجار، وزيادة الجهود للتعرف على ضحايا الاتجار (بدلاً من انتظار مجازفة هؤلاء وتقدمهم للشكوى)، وإقرار سياسات وتدريب المسؤولين على التعرف على الضحايا، والتأكد أن برامج رعاية الضحايا لا يرتبط بالضرورة بمحاكمة المتاجرين بهم، وتأكيد ألا يتعرض الضحايا لعقوبات بسبب جرائم أجبرهم المتاجرون بهم على القيام بها، ومواصلة التعاون وتقديم الدعم المالي للجمعيات المدنية التي تقدم المساعدة للضحايا».

الأربعاء، 19 يونيو 2019

تحذير أميركي لإيران من... «أي حسابات خاطئة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

وفقا لما نشرته «الراي» قبل أيام، أكد المسؤولون الأميركيون أن تعزيزاتهم في الخليج تقتصر على قوات دفاع ورصد واستطلاع، كما أكدت التقارير أن البيت الأبيض أصدر أوامر مشددة بعدم نشر قوات هجومية أو إعطاء انطباع هجومي، وأفادت التقارير بأنه رفض نشر أي قوات هجومية، ووافق على نشر ألف جندي فقط من 5 آلاف كانت اقترحتهم وزارة الدفاع (البنتاغون).
وقال نائب رئيس الأركان، الجنرال بول سيلفا، إن التعزيزات الأميركية الأخيرة هي «رصد واستطلاع» يمكنها المساعدة والتحذير من أي هجمات إيرانية مقبلة، و«يمكنها الرد اذا ما اقتضى الأمر ضد اي هجوم على قواتنا». وتضمنت التعزيزات الأميركية صواريخ باتريوت للدفاع الجوي، ومقاتلات «اف 15 ايه» القادرة على الطيران لفترات طويلة دون الحاجة لإعادة تخزين الوقود، وهو ما يفيد طلعات المراقبة التي تستغرق فيها المقاتلات أوقاتاً طويلة في الجو. 
واعتبر سيلفا أن هدف التعزيزات الأميركية هو اقناع إيران أن أميركا سترد هذه المرة على أي هجوم إيراني ضد أهداف أميركية، وقال إن «الإيرانيين يعتقدون أننا لن نرد، ولهذا نحن نحاول أن نكون واضحين في رسائلنا»، إن من خلال التعزيزات العسكرية، أو في التصريحات الأميركية العلنية، أو عبر الوسطاء السويسريين والعراقيين.
وتابع نائب رئيس الأركان الأميركي القول إن «تاريخنا في المنطقة هو أننا حذّرنا اننا سنرد، ولم نرد، وستكون حسابات خاطئة من قبل الإيرانيين إن اعتقدوا أن الامر سيبقى على ما كان عليه في الماضي».
في الاثناء، عمدت الحكومة الأميركية إلى تطوير البروتوكولات المطلوبة لأي عمليات رد أميركية ضد هجمات إيرانية في الخليج، وفي السياق، شرح سيلفا للصحافيين أن أميركا ستتعامل مع نوعين من الهجمات الإيرانية، واحدة ضد أهداف غير أميركية عائدة لاصدقاء أميركا وحلفائها، وأي رد ضد هذا النوع من الهجمات يشترط موافقة الدولة التي تعرضت للهجوم وانخراط الحلفاء في عملية الرد. أما النوع الثاني، فيكون على شكل هجوم إيراني ضد اهداف أميركية، مثل القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، أو السفن الأميركية، الحربية منها والمدنية، أو البعثات الديبلوماسية. أي هجوم إيراني ضد أهداف أميركية سيستدعي رداً أميركيا أحادياً ضد إيران.
على أن الجنرال الأميركي شدد على أن واشنطن لن تبالغ في رد الفعل، وستسعى ليكون متناسباً مع حجم الهجوم الإيراني، وقال: «علينا أن نكون حذرين فنرد بشكل مناسب». 
وعرّج سيلفا على الهجوم على ناقلة النفط اليابانية في خليج عمان، الأسبوع الماضي، وقال إن الدلائل القاطعة ليست بحوزته وانما في حوزة وكالات الاستخبارات، لكنه اعتبر أن الدليل الأساس هو سرعة الإيرانيين في فك اللغم الذي لم ينفجر على الناقلة: «حقيقة انهم كانوا قادرين على نزع اللغم عن جانب السفينة بسرعة وبأمان يعني أن اللغم هو من تصميمهم، وانهم هم الذين زرعوه، وهم الذين استعادوه حتى لا يشكل دليلاً على قيامهم بالهجوم».

الثلاثاء، 18 يونيو 2019

«صفقة العصر» تتحوّل إلى «ورشة عمل»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

منيت «صفقة العصر»، المزمع التوصل إليها لعقد سلام عربي - إسرائيلي، بخيبة، حتى قبل انعقاد أول المؤتمرات المخصصة للإعلان عنها وإطلاقها في المنامة، مع تواتر تقارير في العاصمة الأميركية، أشارت إلى أن واشنطن عدلت عن دعوة الحكومة الإسرائيلية، أو أي من المسؤولين فيها، عن الحضور، وأنها ستكتفي بدعوة رجال أعمال إسرائيليين، من القطاع الخاص، للمشاركة في المؤتمر المقرر انعقاده يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.
وكانت واشنطن أبدت تردداً في دعوة تل أبيب، وهو ما دفع الإسرائيليين، على غير عادة البروتوكولات الديبلوماسية المعمول بها، إلى إعلان أسماء الوفد الذي كان مقرراً مشاركته في المنامة، وهو سيكون برئاسة وزير المال موشي كحلون. وبررت الولايات المتحدة تأخر توجيهها الدعوة لإسرائيل بالقول إنها كانت تنتظر الحصول على موافقة كل الحكومات العربية المشاركة، وهي موافقة جاءت على دفعات، كان أولها موافقة السعودية والإمارات وقطر، تلاها إعلان مصر والأردن والبحرين عزمها الحضور.
وبعد ذلك، قرر الأميركيون تفادي دعوة الإسرائيليين «لتفادي إحراج بعض الأطراف العربية المشاركة»، ولتفادي «إجبار بعض الوفود العربية على الانسحاب من قاعات الجلسات التي يشارك فيها مسؤولون إسرائيليون»، وهو إن حدث، فسيسرق بلا شك الأضواء، وسينعكس سلباً على المؤتمر ونتائجه.
وسارع المسؤولون الأميركيون المولجون تنظيم المؤتمر إلى القول، في حوارات خاصة مع الصحافيين، إن هدف المؤتمر هو تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية، وأن الهدف المنشود لا يتطلب مشاركة إسرائيلية. على أن المشككين لفتوا المسؤولين إلى أن تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية يتطلب، بأقل تقدير، حضور الفلسطينيين انفسهم، وهم كانوا اعلنوا مقاطعتهم المؤتمر الذي يعتقدون أنه يقوض أسس عملية السلام، التي انطلقت قبل نحو ربع قرن، والمبنية على حل الدولتين، واحدة فلسطينية إلى جانب جارتها الإسرائيلية. 
وفي أساس «صفقة العصر» للسلام، التي أعدها ثلاثة يهود أميركيين محافظين هم مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر، ومحامي ترامب العقاري جايسون غرينبلات، وصديقهما دايفيد فريدمان الذي يعمل حالياً سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل. والثلاثة هم من مؤيدي الحركة الاستيطانية الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية، وهي أراض مصنفة دولياً وأميركياً على أنها محتلة من قبل إسرائيل. 
ويعتقد فريق السلام الأميركي أن الحل الأمثل هو التخلي عن حل الدولتين، وربط المدن الفلسطينية التسع الكبرى في الضفة الغربية بالضفة الشرقية لنهر الأردن، الواقعة تحت السيادة الأردنية. أما المطلوب من تحسين الوضع الاقتصادي لفلسطينيي الضفة فيرتكز حول إقامة مشاريع اقتصادية على الجهة الأردنية من الحدود مع الضفة الغربية، وربما تمويل بناء مئات آلاف المساكن على الجهة الأردنية لاستقطاب الفلسطينيين للعيش فيها، وهي عملية من شأنها أن تؤدي إلى نمو اقتصادي فلسطيني ـ أردني واسع. 
ومثل الضفة، كذلك في غزة، يعتقد الفريق الأميركي أنه يمكن ربط القطاع الفلسطيني بالأراضي المصرية، مع ضخ أموال تؤدي إلى نهوض اقتصادي على جانبي الحدود بين غزة وسيناء، مع قيام الحكومة المصرية بدور الراعي للحكم الذاتي الفلسطيني في القطاع.
أما الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فمصيرها، مثل هضبة الجولان السورية، الضم إلى إسرائيل، مع اعتراف أميركي بهذا الضم، وهو اعتراف ينحصر برئاسة الولايات المتحدة فحسب، ولا يتمتع حتى بمصادقة في الكونغرس، أو بموافقة دولية، ولا حتى أوروبية.
هكذا، تحول لقاء المنامة من «مؤتمر صفقة العصر» إلى «ورشة عمل»، مع إعلان الاتحاد الأوروبي إيفاد «بيروقراطي تقني»، وهو ما قد تحذو حذوه الدول العربية المُشاركة، التي قد تختصر وفودها بمشاركة تقنية على مستوى وكلاء وزراء الاقتصاد والمال.

جينات 'اللبنانيين' وعنصريتهم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يستعيد بعض اللبنانيين خطابا يعتقدونه وطنيا، فيما هو في الواقع عنصريا متخلفا، ينتمي إلى عصر ظلامي ولى، كان فيه استعباد الأفارقة مقبولا، وهو زمن تجدد في النصف الأول من القرن الماضي، فقدت أثناءه بعض شرائح المجتمع الأوروبي رشدها، وغرقت في خطاب نازي فاشستي عن تفوق عرقي مزعوم، وهو خطاب تسبب بإراقة دماء عشرات الملايين حول المعمورة.

والخطاب العنصري المتجدد في لبنان، والذي عبّر عنه وزير خارجية لبنان جبران باسيل في تغريدة أثارت تهكما لعنصريتها، يشارك فيه أكاديميون لبنانيون في لبنان والمغترب، ومفاده أن الموروثات الجينية للبنانيين تثبت تمايزهم عن، وربما تفوقهم على، باقي العرب، خصوصا من الفلسطينيين والسوريين. ويعيش أكثر مليون سوري في لبنان، هربا من الحرب الدموية التي يشنها عليهم الرئيس السوري بشار الأسد.

ويعتقد بعض العنصريين اللبنانيين أن جيناتهم تتماهى مع جينات شعوب عريقة ذات حضارات راسخة، مثل اليونان والرومان، وأن محنة اللبنانيين بدأت مع الغزو الإسلامي العربي للساحل المتوسطي، قبل حوالي ألفية ونصف من الزمن، وهو اجتياح أدى إلى تعريب لغة اللبنانيين، وإلى أسلمة عدد كبير منهم، وإلى إلحاقهم بمنظومة اجتماعية وسياسية متخلفة، بدلا من منظومتهم اللبنانية المتفوقة.

وعلم الجينات هو عنصرية بذاته، وهو وريث علم فراسة الجماجم، والأخير علم مزيّف ساد في القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. وفراسة الجماجم تفاهة مبنية على قياس جماجم الشعوب، واستخلاص صفات شخصية لأفرادها حسب قياس شكل وحجم جماجمهم، وهو العلم الذي استند إليه بعض الأوروبيين في عملية الاستعباد التي أداروها في أفريقيا، وخلصوا إلى أن جماجم السود تؤكد تأخرهم فكريا، وكسلهم، واستحالة التحاقهم بالحضارة البشرية، ما يجيز معاملتهم كحيوانات وامتلاكهم. وهو العلم نفسه الذي استند إليه النازيون في تصنيف الشعوب إلى جرمانية آرية متفوقة، وسلافية متخلفة، وسامية ـ يهودية خصوصا ـ لا تستحق الحياة.

وفي لبنان استند بعض المتأثرين بالنازية من الداعين إلى قومية، غير عربية، إلى نفس علم الجماجم المزيف لإثبات تفوق المشرقيين على العرب. وفي طبعات لاحقة، شطب هؤلاء القوميون الجزء المتعلق بالجماجم من كتابات مؤسسيهم. وفي لبنان أيضا، كانت محاولات فكرية، في الزمن نفسه، لتبرير قيام قومية لبنانية بناء على عنصرية ما، واليوم على فحوصات مخبرية وجينات.

لكن الجماجم والجينات لا يمكنها رسم حدود، ولا إرساء عقود اجتماعية تقوم عليها أوطان بالمعنى الحديث، فالجينات في الهوية السياسية هو كالحديث عن رابطة الدم في تحديد الهوية السياسية لقبيلة، يتعاضد أفرادها بناء على نسب متخيل، بغض النظر عن الجغرافيا وأماكن توزع الأفراد، مثل في اعتبار أن كل المسلمين في العالم شعب واحد، أو المسيحيين، أو غيرهم.

والمفهوم القبلي ساهم في بناء دول في مرحلة ما قبل عصر الأنوار الأوروبي، ثم استبدلت معاهدة وستفاليا القبلية الوطنية البدائية بسيادة وطنية محددة بحدود جغرافية معينة لا تتعادها سلطة الحاكم، حتى لو كانت لحماية من هم من أبناء جنسه أو دينه من المقيمين في دول أخرى.

ويحدث أن يتجاهل بعض الحكام أسس وستفاليا لسيادتهم على الدول، فيجتاح هتلر مقاطعات مجاورة، أو دول بأكملها، لحماية أبناء جنسه من الجرمان من غير مواطنيه. وفي زمننا الحالي، يرى مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي نفسه، لا زعيما إيرانيا فحسب، بل قائدا للأمة الإسلامية ـ غالبا الشيعية ـ حول العالم، فيخسر الشيعة غير الإيرانيين هويتهم الوطنية في الدول التي يعيشون فيها، ويصبحون جزءا من أمة عابرة للحدود تتأرجح بين هويتين شيعية وفارسية.

أما عصر الأنوار، فأساسه الحرية الفردية، التي تقوض مفهوم القبيلة والأمة المتجانسة عرقيا أو دينيا، وترى أن الدول تتألف من أفراد، لكل منهم هوية جينية وعرقية وثقافية ودينية مختلفة، ولكنه اختلاف لا يؤثر في المساواة التامة بين كل المواطنين.

وفي الدول الحديثة، غير المتخلفة، لا تحدد الجينات أهواء الأفراد وتصرفاتهم، بل تحددها تجاربهم، فتصبح علوم المجتمع، مثل السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، هي التي تحدد المزايا التي يشترك فيها مواطنو أي دولة، لناحية أذواقهم في المأكل والملبس والموسيقى والترفيه، وعاداتهم، ولغتهم، بغض النظر عن جيناتهم أو معتقداتهم الدينية.

للأسف، فات وزير خارجية لبنان باسيل ما سبق أن فات المارونية السياسية بأكملها: إن الدول الحديثة المبنية على المساواة الكاملة بين المواطنين هي في مصلحة الأقليات، وإن الدول القبلية المبنية على رابطة الدم هي في مصلحة القبيلة الأكبر والأكثر عددا.

هو تاريخ يعيد نفسه، تتسبب فيه الضحالة الفكرية في عنصرية فاقعة وقصر نظر سياسي، فترتد على الأقلية وعلى مصالحها، فيزداد ضمورها ضمورا، وهي ضحالة يشارك في صناعتها مسؤولون مسيحيون لبنانيون، ومعهم بعض الأكاديميين من المتعدين على اختصاصات الآخرين، فلا سعيد عقل ولا فؤاد البستاني كانا من المؤرخين، ولا المهندس باسيل وصحبه من المتخصصين في الرياضيات والكيمياء من أصحاب الاختصاص في علوم الإجتماع وكيفية بناء دول قابلة للحياة. أما النتيجة، فعنصرية مضحكة ومبكية في الآن نفسه.

الاثنين، 17 يونيو 2019

واشنطن تعزّز قدراتها الدفاعية في الخليج

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تتجه إدارة الرئيس دونالد ترامب الى تعزيز قوتها الدفاعية في الخليج بشكل يقلّص من امكانية وقوع «حوادث» من شأنها أن تؤدي لاندلاع حرب مع ايران. وفي التفكير الاميركي ان وجود قوة دفاعية كبيرة يمكنها أن تثني الايرانيين عن القيام بهجمات استفزازية صغيرة، على طراز الهجمات على الناقلات السعودية في الفجيرة والناقلة اليابانية في خليج عمان.
وتعزيز القوات دفاعياً لا يعني زيادة في عدد المشاة او المارينز، بل يعني زيادة كبيرة في بطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية، وزيادة كبيرة خصوصاً في عدد وطلعات طائرات التجسس من دون طيار. وتقول المصادر الأميركية إن «مراقبة الخليج بصورة مكثفة وعلى مدار الساعة من شأنها أن تقلص من قدرة إيران على توجيه ضربات في الخفاء مع عدم تبني المسؤولية». ويضرب المسؤولون الاميركيون المثال بكاميرات المراقبة في المباني المدنية، ويقولون إن هذه الكاميرات تثني أعمال السرقة والاعتداء لعلم المعتدين انه يمكن التعرف على هويتهم. 
وإلى منظومة باتريوت للدفاع الجوي وطائرات التجسس على أنواعها، تنوي الولايات المتحدة تعزيز قطعاتها البحرية والجوية بشكل يسمح بالتعامل مع أي طارئ ، في حال تطور أي حادث إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الإيرانيين.
على أن المسؤولين الاميركيين يؤكدون أنه، وبتعليمات مشددة من البيت الابيض، لن ترسل الولايات المتحدة قوات أرضية، إذ إن العمل الدفاعي لا يحتاجها. وفي الغالب ان ترامب وإدارته يسعيان لتأكيد أن واشنطن لا تنوي غزو أي أراضٍ إيرانية او السعي لإسقاط النظام الإيراني بعمل عسكري، بل إن كل ما تهدف الحكومة الاميركية إليه هو وقف الاستفزازات الايرانية وضمان سلامة الملاحة البحرية في الخليج وأمن السفن التي تمر فيه على أنواعها.
ومن الافكار التي ما زالت قيد التداول، ويبدو أنها تحوز على تأييد في أوساط المسؤولين الأميركيين، هي تأمين مرافقة عسكرية للناقلات النفطية الكبيرة لمنع هجمات تعتقد واشنطن أن طهران قامت بها عن طريق زوارق سريعة عمدت إلى الاقتراب من السفن الكبرى وإلصاق الغام بهيكلها تنفجر في وقت لاحق.
وتتضمن الإجراءات الدفاعية تعزيز أمن المستشارين العسكريين الأميركيين المنتشرين في العراق. ويردد المسؤولون الاميركيون أن الحكومة العراقية تبلي بلاء حسناً في ضمان أمن هؤلاء المستشارين، فضلا عن ضمان أمن السفارة الاميركية والديبلوماسيين العاملين فيها.

الأحد، 16 يونيو 2019

واشنطن مرتاحة لدفع طهران «إلى الحبال» ... والحرب لن تكون بـ «تغريدة ترامبية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في أروقة قرار الحكومة الأميركية رؤية مختلفة تجاه المواجهة مع إيران عن تلك السائدة في الإعلام. هنا، لا جمهوريين ولا ديموقراطيين، بل بيروقراطيون متخصصون أمضوا سني عمرهم في العمل الحكومي في وزارتي الدفاع والخارجية ووكالات الاستخبارات المتنوعة. هنا، لا اختلاف حول ضرورة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، ولا تضخيم للخطر الإيراني، ولا إصرار على شن حرب ضروس، ولا معاداة للحرب بأي ثمن. هنا العقل المفكر للولايات المتحدة وسياستها الخارجية.
الحكوميون الأميركيون يواجهون كميتين غير معلومتين: الأولى، ما الذي تريده إيران، والثانية، ما الذي يريده الرئيس دونالد ترامب، المتقلب المزاج، والذي لا يستمع لنصائح الخبراء والمساعدين؟
في مواجهة إيران، لا يعتقد العاملون في الإدارات الأميركية أن اللوم يقع على ترامب لانسحابه من الاتفاق النووي، بل يعتقدون أن إيران لم تستغل الفرصة التي أتاحها لها الرئيس السابق باراك أوباما «بالبناء على الاتفاق النووي للتوصل الى تسويات في البنود الخلافية الأخرى، وإنهاء نشاطات إيران المزعزعة في المنطقة».
في مقابلة مع مجلة «اتلاتنتك»، يقول آش كارتر، وزير الدفاع السابق في زمن أوباما، إنه منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لم تتوقف طهران عن نشاطاتها السلبية، من تجاربها الصاروخية البالستية، إلى استمرارها في تمويل وتدريب وتسليح ميليشيات تؤجج الحروب الأهلية في عموم المنطقة. ويلفت كارتر إلى أن واحدة من كبرى المخاطر الإيرانية هي قيام الجمهورية الاسلامية بتسليح ميليشيا الحوثي في اليمن، ومحاولة تحويل عدن الى منصة لتهديد البحرية الأميركية في منطقة باب المندب.
ويقول كارتر إن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي «لم تكن الخطيئة الاولى التي أدت الى كل المشاكل (مع إيران) اليوم». 
ويتابع كارتر الديموقراطي، أنه «لا بأس ان نتحمل نحن مسؤولية وعبء المفاوضات، ثم ننسحب» من الاتفاق. 
ويبدو أن المسؤولين الأميركيين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن إيران قررت الامتناع عن المفاوضات إلى أن تحسن موقفها، الذي تضعضع كلياً منذ دخول العقوبات الأميركية عليها حيز التنفيذ. ومن المرجح أن يعاني الاقتصاد الإيراني المزيد من التهالك مع مرور الوقت واستمرار العقوبات.
وحتى تحسن إيران موقفها، فهي قررت اللجوء الى تصعيد عسكري محسوب، في كل منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الخليج ومنطقة باب المندب والعراق. ورصد المسؤولون خطابات لمرشد الثورة علي خامنئي يبدو أنه عقد العزم فيها على الانخراط في مواجهة مسلحة ضد الولايات المتحدة، وهو كان ظهر في خطاب عيد الفطر يحمل رشاشاً حربياً. 
وإلى الهجومين اللذين طالا ناقلات نفط في خليج عمان، أطلقت إيران صاروخي «سام»، أرض - جو، ضد طائرتي تجسس أميركيتين بلا طيار، ولم تصبهما، وفي العراق، أطلق الإيرانيون، في الآونة الأخيرة، قذائف على قاعدة عسكرية عراقية يسكن فيها مستشارون عسكريون أميركيون. أما في اليمن، فمحاولات متعددة لإصابة أهداف أميركية في البحر وسعودية شمالاً. 
ومواجهة التصعيد العسكري الإيراني ممكنة بتدابير غير الحرب، مثل تقديم مرافقة عسكرية لناقلات النفط، وزيادة طلعات طائرات التجسس والمراقبة لرصد التحركات الإيرانية في الخليج. 
ويقول كارتر في مقابلته إن رد وزير الخارجية مايك بومبيو على الهجوم على الناقلة اليابانية اقتصر على المواجهة الديبلوماسية والاقتصادية، ولكن وزير الدفاع السابق يعتقد أن على إدارة ترامب إبقاء الخطط العسكرية لمواجهة مع إيران جاهزة في حال تطلبت الأمور ذلك.
على أن المثير للاهتمام هو اختيار إيران التصعيد العسكري لتحسين موقفها في أي محاثات مستقبلية مع الغرب، بدلاً من اختيارها الخروج من الاتفاق النووي واستئناف برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم. 
في هذا السياق، يعتقد المسؤولون الأميركيون من الحزبين أن للاتفاق النووي مع إيران نقطة إيجابية واحدة، وهي كشفها معظم البرنامج النووي الإيراني وإخراجه إلى الضوء، وهو ما وضع البرنامج تحت مراقبة دولية لصيقة تجعل من الصعب جدا خروجه عن المسار السلمي، إلا في حال كسرت إيران الأختام الدولية والكاميرات، وهو ما يؤدي الى تحرك دولي ضدها، بما في ذلك روسيا والصين. 
المسؤولون الأميركيون يعربون عن ارتياحهم لنجاح العقوبات الاقتصادية الأميركية، فهذه كان يمكن فشلها وإظهار اميركا في موقع ضعف أمام إيران، لكنها نجحت حتى اكثر من العقوبات الدولية، وسمحت للولايات المتحدة «بدفع إيران الى الحبال»، وهو التعبير المستخدم في العاصمة الاميركية والمستوحى من لعبة الملاكمة، حيث يتراجع الملاكم الذي يعاني خسائر إلى الحبال لحماية ظهره. 
أما تصريحات ترامب وتغريداته حول إيران، فهذه لا تلخص السياسة الأميركية، او كما يقول كارتر، «لا يمكن لترامب أن يأمر بحرب مع إيران بتغريدة».

السبت، 15 يونيو 2019

33 خطوط عريضة لمؤتمر المنامة للسلام العربي - الإسرائيلي!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مع إعلان مصر والأردن والمغرب، بعد السعودية والإمارات وقطر وإسرائيل، المشاركة في مؤتمر المنامة للسلام العربي مع الدولة العبرية، ومع التوقعات بتأكيد عُمان مشاركتها في أي لحظة، بقيت الكويت وحيدة لناحية عدم تأكيدها حضور المؤتمر، المتوقع انعقاده على مستوى وزراء الخارجية والمال، في 25 الجاري.
وما تزال تفاصيل «صفقة العصر»، التي يتوقع أن يقدمها كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر، مبهمة، إلا أن عنوانين رئيسين تقدما إلى الواجهة، وأثارا نقاشاً حاداً وانقسامات، حتى داخل حزب ترامب الجمهوري نفسه.
العنوان الأول هو إعلان نهاية «حل الدولتين»، الذي كان يقضي بقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وهو الحل الذي بنيت عليه عملية السلام منذ اتفاقية أوسلو في العام 1993، مرورا بسلسلة من قرارات مجلس الأمن التي صدرت في زمن الرئيس السابق جورج بوش الابن، وحتى اليوم.
وفي إطلالاته في واشنطن، كرر كوشنر أن نقاط قوته تكمن في انعدام خبرته في شؤون السياسة الدولية، وهو ما يحرره من كل الأفكار المسبقة التي لم تثمر سلاماً، ويسمح له بتقديم أفكاراً جديدة غير القديمة السائدة. إلا أن الفلسطينيين، الذين يعارضون في غالبيتهم التخلي عن حل الدولتين، يكررون أن انعدام خبرة كوشنر لا تعني بالضرورة عدم انحيازه، وأن صهر الرئيس الأميركي، مع مساعده جايسون غرينبلات وسفير أميركا لدى إسرائيل دايفد فريدمان، هم من اليهود الأميركيين المحافظين، ومن المعروفين بدعم حركات الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، التي يطلق عليها الإسرائيليون التسمية التوراتية يهودا والسامرة.
وفي سياق إلغاء مبدأ «حل الدولتين»، نجح فريدمان في إقناع وزارة الخارجية الأميركية بالتخلي عن كل المفردات التي دأبت على استعمالها على مدى الربع قرن الماضي، بإشارتها إلى الأراضي الفلسطينية بـ«المحتلة»، واستبدال كلمة «محتلة» بعبارة «تحت سيطرة إسرائيل». 
على أن إلغاء «حل الدولتين» حسب «صفقة القرن» لم يواجه بمعارضة فلسطينية فحسب، بل أميركية كذلك، وديموقراطية، وحتى من داخل الحزب الجمهوري نفسه، الذي برز منه السناتور ليندسي غراهام، ليقود حملة داخل مجلس الشيوخ لإصدار قرار يعرب عن دعم المجلس وتمسكه بتسوية الدولتين. 
وغراهام هو أحد أبرز حلفاء ترامب، وزار إسرائيل منذ فترة قصيرة، وجال مع رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في مرتفعات الجولان السورية، المحتلة منذ العام 1967.
ودعا غراهام ترامب للاعتراف بسيادة إسرائيل على تلك المرتفعات، وهو ما فعله الرئيس الأميركي لاحقاً بإعلان رئاسي.
أما البديل عن حل الدولتين، حسبما رشح من معسكر كوشنر، فهو القيام بوصل المدن الفلسطينية التسعة الكبرى في الضفة الغربية بالأردن، ومنحها حكما ذاتياً، بإشراف أردني، وضخ كمية كبيرة من الأموال في «الضفة الشرقية»، أي الأردن، لإقامة اقتصاد قوي يعتاش منه فلسطينيو الضفة الغربية. 
ومن الأفكار التي قدمها جماعة كوشنر، بناء نحو نصف مليون وحدة سكنية على الجهة الأردنية من الحدود مع الضفة الغربية، بحيث تتحول هذه المناطق الحدودية إلى ضواحي مزدهرة للمدن الفلسطينية.
وتتطلب النهضة الاقتصادية الموعودة نحو 100 مليار دولار، يرجح المقربون من كوشنر أن تساهم إسرائيل بثلاثين ملياراً منها، ودول عربية بثلاثين ملياراً، وأميركا وأوروبا تتكفل بالأربعين المتبقية. هذه الأموال، التي سيتم ضخها على الجانب الأردني من الحدود مع الضفة وعلى الجانب المصري من الحدود مع غزة، من المتوقع أن تؤدي إلى فورة اقتصادية على مدى العقد المقبل، وهو ما يسمح للفلسطينيين بمقارنة أوضاعهم «من دون دولة» مع أوضاعهم أثناء مفاوضات «حل الدولتين»، وهو ما سيؤدي، حسب اعتقاد كوشنر، إلى «خيار سهل» عند الفلسطينيين، وهو الموافقة على سيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها حاليا في الضفة الغربية والقدس الشرقية. 
العنوان الثاني في مؤتمر المنامة هو «مواجهة إيران». تحت هذا البند، من المتوقع أن يقترح المسؤولون الأميركيون تحويل «صناع السلام» من المشاركين في المؤتمر إلى تحالف سياسي وعسكري لمواجهة إيران، وخصوصاً لجهة سعيها النووي، و«لنشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، وهي الجائزة التي يبدو أن فريق كوشنر، يعتقد انه يمكن منحها لبعض الدول العربية مقابل مساندتها لسلام بلا «حل الدولتين».

الخميس، 13 يونيو 2019

هل يُرفع العلم الأميركي على الناقلات؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ردود الفعل الأولية لدى مسؤولين في الإدارة الأميركية حول الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عمان، تمحورت حول تغريدة لوزير خارجية إيران جواد ظريف، علّق فيها على الهجوم بوصفه «مشبوهاً»، مضيفاً ان الوقت حان لإقامة «مجلس حوار إقليمي» الذي تقترحه إيران منذ فترة، وهو عبارة عن دخول إيران إلى «مجلس دول التعاون الخليجي».
واعتبر مسؤولون اميركيون أنه، بانتظار نتائج تحقيق ميداني باشرته القوات الأميركية في المنطقة، فإن الهجوم على الناقلتين يحمل «كل بصمات إيران»، لناحية عدم تبني الهجوم، ومحاولة وصفه بالمشبوه، وإلصاق نظريات المؤامرة فيه، وفي الوقت نفسه ربط شروطهم به، لناحية تهديد دول المنطقة بأن «توقف عمليات الهجوم غير ممكن بالاستناد الى الحماية الأميركية»، وأن «السبيل الوحيد لأمن الخليج هو الخضوع لايران والدخول معها في مجلس إقليمي بزعامتها».
وأضاف المسؤولون الأميركيون ان «إيران تسعى لتعديل المشهد الامني الاقليمي»، وان «تقارير الاستخبارات الأميركية، التي اشارت الى ان طهران كانت تعد لسلسلة من الهجمات لا لهجوم واحد فحسب، ثبت أنها صحيحة».
وفيما كانت الوكالات الحكومية الأميركية تتداعى لعقد اجتماعات والتباحث في كيفية الرد على ما يبدو انه «سياسة إيرانية جديدة تجاه الخليج وأمنه»، قدم المتابعون عدداً من الخيارات التي يمكن لواشنطن تبنيها لمواجهة التصعيد الايراني، منها رفع العلم الاميركي على ناقلات النفط العالمية، ما يجعل أي هجوم عليها هجوماً على أميركا ويتطلب رداً عسكرياً أميركياً، أو يمكن للاسطول الخامس تكثيف دورياته البحرية لزيادة الحماية في الخليج، وهو الممر المائي الذي يمر فيه ثلث الطاقة العالمية.
ويعتقد جمهوريون في الكونغرس أن محاولة الرئيس دونالد ترامب تخفيف الاحتقان مع إيران بإعلان أنه لا يسعى لتغيير النظام فيها، بل يسعى إلى حوار واتفاقية معها، هي محاولة فهمها الإيرانيون على أنها «ضعف أميركي» و«تراجع»، فتابعوا خطتهم الأصلية القاضية بهز أمن الناقلات في الخليج، وذلك بهدف اتخاذ هذه الناقلات رهينة مقابل تراجع أميركا عن عقوباتها القاسية على الجمهورية الاسلامية، وإجبار واشنطن على التراجع عن سياستها الساعية الى «تصفير» صادرات الطاقة الايرانية.

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

المسلمون والتاريخ

حسين عبدالحسين

اللمحة الموجزة التي حاولنا تقديمها في المقالة السابقة عن علاقة مدينة القدس بالمسلمين أثارت ردود فعل لدى القراء تشي بأزمة ثقافية يعيشها مسلمون كثر يستقون ما يعرفونه عن الماضي، والحاضر، من نصوص دينية لا تفي بالغرض.

ومما قلناه إن تفسير آية "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" والقول إن "المسجد الأقصى" هو نفس المقصود في القدس اليوم، هو تفسير يتعارض والمنطق.

ويؤرخ المسلمون المساجد، فيعتبرون أن أول مسجد هو قباء، على طريق مكة إلى المدينة، وهو سابق للمسجد النبوي. أما المسجد الحرام، فتسميته القرآنية بيت، وهو لم يتحول مسجدا إلى ما بعد فتح مكة، في العام 629، ما يتطلب تغيير تاريخ الإسراء من ما قبل الهجرة، حسب الاعتقاد السائد، إلى ما بعد فتح مكة، أي بعد هدم الرسول الأصنام، إذ لا يمكن السجود في مكان كان يعج بالأصنام، مثل الكعبة قبل الهجرة، وتسميته المسجد الحرام.

هذا يعني أيضا أن القدس لم تحصل على مسجد حتى العام 637، أي بعد وفاة الرسول بخمس سنوات، ما يعني أن القول إن الرسول زار المسجد الأقصى في القدس لا يتوافق والتسلسل التاريخي، فالقدس في حياة رسول المسلمين كانت مدينة مسيحية بيزنطية، يصعب أن يكون فيها مسجدا يمكن للرسول الإسراء إليه.

ردود فعل القراء جاءت على أشكال، غالبها شتائم، واتهام بالدعاية للصهيونية، وتعيير باسم "عبدالحسين" "الشيعي الرافضي"، وعدد منها حاول، مشكورا، الانخراط في نقاش لدحض ما قدمناه.

الرد الأكثر تكرارا كان اعتبار أن في القدس مسجد سابق للإسراء، بناه ابراهيم، جد الإسرائيليين والعرب، والنبي لدى المسلمين. هذا التصور مبني على اعتبار أن ابراهيم كان يتحدث العربية، ومبني أيضا على اعتبار أن العربية هي "لغة البشر"، أو "لغة الجنة" حسب المسلمين. لكن عربية القرآن هي لغة حديث نسبيا، ظهرت مع الإسلام، أو قبله بوقت قصير. حتى امرؤ القيس، الملك والشاعر الشهير، حجر قبره منقوش بالنبطية المتأخرة، وفيه أن "ملك العرب" توفي في العام 328 ميلادية. والأرجح أن العرب لم يتسمّوا عربا على اسم لغتهم، بل هم منحوا اللغة، التي بدأوا يتحدثونها في وقت لاحق للقرن الرابع الميلادي، اسمهم.

جواد علي، المؤرخ العراقي الراحل المعروف بموسوعته الضخمة "تاريخ العرب قبل الإسلام"، يرفض تصور العرب لتاريخ لغتهم، والذي ينص أن العرب تسموا كذلك لأن جدهم الأكبر، يعرب، كان أول من تحدث العربية، وهو تفسير غير قابل للتصديق، إذ يستحيل أن يبتكر شخص لغة بأكملها من مخيلته، وأن تتحول إلى لغة محكية، فاللغة هي تطور في التعبير والتواصل بين أفراد مجموعة بشرية كاملة، ولا تخرج من رأس أفراد على غفلة.

ابراهيم لم يتحدث العربية، والعرب بعد الإسلام صنفوا أنفسهم إلى ثلاث فئات، العرب البائدة والعرب العاربة والعرب المستعربة؛ ووضعوا اسماعيل، ابن ابراهيم، في خانة المستعربين، وقالوا إنه تعلم العربية، فصار مستعربا. ورسول المسلمين محمد هو من نسل اسماعيل، حسب الروايات. إذن الرسول هو من العرب المستعربة. وإذا كان اسماعيل هو الذي تعرب، لا يمكن للغة أبيه ابراهيم أن تكون العربية، ولا بد أن تكون شيئا آخر، ونحن إن صدقنا الروايات غير العربية، نستخلص أن ابراهيم تحدث الآرامية، أي أننا إن اعتبرنا أن ابراهيم شيد موقعا للعبادة في القدس، فالموقع لم يكن مسجدا، ولا الديانة الإبراهيمية كانت ناطقة بالعربية، حتى لو كانت توحيدية.

نقطة ثانية مرتبطة بإبراهيم تتعلق بهويته. ابراهيم هو جد العبرانيين، من أمهم سارة، وجد العرب، من أمهم هاجر، ومن هم من نسل هاجر يفترض أنهم تعربوا، إذن تعربوا من كونهم عبرانيين، وهو ما يعني أن ابراهيم نفسه كان عبرانيا من نسل عابر، وهو ما يعني أن النبي محمد نفسه كان من نسل عبراني، قبل أن يتعرب جده اسماعيل، وهو ما يعني أنه لو كان فعلا يوجد مكان عبادة وصله الرسول ليلة الإسراء، لكان مكانا عبرانيا سكانه ينطقون بالأرامية واليونانية، ولم يكن تحول إلى مسجد بعد، وربما كان موقعا مسيحيا يعج بالصلبان، وهو ما يمنع صلاة المسلمين ويبطلها.

هذه الأفكار مبنية على ربط بسيط للروايات الإسلامية العربية السائدة، مع تعريج بسيط على بعض العمل التاريخي المبني على نقش النمارة، أي قبر امرؤ القيس، والاستعانة بالتسلسل التاريخي لوضع آية الإسراء في سياقها.

المشكلة أن غالبية المسلمين اليوم تتصور تاريخها بشكل يعكس وضعها الحالي، المعادي لليهود، وتحاول تأكيده بنصوص دينية يمكن تأويلها بأشكال كثيرة، وهي عادة قديمة. المؤرخة اللبنانية ناديا الشيخ اصدرت بحثا قبل عقود حول الآية "غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون". وكلمتا غلبت وسيغلبون تعتمد على التحريك، الذي يحولها من فعل معلوم إلى مجهول، وبالعكس. ولأن التحريك عملية تلت تدوين القرآن بفترة، اختلفت القراءات بين المسلمين على مر العصور. وتظهر الشيخ أن طريقة تحريك المسلمين للكلمتين كانت تعكس علاقة المسلمين بالروم، فإن كانت طيبة، تشير الآية أن الروم سيفوزون، وفي الأزمان التي كانت علاقة المسلمين بالروم عدائية، قرأ المسلمون الآية بشكل يشي بأن الروم سينهزمون.

الحاضر غالبا ما ينعكس على تفسير التاريخ، حتى لو كان تفسير النص نفسه. ربما هذا هو سبب إصرار غالبية مسلمة اليوم على تفسير الآيات المتعلقة بالقدس، أو باليهود عموما، بشكل عدائي. ربما لو خرج مؤرخ قبل ثلاثة قرون، يوم كانت القدس تحت سيطرة عثمانية وتعيش على الهامش، وقال إن "المسجد الأقصى" في آية الإسراء لا بد أن يشير إلى موقع آخر، لكانت غالبية المسلمين تعاملت مع الأمر وكأنه تجديد في التفسير التاريخي وتباين في وجهات النظر التي تحتمل التأويل.

لا بد من فصل التاريخ عن الدين، وفصل الدين عن السياسة، فالتاريخ للتاريخ، والدين غذاء للروح، والسياسة سباق مصالح، فإن دخلت السياسة على التاريخ والدين، أفسدتهما، وان دخل التاريخ والدين على السياسة، أفسداها كذلك.

المارينز في الخليج متأهبون بانتظار... اليابان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

على الرغم من انحسار التوتر الذي ساد مع إيران إبان وصول تعزيزات أميركية الى الخليج، لا تزال القوات الأميركية في الخليج والعراق في حالة تأهب أكثر من العادة، إذ يعتقد القادة العسكريون ان الخطر الإيراني لم ينحسر بعد، وأن إمكانية شنّ طهران أو حلفائها هجمات ضد أهداف ومصالح أميركية ما زالت قائمة. 
وتتزامن المخاوف الأميركية مع تصريحات ايرانية تصعيدية، اذ ظهر مرشد الثورة علي خامنئي حاملاً بندقية أثناء اطلالته بمناسبة حلول عيد الفطر، فيما ادلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف بتصريحات لشبكة «اي بي سي» الأميركية قال فيها إن العقوبات التي أعاد فرضها الرئيس دونالد ترامب على بلاده «بمثابة عدوان» يتطلب رداً إيرانياً. 
ووسط الهدوء الحذر، تقدمت الى الواجهة قنوات الديبلوماسية، يتصدرها شينزو آبي، الذي يزور إيران غدا الاربعاء، ليصبح اول رئيس حكومة ياباني يزور طهران منذ العام 1979. وعلى الرغم ان طوكيو لا تقوم عادة بمبادرة ديبلوماسية على المسرح الدولي، إلا ان قرب آبي من ترامب، شخصياً، والعلاقة الجيدة التي تتمتع بها طوكيو مع طهران، وضعت اليابان في موقع حيادي جيد للقيام بدور وساطة. 
واليابان ليست من الدول الموقعة على الاتفاقية النووية، لكنها أحد اكبر زبائن ايران النفطيين، وهي عمدت على مدى الأشهر الماضية إلى استبدال الطاقة الايرانية بشرائها طاقة من دول منتجة غيرها، بسبب العقوبات الأميركية. 
وفي وقت تعتذر المصادر الأميركية عن تقديم أي تفاصيل حول مطالب اميركا إلى ايران، قدمت الديبلوماسية الاوروبية تصوراً لأهداف المفاوضات مع طهران، في حال حصولها. ويقول ديبلوماسي فرنسي رفيع المستوى، إن الاهداف التي توافق عليها ترامب والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، اثناء لقاء بينهما على هامش الذكرى السنوية الـ 75 لانزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية، هي أربعة: الأول هو تحويل البنود، التي كانت تنتهي صلاحيتها في السنوات العشر المقبلة، في الاتفاقية النووية مع ايران الى بنود دائمة لا تنتهي صلاحيتها. والهدف الثاني تقليص ومراقبة برنامج ايران الصاروخي البالستي. أما الهدف الثالث، فهو «وقف نشاطات ايران المزعزعة في المنطقة، بما في ذلك وقف تمويل وتسليح وتدريب طهران لميليشيات مؤيدة لها خارج اراضيها». 
وأضاف الفرنسيون بند «التوصل الى سلام في المنطقة»، وهو بند تتضارب الآراء حول المقصد منه، ولكن غالبية المتابعين يعتبرون انه يعني توصل إيران الى تسوية وعلاقات جيدة مع جيرانها العرب، بما يكفل إنهاء حرب اليمن وتثبيت الاستقرار في العراق. 
وعلى الرغم ان طهران ذكرت انها هي التي تضع شروطا قبل بدء المفاوضات، وهي شروط يتصدرها رفع أميركا العقوبات، إلا ان واشنطن لا تبدو في عجلة من امرها للتفاوض. وسبق لترامب ان أعلن انه نجح «في وضع الإيرانيين حيث نريدهم». كما قام بتزويد الرئيس السويسري يولي مورر، اثناء زيارة الاخير لواشنطن قبل اسبوعين، بأرقام بدالة البيت الابيض، وقال ترامب لضيفه «هذه أرقامي، ليتصل بي الإيرانيون عندما يقررون التفاوض».

الخميس، 6 يونيو 2019

المسؤولون الأميركيون يؤكدون أن إدلب لن تكون «نزهة» لروسيا والأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اعربت مصادر اميركية عن اعتقادها بان محاولة روسيا والرئيس السوري بشار الأسد اكتساح محافظة ادلب الشمالية، التي يسيطر عليها خليط من فصائل المعارضة المسلحة، لن تكون نزهة. ولفتت الى ان روسيا تشن عمليتها العسكرية في ادلب من دون مشاركة ايران والميليشيات التابعة لها، وهو ما يقلّص عدد القوات المتوافرة للروس والأسد في محاولتهم الحاق الهزيمة بالمعارضة. 
وتقول المصادر ان روسيا هي رأس الحربة في العملية، وان لا كلمة للأسد في استمرارها او توقفها، بل ان مصير العملية يتوقف على المفاوضات الروسية - التركية الجارية لمحاولة تفادي المواجهة الشاملة. 
وتعتقد المصادر ان الرئيس فلاديمير بوتين يسعى لاخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي، وهو لذلك وضعها امام خيار: اما تشتري منظومة الدفاع الجوي الصاروخية «اس 400»، وهو ما يؤدي الى طرد التحالف لانقرة من التحالف، او تختار تركيا البقاء في الناتو، تحت طائلة خسارة عسكرية لفصائل المعارضة المسلحة المتحالفة معها في ادلب. 
بدوره، يسعى، منذ فترة، الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى اقناع نظيره الاميركي دونالد ترامب بضرورة تدخل يمنع سيطرة روسيا على ادلب. وفي اطار المحادثات التي تهدف الى اقناع تركيا بضرورة تخليها عن صفقة «اس 400»، وبقائها في الحلف الأطلسي، وصل انقرة وفد اميركي رفيع المستوى. ومن المتوقع ان يكون مصير ادلب في قلب المحادثات.
وكانت وكالة «رويترز» نقلت عن ديبلوماسيين غربيين ان تركيا بدأت بتسليح فصائل المعارضة الموالية لها بصواريخ «تاو» المضادة للدروع، وهي خطوة تتطلب حكماً موافقة واشنطن، وهو ما يشير الى لين اميركي وتعاون في محاولة لابقاء السيطرة التركية على المحافظة الشمالية. وفي سياق تدخل اميركي اوسع، دان ترامب، في تغريدة، الهجوم الروسي على ادلب، من دون ان يعلن اي خطوات، وهو ما دفع صحيفة «واشنطن بوست» الى التعليق، في افتتاحيتها، ان «التغريدات لا تكفي لوقف الدماء في ادلب، وان على واشنطن القيام بدور اكبر». 
وتشير المصادر الاميركية الى ان روسيا تدير العملية من قاعدة حميميم الجوية، وانها تعتمد على «الفيلق الخامس» الموالي لها في العمليات الارضية. لكن الفيلق المذكور تعرض لخسائر في المعركة التي ادت لسيطرة روسيا على بلدتي حميرات وحردانة، في وقت تعاني روسيا والأسد من ندرة في اعداد المقاتلين، خصوصا بالنظر الى ان المحاور القريبة التي تسيطر عليها القوات الموالية لايران لم تنخرط في القتال، ولا يبدو انها تنوي ذلك. 
ويعلل المسؤولون الاميركيون امتناع الميليشيات الايرانية عن الدخول في المعركة الى «حسابات ايرانية مع تركيا تختلف عن الحسابات الروسية»، وان اردوغان نجح، الى حد ما، في فصل الروس عن الايرانيين في موضوع ادلب. 
ويشير المسؤولون الاميركيون الى ان اعداد مقاتلي المعارضة في محافظة ادلب كبيرة، وان تسليحهم اكثر من العادة، وان المستشارين العسكريين الاتراك ينتشرون بينهم ويساهمون في ادارة عملية تصديهم للروس. 
لكل هذه الاسباب، لا يرى المسؤولون ان انتزاع روسيا لادلب من ايدي تركيا سيكون «نزهة»، وان بوتين ربما يسعى الى استخدام الحملة العسكرية للي الذراع التركية واجبارها على شراء صواريخه، وتاليا الخروج من الناتو. لكن الرئيس الروسي ربما يدرك صعوبة السيطرة على المحافظة بالكامل. 
ما الذي سيتوصل اليه المسؤولون الاميركيون، الذين يواصلون زياراتهم المكوكية لانقرة على مدى الاسابيع القليلة الماضية؟ الاجابة لا بد ان تكون قريبة، خصوصاً مع اقتراب موعد زيارة ترامب لتركيا، المقررة في يوليو المقبل.

الثلاثاء، 4 يونيو 2019

القدس في يومها الإيراني

حسين عبدالحسين

احتفلت "الجمهورية الإسلامية" في إيران، وميليشياتها، والسياسيين من أتباعها في منطقة الشرق الأوسط، بـ "يوم القدس العالمي"، الذي تقيمه سنويا في آخر يوم جمعة من شهر رمضان، وهو يختلف عن "يوم القدس"، الذي تحتفل به دولة إسرائيل سنويا، مطلع كل حزيران/يونيو، في ذكرى سيطرة إسرائيل على النصف الشرقي من المدينة وضمّه لنصفها الغربي في العام 1967.

وتعاني المناسبتان من مناقضتهما القرارات الدولية، فاليوم الإسرائيلي لا يتوافق وقرارات التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة، التي وضعت القدس الغربية تحت سيادة إسرائيلية، والقدس الشرقية تحت سيادة عربية. وما يزال النزاع قائما بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول مصير النصف الشرقي.

أما "يوم القدس" الإيراني، فيعاني من اختراقات أكثر بكثير للقانون والأعراف الدولية، أولها أن القانون الدولي يعتبر العرب ـ الأردنيين أصلا ومن بعدهم الفلسطينيين بعد اتفاقيات أوسلو ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ـ أصحاب الحق في التفاوض مع الإسرائيليين حول السيادة على القدس الشرقية. صحيح أن بعض المواقع في هذه القدس هي تراث عالمي يهودي ومسيحي وإسلامي، إلا أن السيادة محصورة بطرفين متنازعين هما الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا صفة لأي حكومات أخرى ـ إسلامية مثل إيران أو عربية مثل سوريا أو العراق ـ في رفض أو قبول أي تسويات محتملة، وهو ما يعني أن "يوم القدس" الإيراني هو تدخل في سيادة وشؤون دول أخرى.

و"يوم القدس" الإيراني يتسبب بحرج لحلفاء إيران. المسيحيون المتحالفون مع إيران في لبنان، بزعامة رئيسه ميشال عون، يرددون أن "حزب الله" هو مقاومة دفاعية لرد أي عدوان إسرائيلي على لبنان. لكن احتفال "حزب الله" بـ "يوم القدس" لا يشي بالدفاع، بل يعني تدخلا لبنانيا بشؤون دول أخرى. ربما يحرص عون على مصير المواقع المسيحية في القدس، وهو حرص غير مبرر لأنه خارج السيادة اللبنانية، ولكن إذا نصب رئيس لبنان نفسه مدافعا عن المسيحيين في الشرق، يمكنه أن يتوسط لدى حلفائه في طهران للتخفيف من قمعها للمسيحيين، والذي كان آخره نزع السطات الإيرانية صليبا من على كنيسة للأشوريين المسيحيين الإيرانيين، وإقفال الكنيسة.

في العراق، بدا مشهد "المقاومين" وشيوخ العشائر، في شارع فلسطين في بغداد، أكثر عبثية منه في لبنان. صور القدس، وصواريخ، ودوس على أعلام إسرائيل وأميركا، وعلى صور الرئيس الأميركي، وكأن صدام ـ الذي كان يرى نفسه صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس الصليبية ـ ما يزال حاكما للعراق.

ومن يتذكر، قد يتذكر أن العراقيين رموا حجارة "طابوك" على منازل الفلسطينيين، في شارع فلسطين، في اليوم التالي لانهيار نظام صدام، لاعتقادهم أن كل الفلسطينيين عملوا مرتزقة لدى صدام واستخباراته، فرحل خمسة آلاف فلسطيني، وأقاموا في مخيم طريبيل، على الحدود مع الأردن، قبل أن تعيد الأمم المتحدة توطينهم في دول المعمورة.

ختاما، لا بد من التذكير ببعض تاريخ القدس، المدينة التي لم تمارس أي سيادة في الأزمنة التي حكم فيها العرب. والقدس لم تتمتع بأهمية تذكر في عصر العثمانيين، ولم تتقدم أهميتها في التاريخ إلى أن رسم السيدان الأوروبيان سايكس وبيكو خريطة فلسطين، وجعلوا من القدس عاصمة لها، وسط سعي صهيوني لجعلها عاصمة دولة إسرائيل المزمع إقامتها. وقتذاك، استعاد العرب علاقتهم التاريخية المميزة مع القدس، بحسب التراث الإسلامي.

لكن علاقة الإسلام بالقدس ـ التي لم يرد ذكرها في القرآن، على عكس مكة ـ ليست مميزة كثيرا، وهي ترتكز إلى آية قرآنية نصها هو "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى". يعتقد المسلمون أن العبد المذكور هو رسولهم، وأن المسجد الحرام هو في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى هو مجمع "قبة الصخرة" و"مسجد عمر" في القدس. لكن القدس، في ذلك الزمن، كانت تحت حكم بيزنطي مسيحي، وخالية من أي مسلمين، وتاليا أي مساجد، وهو ما يجعل اعتبار "المسجد الأقصى" في القدس، في زمن الرسول، أمرا لا يتوافق والتسلسل التاريخي.

ثم أن فعل أسرى هو جذر كلمة إسرائيل. صحيح أن العهد القديم يفسّر اسم إسرائيل على أنه لقب يعقوب لأنه "صارع الرب"، إلا أن التفسير التوراتي يتنافى وإيتمولوجية الكلمة، فلو كان الجذر هو صراع، لصار اسمه "يصارع إيل" أو يصرعئيل. والعبرية، مثل العربية، فيها الصاد والسين، وإسرائيل بالعبرية مكتوبة بالسين، لا بالصاد، ما يجعل تفسير "أسرى إيل" هو الأكثر احتمالا. هنا يصبح يعقوب، أو أي شخص يحمل لقب "إسرائيل"، هو الشخص الذي قاده الرب في عملية سير، هجرة أو عبور، فإن اعتبرنا أنها هجرة، فهي تنطبق إذ ذاك على هجرة الرسول، ويصبح المسجد الحرام مكة، والمسجد الأقصى المدينة.

أما إذا اعتبرنا أن الإسراء يدل على العبور، فيمكن ربطه بأكثر من شخصية توراتية وقرآنية، مثل عابر (هود)، الذي قاد عبور قومه، فمنحهم اسمه، عبرانيون، أو مثل موسى، ومن بعده يشوع (يهوشع أو جوشوا) النبي (أو ذي النون في قراءة مغايرة). ويشير المسيحيون إلى تشابه بين يشوع ويسوع، الأول قاد العبرانيين إلى الخلاص من مصر إلى أورشليم، والثاني قاد البشرية إلى الخلاص الأبدي. إذن، الإسراء هو الخلاص، وهو صفة لمعظم الأنبياء والرسل، ولا يمكن تفسيره كصك ملكية تاريخية، مثلما يفعل بعض المسلمين في حالة القدس.

هذه الأمثلة هي لتفسير الإسراء، وأهدافه، بشكل مغاير للتفسير غير المقنع الذي يقدمه التراث الإسلامي، والذي تخالطه خرافات، من قبيل امتطاء الرسول في إسرائه حصانا مجنحا، البراق، ثم ربطه بحائط المبكى، وكأنه يمكن ربط حصان طائر بحائط.

على أن التاريخ للتاريخ، وما يهم اليوم هو تسوية تضمن حقوقا متساوية لكل سكان القدس، اليهود والمسيحيين والمسلمين، وتحفظ التراث البشري التاريخي الديني فيها، وهذا، في الغالب، متعذر بالصواريخ والحروب.

Since December 2008