الخميس، 19 أبريل 2018

روسيا... نقطة ضعف ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حتى بعد الضربة العسكرية الثانية، التي وجهتها الولايات المتحدة إلى قوات الرئيس السوري بشار الأسد، منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض مطلع العام الماضي، ماتزال سياسة ترامب تجاه سورية مُبهمة، لا يضاهيها في الإبهام إلاّ سياسته تجاه روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
ترامب كان فاجأ كبار العاملين في إدارته بدعوته إلى سحب القوات الاميركية المنتشرة شرق الفرات في سورية، وهي دعوة يعتقد كثيرون أنها شجّعت الأسد على امتحان المجتمع الدولي بشنّه ضربة كيماوية محدودة ضد دوما في غوطة دمشق الشرقية. بعد الكيماوي، وجد ترامب نفسه في موقف مشابه للذي وجد نفسه فيه سلفه باراك أوباما بعد هجمات الأسد الكيماوية على ضاحية الغوطة الشرقية في أغسطس 2013. ولأن سياسته مبنية على عكس كل ما قام به أوباما، وجد ترامب نفسه مضطراً للقيام برد فعل عسكري، بغض النظر عن حجمه، لتقديم نفسه على أنه الرئيس القوي، على عكس سلفه الضعيف.
أطلق ترامب النقاش داخل إدارته، فيما راح هو يستعرض عضلات الولايات المتحدة، وأطلق وصف «حيوان» على الأسد، وهدد بوتين بصواريخ أميركية «جميلة وذكية» ستنهمر على رأس الأسد وحلفائه في سورية. وسط كل التهديد والوعيد، بقي ترامب متردداً في شن ضربة عسكرية ضد نظام الأسد، وطالب بشن «ضربة مؤلمة» ثم الانسحاب بعدها فوراً. لكن وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس الأركان جوزيف دنفورد، خشيا أن تؤدي أي ضربة جدية تطول الميليشيات الموالية لايران إلى ردود فعل ايرانية ضد القوات الأميركية في العراق.
تردد ترامب حمل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي يزور واشنطن الأسبوع المقبل، إلى إقناع نظيره الأميركي بضرورة القيام بعمل عقابي ضد الأسد. ماكرون نفسه كان توعد الأسد بعقاب عسكري في حال استخدم الأخير سلاحاً كيماوياً، ولم يكن الرئيس الفرنسي ينوي أن يظهر بمظهر أوباما وخطوطه الحمراء الشهيرة. 
مع إصرار باريس ولندن وفي ظل إجماع أميركي، حسم ترامب موقفه بشن الضربة، لكنه تذرّع بماتيس ودنفورد لمواجهة الصقور، بقيادة مستشار الأمن القومي جون بولتون، المطالبين بضربة واسعة ضد الأسد. وعلى الرغم من أن ترامب يحرص على الظهور بمظهر أكثر الرؤساء الأميركيين قرباً من اسرائيل، في الغالب لنيل الدعم اليهودي الاميركي لفوزه بولاية ثانية في 2020، إلا أن مطالبة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لترامب بعمل عسكري أميركي ضد الايرانيين في سورية أدى إلى بعض التوتر بين الزعيمين، فترامب لا يعتقد أن مهمة أميركا تقضي بتدخلها في الحرب السورية، بل يعتقد أن أميركا تقدم دعماً واسعاً لاسرائيل، وان على الاسرائيليين أنفسهم تولي هذه المهمة.
على أن ما يلفت الأنظار في سياسة ترامب الخارجية عموماً هو محاولاته الحثيثة للوقوف على رأي موسكو ومصادقتها. ويردد ترامب، الذي يكاد يستغني عن كل حلفاء الولايات المتحدة، ان العلاقات الجيدة مع روسيا هي أفضل من حال العداء، وهو ما يطرح السؤال التالي: لماذا يتمسك ترامب بمصادقة موسكو فيما لا يكترث بالحفاظ على تحالفات وصداقات أميركا القائمة؟
الخبراء في العاصمة الاميركية يعتقدون أن ترامب مَدين لموسكو، وأنه رجلها في واشنطن، وان هذا هو التفسير الوحيد الممكن لسياسة الرئيس التي تحاول مراعاة روسيا عند كل منعطف، من قبيل محاولته نقض قانون تمت المصادقة عليه بإجماع الكونغرس، يهدف لفرض عقوبات اضافية على الحكومة الروسية، مروراً برفضه فرض العقوبات الإضافية حتى بعد توقيعه القانون، وصولاً إلى طرده 60 ديبلوماسياً روسياً من دون أن تطلب واشنطن من موسكو تخفيض عديد بعثتها، وهو ما يعني أنه يمكن للخارجية الروسية إعادة ارسال 60 ديبلوماسياً بديلاً عن الذين أبعدتهم الولايات المتحدة.
وفي سياق محاباة روسيا، أحرج الرئيس الاميركي موفدته الدائمة الى الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي كانت أعلنت أن وزارة الخزانة ستفرض عقوبات على الشركات الروسية المتورطة في تصدير أدوات ومواد تدخل في صناعة ترسانة الأسد الكيماوية. لكن البيت الأبيض عاكس تصريح هايلي، ورد عليها ليل أول من أمس بما يشبه التوبيخ.
وسط استماتة ترامب في نيل رضا روسيا، ومع قيامه بتهنئة بوتين على فوزه بولاية رابعة في انتخابات اعتبرتها الخارجية الأميركية مزيفة، ومع دعوة ترامب بوتين لزيارة البيت الابيض على عكس نصيحة مستشاري الرئيس الاميركي، تبدو روسيا وكأنها نقطة ضعف ترامب. 
ولأن الرئيس الأميركي يُحاول استرضاء نظيره الروسي بشكل متواصل، توصّل المعنيون إلى نتيجة مفادها أن ترامب يتبنّى سياسة في الشرق الاوسط، وفي سورية خصوصاً، تُلبّي مصلحة روسيا. في هذا السياق، أدرج المعنيون قرار ترامب سحب القوات الاميركية من شرق الفرات بشكل كامل.
داخل البيت الابيض، ينقسم الفريق الرئاسي إلى قسمين: الأول بقيادة وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهو فريق لا يرى مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة في الابقاء على أي قوات لها شرق سورية، ولا يعتقد أن «الهلال الايراني» مشكلة حقيقية، بل يعتقد أنه يمكن لايران تزويد حلفائها في سورية ولبنان بالسلاح والعتاد من دون صلة الوصل على الأرض. أما الفريق الثاني، فيقوده مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي يعتقد أن من مصلحة الولايات المتحدة الإبقاء على قواتها في سورية، وتعزيز هذه القوات للقضاء على الوجود الايراني، وهو الوجود الذي يقلق اسرائيل ويزعجها.
حتى الآن، يبدو أن بولتون وفريق الابقاء على القوات الأميركية شرق الفرات كسب المعركة داخل الإدارة، لكنه مكسب موقت، وتزامن مع إعادة إحياء اقتراح كان تقدم به شقيق وزيرة التربية وصاحب شركة «بلاك ووتر» للأمن إريك برينس، والذي كان اقترح سحب القوات الأميركية من افغانستان واستبدالها بجيش خاص يتشكل من مرتزقة أميركيين. 
في سورية، يبدو أن ترامب يعتقد أنه يمكن تشكيل قوة عربية تشارك فيها السعودية والإمارات ومصر ومرتزقة أميركيون، يعملون بمثابة مدربين ومستشارين، ويكون تمويل القوة من بعض حكومات الخليج. ولكن ما هي مهمة هذه القوة البديلة للقوات الاميركية شرق سورية، خصوصاً أن مواقف حكوماتها تجاه الأسد والأزمة السورية متباين بشكل عام؟ 
خطة ترامب في سورية تبدو، مثل صاحبها، مرتبكة ومتخبطة. الثابتتان الوحيدتان هو أن ترامب يسعى لإرضاء بوتين، ويريد سحب القوات الاميركية بشكل يسمح له بالتباهي أمام قاعدته الشعبية والقول إنه قضى على «داعش» وقام بإنهاء الحرب في سورية والعراق وسحب القوات الاميركية منها.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008