الأحد، 20 أكتوبر 2019

مكاسب سياسية لترامب من «السلام الهش» بين تركيا وأكراد سورية

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

بعد نحو أسبوع من شن تركيا عمليتها العسكرية في المناطق السورية التي تسيطر عليها مجموعات كردية، بدا أن أنقرة غير قادرة على تحقيق هدفها بالسرعة والسهولة التي اعتقدتها، ولا أميركا قادرة على حماية حلفائها الأكراد، ولا المجموعات الكردية قادرة على تسليم كل الأراضي التي تسيطر عليها إلى روسيا والرئيس السوري بشار الأسد بسب نقص فادح في أعداد المقاتلين لدى الروس والأسد.
وبسبب صعوبة تحقيق الأطراف المعنية أهدافها، قدم كل منها تراجعاً، علنياً أم ضمنياً. تركيا، التي كانت رفضت أي هدنة وكررت أنها لا تتفاوض مع الإرهابيين الأكراد، دخلت في هدنة موقتة مدتها خمسة أيام، على شرط أن يقوم الأكراد، الذين كانوا أعلنوا رفضهم الانسحاب والقتال حتى الموت، بالانسحاب من المناطق السورية التي تطالب تركيا باحتلالها وإقامة «حزام أمني» فيها، وهو حزام أبرز ما فيه انه يقسّم الأراضي الكردية ويقوّض الحكم الذاتي الذي يمارسه الأكراد منذ سيطرتهم على الأراضي التي انتزعوها من «داعش».
وفي أنقرة التي زارها الخميس الماضي برفقة وزير الخارجية مايك بومبيو، قال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إن «الجانب التركي سيجمّد عملية نبع السلام حتى يسمح لقوات، واي بي جي، (وحدات حماية الشعب الكردية) الانسحاب من المنطقة الآمنة في مهلة 120 ساعة». وأضاف أن العملية العسكرية التركية «ستتوقف تماماً على إثر اكمال الأكراد انسحابهم».
ولإقناع أنقرة بالهدنة، تعهدت الولايات المتحدة بتعليق نيتها فرض أي عقوبات اقتصادية جديدة على تركيا، وفي حال تم التوصل الى وقف إطلاق نار دائم وتعليق العملية العسكرية، ترفع واشنطن العقوبات التي كانت فرضتها على مسؤولين، على اثر بدء العملية، وتعيد تخفيض التعرفة الجمركية على واردات أميركا من الفولاذ الصلب التركي.
على أن العقوبات التي فرضتها واشنطن على «خلق بنك» التركي بتهمة تبييض أموال واختراق العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، قبل التوصل للاتفاقية النووية معها في العام 2015، باقية.
وكان الرئيس دونالد ترامب وعد نظيره التركي رجب طيب أردوغان بعدم فرض عقوبات على البنك التركي، والسعي لاطلاق سراح رجل الاعمال التركي - الإيراني رضا ضرّاب. لكن العقوبات وبقاء ضرّاب تحت الإقامة الجبرية جاءا بقرارات قضائية لا سلطة لترامب على التأثير بها.
أما أول مكاسب الولايات المتحدة من «السلام الهش» بين تركيا والأكراد، إن تم التوصل إليه، فسياسي في مصلحة الرئيس ترامب، الذي يعاني من ضغط هائل في العاصمة الأميركية بسبب اضطرابه في كيفية اتخاذ قرار سحب القوات الأميركية من شمال سورية الشرقي وتخليه عن الأكراد، الذين كانوا شكلوا القوات الأرضية لتحالف القضاء على «داعش».
ثاني مكاسب الولايات المتحدة هو التوصل مع تركيا لاتفاق يقضي بإشراف أنقرة على السجون التي تأوي مقاتلي «داعش»، والتي كانت بعهدة الأكراد. ويخشى الأميركيون هرب عدد من أفراد التنظيم من سجونهم، وهو ما دفع رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر إلى المبادرة لسؤال ترامب عن خطته في سورية، فأجاب ترامب ان خطته هي «إبقاء الشعب الأميركي آمنا»، فأجاب شومر ان «هذا هدف وليس خطة، والمطلوب خطة للتأكد أن داعش لن يعود الى الحياة وأن مقاتليه لن يخرجوا إلى الحرية».
وزاد في مشاكل ترامب السياسية تصريحات وزير دفاعه السابق جيمس ماتيس والمبعوث الخاص لقيادة الحرب ضد «داعش» بريت ماكغورك، اللذين خالفا مواقف الرئيس وآرائه القاضية بالانسحاب. ولفت ماكغورك في إطلالاته الإعلامية إلى أن ترامب أثبت انه من الهواة في الشؤون الدولية، إذ حتى طريقة سحبه القوات الأميركية من سورية جاءت بطريقة عشوائية وفورية فاجأت وزارة الدفاع.
ووجد الجنود الأميركيون أنفسهم عالقون وسط معارك بين الأكراد والأتراك، وصار انسحابهم تحت رحمة القوات التركية. وبسبب عجلة الأميركيين في تنفيذ الانسحاب، لم يتح لهم الوقت الكافي لسحب عتادهم ومخازن أسلحتهم، فتركوها وراءهم، ثم أغارت عليها مقاتلاتهم لتدميرها حتى لا تقع في أيدي قوات معادية.
ومشهد الانسحاب العسكري الأميركي الفوضوي في سورية ذكّر الأميركيين بمشهد انسحاب أميركا الفوضوي من فيتنام، مطلع السبعينات، الذي اضطر العسكريين يومذاك إلى إلقاء المروحيات من على سطح سفنهم لافساح المجال أمام جنودهم وأصدقائهم المحليين الهاربين من سيطرة الشيوعيين.
وزاد في طين ترامب بلة كشفه عن رسالة الى أردوغان كان طالبه فيها بتفادي «ارتكاب مذابح» في اجتياحه الشمال السوري، وهي رسالة لغتها ركيكة وأثارت سخرية الأميركيين. ثم جاء تصريحان لترامب دفعا غالبية الأميركيين إلى التساؤل ان كان رئيسهم بكامل قواه العقلية. في التصريح الأول، قال ترامب أنه ليس دور أميركا الدفاع عن أراضي الأسد في سورية، فالأسد ليس صديق أميركا، وهو ما كشف أن ترامب لا يلمّ بأي تفاصيل حول الوضع السوري ولا يعرف حتى مكان انتشار القوات الأميركية التي يصرّ على انسحابها منذ وصوله الحكم.
وفي تصريح ثان، قال ترامب إن الأكراد ليسوا ملائكة، وإنهم يعيشون في أرض فيها رمال كثيرة، وانه الأفضل لهم أن يلعبوا في الرمال.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008