واشنطن - من حسين عبدالحسين
تضع إدارة الرئيس دونالد ترامب، اللمسات الأخيرة على طلب «التحكيم» الذي ستتقدم به الى الأمم المتحدة لإبطال قرار مجلس الأمن الرقم 2231، الذي يكرّس الاتفاقية النووية مع إيران. وكان المسؤولون الإيرانيون عبّروا عن ارتياحهم، بل سخريتهم من الولايات المتحدة، بعدما فشلت في الحصول على أكثر من صوت واحد في مجلس الأمن لدعم القرار الذي تقدمت به، والذي ينص على تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، والذي تنتهي صلاحيته في 18 أكتوبر المقبل.
وباستثناء جمهورية الدومينيكان، لم تحصل واشنطن على أي صوت لدعم القرار الذي تقدمت به أمام المجلس، فيما اكتفى حلفاؤها الأوروبيون - لندن وباريس وبرلين - بالامتناع عن التصويت.
ورغم الصورة السلبية التي قدمتها «هزيمة» واشنطن في مجلس الأمن، إلا أن المصادر الأميركية تقول إن المضي بوضع القرار بـ«الحبر الأزرق» لطرحه على التصويت، بدلاً من سحبه لتفادي الهزيمة وحفظ ماء الوجه، كان جزءاً من الخطة.
وتشير إلى تذبذب في الموقف الأوروبي. وتضيف أن العواصم الأوروبية كانت أعربت عن معارضتها لنهاية حظر السلاح على إيران، ووعدت بدعم واشنطن لتمديد الحظر، بما في ذلك محاولة انتزاع موافقة روسية وصينية على عدم نقض القرار أو الإطاحة به.
الخطة الأميركية يبدو أنها هدفت إلى إعطاء الديبلوماسية فرصة أخيرة قبل نسف الاتفاقية النووية بأكملها عبر تفعيل خيار «العودة التلقائية» إلى ما قبل القرار 2231.
ويقول المسؤولون الأميركيون: «لو وافق مجلس الأمن على تمديد حظر السلاح على طهران، لتفادى القضاء على الاتفاقية النووية برمتها، لكن مجلس الأمن لم يترك لنا خياراً آخر... ونحن حاولنا».
وبحسب تفسيرات الإدارة الأميركية لنص القرار 2231، يمكن لأي من الدول السبعة الموقعة على الاتفاقية النووية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيران)، طلب مراجعة القرار، وهو ما يعطي مهلة 30 يوماً للتوصل الى قرار جديد في مهلة 30 يوماً. وفي حال فشل المجلس في ذلك، تعود العقوبات الاقتصادية التي كانت تفرضها الأمم المتحدة على إيران.
والخطة الأميركية ليست سراً، بل يتداولها مسؤولون كثيرون وخبراء. وفي السياق، اعتبرت الباحثة ايليسا ايويرز أنه «لطالما كانت الرقصة حول حظر الأسلحة مقدمة لهدف أكبر: حرق الجسور المتبقية الذي قد يؤدي إلى نسف اتفاق عام 2015».
وكتبت في «فورين بوليسي» أن إدارة ترامب «تسعى إلى إجراء إداري من داخل نص الاتفاقية النووية ذاتها، التي كان انسحب منها البيت الأبيض في عهد ترامب قبل عامين».
وتابعت ايويرز أن روسيا والصين تحاولان بدورهما اللجوء إلى «حجج فنية وقانونية ضد الخطوة الأميركية، ومفادها بأن الولايات المتحدة فقدت حقها في فرض العودة التلقائية للعقوبات بمجرد خروجها من الاتفاق النووي».
ويستند موقف كلاً من روسيا والصين إلى أن القرار 2231 يحدد بوضوح أنه لا يمكن إلا للدول المشاركة في الاتفاق اللجوء إلى العودة التلقائية، وهو «موقف قانوني أيده أخيراً مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، المعارض للاتفاق النووي والذي ترك ترامب تحت إشرافه الاتفاق»، حسب الخبيرة الأميركية.
وتختم ايويرز: «في النهاية، هذه معركة سياسية أكثر منها قانونية. والحالة السياسية التي يبدو أن الدول الأوروبية تفضلها، هي أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الشرعية للجوء إلى خيار العودة التلقائية للعقوبات نظراً لأنها عودة مدفوعة بالرغبة في تخريب الاتفاقية متعددة الطرف، في المقام الأول، بعد قضاء العامين الماضيين في تقويض أسسها».
وفي وقت دعا الرئيس فلاديمير بوتين الى لقاء قمة على مستوى رؤساء الدول يجمع الدول الستة «المتبقية» في الاتفاقية النووية، حسب وجهة نظر روسيا والصين، رحبت بكين، بينما شكك الأميركيون في مشاركة الأوروبيين.
ويبدو أن موسكو وبكين تستعدان لإلحاق هزيمة بواشنطن، بما في ذلك تعطيل محاولاتها القضاء على الاتفاقية. لكن المسؤولين الأميركيين لا يستسيغون كيف يمكن للعالم عدم احترام نص صادر عن مجلس الأمن، «انسحابنا من الاتفاقية كان شفوياً، ولم نوجه كتاباً خطياً للأمم المتحدة بذلك، وطالما أن اسمنا مكتوب على لائحة الدول التي يمكن لها طلب التحكيم، فسنطلبه، وإذا لم تلتزم الدول الأعضاء نص القرار، تصبح هي في مواجهة الأمم المتحدة والقانون الدولي».
وتأتي المواجهة الأميركية مع روسيا والصين بالتزامن مع تصعيد في المواجهة ضد إيران، على خلفية تسريب اجهزة استخبارات أميركية تقارير تشير إلى قيام طهران بدفع مكافآت لـ«الطالبان» في أفغانستان لقتل جنود أميركيين. وفي الوقت نفسه، قامت البحرية الأميركية بمصادرة أربع ناقلات نفط إيرانية كانت متوجهة إلى فنزويلا.
المواجهة بين أميركا وإيران تتصاعد، ديبلوماسياً كما في البحار، في وقت يسعى «صقور واشنطن» ومعارضو الاتفاقية النووية إلى الإسراع في نسفها، لا قبل حلول موعد نهاية الحظر الأممي القائم على إيران ضد استيرادها وتصديرها للسلاح في 18 أكتوبر فحسب، بل قبل الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر المقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق