الاثنين، 2 أكتوبر 2023

الامارات وقمة المناخ، وأميركا وحضارة الكلاب

حسين عبدالحسين

تتواصل الحملة التي تشنها بعض الدوائر الغربية، وخصوصا في الإعلام الأميركي، ضد استضافة دولة الامارات العربية المتحدة لقمة مؤتمر الأطراف (كوب 28)، المخصصة لتوحيد الجهود العالمية لتقليص انبعاثات الكربون، وتقييم التقدم المحرز في مكافحة التغيُّر المناخي. 

حجج معارضي استضافة الامارات للقمة متنوعة، وضعيفة، بل مبهمة. فالإمارات لا تتصدر قائمة الدول التي ينبعث منها الكربون، ولا هي في صفوف أكبر خمس دول مصدّرة للطاقة (من هذه الدول أميركا وكندا)، ولا هي تتصدر الدول في استهلاك ”الطاقة القذرة“، مثل الفحم، بل أن أرقام استهلاك الامارات للطاقة تظهر أن 60 في المئة من الاستهلاك الاماراتي هو من ”الطاقة النظيفة“، أي الغاز، مع 36 في المئة من النفط، وواحد في المئة من ”الطاقة المتجددة“. ويمكن مقارنة هذه الأرقام الإماراتية بالاستهلاك الأميركي، الذي يتعادل ونظيره الامارات في النفط، ولكن يتخلف عنه بفارق شاسع في الاعتماد على الغاز لانتاج الطاقة اذ يبلغ 30 في المئة. 

والولايات المتحدة، التي تتصدر العالم في انتاج واستهلاك ”الطاقة المتجددة“ بواقع 14 في المئة من اجمالي لاستهلاكها، فضلا عن 8 في المئة يستند الى الطاقة النووية، ما تزال تلجأ الى ”الطاقة القذرة“، أي الفحم، لتلبية 10 من استهلاكها، وهي نسبة مرتفعة، خصوصا بالنظر الى اجمالي حجم الانبعاثات الأميركية، الثانية في العالم بواقع 14 في المئة بعد الصين، الأولى، والتي تساهم في 30 في المئة من اجمالي الانبعاث الكربوني عالميا. 

كذلك تقوم الامارات باستخدام تقنية امتصاص وتخزين 0.7 في المئة من اجمالي انبعاثاتها الكربونية، وتسعى لرفع هذه النسبة الى 1.5 في المئة، في وقت يبلغ المعدل العالمي 0.45 في المئة. 

ضعف الأسباب الموجبة أو المقنعة التي يسوقها معارضو استضافة الامارات للقمة يشي بأن لهؤلاء أهداف سياسية خفية لا تتعلق بحرصهم على المناخ أو أساليب مكافحة تغيره، بل ”لغاية في نفس يعقوب“، على حسب القول المأثور. 

من هؤلاء المغرضين عضو مجلس الشيوخ من الحزب الديموقراطي شلدون وايتهاوس، الذي نظّم توقيع عريضة، بالاشتراك مع بعض من زملائه في الكونغرس وفي برلمان الاتحاد الأوروبي، ووجهوها الى الأمم المتحدة لإبداء معارضتهم لاستضافة الامارات القمة. 

ووايتهاوس هذا يقف في صفوف الجناح المسمى ”تقدمي“، أي أقصى اليسار، في الحزب الديموقراطي، وهو حامل لواء مكافحة التغير المناخي، ويقود سيارة كهربائية. لكن شعبوية وايتهاوس تظهر عند مطالعة الصورة العائلية التي يقدمها على موقعه، اذ تظهره برفقة كلب العائلة. 

والكلاب من الحيوانات الأليفة الأكثر شعبية بين الأميركيين. وتظهر الأرقام أن عدد البيوت الأميركية التي تأوي كلب أو قطة ارتفعت من 50 الى 66 في المئة مع انتشار جائحة كوفيد في العام 2020. ويبلغ عدد الكلاب والقطط الأليفة في البيوت الأميركية 135 مليونا، في وقت يقدّر اجمالي عدد الأميركيين بـ 334 مليونا، أي أن نسبة الحيوانات الأليفة في بيوت الأميركيين تبلغ 40 في المئة من اجمالي السكان في البلاد. 

وأجبر ولع الأميركيين بالكلاب الرئيس السابق باراك أوباما على اقتناء كلبا إثر انتخابة للرئاسة في العام 2008، فيما شن الأميركيون من الحزبين حملة ضد خلفه دونالد ترامب بسبب عدم وجود كلب أثناء رئاسته في البيت الأبيض، وهو ما أجبر الرئيس الحالي جو بايدن على المسارعة لاقتناء كلب فور انتخابه رئيسا. لكن كلب بايدن تبين أنه ليس أليفا بما فيه الكفاية اذ قام — على مدى السنوات الثلاثة الماضية — بعضّ 11 من أفراد ”الشرطة السرية“ المولجة حماية الرئيس. 

الولع الأميركي بالكلاب والقطط يجعل السياسيين الشعبويين، من أمثال وايتهاوس، يشنون حملات ”مناخية“ ضد دول مثل الامارات، بدون التلفت الى الأثار البيئية الكارثية للحيوانات الأليفة في العالم، خصوصا في الولايات المتحدة، إذ يدرك الشعبويون من أمثال وايتهاوس أن دعوة الأميركيين الى التخلي عن عادة اقتناء الكلاب هو بمثابة الانتحار السياسي الذي قد يكلّفه مقعده في مجلس الشيوخ. 

الكلاب والقطط الأليفة، على ظرافتها وتأثيرها النفسي الإيجابي على أصحابها حسب ادعائهم، لا تأكل الخضار أو الفواكه، بل هي تأكل اللحوم فقط، وهو ما يجبر معدي وجبات أكل هذه الحيوانات الأليفة على تربية الماشية لتلبية حاجة الكلاب والقطط في البيوت. وتظهر الأرقام أنه لو كان لكلاب وقطط الولايات المتحد دولتهم المستقلة، لحلّت هذه الدولة الخامسة في الترتيب العالمي في استهلاك لحم البقر، وهو ما يعني أن تأمين الطعام لحيوانات أميركا الأليفة يوازي الانبعثات الكربونية لقيادة 14 مليون سيارة سنويا، وهو رقم هائل. هذا عن الطعام. 

أما لو أضفنا الكربون الصادر عن عملية تنفس كلاب وقطط أميركا، وأضفنا اليها غازات الميثاين الصادرة عن عملية الخروج، والأكياس البلاستيكية التي يستهلكها أصحاب الكلاب يوميا للتنظيف بعد كلابهم، لتحولت هذه الحيوانات الأليفة الظريفة الى وحوش مناخية. 
لن نسمع وايتهاوس ولا المغرضين ممن يشنون حملة ضد استضافة الامارات للقمة المناخية، يحذرون العالم من آثار الكلاب والقطط السلبية على المناخ، بل هم سيتغاضون عن هذه المشكلة لأنها مكلفة لهم سياسيا، وسيرمون الآخرين بسهامهم لأنها تظهرهم بمثابة أبطال المناخ، وتكسبهم رصيدا شعبيا، وتزيد من أمية أنصارهم وأمية الرأي العام الأميركي والعالمي. 

مكافحة التغيير المناخي قضية تطال العرق البشري بأكمله، والتعامل معها يتطلب أوسع نقاش ممكن بين كل البشر، من حكومات وشركات وناشطين ومواطنين عاديين، وتحديد الأولويات، لا رمي الآخرين باتهامات مضللة والتغاضي عن الممارسات الشخصية المؤذية للمناخ. 

لكلّ منا انبعاثات كربونية في حياتنا اليومية، وتقليصها يتطلب الصراحة، ونشر الوعي، والحوار الهادئ، لا البطولات السياسية الوهمية لكسب شعبية أمام المناصرين، والداعمين، والجهات المغرضة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008