الأحد، 14 فبراير 2016

هل يحوّل ساندرز أميركا إلى الاشتراكية؟

حسين عبدالحسين - واشنطن 

مرات قليلة هي التي تقدّم بها مرشح «اشتراكي» إلى الرئاسة الأميركية. السيناتور بيرني ساندرز، الذي يحاول الفوز بترشيح «الحزب الديموقراطي»، على رغم كونه عضواً في «الحزب الاشتراكي الديموقراطي»، يَعِد المرشحين بتنفيذ برنامج اقتصادي لم يعتده الأميركيون.

في تسع نقاط، يقدم موقع ساندرز البرنامج الاقتصادي الموعود، الذي يظهر أن في حال انتخاب ساندرز رئيساً، ستقوم الحكومة الفيديرالية بتحصيل نحو 37 تريليون دولار من الجباية الإضافية على مدى العقد المقبل. ويعد ساندرز بإنفاق هذه الأموال على برنامج رعاية صحية واجتماعية، وتمويل دراسات جامعية ومشاريع بنى تحتية.

وتلقف الباحثون المؤيدون للمدرسة الاقتصادية «الكينزية» برنامج ساندرز وأغدقوا المديح عليه، وقدم بروفسور الاقتصاد في جامعة «ماساشوستس أمهرست» جيرالد فريدمان، دراسة جاء فيها أن في حال وصول ساندرز إلى الرئاسة وتطبيق برنامجه، سيرتفع معدل مدخول العائلة الأميركية إلى 82 ألف دولار سنوياً عام 2026، وهو معدل أعلى بكثير مما يتوقعه «مكتب الموازنة» التابع للكونغرس والذي يقدر وصول المعدل إلى 59 ألفاً و300 دولار.

واعتبر فريدمان أن بموجب خطة ساندرز، سينمو الناتج المحلي الأميركي بواقع 3.5 في المئة سنوياً، بدلاً من 1.2 في المئة، وهو المعدل السنوي للنمو الأميركي على مدى العقدين الماضيين. وقال إن معدل الفقر بين السكان سينخفض من 9.13 إلى 6 في المئة. وتوقع أن ترتفع نسبة المشاركين الأميركيين في سوق العمل من 59.6 إلى 64 في المئة. ويُعتقد أن سبب النهضة الاقتصادية الأميركية في عهد ساندرز سيكون إنفاق الحكومة مبلغ 14 تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة.

لكن توقعات فريدمان تشوبها أخطاء، لأن المبالغ التي يَعِد ساندرز بجمعها وضخها سنوياً تفوق بكثير 14 تريليون دولار، وهو مبلغ يساوي 78 في المئة من حجم الاقتصاد الأميركي أصلاً. كما أن مشاركة الأميركيين في سوق العمل تبلغ، وفق تقرير الشهر الماضي، 62.7 في المئة وليس 59.6 في المئة.

وقيام الحكومة الفيديرالية بجمع مبلغ 14 تريليون دولار وضخها في السوق عملية شبه مستحيلة، إلا إذا كان السيناتور ساندرز ينوي الضغط على مجلس الاحتياط الفيديرالي لتشغيل مطابعه. لكن من شأن خلق هذه الكمية من الثروة الورقية، أن يؤدي إلى انفلات التضخم من عقاله، وهو يعني أن ارتفاع معدل دخل الأسرة الأميركية بواقع 20 ألف دولار سنوياً، لن يكون تأثيره فعلياً، كما يعد ساندرز ومؤيدوه.

ومن يطالع موقع ساندرز، يجد أن المرشح الرئاسي قدم عدداً من الاقتراحات لجمع هذا المبلغ وضخه في الاقتصاد الأميركي. أكبر مصادر التمويل التي يقدمها ساندرز هي إلغاء الإعفاء الضريبي على الفائدة المدورة، ما من شأنه أن يدر على الاقتصاد مبلغ 6.15 تريليون دولار في عشر سنوات.

المصدر الثاني هو رفع الضريبة المخصصة للتأمين الصحي على المؤسسات والأفراد، ليجني 9.13 تريليون في عشر سنوات. المصدر الثالث هو فرض ضريبة على المضاربات في أسواق الأسهم المالية، التي ستؤمن ثلاثة تريليونات دولار. أما المصدر الرابع، فهو رفع ضريبة الدخل على مَن يجنون أكثر من 250 ألف دولار سنوياً، وهو ما من شأنه تحصيل 1.2 تريليون في العقد المقبل. المصدر الخامس هو فرض ضريبة على عائدات الشركات الأميركية في الخارج، ما يولّد مبلغ تريليون دولار مع حلول عام 2026. أما الاقتراحات الأربعة الأخرى لزيادة جباية الخزينة الأميركية، فهي تدر على الحكومة عائدات أقل بكثير من المذكورة أعلاه.

نظرياً، قد تبدو وعود ساندرز مغرية، لكن الواقع يشير إلى سلسلة من الأخطاء، أهمها أن القطاعات التسعة التي يعد ساندرز باستثمار الأموال الإضافية فيها ليست ذات مردود عال، إذ باستثناء إنفاق تريليون دولار على مدى العقد المقبل على مشاريع البنية التحتية، يعد ساندرز باستثمار 9.16 تريليون دولار في توسيع الضمان الصحي وصندوق الضمان الاجتماعي، وتمويل صناديق التقاعد، وهذا مبلغ كبير لإنفاقه على هذه القطاعات الثلاثة غير المنتجة، والتي لا تعود على الاقتصاد بغير استهلاك أصحابها في السوق.

ثم يعد ساندرز بإنفاق 2.25 تريليون دولار على برنامج جديد ينوي خلقه ويحمل اسم «توظيف الشباب الأميركيين». ومن غير الواضح من يوظف هؤلاء الشباب وما الذي تجنيه الحكومة في رفع ضرائبها وإنفاقها على مرتبات إضافية، بدلاً من حفز القطاع الخاص على التوظيف.

ختاماً، يرتكب ساندرز خطأ اقتصادياً نظرياً شبيهاً بالذي دأب على ارتكابه اقتصاديو الحزب الجمهوري ومرشحوه، الذين يعتقدون أن خفض الضرائب ينعش الاقتصاد لأنها ترفع النمو. ساندرز يعتبر أن في حال فرضت الحكومة الأميركية ضريبة على أموال الشركات الأميركية في الخارج، فإن هذه الشركات ستمتثل، في وقت يتوقع البعض أن تتخلى الشركات عن «أميركيتها»، وتنقل أعمالها إلى دول أخرى، وهو ما حدث مثلاً عندما وقفت الحكومة الألمانية في صف نقابات العمال ضد شركة «مرسيدس»، فما كان من الأخيرة إلا أن هددت بنقل معاملها من ألمانيا عبر الحدود إلى بولندا، فتراجعت برلين والنقابات.

يُذكر أن الضريبة على الشركات هي الأعلى في أميركا، إذ تبلغ 35 في المئة، وهو ما يحمل المرشحين عادة على الوعد بخفضها لإبقاء الاقتصاد الأميركي تنافسياً مقارنة بالاقتصادات العالمية. كذلك لا يبدو أن ساندرز يعتقد بأن فرض ضريبة على الفوائد المدورة من شأنه أن يدفع أصحاب المال إلى سحب أموالهم من المصارف واستثمارها في مجالات أخرى لا ضريبة عليها، مثل الذهب المخزن أو الشركات الوهمية.

برنامج ساندرز جديد من نوعه على الأميركيين، وساندرز هو من المرشحين الرئاسيين النادرين ممَّن يعدون برفع الضرائب ويتوقعون الفوز بتأييد شعبي في ذلك. وهذه خطة اقتصادية سبق أن أطاحت بمرشحين في الماضي، ومن غير الواضح كيف يمكنها تعزيز فرص انتخاب الاشتراكي ساندرز في الأشهر المقبلة.

الجمعة، 12 فبراير 2016

الجبير: إسقاط الأسد هدف... سنحققه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تسارعت امس تطورات الموقف في سورية مع كشف وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر احتمال مشاركة قوات خاصة من السعودية والإمارات على الارض لمحاربة «داعش»، الامر الذي حذر منه رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف معتبرا ان ذلك لو حصل ينطوي على خطر اندلاع «حرب عالمية جديدة». لكن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بدا غير معني بهذا التحذير مؤكدا للاعلاميين المواكبين لاجتماع ميونخ للأمن في المانيا ان «هدفنا هو إزاحة (الرئيس السوري بشار) الأسد في سورية... وسنحقق هذا الهدف لاعادة الاستقرار لان داعش لن يهزم الا باسقاطه».

واعتبر الجبير في مؤتمر صحافي في ميونخ امس أن «الأسد ساهم في ظهور تنظيم (الدولة الإسلامية) داعش بإخراجه المجرمين من سجونه»، مؤكدا أن «بيئة داعش الخصبة في سورية ستزول مع رحيل الاسد»، وان «داعش هو منظمة إرهابية لا تقوم على أي دين او اخلاق، والقول بأنها منظمة إسلامية مناف للحقيقة».

وتقاطع كلام الجبير مع اعلان الأسد للمرة الاولى ان التدخل العسكري البري التركي والسعودي في سورية ممكن، مشيرا الى ان قواته ستواجه هذا التدخل.

واضاف الاسد في مقابلة حصرية مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في مكتبه في دمشق: «المنطق يقول إن التدخّل غير ممكن لكن الواقع يتناقض أحياناً مع المنطق، خصوصاً عندما يكون لديك أشخاص غير عاقلين في قيادة دولة ما، فهذا احتمال لا أستطيع استبعاده لسبب بسيط وهو أن (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان شخص متعصّب، يميل للإخوان المسلمين ويعيش الحلم العثماني». وهاجم المملكة العربية السعودية مشيرا الى إن مثل هذه العملية «لن تكون سهلة بالنسبة لهم بكل تأكيد وبكل تأكيد سنواجهها».

وأوضح ان «المعركة الآن في حلب ليست لاستعادة حلب لأننا كدولة موجودون فيها، ولكنها لقطع الطريق بين حلب وتركيا»، مشيراً الى ان «تركيا هي الطريق الأساسي للإمداد الآن بالنسبة للإرهابيين»، مضيفا ان «الحالة الحالية المتمثلة في الإمداد المستمر للإرهابيين عبر تركيا، وعبر الأردن تعني بشكل بدهي أن يكون زمن الحل طويلاً، والثمن كبيراً».

وفي بروكسيل، قال كارتر بعد محادثات مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين، في بروكسيل، : «سنحاول أن نتيح الفرص والقوة، وخصوصاً للعرب السنّة في سورية، الذين يريدون استعادة أراضيهم من داعش، لا سيما الرقة. لا نبحث عن بديل لهم (المعارضة السورية) كما أننا لا نبحث عن بديل للقوات العراقية. لكننا نتوق إلى تمكينهم بقوة وأن نساعدهم في تنظيم أنفسهم».

واضاف ان «الرياض وأبو ظبي ستستأنفان مشاركتيْهما في الحملة الجوية التي تقودها واشنطن ضد (داعش) والإمارات يمكن أن تقوم بدور مهم في العراق بأن تساعد في تدريب القوات المحلية وخصوصاً البيشمركة».

وتزامن تصريح كارتر، مع تحذير خطير من التدخّل العسكري الخارجي في سورية، أطلقه مدفيديف، موضحاً أن تلك الخطوة تنطوي على خطر اندلاع «حرب عالمية جديدة»، و في تصريحات لصحيفة «هندلزبلات» الألمانية، قال رئيس الوزراء الروسي: «يجب أن يفكر الأميركيون وشركاؤنا العرب ملياً... هل يريدون حرباً دائمة؟ سيكون من المستحيل كسب حرب كهذه بسرعة، لاسيما في العالم العربي حيث يقاتل الجميع ضد الجميع. على كل الأطراف الجلوس إلى طاولة التفاوض بدلاً من إطلاق حرب عالمية جديدة».

بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ان هجوماً برياً لقوات محلية وأخرى قادمة من دول عربية، سيكون «حاسماً» للقضاء على «داعش» في سورية والعراق.

إلى ذلك، وبعد يوم طويل وشاق من المفاوضات، التي شاركت فيها 16 دولة، صدر أول من أمس، بيان ميونيخ الختامي، متضمناً 3 محاور، أولها «تأكيد وصول المساعدات الانسانية» إلى السوريين المحاصرين بسبب الأعمال القتالية، وثانيها التوصّل الى «وقف للاعمال العدوانية» في عموم سورية في غضون أسبوع، باستثناء تنظيميْ «الدولة الإسلامية» (داعش) و«جبهة النصرة» والمناطق الخاضعة لهما، التي أكد البيان أن الأمم المتحدة ستحدّدها وتبيّن الجهات التي ستصنّف «إرهابية» ليستمر قصفها، وثالثها «دفع عملية الانتقال السياسية» قُدماً.

وأمس، قال ناطق باسم الأمم المتحدة أحمد فوزي، إن المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا «حريص أشد الحرص على عقد جولة جديدة من محادثات السلام»، لكنه أشار إلى أن خطط استئناف المحادثات لا تزال «غائمة».

وتابع أن الحبر «لم يجف بعد» على اتفاق ميونيخ «والوضع غائم للغاية»، موضحاً أن دي ميستورا سيُطلع مجلس الأمن على أحدث التطورات في 17 الجاري.

Since December 2008