الجمعة، 12 فبراير 2016

بيان ميونيخ حول سورية: إغاثة إنسانية ووقف الأعمال العدائية خلال أسبوع

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ميونيخ أول من أمس، هدية اخرى إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف، تمثّلت في نجاحه بإقناع المعارضة السورية أنها امام خياريْن: إما المشاركة غير المشروطة في الجولة المقبلة من مفاوضات السلام، والتي قد تنعقد في 25 الجاري، حسبما هو مقررا أصلاً، أو ان تواجه خطر الفناء على يد الماكينة العسكرية الروسية - الإيرانية.

وبدا ان وزارة الخارجية الاميركية صمّمت لقاءها مع وفد المعارضة السورية بعناية، فطلبت من المعارضين السوريين في العاصمة الاميركية «علم الثورة السورية»، وطلبت من الوفد السعودي المشاركة في لقاء ثلاثي أميركي - سوري - سعودي، فانعقد اللقاء في ميونيخ بمشاركة كيري، ورئيس هيئة المفاوضات السورية رياض حجاب، ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

وفي لفتة من وزارة الخارجية الاميركية، قام العاملون فيها بوضع اعلام ثلاثة، هي السعودي والاميركي وعلم الثورة السورية، خلف مقعد كيري.

وبعد يوم طويل وشاق من المفاوضات، التي شاركت فيها 16 دولة، هي اميركا وروسيا والسعودية وقطر وتركيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا ومصر والاردن ولبنان وايران والعراق وايطاليا وعمان، و 4 منظمات دولية، هي الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي، صدر بيان ختامي اعتبرته مصادر حكومية اميركية «بمثابة ورقة العمل التنفيذية» لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

وتمحور بيان ميونيخ الختامي حول محاور 3 هي «تأكيد وصول المساعدات الانسانية» إلى السوريين المحاصرين بسبب الأعمال القتالية، والتوصّل الى «وقف للاعمال العدوانية» في عموم سورية في غضون اسبوع، و «دفع عملية الانتقال السياسية» قُدماً.

وتوقّعت المصادر الاميركية ان تلتزم «الاطراف المتقاتلة في سورية - بما في ذلك روسيا - وقف النار في غضون اسبوع، في المناطق التي تحددها الامم المتحدة».

واستثنى البيان الختامي تنظيميْ «الدولة الإسلامية» (داعش) و «جبهة النصرة» والمناطق الخاضعة لهما من وقف الاعمال القتالية، وهو ما اعتبره معارضون سوريون بمثابة «ضوء أخضر لتحالف روسيا - إيران والرئيس السوري بشار الأسد للاستمرار في الحملة العسكرية ضد المعارضين السوريين، تحت ذريعة الحرب على داعش والنصرة».

إلا ان المصادر الاميركية قالت ان «الفارق هذه المرة يكمن في انه للأمم المتحدة وحدها حق تقرير من هي المجموعات التابعة لداعش والنصرة داخل سورية ومناطق سيطرتها، وعليه، يصبح اي استهداف روسي - ايراني لمجموعات لا تصنّفها الامم المتحدة ارهابية بمثابة خرق للقرار 2254».

وكان المجتمعون في ميونيخ شكّلوا «فرقة عمل» مهمتها تنفيذ بنود البيان الختامي، واعلنوا ان الامم المتحدة هي «سكرتاريا» هذه الفرقة، واوكلوا اليها مهمة «تحديد المناطق التي يسيطر عليها داعش والنصرة واي تنظيم آخر تعتبره الامم المتحدة ارهابياً»، و «تأمين الاتصال السريع بين كل الافرقاء لتأكيد التزام (وقف القتال) وتخفيف التوتر بصورة سريعة»، و كذلك «البت في مزاعم عدم التزام اي من الاطراف» إضافة إلى «إحالة المتجاوزين الى وزراء (الدول المؤتمرين في ميونيخ) لاتخاذ العقوبات المناسبة، بما في ذلك حرمانهم الحماية التي يقدمها لهم بند وقف النار».

وفي تكرار للموقف الاميركي، جاء في البيان ان «إيصال المساعدات الانسانية للمحاصرين السوريين لا يشترط دخول بند وقف الاعمال العدائية حيَّز التنفيذ». واصر الاميركيون على اولوية بند إيصال المساعدات الانسانية في البيان، وجاء فيها ان «المساعدات ستبدأ هذا الاسبوع جواً في دير الزور، وفي وقت متزامن في الفوعة وكفريا (في ريف إدلب)، والمناطق المحاصرة في ريف دمشق، وهي مضايا والمعضمية وكفربطنا، عبر قوافل ارضية، وتستمر طالما الحاجة الانسانية مستمرة».

وطلب بيان ميونيخ من الامم المتحدة تقديم تقارير أسبوعية حول تطور عملية الاغاثة الانسانية لضمان تواصلها، كما حدد البيان «فرقة العمل» كمرجع لحل اي نزاعات قد تنشأ عن عملية الاغاثة.

ختاما، كرر بيان ميونيخ ما ورد في نص القرار 2254 لناحية التوصّل الى اتفاق حول شكل عملية الانتقال السياسية في 6 أشهر. وللالتفاف على النقطة العالقة لناحية إصرار المعارضة على نقل السلطة من الاسد الى هيئة انتقالية، حسب بيان جنيف الاول، وإصرار روسيا على المباشرة بتشكيل حكومة من المعارضة والنظام من دون هيئة انتقالية، ورد في بيان ميونيخ ان مفاوضات الاشهر الستة تفضي الى الاتفاق حول «شكل حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي». كما تحدد الخطة «موعدا لانتخابات حرة ونزيهة، بموجب دستور جديد، تجري في غضون 18 شهراً».

الروس بضيافة داعش

حسين عبدالحسين

أكد تقرير نشره الصديقان التركيان جيران كينار وراغب سويلو، في مجلة “فورين بوليسي” الاميركية، متانة العلاقة التي تربط نظامي فلاديمير بوتين وبشار الأسد بتنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش). 

ففي مقالة بعنوان “ماذا يعمل مهندسون روس في محطة غاز يسيطر عليها داعش في سوريا”، نقلت كينار وزميلها سويلو عن مسؤولين في حكومة تركيا قولهم ان مهندسين روس تابعين لشركة غاز يملكها احد المقربين من بوتين يعملون في حقل توينان الواقع في منطقة تدمر، ٧٥ كيلومترا جنوب غرب مدينة الرقة. 

ويرعى الشراكة مع الروس رجل الاعمال المقرب من الأسد وليام حسواني، الذي اتهمته واشنطن بتنسيق تعاون الأسد وداعش وفرضت عليه عقوبات مالية في تشرين الثاني الماضي. ويسدد حسواني ٥٠ الف دولار شهريا لداعش “لحماية معداته”، فيما توصل لاتفاق مع التنظيم لضمان أمن المهندسين الروس الذين يبيتون في قاعدة عسكرية تابعة لقوات الأسد في محافظة حماة.

ويظهر التقرير ان معمل غاز توينان يزود محطة غاز حلب، التي يسيطر عليها داعش، ويزود في الوقت نفسه محطتي كهرباء دمشق وحمص، اللتين يسيطر عليهما النظام. 

هذا التنسيق بين التنظيم الذي تصنفه اميركا والغرب الاكثر ارهابية في العالم، اي داعش، مع الأسد وموسكو، التي تدعي انها تشن حملة عسكرية في سوريا ضد الارهاب فيما هي في الواقع تسعى لتصفية معارضي الأسد، يتم على مرأى ومسمع الولايات المتحدة، التي تثور ثائرتها على اي دولار عربي يصل ايدي اي جمعية خيرية اسلامية يبدو القيمون عليها محافظين اكثر مما تسمح به أميركا. 

هي واشنطن نفسها التي تثور ثائرتها ضد بعض التنسيق على ارض المعركة بين “جبهة النصرة”، المصنفة ارهابية في أميركا، وبعض فصائل الثوار السوريين، فيما لا يبدو على المسؤولين الاميركيين الامتعاض نفسه في وجه التقارير حول التعاون النفطي بين روسيا وداعش والأسد، وتسديد رجل الأسد حسواني مبالغ شهرية لمقاتلي داعش، بل ان الحكومة الاميركية لا تنفك تؤكد ضرورة بقاء الأسد “لمحاربة الارهابيين”.

ويخبرني سويلو، الذي يعمل مراسلا لصحيفة “الصباح” التركية في واشنطن، انه يحاول عبثا التواصل مع المسؤولين في ادارة الرئيس باراك أوباما. ويقول سويلو انه على اثر زيارة نائب الرئيس جو بايدن انقرة، وخصوصا بعد زيارة المنسق الاميركي للحرب ضد داعش بيرت ماكغيرك الى كوباني والتقاطه صورا اظهرته مع مقاتلي "بي كي كي"، الذي تصنفه تركيا تنظيما ارهابيا، لم ينجح اي صحافي تركي لا في بلاده ولا في اميركا في الحصول على اي لقاءات مع المسؤولين الاميركيين.

ويعتقد سويلو ان واشنطن منحازة تماما ل"بي كي كي"، وهو انحياز يبدو انه يشبه انحيازها للأسد وتغاضيها عن تنسيقه النفطي مع داعش، وبسبب انحيازهم غير المبرر، يتفادى المسؤولون الاميركيون الحديث علنا عن موقعهم في شبكة العلاقات الشائكة التي تجمعهم مع ال"بي كي كي" وتجمع الروس مع داعش.

روسيا تدّعي محاربة الارهاب وتصادق داعش، وأميركا تدّعي محاربة الارهاب وتصادق "بي كي كي"، والاثنان يريدان بقاء الأسد في السلطة لمحاربة الارهاب، على الرغم من تعاون الأسد مع الاثنين: داعش وال"بي كي كي". 

وحدها المعارضة السورية تجد نفسها في مواجهة الجميع، الارهابيين، مثل داعش و"بي كي كي"، ومكافحي الارهاب، مثل روسيا واميركا والأسد، وما محاولة القضاء على المعارضة السورية في حلب الا صورة عن تكالب الارهابيين واعدائهم على السوريين. هكذا، تجد المعارضة السورية نفسها تقاتل في حلب على محاور متعددة، ال"بي كي كي" من ناحية، وداعش من ناحية اخرى، والأسد وروسيا من ناحية ثالثة، فيما تسعى أميركا بكل ما أوتيت من قوة لاطباق الخناق على مقاتلي المعارضة السورية بممارستها الضغوط على اي عاصمة في العالم تفتح جيوبها او حدودها لتزويد المعارضين السوريين بالمال او السلاح.

Since December 2008