الثلاثاء، 29 يناير 2019

دراسة أميركية: الكويت لا تريد حرباً ضد إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اعتبر مركز أبحاث «بروكنغز» أن الكويت لا تريد أن ترى حرباً ضد إيران، بسبب الارتدادات السلبية لأي حرب من هذا النوع على دولة الكويت. وجاء في الدراسة التي نشرها المركز الأميركي أنه ، مثل الكويت، لا ترغب السعودية بمواجهة عسكرية مباشرة مع الإيرانيين، إذ إن أي حرب من هذا النوع تهدد سلامة المنشآت النفطية السعودية والكويتية. 
لكن الدراسة - التي جاءت على صيغة حوار مع أبرز خبراء المركز ومنهم مَنْ سبق أن عمل في مراكز مرموقة في وزارة الخارجية وفي «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) - اعتبرت أن السعودية ترغب في رؤية الولايات المتحدة تطيح بنظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وذلك عبر الحصار الاقتصادي والعمليات السرية. 
وقال الخبير جيفري فيلتمان، الذي سبق أن عمل مساعداً لوزيرة الخارجية وسفير أميركا في لبنان ومستشار أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية، إن «الخلاف داخل مجلس التعاون الخليجي هو مثال على تراجع النفوذ الأميركي»، مضيفاً أن «مَنْ سبق منا ان عمل في الحكومة يعرف أنه سبق أن جمعنا دول المجلس الست في لقاءات عديدة، غالباً مخصصة للتصدي لإيران، وكانت دائماً الخلافات بين بعض دوله واضحة لنا». وأردف بالقول إنه «بطريقة ما نجحنا في جمعهم في الماضي، والحال لم تعد كذلك اليوم، فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على ردم الهوة بين مجموعة قطر - الاخوان المسلمين، ومجموعة معاداة الإخوان المسلمين في الإمارات والسعودية».
وسأل المحاور بروس جونز المسؤولة السابقة في وزارة الطاقة سامنتا غروس حول ما إذا كانت تعتقد أن الولايات المتحدة صارت تتمتع باستقلالية عن نفط الخليج، فأجابت بالنفي، وقالت إن «الحكومة الاميركية دأبت على بث دعاية مفادها أن اميركا مستقلة في الطاقة، لكن الموضوع غير صحيح، فهي تصدّر الغاز، لكنها تستورد النفط». وتابعت المسؤولة السابقة القول إن «أميركا خسرت النية السياسية المطلوبة للدفاع عن نفط الشرق الأوسط، على الرغم من أن اهتزاز سوق النفط العالمية يؤثر على الاقتصاد العالمي، وتالياً على الاقتصاد الاميركي».
وتعتقد غروس أن «الطاقة الأحفورية الأميركية تسمح للولايات المتحدة باحتواء بعض اهتزازات السوق العالمية، لكن لا قدرة أميركية على الاستقلال التام عن الطاقة العالمية من دون أن يؤدي ذلك لارتفاع في سعر الطاقة داخل أميركا، وهو ما يرفضه غالبية الأميركيين».
وتوافق خبراء بروكنغز ان انحسار النفوذ الأميركي لا يتعلق بقوة أميركا، الباقية في صدارة القوى في العالم، واشاروا الى أن عدد القوات الاميركية المنتشرة في الشرق الاوسط هو من النسب الأعلى في التاريخ، لكن سبب تراجع النفوذ الاميركي يكمن في غياب النية السياسية الاميركية على الانخراط في شؤون الشرق الاوسط، اولا بسبب «تعب» شعبي أميركي من قصص الشرق الاوسط التي لا تنتهي والتي يبدو أن أميركا تخسر فيها دائماً، وثانياً بسبب الاعتقاد السائد، خطأ، أنه يمكن للاقتصاد الأميركي أن يتخلى عن الطاقة الشرق أوسطية من دون اهتزازات تُذكر.

لفنزويلا… تمنياتنا بانتصار الإمبريالية

حسين عبد الحسين

تحولت معركة الحرية التي يخوضها الفنزويليون ضد نظام الرئيس المطعون بشرعيته نيكولاس مادورو إلى مواجهة كلامية عالمية بين معسكرين: الغربي الديمقراطي من ناحية، وباقي العالم الذي تعيش دوله في ظل "حكام إلى الأبد" من ناحية ثانية.

طفح كيل الغرب من مادورو فأنهى الاعتراف بشرعيته. أما "حكام إلى الأبد" ـ في روسيا والصين وإيران وتركيا وسوريا وغيرها ـ فرأوا في اهتزاز مادورو ما يهدد نموذجهم، وأطلقوا ألسنتهم ووسائل إعلامهم لفبركة الأخبار حول "تدخل أميركي"، لم يحصل، في فنزويلا، في محاولة لاستعادة خطاب "الحرب الباردة"، التي انقسم فيها العالم إلى حر ديمقراطي، وآخر معادي للديمقراطية ويتهم الديمقراطيين بالإمبريالية.

والإمبريالية هي شتيمة اختلقها "حكام إلى الأبد"، وصوروها على أنها أساس الشر، وسبب بلاء الشعوب، وأن خلاص الشعوب يكمن، لا في العيش في حرية وديمقراطية وعدالة، بل في مواصلة خوض المعركة ضد الإمبريالية.

ولأن لا "صوت يعلو فوق صوت المعركة"، فلا حديث عن أسباب انهيار فنزويلا، ولا محاولة لتقييم واحدة من أفشل تجارب الحكم في العالم، التي بدأت بانقلاب الضابط هوغو تشافيز وثورته البوليفارية القاصرة فكريا والتي قوضت أسس الحكم، واستغلت عائدات النفط لبناء شبكة ريعية موالية لتشافيز ومسرحياته الشعبوية. ثم تابع مادورو، خلف تشافيز، قيادة البلاد نحو الهاوية، إلى أن تجاوز التضخم عتبة عشرة آلاف في المئة، وصارت كراكاس عاصمة الجريمة والجوع في المعمورة.

اقرأ للكاتب أيضا: لبنان المسكين

وفي العقل العربي أن الامبريالية وصلت شواطئ مصر على متن سفن نابليون العسكرية في العام 1798، وأن ذلك التاريخ شكل بداية انحدار النعيم المتخيل الذي كانت تعيشه الشعوب العربية تحت حكم السلطنة العثمانية، وصولا إلى الانتداب الأوروبي في المشرق ومصر، وتأسيس إسرائيل كموطأ قدم إمبريالي مزعوم. وبعد العام 1979، انضمت إيران إلى جوقة الشعوب المنددة بالإمبريالية و"ربيبتها إسرائيل".

لا يرى مناهضو الإمبريالية أنه لولا حملة نابليون، لكان عالم الفراعنة ما يزال مجهولا، ولكان الهرم، الذي عامله السكان المحليون كمقلع صخور، اختفى. ولا يرى مناهضو الإمبريالية أنه لولا تغلبت الإمبريالية الأوروبية على نظيرتها العثمانية، لكان استقلال نصف الدول العربية مستحيلا.

ولا يرى ملالي إيران الحاكمون اليوم أنه لولا الإمبريالية البريطانية، لكانت عربستان، الشاطئ الإيراني للخليج ذات الغالبية العربية، دولا عربية. ويكرر حكام إيران، ومعهم تيار واسع من الأميركيين، أن الخطيئة الأميركية الكبرى كانت دعم واشنطن ولندن للانقلاب على حكومة محمد مصدق، المنتخبة في العام 1953. طبعا لا يهم أنه لولا أميركا الداعمة للشاه، لما استطاعت طهران إجبار بغداد على التنازل عن شط العرب، الممر المائي الوحيد للعراق على الخليج، في اتفاقية الجزائر 1975.

ولا يرى مناهضو الإمبريالية العرب أنه لولا الولايات المتحدة، لما كان رئيس مصر الراحل جمال عبد الناصر نجح بتأميم قناة السويس في العام 1956.

ومناهضو الإمبريالية غالبا ما يقدمون روايات تغرق في تناقضات فاضحة؛ مثل بعض سياسيي العراق (بعض الأحزاب الشيعية)، الذي وصلوا الحكم في بغداد على ظهور الدبابات الأميركية، والذين حمتهم المقاتلات الأميركية من إمكانية احتلال تنظيم داعش الإرهابي العاصمة العراقية. يصر هؤلاء السياسيون العراقيون، ومعهم عرابيهم الإيرانيين، أن الإطاحة برئيس العراق السابق صدام حسين هو أمر هامشي، وأن أميركا هي التي كانت نصبته حاكما للعراق أصلا، ثم أطاحت به، أي أن لا فضل لأميركا باقتلاعه. ويردف هؤلاء، بكثير من البلاهة والاستخفاف بعقول البشر، أن داعش، الذي قادت أميركا واحدة من أقسى الحروب لاقتلاعه من شمال العراق وغربه، هو صنيعة أميركية.

وهكذا دواليك، تكرر مجموعة "حكام إلى الأبد" العالمية المقولات نفسها: تتهم الحكام المتحالفين مع الغرب الديمقراطي أنهم صنيعة الإمبريالية رغما عن إرادة شعوبهم. أما الحكام المعارضين للغرب الديمقراطي، فتقدم لهم مجموعات "حكام إلى الأبد" كل الدعم المادي والمعنوي الممكن، معللة تدخلها هذا، الذي لا يختلف عن تدخل الإمبريالية، بأنه تلبية لرغبة الشعوب.

هكذا، ترسل موسكو قاذفتين استراتيجيتين إلى كاراكاس، وتقدم مئات المرتزقة الروس لحماية مادورو من شعبه، ثم تتحرك الدعاية الروسية، ومعها الإيرانية وغيرها، بالصراخ ضد تدخل أميركي متخيل في شؤون فنزويلا.

على أننا إن أردنا تقييم تدخلات الدول في شؤون بعضها البعض، فلا بأس من بعض الأمثلة. الكويت واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا هي صنيعة الإمبريالية الأميركية المفترضة. هذه الدول الثلاثة تتصدر العالم في نوعية الحياة والبحبوحة والمدخول المرتفع والعلم والطب والصناعة.

أما الدول التي تتدخل فيها روسيا، مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وسوريا، فهي دول تتغنى في معاداة الإمبريالية، فيما شعوبها تكاد تلتهم الكلاب والقطط لسد رمقها وإطعام عيالها. كذلك نماذج الدول التي "انتصرت" فيها إيران على الإمبريالية، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، التي إما تعاني من العنف والحروب أهلية، أو تحولت إلى دول فاشلة.


من نتائج الإمبريالية كوريا الجنوبية، التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية، والتي غزت العالم بصناعاتها التكنولوجية الخارقة. أما نتائج مناهضة الإمبريالية، فكوريا الشمالية، صاحبة النووي والصواريخ والنار، والتي يموت شعبها الجوع.

لفنزويلا، تمنياتنا بانتصار الإمبريالية فيها على حاكمها وعلى باقي "حكام إلى الأبد"، علّها تخرج من عصرها الظلامي المميت إلى عصور النور والحياة.

Since December 2008