الاثنين، 12 فبراير 2018

صراعٌ لتحديد شكل المواجهة ومسرحها... إيران تريدها معركة ميليشيات وإسرائيل تُفضّل حرباً شاملة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تأكيداً لما أوردته «الراي» قبل أيام، نقلاً عن مصادر ديبلوماسية في العاصمة الأميركية، تصاعد التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران، مع إسقاط حلفاء طهران مقاتلة إسرائيلية في سورية، أول من أمس، فردت تل أبيب بتدمير جزء من نظام الدفاع الجوي العائد لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وتعتقد جهات أميركية وإسرائيلية انه منذ فترة ليست قصيرة، يدير بعض الأنظمة الصاروخية العائدة لنظام الأسد مقاتلون في «حزب الله» و«الحرس الثوري» الايراني، وأنها بمهاجمتها مواقع الدفاع الجوي العائدة للنظام، هاجمت إسرائيل أهدافاً إيرانية داخل سورية. 
وفي ظل تصاعد التوترات، تسارعت الوساطات الأوروبية لاحتواء الموقف، وهي الوساطات نفسها الناشطة منذ أسابيع لنزع فتيل التوتر بين الجهتين، ولحمل الايرانيين على «عدم اختبار الاسرائيليين»، خوفاً من ردة فعل هؤلاء، واعتبار تل أبيب أنه تم تجاوز «الخطوط الحمر» وكسر «قواعد اللعبة»، ما من شأنه أن يؤدي إلى الانخراط في حرب اسرائيلية شاملة ضد «حزب الله» في لبنان. 
ولا يفهم الأوروبيون ما الذي تريده ايران تحديداً، فهي إنْ كانت تسعى للابقاء على نظام الأسد، فهذا أمر لا تعارضه إسرائيل، حسب المصادر الديبلوماسية الأوروبية في واشنطن، التي أوضحت أن «ما تعارضه إسرائيل هو أي تغيير في موازين القوى العسكرية المتفق عليه منذ انتهاء حرب يوليو 2006، سواء في لبنان أو في سورية».
ربما يحاول الإيرانيون أخذ إسرائيل رهينة حتى يوافق العالم، خصوصاً الولايات المتحدة، على الانسحاب من الاراضي السورية وإعادتها الى سيادة الأسد. أو ربما تعتقد إيران أن اسرائيل تقف وراء التحول في موقف واشنطن لناحية الابقاء على وجود عسكري أميركي في سورية، شرق الفرات، خصوصاً في المناطق النفطية التي يمكنها تأمين بعض الأموال لنظام الأسد المتهالك.
في وسط البحث بنوايا ايران الاقليمية المعقدة، ينقل الديبلوماسيون الاوروبيون عن الاسرائيليين قولهم إن «موقف تل أبيب بسيط وواضح»، ويقضي بـ«الإبقاء على ميزان القوى على ما كان عليه منذ 2006، وأي محاولة تغيير في هذا الميزان سيدفع إسرائيل الى مجابهتها، حتى لو أدى ذلك الى حرب شاملة مدمرة».
وتميّز إسرائيل بين «الحملة العسكرية» و«الحرب»: الأولى تشنها بالقوات النظامية في مهلة محدودة، فيما الثانية تتطلب استنفاراً عاماً واستدعاء الاحتياط للانضمام الى صفوف الجيش. 
وحسب المصادر الأوروبية، فإن أي مواجهة إسرائيلية مع إيران ستكون «حرباً»، ولن تكون مجرد «حملة عسكرية»، ولذلك فإن «الإسرائيليين يحاولون قدر الامكان تفادي تصعيد الأمور لأن لا حلول وسط» في أي مواجهة عسكرية ضد إيران وحلفائها. 
وتقول المصادر ان «إسرائيل ليست مهتمة بحرب احتواء أو حرب استنزاف أو أي حروب تتحول الى مستنقعات دموية، وهي الحروب التي تسعى إيران الى توريط اسرائيل فيها».
ومثل إسرائيل، سبق لمسؤولين أميركيين أن كرروا أنهم لا يمانعون الانخراط في مواجهات عسكرية شاملة، سواء ضد نظام الأسد أو إيران أو روسيا أو تركيا، للحفاظ على مناطق النفوذ الأميركية شرق الفرات. وتالياً، فإن ما لن تفعله واشنطن، هو الانخراط في معارك كر وفر ضد ميليشيات في مناطق مأهولة بالسكان. 
إذاً، هي معركة اختيار كيفية المواجهة ومسرحها: الإيرانيون يريدونها مواجهة ميليشيات في وجه قوات إسرائيل أو أميركا النظامية، فيما إسرائيل وأميركا تصرّان على الابتعاد عن هذا النوع من الحروب، والخوض عوضاً عنها في حروب شاملة مدمرة يتم الاعتماد فيها إلى تفوق قوتيهما النارية والتكنولوجية. 
ولأن نوعية الحرب التي قد تخوضها إسرائيل ستكون من النوع المدمر «بشكل يعيد لبنان (أو سورية) إلى عصور الظلام»، حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فإن تل أبيب تسعى إلى تفادي هذا النوع من الحرب وإقناع الإيرانيين، عبر الوسطاء الدوليين، بأنها ستكون حرباً مؤلمة كثيراً لإيران، وحلفائها، وحلفائهم (مثل الحالة اللبنانية). 
في المواجهة الأخيرة التي أسقط فيها تحالف إيران مقاتلة «اف 16» إسرائيلية فوق مناطق الجليل، ردت تل أبيب بتدمير جزء كبير من البنية التحتية لمنظومة الدفاع الجوي الروسية العائدة للأسد. 
«في المرة المقبلة»، يقول الديبلوماسيون الأوروبيون، «لن تتوانى إسرائيل عن تدمير الدفاعات الجوية العائدة للأسد عن بكرة أبيها»، لكن الاسرائيليين يسعون لإقناع الايرانيين بضرورة احترام قواعد اللعبة، لما فيه مصلحة تل أبيب ومصلحة حلفاء طهران، وفي طليعتهم الأسد وقوته العسكرية المتهالكة أصلاً.

أي رسالة وجهتها روسيا لأميركا بإسقاط الـ «إف 16»؟

«روسيا منحت الضوء الأخضر للنظام السوري لإسقاط الطائرة الإسرائيلية» هذا ما ذهب إليه المحلل الإستراتيجي الروسي فاتشسيلاف ماتزوف في مقابلة مع قناة «الجزيرة» الفضائية، وتلاه محللون إيرانيون وإسرائيليون ذهبوا لذات النتيجة.
وخلاصة حديث ماتزوف أن موسكو استخدمت إسقاط الطائرة الإسرائيلية كصندوق بريد وجهت من خلاله رسالة للولايات المتحدة التي قال إنها غيرت قواعد اللعبة في سورية، عبر تمريرها صواريخ مضادة للطائرات لمن وصفهم بـ«الإرهابيين» الذين تمكنوا من إسقاط طائرة «سوخوي 25» فوق إدلب الأسبوع الماضي.
وأضاف المحلل الروسي إن موسكو منزعجة من الغارة الأميركية على «الحشد الشعبي السوري» في دير الزور قبل أيام والذي أسقط نحو مئة قتيل، مشيراً إلى معلومات غير رسمية عن وجود جنود روس بين القتلى.
وبرأيه فإن «روسيا منحت إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ غارات داخل سورية خلال الأعوام الماضية»، وبعثت رسالة مفادها أن هذه المعادلة تغيّرت.
بدوره، أيّد الخبير الإيراني في القضايا الإقليمية حسين ريوران هذا الراي، قائلاً إنه «لا يمكن القول إن النظام (السوري) أرسل هذه الرسالة من دون التنسيق مع إيران، وإن الاثنين لا يمكن أن يقوما بذلك من دون التنسيق مع روسيا». ووسط البحث عن الخطوط الحمراء والأضواء الخضراء في ما جرى أول من أمس، تحدث محللون إسرائيليون عن قناعة تل أبيب بأن لا شيء يحدث في سورية من دون علم روسيا.
وترجيحاً لنظرية «صندوق البريد»، تساءل المحلل العسكري رياض كريشان عن سبب غياب الدفاعات الجوية التي أسقطت الطائرة الإسرائيلية عن اعتراض الطائرات التي أغارت على أهداف سورية عدة بعد الغارة.
ورجح أن يكون هناك دور لروسيا في عدم تكرار حادث إسقاط الطائرة عبر منع استخدام منظومات الدفاع الجوي الروسية مرة ثانية.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008