الجمعة، 9 مارس 2018

ثرثرة ترامب عن التحقيق الروسي قد تنقلب ضده

واشنطن - من حسين عبدالحسين

منحت أفلام هوليوود الشهرة لتقليد قانوني تمارسه الشرطة الأميركية إبان اعتقالها مشتبهاً بهم، وهو تقليد معروف بـ«حقوق ميرندا» نسبة إلى معتقل أفلت من المحاكمة بعد استخدام الشرطة أقواله ضدّه، وهي أقوال كانت حصلت عليها من دون أن تبلغه بأنه مشتبه به أو معتقل، وهو ما يخترق التعديل الخامس للدستور، الذي يمنح الحق لكل أميركي بالامتناع عن الإدلاء بأقوال قد تؤدي لإدانته. لذا، يحتم القانون الأميركي على الشرطة إبلاغ من ترغب في اعتقالهم بأمرين: أولاً، انهم صاروا معتقلين لحظة اعتقالهم، وثانياً، تذكيرهم أن أي ما قد يصدر عنهم بعد الاعتقال قد يتم استخدامه ضدهم أمام المحكمة. 
وحده الرئيس دونالد ترامب يبدو قاصراً عن فهم النظام القانوني الأميركي، فهو منذ شيوع أنباء عن تحقيقات كان يقوم بها مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) في إمكان تورطه أو مساعديه في حملته الانتخابية الرئاسية، في العام 2016، بالتواطؤ مع روسيا للتأثير في نتائج الانتخابات، راح يصدر التصريح تلو الآخر، ويتخذ الخطوة تلو الأخرى، ليتضح أن معظم تصريحاته وخطواته يمكن لأي ادعاء عام استخدامها ضده لإدانته بتهمة التعامل مع حكومة أجنبية، ثم محاولة إعاقة مجرى العدالة والتحقيقات التي كانت تجري لكشف هذا التعامل.
ويبدو أن مشكلة ترامب الرئيسية نفسية، وترتبط بضعف عقلي يمنحه قدرة على إقناع نفسه أنه لم يقل التصريح الفلاني، أو لم يقدم على الخطوة الفلانية. وبعد إقناع نفسه أنه لم يقل أو لم يفعل ما سبق أن قال أو فعل، يدلي بتصريح جديد يناقض ما سبق أن قاله، وهو ما يفتح شهية المحققين والمدعين العامين للبحث عن الحقيقة.
في السياق، طرد ترامب المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي «اف بي آي» السابق جيمس كومي في مايو الماضي، وأرفق قراره بصفحتين صادرتين عن وزارة العدل جاء فيهما أن قرار الطرد يرتبط بسوء إدارة كومي للوكالة الأمنية، بما في ذلك سوء تعامله مع موضوع التحقيقات في استخدام منافسة ترامب السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون بريداً الكترونياً خاصاً أثناء عملها وزيرة للخارجية في الولاية الأولى للرئيس السابق باراك أوباما.
في اليوم التالي، أجرى ترامب مقابلة مع ليستر هولت من شبكة «ان بي سي»، قال فيها إنه طرد كومي بسبب التحقيق الروسي، مناقضاً البيان الصادر قبل ذلك بيوم، ومقدماً للمحققين ما يمكنه أن يشكل قرينة ضد الرئيس بتهمة إعاقة عمل التحقيق والعدالة، ناهيك عن أن محاولة عرقلة تحقيق تثير حشرية غالبية الأميركيين حول ما الذي يخيف ترامب في حال استمرار التحقيق في إمكانية تواطؤه مع روسيا.
وبعد إعلان المحقق الخاص روبرت مولر، في ديسمبر، أن مستشار الأمن القومي السابق لدى ترامب مايكل فلين قرر الاعتراف بالذنب والتعاون مع التحقيق، مقابل حكم يتم التفاوض على تخفيفه فيما بعد، حاول ترامب تبرئة ساحته بالقول، في تغريدة، إنه طرد فلين بسبب تعامل الأخير مع الروس، وهو تصريح بمثابة اعتراف، إذ انه حتى ذلك التاريخ كان الاعتقاد السائد أن لا علم لترامب بتعامل فلين مع الروس حتى قبل طرده بيوم.
ولتدارك المشكلة، قام أحد المحامين العاملين لدى ترامب بادعاء أنه هو من كتب ونشر التغريدة بلا علم الرئيس، في خطوة ربما خففت التأثير القانوني، لكنها لم تقنع غالبية الأميركيين.
أما آخر هفوات ترامب فتكمن في محاولته معرفة فحوى جلسات التحقيق التي أجراها فريق مولر مع عاملين سابقين في فريق ترامب، مثل المدير السابق لموظفي البيت الأبيض رينس بريبس، الذي حاول ترامب الاستفسار منه عمّا يعرفه مولر وعن التحقيقات. 
وفي السياق نفسه، طلب ترامب من محاميه الخاص دون ماغان طرد وكيل وزارة العدل المشرف على التحقيقات رود روزنستاين، لكن المحامي رفض ذلك وهدد بالاستقالة إن قام ترامب بطرد روزنستاين، محذراً الرئيس من العواقب القانونية والسياسية لخطوته. تسرب الخبر إلى الصحف، وطلب ترامب عبر أحد مساعديه من ماغان نفي الحادثة، في بيان إلى الاعلام، تحت طائلة التخلي عنه. ماغان لم ينف الحادثة، وأبلغ ترامب ان نفيها يعني الكذب، وان الكذب يضعه في دائرة المستهدفين للتحقيقات ويمكن ان يعرضه لمسؤولية قانونية وربما السجن. أما المفاجأة فكانت تكمن في إصرار ترامب أنه لم يطلب من مساعديه ما طلب، وهو ما يضع المساعدين في موقع حرج، وهو ما يثبت أن الرئيس يقنع نفسه بأن أموراً لم تحدث أو أنه لم يقل ما قاله فعلياً، مثل إصراره أن صوت من يتحدث عن التحرش في النساء في فيديو منسوب إليه ليس ترامب، مع أن ترامب نفسه خاطب الأميركيين أثناء ترشحه للرئاسة معتذراً عمّا بدر عنه في الفيديو، وهو ما دفع الشبكات الأميركية إلى الاستعانة بعلماء نفس لتحليل ظاهرة إصرار ترامب على التراجع ونفي ما هو مؤكد وموثّق، أو عمّا سبق للرئيس نفسه أن اعترف به.
تصرفات ترامب هذه أجبرت فريق المحامين الموكل الدفاع عنه في موضوع التورط مع روسيا بالاختلاء به والإصرار على إقناعه بضرورة تفادي الإدلاء بأي أقوال، في مجالسه الخاصة أو علنا، تتعلق بالتحقيق، بأي شكل، حتى لا يستخدم الادعاء أقواله ضده في وقت لاحق. وأعلن المحامون أنهم رسموا «خطاً فاقع اللون» حتى يراه ترامب ولا يتجاوزه، لكن الرئيس الأميركي لا يبدو ممن يمكن ضبطهم بأي شكل من الأشكال، وهو كلّما أمعن في التعبير عن غضبه واستيائه بإدلائه بتصريحات حول مجرى التحقيقات، بدا أنه يورّط نفسه أكثر فأكثر.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008