السبت، 18 أغسطس 2018

هل انتهى التحالف الأميركي - التركي؟

حسين عبدالحسين

تمثل السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب نقيض سياسة سلفه باراك أوباما، خصوصاً في الشرق الأوسط: ترامب يُصادق إسرائيل وعلاقات إدارته وثيقة بالسعودية، ويُعادي إيران، فيما كانت علاقة أوباما قوية بايران، ومتأرجحة بكل من إسرائيل والسعودية. وحدها تركيا وحَّدت التناقضات الأميركية، فكانت علاقة أنقرة بواشنطن مهزوزة في زمن أوباما، وازداد توتر هذه العلاقة في ولاية ترامب.
بشكل عام، يمكن القول إن كَيْل الأميركيين، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، قد طفح من الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته. 
أردوغان لا ينفك يردّد أن تركيا هي حليف رئيسي للولايات المتحدة، على الأقل بسبب عضويتهما في «حلف شمال الأطلسي»، لكن أنقرة تكاد تتصرف عكس ذلك، في كل مناسبة، كما يتضح من استعراض تاريخ العقدين الماضيين من العلاقة بين البلدين. 
يقول الخبراء الأميركيون إن واشنطن تقبل الاختلاف مع الحلفاء، مثل افتراق أميركا مع فرنسا والسعودية، مثلاً، إبان حرب العراق في 2003، ومثلهما فعلت تركيا، التي أقفلت قاعدة إنجرليك الجوية، في جنوب شرقي البلاد، بوجه القوات الأميركية التي كانت تستعد لغزو العراق.
لكن أن تقف تركيا، عند كل مفترق طرق، ضد أميركا ومصالحها، هو أمر يتعدّى الخلاف حول موضوع محدد أو نقطة عابرة. في 2009 و2010، وقفت تركيا بقوة ضد التحالف الديبلوماسي الذي كانت إدارة أوباما تسعى لتشكيله لفرض عقوبات اقتصادية على ايران، بسبب برنامج الأخيرة النووي. يومها، كانت تركيا عضواً غير دائم في مجلس الأمن، وعلى الرغم من محاولات المبعوثة الاميركية، في حينه، سوزان رايس، إقناع «الحليفة» أنقرة بمساندة واشنطن، إلا أن الأتراك وقفوا ضد أميركا، وإلى جانب إيران، بشكل تام.
وبعد أن فرضت أميركا، ومجموعة «خمسة زائد واحد» الدولية، عقوبات أممية قاسية على ايران، عبر قرارات صدرت عن مجلس الأمن، لعبت دائرة محيطة بأردوغان دوراً رئيسياً في تقويض العقوبات، إلى حد دفع بالسلطات الأميركية إلى اعتقال ومحاكمة رجل الأعمال الإيراني - التركي رضا ضراب. وفي وقت لاحق، أفرجت محكمة أميركية عن ضراب ووضعته تحت إقامة جبرية شرط تعاونه في التحقيقات التي تجريها واشنطن في تورط مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين في تقاضي أموال لوبي من أنقرة بلا التصريح عنها.
حاول أردوغان رمي ثقله لحمل واشنطن على الإفراج عن ضراب، لكن إدارتيْ أوباما وترامب ردتا بأن الأمر في عهدة القضاء، وأن لا قدرة لها على الإفراج عنه. وبعد انقلاب 2016 العسكري الفاشل ضد أردوغان، أضاف الرئيس التركي اسم الداعية الاسلامي المقيم في ولاية بنسلفانيا فتح الله غولن إلى لائحة من يطالب واشنطن بتسليمهم إلى بلاده، وكان الرد الأميركي نفسه: لا صلاحية للبيت الأبيض في التدخل بعمل القضاء.
ويبدو أن أردوغان اعتقد أنه يمكنه إقناع أميركا بإجراء مبادلة على غرار التي أجرتها إيران بإطلاقها الصحافي الإيراني - الأميركي جيسون راضيان مقابل سجناء إيرانيين في أميركا. هكذا اعتقلت تركيا عدداً من الأميركيين، يصل عددهم إلى 15، من بينهم عالم في وكالة «ناسا» للفضاء، فضلاً عن القس المسيحي اندرو برونسون، ومعهم ثلاثة أتراك من العاملين في السفارة الاميركية بأنقرة. 
لكن أميركا لم تتبادل معتقلين مع أنقرة، بل إن اعتقال تركيا، التي يحكمها حزب محسوب على تنظيم «الإخوان المسلمين»، رجل دين مسيحي، قدّم فرصة ذهبية لترامب لاستعراض شعبويته أمام قاعدته اليمينية المتطرفة، بإعلانه حرباً سياسية - اقتصادية على أنقرة.
وقد يكون أردوغان وجد في حرب سياسية مع أميركا فرصة سانحة له لإقناع الأتراك بأن مصائبهم الاقتصادية سببها قوى خارجية ومؤامرات، خصوصاً واشنطن، لا الأخطاء في السياسة الاقتصادية التي ارتكبها فريقه، وهي الأخطاء التي تشير إليها غالبية الخبراء الاقتصاديين. 
ويبدو أنه هذه المرة، لن تنحصر المواجهة بين أردوغان وأميركا في الإعلام، بل إن تصرفات الرئيس التركي خلقت جبهة واسعة ضده في واشنطن، وهي جبهة من الجمهوريين والديموقراطيين. هكذا، يوم كتب ترامب أنه حان وقت «تحجيم» تركيا، لم يعارضه الديموقراطيون، على عادتهم، بل وافقوه، وراحوا يبثون مظالمهم ضد تركيا، ويدعون للتخلي عنها كحليفة.
وكتب في هذا السياق الخبير في «مجلس العلاقات الخارجية» ستيفن كوك، وهو أقرب إلى الديموقراطيين، مقالة اعتبر فيها أن التحالف مع تركيا «أصبح من الماضي»، وأن التحالف ينتمي للحرب الباردة، وانه منذ نهاية هذه الحرب، وقفت تركيا ضد كل سياسات أميركا، وكان آخرها إغلاقها «إنجرليك» في وجه التحالف ضد «داعش»، حتى مرور سنة على بدء الحرب ضد هذا التنظيم في سورية والعراق.
المواجهة الحالية ليست بسبب شخصية رئيسيْ البلدين، وفقاً لكوك، الذي اعتبر أن سببها «عالم متغيّر لم تعد فيه واشنطن وأنقرة تشتركان في مواجهة الخطر نفسه». وأضاف كوك ان «أهمية تركيا تتراجع بالنسبة لواشنطن منذ فترة»، وأنه حتى أهمية «إنجرليك» تراجعت بسبب انتهاء الحرب على «داعش»، وأنه بسبب تقارب أنقرة مع موسكو، من غير المرجح أن تكون القاعدة العسكرية مهمة في حال اندلاع مواجهة كبرى بين أميركا وروسيا. وختم متسائلاً: «ماذا أيضاً يمكننا التحالف بشأنه مع تركيا؟»، ثم أجاب: «ليس الكثير».
وعبْر الإعلام الأميركي، أطل عدد من الخبراء الاقتصاديين الأميركيين للتعليق على أنباء قيام تحالف تركي - روسي - إيراني ضد أميركا. وقال أحد الباحثين: «فليهنأوا بهذا التحالف الذي يبلغ مجموع اقتصاداته 3 تريليون ونصف التريليون، وهذا بالكاد يوزاي حجم اقتصاد ألمانيا، ولا يزعج أميركا التي يبلغ حجم اقتصادها، الأكبر في العالم، 21 تريليون دولار».

أردوغان: لن يتمكّنوا من سحْق تركيا

أنقرة - الأناضول - قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن «هناك من يهدّدنا بالاقتصاد والعقوبات وأسعار الصرف والفائدة والتضخم، ونحن نقول لهم إننا كشفنا مؤامرتكم ونتحداكم». وفي كلمة له خلال المؤتمر العام السادس لحزبه الحاكم «العدالة والتنمية» في أنقرة، أمس، أكد أردوغان أن بلاده لن تخضع للضغوط الخارجية، مشيراً إلى أن وسائل الضغط الاقتصادي على بلاده لن تجدي نفعاً. وقال: «يستخدم خصوم تركيا، وسائل الضغط الاقتصادي ضد أنقرة، ولكن بلادنا لا تنوي تغيير نهجها ومسارها... لم ولن يتمكنوا من سحق تركيا».
وأضاف: «لم ولن نرضخ لأولئك الذين أسسوا نظام رخاء لأنفسهم من خلال استغلال العالم»، مشدداً على أنه «إذا وُجد الإيمان في النفوس تتوافر القدرة». وفي إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة من دون تسميتها، أكد أردوغان أن «تركيا لم ولن ترضخ لأولئك الذين يتظاهرون بأنهم شركاء استراتيجيون لها ويحاولون جعلها هدفاً استراتيجياً»، مضيفاً «لا نرى أي قوى فانية في هذا العالم قادرة على الوقوف أمام شجاعة وفطنة هذا الشعب الذي يسير نحو تحقيق أهدافه واضعاً الموت نصب عينيه».

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008