الأحد، 24 فبراير 2019

واشنطن تنجز خطة لبقاء قواتها في سورية بغض النظر عن العراق

واشنطن - من حسين عبدالحسين

منذ اليوم الأول الذي تلى إعلان الرئيس دونالد ترامب سحباً فورياً لألفي جندي أميركي ينتشرون في شرق سورية، نهاية العام الماضي، نقلت «الراي» عن مصادر في الحكومة الأميركية أن الانسحاب لن يتم لأنه يؤذي المصالح القومية للولايات المتحدة، وأن ترامب سيتراجع عنه، بالتزامن مع تقديم بعض السيناريوات العلنية لحفظ ماء الوجه للرئيس بإبقاء القوات من دون كسر كلمته.
ومنذ إعلانه الأول سحب القوات الأميركية وحتى الأمس القريب، كرّر ترامب إعلانه سحب القوات، وأضاف إلى ذلك نيته إعلان أن التحالف الدولي نجح في إلحاق هزيمة تامة وشاملة بتنظيم «داعش». 
وتوقع ترامب، قبل أسابيع، أن يعلن المسؤولون الأميركيون، في غضون 24 ساعة، أنه تم «القضاء على (داعش) بنسبة 100 في المئة»، لكنه إعلان، مثل سحب القوات الأميركية من شرق سورية، لم يحصل، خصوصاً بعدما أقنع المقربون من ترامب رئيسهم أن إعلان الانتصار الكامل على «داعش» يمكن أن ينقلب الى كابوس سياسي في حال حصل تفجير واحد تبناه التنظيم، وهو ما من شأنه أن يدحض ادعاء أميركا الانتصار الكامل، ويظهر ترامب وكأنه كذب على الأميركيين والعالم.
في الأثناء، راحت المؤسسة الأميركية الحاكمة «استابلشمنت» تعمل على استنباط كل أساليب الاقناع مع الحلفاء، خصوصاً تركيا، والتلاعب في تحديد صفة ومهمة القوات الأميركية الباقية في سورية، وإبعاد حلفاء واشنطن، الأكراد عن حدود تركيا، وإقناع الحلفاء في التحالف الدولي بضرورة «الحفاظ على مكتسبات تدمير التنظيم بابقاء قوة تمسك الأرض حتى إشعار آخر».
ثم دخل المسؤولون الأميركيون في سباق مع نظرائهم العراقيين الموالين لإيران، فطهران سارعت إلى تحريك حلفائها في «مجلس النواب» العراقي لإنهاء التفويض العراقي لتواجد قوات أجنبية، غرب البلاد، لمحاربة «داعش». 
وكثّفت إيران وحلفاؤها العراقيون مساعيهم، خصوصاً بعدما بدا أن ترامب كان يرغب في سحب القوات الأميركية من شرق سورية إلى غرب العراق، مع ما يعني ذلك استمرار وجود قوات أجنبية تراقب، بل تقطع، الجسر البري الممتد من طهران الى بيروت، عبر أراضي العراق وسورية. 
بعد سعي دؤوب، نجح المسؤولون الأميركيون في اقناع ترامب بإبقاء «قوة صغير جداً، يحدد عددها الضباط على الأرض لمنحهم حرية الحركة من دون تقييد أيديهم سياسياً، على أن يكون أقصى عدد ممكن للقوات في المئات»، أي ألا يتجاوز 999 جنديا أميركيا. وفي وقت لاحق، أعلن البيت الأبيض أن 200 جندي أميركي سيواصلون انتشارهم شرق الفرات، كجزء من «قوة حفظ سلام وتأكيد عدم عودة داعش، وبالاشتراك مع قوات في التحالف الدولي»، وخصوصاً كندا واستراليا ونيوزلندا. 
وظهرت تفاصيل أخرى للعلن، مع إعلان واشنطن أن قاعدة التنف، التي يتمركز فيها 200 جندي أميركي منذ اعوام، باقية، وهو ما رفع عدد القوات الاميركية الباقية في سورية الى 400. 
وتقول مصادر وزارة الدفاع إن عدد القوات الاميركية المتبقية في سورية يبلغ حالياً 1600، وإن الخطط جارية على سحب قرابة 700 جندي أميركي، واستبدالهم بجنود من دول حليفة مشاركة في التحالف الدولي.
وكشفت مصادر أميركية لـ«الراي» أن انقرة تراجعت عن مطلبها سحب القوات الأميركية من سورية، بعدما تبين أن انسحاباً من هذا النوع يفتح الباب أمام قوات روسيا ورئيس النظام السوري بشار الأسد لاقتحام مناطق شرق الفرات، وأن اقتحاماً من هذا النوع يجبر الجيش التركي على الانخراط في حرب مفتوحة مع الروس وقوات الأسد، أو التراجع وتسليمها المناطق. 
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سمع من نظيره الروسي فلاديمير بوتين رفض موسكو دخول الجيش التركي المناطق التي يخليها الأميركيون شرق الفرات، وأصرّ بوتين على تسليم هذه المناطق للأسد.
ويبدو أن الموقف الروسي حمل تركيا على العودة إلى الحضن الاميركي، فالتقى وزيرا دفاع أميركا وتركيا جيف شانهان وخالوصي اكار في واشنطن. ويبدو أن انقرة وافقت على استمرار بقاء القوات الاميركية شرق الفرات، مع السماح لهذه القوات باستخدام قاعدة «انجرليك» الجوية التركية، واستخدام الاراضي التركية لاستضافة خطوط التموين للقوات الاميركية. كذلك، ستعتمد القوات الاميركية على قواعد اردنية لتموين وحماية التنف جوياً.
وبالترتيبات التي توصلت إليها واشنطن، سياسياً في الداخل الاميركي ومع الحلفاء الاوروبيين والاقليميين مثل تركيا والاردن، صار ممكنا بقاء قوة اميركية مؤلفة من قرابة ألف جندي، فضلا عن مئات الجنود من التحالف، وبعض الحلفاء المحليين، خصوصا المقاتلين العرب، مع انكفاء الأكراد الى مناطق الحسكة، والابتعاد عن الحدود مع تركيا.
وبترتيبات واشنطن، لم تعد إمكانية انسحاب قوات التحالف من العراق تؤثر في سيطرة واشنطن والحلفاء على مناطق حوض الفرات، ويسمح لواشنطن بالاستمرار في عرقلة الجسر البري بين إيران ولبنان. 
صحيح أن أميركا تفضل البقاء في العراق، ولكنها تستعد كذلك لامكانية انتقال العراق الى الحضن الايراني بالكامل، مع ما يعني ذلك من انتقال واشنطن لمعاملة بغداد بالطريقة ذاتها التي تعامل بها بيروت، أي جهة غير صديقة، لا يوجد دعم أميركي ديبلوماسي لها، بل مراقبة لنشاطاتها المالية ومحاصرتها لضمان عدم إفادة إيران منها.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008