الثلاثاء، 20 يوليو 2021

قاتل الهاشمي في قبضة العدالة وقتلة العراق طلقاء

حسين عبدالحسين

حققت الأجهزة الأمنية العراقية إنجازا باهرا بكشف هوية قتلة الصديق العراقي الراحل هشام الهاشمي وتقديمهم للمحاكمة. اسم القاتل لا يهم. المهم هو أنه كان يعمل ضابطا في الشرطة العراقية، ومرتبطا بميليشيا "كتائب حزب الله" العراقية الموالية لإيران، حسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس" عن مصدر أمني لم تكشف عن هويته. 

والشكر موصول للوكالة الفرنسية لقيامهما بما كان يفترض أن تقوم به الحكومة العراقية، لناحية تقديم السياق الذي أدى إلى اغتيال الهاشمي، فالجريمة لم تكن ثأرا شخصيا للشرطي ضد الهاشمي، بل كان اغتيالا سياسيا صدرت أوامره من جهات أرفع بكثير من ضابط الشرطة. 

كان على حكومة الكاظمي تقديم دافع الجريمة ومن أمر بها، لكن الحكومة العراقية ما تزال طرية العود، وغير قادرة على توجيه أصابع الاتهام للمليشيات العراقية — الموالية لمرشد إيران علي خامنئي — في اغتيال الهاشمي، كما في اغتيال غيره من الناشطين العراقيين المعارضين للنفوذ الإيراني في العراق وللفساد الحكومي المرافق له.

في المرات السابقة، حاولت حكومة الهاشمي اعتقال مطلقي الصواريخ على "المنطقة الخضراء"، وكانوا من مقاتلي "كتائب حزب الله"، لكن الميلشيا حاصرت "المنطقة الخضراء"، التي تضم مقرات الحكومة ومنازل المسؤولين، فرضخت الحكومة وأفرجت عن المعتقلين.

وفي مرة ثانية، تحسبت حكومة الكاظمي قبل اعتقال قاسم مصلح، بعدما اتهمته بالضلوع في اغتيال للناشط إيهاب الوزني، إذ حاولت الميليشيات العراقية الموالية لإيران استعراض عضلاتها في العاصمة، لكن القوات الحكومية فاقتها عددا وتنظيما، فتراجعت ميليشيات الولي الفقيه، قبل أن يتم اغتيال عقيد في الاستخبارات العراقية، الأرجح لدوره في كشف دور مصلح، فما كان من الحكومة إلا أن تراجعت مرة ثانية، وأفرجت هذه المرة عن مصلح.

اغتيال الهاشمي لم يكن جريمة شخصية، بل جزء من نموذج حكم نقلته عدد من الدول العربية وإيران عن أعتى الأنظمة الديكتاتورية في التاريخ، الفاشستية منها والشيوعية. الدكتاتوريات العالمية صممت حكمها على أساس القضاء على أي معارضة بالكامل، إن داخل البلاد أو خارجها، على غرار اغتيال موسكو للروسي ليون تروتسكي في المكسيك، واغتيال بغداد صدام حسين للمعارض طالب السهيل، الذي كان يسكن بيروت.

الجمهورية الإسلامية في إيران تبنت نموذج الطغيان العالمي نفسه، وكانت باكورة جرائمها خارج إيران المحاولة الفاشلة في باريس لاغتيال شهبور باختيار، آخر رؤساء حكومات الشاه. 

بعد انتهاء الحرب الباردة، توقف معظم الطغاة عن تنفيذ عمليات الاغتيال خارج أراضيهم، خصوصا أن المعارضين اتخذوا لأنفسهم مقرات في دول أوروبا وأميركا الشمالية، وهو ما جعل الاغتيالات، التي تخترق سيادة هذه الدول، أمرا محفوفا بالمخاطر لأن انكشافه يؤدي إلى ردة فعل قوية ضد الطاغية واستخباراته.

رئيس روسيا فلاديمير بوتين يسعى لإعادة ثقافة الاغتيالات العابرة للقارات، إذ هو راح يقتل معارضيه في العواصم الأوروبية، ومثله فعل النظام الإيراني، الذي لم يتوان عن استخدام حصانة ديبلوماسييه لتهريب عبوة ناسفة لاستهداف مؤتمر للمعارضين في باريس، قبل أن تنكشف العملية، وتحكم محكمة أوروبية ضد تورط ملالي طهران في الهجوم الفاشل.

على أن فشل نظام إيران في عملية أو اثنتين لا يثنيه عن مواصلة نشر اغتيالاته ضد أي من يرفع صوته ضد "الحكومة الإسلامية الفاشية الإيرانية"، في كربلاء والنجف وبيرو، كما في إسطنبول ونيويورك. هكذا اغتالت إيران الهاشمي ووزني في العراق، ولقمان سليم في بيروت، واستدرجت المعارض روح الله زم إلى كربلاء، حيث اختطفته إلى إيران وأعدمته. ثم قام "الحرس الثوري الإيراني" — وهو عماد النظام الإسلامي في طهران وتصنفه الولايات المتحدة تنظيما إرهابيا — باستدراج المعارض العربي الإيراني فرج الله الكعبي إلى تركيا، ومنها اختطفه إلى إيران. بعد ذلك، حاول "الحرس" تنفيذ عملية اختطاف بحق الصديقة الإيرانية الأميركية مسيح علي نجاد في مدينة نيويورك. قبل أن تنجح الاستخبارات الأميركية في إفشال المخطط الإرهابي الإيراني.

نموذج إيران المبني على الاغتيالات ليس "جمهورية إسلامية"، بل عصابة على شكل عصابات السوفياتي جوزف ستالين والعراقي صدام والروسي بوتين. هذا النوع من الأنظمة مبني على جزئين: حكومة شكلية وعصابة تحكم فعليا. أحيانا، تجنّد العصابة الحاكمة أفرادا في القوى الأمنية النظامية، كما في جريمة اغتيال الهاشمي التي نفذها شرطي موال للميليشيا الخارجة عن القانون. 

في نظام البعث بشقيه العراقي والسوري، كان نموذج الرعب يشبه النظام الإيراني اليوم. كان البعثيون هم الحكام الفعليين، وكان يمكن لبعثي صغير أن يوقع الذلّ بضابط رفيع في الجيش العراقي إن كان الضابط غير بعثي. 
لهذا، أقبل العاملون في الدولة، في الاتحاد السوفياتي والعراق وسوريا وإيران، على الانضمام للحزب الحاكم، شيوعي أم بعثي أم إسلاموي. لهذا السبب انخرط ضابط في الشرطة العراقية، لديه سلطة ينص عليها القانون، بميليشيات خارجة عن القانون، لأن الدستور والقوانين في العراق وإيران ولبنان وسوريا هي نصوص شكلية، فيما الدستور الحقيقي الوحيد هو قانون الغاب، حيث الحكم للأقوى.

حسنا فعلت السلطات العراقية بالكشف عن هوية قتلة الهاشمي، لكن قتلة الأوطان لا يزالون يعيثون في الأرض فسادا ويزرعونها موتا واغتيالات، في إيران والعراق ولبنان، كما في باريس ونيويورك وواشنطن. 

أما الانتصار الفعلي، فسيكون في قضاء الحكومات المنتخبة على الميليشيات وأنظمة الطغيان الراعية لها، إن في طهران أم في موسكو أم في أي من عواصم العالم المشاغبة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008