واشنطن - من حسين عبدالحسين
على الرغم من إصرار مسؤول ملف إيران في الإدارة الأميركية روبرت مالي، على أن العودة الى الاتفاقية النووية مع إيران لاتزال ممكنة، بدأ يتكون اجماع في واشنطن بأن طهران لا ترغب بالعودة بتاتا، وأن المرشد الأعلى علي خامنئي، حسم أمره لناحية المضي قدماً في محاولة إقامة «اقتصاد مقاومة» يعطي «الجمهورية الإسلامية» مناعة ضد أي عقوبات دولية، وفي الوقت نفسه مواصلة السعي للحصول على تقنية السلاح النووي.
ومالي كان وصل إلى منصبه بدعم من جبهة واسعة من أصدقاء النظام الإيراني في العاصمة الأميركية، بما في ذلك أربعة أعضاء ديموقراطيين في مجلس الشيوخ، هم كريس مورفي وبيرني ساندرز واليزابيث وارن وكريس فان هولين، وهو يتمتع بتأييد وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي يشاطره معظم آرائه حول إيران وكيفية التعامل معها، في وقت يفترق الرجلان في السياسة التي ينشدونها تجاه الجمهورية الإسلامية مع مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، وأحيانا مع الرئيس جو بايدن نفسه.
ولطالما سعى فريق مالي وبلينكن لإقناع بايدن بوجهة النظر الإيرانية، لناحية أن الولايات المتحدة هي التي خرجت أولاً من الاتفاقية النووية، وتالياً هي التي تتحمل مسؤولية العودة أولاً حتى تعود طهران.
لكن بايدن نفسه لا يوافق هذا الرأي، ويعتقد أنه لا يمكن أن تعود بلاده للاتفاقية النووية في وقت تواصل، بل توسّع، طهران برنامجها النووي.
وكانت واشنطن تسلمت تقارير استخباراتية من الحلفاء الأوروبيين تشير الى أن عملاء إيرانيين يسعون بشكل متواصل لشراء تقنيات تساهم، لا في تعزيز البرنامج النووي الإيراني السلمي فحسب، بل في بناء جانبه العسكري.
وتشير التقارير الى سعي إيران للحصول على صواعق للاستخدام في تفجير الرؤوس النووية، وهذه الصواعق تؤكد أن البرنامج ليس سلمياً فحسب، بل عسكري كذلك.
ويعزز الشبهات حول نوايا إيران، التقلب الذي تسمعه الوفود الدولية من الوفد الإيراني في الجولات الستة الماضية التي انعقدت في فيينا.
وتقول مصادر أميركية إن إيران وافقت على نقاط عديدة، وتراجعت عنها في وقت لاحق، ثم وافقت وتراجعت، وأن هذا الارتباك الإيراني يشي بأن لا قرار من خامنئي بالسعي الجدي للعودة للاتفاقية.
ويلقي مالي وفريقه المسؤولية في ذبذبة إيران في المفاوضات النووية على واشنطن، ويردد مالي في لقاءاته مع المسؤولين في الإدارة والكونغرس أن من حق طهران ألّا تصدّق ما تقوله الولايات المتحدة لأنه سبق لأميركا أن تراجعت عن كلمتها بانسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية.
لكن الفريق المناوئ لمالي يرى أن الاتفاقية التي تم التوصل إليها في العام 2015 والمصادقة عليها في 2016 كانت عرجاء منذ اليوم الأول، وأنها لم تكن اتفاقية دولية بين الولايات المتحدة وإيران، لأن الاتفاقات الدولية تحتاج إلى مصادقة الكونغرس، ما يجعلها قانونا، وما يعني أن الانسحاب منها يتطلب قانوناً كذلك.
أما الاتفاقية الماضية، فمررها الرئيس السابق باراك أوباما بمرسوم اشتراعي صادر عن البيت الأبيض، وهو ما جعل الانسحاب منها يسير بمجرد اصدار ترامب مرسوم اشتراعي ألغى سابقه.
ويقول معارضو استماتة مالي للتوصل لاتفاقية مع إيران «كيفما اتفق»، أنه لو كانت إيران تسعى جدياً لاتفاقية ثابتة مع الولايات المتحدة، لكان عليها أن تسعى للتوصل لاتفاقية تحوز على موافقة غالبية السلطة التشريعية، التي تمثل الإرادة الشعبية الأميركية.
والحصول على هذه الموافقة يتطلب أن تكون الاتفاقية شاملة، تغطي شؤون النووي الإيراني وكذلك ملفي الصواريخ والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، وهو ما يسمح ببناء تحالف واسع لاقرارها والابقاء عليها.
أما ما تم التوصل إليه في زمن أوباما، فاتفاقية ضيقة جداً، قامت بموجبها الرئيس السابق بتعليق عقوبات أميركية على إيران كانت تنحصر بقطاعات النفط والشحن البحري والتأمين.
حتى ان أوباما لم يقوَ على إلغاء هذه العقوبات لأنها عقوبات صادرة بقوانين وتحتاج لقوانين مماثلة في الكونغرس لإلغائها. جلّ ما فعله هو اصداره اعفاءات على تطبيق العقوبات، ثم جاء ترامب، وترك مفاعيل الاعفاءات تنقضي من دون تجديدها، فعادت العقوبات تلقائياً بموجب التشريعات الأميركية.
إيران تبدو بعيدة جداً، وغير مهتمة، بالتوصل لاتفاقية شاملة ودائمة، حتى ان مجموعة أصدقائها المنهمكة غالباً في محاولة تغيير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط حتى تصبح في مصلحة طهران، من قبيل اصرار أصدقاء إيران على ضرورة انسحاب أميركي تام وشامل من كل دول الخليج وإلغاء «عقيدة كارتر»، صارت ترى نفسها محرجة بسبب المواقف الإيرانية في المفاوضات النووية.
وساهمت لا مبالاة إيران بالعودة للاتفاقية النووية في إضعاف موقف مالي وبقية أصدقائها الأميركيين، اذ صارت تبدو واشنطن لينة وطهران متصلبة. ويعتقد المتابعون أن إيران ستعيش سنوات من التصلب، على الأقل حتى تتم عملية خلافة خامنئي.
حتى ذلك الحين، ستبقى إيران على موقفها، وهو ما سيجبر واشنطن على إعداد خطط بديلة لمواجهة النووي الإيراني، غير الديبلوماسية المتعثرة والعقوبات التي بلغت مداها.
وفعلياً، يتناقل المعنيون في العاصمة الأميركية تقارير مفادها بأن الوكالات الفيديرالية المتعددة بدأت تعقد لقاءات لاعداد خطط مواجهة امكانية اقتراب إيران من صناعة سلاح نووي، وهي خطط تراوح بين الحرب السرية، والضربة المفاجئة والمحدودة، والسماح للحلفاء من المتضررين من إمكانية حيازة إيران سلاحاً نووياً بالتصرف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق