الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

مهزلة الانتخابات اللبنانية

حسين عبدالحسين

لم أسجّل نفسي كلبناني مغترب للاقتراع في الانتخابات اللبنانية المقررة في 27 آذار - مارس، ولن أزور لبنان للإدلاء بصوتي. أما هذه المقالة، فتعمدت أن أكتبها بعد مرور موعد تسجيل المقترعين اللبنانيين المغتربين حتى لا أؤثر في آراء أي مغترب لبناني قد يقرأ هذه السطور، فيمتنع عن التسجيل، مع أن أرقام تسجيل المغتربين جاءت متدنية أصلا. المغتربون اللبنانيون لا يرون التغيير ممكنا، وهم لو اعتقدوه كذلك، لكانوا على الأرجح عادوا إلى وطنهم الأم. 

الانتخابات أداة تغيير في الدول التي تستجيب أنظمتها للتغيير، ولبنان ليس منها، ما يعني أن الانتخابات اللبنانية ستلعب دورا معاكسا للذي يريده المطالبون بالتغيير، فتمنح المستبدين من حكام لبنان غطاء تبريريا لحكمهم، وتسمح لميليشيا "حزب الله" الشيعية الموالية لمرشد إيران، علي خامنئي، أن تشير إلى الانتخابات لتؤكد أن في لبنان حرية واختيار.

يأس اللبنانيين دفعهم إلى التنادي للاقتراع بكثافة لاعتقادهم أنه الخيار الوحيد المتاح للتغيير فيما الواقع هو أنه، في الوضع القائم، لا تغيير في لبنان، لا في انتخابات ولا في ثورات، بل إن التغيير الوحيد الممكن هو في أن يضعف نظام إيران – ربما في حال وفاة خامنئي والاضطرابات الممكنة التي سترافق عملية خلافته – وهو ما يؤدي لاهتزاز "حزب الله" وضعف قبضته الممسكة بلبنان.

بدون ضعف نظام إيران، لا تغيير يلوح في الأفق اللبناني، حتى لو افترضنا أن جبهة من الشباب المستقلين المعارضين للحزب وسلاحه فازت في الانتخابات، لا علاقة واضحة بين الحاق هزيمة بـ "حزب الله" انتخابيا وإضعاف قبضته كمقدمة للتغيير.

يعني حتى لو فاز أصدقاء من خيرة الناشطين في العمل السياسي، من أمثال، ميشال دويهي ومارك ضو وماريا مانوك ورنا خوري ونزار غانم ومصطفى فحص وأمل شريف، حتى لو فاز هؤلاء وأمثالهم وأصدقاؤهم بكتلة من 86 مقعدا، أي ثلثي "مجلس النواب" اللبناني، وهو ما يسمح لهم بانتخاب رئيسي جمهورية وبرلمان وتشكيل حكومة تفرض تصنيف "حزب الله" ميليشيا غير دستورية، لن يسمح "حزب الله" لهذه الكتلة أن ترى النور، أو أن تصل مبنى البرلمان، أو أن تقسم اليمين، أو أن تجتمع. ولن يتأخر الحزب المذكور عن تصفية أعضاء منها، ونشر مقاتليه في مناطق معارضيه لترهيبهم، وكلها نشاطات سبق للميليشيا الموالية لإيران أن قامت بها منذ مقتل رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري، في 2005، حيث اتهمت محكمة الأمم المتحدة قادة في "حزب الله" بارتكاب الجريمة.

في 2005، لم يفز تحالف "حزب الله" بغالبية برلمانية، ثم بعدما انتهت ولاية، أميل لحود، الرئاسية، أغلق الحزب البرلمان ليمنع الغالبية من انتخاب رئيس منها، وطارد النواب الذين اختبأوا في فندق تحت حماية مشددة. وعندما أصدرت حكومة لبنان قرارا بتفكيك شبكة الاتصالات الأرضية الخاصة بالحزب، شنت الميليشيا حربا أهلية في 7 أيار 2008، فسارع المجتمع الدولي لإعادة الاستقرار باجباره الغالبية على قبول مطالب الحزب ومشاركته في حكومة "وحدة وطنية" وانتخاب رئيس توافقي. حتى في "الوحدة الوطنية"، استبعد "حزب الله" رئيس الحكومة، فؤاد السنيورة، عن تشكيل حكومة ثانية، فالوحدة الوطنية لدى "حزب الله" يعني أن يسود رأيه وحده.

وعشية انتخابات 2009، كان الحزب واثقا من حتمية فوزه، فأدلى زعيمه، حسن نصرالله، بخطاب قال فيه أنه بموجب نتائج الانتخابات، ستحكم الغالبية وستعارض الأقلية. لكن تحالف "حزب الله" خسر الانتخابات، فتراجع نصرالله، وعاد إلى المطالبة بحكومة توافقية، وأقفل البرلمان في 2014 عامين، ليفرض انتخاب، ميشال عون، رئيسا، وهو ما يطرح السؤال التالي: ما قيمة الانتخابات اللبنانية، أو أي من المؤسسات، إن كان التوافق السياسي شرطا لعملها فيما غيابه يعطّلها؟ وإن لم يتم النقاش، وحسم رأي ضد آخر داخل المؤسسات، فأين يكون؟ عبر العنف في الشارع، وربما الحرب الأهلية؟ 

هذا هو تاريخ "حزب الله" منذ تسلمه الحكم في لبنان خلفا لنظام آل الأسد الذي كان يمسك بالبلاد منذ 1991، يطلّ نصرالله في خطابات يتمسكن فيها، ويعلن فيها أن حزبه لا يحكم، وأنه يتشاور ويتشارك، لكن الواقع هو أنه لا يمكن لأي شيعي أن يترشح في مناطق "حزب الله" ويقدم خطابا انتخابيا لا يوافق عليه الحزب، مثل المطالبة بنزع سلاح الميليشيا والتزام الحياد الإقليمي الذي ينادي به بطريرك المسيحيين الموارنة، بشارة الراعي. ومن نافل القول أنه لا يمكن لأي مرشح شيعي، تحت طائلة الإيذاء الجسدي، أن يترشح في دوائر يسيطر عليها "حزب الله" ويطالب بسلام إقليمي، بما في ذلك مع إسرائيل.

هذا هو شكل الانتخابات في لبنان، النقاش ينحصر في مواضيع يوافق عليها "حزب الله" سلفا. مع ذلك، يتظاهر المرشحون أنهم يقدمون برامج انتخابية وأفكارا خلاقة. ثم يقولون لك اقترع حتى تغيّر فيما المرشحون أنفسهم غير قادرين على قول كل ما في بالهم أو في بال ناخبيهم، خشية الإيذاء الجسدي الذي قد يلحقهم بسبب عنف "حزب الله".

اللبنانيون ممن يرون أن الانتخابات هي السبيل الوحيد للتغيير هم كمن يرى لبنان جثة ويعتقد أنه لو عانقها فستفتح عيونها. لبنان مات ولا خلاص للبنانيين إلا بإعادة تشكيل جمهوريتهم من جديد، وتشكيلها متعذر بدون تساوي المشاركين، والمساواة متعذرة بدون نزع السلاح الذي يفرض شكل أي حوار وطني ونتائجه.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008