حسين عبدالحسين
نجح التغييريون في الكويت في تكبيد المحافظين والإسلامويين هزيمة سياسية تشي بأن حظوظ التغييريين كبيرة في إحراز انتصارات، وإن صغيرة، في انتخابات "مجلس الأمة" المقررة في التاسع والعشرين من الجاري. وتجلّى انتصار التغييريين في فشل الإسلاميين في حمل المرشحين على توقيع وثيقة تنتمي للعصور الظلامية أسموها "وثيقة القيم".
فمن أصل 376 مرشحا، بلغ عدد الموقعين على الوثيقة 48 فقط، أي 12 في المئة، وهو ما يمثّل على الأرجح الشعبية المتدنية للإسلام السياسي، خصوصا في دولة كالكويت تعيش غالبية سكانها في بحبوحة، وهو ما يحرم الإسلامويين فرصة بناء قاعدة شعبية مستندة إلى شبكات رعاية اجتماعية، كعادة تنظيمات الإسلام السياسي في الدول ذات الغالبية السكانية المسلمة.
ومما ورد في "وثيقة القيم" أن المرشح للبرلمان الكويتي يتعهد بـ"العمل على تطبيق منع الاختلاط" في المؤسسات التربوية "بما يحقق فصل مباني الطلاب عن مباني الطالبات". كما ترفض الوثيقة "مهرجانات الرقص الهابطة وحفلات الرقص المختلطة التي تخالف الآداب والذوق العام والقانون".
ومن بنود الوثيقة أيضا "رفض المسابح والنوادي المختلطة، والعمل على تفعيل قانون اللبس المحتشم، ووقف عرض الأجساد بما يخدش الحياء على الواقع وفي مواقع التواصل، وتطبيق قانون تجريم الوشوم الظاهرة على الجسد"، فضلا عن تجريم "سب الصحابة".
كل ما كان ينقص "وثيقة القيم" الكويتية الطلب إلى الحكومة تأسيس شرطة فضيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على طراز الشرطة السعودية التي كانت معروفة بـ "المطاوعة"، والتي كان أكبر انجازات الحكومة السعودية حلّها ومنح السعوديين حريات فردية تتضمن كيف ومتى يعبدون، وما يلبسون، وكيف يتصرفون — رقصا أم غناء أم سباحة.
مسكينة الكويت التي لاتزال بعض القوى السياسية فيها تدفعها باتجاه العصور الظلامية بدلا من الالتحاق بالزمن القائم وتحويل البلاد إلى اقتصاد معرفي قادر على التنافس في الاقتصاد العالمي لتخفيف اعتماد الكويت على عائدات النفط، وترشيق القطاع العام، وإصلاح مسار الموازنة العامة.
جارتا الكويت، السعودية والإمارات، سارتا في ركب التغيير، وتداركتا أهمية إقامة حيّز عام معولم يقبل الحريات الفردية ويسمح للبلاد المنافسة في الاقتصاد العالمي المبني على المعرفة والخدمات.
أما الكويت، فتعاني مما كانت تعاني منه السعودية قبل العام 2015: قادة حكماء إجلاء ولكن طاعنون في السن ولا قدرة لديهم على التحديث، ولا تصور لديهم حول كيفية تمرير القيادة للجيل الحالي، ويقتصر ما يسعون إليه — مشكورين طبعا لضرورته — على الحفاظ على التماسك الوطني والاستقرار العام، وهذا ما أملى عليهم مسايرة المحافظين والإسلام السياسي، محليا وإقليميا.
وفي غياب قادة كويتيين شباب تحديثيين، من أمثال ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وقعت مهمة مواجهة الإسلاميين، ورفع راية التغيير واستعادة الكويت، على مرشحين شباب من أمثال المرشح في الدائرة الرابعة عبيد الوسمي والمرشح في الدائرة الثالثة جاسم الجريد، والذي يجاهر بإعلاء مصالح الكويت وتقليد نموذجي الإمارات والسعودية في الانفتاح على العالم وبناء اقتصاد معرفي معولم.
وكان بعض التغييريين في "مجلس الأمة" الأخير حاولوا الالتفاف على المحافظين والإسلامويين بالمزايدة عليهم في موضوع مقاطعة إسرائيل ومناصرة فلسطين، لكن هذه "المجاملة" لم تنقذ الحكم الكويتي ولا حلفائه من حقد المعارضة ضدهم وتعطيل الدولة بشكل عام، وهو ما دفع بعض أبرز البرلمانيين، من أمثال رئيس "مجلس الأمة" مرزوق الغانم، إلى الاعتكاف عن الترشح.
والغانم مشرّع في منتصف العمر، أظهر طاقة وحنكة كبيرتين على مدى العقد الماضي، لكنه وكتلته لم يتمكنا وحدهما من دفع الكويت في اتجاه التغيير والانفتاح، ولم ينجحا في التخلص من الشعبوية والمزايدات في قضية فلسطين. ودفع انسحاب الغانم إلى ترشح برلمانيين سابقين يقارب عمرهم التسعين، طامحين لقيادة المجلس، وكأن كل ما ينقص الكويت المزيد من القادة الطاعنين في السن.
ولا يزال التغييريون الكويتيون اليوم يخشون مواجهة المحافظين والإسلامويين في موضوع السلام بين الكويت وإسرائيل، على الرغم من رفع التغييريين شعار "الكويت أولا". هذه الخشية مصدرها أن القضية الفلسطينية تحولت طوطما إيمانيا لا يرتبط بالمصالح الوطنية ولا بالسياسات، فاقتراح "تغليظ العقوبات" على التعامل أو التطبيع مع إسرائيل كان سيؤدي إلى منع شركات خليجية وعالمية من العمل في الكويت، وهو ما يؤدي إلى حرمان استثمارات أجنبية في الاقتصاد الكويتي وتاليا يجبره على الاعتماد أكثر على عائدات النفط. والمحافظون من معارضي التطبيع، المتوقع عودتهم إلى "مجلس الأمة"، لا يبدو أنهم يدركون أن للشعبوية حول فلسطين ثمن، وأن هذا الثمن هو فعليا عافية الاقتصاد الوطني وتاليا مصالح الكويت ككل.
ثم أن كل المواقف الكويتية لا تقرّب ولا تؤخّر في وضع الفلسطينيين، ولا هي حتى تشتري تعاطفا فلسطينيا تجاه الكويت، إذ يندر أن يعثر المرء على موقف فلسطيني واحد يلعن العراقي صدام حسين الذي اجتاح الكويت يوما ودمرها.
في العالم العربي نموذجان. الأول فيه دول تعي مصلحتها وتعليها على عواطفها، فلسطين أو غيرها، وتتعامل بعقلانية وواقعية مع الأمور، وتعرف أن العالم في سباق لبناء اقتصادات معرفية منفتحة على كل الشعوب والدول، بغض النظر عن تاريخ الصراعات معها (العلاقة الممتازة اليوم بين أميركا واليابان أو ألمانيا مثالا)، والثاني فيه دول تغرق في الشخصانية والنميمة، إن في الديوانيات أو على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتلهى بصغائر الأمور والعواطف، كالدين وفلسطين، وتنسى الصورة الكبرى — أي مصلحة الكويت.
بعد تسعة أيام سيتوجه الناخبون الكويتيون إلى صناديق الاقتراع. في مصلحتهم انتخاب ليبراليين وتغييريين شباب من أمثال الوسمي والجريد وغيرهما، واختيار أصحاب السياسات الواضحة للانتقال بالدولة إلى اقتصاد عصري يستقل عن عائدات النفط ويرتكز على القطاع الخاص، وهذا قوي جدا ومتطور اليوم في الكويت، وأن تطوي الكويت صفحة الريعية المبنية على وظائف القطاع العام وشعارات الماضي البائد، فلسطين أو غيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق