الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

حرب غزة في كتاب يضعها في سياقها

حسين عبدالحسين

الحرب التي شنتها، في مايو الماضي، حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل لم تكن تتمة للصراع العربي الإسرائيلي المنحسر، على ما دأب الإعلام العالمي على تصويرها، بل هي شكّلت حلقة من حلقات الصراع المندلع بين إيران وإسرائيل، حسب الزميل في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" جوناثان شانزر، في كتابه "صراع غزة 2021"، الصادر هذا الشهر. 

يقدم الكتاب خلفية تاريخية موجزة حول تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويشير إلى أن حماس نجحت في القضاء على عملية السلام، التي كانت بدأت في العام 1993، بين اسرائيل و"حركة التحرير" الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، وهي عملية كانت تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. وأفضت المفاوضات إلى تسليم الإسرائيليين الفلسطينيين أراض كانوا سيطروا عليها في حرب 1967. 

لكن حماس، المنبثقة عن التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمين"، كان لها رأي آخر، إذ شنت حملة هجمات انتحارية أوقفت العملية السلمية بالكامل، وأفضت في نهاية المطاف إلى "الانتفاضة الثانية" في العام 2000. على أنه في 2005، قام رئيس حكومة إسرائيل الراحل، آرييل شارون، بتجربة قضت بالانسحاب من قطاع غزة، وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية فيه، وتسليمه للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. اعتقد شارون أنه يمكن لحكومة فلسطينية الإمساك أمنيا بأي أراض تنسحب منها إسرائيل، وأن تقوم السلطة بحكم هذه الأراضي. 

لكن الفساد المدقع الذي تغرق به السلطة كلّفها سيطرتها على القطاع، الذي نفّذت فيه حماس انقلابا عسكريا تضمّن إعدام مئات مسؤولي السلطة العسكريين والمدنيين. ومنذ العام 2007، والقطاع تحت سيطرة حركة تعلن أن القضاء الكامل على إسرائيل هو هدفها، وتتسلح بعتاد إيراني وأموال، وهو ما يجعلها رهينة سياسة طهران تجاه إسرائيل. 

التجربة الإسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية من جانب واحد فشلت بعد فشلها في غزة، وانتهت العملية السلمية، ولم يعد واردا أي انسحاب إسرائيلي من أي أراض في الضفة الغربية، لأن الانسحاب صار يعيد إلى الأذهان اكتساح حماس لأي أراض تتركها إسرائيل وتحولها إلى بؤرة عسكرية تهدد الاستقرار في إسرائيل بشكل متواصل. 

ويشير شانزر إلى أنه في ظل العداء القائم بين السلطة الفلسطينية وحماس، وسيطرة الأولى على الضفة الغربية والثانية على قطاع غزة، لم يعد ممكنا البحث في التوصل إلى حل الدولتين بين ثلاثة أطراف، هي: اسرائيل والسلطة وحماس، وهو ما يعني أن الأمور ستستمر على ما هي عليه حتى إشعار آخر.

في ظل الجمود القائم بين إسرائيل والفلسطينيين، ينقل شانزر عن المسؤولين الإسرائيليين اعتقادهم أن الوضع حاليا يمكن الإشارة إليه على أنه "الحرب بين الحروب"، أي حرب شبه باردة بين إسرائيل وايران تمتد على رقعة الشرق الأوسط والبحرين المتوسط والأحمر، وتقوم أثناءها إيران بمحاولة توسيع رقعة نفوذها وإقامة قواعد متقدمة داخل سوريا حتى تهدد أمن إسرائيل بشكل أكبر.

إسرائيل، بدورها، تخوض حربا سرية، استخباراتية وعسكرية وإلكترونية، تقوم خلالها باستهداف مواقع استراتيجية داخل إيران، كما داخل سوريا وفي عموم المنطقة. 

أما الرد الإيراني، فيأتي غالبا بمضاعفة رهانها على الميليشيات التي يمكنها تهديد إسرائيل، "حزب الله" شمالا وحماس جنوبا. وتسعى إيران دائما إلى تزويد هاتين المجموعتين، اللتين تصنفهما الولايات المتحدة وعدد كبير من دول العالم إرهابيتين، بأحدث الأسلحة والتقنيات الإيرانية، والتي يبدو أخطرها اليوم المسيرات (درون) المفخخة، والتي يمكن استخدامها في الجو وكذلك تحت الماء. 

ويشير شانزر إلى أن إسرائيل نجحت، أثناء حرب غزة في مايو، بتدمير عدد من مفخخات حماس البحرية التي كانت تستهدف منشآت إسرائيلية للطاقة في عرض المتوسط. كذلك، يقول الباحث الأميركي إن إسرائيل طورت أحدث التقنيات، بالاشتراك مع الولايات المتحدة، من قبيل أنظمة الدفاع الجوي للتصدي للصواريخ والمسيرات، والتي أبلت بلاء حسنا في حرب غزة الأخيرة، وكذلك بناء سور تحت الأرض لمنع حماس من بناء أنفاق قامت في الماضي باستخدامها لشن هجمات داخل الأراضي الإسرائيلية. 

ولا ينسى الكاتب التطرق إلى أحداث العنف داخل إسرائيل التي رافقت حرب غزة، والتي بادر إلى القيام بها عدد من عرب إسرائيل، فواجهوا عنفا مضادا من يهود إسرائيل. ويعتبر شانزر أن مما لا شك فيه أن عرب إسرائيل يعانون من فقر وإهمال، ولكنه يعزو وضعهم هذا إلى رفضهم المشاركة في منظومة الحكم الإسرائيلية. وإلى أن شاركت كتلة "رعم" التي يقودها، منصور عباس، في الائتلاف الحاكم في إسرائيل اليوم، اقتصرت مشاركة العرب في الحياة السياسية في إسرائيل على انتخاب نواب ممن يرفضون المشاركة في أي ائتلافات حكومية، ويستخدمون مواقعهم في الكنيست الإسرائيلي غالبا لبث مواقف شعبوية معارضة لوجود إسرائيل برمتها. 

ختاما، يدعو شانزر الأميركيين، وخصوصا الإعلام الأميركي، إلى التحري بشكل أعمق حول خلفية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وعدم الاكتفاء بالكتابة عن الأمور بشكل سطحي كالسائد. كما يدعو الأميركيين، وخصوصا الكونغرس، إلى مضاعفة مراهنتهم على إسرائيل، في ظل الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة بالكامل من منطقة الشرق الأوسط. 

ويختم شانزر القول إن قدرات إسرائيل العسكرية والتكنولوجية تسمح لها بأن تواصل حماية المصالح القومية للولايات المتحدة في المنطقة حتى بعد الانسحاب الأميركي، وهو ما يتطلب دعما متواصلا من الكونغرس والبيت الأبيض والأميركيين بشكل عام لإسرائيل ولتسليحها ودعمها ماليا ودبلوماسيا بشكل عام.

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

مهزلة الانتخابات اللبنانية

حسين عبدالحسين

لم أسجّل نفسي كلبناني مغترب للاقتراع في الانتخابات اللبنانية المقررة في 27 آذار - مارس، ولن أزور لبنان للإدلاء بصوتي. أما هذه المقالة، فتعمدت أن أكتبها بعد مرور موعد تسجيل المقترعين اللبنانيين المغتربين حتى لا أؤثر في آراء أي مغترب لبناني قد يقرأ هذه السطور، فيمتنع عن التسجيل، مع أن أرقام تسجيل المغتربين جاءت متدنية أصلا. المغتربون اللبنانيون لا يرون التغيير ممكنا، وهم لو اعتقدوه كذلك، لكانوا على الأرجح عادوا إلى وطنهم الأم. 

الانتخابات أداة تغيير في الدول التي تستجيب أنظمتها للتغيير، ولبنان ليس منها، ما يعني أن الانتخابات اللبنانية ستلعب دورا معاكسا للذي يريده المطالبون بالتغيير، فتمنح المستبدين من حكام لبنان غطاء تبريريا لحكمهم، وتسمح لميليشيا "حزب الله" الشيعية الموالية لمرشد إيران، علي خامنئي، أن تشير إلى الانتخابات لتؤكد أن في لبنان حرية واختيار.

يأس اللبنانيين دفعهم إلى التنادي للاقتراع بكثافة لاعتقادهم أنه الخيار الوحيد المتاح للتغيير فيما الواقع هو أنه، في الوضع القائم، لا تغيير في لبنان، لا في انتخابات ولا في ثورات، بل إن التغيير الوحيد الممكن هو في أن يضعف نظام إيران – ربما في حال وفاة خامنئي والاضطرابات الممكنة التي سترافق عملية خلافته – وهو ما يؤدي لاهتزاز "حزب الله" وضعف قبضته الممسكة بلبنان.

بدون ضعف نظام إيران، لا تغيير يلوح في الأفق اللبناني، حتى لو افترضنا أن جبهة من الشباب المستقلين المعارضين للحزب وسلاحه فازت في الانتخابات، لا علاقة واضحة بين الحاق هزيمة بـ "حزب الله" انتخابيا وإضعاف قبضته كمقدمة للتغيير.

يعني حتى لو فاز أصدقاء من خيرة الناشطين في العمل السياسي، من أمثال، ميشال دويهي ومارك ضو وماريا مانوك ورنا خوري ونزار غانم ومصطفى فحص وأمل شريف، حتى لو فاز هؤلاء وأمثالهم وأصدقاؤهم بكتلة من 86 مقعدا، أي ثلثي "مجلس النواب" اللبناني، وهو ما يسمح لهم بانتخاب رئيسي جمهورية وبرلمان وتشكيل حكومة تفرض تصنيف "حزب الله" ميليشيا غير دستورية، لن يسمح "حزب الله" لهذه الكتلة أن ترى النور، أو أن تصل مبنى البرلمان، أو أن تقسم اليمين، أو أن تجتمع. ولن يتأخر الحزب المذكور عن تصفية أعضاء منها، ونشر مقاتليه في مناطق معارضيه لترهيبهم، وكلها نشاطات سبق للميليشيا الموالية لإيران أن قامت بها منذ مقتل رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري، في 2005، حيث اتهمت محكمة الأمم المتحدة قادة في "حزب الله" بارتكاب الجريمة.

في 2005، لم يفز تحالف "حزب الله" بغالبية برلمانية، ثم بعدما انتهت ولاية، أميل لحود، الرئاسية، أغلق الحزب البرلمان ليمنع الغالبية من انتخاب رئيس منها، وطارد النواب الذين اختبأوا في فندق تحت حماية مشددة. وعندما أصدرت حكومة لبنان قرارا بتفكيك شبكة الاتصالات الأرضية الخاصة بالحزب، شنت الميليشيا حربا أهلية في 7 أيار 2008، فسارع المجتمع الدولي لإعادة الاستقرار باجباره الغالبية على قبول مطالب الحزب ومشاركته في حكومة "وحدة وطنية" وانتخاب رئيس توافقي. حتى في "الوحدة الوطنية"، استبعد "حزب الله" رئيس الحكومة، فؤاد السنيورة، عن تشكيل حكومة ثانية، فالوحدة الوطنية لدى "حزب الله" يعني أن يسود رأيه وحده.

وعشية انتخابات 2009، كان الحزب واثقا من حتمية فوزه، فأدلى زعيمه، حسن نصرالله، بخطاب قال فيه أنه بموجب نتائج الانتخابات، ستحكم الغالبية وستعارض الأقلية. لكن تحالف "حزب الله" خسر الانتخابات، فتراجع نصرالله، وعاد إلى المطالبة بحكومة توافقية، وأقفل البرلمان في 2014 عامين، ليفرض انتخاب، ميشال عون، رئيسا، وهو ما يطرح السؤال التالي: ما قيمة الانتخابات اللبنانية، أو أي من المؤسسات، إن كان التوافق السياسي شرطا لعملها فيما غيابه يعطّلها؟ وإن لم يتم النقاش، وحسم رأي ضد آخر داخل المؤسسات، فأين يكون؟ عبر العنف في الشارع، وربما الحرب الأهلية؟ 

هذا هو تاريخ "حزب الله" منذ تسلمه الحكم في لبنان خلفا لنظام آل الأسد الذي كان يمسك بالبلاد منذ 1991، يطلّ نصرالله في خطابات يتمسكن فيها، ويعلن فيها أن حزبه لا يحكم، وأنه يتشاور ويتشارك، لكن الواقع هو أنه لا يمكن لأي شيعي أن يترشح في مناطق "حزب الله" ويقدم خطابا انتخابيا لا يوافق عليه الحزب، مثل المطالبة بنزع سلاح الميليشيا والتزام الحياد الإقليمي الذي ينادي به بطريرك المسيحيين الموارنة، بشارة الراعي. ومن نافل القول أنه لا يمكن لأي مرشح شيعي، تحت طائلة الإيذاء الجسدي، أن يترشح في دوائر يسيطر عليها "حزب الله" ويطالب بسلام إقليمي، بما في ذلك مع إسرائيل.

هذا هو شكل الانتخابات في لبنان، النقاش ينحصر في مواضيع يوافق عليها "حزب الله" سلفا. مع ذلك، يتظاهر المرشحون أنهم يقدمون برامج انتخابية وأفكارا خلاقة. ثم يقولون لك اقترع حتى تغيّر فيما المرشحون أنفسهم غير قادرين على قول كل ما في بالهم أو في بال ناخبيهم، خشية الإيذاء الجسدي الذي قد يلحقهم بسبب عنف "حزب الله".

اللبنانيون ممن يرون أن الانتخابات هي السبيل الوحيد للتغيير هم كمن يرى لبنان جثة ويعتقد أنه لو عانقها فستفتح عيونها. لبنان مات ولا خلاص للبنانيين إلا بإعادة تشكيل جمهوريتهم من جديد، وتشكيلها متعذر بدون تساوي المشاركين، والمساواة متعذرة بدون نزع السلاح الذي يفرض شكل أي حوار وطني ونتائجه.

Since December 2008