الأحد، 17 يوليو 2011

اقتصاد أميركا والعالم... رهن مناكفات في واشنطن

اوباما مصافحا باينر وبدا كانتور

| واشنطن من حسين عبد الحسين |
جريدة الراي

يلاحظ بعض المارة على الشارع «رقم 15» في واشنطن، حيث مبنى وزارة الخزانة المحاذي للبيت الابيض، ان بعض المكاتب مضاءة حتى ساعات متأخرة من الليل، حتى في ايام عطلة نهاية الاسبوع، والسبب هو ان موظفي الوزارة يعملون على مدار الساعة - وعلى اكثر من صعيد - لدفع الكأس المرة التي قد تضطر الولايات المتحدة الى تجرعها، في حال لم يقر الكونغرس رفع سقف الاستدانة العامة ليتجاوز 14 تريليون و300 مليون، والتي من المتوقع ان يتجاوزها في 2 اغسطس المقبل.

هذه المعضلة السياسية - الاقتصادية تهدد، لا الاقتصاد الاميركي فحسب، بل عموم الاقتصاد العالمي، وهي بدأت عندما اقسم 40 نائبا جمهوريا، منهم 20 تم انتخابهم الى الكونغرس للمرة الاولى العام الماضي، على التصويت ضد اي قانون يسمح برفع سقف الاستدانة. هؤلاء النواب هم من المحافظين، ومعظمهم من المحسوبين على حركة «حفلة الشاي»، وهم يأتمرون بـ «آمر الأغلبية» الجمهورية عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا كيفين ماكارثي، الذي «يمون» على 87 عضوا جمهوريا تم انتخابهم للمرة الاولى في انتخابات 2010. ولأن هؤلاء يرفضون الموافقة على رفع سقف الدين العام، تجد واشنطن نفسها مضطرة الى الإخلال بمدفوعاتها المالية المستحقة مع مطلع الشهر المقبل والبالغة 350 مليار دولار، وهو إن حصل، سيؤدي الى قيام شركات التصنيف العالمية مثل «ستاندرد اند بورز» و«موديز»، بتخفيض الدرجة الممتازة التي تمنحها لسندات الحكومة الاميركية، ما سيرفع من تكلفة الاستدانة للحكومة وللاميركيين بشكل عام، ويؤدي الى تباطؤ في العجلة الاقتصادية التي ما زالت تعاني من تداعيات ركود العام 2008.

تفاديا لهذا السيناريو المظلم، تحركت الحكومة الاميركية على صعيدين: الاول، داخلي وقام بموجبه الرئيس باراك اوباما بالاتصال بزعماء الحزب الجمهوري بالكونغرس لحثهم على رفع سقف الدين لتفادي تخفيض درجة اميركا الاقتصادية الممتازة، والثاني، الاتصال بشركات التصنيف واستعراض الخطة الاميركية القاضية بخفض الدين العام في العقد المقبل، والاستمرار في الوفاء بالالتزامات المالية.

على صعيد الحلول السياسية، ادخلت المفاوضات التي استضافها اوباما في البيت الابيض البلاد في متاهة المهاترات السياسية، في وقت تستعد اميركا لبدء حملاتها الانتخابية للكونغرس والبيت الابيض المقررة العام المقبل. الجمهوريون، وضعوا شروطا في مقابل موافقتهم على رفع سقف الاستدانة تتلخص بتعديل الدستور لإدخال مادة تفرض على كل الحكومات المقبلة اقرار موازنات متوزانة، اي خالية من اي عجز او استدانة. وهذا يقضي بدوره بعصر هائل للنفقات وتقليص حجم الحكومة واداراتها وانفاقها.

في الوقت نفسه، طالب الجمهوريون بتخفيض الضرائب بهدف «تحفيز» الاستثمارات المالية، التي يعتقدون ان من شأنها تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل للتخفيف من وطأة البطالة، التي وصلت بدورها الى معدل فاق الـ 9 في المئة من اجمالي اليد العاملة.

وادعى الجمهوريون ان خطتهم القاضية بعصر النفقات وتخفيض الضرائب كفيلة بتوفير 2 تريليون و300 مليار على الخزينة على مدى العقد المقبل، وهو طرح شعبوي اكثر منه واقعي لانه يعتمد على تصاعد غير مضمون للنشاط الاقتصادي الاميركي على اثر تخفيض الضرائب.

لكن هذه المناورة السياسية لم تفت اوباما، الذي اقترح تقليص النفقات المخصصة لـ «التقديمات الاجتماعية»، وهو امر يعارضه حزبه الديموقراطي وقواعده، وعصر النفقات بما فيها المخصصة للدفاع، وهو ما يعارضة المحافظون، ورفع الضرائب لجباية ما يقارب تريليون دولار على مدى العقد المقبل، وهو ما يعارضه المحافظون ايضا، فيصبح مجموع ما توفره خطته على الخزينة 4 تريليونات بدلا من 2 تريليون و300 مليار، في السنوات العشر المقبلة، وهذه الخطة اطلق عليها الرئيس الاميركي اسم «الصفقة الكبرى».

يذكر ان حجم العجز السنوي في الموازنة يبلغ تريليون و100 مليار، ومن المتوقع ازدياده مع تضخم في التقديمات الاجتماعية الموعودة بسبب زيادة في عدد المتقاعدين وفي معدل اعمارهم بسبب التحسن الكبير في العلوم والخدمات الطبية.

ولأن اوباما نجح في اقتناص التأييد الشعبي، ولأن القيادة الجمهورية اثبتت فشلا في التأثير على النواب المحافظين في الموافقة على «الصفقة الكبرى»، تراجع رئيس مجلس النواب جون باينر عما بدا اتفاقا اوليا، فيما استمر نائبه اريك كانتور، الذي يتمتع بتأييد محافظ اكبر، في المفاوضات في البيت الابيض.

وذكرت مصادر اميركية انه في اثناء المفاوضات، توجه كانتور الى اوباما بالقول «اراك تتحدث عن خطة تقشف بـ 4 تريليونات، ولكني لا ارى ورقة فيها تفاصيل بين يديك»، فأجاب اوباما بغضب «الورقة اعطيتها لرئيسك باينر واذا كان لا يوجد تنسيق بينكم، فأنا اعتقد انني اضيع وقتي في المفاوضات مع كل واحد منكما بمفرده». وخرج الرئيس الاميركي من غرفة اجتماعات الحكومة في الجناح الغربي للبيت الابيض حيث تنعقد المفاوضات.

هذا التعثر في التوصل الى اتفاق يسمح برفع سقف الاستدانة في مقابل توفير 4 تريليونات على الخزينة للعقد المقبل دق ناقوس الخطر، ودفع وزارة الخزانة، خلف الكواليس، الى محاولة اقناع شركات التقييم بتجميد تقييمها لوضع الولايات المتحدة المالي. يذكر ان شركات التقييم سبق ان خفضت تقييمها لدول كثيرة كان آخرها اليونان وايرلندا اللتان تعانيان من ازمة اقتصادية خانقة.

وفي الاثناء، انكب زعيم الاغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور عن ولاية نيفادا هاري ريد بالاتصال بزعيم الاقلية الجمهورية ميتش ماكونل، واتفق الاثنان على وضع تشريع مشترك يهدف الى تجاوز مجلس النواب والسماح برفع سعر سقف الاستدانة. وقالت مصادر ريد انه سيقدم مشروع القانون يوم الاربعاء، بعد تقديم اعضاء الكونغرس الجمهوريين مشروع تعديل الدستور والمتوقع هزيمته بالتصويت.

وختمت المصادر ان ريد وماكونل اتفقا على إرفاق المشروع ببند ينص على تأليف لجنة من 12 من شيوخ الحزبين تعمل على التوصل الى اتفاق لتخفيض العجز وتثبيت الدين العام، على ان تكون توصيات اللجنة ملزمة للحزبين، ويتم اقرارها في المجلسين، ويوقعها الرئيس في الاشهر القليلة المقبلة وقبل قدوم الاستحقاق المقبل لرفع سقف الدين مجددا.

هناك تعليقان (2):

Umzug Wien يقول...

ممتاز جدا
شكرا لكم

أخبار يقول...

موضوع قيم
شكرا جزيلا


Since December 2008