واشنطن - من حسين عبدالحسين
انخرط كل المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية، من مسؤولين حاليين وسابقين وخبراء وعاملين في مراكز الأبحاث، في محاولة تفسير المعاني السياسية لوصول مصطفى الكاظمي الى سدة رئاسة الحكومة في العراق.
المجموعة الأولى، اعتبرت أن قيام الولايات المتحدة بتصفية قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في بغداد مطلع هذا العام، انعكس على مجريات الأحداث في العراق، وأدى إلى ضعف إيراني واضح انعكس تراجعاً سياسياً.
ويشير ايلاي لايك في موقع «بلومبيرغ»، الى أن «كتائب حزب الله»، الميليشيا العراقية الموالية لإيران، كانت هددت بالعنف مراراً في حال تم اختيار الكاظمي رئيساً للحكومة، «لكن مجلس النواب العراقي تجاهلها».
ويوضح لايك: «يدعو برنامج الكاظمي صراحة إلى إصلاح وزارة الداخلية، التي قامت بالتنسيق مع الميليشيات المدعومة من إيران باستخدام العنف لتفريق الاحتجاجات السلمية الأخيرة ضد النفوذ الإيراني».
ويضيف: «سيكون وزير الداخلية الجديد الجنرال عثمان الغانمي، وهو ضابط مدرب في الولايات المتحدة ويشغل حاليا منصب رئيس أركان الجيش، مسؤولاً عن وزارة يخترقها قادة الميليشيات الذين أظهروا ولاءهم لسليماني وإيران أكثر من العراق».
لكن لدى الغانمي ولدى العراق، يتابع لايك، «فرصة لإعادة ترتيب الأوضاع في الوزارة وإصلاحها، وهو هدف أميركي قديم».
وأشار مسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب الى حادثة تظهر جدية الكاظمي في التعامل ضد هذه الميليشيات بحزم، وقالوا إنه اثناء تظاهرات في البصرة، قام أفراد في الميليشيات الموالية لإيران بإطلاق النار من أحد المباني، ما أدى الى مقتل متظاهر وغضب شعبي عارم. إلا ان الكاظمي أمر بإرسال وحدات نظامية فداهمت المبنى، وقبضت على المتهمين بإطلاق النار وقتل المتظاهر، وتم تقديمهم الى العدالة.
تفكيك الميليشيات الإيرانية في العراق ونزع سلاحها، يبدو أحد أهداف الكاظمي، وهو هدف يتمتع بتأييد كامل من لاعبين أساسيين: الولايات المتحدة، والمرجعية الشيعية في النجف.
وأبلغ مسؤولون أميركيون «الراي»، أن إحدى ركائز البيان الوزاري للكاظمي هو إقرار قانون الأحزاب، وهو قانون يفرض الولاء الوطني لكل حزب، وهو ما يتناقض والأدبيات المؤسّسة والدعاية المرافقة لمعظم الميليشيات العراقية الشيعية التي تعلن الولاء للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
وانعكس الضعف الإيراني على الأداء الإعلامي في تغطية الأحداث المرافقة لتبوؤ الكاظمي منصب رئيس حكومة، إذ في اليوم التالي، أفاق العراقيون على صور عملاقة لسليماني ونائب قائد «الحشد الشعبي» السابق أبو مهدي المهندس، ممزقة في بغداد.
لكن هيئة «الحشد»، أوضحت أن الصورة المتداولة تعود إلى السادس من مايو الجاري، وبررت الحادثة بأن رياحاً عاتية هبّت على بغداد حينها، وأدت الى تمزيق الصور، وأكدت أن «الحشد» يستعد لنصب صور جديدة بدلاً منها.
لكن الشعور الشعبي المعادي لإيران، ولصور مسؤوليها في شوارع العراق، صار يبدو جلياً. وسبق لمتظاهرين غاضبين أن احرقوا قنصليات إيرانية في الجنوب، كما احرقوا صوراً لمسؤولين إيرانيين في العراق.
المجموعة الثانية من المسؤولين السابقين والخبراء الأميركيين توافق الأولى بأن إيران تراجعت كثيراً في العراق، ولكنها تخالفها الرأي بأن السبب هو ضعف طهران على الأرض.
وتعزو المجموعة الثانية سبب التراجع إلى عدد من العوامل، أبرزها أن إيران بحاجة إلى الإبقاء على منفذ لها الى النظام المالي العالمي وحبل خلاص اقتصادي، خصوصاً مع الانهيار الاقتصادي في الدول الأخرى التي تسيطر عليها، مثل لبنان وسورية.
وأثناء الاتصال الذي أجراه ترامب والكاظمي لتهنئته على منصبه، منح الرئيس الأميركي، العراق فترة سماح مدتها أربعة أشهر ليواصل استيراد الطاقة، وخصوصا الكهرباء، من إيران، وهو ما يعني أن واشنطن وافقت على قيام بغداد بتسديد ديونها المترتبة لطهران، والتي تبلغ نحو مليارين ونصف المليار دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لحكومة ايران، التي تعيش في ما يشبه اليأس الاقتصادي، والتي تسعى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بمبلغ ضئيل مقداره خمسة مليارات دولار.
ويقول السفير الأميركي السابق لدى سورية والباحث في معهد الشرق الأوسط روبرت فورد، إن إحدى «أولويات واشنطن هي منع العراق من المساعدة في تمويل اقتصاد إيران الضعيف، خصوصاً بعدما أصبحت وارداته من الغاز والكهرباء الإيرانية مصدر إزعاج للإدارة».
ويوضح فورد، الذي سبق أن عمل قائماً للأعمال في العراق، أن الكاظمي تلقى تجديداً لمدة أربعة أشهر لاستيراد الطاقة من إيران، خصوصاً في حرارة الصيف الشديدة، حيث يرتفع الطلب على الكهرباء، وهو ما من شأنه أن يثير عدم الرضا العام عن أي نقص ممكن، ويحول الغضب الشعبي الى مخاطر سياسية كبيرة في بغداد.
ويضيف: «واقعياً، يحتاج العراق إلى سنوات عدة لبناء البنية التحتية لإنهاء اعتماده على واردات الطاقة الإيرانية، وسيتعين على الكاظمي إقناع واشنطن بمنحه المزيد من الوقت، وإقناع إيران أيضاً بعدم استفزاز الأميركيين للإبقاء على الترتيب الحالي الذي يفيد بغداد وطهران معا».
ويختم فورد بأن «من شأن إعادة تنظيم حكومة الكاظمي العقود مع الشركات الأميركية المهتمة بمشاريع البنية التحتية العراقية أن يساعد في تهدئة فريق ترامب».
الاجماع في واشنطن يفيد بأن وصول الكاظمي لرئاسة الحكومة هو في مصلحة الولايات المتحدة والدولة العراقية، وضد مصلحة إيران وميليشياتها. أما لماذا تراجعت طهران، لضعف أم لمصلحة آنية، فموضوع قابل للنقاش، وما زال محتدماً في دوائر القرار الأميركي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق