واشنطن - من حسين عبدالحسين
وصل الصراع بين الرئيس السوري بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، أروقة القرار في العاصمة الأميركية، حيث يعكف المعنيون على تدارس التطورات التي تعصف بالأسرة الحاكمة في الجمهورية السورية.
وكانت الأوضاع بين الأسد ومخلوف بدأت تتفاقم منذ العام 2016 على إثر وفاة أنيسة مخلوف الأسد، والدة بشّار وعمّة رامي، التي يبدو أنها كانت تحمي ابن اخيها من دسائس القصر والمؤامرات التي تحاك فيه.
وبعد وفاة سيدة سورية الأولى السابقة، قام الأسد بحلّ «ميليشيا البستان» التي كان يمولها مخلوف، فضلاً عن حلّ «الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمانة العامة»، التابع لمخلوف كذلك، وإعلانه «حزب غير شرعي»، ثم التحول لانتزاع أسهم رامي مخلوف في شركة «سيرياتل».
بقي مخلوف صامتاً على التحرش ضده على مدى أربعة أعوام، قبل أن يخرج عن صمته للمرة الأولى في 24 أبريل الماضي، مع افتتاحه صفحة باسمه على مواقع التواصل الاجتماعي. بعد ذلك بستة أيام، نشر فيديو تحدث فيه بـ«لهجة دمشقية»، واقتبس آيات من القرآن الكريم، و«كأنه كان يتوجه إلى مجموعة النافذين السنة من تجار وعاملين في نظام الأسد»، بحسب دراسة صدرت عن مركز«غلوبال بوليسي» الأميركي.
واعتبرت الدراسة أن الأسد تجاهل فيديو رامي، بل إن هيئة الاتصالات أصدرت إنذاراً لإجبار مخلوف على تسديد متأخرات مترتبة عليه مع حلول الخامس من مايو الجاري، وهو ما أثار حنقه، فأصدر فيديو ثانياً في 3 مايو، توجه فيه مباشرة إلى الأسد، وطالبه بالتدخل، ثم اقترح صرف تلك الأموال على الفقراء، قبل أن يعلن أن الأجهزة الأمنية بدأت تعتقل كوادر الشركة، وكشف تفاصيل مفاوضات يجريها مع السلطات للإفراج عن الموظفين، ووضع شخصية أخرى في رئاسة مجلس الشركة.
وشدد مخلوف في الفيديو، على أنه لن يتنازل أو يتخلى عن شركته، محملاً المسؤولية لأشخاص في النظام، حيث لا يوجد أي إجراءات رسمية أو نظامية تتبع ضده، وأن هذا الأسلوب يؤدي إلى ترهيب الموظفين في الشركة حالياً.
ووصفت الدراسة، مخلوف بأنه «خاطب الأسد من موقع الند لا موقع المرؤوس، إذ يرى نفسه شريكاً في النظام الحالي، تماما كما اعتبر والده (محمد) نفسه من مؤسسي نظام (الرئيس الراحل) حافظ الأسد». وأضافت أنه على إثر فيديو مخلوف الثاني، «توجهت وحدات من الحرس الجمهوري إلى فيلا مخلوف في ريف دمشق، وأمرت بتفكيك محيطه الأمني، وإزالة الحواجز التي أحاطت به»، وكل ذلك «تم في وضح النهار للسماح للمارة والجيران بأن يشاهدوا ما يجري، اذ إن الأسد كان يشير، ليس فقط إلى أن مخلوف قد سقط من الحظوة، ولكن أيضاً الى أنه لم يعد مفيداً للنظام».
وتابعت الدراسة: «على عكس ما قالته مواقع المعارضة، لم يتم اعتقال مخلوف أبداً، ولم يتم استجوابه».
في ذلك المساء، وبحسب الدراسة، «خرج مخلوف برسالته الرابعة... هذه المرة كتابة، مناشداً الله أن ينقذه، وناسخاً صلاته من كتاب بعنوان - البلد الآمن والدرع المحصن - بقلم الشيخ تقي الدين كفان، من جبل عامل في جنوب لبنان (في القرن السادس عشر)، وهو كتاب يحتوي على قائمة طويلة من الصلوات التي يرددها الشيعة والعلويون من أجل حمايتهم من الخوف والظلم والمرض»، أي أن مخلوف تخلى عن محاولته حشد السنّة وراح يتوجه إلى العلويين من أبناء مذهبه.
لكن هل يدعم العلويون مخلوف كبديل عن الأسد؟ وهل توافق موسكو على استبدال بشاّر بابن خاله؟ هذه الأسئلة تحيّر الأميركيين، إذ إن رحيل الأسد، حتى لو بقي نظامه ومنه مخلوف، يفتح باب تدفق الأموال الدولية لإعادة إعمار سورية، وهو الخيار الذي يبدو أن تياراً نافذاً داخل موسكو بدأ يتمسك به، ويقوده يفغيني بريغوزين، والمعروف بـ«طبّاخ بوتين»، وهو أحد أقرب المقربين إلى الرئيس فلاديمير بوتين.
والملياردير بريغوزين، يملك سلسلة مطاعم ومصالح مالية، ويموّل غالبية المرتزقة الروس المقاتلين في سورية دفاعاً عن نظام الأسد، تحت اسم «مجموعة واغنر». أما الدافع الرئيسي خلف حماسة «الطبّاخ»، فهو طمعه بالحصول على عقود، لكن الأسد مفلس، ولن تتدفق الأموال على سورية من دون رحيله، وهو ما دفع بريغوزين إلى السعي لاستبدال الأسد بأي شخصية من نظامه للتوصل إلى تسوية تسمح بتدفق الأموال الغربية التي يمكن للطبّاخ الإفادة منها.
هكذا، قامت «جمعية حماية القيم الوطنية» الروسية بنشر نتائج استفتاء في منتصف أبريل، جاء فيه أن 32 في المئة من السوريين فقط يدعمون الأسد، وأن الغالبية تؤيد استبداله بـ«سياسيين جدد أقوياء». الجمعية يتزعمها بريغوزين، و«السياسيون الأقوياء»، هم من يمكنهم تلبية طموحات الروس مالياً، ومخلوف في طليعة من يرى بريغوزين وأمثاله فيهم بديلاً محتملاً.
«استبدال الأسد أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لروسيا»، بحسب النائبة الإسرائيلية السابقة كسنيا سفطلوفا، وهي من أصل روسي وتعمل في مراكز الأبحاث اليوم.
وفي مقالة أعاد نشرها مركز الأبحاث «انستيتيوت أوف مودرن رشا» التابع للمعارضة الروسية ومقرّه نيويورك، كتبت سفطلوفا أنه سبق أن «تم النظر في خيار استبدال الأسد ورفضه الكرملين منذ فترة طويلة، إذ يمكن لأي صانع قرار داخل النظام السوري أن يصبح غير ذي صلة بين عشية وضحاها».
وتابعت أن «نائب الرئيس السابق فاروق الشرع مثال على سياسة الطعن في الظهر، السورية، إذ في 2012، وبعد وقت قصير من اقتراح تركيا له (وربما روسيا أيضاً) كبديل محتمل للأسد، تم تهميشه، وسرت إشاعات عن وضعه قيد الإقامة الجبرية».
واعتبرت الخبيرة أنه «لن يتمكن أي شخص غريب عن النظام من السيطرة على قوات الأمن، أو أن يتمتع بدعم إيران للحصول على الأسلحة والنفط والمقاتلين، أو الحصول على دعم الوجود الروسي الكامل في سورية».
وختمت سفطلوفا أن «من المرجح أن يبقى الأسد مسؤولاً عن سورية في السنوات المقبلة، وأن يتمتع بدعم الإيرانيين (الذين يحبون الفوضى) والروس، على الرغم من استياء موسكو، ولا توجد دلائل على أن استراتيجية بوتين لتعزيز وتوطيد موطئ قدم روسيا في الشرق الأوسط قد تغيرت، ولا يزال رجله بشار الأسد الشخصية المركزية في هذه اللعبة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق