واشنطن - من حسين عبدالحسين
لا يزال الموقف الذي أدلى به الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حول إيران، الأسبوع الماضي، مُحيّراً لغالبية المراقبين. في مقابلتين، واحدة مع صحيفة «نيويورك تايمز» وثانية مع شبكة «سي أن أن» التلفزيونية، جدّد بايدن ما سبق أن نشره حول إيران في مقالة، قبل انتخابه رئيساً، وكتب فيها أنه سيعود الى الاتفاقية النووية من دون مفاوضات، في حال التزمت طهران بنسب اليورانيوم المخصب وكميته، قبل انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاقية في مايو العام 2018.
قبل انتخابه، لم يكترث المراقبون لما قاله المرشح الديموقراطي للرئاسة حول إيران، لكن بعد انتخابه، أخذت تصريحاته منحى أكثر جدية، وأقلقت قطاعات واسعة، لا داخل حزبه الديموقراطي فحسب، بل بين الحلفاء الأوروبيين، في برلين ولندن وباريس، التي يبدو أنها قررت الرد عبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي قال في مقابلة مع «دير شبيغل» إن العالم لن يعود الى الاتفاقية النووية نفسها، بل إلى اتفاقية بنسخة جديدة تتضمن التوصل لتسويات مع طهران حول برامجها الصاروخية، وأيضاً تزويدها صواريخ لميليشيات في الشرق الأوسط، وفي شأن الدور الذي تلعبه طهران في المنطقة.
لفت تصريح الوزير الألماني أنظار الديموقراطيين المعارضين للعودة الى الاتفاقية بشكلها الحالي، فتواصل عدد منهم مع فريق بايدن الانتقالي المعني بالسياسة الخارجية للوقوف على رأيه.
ردة فعل الفريق الأولية، أشارت الى أنه على الرغم من إصرار الرئيس المنتخب ووزير خارجيته المعيّن انتوني بلينكن، على عودة الولايات المتحدة إلى تعزيز علاقاتها مع حلفائها وتنسيقها خطواتها الدولية معها، إلا أنه عملاً بمبدأ «رئيس واحد»، يمتنع فريق بايدن عن التواصل مع المسؤولين الأوروبيين الى ما بعد تسلمه السلطة رسمياً في 20 يناير المقبل.
ثانياً، شدد فريق بايدن على أن سياسة الرئيس المقبل ستتمسك بالتوصل لاجماع مع الحلفاء «الأوروبيين وإسرائيل والعرب»، حول إيران ومواضيع دولية أخرى.
فسّر الديموقراطيون المعارضون للعودة للاتفاقية النووية، المواقف المبدئية لدى فريق بايدن بالقول إنه «طالما لم يتسلم الرئيس المنتخب الحكم، فإن تصريحاته ستبقى في إطار المواقف السياسة الانتخابية».
ويبدو أن «أصدقاء إيران» في العاصمة الأميركية كانوا يخشون دوراً أوروبياً في تأخير عودة بايدن لاتفاقية فيينا، رغم أن الأوروبيين أنفسهم لم يخرجوا من الاتفاقية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الرقم 2230.
هكذا شنّ «أصدقاء إيران» حملة علاقات عامة في واشنطن والعواصم الأوروبية لضمان عدم عرقلة الأوروبيين العودة الأميركية.
في هذا السياق، نشرت الباحثة في «مجلس الأطلسي» باربرا سلافين، بالاشتراك مع الباحثة في «مجلس العلاقات الخارجية» الأوروبي ايلي قره نمايه، دراسة أوردتا فيها سلسلة من الاقتراحات للدور المطلوب من العواصم الأوروبية لعبه للتوصل الى تسوية دولية مع إيران.
وكتبت الباحثتان أنه في خضم تعدد الملفات بين الحلفاء عبر الأطلسي، إلا أن ملفاً واحداً منها يمكنه إعادة اللحمة بين ضفتي المحيط، وهو ملف إيران النووي.
ومضت الباحثتان في اعتبار أن المهمة الأولى لأوروبا تتمثل في الحفاظ على استمرار العمل بالاتفاقية حتى تفرغ الولايات المتحدة من عملية انتقال السلطة، وأنه يجب على الأوروبيين العمل داخل لجنة مشتركة، على مستوى وزراء الخارجية «لاستكشاف أفضل السبل لترتيب العمل بالاتفاقية»، وأن المحادثات الأوروبية يجب أن تقوم بتحديد «معايير الصفقة الموقتة التي يمكن أن تقبلها إيران وإدارة بايدن بعد وقت قصير من تولي الإدارة الأميركية الجديدة مهامها».
خلال المرحلة الانتقالية، تقول الباحثتان، يمكن للعواصم الأوروبية الثلاثة «تحديد ما هو ضروري لإيران لتجميد الأنشطة النووية التي تتجاوز حدود الاتفاقية»، على أن يكون ذلك «مرتبطاً بحزمة تخفيف العقوبات من قبل إدارة بايدن».
وأضافت سلافين وقره نمايه، أنه «كما كان الحال في عام 2016، من المحتمل جداً أن تبقى البنوك الدولية متخوفة من تسهيل التجارة مع إيران، حتى لو تم تخفيف العقوبات الأميركية»، وهو ما يعني أنه «يتعين على مجموعة الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة تنشيط مجموعة عمل لجنة العقوبات المشتركة التابعة» للاتفاقية و«تنسيق خطة توعية رئيسية جنبا إلى جنب مع وزارتي الخارجية والخزانة والبنوك الأوروبية، لتخفيف المخاوف».
وختمت الباحثتان، أنه «في حين لا يمكن للحكومات الأميركية أو الأوروبية إجبار الشركات الخاصة على العودة إلى السوق الإيرانية، إلا أنها تستطيع توفير ائتمانات الاستثمار والتصدير والمساعدة الإنمائية، وهذ يجب أن يكون موجها نحو تعزيز القطاع الإيراني الخاص، وتعزيز شفافية المؤسسات المالية الإيرانية».
السعي الايراني لدفع أوروبا للبدء بعملية وساطة بين طهران وواشنطن، يشي بأن أصدقاء ايران مازالوا يخشون، أن تعقيدات العودة الى ما قبل الاتفاقية قد تجهض محاولة العودة الأميركية بأكملها، ما يطرح السؤال حول نسبة الدفع التي يرغب بايدن في توظيفها للعودة للاتفاقية النووية.
وكان أشار، في مقابلته مع «نيويورك تايمز»، إلى أنه سيعود الى الاتفاقية، ولكنه وصف العودة بـ «الصعبة».
اذا لماذا اتصل فريق بايدن بالصحيفة للإدلاء بمقابلة حول السياسة الخارجية المقبلة للرئيس المنتخب، خصوصاً حول إيران؟ مصادر داخل الحزب الديموقراطي لفتت الى أن بايدن واجه، في الأسابيع الأخيرة، ضغوطات من الجناح اليساري المتطرف في الحزب، والذي يقوده منافس بايدن السابق للرئاسة السيناتور بيرني ساندرز.
هذا الجناح شنّ حملتان ضد بايدن، واحدة ضد ميشيل فلورنوي (كانت مرشحة لمنصب وزيرة دفاع قبل اختيار الجنرال المتقاعد لويد أوستن للمنصب)، بسبب مواقفها المعروفة بمعارضتها لتسوية نووية حصراً مع إيران لا تتضمن تسوية حول الميليشيات والصواريخ في الوقت نفسه، وحملة ثانية شنها ساندرز ضد المرشحة لمنصب مديرة الموازنة نيرا تاندن، في الغالب بسبب قيام تاندن بلعب دور كبير في تغلب هيلاري كلينتون على ساندرز في الانتخابات الحزبية في 2016 للفوز بترشيح الحزب للرئاسة.
وتقول مصادر الحزب الديموقراطي لـ «الراي»، إنه قد يكون بايدن قد وجد في اطلاق التصريحات التي أدلى بها حول إيران، وسيلة لتشتيت انتباه جناح ساندرز وتخفيف الضغط على فريقه ريثما يتم الانتهاء من العملية الانتقالية، التي تتطلب حشد كل تأييد ممكن، خصوصاً في ضوء معارضة جمهورية متوقعة في مجلس الشيوخ ضد كل خطوة تعيين سيقوم بها.
كذلك، تعتقد المصادر نفسها أن بايدن مازال بحاجة لجناح ساندرز للابقاء على لحمة الحزب حتى 6 يناير المقبل، وهو اليوم المقرر لاجراء انتخابات دورة ثانية في ولاية جورجيا لتحديد فائزين بمقعدي مجلس الشيوخ. وفي حال خسر الديموقراطيون أيا من المقعدين، يضمن الجمهوريون سيطرتهم على الغالبية، وتاليا قدرتهم على تعطيل جزء كبير من برنامج عمل بايدن وتعييناته.
سوليفان: العودة للاتفاق أساس لمفاوضات لاحقة
أشار جاك سوليفان، الذي رشحه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، لمنصب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، في مقابلة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، أول من أمس، إلى إمكانية العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، كأساس لمزيد من المفاوضات مع طهران حول قضايا أوسع. وقال «أعتقد أن ذلك ممكن، وقابل للتحقيق». ووفقاً له، سترسخ عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات عن طهران، الأساس لـ «مفاوضات لاحقة» حول مسائل أوسع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق