واشنطن - من حسين عبدالحسين
أسلوب الرئيس ترامب فريد من نوعه، فهو عندما يرتكب خطأ شائعاً، أو عندما يخسر انتخابات ما، فهو لا يعترف بالخطأ ولا بالخسارة، بل يمعن في الخطأ ويضاعف رهانه على الخسارة لاعتقاده أنه يمكنه قلب المفاهيم، فيصبح خطأه «ضربة معلم» ويلقي باللائمة في أخطائه على الآخرين، خصوصاً خصومه المحليين منهم والدوليين.
أما خسارته، فلا يقر بها، بل يقلب الطاولة على الانتخابات نفسها، وبدلا من أن يخسر ترامب الانتخابات، تخسر الانتخابات مصداقيتها في عيون شريحة لا بأس بها من الجمهوريين الموالين له.
قبل 20 يوماً من موعد انتهاء صلاحياته الدستورية رئيساً ووجوب خروجه من البيت الأبيض، يرفض ترامب أن يترك من دون اثارة بلبلة تؤذيه وتؤذي حزبه في الدرجة الأولى.
مثلا، بسبب تصرفاته، وإصراره على أنه الفائز، واتهاماته أن «الانتخابات تمت سرقتها منه»، أظهر أحدث استطلاعات الرأي التي أجراها مركز راسموسن الجمهوري اليميني - الذي سبق للرئيس الجمهوري أن استند الى نتائج استطلاعاته في الماضي - أن شعبية ترامب انهارت من قرابة 48 في المئة، في الثالث من نوفمبر الماضي، أي اليوم الذي جرت فيه الانتخابات، الى نحو 30 في المئة اليوم، وهي من أدنى النسب في رئاسة ترامب، منذ مطلع العام 2017.
هناك شريحة من الجمهوريين ممن يؤيدون ترامب كيفما دار ومهما قال، لكنها شريحة ضيقة، في وقت مضى الجمهوريون الأكثر اتزاناً بالابتعاد عنه.
مع ذلك، لم يترك ترامب الجمهوريين يفلتون من بين يديه من دون أسابيع من التهريج الرئاسي في الحكم، والذي أحرج الحزب، خصوصا المرشحين الى مجلس الشيوخ، في الدورة الثانية التي تجري في ولاية جورجيا في الخامس من يناير المقبل، بعد فشل المرشحين من الحزبين في حيازة نسبة نصف الأصوات التي تسمح لهم بالفوز بعد دورة واحدة.
وتظهر استطلاعات الرأي انقساماً تاماً في الحظوظ الانتخابية للحزبين.
ويحتاج الديموقراطيون الى الفوز بمقعدي الولاية حتى يحوزوا 50 من مقاعد المجلس المئة، وتتحول نائب الرئيس كمالا هاريس، التي تترأس الجلسات أيما حضرت، الى الصوت الفاصل، فتصبح الغالبية في أيدي الديموقراطيين، لتضاف الى سيطرة الحزب الديموقراطي على البيت الأبيض وعلى الغالبية في مجلس النواب، فتنعدم سلطة الجمهوريين في واشنطن بالكامل.
الجمهوريون يحتاجون بدورهم الى الفوز بمقعد واحد حتى يصبح عددهم 51 في الشيوخ، ويحافظون تالياً على الغالبية التي يتمتعون بها، ويحافظ ميتش ماكونيل على قدرته على تعطيل القوانين والتعيينات أثناء ولاية الرئيس جو بايدن، أو على الأقل على مدى العامين المقبلين الى حين إجراء الانتخابات النصفية في 2022.
لكن ترامب يأبى أن يترك البيت الأبيض من دون أن يحرج الجمهوريين، فقام أولا بفرض فيتو رئاسي على قانون الإنفاق الدفاعي، الذي صدر بعد مفاوضات طويلة وبموافقة الحزبين، وهو عادة من القوانين التي لا يعرقلها السياسيون تفادياً لتهديد تمويل العمليات العسكرية حول العالم.
هكذا، عاد القانون الى الكونغرس ليعيد التصويت عليه، بغالبية الثلثين لتجاوز الفيتو الرئاسي، وهو ما يكشف ضعف ترامب الكبير في أيامه الأخيرة في الحكم.
على أن ترامب لم يكتف بالفيتو على قانون الدفاع، بل هدد بفيتو على قانون الإعانة التي أقرها الكونغرس لدعم الاقتصاد والأميركيين الذين يعانون من تعثر مالي في زمن وباء كورونا المستجد.
وكان البيت الأبيض فاوض رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي على مدى أسابيع، وتوصل الطرفان الى اقرار رزمة مساعدة لأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، والى تمويل برامج اعانة العاطلين عن العمل، وكذلك منح كل مواطن أميركي من أصحاب الدخل الأدنى من ربع مليون دولار سنويا للفرد أو للعائلة، مبلغ 600 دولار. لكن ترامب، ومن دون التنسيق مع أي من مستشاريه أو العاملين في ادارته أو الحزبيين الجمهوريين، قال علنا أن مبلغ 600 دولار ضئيل جدا، وأنه سيقوم بممارسة الفيتو على القانون ما لم يرفع الكونغرس حجم المساعدة الى ألفين.
والديموقراطيون عادة هم من يدفعون باتجاه المساعدات الحكومية الأكبر، فيما يرفض الجمهوريون الانفاق الذي يزيد من حجم الدين العام، والذي ارتفع من 20 تريليون دولار يوم تسلم ترامب الحكم الى قرابة 30 تريليونا اليوم.
لكن تصريح ترامب أربك الحزب الجمهوري... فعضوا مجلس الشيوخ من جمهوريي ولاية جورجيا يصعب عليهما التصويت ضد منح أموال أكثر للمواطنين بسبب اقتراب موعد الانتخاب في ولايتهما، فيما الحزب الجمهوري يرفض الزيادة التي طرحها ترامب.
أدت الفوضى التي أثارها ترامب الى تضارب في مواقف الجمهوريين، الا أن السناتورين عن ولاية جورجيا أعلنا وقوفهما الى جانب المساعدة الأكبر للمواطنين، وهو ما يعني أن الديموقراطيين بحاجة لصوت جمهوري إضافي واحد في مجلس الشيوخ حتى يحوزوا على الغالبية ضد الجمهوريين للتصويت على الحزمة الأكبر، في وقت علا صوت السناتور بيرني ساندرز، الذي تلقف تصريح ترامب وأصر على التمسك بمساعدة أكبر للأميركيين، وهو ما يؤخر إقرار القانون بسبب رفض جمهوري، ويعرّض تالياً عدد من برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية الى التوقف عن تلبية حاجات الأميركيين الى أن يتم إنجاز القانون.
هي فوضى يتسبّب بها ترامب في كل تصريح يدلي به، غالباً من باب المشاغبة والشعبوية واظهار أنه نصير الأميركيين من ذوي الدخل المحدود، فيما لا يتدخل في أي من المشاكل التي تتطلب أدوارا قيادية، مثل محاولة السيطرة على وباء كورونا ومساعدة الولايات في توزيع اللقاح على أكبر عدد من الأميركيين وفي أسرع وقت ممكن.
لكل هذه الأسباب، تنهار شعبية ترامب، ويرمي حزبه في مستنقع من الارتباك واحتمال خسارة مجلس الشيوخ، ولكل هذه الأسباب، يتحول بشكل متسارع الى واحد من الشخصيات التي تعيش على أقصى الهامش السياسي، ويتحول الى بطل الهامشيين من المؤمنين بنظريات المؤامرة على أنواعها، ويخرج بذلك من السياسة والحياة العامة الأميركية بالسرعة نفسها التي دخل بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق