حسين عبدالحسين
قد لا تدرك غالبية الناس أن الإرهاب لا يعني العنف ضد المدنيين، فهذا عنف تحظره قوانين الحرب والمعاهدات الدولية. الإرهاب هو حيازة مجموعات غير حكومية قدرات عسكرية واستخدامها، إن ضد أهداف مدنية أو أهداف عسكرية.
من التنظيمات التي ينطبق عليها تعريف الإرهاب في القانون الدولي ميليشيا "حزب الله" اللبنانية، و"أنصار الله" بقيادة عبدالملك الحوثي في اليمن، والميليشيات العراقية على أنواعها، باستثناء البيشمركة الكردية، حيث يسمح الدستور العراقي لأي ثلاث محافظات بإقامة حكم ذاتي مع قوة عسكرية على طراز "الحرس الوطني" في الولايات الأميركية.
أما الحكومات فلا ينطبق عليها تعريف الإرهاب حتى لو قامت جيوشها بإيقاع ضحايا في صفوف المدنيين. مقتل المدنيين هو جريمة تحاسب عليها القوانين الدولية، لكنها لا تندرج تحت خانة الإرهاب. لهذا، لم تقم الأمم المتحدة أو العواصم الغربية بإسباغ صفة "إرهاب" على أي حكومة في العالم، بل اكتفت بوصف بعض الحكومات على أنها "راعية للإرهاب"، وهي صفة ثابتة على حكومة "الجمهورية الإسلامية في إيران" و"الجمهورية العربية السورية"، وسابقاً على أنظمة الحكم في العراق والسودان وليبيا.
وقبل هجمات 11 أيلول - سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، لم يستحوذ الإرهاب على اهتمام يذكر، إذ أن الهجمات اقتصرت على أهداف صغيرة لا تعرقل اقتصاد الدول، كخطف طائرات أو وزراء أو ما شابه. لكن هجمات 11 سبتمبر أقنعت واشنطن أن المشكلة تتطلب معالجة جذرية، بما في ذلك اقتلاع حكّام الدول الفاشلة واستبدالها بديمقراطيات، وافتتحت الولايات المتحدة خطتها في أفغانستان ثم العراق.
قدمت إيران، المساعدة لأميركا والعالم في التغلب على خصوم طهران من المجموعات الإرهابية السنية، وهو ما دفع واشنطن إلى التغاضي عن رعاية طهران لمجموعات إرهابية كانت حتى ذلك الوقت تنحصر بـ"حزب الله" اللبناني وحماس الفلسطينية. ووسعت واشنطن في عهد الرئيس باراك أوباما تعاونها الأمني والعسكري غير المباشر مع طهران للقضاء على داعش في العراق، واعتقد مستشار شؤون الإرهاب لدى أوباما ومدير "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي.آي.إيه) لاحقا، جون برينان، أنه يمكن التعاون مع الحوثيين في اليمن للقضاء على تنظيم "القاعدة في الجزيرة العربية". بسبب قصر نظره، فتح برينان الباب في اليمن والخليج أمام ميليشيا الحوثي، فقامت الأخيرة باجتياح صنعاء والإطاحة بالحكومة الشرعية التي تسيطر اليوم على أجزاء من اليمن بدعم من السعودية والإمارات.
رأت طهران في الانفلات في اليمن فرصة ممتازة للإمعان في نشر الموت والفوضى في المنطقة، فقدمت رعاية للحوثيين، الذين اخترقوا كل قانون محلي (بإطاحتهم بالحكومة) ودولي، وراحت ترمي الصواريخ على أهداف مدنية في السعودية والامارات، كان آخرها الأسبوع الماضي ضد أبوظبي.
ومثل عادتهم، هبّ الغربيون من ذوي الضحالة الفكرية للدفاع عن إيران وميليشياتها، فبدلا من المطالبة بمعالجة جذور أزمة اليمن بحلّ ميليشيا الحوثي وإعادة الحكومة الشرعية وإقامة انتخابات، راحوا يصرخون في كل مرة يسقط فيها مدنيون في هجمات التحالف العربي ضد الميليشيا اليمنية الموالية لإيران. ولا شك أن سقوط المدنيين مكروه، ومطلوب محاسبة المسؤولين عن هذه الأخطاء، لكن ردة الفعل على الإرهاب ليست مشكلة مثل الإرهاب نفسه، والإرهاب لا يزال لبّ المشكلة في اليمن وعموم منطقة الشرق الأوسط.
الأمم المتحدة أصدرت قرارات لفرض هدنة ووقف إطلاق نار غير مشروط في اليمن، ووافق التحالف العربي بقيادة السعودية، وحتى اليوم لم يوافق الحوثيون لأنهم يربطون الهدنة بشروط مسبقة، مثل رفع الحصار الذي يفرضه التحالف على مرافئ اليمن ومطارها لمنع تدفق الأسلحة الإيرانية على الميليشيا الحوثية.
مع ذلك، يبدو العالم غافلا بمساواته بين المشكلة، أي إيران ورعايتها للإرهاب في المنطقة بما في ذلك الحوثي في اليمن، ومحاولات معالجة المشكلة، أي الحرب التي شنها التحالف العربي لوقف تمدد الحوثي في اليمن ومنع سيطرته على المحافظات التي ما تزال تحت سيطرة الحكومة اليمنية، وخصوصا مأرب وشبوة حيث مخزون الطاقة اليمنية.
إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أدركت أن الحل في اليمن يبدأ بتصنيف الحوثيين تنظيما إرهابيا، ورفعهم في حال وقفهم الحرب ودخولهم في تسوية. أما إدارة الرئيس جو بايدن، ففريقها المولج الملف الإيراني يتصرف من منطلق عقائدي قائم على ضرورة "انهاء الكولونيالية" الغربية، وتقليص النفوذ الأميركي في العالم، وهو ما يقدم منطقة الشرق الأوسط على طبق من ذهب لإيران والميليشيات الإرهابية الموالية لها.
على أن إدارة بايدن تدرك أن الحوثيين ينطبق عليهم تعريف الإرهاب بالتمام، لذا، يوم قامت برفع "أنصار الله" عن لائحة الإرهاب، لم تبرر ذلك بالقول أن تعريف الإرهاب لا ينطبق على الحوثيين، بل قدمت تبريرا ضعيفا مفاده أن الحوثيين يسيطرون على صنعاء ومعظم أجزاء اليمن، وأن وصمهم بالإرهاب يعرقل جهود الإغاثة الإنسانية في البلاد.
والتذرع بإغاثة المنكوبين، إن في اليمن أو سوريا أو لبنان، صار مدخلا لأنصار إيران في العاصمة الأميركية لتقويض العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على نظام إيران لرعايته الإرهاب وعلى الميليشيات الإرهابية التابعة له، كما على نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، وهو ما يطرح السؤال: إن كان أصدقاء إيران في واشنطن يعارضون الحرب لمواجهة إيران وميليشياتها والأسد، ويعارضون العقوبات كذلك، فما هي الوسائل المتبقية لردع الإرهاب الإيراني وتمدده في المنطقة.
الإجابة على الأرجح تكمن في أن أنصار النظام الإيراني من الغربيين لا يمانعون تمدد إيران وميليشياتها في المنطقة، وهو ما يعني أن الأمل الوحيد لدول الخليج ذات الاقتصادات المزدهرة، والتي تعاني بلطجة وقرصنة النظام الإيرانية، يكمن في الديمقراطية الأميركية، أي أن تعجّل الانتخابات الأميركية في استبدال الفريق الأميركي الحالي بآخر أكثر وعيا وأقل عقائدية في السياسة الدولية. يومذاك، لا بد لأميركا أن تقود حربا عالمية للقضاء على الإرهاب، الذي ترعاه إيران بمثل الزخم الذي شنته للقضاء على إرهاب القاعدة ومتفرعاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق