حسين عبدالحسين
لم يعمّر تفاؤل البعض في لبنان بكتلة نواب التغيير الجدد أكثر من أسبوع. كان الأمل معقودا على أن هؤلاء النواب الجدد يرون الصورة بشكل أشمل وأعمق، وأنهم يدركون أن حجر زاوية التغيير هو إعادة الاقتصاد للنمو، وهو ما يتطلب تطبيق كل القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وصراعه مع إسرائيل، والعودة للهدنة وللاقتصاد الدولي، واستعادة الثقة الدولية بالبلاد واستقرارها وأمنها واقتصادها.
ثم كان أول امتحان مع قيام إسرائيل بالتنقيب في حقل كاريش على حدوها البحرية المتنازع عليها مع لبنان.
ليس مطلوبا من شعب لبنان أو نوابه أو دولته التفريط بحقوق البلاد وثرواتها، مثل الطاقة الممكن اكتشافها على الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، أو على حدود لبنان البحرية الشمالية مع سوريا. المطلوب هو العدل والإنصاف، وإعطاء إسرائيل وسوريا حقيهما مع الحفاظ على الحق اللبناني، وهو ما يتطلب حوارا ودبلوماسية مع دولة إسرائيل ومع الجمهورية العربية السورية، والأفضل أن يتم الحوار برعاية الأمم المتحدة، وبالاستناد إلى القوانين الدولية والوثائق المتراكمة تاريخيا.
من الوثائق التاريخية للصراع اللبناني مع إسرائيل هو قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يطلب في بنده العاشر من "الأمين العام أن يضع، من خلال الاتصال بالعناصر الفاعلة الرئيسية الدولية والأطراف المعنية، مقترحات لتنفيذ الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، والقرارين 1559"، الذي ينص على نزع سلاح كل الميليشيات في لبنان بما فيها "حزب الله"، والقرار "1680 لترسيم الحدود الدولية للبنان، لا سيما في مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكدة، بما في ذلك معالجة مسألة منطقة مزارع شبعا".
هذا يعني أن القرارات الدولية واضحة من ناحية مطالبتها بترسيم حدود لبنان البرية والبحرية مع كل من إسرائيل وسوريا، وهو ما يؤدي الى إنهاء صراعات لبنان الحدودية التي تتذرع بها ميليشيات مثل "حزب الله" لتبرير بقائها، وهو ما يفتح باب نزع السلاح، واستعادة سيادة دولة لبنان باحتكارها لإمكانية استخدام القوة.
كما يفرض القرار 1701 العودة لاتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل للعام 1949. ومع ترسيم الحدود وتثبيت الهدنة واستعادة سيادة لبنان، يعود الاستقرار إلى البلاد ومعه يعود النمو الاقتصادي، ويصبح توقيع السلام مع إسرائيل قرارا يتم اتخاذه في حال توافرت أكثرية برلمانية لدعمه. حتى في غياب السلام اللبناني مع إسرائيل، يكون لبنان في حال سلم مع الإسرائيليين، وهو ما يعيد الحياة في لبنان إلى بعض طبيعتها.
كان التعويل على أن نواب التغيير الجدد في لبنان يفهمون ارتباط السلم بنمو الاقتصاد، وأنهم يعون الإجماع الدولي على تأييد ترسيم الحدود مع إسرائيل وسوريا، والعيش في سِلم (السِلم غير السلام) مع الدولتين.
كل المطلوب من نواب التغيير، دفاعا عن حقوق لبنان في الطاقة الممكن استخراجها من البحر على الحدود مع إسرائيل، هو إعلان تمسكهم بالقرار 1701 وتقديم مشروع قانون في البرلمان يجبر الحكومة على تطبيق هذا القرار وحشد التأييد الدولي والإقليمي له، بما في ذلك القيام بزيارات إلى طهران ودمشق وواشنطن (بالنيابة عن تل أبيب) ليدعوا هذه العواصم إلى تحييد لبنان عن صراعاتها الإقليمية والدولية.
لم يفعل نواب التغيير الجدد في لبنان أياً من الخطوات العقلانية والقانونية أعلاه، بل أصدروا بيانا شعبويا عمدوا فيه إلى المزايدة على "محور الممانعة؛ الإقليمي وممثله "حزب الله" في لبنان في العداء ضد إسرائيل، وعاتبوا الحكومات السابقة على إيداع الأمم المتحدة خريطة لتثبيت حدود لبنان مع إسرائيل، وطالبوا الحكومة الحالية بإيداع خط جديد يمثل أقصى المطالب الممكنة، دون مفاوضات مع إسرائيل، ووجهوا اللوم إلى رئيسي الجمهورية والحكومة لتهاونهما، مع أن الأخيرين قاما بدعوة المبعوث الأميركي للتفاوض.
والتفاوض في المفهوم اللبناني يبدو حتى الآن على الشكل التالي: "إما تقبل إسرائيل أن الخط 29 هو الحدود، أو لا ترسيم ولا سِلم".
أما تبريرات نواب التغيير، فشعبوية مملة مفادها أنهم يحاولون إحراج رئيس الجمهورية، ميشال عون، أمام حليفه "حزب الله"، أي أن نواب التغيير يتخلون عن السياسة الحكيمة الراشدة، والدبلوماسية الهادئة لتحصيل الحقوق، في سبيل الغرق في تفاهات السياسة اللبنانية وتحالفاتها المتقلبة التي لا تغني ولا تسمن. وربما يتوقع هؤلاء النواب تعاطفا شعبيا إن هم أظهروا موقفا صارما ضد من يسمونه "العدو الإسرائيلي".
كاتب هذه السطور يؤمن بأن السلام الكامل بين لبنان وإسرائيل يعود على لبنان بفوائد اقتصادية هي أضعاف ما يعود عليه السِلم مع إسرائيل بموجب الهدنة التي يطلبها القرار 1701 والبطريرك الماروني، بشارة الراعي، وحزب "القوات اللبنانية". لكن في غياب تأييد الغالبية اللبنانية للسلام، لا بأس من الهدنة، ولا بد منها لاستعادة أي نمو اقتصادي.
أما أسوأ المواقف، فالشعبوية التي ترى أن المواقف الدولية لا ثمن لها، بل مجانية. أن تسمي "كتلة التغيير" إسرائيل بـ "العدو" فهذه ليست وطنية، بل شعبوية. هذه الولايات المتحدة يندر أن تصف دولة بـ "العدو"، عملا بالقول المعروف إن في السياسة "لا عدو دائم ولا صديق دائم بلا مصالح دائمة".
للأسف في الحالة اللبنانية، يبدو أن "حزب الله" وحليفته الطبقة الحاكمة لا يختلفان عن الثوار والمعارضة والمطالبين بالتغيير، وأن الشعار الدائم في لبنان هو "لا مصالح وطنية ولا وعي سياسي أو اقتصادي، فقط ألاعيب سياسية وشعبوية وخزعبلات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق