حسين عبدالحسين
«على الأسد أن يقرأ الكتابة على الجدار، وأن يعرف أنه لا يمكنه أن ينتصر عسكريا، مما سيغير حساباته ويدفعه إلى الرحيل». تلك كانت كلمات وزير الخارجية جون كيري، أثناء جلسة الموافقة على تعيينه التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، في يناير (كانون الثاني) 2013. في تلك الجلسة، حاول كيري إقناع الحاضرين بجدوى التدخل الأميركي العسكري لمصلحة الثوار في سوريا، على الأقل عن طريق تسليحهم وتدريبهم، بهدف الإسراع في «تغيير حسابات» حاكم دمشق.
لم يمض عام على تصريحات كيري، حتى قال أثناء مؤتمر صحافي عقده ونظيره القطري خالد العطية، أثناء زيارة الأخير واشنطن قبل أسبوعين، إنه «لا صلة للوضع على الأرض بالسؤال حول تطبيق (جنيف 1)، وربما على الرئيس الأسد أن يعود ليقرأ (جنيف 1) مرة ثانية، أو للمرة الأولى، لكن (جنيف 1) يقول إننا سنحصل على حكومة انتقالية بتوافق متبادل».
وأضاف الوزير الأميركي: «لذا لا يهم إن كنت متقدما أو متأخرا على أرض المعركة، يبقى هدف (جنيف 2) هو نفسه، وهو تطبيق (جنيف 1)، مما يعني حكومة انتقالية بتوافق متبادل بين الأطراف».
بين تصريحي الوزير الأميركي المتناقضين بشكل تام وفاضح، ازدياد في عدد القتلى السوريين بواقع أكثر من خمسين ألفا، حتى أصبح مجموع الضحايا يناهز المائة والخمسين ألفا، حسب بعض التقديرات، منذ اندلاع الثورة المطالبة برحيل الأسد في مارس (آذار) 2011.
وبين تصريحي الوزير ازدياد في عدد السوريين النازحين عن مدنهم وقراهم ومنازلهم حتى تعدى عددهم المليوني نازح، حسب تقديرات الأمم المتحدة، يضاف إليهم ضعف هذا الرقم لغير المسجلين رسميا، مما يعني أن واحدا من كل أربعة سوريين اضطر للانتقال من بيته هربا من نار الحرب الدائرة.
وفي هذه الأثناء، استعادت قوات الأسد والميليشيات الموالية لها، بما فيها حزب الله اللبناني، زمام المبادرة، وراحت تستعيد مناطق حيوية، منها بلدة المسيفرة التي تسمح لهذه القوات تزويد ألويتها التي كانت محاصرة في حلب بالإمدادات من أجل الصمود في وجه الثوار، كخطوة أولى على طريق قلب الموازين وشن هجوم مضاد لاستعادة حلب المدينة، فالمحافظة، عندما تسمح الظروف.
وفي هذه الأثناء أيضا، تراجع الأسد عن موافقة كان أصدرها، على مضض وتحت ضغط روسي، لحضور مؤتمر جنيف الذي ينص على نقل كل سلطاته إلى حكومة مؤقتة. وقال أحد مسؤولي نظامه إن الأسد لن يذهب إلى مؤتمر لتسليم سلطته، فيما تحدث الأسد نفسه عن إمكانية ترشحه لولاية ثالثة لسبع سنوات مع نهاية الثانية الصيف المقبل.
هكذا، يبدو أن الأسد هو الذي يقرأ «الكتابة على الجدار» بدقة، وهو أدرك أنه أخطأ بشنه هجوما بالأسلحة الكيماوية على ضاحية دمشق في 21 أغسطس (آب) الماضي، واعترف بحيازته هذه الأسلحة، ووقع اتفاقية لتسليمها مع حلول شهر مايو (أيار) المقبل، وباشر نظامه العمل على التخلي عن هذه الترسانة.
والأسد «قرأ الكتابة على الجدار» لأنه عندما رأى الأساطيل الأميركية تستعد لتوجيه ضربة قاسية إلى قواته، تراجع ووافق على التخلي عن الكيماوي بطرفة عين.
ولأن الأسد يقرأ الجدران الدولية جيدا، فهو يعرف، كما كان كيري يعرف مطلع العام، أن موازين القوى العسكرية على الأرض هي التي تحدد الدبلوماسية، في جنيف أو غيرها.
«هذا هو الواقع الذي انتهينا إليه، إذ من دون أن تعمل إيران وروسيا معنا لتحضير السيد الأسد لحل تفاوضي يستثنيه من السلطة، لا شيء سيجبر النظام على الحضور إلى جنيف للعب حسب قواعد اللعبة»، يكتب فرد هوف، الباحث في مركز رفيق الحريري التابع لمركز أبحاث مجلس الأطلسي.
هوف، الذي تقاعد مؤخرا بعد أن عمل ككبير المسؤولين عن الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية، أضاف أن «جون كيري كان على صواب قبل أشهر، وكان على صواب معظم أيام حياته، فكونك متقدما أو متأخرا على أرض المعركة لا يؤثر في الأمور الدبلوماسية، بل هو يؤثر في حسم الأمور برمتها».
ربما، هذه المرة، على كيري أن يعود إلى الجدار نفسه ليقرأ ما كان يتمنى أن يقرأه الأسد، وليرى بنفسه أن الكتابة تغيرت وصارت تشير للأسد بأن يبقى في موقعه، وأن يسعى إلى التخلص من خصومه وبقائه حاكما أوحد لسوريا بقوة السلاح والعنف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق