الثلاثاء، 5 سبتمبر 2023

الأردنيون يعارضون التغلغل الإيراني

حسين عبدالحسين


وقّعت 100 شخصية أردنية على عريضة تطالب حكومتها بحظر السياحة الشيعية الإيرانية الى الأردن لأن هذه السياحة تتحول الى سياسة، ومنها الى تنظيمات مسلحة، مثل في لبنان والعراق واليمن وسوريا. وعلى الرغم أن للسياحة الدينية الإيرانية عائدات مالية على الأردن، الا أن الموقعين اعتبروا أندرء المفاسد أولى من جلب المنافعلأن التكلفة الأمنية التي سيدفعها الأردن، في حال التغلغل الإيراني، ستكون أكثر بكثير من عائدات السياحة الدينية.


واعتبرت العريضة أن الجيش الأردني يقاتل النفوذ الإيراني عبر الحدود الشمالية مع سوريا لاجهاض محاولات تهريب السلاح والمخدرات، وتساءلت: ”هل من يتاجر بالمخدرات حريص على الدين والسياحة الدينية بينما الدين يحرّم المسكرات والمخدرات؟


وتبنى الوزير الأسبق بسام عمّوش، الذي سبق أن عمل سفيرا للمملكة في إيران، العريضة، ما يدل على أن الأردنيين الضليعين في الشأن الإيراني يدركون الخطر الإيراني الذي يتربص بهم.


ويتدفق السياح الشيعة الإيرانيون خصوصا على مقام جعفر المنسوب لشقيق الخليفة الرابع والإمام الأول عند الشيعة علي بن أبي طالب، ابن عم رسول المسلمين. وتعتبر التقاليد الاسلامية أن جعفر سقط في مؤتةجنوب الأردنعلى أيدي جيوش البيزنطيين أثناء مشاركته في حملة استطلاعية كان الرسول محمد أمر بها، وهو ما أغضب الرسول، الذي قال أن استشهاد جعفر اعطاه جناحين في الجنة، فصار معروفا بجعفر الطيار.


ويبدو أن النظام الإيراني يسعى لاستحداث موقع مقدس آخر في الكرك في الأردن لتحويله لمزار للسياحة الدينية، ويزعم أن الموقع هو قبر داعية شيعي في زمن الصفوية اسمه علي العاملي الكركي، ما دفع الموقعين للقول أن الكركي هذا منسوب الى كرك نوح في سهل البقاع اللبناني، ولا صلة له بالكرك الأردنية.


وفبركة المقامات عملية يتقنها النظام الإيراني منذ زمن بعيد، إذ يكفي أن يكون في كتب التراث الشيعي ذكر لولادة أو موت أو حتى مرور أي من الإئمة الإثني عشر أو أخوانهم أو أخواتهم أو أي من أولادهم في أي بقعة على الأرض حتى يتم اسباغ القداسة على البقعة وتحويلها الى مقام يزوره المؤمنون الشيعة ويتضرعون اليه وينذرون. ويرافق المقام مصلّى ومكتبة، وتتحول المكتبة الى مكان يجمع طلّاب الدين، فتتطور الى حوزة يتم تمويلها من نذور وتبرعات المؤمنين. ويقوم أحد رجال الدين باستخدام هذه الأموال لاستقطاب المزيد من الطلاب، وتمويل اقامتهم ورواتبهم وتعليمهم، ومع تخرجهم مع عمائم، يتم ايفادهم الى تجمعات المؤمنين الشيعة حول العالم، فيتحول القائم على الحوزة الى مرجع مع شبكة من الشيوخ والأتباع، ومع زيادة الأتباع تزداد العائدات، التي يتم استخدامها لتوسيع الشبكة أكثر فأكثر.


والشبكة هذه تتطلب حماية، فيتم إنشاء قوة مسلحة صغير، ما تلبث أن تتحول الى ميليشيا. هكذا تدرجت مجموعة فتح من الشيعة اللبنانيين ممن قدموا الحماية لرجال الدين اللبنانيين العائدين الى لبنان من النجف، وصارت تنظيما مسلحة اسمى نفسهحزب الله، وكان يقوده عماد مغنية، الذي اغتالته إسرائيل في دمشق في 2008.


ومن المقامات المفبركة حديثا واحد منسوب الى خولة، التي يروي التراث الشيعي أنها كانت من سبايا كربلاء وتوفيت في بعلبك في الطريق الى دمشق. وكان المقام مغمورا حتى العقد الماضي، ثم ما لبثحزب اللهان استولى عليه وحوله مقاما على قياس مقامات الجنوب العراقي. ومثله فعلتحركة أملالشيعية اللبنانية، التي استنبطت مقاما لها في حوش تل صفية، قرب بعلبك، نسبته الى صفية، التي يفترض أنها كانت أيضا من سبايا الحسين


وفي بعلبك جامع أموي رممه الأيوبيون والمماليك، ويتبع الوقف السني في لبنان. مع صعودحزب اللهفي الثمانينات، تم الاستناد الى رواية ضعيفة تنص أن رأس الحسين تم وضعه في الجامع أثناء مرور السبايا، اذ ذاك استولى الحزب على الجامع وأطلق عليه تسميةجامع رأس الحسينمع أن أسطورة الرأس منسوبة الى يوحنا المعمدان، الذي يفترض أن صورة رأسه ظهرت على صخرة في الجامع حوالي العام ألف ميلاديةكذلك تشير التقاليد الشيعية الى أن رأس الحسين استراح قرب قبر المعمدان في الجامع الأموي في دمشق، وهو ما يجعل هذا الجامع تحت أعين نظام إيران الذي يأمل في الاستيلاء عليه يوما ما.


وفي سوريا، الى السيدة زينب أخت الحسين، المنسوب اليها قبر في قرية رواية جنوب دمشق، استنبط الشيعة قبر السيدة سكينة، التي يفترض انها من سبايا الحسين، في داريا. ومن نافل القول أن كل هذه المواقع كانت مقدسة منذ زمن سابق للإسلام، معظمها كان منسوبا لمشاهدات ومعجزات للعذراء مريم، أو لقديسين مثل جرجس.


هذا النموذج في مزج الديني بالسياسي قديم في التقاليد الشيعية، التي تقدّس المقامات حتى لو لم تثب صحتها. حتى علي بن أبي طالب، يفترض أنه رفض الافصاح عن مكان دفنه وطلب وضعه على ناقته وتركها تسرح وتختار قبرا له بعيدا عن أعين الناس. أما القبر الحالي في النجف، فتقول الرواية أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان في رحلة صيد ورفضت الكلاب المرور في بقعة، فسأل المحليين عن السبب وأجابوه انها قبر علي، فحوّلها الى مقام ومزار، فيما يدّعي الأفغان أن علي مدفون عندهم في مزار شريف


كذلك الأمر بالنسبة الى قم، التي يسميها الإيرانيون مقدسة، تم تحويل مقام سابق للإسلام يعود للإلهة الإيرانية أناهيت الى مقام فاطمة، التي يفترض أنها شقيقة علي الرضا المدفون في مشهد، وكانت في طريقها اليه عندما توفيت ودفنت في قم. لكن اسمها فاطمة المعصومة، والشيعة العرب لا يعترفون بالعصمة للنساء، وهذا ما يضعف أكثر مصداقية المقام.


منذ تولي النظام الإسلامي الحكم في إيران، تضاعف عدد المقامات الشيعية لأنها تجارة مربحة، وتسمح للنظام باستخدامها بمثابة حصان طروادة داخل الدول والمجتمعات العربية، أي نواة لبناء تنظيمات سياسية وعسكرية، وهذه سياسة حسنا فعل الأردنيون ممن رفعوا الصوت ضدها.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008