الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

أميركا ستخرج سياسيا وعسكرياً من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يكثر الحديث في اروقة القرار الاميركية عن تراجع غير مسبوق لدور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الوسط للمرة الاولى منذ منتصف القرن الماضي. ويعزو المسؤولون الاميركيون هذا التراجع الى تغيير استراتيجي في السياسة الاميركية الخارجية بهدف التركيز على «آسيا - الباسيفيك»، خصوصا في ما خص التنافس مع الصين.
ويقول مساعد مستشار الامن القومي بن رودز في حديث مع صحافيين ان رحلة الرئيس باراك اوباما الى تلك المنطقة في وقت سابق من هذا الشهر، وترؤسه قمة دول «آسيا - الباسيفيك» للتعاون الاقتصادي في ولاية هاواي الاميركية، ثم زيارته استراليا واندونيسيا، «شكلت انعطافة بالغة الاهمية لسياسة اميركا الخارجية ولامنها القومي».
ويعتبر رودز ان الانقلاب الاميركي جاء على خلفية انحسار اهتمام واشنطن في منطقة الشرق الاوسط: «في العقد المنصرم، صبت الولايات المتحدة اهتمامها على الحربين في العراق وافغانستان، وشعرنا انه في الاثناء نفسها، حصل استخفاف بوزننا في اجزاء اخرى من العالم، وبشكل رئيسي في منطقة آسيا - المحيط الهادئ مع صعود الاخيرة اقتصاديا وسياسيا».
كلام رودز يعكس ما ادلى به رئيسه مستشار الامن القومي توم دونيلون الذي استبق خطابه حول ايران، الاسبوع الماضي، بالقول ان الحكومة الاميركية هي في طور «اعادة توجيه اساسية لاستراتيجيتنا في السياسة الخارجية» باتجاه منطقة شرق آسيا.
ولأن الولايات المتحدة ستخرج من منطقة الشرق الاوسط، عسكريا وسياسيا، فانها تحث حلفاءها واصدقاءها في المنطقة على لعب دور اكبر، علما ان واشنطن تعتقد انها نجحت في احتواء ايران، ما يجعل من الصعب على طهران ملء الفراغ الذي سيخلفه الخروج الاميركي.
ويقول المسؤولون الاميركيون ان حكومتهم اعطت طهران فرصا متكررة للتوصل الى «تسوية كبرى» لطالما بشّر بها الرئيس باراك اوباما قبيل انتخابه رئيسا في العام 2008، الا ان القيادة الايرانية وضعت شروطا تعجيزية حالت دون انهاء حال العداء بين الدولتين.
ويتابع المسؤولون: ان واشنطن ضربت في رسائلها المتكررة الى طهران مثال انفتاحها على الصين الشيوعية في السبعينات، في غمرة الحرب الباردة والمواجهة مع المعسكر الشرقي، وانه منذ ذلك التاريخ، رغم الاختلاف الايديولوجي والعداء الخطابي بين واشنطن وبكين، تحول الاثنان الى شريكين في التجارة والاقتصاد. ومما قاله الاميركيون لايران ان بامكان دولتيهما التحول الى شريكين اقتصاديين على غرار التجربة الاميركية الصينية.
الا ان ايران، حسب المسؤولين الاميركيين، طالبت باعتراف اميركي بدورها كزعيمة وحيدة في المنطقة، وبأن تعطى ايران الدور لادارة امور دول المنطقة، لا في العراق ولبنان وافغانستان والبحرين فحسب، بل في بقية الدول العربية بما فيها اكبرها سكانيا، اي مصر. وكان الرد الاميركي لايران ان لواشنطن حلفاء في الشرق الاوسط، تتصدرهم السعودية وتركيا ومصر وقطر الاردن، وانها ليست بوارد التخلي عن اصدقائها. هنا انهارت «التسوية الكبرى» بين اميركا وايران الى غير رجعة.
الا ان اميركا تعتقد كذلك ان جهودها الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية ادت الى اضعاف ايران وعزلها.
ويعزو المسؤولون الاميركيون تراجع اهمية الشرق الاوسط الاستراتيجية الى سببين:
الاول انتهاء الحرب الباردة وانتفاء الحاجة لاقامة تحالفات اقليمية لاحتواء التمدد السوفياتي. تلا ذلك، ما تراه واشنطن انتصارا لها ضد «العنف المتطرف»، وهي التسمية التي تستخدمها ادارة اوباما بدلا من كلمة «الحرب على الارهاب» التي غالبا ما رددتها ادارة سلفه جورج بوش.
اما السبب الثاني فهو يتلخص بالتغييرات التي طرأت على سوق النفط حول العالم. في الماضي، كانت الولايات المتحدة تشعر انها بحاجة الى ابقاء اسطوليها، السادس في البحر الابيض المتوسط، والخامس في الخليج العربي، بحالة تأهب خوفا من اجتياح محتمل تقوم به جيوش المعسكر الشرقي، فتوقف انتاج النفط العربي، وتمنع وصوله الى السوق العالمية، وهو ما يجعل اسعاره ترتفع لتؤذي الاقتصادين الاميركي والعالمي.
ويضرب المسؤولون الاميركيون مثالا على العصر الجديد لسوق النفط بالقول ان عودة العراق الى الانتاج عادت بالفائدة على الاقتصاد العالمي ككل، لا على اميركا وحدها، وانه من مصلحة دول المعسكر الشرقي السابق، كالصين، الابقاء على التدفق النفطي في دول الخليج العربي وحول العالم عموما، ما يعني انه لا مصلحة لاحد بوقف هذا الانتاج، ولا حاجة تاليا لابقاء الاساطيل الاميركية في وضع استراتيجي لحمايته.
هذا لا يعني ان الاساطيل الاميركية ستخلي حوضي المتوسط والخليج، لكن واشنطن لم تعد مهتمة استراتيجيا بمنطقة الشرق الاوسط كما في العقود الستة الماضية، وصارت تتطلع اكثر الى الصين والمنطقة المحيطة بها، والدليل انه في الوقت الذي تنسحب الجيوش الاميركية من العراق وافغانستان، وربما تخلي قواعد في المانيا، ابرمت الولايات المتحدة اتفاقية دفاعية مع استراليا ستقيم بموجبها قاعدة عسكرية في مدينة داروين الاسترالية سيتمركز فيها 2500 من المارينز كجزء من احتواء التمدد الصيني، او حسب تعبير رودز «في دلالة على الدور المستقبلي الذي ستلعبه الولايات المتحدة في منطقة (آسيا - باسيفيك) والتزامها بهذه المنطقة».
وفضلا عن ان مصلحة معظم دول العالم في استمرار التدفق النفطي الى الاسواق العالمية، تتوقع الولايات المتحدة ان يرتفع انتاجها النفطي اليومي من 200 الف برميل الى ثلاثة ملايين مع نهاية هذا لعقد، وهو ما يفي بثلث الحاجة الاميركية اليومية الى هذه المادة الحيوية.
ثم ان اكتشاف آبار عملاقة للبترول في شواطئ البرازيل وفي رمول كندا، بالاضافة الى سهولة استخراجها بفضل التطور التقني، ورخص اسعارها لقربها جغرافيا، يجعل من واشنطن في حالة اكثر ارتياحا مع تحول مصادرها النفطية الى مناطق بعيدة عن منطقة الشرق الاوسط الدائمة التوتر.
يذكر ان كندا هي الدولة الاولى المصدرة للنفط الى الولايات المتحدة باجمالي مليوني برميل يوميا، تليها المكسيك والسعودية ونيجيريا بقرابة مليون لكل منها حسب الارقام الرسمية الصادرة في سبتمبر الماضي عن وكالة الطاقة الاميركية.
وبغياب خطر التمدد السوفياتي، او «الارهاب»، وبتوافر النفط في السوق العالمية، وزيادة انتاجه في النصف الغربي للكرة الارضية، قامت الولايات المتحدة بتعديل استراتيجيتها العالمية بتخفيض اهمية الشرق الاوسط، والاولوية التي ما برحت توليها الى هذه المنطقة منذ الاربعينات، وتخصيص مواردها للمواجهة المقبلة مع القوة الصينية الصاعدة.
ولأن اهمية الشرق الاوسط في افول في عيون الاميركيين، تسعى واشنطن الى «تسليم المنطقة الى الاصدقاء والحلفاء». ويعتبر بعض المسؤولين الاميركيين ان «قطر دولة صغيرة ذات نفوذ كبير، فيما السعودية وتركيا دولتان كبيرتان بنفوذ اصغر».
الا ان اوساطا في الادارة الاميركية تشير الى ان السعودية في طريقها الى الصعود. في هذا السياق، كتب المعلق المعروف بقربه من الادارة دايفيد اغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» ان الرياض في طريقها الى ابرام صفقتي سلاح مع اميركا والاتحاد الاوروبي لشراء 72 مقاتلة من نوع «يورو» و84 من نوع «أف - 15»، كجزء من اضافة نحو 500 مقاتلة حديثة الى اسطولها الجوي.
كما ذكر اغناتيوس ان السعودية تنوي زيادة عديد جيشها من 125 الفاً الى 150 الفا، والحرس الوطني من 100 الف الى 125 الفا، وانفاق اكثر من 30 مليار دولار لتحديث قوتها البحرية. ويضرب اغناتيوس المثال ليدلل على نفوذ السعودية العالمي بالقول ان اكبر زبائن المملكة النفطيين هي الصين، ويمكن للرياض لو شاءت دفع بكين الى التراجع عن الفيتو الذي تمارسه في مجلس الامن ضد قرار حول الاحداث في سورية.
بالاضافة الى قطر والسعودية، تسعى واشنطن الى دفع بغداد الى الواجهة. وفي هذا السياق، من المتوقع ان يزور رئيس حكومة العراق نوري المالكي البيت الابيض في 12 ديسمبر وان يلتقي الرئيس اوباما. ورغم ان اجماع اصدقاء اميركا العرب على ان المالكي هو من ازلام ايران، تصر الادارة الاميركية على تقديم صورة معاكسة لحليفها الشرق اوسطي الجديد.
«فشلت ايران في تحويل العراق الى دولة في صورتها وتابعة لها... في الواقع، العراقيون ذاهبون في اتجاه معاكس ببنائهم دولة ديموقراطية ذات سيادة... للعراق وايران مستقبلان مختلفان، وقد وجدت احدث استطلاعات الرأي ان 14 في المئة فقط من العراقيين يعبرون عن نظرة ايجابية تجاه ايران»، حسب دونيلون.
لبنان، صديق الغرب ومحور مواجهة 1958 بين دول حلف بغداد المؤيدة لواشنطن والدول العربية المناوئة للحلف، لم يعد في صدارة اولويات الولايات المتحدة، بعد ان جذب الاهتمام الاميركي ابان «انتفاضة الاستقلال» في العام 2005. يختم مسؤول اميركي: «لبنان امام خيار، إما ينجو بنفسه او يتحول الى دولة مارقة ويغرق مع ايران».

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008