| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
مازال الجمهوريون في وسط هجومهم السياسي ضد الرئيس باراك اوباما وحزبه الديموقراطي، خصوصا مرشحته المتوقع للعام 2016 وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، لتحميلهم مسؤولية ما يصفونه فشلا في مواجهة هجوم بنغازي في 11 سبتمبر الماضي، حتى انكشف ما حاولت الحكومة الاميركية ابقاءه طي الكتمان حتى اليوم: قنصلية بنغازي لم تكن قنصلية، بل منشأة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي)، كانت تستخدمها كمقر لعملية جمع الصواريخ المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف، والتي انتشرت في ليبيا على شكل واسع بعد انهيار نظام معمر القذافي.
السفير كريس ستيفنز، صادف وجوده ذلك اليوم في المبنى المذكور، الذي يبدو ان القيمين عليه عمدوا الى ابقائه من دون حراسة مشددة تفاديا للفت الانظار اليه، عندما تعرض المبنى لهجوم بقذائف الهاون، تلاه اجتياح للمبنى واحراقه، ما ادى الى مقتل ستيفنز.
ولأن المبنى لم يكن خاضعا لوزارة الخارجية الاميركية، فهو لم تشمله الحماية التي تقدمها حكومة الدولة المضيفة، الليبية في هذه الحالة. ولأن المبنى كان تابعا للـ «سي آي اي»، لم تجرؤ الحكومة الاميركية على تحميل نظيرتها الليبية مسؤولية حمايته، ولم تطلب منها صراحة الدفاع عنه ليلة الهجوم، بل حاولت ارسال نفر من القوات الخاصة المولجة حماية القنصلية الاميركية الفعلية، التي تبعد قرابة كيلومتر ونصف الكيلومتر، لسحب ستيفنز واتلاف اي وثائق او كومبيوترات تابعة للاستخبارات الاميركية والتي من شأنها ان تكشف هوية بعض العملاء المحليين وتعرض حياتهم للخطر.
ويبدو ان «وكالة الاستخبارات المركزية» الاميركية كانت مدركة للمخاطر المحيطة بأمن المبنى التابع لها في بنغازي، وهي رصدت في الاسابيع التي سبقت الهجوم 5 هجمات مشابهة، وان على صعيد اصغر، قامت بها مجموعات متطرفة، يعتقد ان من بينها المدعوة «انصار الشريعة»، والتي يعتقد ان ناشطين منها هم من نفذوا الهجوم، المخطط مسبقا، ليلة 11 سبتمبر.
ولأن واشنطن كانت تعمل على جمع الصواريخ المضادة للطائرات، فهي خشيت ان تقوم بارسال مقاتلات او مروحيات للدفاع عن مبنى الاستخبارات في بنغازي، لأن الاميركيين لا «يسيطرون على المجال الجوي»، ما يعني ان اي غارة جوية يقومون بها قد تتعرض لنيران أرضية، اما تجبرها على التحليق عاليا، او تعرضها لخطر السقوط في حال اصرت المقاتلات على التحليق على علو منخفض للمشاركة في المعركة.
كل هذه الوقائع العسكرية قيدت يدي واشنطن في ساعات وقوع الهجوم. ومع ان اوباما وكلينتون وكبار المسؤولين العسكريين تابعوا أحداثه، الا ان الجنرالات رفضوا ارسال اي تعزيزات لاعتقادهم بأنها ستصل متأخرة، وبأنها ستكون عرضة للخطر، ما دفعهم الى محاولة احتواء الوضع بارسال مقاتلين محليين لم ينجحوا في قلب الموازين، بل تحولوا انفسهم الى ضحايا.
كل هذه الوقائع كانت واضحة وضوح الشمس امام أعين اوباما وكبار مسؤوليه المدنيين والعسكريين، لكنهم لم يستطيعوا الحديث عنها علنا خوفا من الحرج الذي سيطالهم لان لا مبنى الاستخبارات موجود رسميا، ولا اميركا كانت بلغت حلفائها الليبيين عن نشاطاتها السرية في بنغازي، ولا هي كانت تنوي فضح طبيعة العملية التي تقوم بها هناك.
لكن الحزب الجمهوري رأى في الواقعة فرصة كبيرة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الديموقراطيين، فكان اول الجمهوريين مرشحهم ميت رومني، الذي حاول احراج اوباما باتهامه بأنه لم يعمد الى اطلاق كلمة «ارهابي» على الهجوم في اليوم التالي لوقوعه، ليتضح في ما بعد ان رومني كان مخطأ.
وفي وقت لاحق، اتهم كبار اعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين سفيرة اميركا في الامم المتحدة، والمرشحة حينذاك الى منصب وزيرة خارجية، بالتستر عما حدث -- اثناء مقابلة تلفزيونية -- وقلب الوقائع في محاولة كذب على الاميركيين. ونجح الجمهوريون اثر ذلك في نسف ترشيح رايس.
الاسبوع الماضي، وبعد مرور اكثر من 8 أشهر على الواقعة، ظل يعتقد الجمهوريون انه يمكنهم استغلال الحادثة لتشويه صورة اوباما سياسيا، وخصوصا صورة كلينتون، الوزيرة في حينه والمرشحة مستقبلا.
وفي هذا السياق، نظم رئيس «لجنة الاعتمادات» في الكونغرس، العضو الجمهوري من اصل لبناني عن ولاية كاليفورنيا، داريل عيسى جلسات استماع، شارك في ابرزها الرجل الثاني سابقا في ليبيا بعد ستيفنز، غريغ هيكس. ومع ان الاخير المح الى محاولة الادارة ابقائه بعيدا عن اعضاء الكونغرس للتعمية على الوقائع، الا ان شهادته لم تأت بتأثير سلبي على اوباما وادارته كما كان يأمل الجمهوريون.
لكن تقارير صحافية نشرها مقربون من الحزب الجمهوري كشفت عن ايميلات تبادلها مسؤولون في ادارة اوباما على اثر الحادث، تظهر انشقاقا كبيرا بين الخارجية والـ«سي آي اي»، حول النقاط التي يمكن كشفها للعامة. في هذه التقارير، ظهرت «عملية تنقيح» متبادلة بين الوكالتين، وظهرت كذلك محاولة تبادل القاء اللوم بينهما، وهذه افضت بدورها الى اعتماد رواية مبهمة طرحت اسئلة اكثر من تقديمها اجابات. نقاط هذه الرواية هي التي استخدمها فيما بعد مسؤولو الادارة، وعلى رأسهم رايس، تعليقا على هجوم بنغازي.
وفي السياق نفسه، اخذ الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني يؤكد ان الادارة لم تعمد الى اجراء اي «عملية تنقيح» لتقرير بنغازي الصادر عن وكالات الاستخبارات، عدا استبدال كلمة «قنصلية» بـ «منشأة ديبلوماسية». وقتذاك، لم يكن مفهوما السبب وراء هذا الابهام او الفرق بين الاثنين او المقصود بالتنقيح، لكن اليوم، صار معروفا ان التغيير كان سببه رفض الخارجية، والمرشحة كلينتون من وراءها، تحمل مسؤولية امن مبنى لم يكن يوما في عهدتها.
وفي خضم الحملة السياسية ضد اوباما، وجد الجمهوريون انفسهم في مواجهة وكالات تتمتع بنوع من الاستقلالية، فالجنرالات رفضوا الاغاثة على عكس تعليمات الخارجية، والحماية للمبنى لم تكن مسؤولية الخارجية او كلينتون لان المبنى لا يتبع لهم، والـ سي آي اي» تعمل بنوع من الاستقلالية عن الادارة نظرا لسرية عملها، ورئيسها في ذلك الوقت كان من الجمهوريين وبطل حرب العراق الجنرال دايفيد بترايوس. ثم ان الاصرار على تحديد المسؤوليات ساهم في كشف عملية استخباراتية سرية كانت تجري لمصلحة الامن القومي الاميركي، وهي سرية يدعمها الجمهوريون من دون تحفظ، ولكنهم وجدوا انفسهم يكشفونها عن غير قصد.
الجدال السياسي الاميركي اباح المحظورات، وهو ما حمل بعض كبار الجمهوريين الى التراجع عن موضوع هجوم بنغازي بهدف عدم كشف المزيد من اسرار الامن القومي.
لكن مع تراجعهم، وجد الجمهوريون ان «وكالة عائدات الضرائب» عمدت الى استهداف المجموعات اليمينية والمحافظة بنوع من الكيدية السياسية، وهو ما اثار فضيحة اخذت تطغى على موضوع بنغازي، ولكن بعدما انكشف ان وراء الاكمة ماوراءها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق