حسين عبدالحسين
في مؤتمره الصحافي بمناسبة مرور مائة يوم على ولايته الثانية، كرر الرئيس الأميركي باراك اوباما كلمة “صعب” ومشتقاتها، حتى كادت تصبح عنوانا لاطلالته الصحافية، فقال عن مشاركة المعلومات الاستخباراتية بين الأجهزة الأمنية الأميركية إن “هذا موضوع صعب”، وعن إغلاق معتقل غوانتانامو “انها قضية صعبة”. وعن محاولة المحافظين الجمهوريين في الولايات عرقلة قانون رعايته الصحية، قال انها “تجعل الأمر أكثر صعوبة”. أما عن القضية السورية، فاعتبر الرئيس الأميركي أنها “مشكلة عويصة”.
وما لم يقله اوباما كان مكتوبا على جبينه، فهو فشل في إقرار قانون تنظيم حمل السلاح الفردي في البلاد، ووعد بالاقتصاص من قاتلي السفير الأميركي في ليبيا كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين آخرين في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي، ولم ينجح في ذلك حتى الآن. كما تعثرت محاولات أوباما في وقف التخفيض التلقائي من عموم موازنات الدولة، ما أدى الى عرقلة عمل بعض المنشآت الحيوية كالمطارات.
ولنتصور للحظة أن اوباما قال هذا الكلام في العام 2008، عندما كان يلهب مشاعر، لا غالبية الأميركيين فحسب، بل غالبية سكان الكوكب. “نعم نستطيع”، كان شعار المرشح الذي بدا الأكثر تألقا منذ الرئيس المحبوب لدى الأميركيين والعالم، الراحل جون كينيدي.
اوباما تراجع كذلك عن اصراره على اعادة احياء عملية السلام، واقّر انه اساء تقدير صعوبة التوصل الى سلام، وهو ارسل المزيد من الجنود الى افغانستان، لكنه لم يرسل بما فيه الكافية، فجاءت خطته لزيادة القوات هناك بمثابة “نصف خطة لزيادة القوات”، فتحسن الأمن في بعض المحافظات، وتراجع في اخرى.
حتى في الأفلام، يظهر تردد اوباما القاتل، ففي فيلم “زيرو دارك ثيرتي” الذي يروي قصة تعقب اسامة بن لادن وقتله، يظهر الفيلم عميلة “الاستخبارات المركزية” وهي محبطة من التأخير الذي تعدى المائة وعشرين يوما منذ اليوم الذي كشفت فيه واشنطن مكان اقامته.
وكما في افغانستان المفتتة، والعراق الذي يبدو انه عائد الى حربه الأهلية، كذلك في سوريا، حيث حديث اوباما عن “خط أحمر” في حال استخدم نظام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية تحول الى مجرد ثرثرة رئاسية، فالبيت الابيض اعتبر أن النظام السوري استخدم فعلا هذه الأسلحة، لكن خط اوباما تحول الى خطوط.
والعارفون بشخصية اوباما يقولون ان مثاله الأعلى هو سلفه الرئيس الجمهوري دوايت “آيك” ايزنهاور، الذي انهى حرب الكوريتين ورفض التدخل في فيتنام لانقاذ الفرنسيين من مستنقعهم. وفي عهد آيك، شهدت منطقة الشرق الأوسط أكبر حالة بلبلة بدأت مع الثورة المصرية التي أطاحت الملكية في العام 1952.
لكن على الرغم من وقوف اميركا في زمن آيزنهاور جانبا فيما الشرق الاوسط كان يشهد تحولات جذرية، تماما كما تتفرج اميركا في عهد اوباما اليوم على تحولات مماثلة في المنطقة بسبب “الربيع العربي”، ابدى آيك، على عكس اوباما، عزما وتصميما في سياسته الخارجية، فهو أعطى أوامره لتحريك قطع الأسطول السادس المرابض في المتوسط لتأكيد انذاره لحلفائه الفرنسيين والبريطانيين والاسرائيليين بضرورة الانسحاب من سيناء في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي. آيك نفسه أمر بانزال قوات المارينز على الشاطىء اللبناني في العام 1958 من أجل الدفاع عن حلفائه اللبنانيين.
صحيح أن سياسة آيزنهاور الخارجية كانت محافظة، لكنها لم تكن يوما مترددة. اما سياسة اوباما، فهي مترددة ومتعثرة، وضعيفة، وتساهم في تأزيم وضع حلفاء اميركا اكثر من دعمهم.
ضعف أوباما الرئيس، مقارنة بأوباما المرشح، دفع الاعلاميين الى الحديث عن نهاية عهد الأوبامية حتى قبل ثلاث سنوات من نهاية ولايته الثانية. “اذا وضعتها هكذا يا جوناثان، ربما علي أن أوضب أغراضي وأذهب إلى بيتي”، قال اوباما لصحافي أصر على الحصول على اجابات حول تقصير الرئيس.
ربما كان اوباما محقا، فذهابه الى بيته قد يكون أجدى من بقائه مترددا ومتعثرا في كل جانب من جوانب سياساته الداخلية والخارجية. لقد تحول شعار حملة اوباما في العام 2013، بحق، الى “نعم… لا نستطيع”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق