حسين عبدالحسين - واشنطن
تتواصل الاستعدادات الأميركية للزيارة المقررة للرئيس باراك أوباما إلى اليابان في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، حيث يلتقي رئيس حكومة اليابان شينزو آبي في 24 منه، ويتوقع أن تتصدر اللقاء المحادثات الاقتصادية الهادفة إلى انضمام البلدين إلى «اتفاق الشراكة عبر الهادئ» المعروف مجازاً بـ «تي بي بي».
والاتفاق الذي يضم 12 دولة من ضمنها أميركا صاحبة اكبر اقتصاد في العالم، واليابان التي يحتل اقتصادها المرتبة الثالثة عالمياً، إلى كندا واستراليا والمكسيك وماليزيا وفيتنام والبيرو وسنغافورة ونيوزيلندا وتشيلي وبروناي، وكان مفترضاً إبرامه نهاية العام الماضي، لكن الخلافات أخرت ذلك. وفي شباط (فبراير) الماضي، عقد ممثلو هذه الدول اجتماعاً لم ينجح هو الآخر في تذليل العقبات.
ويتمثل أحد أبرز المعوقات بإصرار القطاع الزراعي الأميركي، على منع واشنطن من الانضمام إلى أي اتفاق تجارة حرة لا تقوم بموجبه الدول الموقعة على إسقاط الحماية الجمركية على وارداتها من المنتجات الزراعية والحيوانية. فيما تحاول القطاعات الزراعية في عدد من الدول المتوقع انضمامها مثل اليابان وكندا، الإبقاء على هذه الحماية خوفاً من منافسة الصادرات الأميركية، التي تنخفض أسعارها بسبب المساحات الشاسعة والموارد الأولية في الولايات المتحدة، وتجعل منها واحدة من «سلال الخبز» القليلة في العالم.
وعلى رغم انخفاض مساهمة القطاع الزراعي في اقتصاد أميركا والبالغة 1.2 في المئة من الناتج المحلي السنوي، فهي لا تتعدى في اليابان نسبة واحد في المئة من حجم اقتصادها، إلاّ أن التكتلات المؤيدة للقطاعات الزراعية والمزارعين تتمتع بنفوذ كبير لدى السلطتين التشريعيتين في البلدين، ما يساهم في تأخير المصادقة على انضمام أي منهما إلى الاتفاق.
وعقد ممثل التجارة الأميركي مايكل فرومان الأسبوع الماضي في واشنطن، سلسلة لقاءات مع عدد من الأعضاء في الكونغرس خصوصاً ممّن يمثلون «الولايات الزراعية»، محاولاً إقناعهم بمكاسب الاتفاق حتى لو أبقى بعض الدول الأعضاء على بعض الحماية لقطاعه الزراعي.
وأشار إلى أن من شأن دخول أميركا واليابان في اتفاق تجارة حرة أن تعود على الاقتصاد الأميركي بـ76 بليون دولار، وعلى اليابان بنحو 105 بلايين مع حلول عام 2025. لكن أحد الأعضاء في الكونغرس من الحاضرين رد سائلاً «كيف أُقنع الناخبين في ولايتي بأننا نوقع اتفاق تجارة حرة مع طوكيو، وهم لا يستطيعون تصدير أبقارهم إلى اليابان من دون دفع رسوم باهظة»؟
دفع تردد المشرعين الأميركيين تحديداً مع اقتراب الولايات المتحدة من انتخابات الكونغرس المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، قياديي الحزب الديموقراطي في الكونغرس إلى حجب السلطة التي طلبها الرئيس أوباما الديموقراطي أيضاً، بهدف التسريع في إقرار الاتفاق في الكونغرس بالتصويت عليه بنعم أم لا، أي من دون مناقشة بنوده. ويعتقد المراقبون أن السبب الرئيس لتعطيل الديموقراطيين مساعي رئيسهم الانضمام إلى «تي بي بي»، هو اقتراب الانتخابات، التي يبدو فيها الديمقراطيون في وضع مهتز جداً ويُرجّح أن يكلفهم الغالبية في مجلس الشيوخ، التي ستنتقل إلى غريمهم الحزب الجمهوري المسيطر على غالبية الغرفة الثانية في الكونغرس أي مجلس الممثلين (البرلمان).
وتقليداً فإن الديموقراطيين أكثر قرباً من الاتحادات الزراعية وجمعيات الفلاحين وعمال المصانع، ويخشى هؤلاء خصوصاً من أن يؤدي انضمام بلادهم إلى الاتفاق، إلى خسارة أعمالهم بانتقال معاملهم إلى دول تتدنى فيها كلفة اليد العاملة. أما بالنسبة إلى الجمهوريين، فهم يمثلون حزب الشركات وأصحاب الأعمال، وهم يؤيدون اتفاقات التجارة الحرة بالمطلق، لأنها تفتح لأرباب العمل أسواقاً جديدة وتعود عليهم بأرباح كبيرة، على رغم تأثيرها سلباً على العمال.
هكذا، يُفترض في حال سيطر الجمهوريون على الكونغرس بغرفتيه إثر انتخابات الخريف، أن يطلقوا يد أوباما في المفاوضات التي يجريها من أجل الانضمام إلى اتفاق الشراكة المزعوم. لكن معارضة الجمهوريين لأوباما، ورغبتهم الدائمة في تكبيده هزائم سـياسية، ربما تتقدم على عقيدتهم السياسية ورغبتهم في رؤية بلادهم تدخل الاتفاق.
ولأن اقتصاد أميركا يشكل ربع الاقتصاد العالمي، ولأن من شأن إضافة الاقتصاد اليـــاباني إليه خلق سوق تمثل 40 في المئة من السوق العالمية، تصبح الموافقة الأميركية المتوقفة على قبول اليابانيين إسقاط الحماية الجمركية الزراعية، أمراً محورياً في نجاح الـ «تي بي بي» أو فشلها. ويصبح لقاء أوباما - آبي في الأسبوع الأخير من هذا الشهر مصيرياً بالنسبة إلى مستقبل هذا الاتفاق عموماً.
ودفع هذا التأرجح السياسي إلى الارتباك لدى بـعض الدول الأخرى الساعية إلى الانضمام أيضـــاً. رئيس حكومة كندا كولن هاربر وحزبه (المحافظون)، اللذان نجحا في توقيع اتفاقات تجـــارة متعددة مع الاتحاد الأوروبي، يسعيان أيـــضاً إلى الانضمام إلى الاتفاق «الباسيفيكي»، لكــــن كاليابان سيتطلب انضمام كندا إسقاطها الحماية الزراعية خصوصاً في قطاع تربية الدجاج، ما يمكن أن يكلف المحافظين من رصيدهم السياسي، وهي كلفة يبدو أنهم مســـتعدون لتحمّلها لو قُيّض لهم ضمان استمرار الاتفاق، لأن عائداته اقتصادياً ستكون كبيرة جداً بالنسبة إلى كندا. ويُعدّ ذلك إنجازاً يمكن لهاربر وحزبه تقديمه للناخبين الكنديين في الانتخابات العامة المقررة العام المقبل.
ولكن حتى يقبل الأميركيون، على اليابانـــيين القبول أولاً، وبعد ذلك يستقر الكنديون وربما الأستراليون، وقد تؤدي المفاوضات المضنية المستمرة منذ عام 2005 إلى قيام سوق ربما تكون الأكبر في العالم. ويمكن أن تساهم في تحريك الاقتصاد العالمي بعيداً من الصين محرك الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، والتي يبدو أنها تتباطأ وتجبر شركاءها مثل أميركا على السعي إلى استبدالها بشركاء جدد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق