حسين عبدالحسين
"نحن سنشهد تحطم العقوبات في الاشهر المقبلة"، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني اثناء زيارة قام بها الى محافظة بلوشستان الايرانية على الحدود مع باكستان. روحاني محق، او على الاقل هذا ما تعتقده اوساط الادارة الاميركية، فالاتفاق بين مجموعة دول ال"5+1" وايران انجز، وهو ينتظر اللمسات الاخيرة المتعلقة بصياغته، وتتوقع واشنطن ان يتم الاعلان عنه مع نهاية الشهر المقبل، أي قبل شهرين من نفاد صلاحية اتفاقية جنيف المؤقتة، والتي كانت قابلة للتمديد ستة اشهر أخرى.
إيران، يقول المسؤولون الاميركيون، بدت في عجلة من امرها لاتمام الاتفاق حتى يتم رفع كامل للعقوبات التي يفرضها مجلس الامن عليها بسبب برنامجها النووي.
أما الحل الذي تم التوصل اليه، يتابع المسؤولون، فمبني على حفظ ماء الوجه للايرانيين بقبول المجتمع الدولي استمرار برنامجهم النووي، وفي نفس الوقت وضع البرنامج تحت مراقبة دولية شاملة وتأكيد انه حتى لو قررت طهران استخدام برنامجها المدني لاغراض عسكرية، ستحتاج الى مدة 12 شهراً على الاقل لانتاج يورانيوم مخصب بدرجة عالية لتصنيع قنبلة واحدة، وهو ما يعطي المجتمع الدولي مهلة كافية لمنعها.
اما وقد اصبحت الاتفاقية في حكم الناجزة، انتقلت غالبية المعنيين بالشأن الايراني في العاصمة الاميركية الى الخوض في نقاش يتمحور حول السؤال التالي: كيف ستكون العلاقة بين اميركا وايران بعد التوصل الى اتفاق ورفع العقوبات؟
فريق أول داخل الإدارة الاميركية وخارجها، وهو الفريق الذي دفع في اتجاه المفاوضات ويتضمن اللوبي الايراني - الاميركي المؤيد للنظام في طهران، يعتقد ان على البلدين انهاء حالة الصراع بينهما، وتوطيد العلاقة بينهما، وانشاء تحالف يلحظ دور الجمهورية الاسلامية في منطقة الشرق الاوسط ويساعد اميركا في الحفاظ على مصالحها.
ولاشك أن عدداً كبيراً من مؤيدي المصالحة الاميركية - الايرانية هم من رجال الاعمال او الديبلوماسيين الاميركيين السابقين، الذين تحولوا الى القطاع الخاص، وهؤلاء يأملون في الفوز بعقود نفطية وتجارية كبيرة في حال انفتاح واشنطن على طهران.
وفي الايام الاخيرة، انخرط الفريق المذكور في مجهود كبير لاقناع ادارة الرئيس باراك أوباما بضرورة "فتح صفحة جديدة" مع ايران، وذلك عبر منح الديبلوماسي الايراني حميد أبو طالبي تأشيرة دخول ليتبوأ منصبه كمبعوث دائم لبلاده في الأمم المتحدة، وهو ما رفضته واشنطن، معللة رفضها بالقول إن أبو طالبي يشكل تهديداً على أمن الولايات المتحدة، ومتهمة اياه بلعب دور في ازمة احتجاز الديبلوماسيين العاملين في السفارة الاميركية في ايران كرهائن، في العام 1979.
ويقول مؤيدو توطيد العلاقة الاميركية - الايرانية ان أوباما نفسه سبق ان صرح انه ينوي مد يده، وفتح صفحة جديدة، وان المخابرة بينه وبين روحاني في نيويورك العام الماضي كانت تصب في هذا الاتجاه، وانه في حال استئناف العلاقة بين البلدين، لا يمكن ابقاء فيتو اميركي على اي من الايرانيين لان ذلك سيعرقل عملية توطيد العلاقات.
اما الفريق الاميركي الثاني، فيعتبر ان التوصل الى اتفاق نووي يعني حكماً مواجهة اميركية - ايرانية، إذ ان ايران، التي ابدت عزيمة هائلة في محاولة تحقيق هيمنة اقليمية حتى تحت العقوبات الدولية القاسية، ستجد نفسها في موقع افضل بكثير بعد رفع العقوبات، وستستخدم الاموال الجديدة في تعزيز نفوذها وتوسيعه، وهو ما سيأتي حكماً على حساب حلفاء أميركا العرب، واسرائيل.
هذا الفريق يعتقد انه على عكس ما كان مرجو، فالاتفاق النووي مع ايران لن يسمح لأميركا بالخروج من الشرق الاوسط، بل سيجبرها على العودة اليه والانخراط فيه اكثر، اذ ستجد واشنطن نفسها مجبرة على زيادة جهودها الديبلوماسية والسياسية والاستخباراتية والعسكرية لحماية حلفائها من النفوذ الايراني الذي سيتصاعد حتماً.
ويشير من يعتقد أن مستقبل العلاقة الاميركية مع ايران هي مواجهة حتمية الى تصريحات المسؤولين الايرانيين وخطاباتهم. مثال على ذلك، يقول هؤلاء ان المرشد الاعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي أدلى بخطاب بمناسبة رأس السنة الايرانية "النوروز"، قال فيه إن بلاده تنوي إنشاء استقلالٍ اقتصادي، ينحصر بايران وجيرانها، وإن طهران لا تنوي الخوض في اي انفتاح اقتصادي على أميركا أو الغرب من شأنه ان يضعها تحت رحمة العقوبات الدولية مستقبلاً.
مصالحة أم مواجهة، النقاش بين الفريقين داخل واشنطن لم يحسم بعد، ولكن من يتذكر اقوال أوباما في اوئل مراحل الانفتاح على ايران قد يتذكر ان الرئيس الاميركي يعتقد انه لا يمكن النظر الى مستقبل افضل بمنظور العداء الحالي، وان المصالحة بين اميركا وايران من شأنها ان تخلق ديناميكية مستقلة خاصة بها، وهذه يمكنها ان تدفع باتجاه توطيد العلاقات وتغيير المواقف والتصريحات من الجانبين.
على أن هذه عملية لن تكون سهلة، وقد تكون شاقة، حسب أوباما، الذي يتمتع بأفضلية بقائه سنتين ونصف على الأقل في الحكم، وهو وقت أكثر من كاف لتأكيد بقاء الاندفاعة الاميركية نحو مصالحة مع الايرانيين، إلى أن تولد هذه المصالحة نفسها علاقات طيبة مستقبلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق