الثلاثاء، 31 يوليو 2018

عرض ترامب لروحاني... مناورةٌ سياسية

حسين عبدالحسين

أثارت تعليقات الرئيس دونالد ترامب بشأن استعداده للقاء نظيره الايراني حسن روحاني فوضى لا مثيل لها في صفوف إدارته وحزبه الجمهوري، وسط تضارب المعلومات بين من يقول إن الرئيس يُناور لاعتقاده أن في مد يده للإيرانيين فوزا سياسيا محققا له، بغض النظر عمّا ستؤول إليه الاوضاع بين البلدين، وبين من يصرّ على أن وساطة غير مباشرة بين واشنطن وطهران تقودها مسقط أدت إلى تليين موقف ترامب.
مَنْ يعرف خبايا الإدارة الأميركية يعلم أن لا سياسة خارجية لدى ترامب باستثناء أمرين: حبّه غير المفهوم لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، وتفويضه السياسة الخارجية الأميركية إلى تل أبيب لاعتقاده أن من شأن ذلك أن يعود عليه بأصوات وأموال اليهود الأميركيين في الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل، كما في انتخابه لولاية ثانية في نوفمبر 2020. 
لكن ترامب يعتقد أيضاً أن بإمكانه تحقيق مكاسب سياسية ترفع من شأنه وشعبيته بين الأميركيين، من خلال قيامه بعقد لقاءات مع زعماء أنظمة عدوة للولايات المتحدة، ثم تصويره هذه اللقاءات على أنها أحداث تاريخية تفوّق فيها على أسلافه (على غرار القمة التي جمعته في يونيو الماضي مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون)، وتصوير انعقادها على أنه لم يكن ممكناً لولا براعة ترامب في التوصل إلى صفقات، وهي الصورة التي يستميت الرئيس لتقديمها عن نفسه وعن أسلوبه في عالم الاعمال، كما في الرئاسة.
هكذا، مثل سلفه باراك أوباما من قبله، حاول ترامب - من دون أن يوفق - في اقتناص لقاء مع روحاني على هامش أعمال القمة السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر من السنة الماضية، وعرض، أول من أمس، لقاء غير مشروط مع روحاني، إذ يعتقد أن التغطية الإعلامية للقاء من هذا النوع كفيلة برفع شعبيته وإظهار براعته.
لكن بعيداً عن الاعلام، وعلى أرض الواقع، لا خطة أميركية ولا سياسة تجاه إيران غير السياسة الاسرائيلية. وحتى تسمح إسرائيل لأميركا بتسوية مع ايران، يتطلب الأمر تغييراً جذرياً للسياسة الإيرانية في عموم الشرق الأوسط، في طليعتها قيام طهران بحلّ الميليشيات الموالية لها في المنطقة، خصوصاً «حزب الله» اللبناني، وفقاً لمصادر أميركية مطلعة.
لهذا السبب، تعارضت السياسة الاسرائيلية مع سياسة أوباما تجاه ايران. فسياسة أوباما كانت تقضي بفصل المسار النووي عن «نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار»، وكان أوباما يأمل أن يتم الاتكاء على حل الملف النووي لبناء الثقة بين أميركا وايران، ومن ثم العمل على تحسين العلاقات على الأصعدة غير النووية. 
إسرائيل تعتقد أن فصل المسارَيْن النووي وغير النووي يعرّض أمنها القومي للخطر، إذ إن رفع العقوبات النووية منح طهران أموالاً استخدمها الإيرانيون لتمويل «نشاطاتهم المزعزعة للاستقرار» في منطقة الشرق الاوسط.
وبعد كلام الرئيس الأميركي عن لقاء محتمل مع نظيره الإيراني، بدأت وسائل الإعلام الاميركية والغربية تجري مقارنات مع لقاء ترامب - كيم جونغ أون، وهو لقاء تلى تصعيداً عسكرياً وتهديدات متبادلة بين الطرفين، وتالياً، رجحت غالبية وسائل الإعلام هذه أنه يمكن أن يتبع ترامب الأسلوب نفسه مع الايرانيين: عقوبات اقتصادية، فتهديدات عسكرية، فلقاء قمة غير مشروط تنجم عنه حالة من اللا سلم واللا حرب بين البلدين.
لكن كوريا الشمالية ليست إيران، وفقاً للمصادر، إذ يمكن اختصار خطر بيونغ يانغ بنشاطاتها النووية، فيما البرنامج النووي والصاروخي الايراني ما يزال أكثر بدائية، ومشكلة أميركا - أو إسرائيل - مع إيران تكمن في ميليشيات طهران وسياستها الشرق أوسطية أكثر منها في الملف النووي، وهو ما يعني أنه حتى لو قُيّض لترامب لقاء روحاني وجهاً لوجه، سيبقى الفارق شاسعاً بين أميركا، التي تسعى للقضاء على نشاطات طهران في الشرق الاوسط، وإيران، التي تتمسك بهذه النشاطات وتراها بمثابة علّة وجودها وضمان بقاء نظامها.
على الرغم من الفارق الشاسع بين إدارة ترامب والجمهورية الاسلامية، لا يرى ترامب، حسب أوساط البيت الابيض، مشكلة في لقائه روحاني وجهاً لوجه، إذ إن فشل التوصل لاتفاق بين الطرفين، على طراز الاتفاق الشكلي بين واشنطن وبيونغ يانغ، يعطي إدارة ترامب فرصة أكبر لإقناع الرأي العام الاميركي أن الولايات المتحدة استنفدت كل الوسائل الديبلوماسية، وأن الحلول الوحيدة المتاحة هي عسكرية.
تقول المصادر الاميركية إن وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي تطرق الى الموضوع الايراني، أثناء زيارته واشنطن، قبل أيام، ولقائه نظيره مايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس. وتذهب بعض الأوساط للاستنتاج أن الوساطة العُمانية تشبه استضافة مسقط لمسؤولين إيرانيين وأميركيين في محادثات سرية العام 2013، أفضت في ما بعد إلى التوصل للاتفاقية النووية. 
لكن الوساطة العمانية نجحت في ظل وجود رئيس أميركي كان يرغب فعلياً في التوصل لاتفاق نووي منفصل عن سياسة إيران الخارجية في منطقة الشرق الأوسط. أما في عهد رئيس، مثل ترامب، يتبنّى الموقف الإسرائيلي الرافض للدور الإيراني جملة وتفصيلاً، فتبدو الوساطة أكثر صعوبة وتعقيداً.
«لعُمان مصلحة في تفادي الحرب، فهي إذا اندلعت ستكون السلطنة في وسط مسرحها»،كما تقول مصادر أميركية مواكبة لزيارة بن علوي الى العاصمة الاميركية. «أما الوساطة مع ايران، فسبق أن تقدمت بها عواصم متعددة، وعلى أعلى المستويات، وكانت في طليعتها موسكو»،وفقا لمصادر.
على الرغم من «معزّة» بوتين لدى ترامب، عاد الرئيس الأميركي إلى واشنطن بعد قمة هلسنكي، وبدلاً من أن يتبنّى عرض نظيره الروسي لوساطة مع الإيرانيين، غرّد مهدداً إياهم بحرب شعواء، وهو ما يشي أن ترامب ليس مهتماً بوساطة، وأن عرضه لإيران هو من باب المناورة السياسية أكثر منه الحوار الفعلي.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008