الأحد، 16 يونيو 2019

واشنطن مرتاحة لدفع طهران «إلى الحبال» ... والحرب لن تكون بـ «تغريدة ترامبية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في أروقة قرار الحكومة الأميركية رؤية مختلفة تجاه المواجهة مع إيران عن تلك السائدة في الإعلام. هنا، لا جمهوريين ولا ديموقراطيين، بل بيروقراطيون متخصصون أمضوا سني عمرهم في العمل الحكومي في وزارتي الدفاع والخارجية ووكالات الاستخبارات المتنوعة. هنا، لا اختلاف حول ضرورة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، ولا تضخيم للخطر الإيراني، ولا إصرار على شن حرب ضروس، ولا معاداة للحرب بأي ثمن. هنا العقل المفكر للولايات المتحدة وسياستها الخارجية.
الحكوميون الأميركيون يواجهون كميتين غير معلومتين: الأولى، ما الذي تريده إيران، والثانية، ما الذي يريده الرئيس دونالد ترامب، المتقلب المزاج، والذي لا يستمع لنصائح الخبراء والمساعدين؟
في مواجهة إيران، لا يعتقد العاملون في الإدارات الأميركية أن اللوم يقع على ترامب لانسحابه من الاتفاق النووي، بل يعتقدون أن إيران لم تستغل الفرصة التي أتاحها لها الرئيس السابق باراك أوباما «بالبناء على الاتفاق النووي للتوصل الى تسويات في البنود الخلافية الأخرى، وإنهاء نشاطات إيران المزعزعة في المنطقة».
في مقابلة مع مجلة «اتلاتنتك»، يقول آش كارتر، وزير الدفاع السابق في زمن أوباما، إنه منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لم تتوقف طهران عن نشاطاتها السلبية، من تجاربها الصاروخية البالستية، إلى استمرارها في تمويل وتدريب وتسليح ميليشيات تؤجج الحروب الأهلية في عموم المنطقة. ويلفت كارتر إلى أن واحدة من كبرى المخاطر الإيرانية هي قيام الجمهورية الاسلامية بتسليح ميليشيا الحوثي في اليمن، ومحاولة تحويل عدن الى منصة لتهديد البحرية الأميركية في منطقة باب المندب.
ويقول كارتر إن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي «لم تكن الخطيئة الاولى التي أدت الى كل المشاكل (مع إيران) اليوم». 
ويتابع كارتر الديموقراطي، أنه «لا بأس ان نتحمل نحن مسؤولية وعبء المفاوضات، ثم ننسحب» من الاتفاق. 
ويبدو أن المسؤولين الأميركيين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن إيران قررت الامتناع عن المفاوضات إلى أن تحسن موقفها، الذي تضعضع كلياً منذ دخول العقوبات الأميركية عليها حيز التنفيذ. ومن المرجح أن يعاني الاقتصاد الإيراني المزيد من التهالك مع مرور الوقت واستمرار العقوبات.
وحتى تحسن إيران موقفها، فهي قررت اللجوء الى تصعيد عسكري محسوب، في كل منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الخليج ومنطقة باب المندب والعراق. ورصد المسؤولون خطابات لمرشد الثورة علي خامنئي يبدو أنه عقد العزم فيها على الانخراط في مواجهة مسلحة ضد الولايات المتحدة، وهو كان ظهر في خطاب عيد الفطر يحمل رشاشاً حربياً. 
وإلى الهجومين اللذين طالا ناقلات نفط في خليج عمان، أطلقت إيران صاروخي «سام»، أرض - جو، ضد طائرتي تجسس أميركيتين بلا طيار، ولم تصبهما، وفي العراق، أطلق الإيرانيون، في الآونة الأخيرة، قذائف على قاعدة عسكرية عراقية يسكن فيها مستشارون عسكريون أميركيون. أما في اليمن، فمحاولات متعددة لإصابة أهداف أميركية في البحر وسعودية شمالاً. 
ومواجهة التصعيد العسكري الإيراني ممكنة بتدابير غير الحرب، مثل تقديم مرافقة عسكرية لناقلات النفط، وزيادة طلعات طائرات التجسس والمراقبة لرصد التحركات الإيرانية في الخليج. 
ويقول كارتر في مقابلته إن رد وزير الخارجية مايك بومبيو على الهجوم على الناقلة اليابانية اقتصر على المواجهة الديبلوماسية والاقتصادية، ولكن وزير الدفاع السابق يعتقد أن على إدارة ترامب إبقاء الخطط العسكرية لمواجهة مع إيران جاهزة في حال تطلبت الأمور ذلك.
على أن المثير للاهتمام هو اختيار إيران التصعيد العسكري لتحسين موقفها في أي محاثات مستقبلية مع الغرب، بدلاً من اختيارها الخروج من الاتفاق النووي واستئناف برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم. 
في هذا السياق، يعتقد المسؤولون الأميركيون من الحزبين أن للاتفاق النووي مع إيران نقطة إيجابية واحدة، وهي كشفها معظم البرنامج النووي الإيراني وإخراجه إلى الضوء، وهو ما وضع البرنامج تحت مراقبة دولية لصيقة تجعل من الصعب جدا خروجه عن المسار السلمي، إلا في حال كسرت إيران الأختام الدولية والكاميرات، وهو ما يؤدي الى تحرك دولي ضدها، بما في ذلك روسيا والصين. 
المسؤولون الأميركيون يعربون عن ارتياحهم لنجاح العقوبات الاقتصادية الأميركية، فهذه كان يمكن فشلها وإظهار اميركا في موقع ضعف أمام إيران، لكنها نجحت حتى اكثر من العقوبات الدولية، وسمحت للولايات المتحدة «بدفع إيران الى الحبال»، وهو التعبير المستخدم في العاصمة الاميركية والمستوحى من لعبة الملاكمة، حيث يتراجع الملاكم الذي يعاني خسائر إلى الحبال لحماية ظهره. 
أما تصريحات ترامب وتغريداته حول إيران، فهذه لا تلخص السياسة الأميركية، او كما يقول كارتر، «لا يمكن لترامب أن يأمر بحرب مع إيران بتغريدة».

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008