حسين عبدالحسين
في العاصمة الأميركية، كما في دول عربية كثيرة، نقاش دائم حول الأفضل بين قطبي المنطقة، السعودية أم إيران، يستخدم فيها مؤيدو كل من القوتين الإقليميتين كل ما بحوزتهما من حجج للدلالة على أن الدولة التي يؤيدونها أكثر انفتاحا وتنورا، وأن الثانية دولة قروسطوية تشكل تهديدا على الأمن الاقليمي والدولي، ويستدلون بتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والحريات، وغالبا ما تكون أكثر انحيازا لإيران لاعتقادها أن الأخيرة تقف في مواجهة الكولونيالة، وهو ما يجعلها في خانة المستضعفين والمظلومين، والمظلوم لا يظلم، أو هذا هو الاعتقاد الساذج المنتشر لدى المنظمات الغربية.
لكن لمقارنة عادلة، الأفضل إبقاء مواضيع الديمقراطية والحريات خارج النقاش، فهذه لا تنتشر كثيرا خارج كتلة الدول الديمقراطية الليبرالية في الغرب واليابان وكوريا الجنوبية، وهو ما يعني أن المقارنة بين السعودية وإيران تنحصر بمستوى المعيشة والازدهار الاقتصادي في كل من البلدين، كما بالاستقرار ومواضيع الحوكمة الرشيدة وحكم القانون.
في مستوى المعيشة والرفاه، لا تحتاج المقارنة للكثير من الأبحاث ليتبين بسرعة أن السعودية أفضل، بما لا يقاس، كحكومة واقتصاد من إيران، ففي الدولتين التي تتمتعان بأكبر احتياطات للطاقة في العالم، يبلغ حجم الناتج السنوي السعودي 800 مليار دولار، مقابل 450 مليار دولار لإيران. ولأن عدد سكان السعودية 34 مليونا، يقابلها 82 مليونا من الإيرانيين، يبلغ معدل دخل الفرد السعودي 23 ألف دولار سنويا، فيما يبلغ معدل دخل الفرد السنوي في إيران سبعة آلاف دولار، أي أن المواطن أو المقيم في السعودية يجني ثلاثة أضعاف ما يجنيه المواطن أو المقيم في إيران.
والبحبوحة الاقتصادية السعودية أدت إلى توظيف أكثر من 10 ملايين عامل أجنبي، فيما تعاني إيران من نقص في العمالة، خصوصا المتخصصة منها، بسبب اقتصادها المتدهور ومستوى المعيشة فيها. والعمالة الأجنبية في السعودية تتضمن مئات آلاف العاملين من دول عربية، مثل لبنان وسوريا وفلسطين ومصر وتونس والأردن واليمن، ومعظم هؤلاء يسترزقون في السعودية، ويعيلون عائلاتهم، ويربّون أولادهم، ويرسلون حوالات مالية إلى أهاليهم في أوطانهم، حتى أن خط الحياة الوحيد المتبقي لدول انهار اقتصادها، مثل سوريا ولبنان، هي حوالات مغتربي السعودية والخليج.
ومع أن إيران تعاني من شح مالي يُجبر مواطنيها على الهجرة إلى أي وطن بديل يمكن الوصول إليه، الا أن نظام إيران الإسلامي لا يتردد في إنفاق ما تيسر له من أموال لتمويل ميليشيات موالية له في عموم المنطقة، فيقدم رواتب زهيدة لشباب من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان واليمن وغزة، مقابل تنظيمهم في ميليشيات مسلحة عنيفة تتمرد على حكوماتها، وتطيح بها، وتحوّل دولها إلى دول مارقة تأوي كل أنواع الإرهاب والإرهابيين.
كما تسلّح إيران هذه الميليشيات في دول المنطقة بكل أنواع الصواريخ والطائرات المتفجرة بلا طيار، وتقوم الميليشيات بإطلاق هذه الصواريخ على أي حكومة في الإقليم تخالها طهران منافسه لها، أو غير خاضعة لأوامرها.
في الداخل، تعاني إيران من انهيار اقتصادها والانخفاض المتواصل في سعر عملتها، إذ وصل سعر صرف الدولار الأميركي في إيران إلى 42 ألف ريال، فيما كان الدولار يساوي 71 ريالا فقط قبل انهيار حكم الشاه رضا بهلوي في 1979. وعلى شاكلة انهيار اقتصاد إيران وعملتها، ينهار اقتصادا لبنان وسوريا ومعه نقديهما الوطنيين إلى معدلات جعلت من راتب رجل الشرطة في لبنان، مثلا، يساوي 50 دولارا في الشهر، وهو ما يعني أنه وعائلته يعيشان على أقل من دولارين في اليوم، وهذا تحت خط الفقر العالمي.
وفيما يتمتع السعوديون بانخراطهم في الاقتصاد العالمي، ويجولون دول العالم في أسابيع إجازاتهم، يعاني الإيرانيون، ومثلهم اللبنانيين والسوريين ، من فقدان المواد الغذائية الأساسية، وغياب الطاقة، ويقف اللبنانيون والسوريون في سياراتهم في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، ويعانون من انقطاع الكهرباء، فيما يتعذر عليهم الحصول على تأشيرات زيارة (فيزا) إلى معظم دول العالم، بسبب فقدان ثقة حكومات العالم بالحكومات الثورية التي تحكم إيران وسوريا ولبنان وبجوازات السفر التي تصدرها، وبسبب استضافة إيران وحلفائها ميليشيات تصنفها معظم دول المعمورة على أنها إرهابية.
أما في حكم القانون والحكومة الرشيدة، فيتمتع السعوديون والمقيمون بأبسط ما يقدمه القانون، لناحية حماية الملكية الفردية، وحماية الناس. أما في إيران والدول التابعة لها، فلا قيمة للقانون، حيث تستخدم الميلشيات عنفها في كل أشكال البلطجة، بما في ذلك تجارة المخدرات، وتهريب البضائع عبر معابر غير شرعية مقابل تعريفات جمركية منخفضة، وهو ما يؤدي إلى خسارة الحكومات أموالا طائلة، كما تقوم الميلشيات بعمليات تزوير سندات عقارات واحتلال عقارات الناس، والإفادة منها ماليا.
السعودية مملكة تقليدية، يجدد شبابها ولي عهد يسعى لتبني نموذج اقتصاد الخدمات لتقليص اعتماد المملكة على النفط، على غرار النموذج الذي طبقته الإمارات بنجاح. وتنخرط السعودية في النظام العالمي، وتشارك سنويا في لقاء قمة الدول العشرين (أي أكبر عشرين اقتصاد في العالم)، وتحافظ على علاقات ندية بالحكومات الصديقة وغير الصديقة. وفي السعودية، مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وغيرها مفتوحة للعامة، وكذلك مواقع نتفليكس وبضائع آبل وغيرها من الوكالات العالمية.
أما إيران، فميليشيا ثورية في ثوب دولة، لا تحترم النظام العالمي، بل تعتبره نظاما جائرا صنعه "الرجل الأبيض" في خدمته، وتقوم بتشتيت الانتباه عن فقر وإحباط مواطنيها ومواطني الدول التي تحكمها بالحروب، وبالشعارات الثورية، وبالتهديد بالفوضى. والانترنت في إيران شبه مغلق، ومواقع التواصل الاجتماعي محظورة، مع أن المرشد نفسه ينشط عليها بأكثر من أربع لغات. ولا يمكن الحصول على الخدمات والبضائع الدولية في إيران إلا في السوق السوداء.
يوم يقف أي لبناني أو سوري أو مصري ليختار وجهة ليهاجر إليها بحثا عن الرزق، من يختار السعودية ومن يختار إيران؟ الإجابة هي أن الغالبية المطلقة تذهب إلى السعودية لتعمل وتعيش وتعيل وتربي، فيما لا يذهب إلى إيران إلا قطّاع الطرق والعصابات من الشباب الطائش والمرتزقة، وهؤلاء لا يسكنون إيران، بل يستقوون بها على أهلهم وبلدانهم.
عليه، يصبح يسيرا الاستنتاج التالي لأي مواطن في المنطقة: ألف سعودية ولا إيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق