واشنطن - من حسين عبدالحسين
كشفت مصادر في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ما سمعته من المسؤولين الإسرائيليين حول هدف العمل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، والذي قالت المصادر الأميركية إنه يتمحور حول ثلاثة أهداف، أولها تصفية أكبر عدد ممكن من القادة العسكريين لتنظيمي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وثانيها انتزاع قدرة حماس على شن هجمات عبر الحدود بين غزة والأراضي الإسرائيلية عبر الأنفاق وفوق الأرض، وثالثها تدمير شبكة الأنفاق التي تستخدمها «حماس» تحت غزة والتي يطلق عليها الإسرائيليون تسمية «مترو غزة».
ونقلت المصادر عن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين أن الصور في غزة تظهر انهيار الأرض تحت شوارع القطاع، وهو ما فسّره الإسرائيليون للأميركيين على انه نجم عن الصواريخ الأميركية المخصصة لتدمير التحصينات، والتي استخدمتها إسرائيل لتدمير «مترو غزة»، إذ امتص الفراغ الذي أحدثته الصواريخ داخل الأنفاق إلى امتصاص الشوارع التي هبطت في جوف الأرض.
ويعتقد الإسرائيليون أن «أنفاق غزة تحولت إلى مصيدة لقادة حماس الذين راحوا يتفادونها بعد أيام قليلة على بداية المواجهات العسكرية بين الطرفين، وأن مقاتلين كثيرين من الحركة قضوا نحبهم في الأنفاق التي انهارت ومازالت جثثهم داخلها».
أما في اليومين المتبقيين قبل أن توافق إسرائيل على التزام هدنة مع «حماس»، فتأمل الدولة العبرية أن تنجح في تصفية كل من مسؤول «حماس» في غزة يحي السنوار، وقائد الذراع العسكرية للحركة محمد الضيف، أو أحدهما. ثم ستوافق على الهدنة المقترحة التي وافقت عليها «حماس».
وترجح المصادر الأميركية أن تدخل الهدنة حيز التنفيذ منتصف ليل غد الخميس، أو حتى قبل ذلك.
وموافقة إسرائيل على تقصير أمد الحرب، مقارنة بحرب 2014 التي استغرقت قرابة الـ 50 يوماً، قد يكون مردّها على الأرجح إلى الانقلاب الكبير في المواقف لدى الحزب الديموقراطي الأميركي حول إسرائيل، وهو ما بدا جلياً في موقفي عضوين ديموقراطيين في الكونغرس، يشغلان أعلى منصبين في لجنتي السياسة الخارجية، رغم استمرار تمسّك بايدن بموقف «وسطيي» الحزب، الداعم للدولة العبرية.
الانقلاب في المواقف جاء أولاً في بيان صدر نهاية الأسبوع عن مكتب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور عن ولاية نيوجرسي روبرت مينينديز، عبر فيه عن «انزعاجه» من التقارير حول العمليات العسكرية «التي أسفرت عن مقتل مدنيين أبرياء في غزة، وكذلك الاستهداف الإسرائيلي للمباني التي تضم وسائل الإعلام الدولية».
ورغم أن مينينديز، هو من أحد أبرز أصدقاء إسرائيل ويتمتع بدعم وتبني اللوبي الموالي لها المعروف بـ «ايباك»، إلا أنه طالب بتحقيق«بالأعمال التي أدت إلى مقتل مدنيين وتدمير وسائل الإعلام»، معتبرا أن «جميع القادة السياسيين والعسكريين يتحملون مسؤولية التمسك بقواعد وقوانين الحرب».
لكن السناتور الديموقراطي حافظ على بعض صداقته مع إسرائيل بتبنيه التصريح الذي يدأب على تكراره السياسيون الأميركيون المدافعون عن إسرائيل بقوله إن «لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن النفس ضد الإرهابيين الملتزمين بمحوها عن وجه الخريطة».
وعبارة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» كانت تخلت عنها إدارة بايدن في معظم تصريحاتها في المحافل الدولية، بما في ذلك الجلسات المخصصة لحرب غزة في الأمم المتحدة.
الانقلاب الثاني على إسرائيل بين أركان الحزب الديموقراطي جاء من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب غريغوري ميكس، وهو من الأفارقة الأميركيين ويمثل الدائرة رقم ستة في ولاية نيويورك.
ومثل مينينديز، يتمتع ميكس بدعم مطلق من «ايباك»، وهو مع ذلك، وجه إلى إدارة بايدن رسالة طالب فيها بتعليق مبيعات الأسلحة - بما فيها الصواريخ الدقيقة - التي أعلنت واشنطن موافقتها على بيعها لإسرائيل بمبلغ 735 مليون دولار.
خلف التغيير الحاصل في مواقف الحزب الديموقراطي عاملان: الأول هو الاندفاعة ضد إسرائيل لدى «الجناح التقدمي» داخل الحزب الديموقراطي، والذي يمثله أعضاء في مجلس الشيوخ مثل كريس مورفي والمرشحين السابقين للرئاسة بيرني ساندرز واليزابيث وارن، كما يمثله أعضاء مجلس النواب خصوصاً المعروفات بـ «الفريق»، أي الأميركيات من أصل فلسطيني رشيدة طليب، وصومالي الهان عمر، وبورتوريكي الكساندرا اوكاسيو كورتيز، وأفريقي أيانا بريسلي.
و«الجناح التقدمي» في الحزب الديموقراطي يتبنى وجهة النظر الفلسطينية بالكامل، في اعتباره أن إسرائيل هي عبارة عن احتلال عمره 73 عاما، وأن نصف الأراضي المحتلة تقوم فيها دولة تمييز عنصري (آبرثايد) اسمها إسرائيل، وفي النصف الثاني ترزح دولة فلسطين تحت احتلال إسرائيلي.
و«الجناح التقدمي» نفسه هو من المقربين من اللوبي المؤيد لنظام إيران، ومن مؤيدي العودة غير المشروطة للاتفاقية النووية مع إيران، بل الانفتاح الكامل عليها، وإعادة النظر في تحالفات الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك مع إسرائيل ومع الدول الأخرى.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، انضم للتقدميين زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وهو يهودي أميركي ويمثل ولاية نيويورك التي يسكنها أكثر من خمسة ملايين يهودي، وهي أكبر كتلة يهودية خارج إسرائيل.
أما «الجناح الوسطي» في الحزب الديموقراطي، والذي يمثله بايدن وإدارته ورئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، فحافظا على الخط التقليدي الذي تمسك بعبارة«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحرصا على تفادي مطالبة إسرائيل بوقف إطلاق نار فوري. وللالتفاف على مطلب وقف إطلاق النار، وفي نفس الوقت تنفيس احتقان«التقدميين»ضده، قال بايدن لرئيس حكومة إسرائيل في اتصال بينهما انه«يدعم وقف إطلاق النار»، بدلا من المطالبة الصريحة بذلك.
وبررت إدارة بايدن صمودها في وجه «التقدميين» وحفاظها على الدعم لإسرائيل، بالقول إن إسرائيل قدمت للولايات المتحدة معلومات استخباراتية سرية بررت فيها بعض الاستهدافات التي قامت بها داخل غزة، وهو ما أكده وزير الخارجية أنتوني بلينكن في تصريح، أثناء زيارة يقوم بها لفنلندا، بقوله إن إسرائيل قدمت تقاريرها السرية حول قصف مبنى كان يضم مكاتب وكالات إعلام عالمية.
ورفض بلينكن الإفصاح عن تفاصيل المعلومات السرية الإسرائيلية التي بررت قصف المبنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق