واشنطن - من حسين عبد الحسين
الخلاف غير العلني بين واشنطن والرياض، يتصاعد منذ انتخاب باراك اوباما رئيسا. فالتباين في الرأي بين الحليفين باد في كل من فلسطين والعراق ولبنان، وهو ما ادى الى زعزعة موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وعودة التفجيرات الضخمة الى بغداد، وتقويض الحركة الاستقلالية في لبنان.
في الموضوع الفلسطيني، لم تلب السعودية الطلب الاميركي القائل بضرورة الانفتاح العربي على اسرائيل وبدء التطبيع معها كبادرة حسن نية عربية تجاه الدولة العبرية والسلام، بل شن المسؤولون السعوديون حملة علاقة عامة داخل الولايات المتحدة، تضمنت نشر افتتاحيات في كبرى الصحف الاميركية، تشرح وجهة النظر السعودية من السلام والمبادرة العربية.
تلا التباين في موضوع العملية السلمية اختلاف حول الملف العراقي. فالسعودية رأت في انزلاق العراق نحو الفوضى خطرا تستفيد منه ايران، فابتعدت عن ايران وحليفتها سورية في صيف العام 2004، وانضمت الى الولايات المتحدة في محاولة لتثبيته. هذا الانتقال السعودي ادى الى مواجهة في اماكن متعددة من المنطقة، فواجهت فضائية «العربية» تفجير مكتبها في بغداد، تبع ذلك اغتيال رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري، وانسحاب الجيش السوري من لبنان.
تم تثبيت الوضع في العراق مع زيادة في القوة العسكرية الاميركية وبروز رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، كقوة لا يستهان بها. وواجه المالكي الميليشيات الشيعية والسنية وتمكن من القضاء عليها بمساعدة واشنطن وحلفائها العراقيين، القدامى، مثل الكرد، والجدد، مثل عشائر السنة.
«ستبقى مشكلة السعودية مع حكومة شيعية (في العراق)... اما مصر، فاعادت سفيرها (اليه)»، يقول نائب مساعد وزيرة الخارجية المكلف ملف العراق مايكل كوربن. ويثني في حديثه مطلع الاسبوع اثناء مؤتمر «معهد الشرق الاوسط»، على اداء المالكي وابتعاده عن الطائفية، لكنه يحذر: «اذا ما انضم المالكي الى الائتلاف الوطني العراقي (المكون من ابرز الاحزاب الشيعية)، فهذا يعني ان العراق يبتعد عن التحالفات العابرة للطوائف».
ويعتبر كوربن، ان السنة «منقسمون» في العراق. لا يفصح كوربن عن اسباب الانقسام، لكن يفهم ضمنيا من حديثه ان قسما من السنة في العراق، يؤيد الخط السعودي ويعادي المالكي، فيما يؤيد القسم الاخر الولايات المتحدة ويساند رئيس الوزراء العراقي.
الا ان كوربن متفائل، وهو يتحدث عن مرحلتين عراقيتين. في الاولى، انتقل العراق من الحكم العسكري الى المدني مع انسحاب الجيش الاميركي من المدن، واستكمال سحب القوات المقاتلة مع حلول العام 2010. ويقول كوربن ان المرحلة الثانية هي الانتقال من «حكومة مع صراع طائفي واقتصاد مهزوز الى الفرصة التي بأيدينا اليوم والتي ستؤدي الى عراق افضل مع حلول العام 2020».
ثم يتحدث على التوالي كل من رند الرحيم، وهي قريبة كل من احمد الجلبي ورئيس الحكومة السابق اياد علاوي، وعملت سفيرة للعراق في واشنطن العام 2003، ووزير الدفاع السابق علي علاوي. لدى الاثنين نظرة متشائمة نحو العراق، وبالاخص نحو التأثير الايراني، والصراع الطائفي، والوضع الذي سيتجه نحو التأزيم برأيهما.
الحكومة وكل اللوائح الانتخابية المرشحة في العراق، خصوصا المالكي، لوائح طائفية، حسب الرحيم، ما عدا «لائحتي وزير الداخلية جواد البولاني ورئيس الحكومة السابق اياد علاوي». ولم تفصح كيف اعتبرت لائحة علاوي علمانية، وهي تضم في صفوفها الحزب الاسلامي، بزعامة طارق الهاشمي.
ويعتقد مسؤولون اميركيون، ان علاوي هو مرشح السعودية المفضل لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة المقررة في 18 يناير المقبل. عندما زار واشنطن، برفقة النائب السني المقرب من البعثيين صالح المطلك، لم تمنح الادارة الرجلين لقاءات تذكر. بعد اسابيع، زار المالكي الولايات المتحدة برفقة وفد تضمن حسين الشهرستاني، وزير النفط، وهوشيار زيباري، وزير الخارجية، فمنحتهم الادارة استقبال الابطال.
لم يفت سورية هذا الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية فاقتنصت الفرصة.
الاكاديمي مرهف الجويجاتي، شبه متحدث باسم دمشق، وهو شارك في محادثات السلام مع اسرائيل في التسعينات.
يلخص الجويجاتي الموقف السوري الراهن على الشكل التالي: «سورية ذهبت الى (مؤتمر) انابوليس على عكس رغبة ايران، سورية عقدت مفاوضات مع اسرائيل عبر تركيا على عكس رغبة ايران ايضا، سورية تساند الموقف السعودي في العراق واليمن، وسورية في علاقة حب مع تركيا، وهو بعكس المصلحة الايرانية».
نذهب الى مسؤول اميركي رفيع المستوى، يحضر الجلسة ونسأله عن تعليقه حول تصريحات الجويجاتي. يجيبنا شرط عدم ذكر اسمه: «هذا غير صحيح... لم يعد هناك شيء اسمه سورية، بل ايران وصلت الى المتوسط، السعوديون على خطأ، دمشق تنسق كل خطوة مع طهران ولم تبتعد عنها حتى هذه اللحظة».
يضيف المسؤول الاميركي: «(الرئيس بشار) الاسد دخل قلب السعوديين عن طريق الخطأ، فهو يعطي ملاذا آمنا للمسؤولين البعثيين من امثال يونس الاحمد وعزت الدوري، وهذا ما جعل السعوديين يظنون ان سورية تأخذ موقفا معاكسا لايران وتؤيد السنة بدلا من الشيعة، هذا غير صحيح».
المالكي حول نفسه زعيما وطنيا بعيدا عن ايران، والتفجيرات في بغداد في اغسطس واكتوبر قام بها جهاز «م- 21» من بقايا النظام العراقي السابق، بدعم سوري وتواطؤ ايراني، حسب المسؤول الاميركي. «ايران وسورية تحاربان المالكي منذ عملية صولة الفرسان التي قضى بها على الميليشيات الشيعية، والسعودية يناسبها ذلك، وهكذا وجدت سورية نفسها في موقف الحليف لدى الاثنين، واستعادت لبنان».
ويختم بالقول: «السعودية عادت في موقفها حول العراق الى حيث كانت في اوائل 2004، اي ضد الوجود الاميركي فيه، صحيح هي تريد استقرار العراق، ولكنها تعتقد المالكي مواليا لايران وتحاول زعزعته... نحن نختلف مع السعودية حول الرؤية في العراق».
لبنان هو الغائب الاكبر عن جلسات مراكز الابحاث الاميركية وحديث المسؤولين، ما عدا موضوع «حزب الله». يقول مسؤول اميركي آخر، رفض الافصاح عن هويته: «السعودية قررت ان تسدد لما تعتقده انقلاب سوري على ايران بعملة لبنانية، ونحن والقاهرة نعارض ذلك... قياديو تحالف 14 مارس انقسموا في ما بينهم بين الموقفين، ثم ما لبث ان سار مؤيدو واشنطن والقاهرة في ركب مؤيدي السعودية، فتشكلت حكومة لبنانية اقل ما يقال عنها انها انتصار لسورية وحلفائها في لبنان، وعلى رأسهم حزب الله».
المستقبل كما يراه معظم المسؤولين الاميركيين يتضمن حكومة عراقية مستقلة وقوية، تكون ابرز حلفاء واشنطن في المنطقة، وهذا قد يزعج بعض الدول الاخرى. وحدهما مصر والاردن لا يمانعان اعادة العراق الى مواقع قيادية، حسب المصادر الاميركية.
اما بالنسبة الى عملية السلام، فواشنطن تختلف مع تل ابيب والرياض في الوقت نفسه، فهي لا ترى ضرورة للربط بين لا شرعية المستوطنات واستئناف المفاوضات، كما هي لن تتراجع عن اعلان المستوطنات غير شرعية، ولن توافق رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو على ضرورة تقديم الخطر الايراني على موضوع السلام.
«الرئيس باراك اوباما يريد فعل ما هو صائب، ولا يهم من هم الاعداء ومن هم الحلفاء، اليوم لدينا صداقة متينة مع القاهرة وبغداد وعمان والرباط والبعض في لبنان، ولدينا تحالف مع تباين مع الرياض وتل ابيب، وخلاف مع طهران ودمشق، وهذه الامور تتغير»، يختم المسؤول الاميركي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق