| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
يثير الوضع المصري اهتمام واشنطن وقلقها في الوقت نفسه. فالولايات المتحدة منهمكة في الشؤون المصرية سرا وعلنا، وتسعى الى منع حصول اي انهيار اقتصادي او امني او اجتماعي خوفا من تداعياته على وضع مصر والمنطقة.
لكن اميركا تجد نفسها تقدم يد العون الى حكومة مصرية تسيطر عليها مجموعة «الاخوان المسلمين»، وهي مجموعة لا ترتاح واشنطن لها كثيرا، وتخشى من نواياها في التفرد بالسلطة في المدى المنظور.
على انها في سعيها الى منع الانهيار المصري، تبدو واشنطن وكأنها تدعم «الاخوان»، وتمنع فشلهم في الحكم، وهو انطباع صار سائدا لدى غالبية المصريين والعرب عموما.
ويقول السفير الاميركي السابق في مصر، دان كيرتزر، ان «كل ما تسمعه في القاهرة هو ان الولايات المتحدة تدعم الاخوان، او انها هي التي اتخذت القرار بوصولهم الى الحكم».
ويضيف ممازحا ان السفيرة الاميركية الحالية في القاهرة آن باترسون كادت ان تلقي به خارج مكتبها عندما توجه اليها بالقول: «اذا انت التي أتيت بالاخوان المسلمين الى الحكم».
مهما تكن حقيقة الامر، يتابع كيرتزر، «يبقى الانطباع السائد لدى غالبية المصريين هو اننا نحن من ندعم حكم الاخوان، وهذه الفكرة ممكنة فقط عند من ينظرون الى العالم بنظرة مؤامراتية».
كلام كيرتزر جاء اثناء جلسة حوارية في مركز ابحاث «آسبن»، الذي استضاف وفدا كبيرا من «غرفة التجارة الاميركية في مصر»، برئاسة هشام فهمي، زار واشنطن على مدى الاسبوع الماضي والتقى مسؤولين كبارا فيها. وشارك في الجلسة كبيرة الخبراء الاقتصاديين في وزارة الخارجية الاميركية هيدي كريبوريديكر، وادارها نائب رئيس تحرير صحيفة «واشنطن بوست» المعلق دايفيد اغناتيوس.
وتحدثت كريبوريديكر عن القرض الذي ينوي «صندوق النقد الدولي» تقديمه للحكومة المصرية، والذي تبلغ قيمته قرابة 5 مليارات دولار ويشترط قيام مصر باصلاحات اقتصادية. وقالت المسؤولة الاميركية ان من شأن هذه الاصلاحات ان تعيد الثقة الى المستثمرين.
الا ان اغناتيوس شكك بجدوى القرض، وقال ان شروطه تؤدي الى اثارة بلبلة في صفوف المصريين، ما يساهم في المزيد من التأزيم للوضع الامني، ومن شأن الوضع الامني المأزوم بدوره ان يؤخر في تعافي الاقتصاد المصري.
وردت كريبوريديكر بالقول ان الاصلاحات التي يطلبها الصندوق من مصر لا تطال الفقراء، بل من يملكون سيارات او مكيفات هواء. واعتبرت ان لدى هؤلاء قدرة مالية تسمح بالغاء دعم الحكومة لمادة الفيول التي يستخدمونها، وربما «يمكن استخدام هذه الاموال من اجل شبكات الضمان الاجتماعي او للانفاق في قطاع التربية وقطاعات اخرى تفيد الشرائح الفقيرة».
وكان فهمي افتتح الجلسة بالحديث عن ثلاثة عناصر اعتبر انها تؤذي الاقتصاد المصري حاليا، وهي عدم استقرار الامن، وازمة الطاقة، والشح في العملات الاجنبية المتداولة في السوق وبين المصارف.
وقال فهمي ان بلاده حصلت على عدد لا بأس به من المساعدات والقروض الميسرة من قطر وليبيا، لكنه حذر من ان «تقديم قطر للأموال - وهو امر مرحب به جدا من قبل المصرف المركزي - قد يسمح للحكومة بتأخير الحصول على قرض صندوق النقد او قيامها باصلاحات».
واضاف ان «انهيار العملة المحلية صار قريبا جدا»، كما اشار الى قيود مفروضة عما يمكن للشركات استيراده، وعلى كمية العملات الاجنبية التي يجوز لهم تحريكها الى خارج البلاد.
وكانت مصر، بقيادة وزيرها للتخطيط والتعاون الدولي اشرف العربي، انهت جولة اخرى من المفاوضات مع صندوق النقد من دون التوصل الى اتفاق، ما يبقي مصير القرض المتوقع معلقا.
وقبل نهايتها، تحولت الجلسة الى مايشبه مناظرة ثنائية بين كيرتزر وفهمي حول المساعدة السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة الى مصر، والتي تذهب معظمها الى القوات المسلحة المصرية.
وقال كيرتزر ان المساعدة الاميركية تتضمن تزويد مصر باسلحة وعتاد حربي لا حاجة لها لفرض الامن داخليا، وانه يمكن لمصر الافادة من هذه الاموال في قطاعات اخرى.
واضاف ان العسكر في مصر يسعون دائما للحصول على اسلحة متطورة، مثل «مقاتلات ا ف 16 واف 35»، وذلك من باب «التباهي» فقط.
اما فهمي، فدافع عن الجيش المصري، وقال انه «بعدما رأينا كيف تصرف الجيش في دول عربية اخرى اندلعت فيها ثورات، لا بد لنا من تقدير الدور الذي قام به المجلس العسكري في مصر، ولاحقا في تخليه عن الحكم» لمصلحة رئيس منتخب.
وختم فهمي ان الخيار الانسب يكون بزيادة المساعدة الاميركية لمصر، من دون تقليص تلك المخصصة للجيش المصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق