حسين عبدالحسين
عندما يزور الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الرياض منتصف الشهر المقبل، لن يقدم التسوية السياسية في سوريا كحل وحيد للأزمة فيها، فمؤتمر "جنيف 2ط الذي خصص لهذه التسوية، والذي شاركت فيه السعودية والفصائل السورية القريبة منها، انهار بسبب "عنجهية" نظام بشار الأسد، حسب مجلس الوزراء السعودي، وبسبب استمرار روسيا بتقديم الدعم للأسد حتى "يضاعف من رهانه" ويستمر في الحملة العسكرية التي يشنها ضد معارضيه والمدنيين، حسب وزير الخارجية الأميركية جون كيري.
وبين انهيار التسوية واللقاء المزمع عقده بين أوباما والعاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، للمرة الأولى منذ العام 2010، تستعد كل من واشنطن والرياض لتقديم بدائل للحل السياسي المنهار، والتوصل إلى اتفاق حول الخطوات المقبلة.
الولايات المتحدة ما تزال ترفض أي تدخل عسكري مباشر لها في سوريا. كذلك، تعارض واشنطن تسليح الثوار، أو توسيع برنامج تدريبها الخجول، والذي يخرّج 250 مقاتلاً سوريا شهرياً بعد أن يتم تدريبهم في الأردن.
في الوقت نفسه، تعتقد الإدارة الأميركية أن لديها خيارات أخرى يمكنها تقديمها للثوار، مثل زيادة في الدعم اللوجستي، وتزويد الثوار بمعلومات استخباراتية وبصور جوية حول أماكن انتشار مقاتلي الأسد وحزب الله. كذلك، تعتقد واشنطن أن بإمكانها تقديم وسائل مواصلات واتصالات.
لكن السعودية لا تعتقد أن من شأن هذه الخيارات أن تشكل بديلاً جدياً لانهيار التسوية السياسية، وأن خطوات من هذا النوع من شأنها إضاعة الوقت. بدلاً من ذلك، تقترح الرياض تزويد الثوار السوريين المقربين منها، والتي تتحمل مسؤولية انضباطهم، بأسلحة نوعية، ولا سيما الصواريخ المحمولة على الكتف، والتي يمكنها إسقاط مروحيات الأسد وبعض مقاتلاته، وبذلك إنهاء غارات البراميل المتفجرة التي تروع المدنيين السوريين وتقتل أعداداً كبيرة منهم.
حتى الأمس القريب، كان التباين بين أميركا والسعودية حول كيفية التعاطي مع الأزمة السورية واضحاً، وهو، بالإضافة إلى الاختلاف حول كيفية مقاربة ملفات النووي الإيراني والعراق ومصر وشؤوناً أخرى، أدى إلى جفاء وشبه توتر في العلاقة.
لكن تطوراً حدث وأجبر واشنطن على العودة إلى السعوديين في محاولة للدفاع عن بعض المصالح الأميركية. هذا التطور يتمثل بالزيادة المفاجئة للقلق الأميركي من ازدياد سطوة وقوة الفصائل الإسلامية المتطرفة، التي تسيطر على بعض المناطق في سوريا، في وقت تشير المعلومات المتواترة في العاصمة الأميركية إلى أن ما يقارب 2500 من المقاتلين الأجانب، والذين يقدر إجمالي عددهم بعشرة آلاف، يحملون الجنسية السعودية.
ولأن واشنطن والعواصم الغربية تسعى منذ فترة إلى مراقبة المواطنين الغربيين ممن يشاركون في القتال في سوريا ويمكن عودتهم إلى أوطانهم يوماً، لتنفيذ عمليات عنف فيها، ازداد الاهتمام الغربي عموماً والأميركي خصوصاً بالحرب السورية، ما أجبر واشنطن على محاولة التواصل مع الأصدقاء والحلفاء في هذا السياق.
أولى الخطوات الأميركية تمثلت في عقد لقاءات مع الحلفاء الأوروبيين لتبادل المعلومات والأفكار. الخطوة الثانية تمثلت بعقد لقاء، الأسبوع الماضي في العاصمة الأميركية، لمسؤولين أمنيين من دول منطقة الشرق الأوسط من أصدقاء أميركا، وشارك من الجانب السعودي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.
واللافت اليوم أنه، فيما كانت أميركا تميل في الماضي للاعتقاد بأنه يمكنها التعاون مع إيران والأسد من أجل لجم المجموعات الإسلامية المتطرفة، صارت التقارير المتواتر اليوم تشير إلى مسؤولية إيران والأسد في تغذية بعض النشاط المتطرفة، من أجل تبرير العنف الذي يمارسه الأسد وحلفائه بحق معارضيه.
هكذا، شعرت واشنطن أنها بحاجة إلى ترميم تحالف حقيقي في وجه المجموعات الإسلامية المتطرفة، وهنا وجدت ضالتها في السعودية، التي أصدرت سلسلة قرارات مؤخراً فرضت بموجبها عقوبات مشددة على أي سعوديين يشاركون في القتال في سوريا.
لكن، في الوقت الذي تعتقد واشنطن أن السعودية يمكنها أن تقدم تعاوناً غير مسبوق ضد الإرهاب، تتوقع واشنطن أن تطلب السعودية في المقابل، وفي إطار مكافحة الإرهاب نفسه، إنهاء أسبابه، والتي يتصدرها استمرار بقاء الأسد في منصبه، ومساهمة إيران في دفع بعض المجموعات المتطرفة إلى الواجهة.
ولأن السعودية تقدم معلومات يمكن الركون إليها لتبديد مخاوف أميركا من المجموعات المتطرفة في سوريا، ستجد واشنطن نفسها مجبرة للركون إلى معلومات سعودية حول المجموعات الأخرى، وخصوصاً السورية المعتدلة، مثل "الجيش السوري الحر" وغيرها، والتي راحت مؤخراً تنظم صفوفها وتظهر انضباطاً على الأرض وارتباطا بالقيادة السياسية للمعارضين السوريين وحلفائهم الإقليميين والدوليين.
هكذا، تعد الرياض واشنطن بفصل الصالح عن الطالح بين المقاتلين في سوريا، وتزويد المجموعة الأولى بسلاح نوعي وتدريب يمكنه قلب تقدم قوات الأسد وحلفائه، وفي الوقت نفسه مطاردة الإرهابيين داخل سوريا والقبض عليهم وعلى شبكاتهم خارجها وحول العالم، وهذا عرض تجد واشنطن نفسها مجبرة على قبوله.
بعد سوريا، سيكون هناك حديث أميركي - سعودي عن إيران، ولكن التباين مازال واضحاً بين الطرفين. واشنطن تصر على جدوى الحوار مع طهران، فيما الرياض تعتقد بضرورة الاستمرار في الضغط على الإيرانيين الذين يعدون، منذ زمن، ولا يفون.
إذاً، هل يمكن لأميركا والسعودية التقارب في سوريا والاستمرار في الاختلاف حول إيران؟ هذا ما تعمل الحكومتان على تسويته في الأسابيع القليلة المتبقية قبل لقاء القمة المنتظر في الرياض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق