حسين عبدالحسين
اقلقت التصريحات التي اطلقها المرشد الاعلى للثورة الاسلامية في ايران علي خامنئي، مطلع الاسبوع الماضي، عددا من المسؤولين الاميركيين، وخصوصا ممن يعولون على التوصل الى اتفاقية مع طهران حول ملفها النووي لدرء مخاطر الانزلاق نحو مواجهة قد تفضي لتوجيه اميركا لضربة عسكرية ضد ايران.
ومما قاله خامنئي، في تصريحات اظهرت وكأنه يوّبخ مسؤولي حكومة الرئيس الايراني حسن روحاني، ان الامة الايرانية قالت «اننا لن نستسلم للبلطجة والابتزاز الاميركيين»، وان بعض الناس ممن «يحاولون اخفاء وجه اميركا الحقيقي عليهم الا يفعلوا ذلك»، وان على هؤلاء «ان لا يغطوا قباحة اميركا وبربريتها وعنفها بحق امتنا». وتابع ان هؤلاء «يحاولون تصوير (الحكومة) الاميركية على انها صديقة، ولكن عليهم الا يفعلوا ذلك، فهذا عمل عقيم».
وتأتي تصريحات خامنئي في وقت تتواصل المناوشات في كواليس مجلس الشيوخ في محاولة لتمرير دفعة جديدة من العقوبات الاميركية على طهران، مع مفعول متأخر يبدأ بعد عام من الاقرار. ويعتقد مؤيدو العقوبات، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ان ايران ليست جادة في المفاوضات النووية، وانها تهدف لاضاعة الوقت حتى تتوصل لصناعة وانتاج سلاحا نوويا.
استحالة التوصل الى حل نووي بين ايران والعالم هي ما اكده خامنئي بقوله ان «بعض المسؤولين الايرانيين يعتقدون ان المسألة النووية يمكن حلّها من خلال المفاوضات مع اميركا، وانا قلت: ان كنتم تصرون على التفاوض معها حول هذا الامر على وجه الخصوص، فلا مشكلة، ولكني في الخطاب نفسه قلت اني لست متفائلا... لست ضد (المفاوضات) ولكني لست متفائلا».
واضاف خامنئي: «حتى لو توصلنا الى حل للنووي يوما ما وفق توقعات اميركا، مع ان ذلك مستحيل، سيطلبون شيئا آخر... لاحظوا كيف يتطرق المتحدثون الاميركيون الى حقوق الانسان والصواريخ والاسلحة وما الى ذلك».
هكذا، عمم مؤيدو العقوبات الجديدة على ايران تصريحات خامنئي، وذيّلوها بتعليقات حول «النوايا الحقيقية لايران على لسان زعيمها»، معتبرين ان خامنئي نفسه لا يؤمن بجدوى المفاوضات، ما يعني ضرورة اقرار عقوبات جديدة.
وقانون العقوبات صار اليوم يحوز على غالبية في الكونغرس بمجلسيه، الا ان زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، السناتور الديموقراطي هاري ريد، يمنع ادراج القانون على جدول الاعمال من اجل النقاش او التصويت.
وتأتي معارضة ريد بطلب من الرئيس باراك أوباما، الذي تعمل ادارته على اقناع المشرعين الاميركيين بضرورة «اعطاء الديبلوماسية مع ايران فرصة». وأخيرا، كشفت المجموعات الصديقة لاسرائيل عن بعض قوتها اذ قامت مجموعة «اصدقاء اسرائيل المسيحيين»، وهي احدى اكبر المجموعات الاميركية اليمينية واكثرها تمويلا ونفوذا وخصوصا في جنوب البلاد، بارسال بريد الكتروني لمناصريها حثتهم فيه على الضغط على ريد للافراج عن قانون العقوبات.
وفي اقل من ثلاث ساعات على صدور البريد الالكتروني، يقول مستشارو ريد، تلقى مكتب زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ اكثر من عشرة الاف رسالة الكترونية من ناخبية في ولاية نيفادا، فضلا عن الاف الاتصالات الهاتفية التي انهالت على مساعديه بهدف الضغط عليهم وحثهم على تأييد القانون والسماح بمناقشته واقراره.
في هذه الاثناء، يعتقد خبراء ان في ايران ثلاثة تيارات في الموضوع النووي: تيار يعتقد بضرورة المضي قدما بالبرنامج النووي والتوصل الى صناعة سلاح من اجل ردع القوى العسكرية في المنطقة، وخصوصا النووية منها مثل اسرائيل والهند وباكستان، وتيار «وسطي» يؤمن بوجوب الابطاء في العمل في البرنامج النووي بهدف التوصل الى تسويات مع الغرب تسمح برفع العقوبات واعادة انعاش الاقتصاد الايراني، وتيار ثالث يرى ان التخلي عن النووي امر لا مفر منه نظرا للتبعات البيئية للمفاعلات النووية، خصوصا في حال وقوع زلازل، فضلا عن التكلفة الاقتصادية والسياسية الهائلة التي تدفعها ايران من اجل برنامج غير مفهوم جدواه او فائدته.
ويعتبر الباحث في «جامعة الدفاع القومي» نعمة جيرامي ان التيار الايراني المعارض بالكامل للبرنامج النووي هو الاضعف، وان مقاليد السلطة تتنقل بين التيارين الوسطي والمتشدد، وان الاثنين يؤمنان باستمرار التخصيب، وان بأشكال ودرجات مختلفة.
اما خامنئي، الذي يحكم «بالاجماع» اي «من دون مراسيم»، حسب جيرامي، فمواقفه تتراوح بين التيارين الوسطي والمتشدد، فهو اعطى تفويضا لروحاني الوسطي من اجل القيام بما يلزم لتخفيف العقوبات الاقتصادية على ايران من خلال المفاوضات، ولكنه في الوقت نفسه لا يرغب في تحجيم التيار المتشدد الذي يقوده «الحرس الثوري الايراني»، قاعدة خامنئي ومصدر قوته.
على ان جيرامي يشكك بمصداقية روحاني، وهو يعتقد ان الاخير يأمل في ان تؤدي المفاوضات الى انشقاقات في صفوف المجموعة الدولية، وخصوصا بين الثلاثي الاوروبي، اي فرنسا وبريطانيا والمانيا، من جهة، والولايات المتحدة من جهة اخرى، على غرار الانقسام الذي وقع بين الجانبين ابان الحرب في العراق، ما يحسن من موقف ايران ويسمح لها بالنفاذ من هذه التشققات ورفع العقوبات مع الحفاظ في الوقت نفسه على التخصيب وعلى البرنامج النووي.
ويختم جيرامي ان تاريخ المفاوضات النووية مع ايران يظهر انها غالبا ما تلين عندما يشتد الضغط عليها، مثل مطلع العقد الماضي وابان اندلاع الحرب في العراق، فيما تتصلب طهران ويتجه المرشد نحو المتشددين عندما تشعر بضعف المجتمع الدولي وبقوتها، وهو ما حدث مع حلول العام 2005 عندما ادركت ان اميركا سقطت في المستنقع العراقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق